الباحث القرآني
﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكم وأيْدِيَكم إلى المَرافِقِ﴾ نَزَلَتْ في قِصَّةِ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها حِينَ فَقَدَتِ العِقْدَ بِسَبَبِ فَقْدِ الماءِ (p-٤٣٤)ومَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ، وكانَ الوُضُوءُ مُتَعَذِّرًا عِنْدَهم، وإنَّما جِيءَ بِهِ لِلِاسْتِطْرادِ مِنهُ إلى التَّيَمُّمِ، وذَلِكَ في غَزْوَةِ المُرَيْسِيعِ وهي غَزْوَةُ بَنِي المُصْطَلَقِ، وفِيها كانَ هُبُوبُ الرِّيحِ، وقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ: ﴿لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ﴾ [المنافقون: ٨]، وحَدِيثُ الإفْكِ. وقالَ عَلْقَمَةُ بْنُ الفَغْوِ وهو مِنَ الصَّحابَةِ: إنَّها نَزَلَتْ رُخْصَةً لِلرَّسُولِ لِأنَّهُ كانَ لا يَعْمَلُ عَمَلًا إلّا عَلى وُضُوءٍ، ولا يُكَلِّمُ أحَدًا ولا يَرُدُّ سَلامًا عَلى غَيْرِ ذَلِكَ، فَأعْلَمَهُ اللَّهُ أنَّ الوُضُوءَ إنَّما هو عِنْدَ القِيامِ إلى الصَّلاةِ فَقَطْ دُونَ سائِرِ الأعْمالِ.
ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها أنَّهُ لَمّا افْتَتَحَ بِالأمْرِ بِإيفاءِ العُهُودِ، وذَكَرَ تَحْلِيلًا وتَحْرِيمًا في المَطْعَمِ والمَنكَحِ واسْتَقْصى ذَلِكَ، وكانَ المَطْعَمُ آكَدَ مِنَ المَنكَحِ وقَدَّمَهُ عَلَيْهِ، وكانَ النَّوْعانِ مِن لَذّاتِ الدُّنْيا الجِسْمِيَّةِ ومُهِمّاتِها لِلْإنْسانِ وهي مُعامَلاتٌ دُنْيَوِيَّةٌ بَيْنَ النّاسِ بَعْضِهِمْ مِن بَعْضٍ، اسْتَطْرَدَ مِنها إلى المُعامَلاتِ الأُخْرَوِيَّةِ الَّتِي هي بَيْنَ العَبْدِ ورَبِّهِ، سُبْحانَهُ وتَعالى، ولَمّا كانَ أفْضَلَ الطّاعاتِ بَعْدَ الإيمانِ الصَّلاةُ، والصَّلاةُ لا تُمْكِنُ إلّا بِالطَّهارَةِ، بَدَأ بِالطَّهارَةِ وشَرائِطِ الوُضُوءِ، وذَكَرَ البَدَلَ عَنْهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الماءِ. ولَمّا كانَتْ مُحاوَلَةُ الصَّلاةِ في الأغْلَبِ إنَّما هي بِقِيامٍ، جاءَتِ العِبارَةُ: إذا قُمْتُمْ؛ أيْ: إذا أرَدْتُمُ القِيامَ إلى فِعْلِ الصَّلاةِ. وعَبَّرَ عَنْ إرادَةِ القِيامِ بِالقِيامِ، إذِ القِيامُ مُتَسَبِّبٌ عَنِ الإرادَةِ، كَما عَبَّرُوا عَنِ القُدْرَةِ عَلى الفِعْلِ بِالفِعْلِ في قَوْلِهِمْ: الأعْمى لا يُبْصِرُ؛ أيْ: لا يَقْدِرُ عَلى الإبْصارِ، وقَوْلُهُ: ﴿نُعِيدُهُ وعْدًا عَلَيْنا إنّا كُنّا فاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] أيْ: قادِرِينَ عَلى الإعادَةِ. وقَوْلُهُ: ﴿فَإذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ﴾ [النحل: ٩٨] أيْ: إذا أرَدْتَ قِراءَةَ القُرْآنِ لَمّا كانَ الفِعْلُ مُتَسَبِّبًا عَنِ القُدْرَةِ والإرادَةِ أُقِيمَ المُسَبَّبُ مَقامَ السَّبَبِ.
وقِيلَ مَعْنى ﴿قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ﴾: قَصَدْتُمُوها، لِأنَّ مَن تَوَجَّهَ إلى شَيْءٍ وقامَ إلَيْهِ كانَ قاصِدًا لَهُ، فَعَبَّرَ عَنِ القَصْدِ لَهُ بِالقِيامِ إلَيْهِ. وظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ الوُضُوءَ واجِبٌ عَلى كُلِّ مَن قامَ إلى الصَّلاةِ مُتَطَهِّرًا كانَ أوْ مُحْدِثًا. وقالَ بِهِ جَماعَةٌ مِنهم داوُدُ. ورُوِيَ فِعْلُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وعِكْرِمَةَ. وقالَ ابْنُ سِيرِينَ: كانَ الخُلَفاءُ يَتَوَضَّئُونَ لِكُلِّ صَلاةٍ. وذَهَبَ الجُمْهُورُ: إلى أنَّهُ لا بُدَّ في الآيَةِ مِن مَحْذُوفٍ وتَقْدِيرُهُ: إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ مُحْدِثِينَ، لِأنَّهُ لا يَجِبُ الوُضُوءُ إلّا عَلى المُحْدِثِ، ويَدُلُّ عَلى هَذا المَحْذُوفِ مُقابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وإنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فاطَّهَّرُوا﴾ وكَأنَّهُ قِيلَ: إنْ كُنْتُمْ مُحْدِثِينَ الحَدَثَ الأصْغَرَ فاغْسِلُوا هَذِهِ الأعْضاءَ، وامْسَحُوا هَذَيْنِ العُضْوَيْنِ، وإنْ كُنْتُمْ مُحْدِثِينَ الحَدَثَ الأكْبَرَ فاغْسِلُوا جَمِيعَ الجَسَدِ. وقالَ قَوْمٌ، مِنهُمُ السُّدِّيُّ وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: إذا قُمْتُمْ مِنَ المَضاجِعِ يَعْنُونَ النَّوْمَ. وقالُوا: في الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ؛ أيْ: إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ مِنَ النَّوْمِ ﴿أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ﴾؛ أيْ: المُلامَسَةَ الصُّغْرى ﴿فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ . وهَذا التَّأْوِيلُ يُنَزَّهُ حَمْلُ كِتابِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وإنَّما ذَكَرُوا ذَلِكَ طَلَبًا لِأنْ يُعَمَّ الإحْداثُ بِالذِّكْرِ.
وقالَ قَوْمٌ: الخِطابُ خاصٌّ وإنْ كانَ بِلَفْظِ العُمُومِ، وهو رُخْصَةٌ لِلرَّسُولِ، ﷺ، «أُمِرَ بِالوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ فَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَأُمِرَ بِالسِّواكِ، فَرُفِعَ عَنْهُ الوُضُوءُ إلّا مِن حَدَثٍ» . وقالَ قَوْمٌ: الأمْرُ بِالوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاةٍ عَلى سَبِيلِ النَّدْبِ، وكانَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحابَةِ يَفْعَلُهُ طَلَبًا لِلْفَضْلِ، مِنهم: ابْنُ عُمَرَ. وقالَ قَوْمٌ: الوُضُوءُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ كانَ فَرْضًا ونُسِخَ. وقِيلَ: فَرْضًا عَلى الرَّسُولِ خاصَّةً، فَنُسِخَ (p-٤٣٥)عَنْهُ عامَ الفَتْحِ. وقِيلَ: فَرْضًا عَلى الأُمَّةِ فَنُسِخَ عَنْهُ وعَنْهم. ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ فاغْسِلُوا: أمْرًا لِلْمُحْدِثِينَ عَلى الوُجُوبِ ولِلْمُتَطَهِّرِينَ عَلى النَّدْبِ، لِأنَّ تَناوُلَ الكَلامِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِن بابِ الإلْغازِ والتَّعْمِيَةِ قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
﴿فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾، الوَجْهُ: ما قابَلَ النّاظِرَ وحَدُّهُ طُولًا مَنابِتُ الشَّعْرِ فَوْقَ الجَبْهَةِ مَعَ آخِرِ الذَّقْنِ. والظّاهِرُ أنَّ اللِّحْيَةَ لَيْسَتْ داخِلَةً في غَسْلِ الوَجْهِ، لِأنَّها لَيْسَتْ مِنهُ. وكَذَلِكَ الأُذُنانِ عَرْضًا مِنَ الأُذُنِ إلى الأُذُنِ. ومَن رَأى أنَّ الغَسْلَ هو إيصالُ الماءِ مَعَ إمْرارِ شَيْءٍ عَلى المَغْسُولِ أوْجَبَ الدَّلْكَ، وهو مَذْهَبُ مالِكٍ، والجُمْهُورُ لا يُوجِبُونَهُ. والظّاهِرُ أنَّ المَضْمَضَةَ والِاسْتِنْشاقَ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِما في الآيَةِ في غَسْلِ الوَجْهِ، ويَرَوْنَ ذَلِكَ سُنَّةً. وقالَ مُجاهِدٌ: الِاسْتِنْشاقُ شَطْرُ الوُضُوءِ. وقالَ عَطاءٌ، والزُّهْرِيُّ، وقَتادَةُ، وحَمّادُ بْنُ أبِي سُلَيْمانَ، وابْنُ أبِي لَيْلى، وإسْحاقُ: مَن تَرَكَ المَضْمَضَةَ والِاسْتِنْشاقَ في الوُضُوءِ أعادَ الصَّلاةَ. وقالَ أحْمَدُ: يُعِيدُ مَن تَرَكَ الِاسْتِنْشاقَ، ولا يُعِيدُ مَن تَرَكَ المَضْمَضَةَ؛ والإجْماعُ عَلى أنَّهُ لا يَلْزَمُ غَسْلُ داخِلِ العَيْنَيْنِ، إلّا ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ كانَ يَنْضَحُ الماءَ في عَيْنَيْهِ.
﴿وأيْدِيَكم إلى المَرافِقِ﴾؛ اليَدُ في اللُّغَةِ مِن أطْرافِ الأصابِعِ إلى المَنكِبِ، وقَدْ غَيّا الغَسْلَ إلَيْها. واخْتَلَفُوا في دُخُولِها في الغَسْلِ، فَذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى وُجُوبِ دُخُولِها، وذَهَبَ زُفَرُ، وداوُدُ إلى أنَّهُ لا يَجِبُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ”إلى“ تُفِيدُ مَعْنى الغايَةِ مُطْلَقًا، ودُخُولُها في الحُكْمِ وخُرُوجُها أمْرٌ يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ. ثُمَّ ذَكَرَ مَثَلًا مِمّا دَخَلَ وخَرَجَ ثُمَّ قالَ: وقَوْلُهُ: ﴿إلى المَرافِقِ﴾ وإلى الكَعْبَيْنِ لا دَلِيلَ فِيهِ عَلى أحَدِ الأمْرَيْنِ. انْتَهى كَلامُهُ. وذَكَرَ أصْحابُنا أنَّهُ إذا لَمْ يَقْتَرِنْ بِما بَعْدَ ”إلى“ قَرِينَةُ دُخُولٍ أوْ خُرُوجٍ فَإنَّ في ذَلِكَ خِلافًا. مِنهم مَن ذَهَبَ إلى أنَّهُ داخِلٌ، ومِنهم مَن ذَهَبَ إلى أنَّهُ غَيْرُ داخِلٍ، وهو الصَّحِيحُ وعَلَيْهِ أكْثَرُ المُحَقِّقِينَ وذَلِكَ أنَّهُ إذا اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةٌ فَإنَّ الأكْثَرَ في كَلامِهِمْ أنْ يَكُونَ غَيْرَ داخِلٍ، فَإذا عُرِّيَ مِنَ القَرِينَةِ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلى الأكْثَرِ. وأيْضًا فَإذا قُلْتَ: اشْتَرَيْتُ المَكانَ إلى الشَّجَرَةِ فَما بَعْدَ (إلى) هو داخِلُ المَوْضِعِ الَّذِي انْتَهى إلَيْهِ المَكانُ المُشْتَرى، فَلا يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ مِنَ المَكانِ المُشْتَرى، لِأنَّ الشَّيْءَ لا يَنْتَهِي ما بَقِيَ مِنهُ شَيْءٌ إلّا أنْ يُتَجَوَّزَ، فَيُجْعَلُ ما قَرُبَ مِنَ الِانْتِهاءِ انْتِهاءً. فَإذا لَمْ يُتَصَوَّرْ أنْ يَكُونَ داخِلًا إلّا بِمَجازٍ، وجَبَ أنْ يُحْمَلَ عَلى أنَّهُ غَيْرُ داخِلٍ، لِأنَّهُ لا يُحْمَلُ عَلى المَجازِ ما أمْكَنَتِ الحَقِيقَةُ إلّا أنْ يَكُونَ ثَمَّ قَرِينَةٌ مُرَجِّحَةٌ المَجازَ عَلى الحَقِيقَةِ. فَقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: عِنْدَ انْتِفاءِ قَرِينَةِ الدُّخُولِ أوِ الخُرُوجِ، لا دَلِيلَ فِيهِ عَلى أحَدِ الأمْرَيْنِ - مُخالِفٌ لِنَقْلِ أصْحابِنا، إذْ ذَكَرُوا أنَّ النَّحْوِيِّينَ عَلى مَذْهَبَيْنِ: أحَدُهُما: الدُّخُولُ، والآخَرُ: الخُرُوجُ. وهو الَّذِي صَحَّحُوهُ. وعَلى ما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ يُتَوَقَّفُ، ويَكُونُ مِنَ المُجْمَلِ حَتّى يَتَّضِحَ ما يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِن خارِجٍ عَنِ الكَلامِ. وعَلى ما ذَكَرَهُ أصْحابُنا يَكُونُ مِنَ المُبَيَّنِ، فَلا يَتَوَقَّفُ عَلى شَيْءٍ مِن خارِجٍ في بَيانِهِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: تَحْرِيرُ العِبارَةِ في هَذا المَعْنى أنْ يُقالَ: إذا كانَ ما بَعْدَ (إلى) لَيْسَ مِمّا قَبْلَها فالحَدُّ أوَّلُ المَذْكُورِ بَعْدَها، فَإذا كانَ ما بَعْدَها مِن جُمْلَةِ ما قَبْلَها فالِاحْتِياطُ يُعْطِي أنَّ الحَدَّ آخِرُ المَذْكُورِ بَعْدَها، ولِذَلِكَ يَتَرَجَّحُ دُخُولُ المِرْفَقَيْنِ في الغَسْلِ. فالرِّوايَتانِ مَحْفُوظَتانِ عَنْ مالِكٍ. رَوى أشْهَبُ عَنْهُ: أنَّهُما غَيْرُ داخِلَتَيْنِ، (p-٤٣٦)ورَوى غَيْرُهُ أنَّهُما داخِلَتانِ. انْتَهى. وهَذا التَّقْسِيمُ ذَكَرَهُ عَبْدُ الدّائِمِ القَيْرَوانِيُّ فَقالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ ما بَعْدَها مِن جِنْسِ ما قَبْلَها دَخَلَ في الحُكْمِ.
والظّاهِرُ أنَّ الوُضُوءَ شَرْطٌ في صِحَّةِ الصَّلاةِ مِن هَذِهِ الآيَةِ، لِأنَّهُ أمَرَ بِالوُضُوءِ لِلصَّلاةِ، فالآتِي بِها دُونَهُ تارِكٌ لِلْمَأْمُورِ، وتارِكُ المَأْمُورِ يَسْتَحِقُّ العِقابَ. وأيْضًا فَقَدْ بَيَّنَ أنَّهُ مَتى عَدِمَ الوَضُوءَ انْتَقَلَ إلى التَّيَمُّمِ، فَدَلَّ عَلى اشْتِراطِهِ عِنْدَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ. والظّاهِرُ أنَّ أوَّلَ فُرُوضِ الوُضُوءِ هو غَسْلُ الوَجْهِ، وبِهِ قالَ أبُو حَنِيفَةَ. وقالَ الجُمْهُورُ: النِّيَّةُ أوَّلُها. وقالَ أحْمَدُ وإسْحاقُ: تَجِبُ التَّسْمِيَةُ في أوَّلِ الوُضُوءِ، فَإنْ تَرَكَها عَمْدًا بَطَلَ وضُوءُهُ. وقالَ بَعْضُهم: يَجِبُ تَرْكُ الكَلامِ عَلى الوُضُوءِ، والجُمْهُورُ عَلى أنَّهُ يُسْتَحَبُّ. والظّاهِرُ أنَّ الواجِبَ في هَذِهِ المَأْمُورِ بِها هو مَرَّةٌ واحِدَةٌ. والظّاهِرُ وُجُوبُ تَعْمِيمِ الوَجْهِ بِالغَسْلِ بَدَأْتَ بِغَسْلِ أيِّ مَوْضِعٍ مِنهُ. والظّاهِرُ وُجُوبُ غَسْلِ البَياضِ الَّذِي بَيْنَ العِذارِ والأُذُنِ، وبِهِ قالَ: أبُو حَنِيفَةَ، ومُحَمَّدٌ، والشّافِعِيُّ. وقالَ أبُو يُوسُفَ؛ وغَيْرُهُ: لا يَجِبُ. والظّاهِرُ أنَّ ما تَحْتَ اللِّحْيَةِ الخَفِيفَةِ لا يَجِبُ غَسْلُهُ، وبِهِ قالَ أبُو حَنِيفَةَ. وقالَ الشّافِعِيُّ: يَجِبُ، وإنَّ ما اسْتَرْسَلَ مِنَ الشَّعْرِ تَحْتَ الذَّقْنِ لا يَجِبُ غَسْلُهُ. وبِهِ قالَ أبُو حَنِيفَةَ. وقالَ مالِكٌ والمُزَنِيُّ: يَجِبُ. وعَنِ الشّافِعِيِّ القَوْلانِ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: وأيْدِيَكم، لا تَرْتِيبَ في غَسْلِ اليَدَيْنِ، ولا في الرِّجْلَيْنِ، بَلْ تَقْدِيمُ اليُمْنى عَلى اليُسْرى فِيهِما مَندُوبٌ إلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ. وقالَ أحْمَدُ: هو واجِبٌ. والظّاهِرُ أنَّ التَّغْيِيَةَ بِـ (إلى) تَقْتَضِي أنْ يَكُونَ انْتِهاءُ الغَسْلِ إلى ما بَعْدَها، ولا يَجُوزُ الِابْتِداءُ مِنَ المِرْفَقِ حَتّى يَسِيلَ الماءُ إلى الكَفِّ، وبِهِ قالَ بَعْضُ الفُقَهاءِ. وقالَ الجُمْهُورُ: لا يُخِلُّ ذَلِكَ بِصِحَّةِ الوُضُوءِ. والسُّنَّةُ أنْ يُصَبَّ الماءُ مِنَ الكَفِّ بِحَيْثُ يَسِيلُ مِنهُ إلى المِرْفَقِ.
﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكم وأرْجُلَكم إلى الكَعْبَيْنِ﴾ هَذا أمَرٌ بِالمَسْحِ بِالرَّأْسِ، واخْتَلَفُوا في مَدْلُولِ باءِ الجَرِّ هُنا فَقِيلَ: إنَّها لِلْإلْصاقِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: المُرادُ إلْصاقُ المَسْحِ بِالرَّأْسِ، وما مَسَحَ بَعْضَهُ ومُسْتَوْفِيهِ بِالمَسْحِ كِلاهُما مُلْصِقٌ المَسْحَ بِرَأْسِهِ. انْتَهى. ولَيْسَ كَما ذَكَرَ، لَيْسَ ما مَسَحَ بَعْضَهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أنَّهُ مُلْصِقُ المَسْحِ بِرَأْسِهِ، إنَّما يُطْلَقُ عَلَيْهِ أنَّهُ مُلْصِقُ المَسْحِ بِبَعْضِهِ. وأمّا أنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ أنَّهُ مُلْصِقُ المَسْحِ بِرَأْسِهِ حَقِيقَةً فَلا، إنَّما يُطْلَقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ المَجازِ، وتَسْمِيَةٌ لِبَعْضٍ بِكُلٍّ. وقِيلَ: الباءُ لِلتَّبْعِيضِ، وكَوْنُها لِلتَّبْعِيضِ يُنْكِرُهُ أكْثَرُ النُّحاةِ حَتّى قالَ بَعْضُهم: وقالَ مَن لا خِبْرَةَ لَهُ بِالعَرَبِيَّةِ: الباءُ في مِثْلِ هَذا لِلتَّبْعِيضِ، ولَيْسَ بِشَيْءٍ يَعْرِفُهُ أهْلُ العِلْمِ. وقِيلَ: الباءُ زائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ، مِثْلُها في قَوْلِهِ ﴿ومَن يُرِدْ فِيهِ بِإلْحادٍ﴾ [الحج: ٢٥] ﴿وهُزِّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥] ﴿ولا تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٥] أيْ: إلْحادًا، وجِذْعَ، وأيْدِيَكم. وقالَ الفَرّاءُ: تَقُولُ (p-٤٣٧)العَرَبُ هَزَّهُ وهَزَّ بِهِ، وخُذِ الخِطامَ وبِالخِطامِ، وحَزَّ رَأْسَهُ وبِرَأْسِهِ، ومَدَّهُ ومَدَّ بِهِ. وحَكى سِيبَوَيْهِ: خَشَنْتُ صَدْرَهُ وبِصَدْرِهِ، ومَسَحْتُ رَأْسَهُ وبِرَأْسِهِ في مَعْنًى واحِدٍ، وهَذا نَصٌّ في المَسْألَةِ.
وعَلى هَذِهِ المَفْهُوماتِ ظَهَرَ الِاخْتِلافُ بَيْنَ العُلَماءِ في مَسْحِ الرَّأْسِ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أنَّهُ مَسَحَ اليافُوخَ فَقَطْ، وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ أنَّهُ كانَ يَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ، وعَنْ إبْراهِيمَ والشَّعْبِيِّ: أيَّ نَواحِي رَأْسِكَ مَسَحْتَ أجْزَأكَ، وعَنِ الحَسَنِ: إنْ لَمْ تُصِبِ المَرْأةُ إلّا شَعْرَةً واحِدَةً أجْزَأها. وأمّا فُقَهاءُ الأمْصارِ فالمَشْهُورُ مِن مَذْهَبِ مالِكٍ: وُجُوبُ التَّعْمِيمِ. والمَشْهُورُ مِن مَذْهَبِ الشّافِعِيِّ: وُجُوبُ أدْنى ما يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ المَسْحِ، ومَشْهُورُ أبِي حَنِيفَةَ والشّافِعِيِّ: أنَّ الأفْضَلَ اسْتِيعابُ الجَمِيعِ. ومِن غَرِيبِ ما نُقِلَ عَمَّنِ اسْتَدَلَّ عَلى أنَّ بَعْضَ الرَّأْسِ يَكْفِي أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ﴾، كَقَوْلِكَ: مَسَحْتُ بِالمِندِيلِ يَدَيَّ، فَكَما أنَّهُ لا يَدُلُّ هَذا عَلى تَعْمِيمِ جَمِيعِ اليَدِ بِجُزْءٍ مِن أجْزاءِ المِندِيلِ فَكَذَلِكَ الآيَةُ، فَتَكُونُ الرَّأْسُ والرِّجْلُ آلَتَيْنِ لِمَسْحِ تِلْكَ اليَدِ، ويَكُونُ الفَرْضُ إذْ ذاكَ لَيْسَ مَسْحَ الرَّأْسِ والأرْجُلِ، بَلِ الفَرْضُ مَسْحُ تِلْكَ اليَدِ بِالرَّأْسِ والرِّجْلِ، ويَكُونُ في اليَدِ فَرْضانِ، أحَدُهُما: غَسْلُ جَمِيعِها إلى المِرْفَقِ، والآخَرُ: مَسْحُ بَلَلِها بِالرَّأْسِ والأرْجُلِ. وعَلى مَن ذَهَبَ إلى التَّبْعِيضِ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ التَّبْعِيضُ في قَوْلِهِ في قِصَّةِ التَّيَمُّمِ: ﴿فامْسَحُوا بِوُجُوهِكم وأيْدِيكم مِنهُ﴾ أنْ يَقْتَصِرَ عَلى مَسْحِ بَعْضِ الوَجْهِ وبَعْضِ اليَدِ، ولا قائِلَ بِهِ. وعَلى مَن جَعَلَ الباءَ آلَةً يَلْزَمُ أيْضًا ذَلِكَ، ويَلْزَمُ أنْ يَكُونَ المَأْمُورُ بِهِ في التَّيَمُّمِ هو مَسْحُ الصَّعِيدِ بِجُزْءٍ مِنَ الوَجْهِ واليَدِ.
والظّاهِرُ أنَّ الأمْرَ بِالغَسْلِ والمَسْحِ يَقَعُ الِامْتِثالُ فِيهِ بِمَرَّةٍ واحِدَةٍ، وتَثْلِيثُ المَغْسُولِ سُنَّةٌ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ ومالِكٌ: لَيْسَ بِسُنَّةٍ. وقالَ الشّافِعِيُّ: بِتَثْلِيثِ المَسْحِ. ورُوِيَ عَنْ أنَسٍ، وابْنِ جُبَيْرٍ، وعَطاءٍ مِثْلُهُ. وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ: يَمْسَحُ مَرَّتَيْنِ. والظّاهِرُ مِنَ الآيَةِ: أنَّهُ كَيْفَما مَسَحَ أجْزَأهُ. واخْتَلَفُوا في الأفْضَلِ ابْتِداءً بِالمُقَدَّمِ إلى القَفا، ثُمَّ إلى الوَسَطِ، ثَلاثَةَ أقْوالٍ، الثّابِتُ مِنها في السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الأوَّلُ، وهو قَوْلُ مالِكٍ، والشّافِعِيِّ، وأحْمَدَ، وجَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ. والثّانِي مِنها قَوْلُ الحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. والثّالِثُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ. والظّاهِرُ أنَّ رَدَّ اليَدَيْنِ عَلى شَعْرِ الرَّأْسِ لَيْسَ بِفَرْضٍ، فَتَحَقَّقَ المَسْحُ بِدُونِ الرَّدِّ. وقالَ بَعْضُهم: هو فَرْضٌ. والظّاهِرُ أنَّ المَسْحَ عَلى العِمامَةِ لا يُجْزِئُ، لِأنَّهُ لَيْسَ مَسْحًا لِلرَّأْسِ. وقالَ الأوْزاعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، وأحْمَدُ: يُجْزِئُ، وأنَّ المَسْحَ يُجْزِئُ ولَوْ بِأُصْبُعٍ واحِدَةٍ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ: لا يُجْزِئُ بِأقَلَّ مِن ثَلاثِ أصابِعَ. والظّاهِرُ أنَّهُ لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ لَمْ يُجْزِهِ، لِأنَّ الغَسْلَ لَيْسَ هو المَأْمُورُ بِهِ وهو قَوْلُ أبِي العَبّاسِ بْنِ القاضِي مِنَ الشّافِعِيَّةِ، ويَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ الظّاهِرِيَّةِ. وقالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: لا نَعْلَمُ خِلافًا في أنَّ الغَسْلَ يُجْزِيهِ مِنَ المَسْحِ إلّا ما رَوى لَنا الشّاشِيُّ في الدَّرْسِ عَنِ ابْنِ القاضِي أنَّهُ لا يُجْزِئُهُ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وحَمْزَةُ وأبُو بَكْرٍ، وهي قِراءَةُ أنَسٍ، وعِكْرِمَةَ، والشَّعْبِيِّ، والباقِرِ، وقَتادَةَ، وعَلْقَمَةَ، والضَّحّاكِ: (وأرْجُلِكم) بِالخَفْضِ؛ والظّاهِرُ مِن هَذِهِ القِراءَةِ انْدِراجُ الأرْجُلِ في المَسْحِ مَعَ الرَّأْسِ. ورُوِيَ وُجُوبُ مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ عَنِ: ابْنِ عَبّاسٍ، وأنَسٍ، وعِكْرِمَةَ، والشَّعْبِيِّ، وأبِي جَعْفَرٍ الباقِرِ، وهو مَذْهَبُ الإمامِيَّةِ مِنَ الشِّيعَةِ. وقالَ جُمْهُورُ الفُقَهاءِ: فَرَضُهُما الغَسْلُ. وقالَ داوُدُ: يَجِبُ الجَمْعُ بَيْنَ المَسْحِ والغَسْلِ، وهو قَوْلُ النّاصِرِ لِلْحَقِّ مِن أئِمَّةِ الزَّيْدِيَّةِ. وقالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: يُخَيَّرُ بَيْنَ المَسْحِ والغَسْلِ؛ ومَن أوْجَبَ الغَسْلَ تَأوَّلَ أنَّ الجَرَّ هو خَفْضٌ عَلى الجَوازِ، وهو تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا، ولَمْ يَرِدْ إلّا في النَّعْتِ، حَيْثُ لا يَلْبَسُ عَلى خِلافٍ فِيهِ قَدْ قُرِّرَ في عِلْمِ العَرَبِيَّةِ، أوْ تَأوَّلَ عَلى أنَّ الأرْجُلَ مَجْرُورَةٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يَتَعَدّى بِالباءِ؛ أيْ: وافْعَلُوا بِأرْجُلِكُمُ الغَسْلَ، وحُذِفَ الفِعْلُ وحَرْفُ الجَرِّ، وهَذا تَأْوِيلٌ في غايَةِ الضَّعْفِ. أوْ تَأوَّلَ عَلى أنَّ الأرْجُلَ (p-٤٣٨)مِن بَيْنِ الأعْضاءِ الثَّلاثَةِ المَغْسُولَةِ مَظِنَّةُ الإسْرافِ المَذْمُومِ المَنهِيِّ عَنْهُ، فَعَطَفَ عَلى الرّابِعِ المَمْسُوحَ لا لِيُمْسَحَ، ولَكِنْ لِيُنَبِّهَ عَلى وُجُوبِ الِاقْتِصادِ في صَبِّ الماءِ عَلَيْها. وقِيلَ: إلى الكَعْبَيْنِ، فَجِيءَ بِالغايَةِ إماطَةً لِظَنِّ ظانٍّ يَحْسَبُها مَمْسُوحَةً، لِأنَّ المَسْحَ لَمْ يُضْرَبْ لَهُ غايَةٌ. انْتَهى هَذا التَّأْوِيلُ. وهو كَما تَرى في غايَةِ التَّلْفِيقِ وتَعْمِيَةٌ في الأحْكامِ. ورُوِيَ عَنْ أبِي زَيْدٍ: أنَّ العَرَبَ تُسَمِّي الغَسْلَ الخَفِيفَ مَسْحًا، ويَقُولُونَ: تَمَسَّحْتُ لِلصَّلاةِ بِمَعْنى: غَسَلْتُ أعْضائِي.
وقَرَأ نافِعٌ، والكِسائِيُّ، وابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ: وأرْجُلَكم بِالنَّصْبِ. واخْتَلَفُوا في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ، فَقِيلَ: هو مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وُجُوهَكم وأيْدِيَكم إلى المَرافِقِ﴾ ﴿وأرْجُلَكم إلى الكَعْبَيْنِ﴾، وفِيهِ الفَصْلُ بَيْنَ المُتَعاطِفَيْنِ بِجُمْلَةٍ لَيْسَتْ بِاعْتِراضٍ، بَلْ هي مُنْشِئَةٌ حُكْمًا. وقالَ أبُو البَقاءِ: هَذا جائِزٌ بِلا خِلافٍ. وقالَ الأُسْتاذُ أبُو الحَسَنِ بْنُ عُصْفُورٍ، وقَدْ ذَكَرَ الفَصْلَ بَيْنَ المَعْطُوفِ والمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، قالَ: وأقْبَحُ ما يَكُونُ ذَلِكَ بِالجُمَلِ، فَدَلَّ قَوْلُهُ هَذا عَلى أنَّهُ يُنَزِّهُ كِتابَ اللَّهِ عَنْ هَذا التَّخْرِيجِ. وهَذا تَخْرِيجُ مَن يَرى أنَّ فَرْضَ الرِّجْلَيْنِ هو الغَسْلُ، وأمّا مَن يَرى المَسْحَ فَيَجْعَلُهُ مَعْطُوفًا عَلى مَوْضِعِ بِرُءُوسِكم، ويَجْعَلُ قِراءَةَ النَّصْبِ كَقِراءَةِ الجَرِّ دالَّةً عَلى المَسْحِ. وقَرَأ الحَسَنُ: (وأرْجُلُكم) بِالرَّفْعِ، وهو مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الخَبَرِ؛ أيْ: اغْسِلُوها إلى الكَعْبَيْنِ عَلى تَأْوِيلِ مَن يَغْسِلُ، أوْ مَمْسُوحَةً إلى الكَعْبَيْنِ عَلى تَأْوِيلِ مَن يَمْسَحُ. وتَقَدَّمَ مَدْلُولُ الكَعْبِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَوْلُ الجُمْهُورِ هُما حَدُّ الوُضُوءِ بِإجْماعٍ فِيما عَلِمْتُ، ولا أعْلَمُ أحَدًا جَعَلَ حَدَّ الوُضُوءِ إلى العَظْمِ الَّذِي في وجْهِ القَدَمِ. وقالَ غَيْرُهُ: قالَتِ الإمامِيَّةُ وكُلُّ مَن ذَهَبَ إلى وُجُوبِ مَسْحِ الكَعْبِ: هو الَّذِي في وجْهِ القَدَمِ، فَيَكُونُ المَسْحُ مُغَيًّا بِهِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: رَوى أشْهَبُ عَنْ مالِكٍ: الكَعْبانِ هُما العَظْمانِ المُلْتَصِقانِ بِالسّاقِ المُحاذِيانِ لِلْعَقِبِ، ولَيْسَ الكَعْبُ بِالظّاهِرِ الَّذِي في وجْهِ القَدَمِ، ويَظْهَرُ ذَلِكَ مِنَ الآيَةِ في قَوْلِهِ في الأيْدِي ﴿إلى المَرافِقِ﴾ إذْ في كُلِّ يَدٍ مِرْفَقٌ. ولَوْ كانَ كَذَلِكَ في الأرْجُلِ لَقِيلَ إلى الكُعُوبِ، فَلَمّا كانَ في كُلِّ رِجْلٍ كَعْبانِ خُصَّتا بِالذِّكْرِ. انْتَهى. ولا دَلِيلَ في قَوْلِهِ في الآيَةِ عَلى أنَّ مُوالاةَ أفْعالِ الوُضُوءِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ في صِحَّتِهِ لِقَبُولِ الآيَةِ التَّقْسِيمَ في قَوْلِكَ: مُتَوالِيًا وغَيْرَ مُتَوالٍ، وهو مَشْهُورُ مَذْهَبِ أبِي حَنِيفَةَ ومالِكٍ، ورُوِيَ عَنْ مالِكٍ والشّافِعِيِّ في القَدِيمِ: أنَّها شَرْطٌ. وعَلى أنَّ التَّرْتِيبَ في الأفْعالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، لِعَطْفِها بِالواوِ، وهو مَذْهَبُ مالِكٍ وأبِي حَنِيفَةَ، ومَذْهَبُ الشّافِعِيِّ: أنَّهُ شَرْطٌ، واسْتِيفاءُ حُجَجِ هَذِهِ المَسائِلِ مَذْكُورَةٌ في الفِقْهِ، ولَمْ تَتَعَرَّضِ الآيَةُ لِلنَّصِّ عَلى الأُذُنَيْنِ، فَمَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ وأصْحابِهِ والثَّوْرِيِّ، والأوْزاعِيِّ، ومالِكٍ فِيما رَوى عَنْهُ أشْهَبُ وابْنُ القاسِمِ: أنَّهُما مِنَ الرَّأْسِ فَيُمْسَحانِ. وقالَ الزُّهْرِيُّ: هُما مِنَ الوَجْهِ فَيُغْسَلانِ مَعَهُ. وقالَ الشّافِعِيُّ: مِنَ الوَجْهِ هُما عُضْوٌ قائِمٌ بِنَفْسِهِ، لَيْسا مِنَ الوَجْهِ ولا مِنَ الرَّأْسِ، ويُمْسَحانِ بِماءٍ جَدِيدٍ. وقِيلَ: ما أقْبَلَ مِنهُما مِنَ الوَجْهِ وما أدْبَرَ مِنَ الرَّأْسِ، وعَلى هَذِهِ الأقْوالِ تُبْنى فَرْضِيَّةُ المَسْحِ أوِ الغَسْلِ وسُنِّيَّةُ ذَلِكَ.
﴿وإنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فاطَّهَّرُوا﴾ لَمّا ذَكَرَ تَعالى الطَّهارَةَ الصُّغْرى ذَكَرَ الطَّهارَةَ الكُبْرى، وتَقَدَّمَ مَدْلُولُ الجُنُبِ في ﴿ولا جُنُبًا إلّا عابِرِي سَبِيلٍ﴾ [النساء: ٤٣] والظّاهِرُ أنَّ الجُنُبَ مَأْمُورٌ بِالِاغْتِسالِ. وقالَ عُمَرُ، وابْنُ مَسْعُودٍ: لا يَتَيَمَّمُ الجُنُبُ البَتَّةَ، بَلْ يَدَعُ الصَّلاةَ حَتّى يَجِدَ الماءَ، والجُمْهُورُ عَلى خِلافِ ذَلِكَ، وأنَّهُ يَتَيَمَّمُ، وقَدْ رَجَعا إلى ما عَلَيْهِ الجُمْهُورُ. والظّاهِرُ أنَّ الغَسْلَ والمَسْحَ والتَّطَهُّرَ إنَّما تَكُونُ بِالماءِ لِقَوْلِهِ: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً﴾ أيْ: لِلْوُضُوءِ والغُسْلِ ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ فَدَلَّ عَلى أنَّهُ لا واسِطَةَ بَيْنَ الماءِ والصَّعِيدِ، وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ. وذَهَبَ الأوْزاعِيُّ والأصَمُّ: إلى أنَّهُ يَجُوزُ الوُضُوءُ والغَسْلُ بِجَمِيعِ المائِعاتِ الطّاهِرَةِ. والظّاهِرُ أنَّ الجُنُبَ لا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ التَّطْهِيرِ مِن غَيْرِ وُضُوءٍ. ولا تَرْتِيبَ في الأعْضاءِ المَغْسُولَةِ، ولا دَلْكَ، ولا مَضْمَضَةَ، ولا اسْتِنْشاقَ، بَلِ الواجِبُ تَعْمِيمُ جَسَدِهِ بِوُصُولِ الماءِ (p-٤٣٩)إلَيْهِ. وقالَ داوُدُ وأبُو ثَوْرٍ: يَجِبُ تَقْدِيمُ الوُضُوءِ عَلى الغَسْلِ. وقالَ إسْحاقُ: تَجِبُ البُداءَةُ بِأعْلى البَدَنِ. وقالَ مالِكٌ: يَجِبُ الدَّلْكُ، ورَوى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوانَ الظّاهِرِيُّ: أنَّهُ يُجْزِئُهُ الِانْغِماسُ في الماءِ دُونَ تَدُلُّكٍ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ، وزُفَرُ، وأبُو يُوسُفَ، ومُحَمَّدٌ، واللَّيْثُ، وأحْمَدُ: تَجِبُ المَضْمَضَةُ والِاسْتِنْشاقُ فِيهِ، وزادَ أحْمَدُ الوُضُوءَ. وقالَ النَّخَعِيُّ: إذا كانَ شَعْرُهُ مَفْتُولًا جِدًّا يَمْنَعُ مِن وُصُولِ الماءِ إلى جِلْدَةِ الرَّأْسِ لا يَجِبُ نَقْضُهُ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: فاطَّهَرُوا، بِتَشْدِيدِ الطّاءِ والهاءِ المَفْتُوحَتَيْنِ، وأصْلُهُ: تَطَهَّرُوا، فَأُدْغِمَ التّاءُ في الطّاءِ، واجْتُلِبَتْ هَمْزَةُ الوَصْلِ. وقُرِئَ: (فَأطْهِرُوا) بِسُكُونِ الطّاءِ والهاءُ مَكْسُورَةٌ مِن (أطْهَرَ) رُباعِيًّا؛ أيْ: فَأطْهِرُوا أبْدانَكم، والهَمْزَةُ فِيهِ لِلتَّعْدِيَةِ.
﴿وإنْ كُنْتُمْ مَرْضى أوْ عَلى سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فامْسَحُوا بِوُجُوهِكم وأيْدِيكم مِنهُ﴾ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ وجَوابِها في النِّساءِ، إلّا أنَّ في هَذِهِ الجُمْلَةِ زِيادَةَ (مِنهُ) وهي مُرادَةٌ في تِلْكَ الَّتِي في النِّساءِ. وفي لَفْظَةِ ”مِنهُ“ دَلالَةٌ عَلى إيصالِ شَيْءٍ مِنَ الصَّعِيدِ إلى الوَجْهِ واليَدَيْنِ، فَلا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِما لا يَعْلَقُ بِاليَدِ كالحَجَرِ والخَشَبِ والرَّمْلِ العارِي عَنْ أنْ يَعْلَقَ شَيْءٌ مِنهُ بِاليَدِ فَيَصِلَ إلى الوَجْهِ، وهَذا مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ، ومالِكٌ: إذا ضَرَبَ الأرْضَ ولَمْ يَعْلَقْ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنَ الغُبارِ ومَسَحَ بِها أجْزَأهُ. وظاهِرُ الأمْرِ بِالتَّيَمُّمِ لِلصَّعِيدِ، والأمْرِ بِالمَسْحِ، أنَّهُ لَوْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ، أوْ وقَفَ في مَهَبِّ رِيحٍ فَسَفَتْ عَلى وجْهِهِ ويَدَيْهِ وأمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، أوْ لَمْ يُمِرَّ، أوْ ضَرَبَ ثَوْبًا فارْتَفَعَ مِنهُ غُبارٌ إلى وجْهِهِ ويَدَيْهِ، أنَّ ذَلِكَ لا يُجْزِئُهُ. وفي كُلٍّ مِنَ المَسائِلِ الثَّلاثِ خِلافٌ.
﴿ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكم مِن حَرَجٍ﴾ أيْ: مِن تَضْيِيقٍ، بَلْ رَخَّصَ لَكم في تَيَمُّمِ الصَّعِيدِ عِنْدَ فَقْدِ الماءِ. والإرادَةُ صِفَةُ ذاتٍ، وجاءَتْ بِلَفْظِ المُضارِعِ مُراعاةً لِلْحَوادِثِ الَّتِي تَظْهَرُ عَنْها، فَإنَّها تَجِيءُ مَؤْتَنِقَةً مِن نَفْيِ الحَرَجِ ووُجُودِ التَّطْهِيرِ وإتْمامِ النِّعْمَةِ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى مِثْلِ اللّامِ في (لِيَجْعَلَ) في قَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] فَأغْنى عَنْ إعادَتِهِ. ومَن زَعَمَ أنَّ مَفْعُولَ يُرِيدُ مَحْذُوفٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ اللّامُ، جَعَلَ زِيادَةَ (مِن) في الواجِبِ لِلنَّفْيِ الَّذِي في صَدْرِ الكَلامِ، وإنْ لَمْ يَكُنِ النَّفْيُ واقِعًا عَلى فِعْلِ الحَرَجِ، ويَجْرِي مَجْرى هَذِهِ الجُمْلَةِ ما جاءَ في الحَدِيثِ «دِينُ اللَّهِ يُسْرٌ»، «وبُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» وجاءَ لَفْظُ الدِّينِ بِالعُمُومِ، والمَقْصُودُ بِهِ الَّذِي ذُكِرَ بِقُرْبٍ وهو التَّيَمُّمُ.
﴿ولَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ أيْ: بِالتُّرابِ إذا أعْوَزَكُمُ التَّطَهُّرُ بِالماءِ. وفي الحَدِيثِ: «التُّرابُ طَهُورُ المُسْلِمِ ولَوْ إلى عَشْرِ حِجَجٍ» . وقالَ الجُمْهُورُ: المَقْصُودُ بِهَذا التَّطْهِيرِ إزالَةُ النَّجاسَةِ الحُكْمِيَّةِ النّاشِئَةِ عَنْ خُرُوجِ الحَدَثِ. وقِيلَ: المَعْنى لِيُطَهِّرَكم مِن أدْناسِ الخَطايا بِالوُضُوءِ والتَّيَمُّمِ، كَما جاءَ في مُسْلِمٍ: (إذا تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ أوِ المُؤْمِنُ فَغَسَلَ وجْهَهُ خَرَجَ مِن وجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْها بِعَيْنَيْهِ مَعَ الماءِ) إلى آخِرِ الحَدِيثِ. وقِيلَ: المَعْنى لِيُطَهِّرَكم عَنِ التَّمَرُّدِ عَنِ الطّاعَةِ. وقَرَأ ابْنُ المُسَيَّبِ: (لِيُطْهِرَكم) بِإسْكانِ الطّاءِ وتَخْفِيفِ الهاءِ.
﴿ولِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ: ولِيُتِمَّ بِرُخَصِهِ إنْعامَهُ عَلَيْكم بِعَزائِمِهِ. وقِيلَ: الكَلامُ مُتَعَلِّقٌ بِما دَلَّ عَلَيْهِ أوَّلُ السُّورَةِ مِن إباحَةِ الطَّيِّباتِ مِنَ المَطاعِمِ والمَناكِحِ، ثُمَّ قالَ بَعْدَ كَيْفِيَّةِ الوُضُوءِ: ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكم؛ أيِ: النِّعْمَةَ المَذْكُورَةَ ثانِيًا وهي: نِعْمَةُ الدِّينِ. وقِيلَ: تَبْيِينُ الشَّرائِعِ وأحْكامِها، فَيَكُونُ مُؤَكِّدًا لِقَوْلِهِ: ﴿وأتْمَمْتُ عَلَيْكم نِعْمَتِي﴾ [المائدة: ٣] وقِيلَ: بِغُفْرانِ ذُنُوبِهِمْ. وفي الخَبَرِ: (تَمامُ النِّعْمَةِ بِدُخُولِ الجَنَّةِ والنَّجاةِ مِنَ النّارِ) .
﴿لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ أيْ: تَشْكُرُونَهُ عَلى تَيْسِيرِ دِينِهِ وتَطْهِيرِكم وإتْمامِ النِّعْمَةِ عَلَيْكم.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُوا۟ وُجُوهَكُمۡ وَأَیۡدِیَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُوا۟ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَیۡنِۚ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبࣰا فَٱطَّهَّرُوا۟ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَاۤءَ أَحَدࣱ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَاۤىِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَلَمۡ تَجِدُوا۟ مَاۤءࣰ فَتَیَمَّمُوا۟ صَعِیدࣰا طَیِّبࣰا فَٱمۡسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَیۡدِیكُم مِّنۡهُۚ مَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیَجۡعَلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ حَرَجࣲ وَلَـٰكِن یُرِیدُ لِیُطَهِّرَكُمۡ وَلِیُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق