الباحث القرآني
* [فَصْلٌ: الحِكْمَةُ في غَسْلِ أعْضاءِ الوُضُوءِ]
وَأمّا إيجابُهُ لِغَسْلِ المَواضِعِ الَّتِي لَمْ تَخْرُجْ مِنها الرِّيحُ، وإسْقاطُهُ غَسْلَ المَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنهُ، فَما أوْفَقَهُ لِلْحِكْمَةِ، وما أشَدَّهُ مُطابَقَةً لِلْفِطْرَةِ؛ فَإنَّ حاصِلَ السُّؤالِ: لِمَ كانَ الوُضُوءُ في هَذِهِ الأعْضاءِ الظّاهِرَةِ دُونَ باطِنِ المَقْعَدَةِ، مَعَ أنَّ باطِنَ المَقْعَدَةِ أوْلى بِالوُضُوءِ مِن الوَجْهِ واليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ؟ وهَذا سُؤالٌ مَعْكُوسٌ، مِن قَلْبٍ مَنكُوسٍ؛ فَإنَّ مِن مَحاسِنِ الشَّرِيعَةِ أنْ كانَ الوُضُوءُ في الأعْضاءِ الظّاهِرَةِ المَكْشُوفَةِ، وكانَ أحَقُّها بِهِ إمامَها ومُقَدَّمَها في الذِّكْرِ والفِعْلِ وهو الوَجْهُ الَّذِي نَظافَتُهُ ووَضاءَتُهُ عِنْوانٌ عَلى نَظافَةِ القَلْبِ، وبَعْدَهُ اليَدانِ، وهُما آلَةُ البَطْشِ والتَّناوُلِ والأخْذِ، فَهُما أحَقُّ الأعْضاءِ بِالنَّظافَةِ والنَّزاهَةِ بَعْدَ الوَجْهِ، ولَمّا كانَ الرَّأْسُ مَجْمَعَ الحَواسِّ وأعْلى البَدَنِ وأشْرَفَهُ كانَ أحَقَّ بِالنَّظافَةِ، لَكِنْ لَوْ شَرَعَ غَسْلَهُ في الوُضُوءِ لَعَظُمَتْ المَشَقَّةُ، واشْتَدَّتْ البَلِيَّةُ، فَشَرَعَ مَسْحَ جَمِيعِهِ، وأقامَهُ مَقامَ غَسْلِهِ تَخْفِيفًا ورَحْمَةً، كَما أقامَ المَسْحَ عَلى الخُفَّيْنِ مَقامَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ.
وَلَعَلَّ قائِلًا يَقُولُ: وما يُجْزِئُ مِسْحُ الرَّأْسِ والرِّجْلَيْنِ مِن الغَسْلِ والنَّظافَةِ؟ ولَمْ يَعْلَمْ هَذا القائِلُ أنَّ إمْساسَ العُضْوِ بِالماءِ امْتِثالًا لِأمْرِ اللَّهِ وطاعَةً لَهُ وتَعَبُّدًا يُؤَثِّرُ في نَظافَتِهِ وطَهارَتِهِ ما لا يُؤَثِّرُ غَسْلُهُ بِالماءِ والسِّدْرِ بِدُونِ هَذِهِ النِّيَّةِ، والتَّحاكُمُ في هَذا إلى الذَّوْقِ السَّلِيمِ، والطَّبْعِ المُسْتَقِيمِ، كَما أنَّ مَعْكَ الوَجْهِ بِالتُّرابِ امْتِثالًا لِلْآمِرِ وطاعَةً وعُبُودِيَّةً تُكْسِبُهُ وضاءَةً ونَظافَةً وبَهْجَةً تَبْدُو عَلى صَفَحاتِهِ لِلنّاظِرِينَ؛ ولَمّا كانَتْ الرِّجْلانِ تَمَسُّ الأرْضَ غالِبًا، وتُباشِرُ مِن الأدْناسِ ما لا تُباشِرُهُ بَقِيَّةُ الأعْضاءِ كانَتْ أحَقَّ بِالغَسْلِ، ولَمْ يُوَفَّقْ لِلْفَهْمِ عَنْ اللَّهِ ورَسُولِهِ مَن اجْتَزَأ بِمَسْحِهِما مِن غَيْرِ حائِلٍ.
فَهَذا وجْهُ اخْتِصاصِ هَذِهِ الأعْضاءِ بِالوُضُوءِ مِن بَيْنِ سائِرِها مِن حَيْثُ المَحْسُوسُ، وأمّا مِن حَيْثُ المَعْنى فَهَذِهِ الأعْضاءُ هي آلاتُ الأفْعالِ الَّتِي يُباشِرُ بِها العَبْدُ ما يُرِيدُ فِعْلَهُ، وبِها يُعْصى اللَّهُ سُبْحانَهُ ويُطاعُ؛ فاليَدُ تَبْطِشُ، والرِّجْلُ تَمْشِي، والعَيْنُ تَنْظُرُ، والأُذُنُ تَسْمَعُ، واللِّسانُ يَتَكَلَّمُ؛ فَكانَ في غَسْلِ هَذِهِ الأعْضاءِ - امْتِثالًا لِأمْرِ اللَّهِ، وإقامَةً لِمَعْبُودِيَّتِهِ - ما يَقْتَضِي إزالَةَ ما لَحِقَها مِن دَرَنِ المَعْصِيَةِ ووَسَخِها.
وَقَدْ أشارَ صاحِبُ الشَّرْعِ ﷺ إلى هَذا المَعْنى بِعَيْنِهِ حَيْثُ قالَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَواهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قالَ: «قُلْت: يا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي عَنْ الوُضُوءِ، قالَ: ما مِنكم مِن رَجُلٍ يَقْرَبُ وُضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ ويَسْتَنْشِقُ فَيَنْثُرُ إلّا خَرَّتْ خَطايا وجْهِهِ مِن أطْرافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الماءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلى المِرْفَقَيْنِ إلّا خَرَّتْ خَطايا يَدَيْهِ مِن أنامِلِهِ مَعَ الماءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ إلّا خَرَّتْ خَطايا رَأْسِهِ مِن أطْرافِ شَعْرِهِ مَعَ الماءِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلى الكَعْبَيْنِ إلّا خَرَّتْ خَطايا رِجْلَيْهِ مِن أنامِلِهِ مَعَ الماءِ، فَإنْ هو قامَ فَصَلّى فَحَمِدَ اللَّهَ وأثْنى عَلَيْهِ ومَجَّدَهُ بِاَلَّذِي هو أهْلُهُ - أوْ هو لَهُ أهْلٌ - وفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إلّا انْصَرَفَ مِن خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ ولَدَتْهُ أُمُّهُ» " وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أيْضًا عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «إذا تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ - أوْ المُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وجْهَهُ خَرَجَ مِن وجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْها بِعَيْنَيْهِ مَعَ الماءِ - أوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الماءِ - فَإذا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِن يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كانَ بَطَشَتْها يَداهُ مَعَ الماءِ - أوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الماءِ - فَإذا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْها رِجْلاهُ مَعَ الماءِ - أوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الماءِ - حَتّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِن الذُّنُوبِ» وفي مُسْنَدِ الإمامِ أحْمَدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: «سَمِعْت النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: رَجُلانِ مِن أُمَّتِي يَقُومُ أحَدُهُما مِن اللَّيْلِ يُعالِجُ نَفْسَهُ إلى الطَّهُورِ، وعَلَيْهِ عُقَدٌ، فَيَتَوَضَّأُ؛ فَإذا وضَّأ يَدَيْهِ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وإذا وضَّأ وجْهَهُ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وإذا مَسَحَ رَأْسَهُ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وإذا وضَّأ رِجْلَيْهِ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وجَلَّ لِلَّذِي وراءَ الحِجابِ: انْظُرُوا إلى عَبْدِي هَذا يُعالِجُ نَفْسَهُ، ما سَألَنِي عَبْدِي هَذا فَهو لَهُ».
وَفِيهِ أيْضًا عَنْ أبِي أُمامَةَ يَرْفَعُهُ: «أيُّما رَجُلٍ قامَ إلى وُضُوئِهِ يُرِيدُ الصَّلاةَ ثُمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ نَزَلَتْ خَطِيئَتُهُ مِن كَفَّيْهِ مَعَ أوَّلِ قَطْرَةٍ، فَإذا تَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ واسْتَنْثَرَ نَزَلَتْ خَطِيئَتُهُ مِن لِسانِهِ وشَفَتَيْهِ مَعَ أوَّلِ قَطْرَةٍ، فَإذا غَسَلَ وجْهَهُ نَزَلَتْ خَطِيئَتُهُ مِن سَمْعِهِ وبَصَرِهِ مَعَ أوَّلِ قَطْرَةٍ، فَإذا غَسَلَ يَدَيْهِ إلى المِرْفَقَيْنِ ورِجْلَيْهِ إلى الكَعْبَيْنِ سَلِمَ مِن كُلِّ ذَنْبٍ هو لَهُ، ومِن كُلِّ خَطِيئَةٍ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ ولَدَتْهُ أُمُّهُ، فَإذا قامَ إلى الصَّلاةِ رَفَعَ اللَّهُ بِها دَرَجَتَهُ، وإنْ قَعَدَ قَعَدَ سالِمًا»
وَفِيهِ أنَّ مَقْصُودَ المَضْمَضَةِ كَمَقْصُودِ غَسْلِ الوَجْهِ واليَدَيْنِ سَواءٌ، وأنَّهُ حاجَةُ اللِّسانِ والشَّفَتَيْنِ إلى الغَسْلِ كَحاجَةِ بَقِيَّةِ الأعْضاءِ؛ فَمَن أنَكْسُ قَلْبًا وأفْسَدُ فِطْرَةً وأبْطَلُ قِياسًا مِمَّنْ يَقُولُ: إنّ غَسْلَ باطِنِ المَقْعَدَةِ أوْلى مِن غَسْلِ هَذِهِ الأعْضاءِ، وإنَّ الشّارِعَ فَرَّقَ بَيْنَ المُتَماثِلَيْنِ؟ هَذا إلى ما في غَسْلِ هَذِهِ الأعْضاءِ المُقارِنِ لِنِيَّةِ التَّعَبُّدِ لِلَّهِ مِن انْشِراحِ القَلْبِ وقُوَّتِهِ، واتِّساعِ الصَّدْرِ، وفَرَحِ النَّفْسِ، ونَشاطِ الأعْضاءِ؛ فَتَمَيَّزَتْ عَنْ سائِرِ الأعْضاءِ بِما أوْجَبَ غَسْلَها دُونَ غَيْرِها، وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
* [فَصْلٌ: الحِكْمَةُ في نَقْضِ الوُضُوءِ بِمَسِّ ذَكَرِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِن الأعْضاءِ]
وَأمّا قَوْلُهُ: " ونَقْضُ الوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ دُونَ سائِرِ الأعْضاءِ، ودُونَ مَسِّ العَذِرَةِ والبَوْلِ " فَلا رَيْبَ أنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ الأمْرُ بِالوُضُوءِ مِن مَسِّ الذَّكَرِ، ورُوِيَ عَنْهُ خِلافُهُ، وأنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقالَ لِلسّائِلِ: «هَلْ هو إلّا بَضْعَةٌ مِنك» وقَدْ قِيلَ: إنّ هَذا الخَبَرَ لَمْ يَصِحَّ، وقِيلَ: بَلْ هو مَنسُوخٌ، وقِيلَ: بَلْ هو مُحْكَمٌ دالٌّ عَلى عَدَمِ الوُجُوبِ، وحَدِيثُ الأمْرِ دالٌّ عَلى الِاسْتِحْبابِ؛ فَهَذِهِ ثَلاثَةُ مَسالِكَ لِلنّاسِ في ذَلِكَ.
وَسُؤالُ السّائِلِ يَنْبَنِي عَلى صِحَّةِ حَدِيثِ الأمْرِ بِالوُضُوءِ وإنَّهُ لِلْوُجُوبِ، ونَحْنُ نُجِيبُهُ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ، فَنَقُولُ: هَذا مِن كَمالِ الشَّرِيعَةِ وتَمامِ مَحاسِنِها، فَإنَّ مَسَّ الذَّكَرِ بِالوَطْءِ، وهو في مَظِنَّةِ الِانْتِشارِ غالِبًا، والِانْتِشارُ الصّادِرُ عَنْ المَسِّ في مَظِنَّةِ خُرُوجِ المَذْيِ ولا يَشْعُرُ بِهِ؛ فَأُقِيمَتْ هَذِهِ المَظِنَّةُ مَقامَ الحَقِيقَةِ لِخَفائِها وكَثْرَةِ وُجُودِها، كَما أُقِيمَ النَّوْمُ مَقامَ الحَدِيثِ، وكَما أُقِيمَ لَمْسُ المَرْأةِ بِشَهْوَةٍ مَقامَ الحَدَثِ.
وَأيْضًا فَإنَّ مَسَّ الذَّكَرِ يُوجِبُ انْتِشارَ حَرارَةِ الشَّهْوَةِ وثَوَرانَها في البَدَنِ، والوُضُوءُ يُطْفِئُ تِلْكَ الحَرارَةِ، وهَذا مُشاهَدٌ بِالحِسِّ، ولَمْ يَكُنْ الوُضُوءُ مِن مَسِّهِ لِكَوْنِهِ نَجِسًا، ولا لِكَوْنِهِ مَجْرى النَّجاسَةِ حَتّى يُورِدَ السّائِلُ مَسَّ العَذِرَةَ والبَوْلَ، ودَعْواهُ بِمُساواةِ مَسِّ الذَّكَرِ لِلْأنْفِ مِن أكْذَبِ الدَّعاوى وأبْطَلْ القِياسِ، وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
* [فَصْلٌ: الحِكْمَةُ في الجَمْعِ بَيْنَ الماءِ والتُّرابِ في حُكْمِ التَّطْهِيرِ]
وَأمّا جَمْعُها بَيْنَ الماءِ والتُّرابِ في التَّطْهِيرِ فاللَّهِ ما أحْسَنَهُ مِن جَمْعٍ، وألْطَفَهُ وألْصَقَهُ بِالعُقُولِ السَّلِيمَةِ والفِطَرِ المُسْتَقِيمَةِ؛ وقَدْ عَقَدَ اللَّهُ سُبْحانَهُ الإخاءَ بَيْنَ الماءِ والتُّرابِ قَدَرًا وشَرْعًا؛ فَجَمَعَها اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ وخَلَقَ مِنهُما آدَمَ وذُرِّيَّتَهُ، فَكانا أبَوَيْنِ اثْنَيْنِ لِأبَوَيْنا وأوْلادِهِما؛ وجَعَلَ مِنهُما حَياةَ كُلِّ حَيَوانٍ، وأخْرَجَ مِنهُما أقْواتَ الدَّوابِّ والنّاسِ والأنْعامِ، وكانا أعَمَّ الأشْياءِ وُجُودًا، وأسْهَلَها تَناوُلًا، وكانَ تَعْفِيرُ الوَجْهِ في التُّرابِ لِلَّهِ مِن أحَبِّ الأشْياءِ إلَيْهِ، ولَمّا كانَ عَقْدُ هَذِهِ الأُخُوَّةِ بَيْنَهُما قَدَرًا أحْكَمَ عَقْدٍ وأقْواهُ كانَ عَقْدُ الأُخُوَّةِ بَيْنَهُما شَرْعًا أحْسَنَ عَقْدٍ وأصَحَّهُ، ﴿فَلِلَّهِ الحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ ورَبِّ الأرْضِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الجاثية: ٣٦] ﴿وَلَهُ الكِبْرِياءُ في السَّماواتِ والأرْضِ وهو العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [الجاثية: ٣٧].
(فائدة: في تقديم غسل الوجه)
وأما تقديم غسل الوجه ثم اليد ثم مسح الرأس ثم الرجلين في الوضوء، فمن يقول إن هذا الترتيب واجب وهو الشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما، ومن وافقهما فالآية عندهم اقتضت التقديم وجوبا لقرائن عديدة:
أحدها: أنه أدخل ممسوحا بين مغسولين وقطع النظير عن نظيره، ولو أريد الجمع المطلق لكان المناسب أن يذكر المغسولات متسقة في النظم والممسوح بعدها، فلما عدل إلى ذلك دل على وجوب ترتيبها على الوجه الذي ذكره الله.
الثاني أن هذه الأفعال هي أجزاء فعل واحد مأمور به وهو الوضوء فدخلت الواو عاطفة لأجزائه بعضها على بعض، والفعل الواحد يحصل من ارتباط أجزائه بعضها ببعض، فدخلت الواو بين الأجزاء للربط فأفادت الترتيب إذ هو الربط المذكور في الآية، ولا يلزمه من كونها لا تفيد الترتيب بين أفعال لا ارتباط بينها نحو ﴿أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ أن لا تفيده بين أجزاء فعل مرتبطة بعضها ببعض.
فتأمل هذا الموضع ولطفه، وهذا أحد الأقوال الثلاثة في إفادة الواو للترتيب، وأكثر الأصوليين لا يعرفونه ولا يحكونه.
وهو قول ابن أبي موسى من أصحاب أحمد ولعله أرجح الأقوال.
الثالث أن لبداءة الرب تعالى بالوجه دون سائر الأعضاء خاصة فيجب مراعاتها، وأن لا تلغى وتهدر فيهدر ما اعتبره الله تعالى، ويؤخر ما قدمه الله.
وقد أشار النبي ﷺ إلى أن ما قدمه الله فإنه ينبغي تقديمه ولا يؤخر، بل يقدم ما قدمه الله، ويؤخر ما أخره الله تعالى، فلما طاف بين الصفا والمروة بدأ بالصفا وقال: "نبدأ بما بدأ الله تعالى به"
رواه الترمذي ومالك وأخرج مسلم نحوه.
وفي رواية للنسائي: "ابدءوا بما بدأ الله به"
على الأمر.
فتأمل بداءته بالصفا معللا ذلك بكون الله تعالى بدأ به فلا ينبغي تأخيره.
وهكذا يقول المرتبون للوضوء سواء نحن نبدأ بما بدأ الله به، ولا يجوز تأخير ما قدمه الله تعالى، ويتعين البداءة بما بدأ الله تعالى به.
وهذا هو الصواب لمواظبة المبين عن الله تعالى مراده ﷺ على الوضوء المرتب، فاتفق جميع من نقل عنه وضوءه كلهم على إيقاعه مرتبا، ولم ينقل عنه أحد قط أنه أخل بالترتيب مرة واحدة، فلو كان الوضوء المنكوس مشروعا لفعله، ولو في عمره مرة واحدة لتبيين جوازه لأمته.
وهذا بحمد الله أوضح.
* (فائدة)
استُدِل على أن النية لا تشترط في طهارة الماء بأن الماء خلق على صفات وطبيعة لا يحتاج في حصول أثرها إلى النية وخلق طهورا وخلق مرويا وخلق مبردا سائلا كل ذلك طبعه ووصفه الذي جعل عليه فكما أنه لا يحتاج إلى النية في حصول الري والتبريد به فكذلك في حصول التطهير يوضحه أنه خلق طاهرا أو طهورا وطاهريته لا تتوقف على نية فكذلك طهوريته.
يزيده إيضاحا أن عمله في أقوى الطهارتين وهي طهارة الخبث لا تتوقف على نية فعدم توقف عمله على النية في الطهارة الأخرى أولى وإنما قلنا إنها أقوى الطهارتين لأن سببها وموجبها أمر حسي وخبث مشاهد ولأنه لا بدل لها من التراب فقد ظهرت قوتها حسا وشرعا.
يزيده بيانا قوله ﷺ: "خلق الماء طهورا" صريح في أنه مخلوق على هذه الصفة وطهورا منصوب على الحال أي خلق على هذه الحالة من كونه طهورا وإن كانت حالا لازمة فهي كقولهم: خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها فهذه الصفة وهي الطهورية مخلوقة معه نويت أو لم تنو.
والاستدلال بهذا قريب من الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَأنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُورًا﴾
يوضح ذلك أيضا أن النية إن اعتبرت بجريان الماء على الأعضاء فهو حاصل نوى أو لم ينو وإن اعتبر حصول الوضاءة والنظافة فكذلك لا يتوقف حصولها على نية وإن اعتبرت لإزالة الحدث المتعلق بالأعضاء فقد بينا أن الخبث المتعلق بها أقوى من الحدث وزوال هذا الأقوى لا يتوقف على النية فكيف للأضعف.
يوضحه أيضا أنا رأينا الشريعة قد قسمت أفعال المكلفين إلى قسمين: - قسم يحصل مقصوده والمراد منه بنفس وقوعه فلا يعتبر في صحته نية كأداء الديون ورد الأمانات والنفقات الواجبة وإقامة الحدود وإزالة النجاسات وغسل الطيب عن المحرم واعتداد المفارقة وغير ذلك فإن مصالح هذه الأفعال حاصلة بوجودها ناشئة من ذاتها فإذا وجدت حصلت مصالحها فلم تتوقف صحتها على نية.
القسم الثاني: ما لا يحصل مراده ومقصوده منه بمجرده بل لا يكفي فيه بمجرد صورته العارية عن النية كالتلفظ بكلمة الإسلام والتلبية في الإحرام وكصورة التيمم والطواف حول البيت والسعي بين الصفا والمروة والصلاة والاعتكاف والصيام ولما كان إزالة الخبث من القسم الأول اكتفى فيه بصورة الفعل لحصول مقصودة. وقد عللنا أن المراد من الوضوء النظافة والوضاءة وقيام العبد بين يدي الرب تبارك وتعالى على أكمل أحواله مستور العورة متجنبا للنجاسة نظيف الأعضاء وضيئها وهذا حاصل بإتيانه بهذه الأفعال نواها أو لم ينوها.
يوضحه أن الوضوء غير مراد لنفسه بل مراد لغيره والمراد لغيره لا يجب أن ينوي لأنه وسيلة وإنما تعتبر النية في المراد لنفسه إذ هو المقصود المراد ولهذا كانت نية قطع المسافة في الحج والجمعة غير واجبة ولا تتوقف الصحة عليها وكذلك نية شراء الماء وشراء العبد في عتق الكفار وشراء الطعام فيها غير واجبة إذ هذه وسائل مرادة لغيرها.
وكذلك الوضوء وسيلة تراد للصلاة فهي كطهارة المكان والثياب اعتبار النية في العبادات.
يوضحه أن النية لو اعتبرت في الوضوء لاعتبرت في سائر شروط الصلاة كستر العورة وإزالة النجاسة وغيرهما ولا أرى منازعي القوم يتمكنون من الجواب عن هذه الكلمات بجواب شاف هذه أجوبتهم في طريقهم فعليك بمراجعتها ونحن لا ترتضي هذا الرأي ولكن لم نر استدلال منازعتهم وأجوبتهم لهم أقوى من هذه الأدلة وما ذاك لضعف المسألة من جانبهم ولكن لأن الكلام في مسألة النية شديد الارتباط بأعمال القلوب ومعرفة مراتبها وارتباطها بأعمال الجوارح وبنائها عليها وتأثيرها فيها صحة وفسادا وإنما هي الأصل المراد المقصود وأعمال الجوارح تبع ومكملة ومتممة وأن النية بمنزلة الروح والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح فموات وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية فحركة عابث. فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح إذ هي أصلها وأحكام الجوارح متفرعة عليها. وكذلك أيضا لا يتحقق الكلام في المسألة إلا بعد معرفة حقيقة النية وهل هي من جنس المعلوم والتصورات أو من جنس الإرادات والعزوم أو حقيقتها مركبة من الأمرين وأما من قبيل انبساطها وانقسامها على حروف معينة لكل حرف منها جزء من أجزاء النية فلم يحصل معنى النية فضلا عن أن يتمكن من رد قول منازعه في اعتبارها.
وكذلك من ظن أنها لا تتحقق إلا بجريان ألفاظ من اللسان يخبر بها عنها لم يحصل أيضا معناها فيجب أن نعلم حقيقتها أولا ومنزلتها من أعمال القلوب وأنه مستحيل عليها الانبساط والانقسام وأنه لا مدخل للألفاظ ألبتة ويفرق بين النية المتعلقة بالمعبود التي هي من لوازم الإسلام وموجباته بل هي روحه وحقيقته التي لا يقبل الله من عامل عملا بدونها ألبتة وبين النية المتعلقة بنفس العمل التي وقع فيها النزاع في بعض المواضع ثم يعرف ارتباطها بالعمل وكيف قصد به تمييز العبادة عن العادة إذ كانا في الصورة واحدا وإنما يتميزان بالنية فإذا عدمت النية كان العمل عاديا لا عباديا والعادات لا يتقرب بها إلى بارى ء البريات وفاطر المخلوقات فإذا عري العمل عن النية كان كالأكل والشرب والنوم الحيواني البهيمي الذي لا يكون عبادة بوجه فضلا أن يؤمر به ويرتب عليه الثواب والعقاب والمدح والذم وما كان هذا سبيله لم يكن من المشروع للتقرب به إلى الرب تبارك وتعالى ولذلك يقصد بها تمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض فيميز فرضها عن نفلها ومراتبها بعضها عن بعض وهذه أمور لا تحقق لها إلا بالنية ولا قوام لها بدونها ألبتة وهي مرادة للشارع بل هي وظائف العبودية فكيف يؤدي وظائف العبودية من لا يخطر بباله التمييز بين العبادات والعادات ولا التمييز بين مراتب تلك الوظائف ومنازلها من العبودية هذا أمر ممتنع عادة وعقلا وشرعا فالنية هي سر العبودية وروحها ومحلها من العمل محل الروح من الجسد ومحال أن يعتبر في العبودية عمل الأرواح له معه بل هو بمنزلة الجسد الخراب وهذا معنى الأثر المروى موقوفا على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: "لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له".
وقد قال تعالى: ﴿وَما أُمِرُوا إلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ فنهى سبحانه أن يكون أمر عباده بغير العبادة التي قد أخلص عاملها له فيها النية ومعلوم أن إخلاص النية للمعبود أصل لنية أصل العبادة فإذا لم يأمرهم إلا بعمل هو عبادة قد أخلص عاملها النية فيها لربه عز وجل ومعلوم أن النية جزء من العبادة بل هي روح العبادة كما تبين علم أن العمل الذي لم ينو ليس بعبادة ولا مأمور به فلا يكون فاعله متقربا إلى الله تعالى وهذا مما لا يقبل نزاعا.
ومن نكت المسألة أن يفرق بين الأفعال التي لا تقع إلا منوية عادة وبين الأفعال التي تقع منوية وغير منوية، فالأولى كالوضوء المرتب عضوا بعد عضو فإنه لا يكاد يتصور وقوعه من غير نية فإن علم الفاعل بما يفعله وقصده له هو النية والعاقل المختار لا يفعل فعلا إلا مسبوقا بتصوره وإرادته وذلك حقيقة النية فليست النية أمرا خارجا عن تصور الفاعل وقصده لما يريد أن يفعله وبهذا يعلم غلط من ظن أن الملتفظ مدخلا في تحصيل النية فإن القائل إذا قال نويت صلاة الظهر أو نويت رفع الحدث إما أن يكون مخبرا أو منشأ فإن كان مخبرا فإما أن يكون إخباره لنفسه أو لغيره وكلاهما عبث لا فائدة فيه لأن الإخبار إنما يفيد إذا تضمن تعريف المخبر ما لم يكن عارفا به وهذا محال في إخباره لنفسه وإن كان إخبارا لغيره بالنية فهو عبث محض وهو غير مشروع ولا مفيد وهو بمثابة إخباره له بسائر أفعاله من صومه وصلاته وحجه وزكاته بل بمنزلة إخباره له إيمانه عن حبه وبغضه بل قد يكون في هذا الإخبار فائدة.
وأما إخبار المأمومين أو الإمام أو غيرهما بالنية فعبث محض ولا يصح أن يكون ذلك إنشاء فإن اللفظ لا ينشئ وجود النية وإنما إنشاؤها إحضار حقيقتها في القلب لا إنشاء اللفظ الدال عليها.
فعلم بهذا أن التلفط بها عبث محض فتأمل هذه النكتة البديعة والمقصود أن مثل هذه الأفعال المرتبة التي لا تقع إلا عن علم وقصد لا تكون إلا منوية وهذا بخلاف الاغتسال مثلا فإنه قد يقع لتنظيف أو تبريد ونحوهما فإن لم يقصد به رفع حدثه لم يكن منويا وكذلك أفعال الصلاة المرتبة التي يتبع بعضها بعضا لا تقع إلا منوية ولو تكلف الرجل أن يصلى أو يتوضأ بغير نية لتعذر عليه ذلك بل يمكن تصوره فيما إذا قصد تعليم غيره ولم يقصد العبادة، أو صلى وتوضأ مكرها.
وأما عاقل مختار عالم بما يفعله يقع فعله وفق قصده فهذا لا يكون إلا منويا، فالنية هي القصد بعينه ولكن بينها وبين القصد فرقان: أحدهما أن القصد معلق بفعل الفاعل نفسه وبفعل غيره، والنية لا تتعلق إلا بنفسه فلا يتصور أن ينوي الرجل فعل غيره ويتصور أن يقصده ويريده.
الفرق الثاني: أن القصد لا يكون إلا بفعل مقدور يقصده الفاعل.
وأما النية فينوي الإنسان ما يقدر عليه وما يعجز عنه ولهذا في حديث أبي كبشة الأنماري الذي رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن النبي ﷺ:
"إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي في ماله ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل عند الله، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته وأجرهما سواء.
وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما ذلك شر منزلة عند الله "
ثم قال: "وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته وهما في الوزر سواء".
فالنية تتعلق بالمقدور عليه والمعجوز عنه بخلاف القصد والإرادة فإنما لا يتعلقان بالمعجوز عنه لا من فعله ولا من فعل غيره وإذا عرف حقيقة النية ومحلها من الإيمان وشرائعه تبين الكلام في المسألة نفيا وإثباتا بعلم وإنصاف.
* (فصل)
تأمل أبواب الشريعة ووسائلها وغاياتها كيف تجدها مشحونة بالحكم المقصودة والغايات الحميدة التي شرعت لأجلها التي لولاها لكان الناس كالبهائم بل أسوأ حالا فكم في الطهارة من حكمة ومنفعة للقلب والبدن وتفريح للقلب وتنشيط للجوارح وتخفيف من أحمال ما أوجبته الطبيعة وألقاه عز النفس من درن المخالفات فهي منظفة للقلب والروح والبدن وفي غسل الجنابة من زيادة النعومة والإخلاف على البدن نظير ما تحلل منه بالجنابة ما هو من أنفع الأمور.
وتأمل كون الوضوء في الأطراف التي هي محل الكسب والعمل فجعل في الوجه الذي فيه السمع والبصر والكلام والشم والذوق وهذه الأبواب هي أبواب المعاصي والذنوب كلها منها يدخل إليها ثم جعل في اليدين وهما طرفاه وجناحاه اللذان بهما يبطش ويأخذ ويعطي ثم في الرجلين اللتين بهما يمشي ويسعى ولما كان غسل الرأس مما فيه أعظم حرج ومشقة جعل مكانه المسح وجعل ذلك مخرجا للخطايا من هذه المواضع حتى يخرج مع قطر الماء من شعره وبشره كما ثبت عن النبي ﷺ من حديث أبي هريرة قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان يبطشها يداه مع الماء أو مع آخر قطر فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب"
رواه مسلم.
وفي صحيح مسلم أيضا عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله ﷺ:
"من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه حتى يخرج من تحت أظفاره"
فهذا من أجل حكم الوضوء وفوائده وقال نفاة الحكمة أنه تكليف ومشقة وعناء محض لا مصلحة فيه ولا حكمة شرع لأجلها ولو لم يكن في مصلحته وحكمته إلا أنه سيماء هذه الأمة وعلامتهم في وجوههم وأطرافهم يوم القيامة بين الأمم ليست لأحد غيرهم ولو لم يكن فيه من المصلحة والحكمة إلا أن المتوضئ يطهر يديه بالماء وقلبه بالتوبة ليستعد للدخول على ربه ومناجاته والوقوف بين يديه طاهر البدن والثوب والقلب فأي حكمة ورحمة ومصلحة فوق هذا ولما كانت الشهوة تجري في جميع البدن حتى أن تحت كل شعرة شهوة سرى غسل الجنابة إلى حيث سرت الشهوة كما قال النبي ﷺ:
"إن تحت كل شعرة جنابة" فأمر أن يوصل الماء إلى أصل كل شعرة فيبرد حرارة الشهوة فتسكن النفس وتطمئن إلى ذكر الله وتلاوة كلامه والوقوف بين يديه فوالله لو أن أبقراط ودونه أوصوا بمثل هذا لخضع أتباعهم لهم فيه وعظموهم عليه غاية التعظيم وأبدوا له من الحكم والفوائد ما قدروا عليه ثم لما كان العبد خارج الصلاة مهمل جوارحه قد أسامها في مراتع الشهوات والحظوظ أمر العبودية بجميع جوارحه كلها على ربه بحظها من عبوديته فيسلم قلبه وبدنه وجوارحه وحواسه وقواه لربه عز وجل واقفا بين مقبلا بكله عليه معرضا عمن سواه متنصلا من إعراضه عنه وجنايته على حقه ولما كان هذا طبعه وذاته أمران يجدد هذا الركوع إليه والإقبال عليه وقتا بعد وقت لئلا يطول عليه الأمد فينسى ربه وينقطع عنه بالكلية وكانت الصلاة من أعظم نعم الله عليه وأفضل هداياه التي ساقها إليه فأبى نفاة الحكمة إلا جعلها كلفة وعناء وتعبا لا لحكمة ولا لمصلحة ألبتة إلا مجرد القهر والمشيئة وقد فتح ذلك الباب فساق الشريعة كلها من أولها إلى آخرها هذا المساق واستدل بما ظهر لك على ما خفي عنك ولعل الحكمة فيما لم تعلمه أعظم منها فيما علمته فإن الذي علمته على قدر عقلك وفهمك وما خفي عنك فهو فوق عقلك وفهمك ولو تتبعنا تفصيل ذلك لجاء عدة أسفار فيكتفي منه بأدنى بينة. والله المستعان.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُوا۟ وُجُوهَكُمۡ وَأَیۡدِیَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُوا۟ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَیۡنِۚ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبࣰا فَٱطَّهَّرُوا۟ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَاۤءَ أَحَدࣱ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَاۤىِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَلَمۡ تَجِدُوا۟ مَاۤءࣰ فَتَیَمَّمُوا۟ صَعِیدࣰا طَیِّبࣰا فَٱمۡسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَیۡدِیكُم مِّنۡهُۚ مَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیَجۡعَلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ حَرَجࣲ وَلَـٰكِن یُرِیدُ لِیُطَهِّرَكُمۡ وَلِیُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق