الباحث القرآني
وَقَوْلُهُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾، اَلْمَعْنى: إذا أرَدْتُمُ القِيامَ إلى الصَّلاةِ، وإنَّما جازَ ذَلِكَ لِأنَّ في الكَلامِ والِاسْتِعْمالِ دَلِيلًا عَلى مَعْنى الإرادَةِ، ومِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - ﴿فَإذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: ٩٨]، اَلْمَعْنى: إذا أرَدْتَ أنْ تَقْرَأ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأرْجُلَكم إلى الكَعْبَيْنِ﴾، اَلْقِراءَةُ بِالنَّصْبِ، وقَدْ قُرِئَتْ بِالخَفْضِ، وكِلا الوَجْهَيْنِ جائِزٌ في العَرَبِيَّةِ، فَمَن قَرَأ بِالنَّصْبِ فالمَعْنى: ”فاغْسِلُوا وُجُوهَكم وأيْدِيَكم إلى المَرافِقِ، وأرْجُلَكم إلى الكَعْبَيْنِ، وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكم“، عَلى التَّقْدِيمِ، والتَّأْخِيرِ، والواوُ جائِزٌ فِيها ذَلِكَ، كَما قالَ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ [آل عمران: ٤٣]، (p-١٥٣)والمَعْنى: ”وارْكَعِي واسْجُدِي“، لِأنَّ الرُّكُوعَ قَبْلَ السُّجُودِ، ومَن قَرَأ: ”وَأرْجُلِكم“، بِالجَرِّ، عَطَفَ عَلى الرُّؤُوسِ، وقالَ بَعْضُهم: نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالمَسْحِ، والسُّنَّةُ في الغَسْلِ، وقالَ بَعْضُ أهْلِ اللُّغَةِ: هو جَرٌّ عَلى الجِوارِ، فَأمّا الخَفْضُ عَلى الجِوارِ فَلا يَكُونُ في كَلِماتِ اللَّهِ، ولَكِنَّ المَسْحَ عَلى هَذا التَّحْدِيدِ في القُرْآنِ كالغَسْلِ، لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿فاغْسِلُوا وُجُوهَكم وأيْدِيَكم إلى المَرافِقِ﴾، فَذَكَرَ الحَدَّ في الغَسْلِ لِلْيَدِ إلى المَرافِقِ، ولِلْيَدِ مِن أطْرافِ الأصابِعِ إلى الكَفِّ، فَفَرَضَ عَلَيْنا أنْ نَغْسِلَ بَعْضَ اليَدِ مِن أطْرافِ الأصابِعِ إلى المِرْفَقِ، فالمِرْفَقُ مُنْقَطِعٌ مِمّا لا يُغْسَلُ، ودَخَلَ فِيما يُغْسَلُ، وقَدْ قالَ بَعْضُ أهْلِ اللُّغَةِ: مَعْناهُ: مَعَ المَرافِقِ، واليَدُ المِرْفَقُ داخِلٌ فِيها، فَلَوْ كانَ ”اِغْسِلُوا أيْدِيَكم مَعَ المِرْفَقِ“، لَمْ تَكُنْ في المَرافِقِ فائِدَةٌ، وكانَتِ اليَدُ كُلُّها يَجِبُ أنْ تُغْسَلَ، ولَكِنَّهُ لَمّا قِيلَ: ”إلى المَرافِقِ“، اِقْتُطِعَتْ في الغَسْلِ مِن حَدِّ المِرْفَقِ، و”اَلْمِرْفَقُ“، في اللُّغَةِ: ما جاوَزَ الإبْرَةَ، وهو المَكانُ الَّذِي يُرْتَفَقُ بِهِ، أيْ: يُتَّكَأُ عَلَيْهِ عَلى المِرْفَقَةِ وغَيْرِها، فالمَرافِقُ حَدُّ ما يُنْتَهى إلَيْهِ في الغَسْلِ مِنها، ولَيْسَ يَحْتاجُ إلى تَأْوِيلِ ”مَعَ“، ولَمّا حَدَّ في الرِّجْلِ إلى الكَعْبَيْنِ، والرِّجْلُ مِن أصْلِ الفَخِذِ إلى القَدَمِ، عُلِمَ أنَّ الغَسْلَ مِن أطْرافِ الأصابِعِ إلى الكَعْبَيْنِ، والكَعْبانِ هُما العَظْمانِ النّاتِئانِ في آخِرِ السّاقِ مَعَ القَدَمِ، وكُلُّ مِفْصَلٍ مِنَ العِظامِ فَهو كَعْبٌ، إلّا أنَّ (p-١٥٤)هَذَيْنِ الكَعْبَيْنِ ظاهِرانِ عَنْ يُمْنَةٍ فَوْقَ القَدَمِ ويُسْرَتِهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلى أنْ يُقالُ: اَلْكَعْبانِ اللَّذانِ صِفَتُهُما كَذا وكَذا، فالدَّلِيلُ عَلى أنَّ الغَسْلَ هو الواجِبُ في الرِّجْلِ، والدَّلِيلُ عَلى أنَّ المَسْحَ عَلى الرِّجْلِ لا يَجُوزُ، هو تَحْدِيدُ ”إلى الكَعْبَيْنِ“، كَما جاءَ في تَحْدِيدِ اليَدِ إلى المَرافِقِ، ولَمْ يَجِئْ في شَيْءٍ في المَسْحِ تَحْدِيدٌ، قالَ: ﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾، بِغَيْرِ تَحْدِيدٍ في القُرْآنِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فامْسَحُوا بِوُجُوهِكم وأيْدِيكم مِنهُ﴾، ويَجُوزُ ”وَأرْجُلِكم“، بِالجَرِّ، عَلى مَعْنى ”واغْسِلُوا“، لِأنَّ قَوْلَهُ إلى الكَعْبَيْنِ قَدْ دَلَّ عَلى ذَلِكَ، كَما وصَفْنا، ويُنْسَقُ بِالغَسْلِ عَلى المَسْحِ، كَما قالَ الشّاعِرُ:
؎يا لَيْتَ بَعْلَكِ قَدْ غَدا ∗∗∗ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا ورُمْحا
اَلْمَعْنى: مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وحامِلًا رُمْحًا، وكَذَلِكَ قالَ الآخَرُ:
؎عَلَفْتُها تِبْنًا وماءً بارِدا
اَلْمَعْنى: وسَقَيْتُها ماءً بارِدًا.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فاطَّهَّرُوا﴾، يُقالُ لِلْواحِدِ: ”رَجُلٌ جُنُبٌ“، و”رَجُلانِ جُنُبٌ“، و”قَوْمٌ جُنُبٌ“، و”اِمْرَأةٌ جُنُبٌ“، كَما يُقالُ: ”رَجُلٌ رِضًى“، و”قَوْمٌ رِضًى“، وإنَّما هو عَلى تَأْوِيلِ ”ذَوُو أجْنُبٍ“، لِأنَّهُ مَصْدَرٌ، والمَصْدَرُ يَقُومُ مَقامَ ما أُضِيفَ إلَيْهِ، ومِنَ العَرَبِ مَن يُثَنِّي، ويَجْمَعُ، ويَجْعَلُ (p-١٥٥)المَصْدَرَ بِمَنزِلَةِ اسْمِ الفاعِلِ، وإذا جُمِعَ ”جُنُبٌ“، قُلْتَ في الرِّجالِ: ”جُنُبُونَ“، وفي النِّساءِ: ”جُنُباتٌ“، ولِلِاثْنَيْنِ: ”جُنُبانِ“ .
وَقَوْلُهُ: ﴿فاطَّهَّرُوا﴾، مَعْناهُ: ”فَتَطَهَّرُوا“، إلّا أنَّ التّاءَ تُدْغَمُ في الطّاءِ، لِأنَّهُما مِن مَكانٍ واحِدٍ، وهُما مَعَ الدّالِ مِن طَرَفِ اللِّسانِ، وأصُولِ الثَّنايا العُلْيا، فَإذا أُدْغِمَتِ التّاءُ في الطّاءِ، سَقَطَ أوَّلُ الكَلِمَةِ، فَزِيدَ فِيها ألِفُ الوَصْلِ، فابْتَدَأْتَ فَقُلْتَ: ”اِطَّهَّرُوا“، وبَيَّنَ - عَزَّ وجَلَّ - ما طَهارَةُ الجُنُبِ في سُورَةِ ”اَلنِّساءِ“، بِالغُسْلِ، فَقالَ: ﴿وَلا جُنُبًا إلا عابِرِي سَبِيلٍ حَتّى تَغْتَسِلُوا﴾ [النساء: ٤٣]، و”اَلْغائِطُ“: كِنايَةٌ عَنْ مَكانِ الحَدَثِ، و”اَلْغِيطانُ“: ما انْخَفَضَ مِنَ الأرْضِ.
وَقَوْلُهُ: - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾، أيْ: اِقْصِدُوا، وقَدْ بَيَّنّا ”اَلصَّعِيدُ“، في سُورَةِ ”اَلنِّساءِ“ .
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكم مِن حَرَجٍ﴾، أيْ: مِن ضِيقٍ، ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾، واللّامُ دَخَلَتْ لِتُبَيِّنَ الإرادَةَ، المَعْنى: إرادَتُهُ لِيُطَهِّرَكُمْ، قالَ الشّاعِرُ:
؎أُرِيدُ لِأنْسى ذِكْرَها فَكَأنَّما ∗∗∗ تَمَثَّلُ لِي لَيْلى بِكُلِّ سَبِيلِ
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُوا۟ وُجُوهَكُمۡ وَأَیۡدِیَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُوا۟ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَیۡنِۚ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبࣰا فَٱطَّهَّرُوا۟ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَاۤءَ أَحَدࣱ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَاۤىِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَلَمۡ تَجِدُوا۟ مَاۤءࣰ فَتَیَمَّمُوا۟ صَعِیدࣰا طَیِّبࣰا فَٱمۡسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَیۡدِیكُم مِّنۡهُۚ مَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیَجۡعَلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ حَرَجࣲ وَلَـٰكِن یُرِیدُ لِیُطَهِّرَكُمۡ وَلِیُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق