الباحث القرآني

إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ كقوله «فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللَّه» [[قال محمود: «قوله إذا قمتم كقوله فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللَّه ... الخ» قال أحمد هذا الكلام يستقيم وروده من السنى، كما يستقيم من المعتزلي لأنا نقول: الفعل يوجد بقدرة العبد ملتبسا بها ومقارنا لها، والمعتزلي يقوله ويعنى مخلوقا بها وناشئا عن تأثيرها، فالعبارة مستعملة في المذهبين ولكن باختلاف المعنى، واللَّه الموفق.]] وكقولك: إذا ضربت غلامك فهوّن عليه، في أن المراد إرادة الفعل. فإن قلت: لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل؟ قلت: لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له وهو قصده إليه وميله وخلوص داعيه، فكما عبر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم: الإنسان لا يطير، والأعمى لا يبصر، أى لا يقدران على الطيران والإبصار. ومنه قوله تعالى: (نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) يعنى إنا كنا قادرين على الإعادة، كذلك عبر عن إرادة الفعل بالفعل، وذلك لأنّ الفعل مسبب عن القدرة والإرادة، فأقيم المسبب مقام السبب للملابسة بينهما، ولإيجاز الكلام ونحوه من إقامة المسبب مقام السبب قولهم: كما تدين تدان، عبر عن الفعل المبتدأ الذي هو سبب الجزاء بلفظ الجزاء الذي هو مسبب عنه. وقيل: معنى قمتم إلى الصلاة قصدتموها لأنّ من توجه إلى شيء وقام إليه كان قاصداً له لا محالة، فعبر عن القصد له بالقيام إليه. فإن قلت: ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة [[عاد كلامه. قال: «فان قلت: ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم ... الخ» قال أحمد: الزمخشري أنكر أن يراد بالمشترك كل واحد من معانيه على الجمع، وقد سبق له إنكار ذلك ومن جوز إرادة جميع المحامل أجاز ذلك في الآية، ومن المجوزين لذلك الشافعي رحمه اللَّه تعالى. وناهيك بإمام الفن وقدوته. هذا إذا وقع البناء على أن صيغة «أفعل» مشتركة بين الوجوب والندب صح تناولها في الآية للفريقين المحدثين والمتطهرين، وتناولها للمتطهرين من حيث الندب، واللَّه أعلم.]] محدث وغير محدث، فما وجهه؟ قلت: يحتمل أن يكون الأمر للوجوب، فيكون الخطاب للمحدثين خاصة، وأن يكون للندب. وعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والخلفاء بعده، أنهم كانوا يتوضئون لكل صلاة [[أخرجه البخاري من رواية عمرو بن عامر عن أنس بلفظ «عند كل» وزاد «قلت: كيف كنتم تصنعون قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث، والترمذي من رواية حميد عن أنس نحوه، وزاد «طاهرا وغير طاهر» ولمسلم من حديث يزيد «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد. فقال له عمر: فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال: قد فعلته يا عمر» وسيأتى بعد قليل، ولأبى داود والحاكم وأحمد من حديث أسماء بنت زيد بن الخطاب عن عبد اللَّه بن حنظلة بن الغسيل «أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهراً أو غير طاهر. فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك» وقوله: «وكان الخلفاء بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم يتوضئون لكل صلاة: أخرجه ابن أبى شيبة والطبري من رواية أبى عوانة عن محمد بن سيرين قال: «كان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى اللَّه عنهم يتوضئون لكل صلاة» .]] . وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم «من توضأ على طهر كتب اللَّه له عشر حسنات [[أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما. قال الترمذي: إسناده ضعيف.]] . وعنه عليه السلام: أنه كان يتوضأ لكل صلاة [[تقدم التنبيه عليه وأن مسلماً أخرجه دون ذكر المسح. وكذلك أخرجه أصحاب السنن.]] . فلما كان يوم الفتح مسح على خفيه وصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، فقال له عمر: صنعت شيئاً لم تكن تصنعه. فقال: «عمداً فعلته يا عمر» يعنى بياناً للجواز؟ فإن قلت: هل يجوز أن يكون الأمر شاملا للمحدثين وغيرهم، لهؤلاء على وجه الإيجاب، ولهؤلاء على وجه الندب. قلت: لا، لأنّ تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الإلغاز والتعمية. وقيل: كان الوضوء لكل صلاة واجباً أوّل ما فرض، ثم نسخ. (إلى) تفيد معنى الغاية مطلقاً. فأما دخولها في الحكم وخروجها، فأمر يدور مع الدليل، فمما فيه دليل على الخروج قوله: (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) لأن الإعسار علة الإنذار. وبوجود الميسرة تزول العلة، ولو دخلت الميسرة فيه لكان مُنظراً في كلتا الحالتين معسراً وموسراً. وكذلك (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) لو دخل الليل لوجب الوصال. ومما فيه دليل على الدخول قولك: حفظت القرآن من أوله إلى آخره لأنّ الكلام مسوق لحفظ القرآن كله. ومنه قوله تعالى: (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) لوقوع العلم بأنه لا يسرى به إلى بيت المقدس من غير أن يدخله. وقوله إِلَى الْمَرافِقِ و (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) لا دليل فيه على أحد الأمرين، فأخذ كافة العلماء بالاحتياط فحكموا بدخولها في الغسل. وأخذ زفر وداود بالمتيقن فلم يدخلاها. وعن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه كان يدير الماء على مرفقيه [[أخرجه الدارقطني من حديث جابر «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه» وإسناده ضعيف.]] . وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ المراد إلصاق المسح بالرأس. وماسح بعضه ومستوعبه بالمسح، كلاهما ملصق للمسح برأسه. فقد أخذ مالك بالاحتياط فأوجب الاستيعاب أو أكثره على اختلاف الرواية، وأخذ الشافعي باليقين فأوجب أقل ما يقع عليه اسم المسح وأخذ أبو حنيفة ببيان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ما روى: أنه مسح على ناصيته [[أخرجه مسلم من حديث المغيرة بن شعبة في قصة فيها «ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه» وللطبراني من حديثه «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم توضأ ومسح على ناصيته» .]] . وقدر الناصية بربع الرأس. قرأ جماعة (وَأَرْجُلَكُمْ) بالنصب [[قال محمود: «قرأ جماعة (وَأَرْجُلَكُمْ) بالنصب ... الخ» قال أحمد: ولم يوجه الجر بما يشفى الغليل. والوجه فيه أن الغسل والمسح متقاربان من حيث أن كل واحد منهما إمساس بالعضو فيسهل عطف المغسول على الممسوح من ثم، كقوله: متقلدا سيفاً ورمحا و ... علفتها تبناً وماء باردا ونظائره كثيرة. وبهذا وجه الحذاق، ثم يقال: ما فائدة هذا التشريك بعلة التقارب؟ وهلا أسند إلى كل واحد منها الفعل الخاص به على الحقيقة؟ فيقال: فائدته الإيجاز والاختصار. وتوكيد الفائدة بما ذكره الزمخشري وتحقيقه أن الأصل أن يقال مثلا: واغسلوا أرجلكم غسلا خفيفا لا إسراف فيه، كما هو المعتاد، فاختصرت هذه المقاصد باشراكه الأرجل مع الممسوح، ونبه بهذا التشريك- الذي لا يكون إلا في الفعل الواحد أو الفعلين المتقاربين جدا- على أن الغسل المطلوب في الأرجل غسل خفيف يقارب المسح وحسن إدراجه معه تحت صيغة واحدة، وهذا تقرير كامل لهذا المقصود، واللَّه أعلم.]] ، فدل على أن الأرجل مغسولة فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح؟ قلت: الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها، فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه، فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها. وقيل إِلَى الْكَعْبَيْنِ فجيء بالغاية إماطة لظنّ ظانّ يحسبها ممسوحة، لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة. وعن على رضى اللَّه عنه: أنه أشرف على فتية من قريش فرأى في وضوئهم تجوزاً، فقال: ويل للأعقاب من النار، فلما سمعوا جعلوا يغسلونها غسلا ويدلكونها دلكا. وعن ابن عمر: كنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فتوضأ قوم وأعقابهم بيض تلوح فقال: «ويل للأعقاب من النار [[متفق عليه من طريق يوسف بن ماهك عن عبد اللَّه بن عمرو قال «خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عنا في سفرة فأدركنا- فذكره- وفيه: وأعقابهم تلوح» ولمسلم «رجعنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة» ولأبى نعيم في المستخرج «وأعقابهم تلوح» ولمسلم «رجعنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة ولأبى نعيم في المستخرج: وأعقابهم بيض تلوح (تنبيه) لم أره من حديث ابن عمر، وكأنه تحرف على صاحب الكتاب، أو بعض من أخذه عنه.]] » وفي رواية جابر «ويل للعراقيب [[أخرجه ابن ماجة وأحمد وابن أبى شيبة وإسحاق وأبو يعلى من رواية أبى إسحاق عن سعيد بن أبى كريب عن جابر وهي عند مسلم من حديث أبى هريرة. وللنسائى في حديث عبد اللَّه بن عمرو المذكور ولأبى يعلى من حديث عائشة. ولسعيد بن منصور من حديث أبى ذر رضى اللَّه عنه]] » وعن عمر أنه رأى رجلا يتوضأ فترك باطن قدميه، فأمره أن يعيد الوضوء، وذلك للتغليظ عليه [[أخرجه ابن أبى شيبة وعبد الرزاق من رواية أبى قلابة «أن عمر رأى رجلا يتوضأ فبقى في رجله قدر ظفر. فقال: أعد الوضوء» وهو منقطع. ورواه البيهقي موصولا من طريق الثوري عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر «أن عمر رأى رجلا» فذكره بلفظ «لمعة» وقد روى مرفوعا. أخرجه أحمد وأبو داود من رواية خالد بن معدان عن بعض الصحابة «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم رأى رجلا وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة. وقال الأثرم عن أحمد: إسناده جيد. وقال أبو داود: هو مرسل. وتعقبه ابن دقيق العبد بأن عدم ذكر اسم الصحابي حدثه. وهو موصوف بكثرة الإرسال (تنبيه) قوله «تغليظاً عليه» من كلام صاحب الكشاف. وفيه نظر، لاحتمال أن يكون المراد بقوله «أعد الوضوء» أى اغسل رجليك من إطلاق الكل وإرادة البعض. وأما الذي في المرفوع فيحتمل أن يكون الأمر المذكور بعد أن أحدث الرجل]] . وعن عائشة رضى اللَّه عنها لأن تقطعا أحب إلىّ من أن أمسح على القدمين بغير خفين [[أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية من رواية القاسم عنها دون قوله «بغير خفين» وفي إسناده محمد ابن مهاجر البغدادي، رادعي ابن الجوزي أنه وضعه.]] . وعن عطاء: واللَّه ما علمت أن أحداً من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسح على القدمين [[لم أجده.]] . وقد ذهب بعض الناس إلى ظاهر العطف فأوجب المسح. وعن الحسن: أنه جمع بين الأمرين. وعن الشعبي: نزل القرآن بالمسح والغسل سنة. وقرأ الحسن: وأرجلكم، بالرفع بمعنى وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة إلى الكعبين. وقرئ (فَاطَّهَّرُوا أى فطهروا أبدانكم، وكذلك ليطهركم. وفي قراءة عبد اللَّه: فأمّوا صعيداً ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ في باب الطهارة، حتى لا يرخص لكم في التيمم وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ بالتراب إذا أعوزكم التطهر بالماء وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ وليتمّ برخصه إنعامه عليكم بعزائمه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمته فيثيبكم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب