الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ( إذا قُمْتُمْ ) إذا أرَدْتُمُ القِيامَ تَعْبِيرًا بِالمُسَبَّبِ عَنِ السَّبَبِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿فَإذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [النحل: ٩٨] وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في هَذا الأمْرِ عِنْدَ إرادَةِ القِيامِ إلى الصَّلاةِ، فَقالَتْ طائِفَةٌ: هو عامٌّ في كُلِّ قِيامٍ إلَيْها، سَواءٌ كانَ القائِمُ مُتَطَهِّرًا أوْ مُحْدِثًا، فَإنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ إذا قامَ إلى الصَّلاةِ أنْ يَتَوَضَّأ، وهو مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وعِكْرِمَةَ، وقالَ ابْنُ سِيرِينَ: كانَ الخُلَفاءُ يَتَوَضَّئُونَ لِكُلِّ صَلاةٍ، وقالَتْ طائِفَةٌ أُخْرى: إنَّ هَذا الأمْرَ خاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وهو ضَعِيفٌ، فَإنَّ الخِطابَ لِلْمُؤْمِنِينَ والأمْرَ لَهم، وقالَتْ طائِفَةٌ: الأمْرُ لِلنَّدْبِ طَلَبًا لِلْفَضْلِ، وقالَ آخَرُونَ: إنَّ الوُضُوءَ لِكُلِّ صَلاةٍ كانَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الآيَةِ، ثُمَّ نُسِخَ في فَتْحِ مَكَّةَ، وقالَ جَماعَةٌ: هَذا الأمْرُ خاصٌّ بِمَن كانَ مُحْدِثًا، وقالَ آخَرُونَ: المُرادُ إذا قُمْتُمْ مِنَ النَّوْمِ إلى الصَّلاةِ، فَيَعُمُّ الخِطابُ كُلَّ قائِمٍ مِن نَوْمٍ، وقَدْ أخْرَجَ مُسْلِمٌ وأحْمَدُ وأهْلُ السُّنَنِ عَنْ بُرَيْدَةَ قالَ: «كانَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، فَلَمّا كانَ يَوْمُ الفَتْحِ تَوَضَّأ ومَسَحَ عَلى خُفَّيْهِ وصَلّى الصَّلَواتَ بِوُضُوءٍ واحِدٍ، فَقالَ لَهُ عُمَرُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ فَعَلْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ، فَقالَ: عَمْدًا فَعَلْتُهُ يا عُمَرُ»، وهو مَرْوِيٌّ مِن طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِألْفاظٍ مُتَّفِقَةٍ في المَعْنى. وأخْرَجَ البُخارِيُّ وأحْمَدُ وأهْلُ السُّنَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عامِرٍ الأنْصارِيِّ سَمِعْتُ أنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقُولُ: «كانَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، قالَ: قُلْتُ: فَأنْتُمْ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قالَ: كُنّا نُصَلِّي الصَّلَواتِ بِوُضُوءٍ واحِدٍ ما لَمْ نُحْدِثْ»، فَتَقَرَّرَ بِما ذُكِرَ أنَّ الوُضُوءَ لا يَجِبُ إلّا عَلى المُحْدِثِ، وبِهِ قالَ جُمْهُورُ أهْلِ العِلْمِ وهو الحَقُّ.
قَوْلُهُ: ﴿فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ الوَجْهُ في اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ المُواجَهَةِ، وهو عُضْوٌ مُشْتَمِلٌ عَلى أعْضاءٍ، ولَهُ طُولٌ وعَرْضٌ، فَحَدُّهُ في الطُّولِ مِن مُبْتَدَأِ سَطْحِ الجَبْهَةِ إلى مُنْتَهى اللِّحْيَيْنِ، وفي العَرْضِ مِنَ الأُذُنِ إلى الأُذُنِ، وقَدْ ورَدَ الدَّلِيلُ بِتَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ، واخْتَلَفَ العُلَماءُ في غَسْلِ ما اسْتَرْسَلَ، والكَلامُ في ذَلِكَ مَبْسُوطٌ في مَواطِنِهِ، وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ أيْضًا: هَلْ يُعْتَبَرُ في الغَسْلِ الدَّلْكُ بِاليَدِ أمْ يَكْفِي إمْرارُ الماءِ، والخِلافُ في ذَلِكَ مَعْرُوفٌ، والمَرْجِعُ اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ فَإنْ ثَبَتَ فِيها أنَّ الدَّلْكَ داخِلٌ في مُسَمّى الغَسْلِ كانَ مُعْتَبَرًا وإلّا فَلا، قالَ في شَمْسِ العُلُومِ: غَسَلَ الشَّيْءَ غَسْلًا إذا أجْرى عَلَيْهِ الماءَ ودَلَّكَهُ انْتَهى، وأمّا المَضْمَضَةُ والِاسْتِنْشاقُ، فَإذا لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الوَجْهِ يَشْمَلُ باطِنَ الفَمِ والأنْفِ فَقَدْ ثَبَتَ غَسْلُها بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، والخِلافُ في الوُجُوبِ وعَدَمِهِ مَعْرُوفٌ، وقَدْ أوْضَحْنا ما هو الحَقُّ في مُؤَلَّفاتِنا.
قَوْلُهُ: ﴿وأيْدِيَكم إلى المَرافِقِ﴾ ( إلى ) لِلْغايَةِ، وأمّا كَوْنُ ما بَعْدَها يَدْخُلُ فِيما قَبْلَها فَمَحَلُّ خِلافٍ، وقَدْ ذَهَبَ سِيبَوَيْهِ وجَماعَةٌ إلى أنَّ ما بَعْدَها إنْ كانَ مِن نَوْعِ ما قَبْلَها دَخَلَ وإلّا فَلا، وقِيلَ: إنَّها هُنا بِمَعْنى مَعَ، وذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّها تُفِيدُ الغايَةَ مُطْلَقًا، وأمّا الدُّخُولُ وعَدَمُهُ فَأمْرٌ يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ، وقَدْ ذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّ المَرافِقَ تُغْسَلُ، واسْتَدَلُّوا بِما (p-٣٥٨)أخْرَجَهُ الدّارَقُطْنِيُّ والبَيْهَقِيُّ مِن طَرِيقِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ إذا تَوَضَّأ أدارَ الماءَ عَلى مِرْفَقَيْهِ»، ولَكِنَّ القاسِمَ هَذا مَتْرُوكٌ وجَدُّهُ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: ( وامْسَحُوا بِرُءُوسِكم ) قِيلَ: الباءُ زائِدَةٌ، والمَعْنى: امْسَحُوا رُؤُوسَكم، وذَلِكَ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ المَسْحِ لِجَمِيعِ الرَّأْسِ وقِيلَ: هي لِلتَّبْعِيضِ، وذَلِكَ يَقْتَضِي أنَّهُ يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِهِ، واسْتَدَلَّ القائِلُونَ بِالتَّعْمِيمِ بِقَوْلِهِ تَعالى في التَّيَمُّمِ: ﴿فامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ﴾ ولا يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِ الوَجْهِ اتِّفاقًا، وقِيلَ: إنَّها لَلْإلْصاقِ؛ أيْ: ألْصِقُوا أيْدِيَكم بِرُءُوسِكم، وعَلى كُلِّ حالٍ فَقَدْ ورَدَ في السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ ما يُفِيدُ أنَّهُ يَكْفِي مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ كَما أوْضَحْناهُ في مُؤَلِّفاتِنا، فَكانَ هَذا دَلِيلًا عَلى المَطْلُوبِ غَيْرَ مُحْتَمَلٍ كاحْتِمالِ الآيَةِ عَلى فَرْضِ أنَّها مُحْتَمَلَةٌ، ولا شَكَّ أنَّ مَن أمَرَ غَيْرَهُ بِأنْ يَمْسَحَ رَأْسَهُ كانَ مُمْتَثِلًا بِفِعْلِ ما يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمّى المَسْحِ، ولَيْسَ في لُغَةِ العَرَبِ ما يَقْتَضِي أنَّهُ لا بُدَّ في مِثْلِ هَذا الفِعْلِ مِن مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وهَكَذا سائِرُ الأفْعالِ المُتَعَدِّيَةِ نَحْوَ اضْرِبْ زَيْدًا أوِ اطْعَنْهُ أوِ ارْجُمْهُ، فَإنَّهُ يُوجَدُ المَعْنى العَرَبِيُّ بِوُقُوعِ الضَّرْبِ أوِ الطَّعْنِ أوِ الرَّجْمِ عَلى عُضْوٍ مِن أعْضائِهِ ولا يَقُولُ قائِلٌ مِن أهْلِ اللُّغَةِ أوْ مَن هو عالِمٌ بِها إنَّهُ لا يَكُونُ ضارِبًا إلّا بِإيقاعِ الضَّرْبِ عَلى كُلِّ جُزْءٍ مِن أجْزاءِ زَيْدٍ، وكَذَلِكَ الطَّعْنُ والرَّجْمُ وسائِرُ الأفْعالِ، فاعْرِفْ هَذا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ ما هو الصَّوابُ مِنَ الأقْوالِ في مَسْحِ الرَّأْسِ، فَإنْ قُلْتَ: يَلْزَمُ مِثْلُ هَذا في غَسْلِ الوَجْهِ واليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ، قُلْتُ: مُلْتَزِمٌ لَوْلا البَيانُ مِنَ السُّنَّةِ في الوَجْهِ والتَّحْدِيدِ بِالغايَةِ في اليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ بِخِلافِ الرَّأْسِ، فَإنَّهُ ورَدَ في السُّنَّةِ مَسْحُ الكُلِّ ومَسْحُ البَعْضِ.
قَوْلُهُ: ﴿وأرْجُلَكم إلى الكَعْبَيْنِ﴾ قَرَأ نافِعٌ بِنَصْبِ الأرْجُلِ، وهي قِراءَةُ الحَسَنِ البَصْرِيِّ والأعْمَشِ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وحَمْزَةُ بِالجَرِّ، وقِراءَةُ النَّصْبِ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ؛ لِأنَّها مَعْطُوفَةٌ عَلى الوَجْهِ، وإلى هُنا ذَهَبَ جُمْهُورُ العُلَماءِ، وقِراءَةُ الجَرِّ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِصارُ عَلى مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ؛ لِأنَّها مَعْطُوفَةٌ عَلى الرَّأْسِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وهو مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ عَلى وُجُوبِ غَسْلِهِما وما عَلِمْتُ مَن رَدَّ ذَلِكَ إلّا الطَّبَرِيَّ مِن فُقَهاءِ المُسْلِمِينَ والرّافِضَةِ مِن غَيْرِهِمْ، وتَعَلَّقَ الطَّبَرِيُّ بِقِراءَةِ الجَرِّ، قالَ القُرْطُبِيُّ: قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: الوُضُوءُ غَسْلَتانِ ومَسْحَتانِ، قالَ: وكانَ عِكْرِمَةُ يَمْسَحُ رِجْلَيْهِ، وقالَ: لَيْسَ في الرِّجْلَيْنِ غَسْلٌ، إنَّما نَزَلَ فِيهِما المَسْحُ، وقالَ عامِرٌ الشَّعْبِيُّ: نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالمَسْحِ، قالَ: وقالَ قَتادَةُ: افْتَرَضَ اللَّهُ مَسْحَتَيْنِ وغَسْلَتَيْنِ، قالَ: وذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إلى أنَّ فَرْضَهُما التَّخْيِيرُ بَيْنَ الغَسْلِ والمَسْحِ وجَعَلَ القِراءَتَيْنِ كالرِّوايَتَيْنِ، وقَوّاهُ النَّحّاسُ، ولَكِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ في السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ بِالأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِن فِعْلِهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وقَوْلِهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ، وثَبَتَ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: «ويْلٌ لِلْأعْقابِ مِنَ النّارِ» وهو في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما فَأفادَ وُجُوبَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وأنَّهُ لا يُجْزِئُ مَسْحُهُما؛ لِأنَّ شَأْنَ المَسْحِ أنْ يُصِيبَ ما أصابَ ويُخْطِئَ ما أخْطَأ، فَلَوْ كانَ مُجْزِئًا لَما قالَ: «ويْلٌ لِلْأعْقابِ مِنَ النّارِ» .
وقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أنَّهُ «قالَ بَعْدَ أنْ تَوَضَّأ وغَسَلَ رِجْلَيْهِ: هَذا وُضُوءٌ لا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلاةَ إلّا بِهِ» وقَدْ ثَبَتَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وغَيْرِهِ «أنَّ رَجُلًا تَوَضَّأ فَتَرَكَ عَلى قَدَمِهِ مِثْلَ مَوْضِعِ الظُّفُرِ، فَقالَ لَهُ: ارْجِعْ فَأحْسِنْ وُضُوءَكَ» .
وأمّا المَسْحُ عَلى الخُفَّيْنِ فَهو ثابِتٌ بِالأحادِيثِ المُتَواتِرَةِ، وقَوْلُهُ: ( إلى الكَعْبَيْنِ ) الكَلامُ فِيهِ كالكَلامِ في قَوْلِهِ: ( إلى المَرافِقِ ) وقَدْ قِيلَ في وجْهِ جَمْعِ المَرافِقِ وتَثْنِيَةِ الكِعابِ: إنَّهُ لَمّا كانَ في كُلِّ رَجُلٍ كَعْبانِ ولَمْ يَكُنْ في كُلِّ يَدٍ إلّا مِرْفَقٌ واحِدٌ ثُنِّيَتِ الكِعابُ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ لِكُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ، بِخِلافِ المَرافِقِ فَإنَّها جُمِعَتْ؛ لِأنَّهُ لَمّا كانَ في كُلِّ يَدٍ مِرْفَقٌ واحِدٌ لَمْ يُتَوَهَّمْ وُجُودُ غَيْرِهِ، ذَكَرَ مَعْنى هَذا ابْنُ عَطِيَّةَ.
وقالَ الكَواشِيُّ: ثَنّى الكَعْبَيْنِ وجَمَعَ المَرافِقِ لِنَفْيِ تَوَهُّمِ أنَّ في كُلِّ واحِدَةٍ مِنَ الرِّجْلَيْنِ كَعْبَيْنِ، وإنَّما في كُلِّ واحِدَةٍ كَعْبٌ واحِدٌ لَهُ طَرَفانِ مِن جانِبَيِ الرِّجْلِ، بِخِلافِ المِرْفَقِ فَهي أبْعَدُ عَنِ الوَهْمِ انْتَهى. وبَقِيَ مِن فَرائِضِ الوُضُوءِ النِّيَّةُ والتَّسْمِيَةُ ولَمْ يُذْكَرا في هَذِهِ الآيَةِ، بَلْ ورَدَتْ بِهِما السُّنَّةُ، وقِيلَ: إنَّ في هَذِهِ الآيَةِ ما يَدُلُّ عَلى النِّيَّةِ، لِأنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ كانَ تَقْدِيرُ الكَلامِ: فاغْسِلُوا وُجُوهَكم لَها، وذَلِكَ هو النِّيَّةُ المُعْتَبَرَةُ.
قَوْلُهُ: ﴿وإنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فاطَّهَّرُوا﴾ أيْ: فاغْتَسِلُوا بِالماءِ، وقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ وابْنُ مَسْعُودٍ إلى أنَّ الجُنَبَ لا يَتَيَمَّمُ ألْبَتَّةَ بَلْ يَدَعُ الصَّلاةَ حَتّى يَجِدَ الماءَ اسْتِدْلالًا بِهَذِهِ الآيَةِ، وذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى وُجُوبِ التَّيَمُّمِ لِلْجَنابَةِ مَعَ عَدَمِ الماءِ، وهَذِهِ الآيَةُ هي لِلْواجِدِ، عَلى أنَّ التَّطَهُّرَ هو أعَمُّ مِنَ الحاصِلِ بِالماءِ أوْ بِما هو عِوَضٌ عَنْهُ مَعَ عَدَمِهِ، وهو التُّرابُ، وقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وابْنِ مَسْعُودٍ الرُّجُوعُ إلى ما قالَهُ الجُمْهُورُ لِلْأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ الوارِدَةِ في تَيَمُّمِ الجُنُبِ مَعَ عَدَمِ الماءِ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الجُنُبِ في النِّساءِ.
قَوْلُهُ: ﴿وإنْ كُنْتُمْ مَرْضى أوْ عَلى سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ﴾ [النساء: ٤٣] قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذا في سُورَةِ النِّساءِ مُسْتَوْفًى، وكَذَلِكَ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى مُلامَسَةِ النِّساءِ وعَلى التَّيَمُّمِ وعَلى الصَّعِيدِ، ومِن في قَوْلِهِ: ( مِنهُ ) لِابْتِداءِ الغايَةِ، وقِيلَ: لِلتَّبْعِيضِ، قِيلَ: ووَجْهُ تَكْرِيرِ هَذا هُنا لِاسْتِيفاءِ الكَلامِ في أنْواعِ الطَّهارَةِ ﴿ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكم مِن حَرَجٍ﴾ أيْ: ما يُرِيدُ بِأمْرِكم بِالطَّهارَةِ بِالماءِ أوْ بِالتُّرابِ التَّضْيِيقَ عَلَيْكم في الدِّينِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما جَعَلَ عَلَيْكم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] ثُمَّ قالَ: ﴿ولَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكم﴾ مِنَ الذُّنُوبِ، وقِيلَ: مِنَ الحَدَثِ الأصْغَرِ والأكْبَرِ ﴿ولِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ: بِالتَّرْخِيصِ لَكم في التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الماءِ أوْ بِما شَرَعَهُ لَكم مِنَ الشَّرائِعِ الَّتِي عَرَّضَكم بِها لِلثَّوابِ ( لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ ) نِعْمَتَهُ عَلَيْكم فَتَسْتَحِقُّونَ بِالشُّكْرِ ثَوابَ الشّاكِرِينَ.
وقَدْ أخْرَجَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ في قَوْلِهِ: ﴿إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ﴾ (p-٣٥٩)قالَ: قُمْتُمْ مِنَ المَضاجِعِ، يَعْنِي النَّوْمَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ أيْضًا عَنْهُ يَقُولُ: إذا قُمْتُمْ وأنْتُمْ عَلى غَيْرِ طُهْرٍ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ( فاغْسِلُوا وُجُوهَكم ) قالَ: ذَلِكَ الغَسْلُ الدَّلْكُ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أنَسٍ أنَّهُ قِيلَ لَهُ: إنَّ الحَجّاجَ خَطَبَنا فَقالَ: اغْسِلُوا وُجُوهَكم وأيْدِيَكم وامْسَحُوا بِرُءُوسِكم وأرْجُلِكم، وأنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ ابْنِ آدَمَ أقْرَبَ إلى الخَبَثِ مِن قَدَمَيْهِ فاغْسِلُوا بُطُونَهُما وظُهُورَهُما وعَراقِيبَهُما، قالَ أنَسٌ: صَدَقَ اللَّهُ وكَذَبَ الحَجّاجُ، قالَ اللَّهُ: ( وامْسَحُوا بِرُءُوسِكم وأرْجُلَكم ) وكانَ أنَسٌ إذا مَسَحَ قَدَمَيْهِ بَلَّهُما.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى قالَ: اجْتَمَعَ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ عَلى غَسْلِ القَدَمَيْنِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ( مِن حَرَجٍ ) قالَ: مِن ضِيقٍ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ قالَ: تَمامُ النِّعْمَةِ دُخُولُ الجَنَّةِ، لَمْ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلى عَبْدٍ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُوا۟ وُجُوهَكُمۡ وَأَیۡدِیَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُوا۟ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَیۡنِۚ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبࣰا فَٱطَّهَّرُوا۟ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَاۤءَ أَحَدࣱ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَاۤىِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَلَمۡ تَجِدُوا۟ مَاۤءࣰ فَتَیَمَّمُوا۟ صَعِیدࣰا طَیِّبࣰا فَٱمۡسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَیۡدِیكُم مِّنۡهُۚ مَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیَجۡعَلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ حَرَجࣲ وَلَـٰكِن یُرِیدُ لِیُطَهِّرَكُمۡ وَلِیُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق