الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ﴾ [المائدة ٦]، الخطاب بـ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ سبق لنا الكلام عليه عدة مرات فلا حاجة إلى إعادته هنا.
وقوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ أي: إذا أردتم الصلاة، ولا يُشترط أن يقوم الإنسان على قدميه، بل متى أراد وإن كان قاعدًا فإنه يلزمه ما أمر الله به.
وقوله: ﴿إِلَى الصَّلاةِ﴾ الصلاة عبادة معلومة مُفتَتَحة بالتكبير مُختَتَمة بالتسليم، هكذا قال العلماء في تعريفها: أنها عبادة معلومة -ولم يذكروا كيفيتها؛ لأنها يعلمها الخاص والعام- مفتَتَحة بالتكبير مختَتَمة بالتسليم.
فقولهم: مفتتحة بالتكبير، هذا فصل يُخرج ما عدا الصلاة؛ لأن جميع العبادات التي سوى الصلاة ما فيها افتتاح بالتكبير، ومختَتَمة بالتسليم أيضًا تُخرج ما يُبتدأ بالتكبير ولا يُختَم بالتسليم، كالطواف بالبيت، على أن ابتداء الطواف بالتكبير ليس بركن، لكنه من المندوبات، لكنه يَخرج بقولنا أيش؟ مختَتَمة بالتسليم، فإن الطواف لا يُختَتَم بالتسليم، وهذا مما يدل على أن الحديث المروي مرفوعًا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام «أَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ»[[أخرجه الترمذي (٩٦٠)، والدارمي (١٨٨٩) من حديث عبد الله بن عباس مرفوعًا، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (٣٩٣١) عن ابن عباس موقوفًا، وقال الترمذي (٩٦٠): وقد روي هذا الحديث عن ابن طاوس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا، ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن السائب.. ]]، لا يصح مرفوعًا، إنما هو عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو لا يصح طردًا ولا عكسًا، ولهذا كان القول الراجح: أن الطواف لا تُشترط له الطهارة؛ لأنه لا يدخل في الصلاة، ولا يمكن أن يُدخل في هذه الآية؛ لأنه ليس بصلاة، وإذا تبين أن الحديث المرفوع الذي هو في الحقيقة موقوف، إذا تبين أنه لا يصح طردًا ولا عكسًا تبين أنه لا يُشترط له الطهارة، ونتكلم على هذا إن شاء الله في الفوائد.
﴿إِلَى الصَّلاةِ﴾ ألا يقول قائل: الصلاة في اللغة الدعاء؟ ويكون المراد: إذا قمتم إلى الدعاء؟ قلنا: لا، ما ثبت أنه نُقِلَ عن معناه اللغوي إلى معنى شرعي فإنه إذا ورد في لسان الشارع يُحمَل على الحقيقة الشرعية، يعني: على المعنى الشرعي؛ ولهذا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٩٥٤)، ومسلم (٢٢٥ / ٢) من حديث أبي هريرة. ]]، هل نقول: المعنى لا يقبل الله دعاء أحدكم؟ لا أحد يقول بذلك، مع أن الصلاة في اللغة الدعاء، لكن نقول: الحقائق اللغوية إذا نُقلت إلى حقائق شرعية وجب أن تُحمل على الحقائق الشرعية في لسان مَنْ؟ في لسان الشارع.
﴿فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ الغَسْل معروف: هو إمرار الماء جريًا على العضو، أن يُمِرَّ الماء عليه جريًا، يعني يجري عليه، احترازا من المسح على العضو.
والوجوه جمع وجه، وإنما سُمي وجهًا؛ لأنه تحصل به المواجهة، وهو وجه أيضًا من وجه آخر؛ أنه وجه القلب، فالإنسان يُعْرَف ما في قلبه مما في وجهه، ولهذا إذا سُرَّ الإنسان استنار وجهه، وإذا غُمّ انقبض وجهه، فهو تحصل به المواجهة الحسية، وهو وجه للقلب حقيقة؛ لأنه ينبئ عما في القلب.
فما هو الوجه؟ يعني قلنا: ما تحصل به المواجهة، وحَدَّه العلماء: بأنه عرضًا من الأذن إلى الأذن، فالبياض الذي يكون بين العارض والأذن يعتبر من الوجه، وأما طولًا فإنه من منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية، وهذا الضابط من منحنى الجبهة أقرب من قول بعضهم: من منابت شعر الرأس؛ لأنك إذا قلت: من منابت شعر الرأس، لزم أن تقول: المعتاد؛ ليخرج الأفرع والأنزع؛ لأن بعض الناس تنزل منابت شعره إلى الجبهة، وبعض الناس ترتفع في الناصية، لكن إذا جعلنا الضابط هو منحنى الجبهة صار هذا أدق من وجه، وأيضًا هو المطابق للواقع؛ لأن الذي يواجه الناس عند اللقاء هو ما دون المنحنى، أما ما وراءه فهو مواجه للسماء لفوق.
مسترسل اللحية هل يكون من الوجه أو لا؟ من أهل العلم من قال: إنه من الوجه، وعلى هذا فإذا كان للإنسان لحية طويلة فإنه داخل في الوجه، وقال بعض العلماء: إن المسترسل من اللحية ليس من الوجه، وذلك لأنه في حكم المنفصل؛ لأن لدينا ثلاثة أشياء في جسد الإنسان في حكم المنفصل: الشعر، والظفر، والسنّ، هذه في حكم المنفصل، فيقول: ما دام ذلك في حكم المنفصل فإنه لا يدخل في حد الوجه، ولكن الصحيح أنه يدخل في حد الوجه؛ لأنه تحصل به المواجهة، ولأنه قد رُوي عن النبي ﷺ في حديث إسناده حسن «أنه كان يخلل لحيته في الوضوء»[[أخرجه أبو داود (١٤٥)، وابن ماجه (٤٣١) من حديث أنس بن مالك. ]].
فإذا قال قائل: هذا فعل، والفعل لا يدل على الوجوب؟ قلنا: هو لا يدل على الوجوب في الأصل، لكن إذا وقع مبيِّنًا لمنطوق صار له حكم ذلك المنطوق.
﴿وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ أيدي جمع يد.
﴿أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ انتبه، هنا قيَّد اليد بأنها إلى المرافق، فيجب أن تغسل اليد من أطراف الأصابع إلى المرفق، والمرفق هو مفصل العضد من الذراع، وسُمي مرفقًا؛ لأن الإنسان يرتفق به، أي: يتكئ عليه.
وقوله: ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ قال العلماء: (إلى) هنا بمعنى (مع)، وإنما أَوَّلُوها إلى (مع)؛ لأن النبي ﷺ ثبت عنه أنه إذا توضأ غسل مرفقيه[[متفق عليه؛ البخاري (١٥٩)، ومسلم (٢٢٦ / ٤) من حديث عثمان بن عفان، وفيه :«ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا».]]، فتكون السنة مبيِّنة للقرآن، ثم استدلوا بأن لهذا نظيرًا في القرآن، مثل قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء٢] يعني: أموال اليتامى، ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾، ولكن الاستشهاد بهذا الشاهد فيه نظر، المهم الذي بيَّن أن منتهى الغاية هنا داخل هي السنة.
قال: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ ﴿امْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ﴾، المسح هو إمرار اليد على الممسوح، لكن من المعلوم أن المراد امسحوها بالماء، امسحوا الرؤوس بالماء؛ ولهذا زعم بعض العلماء أن في الآية قلبًا، وأن المعنى: امسحوا رؤوسكم بالماء. ونحن نقول: إن الباء هنا ليست لتعدية الفعل بالباء، ولكنها مفيدة لمعنى زائد على المسح وهو الإلصاق والاستيعاب أيضًا، وإن كانت دلالة المسح على الإلصاق واضحة، لكن الاستيعاب؛ لأن الباء تدل على الاستيعاب، ولهذا قلنا: إن قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق﴾ [الحج٢٩] تدل على وجوب استيعاب البيت بالطواف؛ لأن الباء للاستيعاب.
وقوله: ﴿بِرُءُوسِكُمْ﴾ ما حد الرأس؟ الرأس ما تَرَأَّس.
وما هو العضو المترئِّس على البدن كله؟ هو ما بين مفصِل المخ والرقبة، وعلى هذا فالرقبة لا تدخل في الرأس؛ لأنها عضو مستقل، ثم إذا أخرجت من الرأس –إذا قلنا: الرأس ما ترأَّس- إذا أخرجت منه الوجه بقي ما سوى الوجه مما ترأَّس.
وهل يدخل في ذلك الأذنان؟ الجواب: نعم، يدخل في ذلك الأذنان؛ أولًا: لأن الاشتقاق يدل على دخولهما، وثانيًا: أنه ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يمسح بأذنيه[[أخرجه أبو داود (١٣٥)، والنسائي (١٤٠) من حديث عبد الله بن عمرو. ]].
قال: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾، في ﴿أَرْجُلَكُمْ﴾ قراءتان سبعيتان صحيحتان، الأولى: ﴿أَرْجُلَكُمْ﴾، والثانية: ﴿أَرْجُلِكُمْ﴾ بالكسر، فعلى القراءة الأولى تكون معطوفة على قوله: ﴿وُجُوهَكُمْ﴾ ولَّا على ﴿أَيْدِيَكُمْ﴾؟
* الطلبة: ﴿وُجُوهَكُمْ﴾.
* الشيخ: ليش؟ لأنه إذا تعددت المعطوفات فالمعطوف عليه ما يلي العامل، وهو الأول، وأما على قراءة الجر ففيها إشكال عند بعض العلماء، منهم من قال: إنها جُرَّت على سبيل المجاورة، أيش المجاورة؟ قالوا: لأنه قد تتبع الكلمة ما جاورها في الإعراب، ومثَّلوا لذلك بقول العرب: هذا جُحر ضَبٍّ خَرِبٌ، ولّا خَرِبٍ؟ خربٍ، طيب خرب ما تصلح نعتًا للضب؛ لأن الخرب هو الجحر، لكن قالوا: إنه جُرَّ على سبيل المجاورة، ولكن هذا التعليل عليل، إلا أنه دأب كثير من النحويين إذا عجزوا عن توجيه الإعراب ذكروا علة قد تكون مستكرَهة؛ ولهذا يقولون: إن علل النحويين كجحور اليرابيع، تعرف جحور اليرابيع، ما تعرفها؟ تعرف اليربوع؟ ما تعرف اليربوع؟!
اليربوع دويبة أكبر من الفأر، والفأر ما يحتاج، كلنا عارفه، لكن رجليها طويلة ويديها قصيرة جدًّا، ولها ذنب طويل، وهي ذات حِيَل، تحفر الجحر لها في الصحراء وتجعل له بابًا واضحًا، ولكنها تستمر في حفره وتحفر صاعدة في أقصاه، حتى إذا لم يبق عليها أن تخرقه إلا قشرة رقيقة توقفت من أجل إذا حَجَرها أحد من فم الجحر خرجت من الباب المغلق إلى حين الحاجة إليه، ولهذا تُسمَّى هذه نافقاء اليربوع، أعرفتم؟
طيب، نحن نقول: إن القول بأنها مبنية على سبيل المجاورة فيه نظر، لكن ذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى مذهب جيد، قال: إن الله قال: ﴿أَرْجُلَكُمْ﴾ و﴿أَرْجُلِكُمْ﴾ ؛ لأن للرجل حالين: حالًا تكون فيها مكشوفة ففَرْضها الغسل، وحالًا تكون فيها مستورة ففَرْضها المسح.
وقوله عز وجل: ﴿إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ ما هما الكعبان؟ الكعبان هما العظمان الناتئان في أسفل الساق وهما معروفان.
﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ يعني انتهى الكلام على الوضوء الذي سببه الحدث الأصغر.
قال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾، في الآية إشكال من جهة أن المخاطَب جماعة والخبر بصيغة الإفراد، لم يقل: إن كنتم جنبين مثلًا، بل قال: ﴿جُنُبًا﴾؟ جوابه سهل؛ لأن كلمة (جُنُب) في اللغة الفصحى يستوي فيها المفرد والجماعة، والاثنان والواحد، وإن كان قد ورد في لغة ضعيفة جمعها على (جُنُوبِين) لكن اللغة المشهورة الفصحى أن كلمة (جُنُب) تطلق على الواحد والجماعة.
فمن هو الجُنُب؟ الجنب من أنزل منيًّا فهو جُنب، وألحقت السُّنة به من جامع وإن لم يُنْزِل؛ لقول النبي ﷺ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِل»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٩١)، ومسلم (٣٤٨ / ٨٧) من حديث أبي هريرة. ]].
وقوله: ﴿فَاطَّهَّرُوا﴾ أصلها بالتاء، لكن قُلِبت التاء طاء، ولم يبين جل وعلا كيف نتطهر، لكن الصيغة تدل على التعميم، لم يقل: طهِّروا جزءًا من أبدانكم أو عضوًا من أعضائكم، بل قال: اطَّهَّروا، وهو شامل لكل البدن، وله صفتان كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الفوائد.
وبهذا انتهى الكلام على مُوجَب الحدث الأكبر، موجَب الحدث الأكبر في كلمتين، وموجَب الحدث الأصغر في كلمات متعددة، ووجه ذلك أن الأعضاء في موجَب الحدث الأصغر متعددة، وأما في الحدث الأكبر فالعضو واحد فقط وهو البدن، البدن كله، ولهذا ليس فيه ترتيب كما سنذكر إن شاء الله.
﴿إِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ انتهى الكلام الآن على الطهارتين الصغرى والكبرى بالماء أو بغير الماء؟ بالماء.
ثم قال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ إلى آخره، من هنا انتقل الكلام إلى الطهارة الأخرى، وهي الطهارة بالتراب، وأول الآية الطهارة بالماء.
﴿إِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى﴾ كلمة (مرضى) جمع (مريض)، والمريض هو من اعتَلَّت صحته، والمراد: إن كنتم مرضى وتضررتم بالماء.
فإذا قال إنسان: لماذا قيَّدْتَ والله أطلق؟ قلنا: لأن الحكمة تقتضي ذلك؛ لأن المريض الذي لا يتضرر بالماء وربما يكون الماء صحة له ينشط به ليس به حاجة إلى أن يعدل عن الماء إلى التراب.
﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾، ﴿عَلَى سَفَرٍ﴾ أي: في سفر، والسفر كل ما خرج به الإنسان عن محل إقامته، كل ما خرج به الإنسان عن محل إقامته فهو سفر، ولذلك سمي سفرًا؛ لأن الإنسان يُسْفر ويخرج من القيد أو من الحد الذي هو بلده إلى مكان آخر، وهل هو محدود أو غير محدود؟ سنتكلم عليه إن شاء الله في الفوائد.
﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾، (أو) هنا بمعنى الواو، أي: وجاء أحد منكم من الغائط، ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾.
فإذا قال قائل: هل لما ادعيتم دليل، أي: إتيان (أو) بمعنى الواو؟ قلنا: نعم، ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والغم: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ»[[أخرجه أحمد (٣٧١٢).]]. (أو) هنا بمعنى؟ بمعنى الواو، ليش؟ ليش بمعنى الواو يا إخوان؟ «سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ»؛ لأن ما أنزله في كتابه قد سَمَّى به نفسه؛ ولهذا سميت به نفسك، و(أو) بمعنى الواو، أي: وأنزلته في كتابك، «أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ»، ولا يستقيم المعنى إلا بهذا، أي: بجعل (أو) بمعنى الواو، أي أحد ذكر أو أنثى صغير أو كبير ممن يقوم للصلاة.
وقوله: ﴿مِنَ الْغَائِطِ﴾ الغائط هو المكان المطمئن من الأرض، وكانوا -أي العرب- ينتابون هذا المكان أي: الهابط من الأرض، ينتابونه لقضاء الحاجة ليستتروا به عن الناس، ليس في البيوت كُنُف ولا حمامات ولا مراحيض، فإذا أراد الإنسان يقضي حاجته يخرج إلى المكان الهابط يقضي حاجته فيه ليستتر بذلك عن الناس.
وعلى هذا يكون الغائط هنا شاملًا لمن قضى حاجته من البول أو من العذرة، ولا يختص هذا بمن قضى حاجته من العذرة، ما دمنا فسرنا الغائط هو المكان المنخفض من الأرض.
﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ وفي قراءة: ﴿أَوْ لَمَسْتُمْ النِّسَاءَ﴾ ﴿لَامَسْتُمُ﴾ فعل مبني للمفاعلة، بحيث يكون الفعل واقعًا ممن؟ من الطرفين، الرجل والمرأة، ولا يصدق هذا إلا بالجماع، ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله: هل المراد بالملامسة هنا الجس باليد أو المراد الجماع؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: «المراد به الجماع»[[أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١٧٧٨)، وعبد الرزاق في المصنف (٥٠٦). ]] وليس الجس باليد.
فإن قال قائل: إن فيه قراءة صحيحة سبعية ﴿أَوْ لَمَسْتُمْ﴾ ، واللمس دون الملامسة، وهو ظاهر في أن المراد به الجس باليد، فلماذا لا تقولون: إن المراد به مسّ المرأة؟ قلنا: لا نقول به؛ لأن القراءة الثانية تشير إلى أن المراد به الجماع ﴿لَامَسْتُمُ﴾، وهذا من جهة اللفظ، من جهة المعنى لو حملناها على أن المراد بذلك المسّ باليد لكان الله تعالى ذكر موجِبَين للطهارة من جنس واحد، مع أنه في طهارة الماء ذكر موجِبَين من جنسين، فإذا قلنا: إنَّ ﴿لَمَسْتُمْ﴾ بمعنى لمس اليد، يكون في الآية ذكر موجِبَين من جنس واحد وإهمال أيش؟ إهمال آخر لا بد منه، وهذا ترجيح من حيث المعنى.
وقوله: ﴿النِّسَاءَ﴾ النساء هن الإناث، ولكن هل يقال: إنه كل امرأة؟ الجواب: لا، ما نقول: كل امرأة؛ كل امرأة تُجامَع، وأما من لا تجامَع فإنها ليست محل شهوة، لكن لو فرض أن أحدًا سُلِّطَ على بنت صغيرة وجامعها فإنه يدخل في الآية.
وقوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ هذه معطوفة على: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى﴾ إلى آخره.
﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾.
* طالب: شيخ -رضي الله عنك- ما فهمت بالنسبة لقراءة ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ﴾ وقراءة: ﴿لَمَسْتُمْ﴾ ذكر موجِبين لجنس واحد، ما فهمت؟
* الشيخ: إي نعم، إذا قلنا: لمستم باليد، اللمس باليد ماذا يوجب؟ إذا فسرنا اللمس باليد لا يوجب إلا الوضوء، ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾، إذن ذكر موجبين، وأهمل موجب الغسل اللي هو الجنابة.
* طالب: بارك الله فيك، قولنا: إن الصلاة المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم، قولنا: مختتمة بالتسليم أخرج ما ليس بصلاة ألا يبطل القول بهذا القول بأن سجود التلاوة ليس بصلاة، لا سيما أننا إذا قلنا: أنه صلاة، لزمنا أن نقول: إن الإمام يتقدم المأمومين وأنهم لا يسبقونه إلى القيام في السجود -ويعني- التزامات..؟
* الشيخ: سجود التلاوة إن كان في الصلاة فله حكم سجود الصلاة، يعني يكبَّر له عند السجود وعند الرفع، إن كان خارج الصلاة؛ فإن من العلماء من قال: لا يكبَّر له لا عند السجود، ولا عند النهوض من السجود، ولا يُسَلَّم له، ومن العلماء من قال: يُكبَّر للسجود، ولا يكبر للرفع، ولا يسلَّم، وهذا ظاهر صنيع ابن القيم رحمه الله، أما شيخه فيرى أنه ليس بصلاة، وأنه يجوز على غير طهارة وإلى غير القبلة، المهم لا يجعله صلاة، والله أنا أميل إلى أنه صلاة من وجه إنه لا يجوز للإنسان يسجد على غير طهارة، وأيضًا لا يسجد إلى غير القبلة، والحمد لله، الأمر ما هو بواجب.
* طالب: يا شيخ إذا قرأ من يخطب القارئ والناس يستمعون ثم سجد، يسجدون هم أداروا خلفه يقولون..
* الشيخ: على القول بأنه ليس بصلاة.
* الطالب: من يقول يا شيخ: إنه صلاة.
* الشيخ: إذا كان صلاة لا بد يكون وراءه.
* الطالب: يقوموا ويصفوا وراء.
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: يا شيخنا السنة تفسر القرآن، يقال: إن لمس اليد ، الرسول ﷺ قيل: إنه يُقَبِّل يروح يصلّي[[أخرجه أبو داود (١٧٩)، والترمذي (٨٦) من حديث عائشة. ]]..
* الشيخ: إيه، هذه تجينا إن شاء الله في الفوائد، سنتكلم عن هذا بكلام أوسع في الفوائد.
* طالب: قلنا: قاعدة في تعريف العبادة (...).
* الشيخ: نعم، صدقت.
* الطالب: (...) الصلاة.
* الشيخ: ما ذكرنا بالصلاة؟ ما ذكرناها يا جماعة؟
* طلبة: قلنا: هي عبادة.
* الشيخ: ما قلنا: هي عبادة؟
* طالب: إي، ما قلنا هو التعبد لله..
* الشيخ: أنت ظاهري متأخر، إذا قلنا: عبادة يعني: نتعبد لله بها، لكن المشهور عند العلماء، شوف المشهور عند العلماء ما هو؟ يقولون: هي أقوال، هكذا يقولون: هي أقوال وأفعال معلومة مبتدأة بالتكبير مختَتَمة بالتسليم، نحن نقول: لا، هي عبادة.
* طالب: يعني تعريفها يا شيخ نقول..
* الشيخ: لو قلنا: التعبد لله بعبادة صارت إطالة.
* طالب: قول الرسول ﷺ: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ» (...) (أو) هنا بمعنى الواو، ما ضرورة ذلك في الآية؟
* الشيخ: أي لأنك إذا قلت: (أو جاء) صارت قسيمة للسفر والمرض، يعني هذا أو هذا، وليس كذلك، الآية تقول: إذا حصل سفر أو مرض وحصل حد، وجاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء.
* طالب: الأُذُن والعارض لا تحصل بهم المواجهة، كيف (...)؟
* الشيخ: ما تحصل به إذا كان الإنسان عارضه وشعره كثيف، أما إذا كان شابًّا أو الشعر خفيف تحصل به، ثم إنه لا يلزم من أصل الاشتقاق أن يكون مطابقًا تمامًا، أليست مزدلفة تسمى جَمْعًا؟ ومِنى سميت جَمْعًا؛ لأن الناس يجمعون فيها، لكن مِنَى ما يجتمعون؟
* طالب: يجتمعون.
* الشيخ: عرفة؟ ما هو بلازم.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة ٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾.
قال الله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ أي: ماء تتطهرون به طهارة صغرى وطهارة كبرى.
﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا﴾ (تيمموا) أي: اقصدوا، فالتيمم في اللغة: القصد، ومنه قول الشاعر:
؎تَيَمَّمْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتٍ وَأَهْلُهَا ∗∗∗ بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِ
فمعنى (تيممتُها) أي: قصدتها، (من أذرعات) وهي بلدة في الشام، (وأهلها بيثرب) أي: بالمدينة، (أدنى دارها نظر عالِ).
وقوله: ﴿صَعِيدًا﴾ الصعيد: كل ما تصاعد على وجه الأرض من رمل أو جبل أو أودية أو غير ذلك.
﴿طَيِّبًا﴾ أي: طاهرًا؛ لأن طِيب كل شيء بحسبه، فالطيِّب من الحيوان ما حَلَّ أكله، والطيب من الأعمال ما كان مرضيًّا عند الله عز وجل، وكل موضع يُفسَّر الطيب بما يناسبه، فقوله هنا: ﴿طَيِّبًا﴾ أي طاهرًا.
﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ (امسحوا بوجوهكم) يعني: من هذا الصعيد، والمسح: الإمرار باليد على الوجه، والمسح باليد: إمرار إحدى اليدين على الأخرى.
وقوله: ﴿مِنْهُ﴾ قيل: إن (مِن) للتبعيض، وعلى هذا فلا بد أن يعلق باليد شيء من هذا التراب، وقيل: إن (مِن) للابتداء، أي: مسحًا يكون ابتداؤه من هذا الصعيد.
وقوله: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾، ﴿مَا﴾ نافية، و﴿يُرِيدُ﴾ هنا إرادة شرعية، أي: ما يحب الله عز وجل.
وقوله: ﴿لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ اللام هنا زائدة؛ لأن التقدير: ما يريد الله أن يجعل عليكم من حرج، ويمكن أن نقول: إن اللام هنا على أصلها ليست زائدة، ونقدِّر الكلام: ما يريد الله لأن يجعل عليكم، أي: ما يريد الله لذلك.
وقوله: ﴿لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: ليصير عليكم من حرج.
و﴿مِنْ﴾ في قوله: ﴿مِنْ حَرَجٍ﴾ زائدة إعرابًا، لكنها لها معنى؛ وهي تأكيد النفي وعمومه، والحرج هو الضيق، أي: إن الله تعالى لم يرد أن يجعل علينا بما فرض علينا من الوضوء والغسل والتيمم شيئًا يضيِّق علينا، ولكن -وهذا استدراك- ولكن يريد ليطهركم، ونقول في ﴿يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ كما قلنا في ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ﴾.
وقوله: ﴿لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ أي: طهارة حسية ظاهرة وطهارة معنوية، أما الوضوء والغسل بالماء فالطهارة فيهما حسية ومعنوية؛ أما الحسية فإنها ظاهرة لكون الإنسان يغسل هذه الأعضاء أو يغسل البدن كله فينظفه، وأما المعنوية فلأن في الوضوء تكفير السيئات ومحو الخطيئات، وأما التيمم فإنه طهارة معنوية؛ وذلك لأن فيه كمال التعبد لله عز وجل؛ حيث إن الإنسان يتيمم هذا الصعيد ويمسح به وجهه ويديه.
وقوله هنا: ﴿وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ﴾ يعني: ويريد أيضًا يتم نعمته عليكم، أي بما شرعه لكم من العبادات؛ إذ لولا أن الله شرع لنا هذه العبادات لكان فعلنا لها بدعة تبعدنا عن الله عز وجل، ولكنه شرعها لتكون عبادة له نتقرب بها إلى الله ونتذلل بها عند الله عز وجل.
﴿لَعَلَّكُمْ﴾ (لعل) هنا لأيش؟ للتعليل وليست للترجي؛ لأن الرجاء طلب ما فيه عسر، والله عز وجل لا يتأتَّى في حقه ذلك؛ لأن كل شيء سهل عليه، فتكون هنا للتعليل وهي كثيرة في القرآن بهذا.
﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي: تشكرون الله عز وجل على نعمه، والشكر يكون في القلب، ويكون في اللسان، ويكون في الجوارح.
وعلى هذا قال الشاعر:
؎أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا
* طالب: (...).
* الشيخ: ما معنى البيت؟ معنى البيت أن نعماءكم عليَّ ملكتم بها يدي ولساني والضمير المحجبَ، فنعماؤكم أفادتكم هذه الثلاثة ملكتموها.
الشكر بالقلب أن يعترف الإنسان بقلبه بأن هذه النعمة من الله عز وجل، ويحب الله عز وجل لذلك، أي: لكونه أنعم، ولهذا جاء في الحديث: «أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنَ النِّعَمْ»[[أخرجه الترمذي (٣٧٨٩) من حديث عبد الله بن عباس. ]].
الشكر باللسان: الثناء على الله بها، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى ١١]، ومن ذلك –أي: من الشكر باللسان- القيام بكل قول يقرِّب إلى الله عز وجل.
أما الثالث فهو الجوارح: أن يقوم الإنسان بما يلزمه نحو هذه النعمة، فمثلًا إذا كانت مالًا فقيامه بشكرها أن يؤدي زكاتها إلى أهلها، وكذلك أيضًا إذا كانت عملًا آخر يحتاج إلى حركة بالجوارح فلا بد من أن يقوم بهذه الحركة، فالشكر إذن محله القلب واللسان والجوارح.
فإذا قال قائل: أيهما أعم الحمد أو الشكر؟
قلنا: بينهما عموم وخصوص وجهيٌّ، ومعنى وجهي أي أن أحدهما أعم من الآخر من وجه وأخص من الآخر، فباعتبار السبب الأخص الشكر؛ لأن سببه النعمة، وأما الحمد فسببه النعمة وكمال للمحمود حتى وإن لم يُنْعِم، ولهذا نحن إذا حمدنا الله عز وجل فإننا نحمده على كمال صفاته، وعلى كماله إنعامه وإحسانه، وأما المتعلَّق فالشكر أعم؛ لأنه يكون بالقلب واللسان والجوارح، والحمد إنما يكون باللسان فقط.
انتهت الآية الكريمة وانتهينا من الكلام عليها فلنرجع الآن إلى فوائدها.
* فمن فوائد هذه الآية الكريمة: أهمية الوضوء للصلاة، وإن شئت فقل: أهمية الطهارة للصلاة بوضوء أو غُسل أو تيمم، وجه الأهمية: أن الله صدَّر الخطاب بالنداء؛ لأن تصدير الخطاب بالنداء يدل على أهميته، فإنك تجد الفرق بين أن تتحدث حديثًا مرسلًا هكذا وبين أن توجه الخطاب إلى المخاطَب، فتقول: يا فلان افعل كذا، اترك كذا، وما أشبه ذلك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هذه الطهارة من مقتضيات الإيمان، كأنه قال: يا أيها الذين آمنوا لإيمانكم افعلوا كذا وكذا.
* ومن فوائدها: أن الإيمان يَزيد بها، يزيد بالطهارة؛ وضوءًا كانت أو غسلًا أو تيممًا؛ لأنها إذا كانت من مقتضياته لزم أن يزيد بزيادتها وينقص بنقصانها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإخلال بها منافٍ لكمال الإيمان، يعني: لو صليت بدون وضوء، بدون غسل، وبدون تيمم، فإن ذلك ينقص من إيمانك؛ لأنك خوطبت بصفة الإيمان على أن تقوم بهذا.
لكن هل ينافي أصل الإيمان؟ جمهور العلماء: لا، لا ينافي أصل الإيمان، وأن من صلى محدِثًا لم يكفر، وقال أبو حنيفة رحمه الله: إن من صلَّى مُحدِثًا كفر؛ لأنه مستهزئ بآيات الله عز وجل، وعلى هذا فيكون عدم القيام بها منافيًا لأصل الإيمان.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: مشروعية الوضوء أو الغُسل أو التيمم عند كل صلاة، حتى وإن كنت على طهارة، فمثلًا لو توضأت لصلاة الظهر وجاء وقت العصر وأنت على طهارتك نقول: الأفضل أن تتوضأ؛ لقوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾، و(أل) هذه للعموم، ولم أعلم أحدًا من الناس قال: إنه يُشرع إذا قام لكل صلاة موالية للأخرى، كما لو كان يصلي الليل ركعتين ركعتين، ما علمت أن أحدًا قال: كلما فرغ من ركعتين ذهب وتوضأ، ولكن فيما بين الأوقات نعم، ذهب كثير من العلماء إلى أنه يُشرع للإنسان إذا دخل وقت الصلاة الأخرى أن يجدد الوضوء ولو كان على طهارة.
وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الوضوء لكل صلاة، ولكن هذا ضعيف؛ لأنه ثبت عن النبي ﷺ أنه صلى الصلوات الخمس بطُهور واحد[[أخرجه مسلم (٢٧٧ / ٨٦) من حديث بريدة. ]]، ولأنه أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة[[أخرجه البخاري (٢٢٨) من حديث عائشة. ]]، فدل هذا على أن هذا الحكم خاص بالمستحاضة، أعني وجوب الوضوء لكل صلاة.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الطهارة لا تجب إلا للصلاة، وعلى هذا فلا تجب لقراءة القرآن، ولا تجب لمس المصحف، ولا تجب للطواف، ولا تجب للسعي، ولا لغيرها من الأعمال الصالحة، وإلى هذا ذهب قوم من أهل العلم أنه لا وضوء إلا للصلاة، ولهذا لما قيل للنبي ﷺ: أتتوضأ؟ من عمل عمله، قال: «إِنِّي لَمْ أُرِدْ أَنْ أُصْلِّي»[[أخرجه مسلم (٣٧٤ / ١٢١) من حديث عبد الله بن عباس بنحوه.]]، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، مما يدل على أنه من المعلوم أنه لا وضوء إلا للصلاة، ولا شك أن هذا هو الأصل، وأن من ادَّعى أن غير الصلاة يجب الوضوء له فإن عليه الدليل، وإلا فالأصل أنه لا يجب إلا للصلاة.
فلننظر نقول: مس المصحف اختلف فيه العلماء، هل تجب له الطهارة أو لا؛ فمنهم من قال: إن الطهارة واجبة لمس المصحف، واستدل بعضهم بقوله تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة ٧٩]، واستدل آخرون بقول النبي ﷺ في الكتاب الذي كتبه لعمرو بن حزم: «أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ»[[أخرجه مالك في الموطأ (٥٣٤). ]].
فأما استدلال الأوَّلِين بقوله تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ فإنه لا يستقيم؛ لأن الضمير في قوله: ﴿لَا يَمَسُّهُ﴾ ضمير المفعول به يعود إلى الكتاب المكنون، واقرأ: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة ٧٧ - ٧٩] الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور هو الكتاب المكنون، وأيضًا يقول: ﴿الْمُطَهَّرُونَ﴾ ولم يقل: إلا المطَّهِّرون، وفرق بين المطَهَّر والمتطهّر، فمن هم المطهَّرون؟ هم الملائكة.
وأما حديث عمرو بن حزم فإن من لا يستدل بالمرسل لا يراه حجة، والحديث مرسل مشهور، يقول: ما دام مرسلًا فالمرسل من قسم الضعيف، فلا نثبت به حكمًا نُلْزِم به عباد الله، فلا يستقيم الدليل، أو لا يستقيم الاستدلال؟
* طلبة: الدليل.
* الشيخ: الدليل، الآية نقول: لا يستقيم الاستدلال، وهذا نقول: لا يستقيم الدليل.
ومن رأى أن هذا الحديث المرسل بعينه حجة لتلقِّي الأمة له بالقبول في الزكاة والديات وغيرها، قال: إنه يكون حجة، إذا كان حجة فقال بعض العلماء: حتى لو ثبت واحتججنا به فيما جاء فيه من الأحكام فإن قوله: «إِلَّا طَاهِرٌ» يحتمل أن يراد بالطاهر المؤمن، ويحتمل أن يُراد به المتوضئ، ومع الاحتمال يبطل الاستدلال، وعلى هذا فلا تجب الطهارة لمس المصحف.
فنقول في رد هذا: نعم، إذا وُجِد الاحتمال بطل الاستدلال هذا إذا تساوى الاحتمالان، فليس أحدهما بأولى من الآخر، وأما مع رُجْحان أحد الاحتمالين فالواجب الأخذ بالراجح، ولو أننا جعلنا لكل نص يحتمل وجهين جعلنا دلالته ساقطة لضاعت علينا أحكام كثيرة وأدلة كثيرة.
فنقول: أيهما أرجح، أن يراد بالطاهر المؤمن أو أن يراد بالطاهر المتوضئ؟ الثاني أرجح؛ لأننا لم نعهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعبِّر عن المؤمن بالطاهر؛ لأن وصف المؤمن أحب إلى النفوس وأقوى في الثناء من وصف الطاهر.
قد يقول قائل: هذا الظاهر الذي قلتم يعارضه أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر ذلك في الكتاب الذي كتبه لعمرو بن حزم وقد بعثه إلى اليمن، فهذه قرينة على أن المراد بالطاهر المؤمن؛ لأنه متوجِّه إلى قوم كفار يدعوهم إلى الإسلام، وهذا لا شك أنه مؤثر في الاستدلال، لكن كون الرسول عليه الصلاة والسلام لم يستعمل قط كلمة (طاهر) تعبيرًا عن المؤمن يضعِّف هذا الوجه، فالذي يظهر أن مس المصحف لا يجوز إلا بوضوء، هذا هو الظاهر.
بقي علينا الطواف، إذا قال قائل: أين الدليل على أن الطواف تشترط له الطهارة؟
نقول: الدليل قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه الكلام».
وهذا الحديث رُوِيَ مرفوعًا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام[[أخرجه الترمذي (٩٦٠)، والدارمي (١٨٨٩) من حديث عبد الله بن عباس. ]]، ورُوِي موقوفًا عن ابن عباس[[أخرجه النسائي في السنن الكبرى (٣٩٣١) عن ابن عباس موقوفًا، وقال الترمذي (٩٦٠): وقد روي هذا الحديث عن ابن طاوس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن السائب. ]]، فرواية المرفوع ضعيفة، يعني لا نقول: إنه تعارض رفع ووقف فيجب الأخذ بالرفع؛ لأن الرافع معه زيادة علم، ولأنه كثيرًا ما يُعبِّر الراوي عما رواه مرفوعًا بقول من عنده فيظن سامعه أنه موقوف عليه؛ لأننا نقول: كلام الرسول عليه الصلاة والسلام لا يتناقض، ولا يخالف الواقع، وهذا متناقض لا يصح طردًا ولا عكسًا.
فلننظر إذا قلنا: إنه صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام، نقول: يجب التكبير عند الدخول فيه، والتسليم عند الانتهاء منه، وقول: سبحان ربي الأعلى، فيه، وسبحان ربي العظيم، والاتجاه إلى القبلة؛ الكعبة، وأن لا يأكل فيه ولا يشرب، وهلم جرَّا، فنجد أنه يخالف الصلاة في أكثر مما يوافقها، وهل يمكن أن يَرِد عن المعصوم كلام تكون المخالفة فيه أكثر من الموافقة؟ لا يمكن أن يَرِد، ولهذا ليس في هذا دليل على أن الطواف تُشْتَرط له الطهارة.
وهنا النظر في الاستدلال أو في الدليل أو فيهما؟ فيهما جميعًا، النظر فيهما جميعًا؛ لأننا لا نقبل مثل هذا الحكم العام الذي تتوافر الدواعي على نقله، ويحتاج الناس إليه في كل وقت وحين، لا يمكن أن نقبله وهو بهذا الثبوت الهشّ، لا بد أن يكون قد تواتر أو اشتهر على الأقل، وثانيًا: أنه لا يمكن أن يكون مرفوعًا؛ لكونه متناقضًا، إذن لا تشترط له الطهارة.
فلو قال قائل: دعونا من هذا الحديث، أليس الطائف إذا طاف لا بد أن يصلِّي؟ فهل تقولون: إن الطائف يصلي بلا وضوء؟
الجواب: لا، لا نقول ذلك، نقول: يطوف ولا يصلي، وليست الصلاة بعد الطواف شرطًا في صحته، فنقول: إن كان الأمر قريبًا ذهب وتوضأ وصلى، وإن كان لا يجد ماء إلا بعيدًا فإن الصلاة تسقط عنه.
فإذا قال قائل: إن النبي ﷺ بلا شك طاف متطهِّرًا وصلى ركعتين خلف المقام، وقال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»[[أخرجه مسلم (١٢٩٧ / ٣١٠)، والبيهقي في السنن الكبرى (٥ / ١٢٥)، واللفظ له، من حديث جابر بن عبد الله. ]]؟ قلنا: هذا الحديث «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، ليس على عمومه بالإجماع، وما أكثر المسائل التي يفعلها الرسول وكانت على سبيل الاستحباب، فنحن نقول: المستحب بلا شك أن يطوف على طهارة ولا إشكال في هذا.
أما أن نقول: إن الطهارة شرط للطواف، وأن من طاف محدِثًا فطوافه غير صحيح، حتى ولو لزم من ذلك مشقة عظيمة، كما لو كان الطواف بغير طهارة طواف الإفاضة، ثم قدِم إلى بلده، وقلنا: إن حجك لم يتم قد يكون فيه مشقة شديدة، ويقع ذلك كثيرًا -أعني عدم الطهارة في هذه الأعصار- لأن الزحام يكون شديدًا ومدة الطواف تكون طويلة، وربما يُحدِث الإنسان في أثناء ذلك، فهل نقول: اخرج وتوضأ؟ وإذا قلنا: اخرج وتوضأ، خرج وتوضأ، ثم رجع أحدث، حصل مثل الأول، هذا فيه مشقة شديدة.
على كل حال الذي نرى في هذه المسألة أنه لا يُشترط للطواف وضوء، وهذا الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ويكفينا أن نستدل بهذه الآية، ونقول: أي عمل تشترط له الطهارة فعليك الدليل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب الغَسل في الوجه؛ لقوله: ﴿فَاغْسِلُوا﴾، ويتفرع من ذلك أنه لو مسح وجهه مسحًا لم يصح وضوؤه؛ لقوله: ﴿اغْسِلُوا﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: وجوب استيعاب الوجه بالغَسل، لا بد يغسل كل الوجه؛ لقوله: ﴿وُجُوهَكُمْ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه لا يجب غسل شيء من الرأس، خلافًا لما ذهب إليه بعض الأصوليين، وقال: يجب أن يغسل جزءًا من الرأس؛ لأنه لا يتحقق أنه غسل جميع الوجه إلا بغسل جزء من الرأس، ويجب أن يمسح بعض الوجه؛ لأنه لا يتحقق أنه مسح الرأس كله إلا بمسح بعض الوجه، فيكون عندنا جزء من البدن تجب فيها طهارتان: مسح وغَسل، وهذا خلاف ظاهر القرآن، وهو في الحقيقة نوع من التنطع، فيقال: حد الوجه معروف، وما زاد عن الوجه فليس بواجب أن يُغسَل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب غَسل الأيدي من أطراف الأصابع إلى المرافق؛ لقوله: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾.
* ومن فوائدها الآية: أنه إذا أراد غسل اليد بدأ من أطراف الأصابع؛ لأن (إلى) تفيد الغاية، فإذا كان المرفق هو الغاية لزم أن يكون أطراف الأصابع هو البداية، لكن هذا فيه شيء من النظر؛ لأن الذي يقال فيه البداية والنهاية إذا جاءت (من) و(إلى)، وأما إذا حُدِّدَتْ النهاية فقط وسُكِتَ عن البداية فإنه لا يدل على أن الأفضل البداية من الجانب الآخر.
بل نقول: هذا تحديد للنهاية فقط؛ لأنه لا بد أن نحدد النهاية مهما كان؛ بدأنا من الأطراف أو من الوسط، وعليه فلا يظهر أنه من المشروع أن تبدأ بغسل أطراف الأصابع ثم تأتي إلى المرفق، بل يقال: الغسل ينتهي بهذا، والبدء من حيث شئت.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن اليد عند الإطلاق هي الكفُّ فقط، وجه الدلالة أن الله قال: ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ﴾، ولو كانت اليد عند الإطلاق إلى المرافق لكان هذا القيد لا فائدة فيه، والأمر كذلك، أعني أن الأمر أن اليد عند الإطلاق إنما هي الكف، ولنا دليل في هذا: يد السارق تُقْطَع من مَفْصِل الكف؛ لقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة ٣٨]، ولا يجوز أن يتجاوز مَفصِل الكف، في التيمم إنما يُطهَّر الكف فقط ولا يُتجاوز إلى المرفق، وهذا أمر واضح.
إذن نستفيد من هذا أن اليد إذا أُطْلِقَت فهي الكف فقط، وإن قُيِّدَت فهي بما قُيِّدَت به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب مسح الرأس، وجوب مسحه؛ لقوله: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾، ووجوب استيعاب الرأس بالمسح؛ لأن الباء للاستيعاب، ولم تأتِ في اللغة العربية للتبعيض إطلاقًا أبدًا، قال ابن البرهان: من ادعى أن الباء للتبعيض فقد قال عن أهل اللغة بما لا يعرفون.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لو غسل الرأس بدلًا عن المسح فإنه لا يجزئ؛ لأن الله أمر بالمسح، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٨) واللفظ له من حديث عائشة.]]، وعلى هذا فلو أدلى برأسه حتى صب الماء من الماسورة وعمَّ جميع الرأس فإنه لا يجزئه.
وقال بعض العلماء: إنه يجزئ مع الكراهة، مستدلًّا بنظر لا بأثر، النظر يقول: إنما وجب مسح الرأس تخفيفًا على العباد، فإذا أراد الإنسان أن يأخذ بما هو أكمل فلا حرج عليه، كما شُرِع للصائم أن يُفطِر عند غروب الشمس، ولو أراد الوصال فله أن يواصل إلى السحر، وبعض العلماء يقول: له أن يواصل اليومين والثلاثة.
لكن هذا القول فيه نظر -أعني القول بإجزاء الغسل بدل المسح فيه نظر- لأن حديث عائشة: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ» » يقتضي رده؛ أي رد الغسل بدل المسح؛ ولأن هذا من باب التنطع في الدين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ»[[أخرجه مسلم (٢٦٧٠ / ٧) من حديث عبد الله بن مسعود. ]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب غسل الرِّجْل؛ لقوله: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾، وهي معطوفة على قوله: ﴿وُجُوهَكُمْ﴾ أي: واغسلوا أرجلكم، هذا على قراءة النصب، أما على قراءة الجر فقد قال بعض العلماء: إنه يجزئ المسح -أي مسح القدم- استدل بهذه الآية على جواز الاقتصار على مسح الرجل أخذًا بالقراءة الثانية: ﴿وَأَرْجُلِكُمْ﴾ ، وقال: إن الإنسان يغسل رجله مرة ويمسحها مرة أخرى، يغسلها بناء على قراءة النصب ويمسحها على قراءة الجر، وهذا لولا السنة لكان له نوعٌ من الوجاهة، يعني لكان وجهة نظر جيدة، لكن السُّنة تأبى ذلك، فإن النبي ﷺ كان يغسل قدميه ولم يرِد حرف عنه ﷺ أنه كان يمسحهما، بل إنه لما رأى بعض أصحابه قد غسل رجليه بما ليس بغَسل نادى بأعلى صوته: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠)، ومسلم (٢٤١ / ٢٧) من حديث عبد الله بن عمرو.]]، فدل ذلك على وجوب غسل القدم، إذن كيف نُنَزِّل الآية؟ نُنَزِّل الآية إما من جهة الإعراب ننزلها على ما سبق أن بعض أهل العربية قال: إنها مجرورة بالمجاورة، وأن محلها حقيقةً النصب، أو ننزِّلها على أن الرِّجل لها حالان: حال تكون مستورة، وحال تكون مكشوفة؛ فإذا كانت مكشوفة فالفرض الغَسل، وإذا كانت مستورة فالفرض المسح؛ ولهذا لم يأت مثله في اليدين؛ لأن اليدين ما فيهما مسح، حتى «أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما كان عليه الجبة الشامية وصعب عليه أن يُخرج يده من الكم أخرج الكم من اليد، وأخرج يده من أسفل الجبة، وغسلها عليه الصلاة والسلام»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٦٣)، ومسلم (٢٧٤ / ٧٧) من حديث المغيرة بن شعبة.]]، كما هو ثابت في الصحيح.
إذن نأخذ من القراءتين وجوب غسل الرِّجل، متى؟ إذا كانت مكشوفة، ومسحها إذا كانت مستورة، فيكون فيها إشارة إلى المسح على الخفين.
وبناء على ذلك هل الأفضل للابس الخفين أن يخلعهما ويغسل القدمين، أو أن يمسحهما؟ الثاني هو الأفضل، ويدل له أن المغيرة بن شعبة لما أراد أن يخلع خُفَّي النبي ﷺ قال: «دَعْهُمَا؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٦)، ومسلم (٢٧٤ / ٧٩). ]]، فمسح عليهما.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب غَسل الرجل إلى الكعب؛ لقوله: ﴿إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾.
فهل نقول: إن الرِّجل أو القدم إذا أُطلِق يكون لما دون الكعبين كما قلنا في اليدين؟ الجواب: نعم؛ وذلك أن الرِّجل عند الإطلاق حَدُّها مفصِل العَقِب، كما تعلمون أن قُطَّاع الطريق الذين تُقْطَع أيديهم وأرجلهم من خلاف يُقطعون من أي مكان في الرِّجل؟ من مَفْصِل العقب، ويبقى العقب غير مقطوع، وهنا إذا قلنا: الرجل إلى الكعبين، دخل العقب؛ لأن الكعبين هما العظمان الناتئان في أسفل الساق.
وذهبت الرافضة إلى أن الكعبين هما العظمان الناتئان على ظهر القدم، قال ابن كثير رحمه الله: وقد خالفوا أهل السنة في تطهير الرِّجل من وجوه ثلاثة؛ الوجه الأول: أنهم جعلوا حد التطهير إلى العظم الناتئ على ظهر القدم، الوجه الثاني: أنهم قالوا: إن الواجب في الرجل هو المسح دون الغَسْل، الوجه الثالث: أنهم أنكروا المسح على الخفين؛ قالوا: لا يجوز المسح على الخفين، والعجب أنهم أنكروا ذلك مع أن من جملة رواة المسح الإمام علي بن أبي طالب إمام الأئمة عندهم، ومع ذلك خالفوه.
على كل حال لسنا الآن في موضع نقاش مع هذا الرأي، ولكن نقول: إن الكعبين هما العظمان الناتئان في أسفل الساق.
* طالب: الطهارة في الطواف؟ كيف الإجابة عن حديث عائشة رضي الله عنها: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ حَتَّى تَطْهِرينَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٠٥)، ومسلم (١٢١١ / ١٢٠) من حديث عائشة. ]]؟
* الشيخ: أحسنت بارك الله فيك، هذا جيد؟
* الطالب: وقوله لصفية: «أَحَابِسَتُنَا»[[متفق عليه؛ البخاري (١٧٣٣)، ومسلم (١٢١١ / ٣٨٢) من حديث عائشة. ]].
* الشيخ: نعم، بارك الله فيك، الرسول عليه الصلاة والسلام منع عائشة من الطواف، وكذلك أيضًا صفية، لكن هل هي عائشة وصفية هل عليهما الوضوء؟ ولَّا عليهما الحيض؟ والحائض لا يرخَّص لها في البقاء في المسجد، ولهذا لو اضطرت الحائض إلى أن تطوف قلنا لها: طوفي، ولكن تلجَّمي حتى لا يتلوث المسجد بالدم وطوفي للضرورة.
* طالب: (...) على القول الراجح بعدم إجزاء غسل الرأس بدلًا عن المسح، الذي يغتسل غسل جنابة ولا يتوضأ، فما هي السنة؟ هل نزول الماء من فوق عليه لا يجزئه؟
* الشيخ: هو لما كان عليه جنابة دخل الوضوء في الغُسل، وصار الحكم للغسل، فلا بد في هذه الحال إذا كان لا يريد الوضوء لا بد أن يغسل رأسه؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
* طالب: بارك الله فيك، إذا غسل رأسه بيده، ما يتحقق فيها أنه جمع بين الغسل والمسح؟
* الشيخ: كيف إذا؟
* الطالب: إذا غسل رأسه بيده حفن بالماء على رأسه ووضعها تحت..
* الشيخ: هو إذا أمرّ يده عليه صار ماسحًا.
* الطالب: وأجزأه.
* الشيخ: ليس يجزئ، لكنه مكروه؛ لمخالفته الصفة المطلوبة في الوضوء؛ لأنه مَسَح.
* طالب: كيف الجواب على مسألة مس المصحف؛ يقولون:« إن النبي ﷺ كان يذكر الله على كل أحيانه »[[أخرجه مسلم (٣٧٣ / ١١٧) من حديث عائشة. ]]، ويستلزم من ذلك أن يمس المصحف؟
* الشيخ: وهل ذكر الله عز وجل عام ولَّا خاص؟ عام، يذكر الله، يعني عام الذكر ولّا غير عام؟
* الطالب: عام.
* الشيخ: عام، هل يجوز أن يخصَّص العام أو لا؟
* الطالب: يجوز.
* الشيخ: هذا هو، نقول: هذا العموم إن سلَّمنا أن القرآن يدخل في مطلق الذكر، قلنا: هذا العموم دلَّ الدليل على أن القرآن لا بد أن يمسه الإنسان وهو طاهر، ثم إننا نقول: لا؛ لأن ما هي المسألة قراءة القرآن، المسألة مس المصحف، فهو غير داخل في هذا إطلاقًا، والرسول يقرأ القرآن بلا مصحف؛ لذلك يظن بعض الناس أن هذا الحديث يعارض القول بوجوب الوضوء لمس المصحف، وهما مسألتان كل واحدة مستقلة عن الأخرى؛ ولهذا نقول لمن ليس على وضوء: إذا أردت أن تقرأ من المصحف فاجعل بينك وبينه حائلًا واقرأ.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، قلنا: إنه مرسل لكن العلماء تلقوه بالقبول، والمرسل إذا تلقته الأمة بالقبول وعملت به دلَّ ذلك على أن له أصلًا، وهذه من الفائدة الحديثية التي تفوت على كثير من الناس، وهذا مشهور عند العلماء، وما أحسن البحث الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقدمة التفسير حول هذه الأمور.
* طالب: شيخ، بعض العلماء ضعف الحديث، فكيف (...)؟
* الشيخ: صححه غيره، العلماء الذين أخذوا به في الديات وأخذوا به في الزكاة، وأسنان الإبل، قد اعتبروه دليلًا.
* طالب: ما المراد بـ(...)؟
* الشيخ: يعني عملوا به، وأخذوا به، إن كان خبرًا فبالتصديق، وإن كان عملًا فباعتباره حكمًا.
* الطالب: (...) البعض وأراد البعض.
* الشيخ: يكفي عنده، إذا أخذ به الأئمة يكفي.
* طالب: ما تذكر الآية غسل اليدين قبل الوجه، لم يدل على عدم الوجوب، ولكن لو قيل: بأن الوجوب يؤخذ من مداومة النبي ﷺ عليها؟
* الشيخ: لو قيل بهذا رددناه بقوله عليه الصلاة والسلام: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا»[[متفق عليه؛ البخاري (١٦٢)، ومسلم (٢٧٨ / ٨٧) واللفظ له من حديث أبي هريرة. ]]، فأوجب الغسل فيما إذا كان قد قام من نوم الليل.
* الطالب: ولكن الوجوب للفعل.
* الشيخ: ما يدل على هذا، فما دام عندنا نص من القرآن وظاهر السنة يكفي.
* طالب: استدلوا على الوجوب في بعض الأحكام.
* الشيخ: صحيح في بعض الأحكام، لكن ما فيه معارض، التي استدلنا بالمداومة على الوجوب في بعض الأحيان ليس لها معارض، هنا لها معارض وهو ظاهر الآية.
* طالب: فتح الله عليك يا شيخ، الرسول ﷺ لما (...) الجنابة، قال: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٨٥)، ومسلم (٣٧١) من حديث أبي هريرة. ]] (...).
* الشيخ: إي نعم، هذا يدل على أن الإنسان طاهر حتى لو كان عليه جنابة، فهو طاهر.
* الطالب: وإن استدلوا به يا شيخ، على (...).
* الشيخ: لا، ما يصح هذا، عندنا دليل.
* * *
* الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ إلى آخره.
* من فوائد الآية: وجوب غسل الرجلين إلى الكعبين، والكعبان داخلان في الغَسل كما هو معروف.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب الترتيب بين الأعضاء في الوضوء، ولذلك وجهان؛ الوجه الأول: أن قوله: ﴿فَاغْسِلُوا﴾ جواب للشرط، والجواب للشرط يكون مرتبًا في ذاته كما هو مرتَّب على فعل الشرط: إذا قمتم فاغسلوا، فقوله: ﴿اغْسِلُوا﴾ إلى آخره مرتَّب على ﴿إِذَا قُمْتُمْ﴾، فإذا كان كذلك لزم أن يكون هذا الفعل المرتَّب على شيء هو بنفسه مرتَّبًا، هذا وجه.
الوجه الآخر: أن الله أدخل الممسوح بين المغسولات، ولا نعلم لهذا فائدة إلا الترتيب، وهو أن يكون تطهير الرأس في محله، أي بين غسل اليدين وغسل الرجلين، هذا مأخوذ من الآية نفسها، أما من السُّنَّة فقد قال النبي ﷺ حين أقبل على الصفا بعد الطواف وأراد السعي قال: «أَبَدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»[[أخرجه مسلم (١٢١٨ / ١٤٧ ) من حديث جابر بن عبد الله.]]، وفي لفظ في غير الصحيح قال: «ابْدَؤُوا»[[أخرجه النسائي (٢٩٦٢)، والدارقطني (٢٥٧٧) واللفظ له. ]] بلفظ الأمر، وهذا يدل على أن ما بدأ الله به فهو أحق بالتقديم، وعلى هذا يكون دليل الترتيب من وجهين في الآية، ومن دليل منفصل من السنة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الموالاة، وجهه أن غسل هذه الأعضاء جاء مرتَّبًا على الشرط، فلا بد أن يكون أجزاء هذا الفعل المرتَّب على الشرط لا بد أن تكون متوالية؛ لأن الشرط يَعقُبه المشروط، هذا وجه الدلالة من الآية، أما من حيث النظر فيقال: إن الوضوء عبادة واحدة، فإذا جَزَّأَهُ لم يظهر كونه عبادة واحدة، يعني لو غسل وجهه في الساعة الواحدة وغسل يديه في الساعة الثانية، ومسح رأسه في الساعة الثالثة، وغسل رجليه في الساعة الرابعة، فإنه لا يتبين أن هذا عبادة واحدة، إذن لا بد من الموالاة، ولكن كيف نحدّ الموالاة؟
من العلماء من قال: إننا لا نحدها بحد، ونقول: ما جرى العرف فيه أنه منفصل فقد فاتت فيه الموالاة، وما لم يجرِ العرف أنه منفصل فهو متصل، وحَدَّه بعض العلماء بحدٍّ آخر قد يكون أكثر انضباطًا، وقال: حد الموالاة أن لا ينشف العضو قبل غسل الذي بعده بزمن معتدل، وهذا هو المشهور من المذهب، وبناء على ذلك لو أنه يَبِسَ العضو قبل أن يغسل الثاني في زمن معتدل لانقطعت الموالاة، وإذا انقطعت الموالاة وجب إعادة الوضوء من الأول.
يتفرع عن هذا والذي قبله لو أنه توضأ مُنَكِّسًا، فبدأ بالرجلين ثم الرأس ثم اليدين ثم الوجه، هل يصح الوضوء أم لا؟
الجواب: إن كان عبثًا فغير صحيح، لا يصح أي عضو من الأعضاء إن كان عبثًا، بل قد يكون خطرًا على دين المرء أن يعبث بشريعة الله، وإن كان نسيانًا أو جهلًا صح غسل الوجه فقط، ثم يُطَهِّر ما بعده، هذا في الترتيب؛ لأنه إذا كان عابثًا فقد عمل عملًا ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردودًا كله، وإن كان ناسيًا أو جاهلًا فإنه معفوٌّ عنه، وحينئذ نقول: كأنك ابتدأت من الآن فغسلت الوجه فأكمل الباقي.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب غسل البدن كاملًا من الجَنَابة؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾.
* ومن فوائدها: أنه لا يشترط في الغُسْلِ ترتيب، وأن الغسل لو بدأ من أسفل بدنه أو من وسط بدنه أو من أعلى بدنه وعَمَّه بالماء كان ذلك مجزئًا؛ لأن الله تعالى قال: ﴿اطَّهَّرُوا﴾ ولم يفصِّل.
وقال بعض الناس: بل يجب الغسل كما اغتسل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال: إن هذه الآية مجمَلة، بيَّنتها السنة النبوية، وعلى هذا فلا بد أن يكون الاغتسال كاغتسال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: وهذا كقوله: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [الأنعام ٧٢]، فبيَّن الرسول عليه الصلاة والسلام كيف إقامتها، وقال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»[[أخرجه البخاري (٦٣١) من حديث مالك بن الحويرث. ]].
ولكن هذا ضعيف، والصواب أنه لا يُشترط فيه الترتيب، ويدل لذلك أنه ثبت في صحيح البخاري[[(٣٤٤) من حديث عمران بن حصين. ]] في قصة الرجل الذي لم يره النبي ﷺ يصلي بعد أن انتهى من صلاته، «فسأله: «لِمَاذَا لَمْ تُصَلِّ؟»، قال: أصابتني جنابة ولا ماء، يعني ليس عندي ماءٌ أغتسلُ به، فقال: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ». وبعد ذلك جِيء بالماء وانتهى الناس من الشرب وسقْيِ إبلهم، ثم قال النبي ﷺ حين بقي بقية قال لهذا الرجل: «خُذْ هَذَا فَأَفْرِغْهُ عَلَى نَفْسِكَ»، فأخذه الرجل واغتسل.
ووجه الدلالة أن النبي ﷺ لم يذكر له كيف يغتسل، قال: «أَفْرِغْهُ عَلَى نَفْسِكَ»، وعلى هذا فيكون هذا الحديث موافقًا لظاهر القرآن؛ وهو أن الواجب في الغُسل أن يعمَّ البدن على أي كيفية كانت، لكن لا شك أن اتباع السنة أولى.
فإن قال قائل: إذا انغمس الرجل في بِرْكَة أو في بحر ناويًا قطع الحدث من الجنابة ثم خرج يكفي؟ نقول: نعم، يكفي، لكن لا بد من المضمضة والاستنشاق.
ثم قال النبي ﷺ حين بقي بقية قال لهذا الرجل: «خُذْ هَذَا فَأَفْرِغْهُ عَلَى نَفْسِكَ»، فأخذه الرجل واغتسل»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٨)، ومسلم (٦٨٢ / ٣١٢) من حديث عمران بن حصين الخزاعي. ]]، ووجه الدلالة أن النبي ﷺ لم يذكر له كيف يغتسل، قال: «أَفْرِغْهُ عَلَى نَفْسِكَ»، وعلى هذا فيكون هذا الحديث موافقًا لظاهر القرآن؛ وهو أن الواجب في الغُسل أن يعم البدن على أي كيفية كانت، لكن لا شك أن اتباع السنة أولى.
فإن قال قائل: إذا انغمس الرجل في بِرْكَة أو في بحر ناويًا قطع الحدث من الجنابة ثم خرج يكفي؟
نقول: نعم، يكفي، لكن لا بد من المضمضة والاستنشاق.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه لا تشترط الموالاة في الغسل، فيجوز أن يغتسل بعض بدنه في أول النهار وبعض بدنه في آخر النهار؛ لأنه يصدق عليه أنه اطَّهَّر، وليس كالوضوء الذي رُتِّب على شرط فصار لا بد فيه من الموالاة، وهذا هو المشهور من المذهب، ولكن الراجح أنه لا بد من الموالاة، وأنه لو غسل بعض جسده ثم ترك الباقي حتى نشف فإنه لا بد أن يعيد ما غسله أولًا، والتعليل أن هذه عبادة واحدة فلا بد من أن تتوالى أجزاؤها.
* ومن فوائد هذه الآية: أن غسل الجنابة تُسْتَباح به الصلاة، وأنه لا يجب الوضوء معه، وجه الدلالة أن الله قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾، ولم يذكر وضوءًا حتى لو لم ينوِ إلا رفع الحدث الأكبر فإنه يجزئه؛ لعموم الآية، ولا شك أن المغتسل إما أن ينوي رفع الحدثين، أو ينوي رفع الحدث، أو ينوي استباحة الصلاة.
إن نوى رفع الحدثين أجزأه ولا إشكال؛ لقوله ﷺ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لُكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»[[متفق عليه؛ البخاري (١)، ومسلم (١٩٠٧ / ١٥٥) من حديث عمر بن الخطاب . ]]، وإن نوى استباحة الصلاة أجزأه أيضًا، فلا شك أنه يرتفع الحدث الأصغر والأكبر، وجهه أن الصلاة لا تُستباح إلا بذلك.
وإن نوى رفع الحدث الأكبر فقط فمن العلماء من قال: إنه لا يجزئ عن الحدث الأصغر، ومنهم من قال: إنه يجزئ، وهو الراجح -أنه يجزئ-؛ لأن الله لم يذكر سوى ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المرض من أسباب جواز التيمم؛ لقوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى﴾ يعني: فتيمموا، ولكن الآية الكريمة: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ إلى قوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾، فظاهر الآية أن المريض لا يتيمم إلا إذا عدم الماء، فإما أن نأخذ بظاهر الآية ونقول: المريض لا يتيمم إلا إذا عدم الماء، وحينئذ يبقى التقييد بالمرض لا فائدة فيه، لماذا؟ لأن من لم يجد الماء يباح له التيمم، سواء كان مريضًا أو لا.
فيقال في الجواب -والله أعلم-: إن قوله تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ يدل على أن المراد المريض الذي يلحقه الحرج من استعمال الماء، وأما التقييد بعدم وجود الماء فهو للمسافر؛ لأن المسافر لا يشق عليه استعمال الماء إذا وجده ولا يلحقه حرج به، فيكون تيمم المسافر مشروطًا بأيش؟ بعدم وجود الماء، ويكون تيمم المريض مشروطًا بوجود الحرج؛ لقوله: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الدين يسر، سواء من أصل المشروعات الشرعية، أو إذا طرأ موجِب، سواء كان من أصل المشروعات أو إذا وجد سبب للرخصة؛ لأن المشقة تجلب التيسير، لكنها لا تُسقط الواجب إلا في حدود الشرع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يجب التطهر بغير الماء، يعني: لو كان مع الإنسان نبيذ أو شاهي مثلًا أو لبن فإنه لا يتطهر به، لا يجب عليه؛ لأن الله جعل آلة الطهارة هي الماء، ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الماء ما دام يطلق عليه الماء أو اسم الماء، فإنه مطهِّر ولو تغير بشيء طاهر؛ لعموم الآية: ﴿تَجِدُوا مَاءً﴾، وكما تعلمون أن (ماء) نكرة في سياق النفي، فما دام اسم الماء باقيًا فإنه يجب التطهر به ولو مع التغير.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب طلب الماء؛ لقوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾، قال العلماء: ولا يقال: لم يجد، إلا لمن طلب، فيقول: طلبت فلم أجد، أما إنسان باقٍ قاعدًا ويقول: لم أجد! هذا غير صحيح.
ولكن كيف يكون هذا الطلب؟ هل يجب عليه أن يطلب الماء من مسافات بعيدة، أو بقدر ما لا يكون فيه مشقة؟ الثاني، يعني يجب عليه أن يطلب الماء في الأماكن القريبة منه التي لا يلحقه حرج بطلب الماء فيها.
فإن قال قائل: لو كان في أرض ولا يعلم أن حوله ماء، ثم وجد الماء بعد الصلاة قريبًا منه، أيعيدُ أو لا؟ نقول: إذا كان يعلم أنه لا ماء فيها، وأن الماء حدث من بعد، كأرض مثلًا حُفِر فيها ارتوازي بعد خبرته فهذا لا يعيد؛ لأنه جاهل، أما إذا كان لم يطلب ثم وجد الماء بعد صلاته فهذا عليه الإعادة؛ وذلك لأنه مُفرِّط، حيث لم يطلب، والله عز وجل يقول: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: جواز التيمم على ظهر الأرض أيًّا كان؛ لقوله: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا﴾، سواء كان الصعيد رمليًّا، أو حجريًّا، أو سبخة، أو يابسًا، أو رطبًا -يعني نديًّا- المهم أنه يسمى صعيدًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا ينقُض الوضوء إلا الغائط، سواء ببول أو بعَذْرَة؛ لقوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾، ولم يذكر سوى ذلك؛ ولهذا لم يُجْمِع العلماء على نواقض الوضوء إلا على هذا، أي: ما خرج من السبيلين؛ القبل أو الدبر، وما عدا ذلك ففيه خلاف، كل النواقض ما عدا هذا فيها خلاف.
وعليه فنقول: القرآن دل على ناقض واحد من نواقض الوضوء وهو الخارج من السبيلين؛ من بول أو غائط، والبقيَّة تحتاج إلى دليل، فإن وُجد دليل من السنة أخذنا به، وإن لم يوجد فالأصل بقاء الوضوء؛ لأن الإنسان توضأ بمقتضى دليل شرعي، وارتفع حدثه بمقتضى دليل شرعي، فلا يمكن أن ننقض هذا إلا بدليل شرعي، فلننظر.
من العلماء من قال: في الآية دليل على أن مس المرأة ينقض الوضوء؛ لقوله: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾، وفي قراءة: ﴿أَوْ لَمَسْتُمْ﴾ ، ولكن سبق في التفسير أن قلنا: إن القول الراجح المتعيِّن أن المراد بالملامسة الجماع، وبيّنَّا وجه ذلك فيما سبق أثرًا ونظرًا، ولعلكم تذكرون إن شاء الله.
ننظر الآن بقية النواقض؛ الخارج من السبيلين عرفنا أنه ناقض بمقتضى الآية الكريمة، الخارج من بقية البدن لا ينقض الوضوء كالدم وما تفرع منه، والقيء، والعرق، والريق، وما أشبه ذلك، كل هذا لا ينقض الوضوء.
فإن ادعى أحد أن شيئًا من هذا ينقض الوضوء قلنا: هات الدليل، الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصابون بالجراح وكانوا يقيئون ومع ذلك ولشدة دعاء الحاجة إلى بيانه لم يرد عن النبي ﷺ على وجه يَثْبُت أن ذلك ناقض الوضوء، وعلى هذا فلا نقض.
الثالث: لمس المرأة من تقبيل أو مباشرة، أو غير ذلك سوى الجماع، ليس في السنة ما يدل على أنه ناقض الوضوء، إلا إذا خرج شيء فهذا يكون النقض بالخارج، وعلى هذا فلو أن الإنسان قبَّل زوجته وهو على وضوء ولم يخرج منه شيء فوضوؤه باقٍ بحاله، هذا كم؟ ثلاثة؟ نعم.
الرابع: النوم، النوم أيضًا فيه خلاف، فيه خلاف يبلغ إلى ثمانية أقوال؛ هل ينقض أو لا ينقض، والصحيح أنه ناقض، لكن بشرط أن يكون مَظِنَّة الحدث؛ وهو النوم المستغرِق الذي لو أحدث الإنسان فيه لم يُحِسَّ بنفسه، وأما النوم اليسير الذي يتراءى للإنسان الأحلام، ولكنه صاحٍ لو أحدث لأحس، فهذا لا ينقض الوضوء، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم ينتظرون العِشاء الآخرة حتى تَخْفِق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون، وأمر النبي ﷺ من نعس في صلاته أن ينصرف، قال: «لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَدْعُو لِنَفْسِهِ أَمْ يَدْعُو عَلَيْهَا» »[[متفق عليه؛ البخاري (٢١٢)، ومسلم (٧٨٦ / ٢٢٢) من حديث عائشة، ولفظه: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ».]]، أو كما قال ﷺ، فدل ذلك على أن النوم اليسير لا ينقض الوضوء.
ولكن ما هو النوم اليسير؟ النوم اليسير هو الذي لو أحدث الإنسان حال نومه لأحس بنفسه، ولا فرق بين أن يكون مضطجعًا، أو متكئًا، أو جالسًا، أو قائمًا، أو راكعًا، وبعد ذلك؟
الخامس: أكل لحم الجزور، أكل لحم الجزور فيه خلاف، والنقض به من مفردات الإمام أحمد رحمه الله تعالى، والأئمة الثلاثة كلهم على خلافه، لكن الرجوع للدليل هو الحاكم، ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «تَوَضَّؤُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ»[[أخرجه مسلم (٣٦٠ / ٩٧) من حديث جابر بن سمرة، وابن ماجه (٤٩٧) واللفظ له، من حديث عبد الله بن عمر.]]، وأنه «سُئِل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نَعَمْ»، وسُئِل عن الوضوء من لحوم الغنم قال: «إِنْ شِئْتَ»، وهذا يدل على وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل، والدليل أنه خَيَّر بين الوضوء وتركه في أكل لحم الغنم، وقال في لحم الإبل: نعم، توضأ، فإذا خَيَّرَ في لحم الغنم دلَّ على أن لحم الإبل لا خيار فيه، وأنه لا بد أن يتوضأ منه، ولا فرق بين أن يكون نيئًا أو مطبوخًا.
فإذا قال قائل: إنه قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه أهل السنن من حديث جابر رضي الله عنه: «أن آخر الأمرين من رسول الله ﷺ هو ترك الوضوء مما مست النار»[[أخرجه البخاري (٥٤٥٧)، وأبو داود (١٩٢) والنسائي (١٨٥) واللفظ لهما، والترمذي (٨٠)، وابن ماجه (٤٨٩) كلاهما بنحوه.]]، و(ما) اسم الموصول يشمل لحم الإبل وغيرها؟
فالجواب: أن هذا عام، ولحم الإبل خاص، ومعلوم أن الخاص يقضي على العام، وإنما قال جابر ذلك؛ لأن النبي ﷺ أمر أولًا أن يتوضأ الإنسان إذا أكل ما مسته النار، حتى الخبز إذا أكلها يتوضأ منها، ثم بعد ذلك نُسِخَ هذا الأمر، وصار الوضوء مما مست النار ليس بواجب، ما الذي بقي؟
مسّ الفرج، مسّ الذكر أيضًا فيه خلاف بين العلماء، واختلفت فيه الأحاديث؛ ففي بعضها الأمر بالوضوء، وفي بعضها أن لا وضوء منه، وعلل النبي عليه الصلاة والسلام عدم الوضوء منه بأنه بَضْعَة منك، «لما سئل عن رجل يمس ذكره في الصلاة أعليه الوضوء؟ قال: «لَا، إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ»[[أخرجه أبو داود (١٨٢) والترمذي (٨٥) واللفظ له من حديث طلق بن علي. ]]، والبَضْعَة يعني الجزء، ومعلوم أن الإنسان إذا مس جزءًا منه لا ينتقض الوضوء، لو مسّ رأسه، أو مس يده الأخرى، أو مس رجله، أو بطنه، أو ظهره لم ينتقض وضوؤه، فكذلك إذا مسّ ذَكَرَه، كلها أعضاء.
وهذا التعليل تعليل بعلة ثابتة لا يمكن أن تتغير؛ لأنه لا يمكن أن يكون ذَكَرُ الإنسان غير بَضْعَة منه، فهو لا يتغير، وإذا كانت العلة لا يمكن أن تتغير صار الحكم لا يمكن أن يتغير، ثم إن العلة هنا خبر من الرسول عليه الصلاة والسلام؛ عِلَّة منصوصة بلفظ الخبر، والخبر لا يمكن أن يتخلف، وعلى هذا فلا وضوء من مَسِّ الذَّكَرِ.
لكن قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام حديث آخر يقابله؛ أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»[[أخرجه أبو داود (١٨١)، والترمذي (٨٢) من حديث بسرة بنت صفوان.]]، وهذا عام، «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»، فيقال: هذا الحديث عام، وإن شئت فقل: مطلق، «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ»، (مَسَّ)، وإذا كان كذلك وجب أن يُحْمَل على معنى لا ينافي الحديث الأول، فما هو المعنى الذي لا ينافيه؟
نقول: إذا مس الإنسان ذكره كما يمس بقية أعضائه فإنه لا وضوء عليه؛ لأنه بضعة منه، أما إذا مسّ للمعنى الذي يختص بالذكر وهو الشهوة فعليه الوضوء؛ لأنه في هذه الحال ليس مَسُّه كمسّ بضعة من الإنسان، بل مسّه المسّ الذي يختص بالذكر وهو الشهوة؛ ولأن الشهوة مَظِنَّةُ الحدث؛ لأن الإنسان قد يُمْذِي بدون أن يشعر بذلك، فألحقت المظنة باليقين.
وعليه فيكون الراجح في هذه المسألة أن من مسّ ذكره لشهوة انتقض وضوؤه ووجب عليه الوضوء، ومن مسّه لغير شهوة فلا وضوء عليه، وهذا أعجب الأقوال، وفيه الجمع بين الأقوال أيضًا؛ لأنك إذا قلت: لا وضوء، وافقت قول من يقول: لا وضوء فيه مطلقًا، وإذا قلت: فيه الوضوء، وافقت قول من يقول: إن فيه الوضوء مطلقًا، ويكون هذا التفصيل هو التحصيل.
باقي تغسيل الميت، تغسيل الميت لا دليل عليه، حديثه ضعيف، ولا دليل على أنه ناقض للوضوء، وعلى هذا فلا يكون ناقضًا للوضوء، حتى لو قلنا: إن الميت كله عورة؛ فإنه لا ينتقض وضوء غاسله، بقي..
* الطلبة: حمل الجنازة.
* الشيخ: لا، حمل الجنازة ما ينقض الوضوء، ولا أظن أحدًا قال به.
بقي لنا الردة، الردة في الواقع أنها تُحْبِطُ الأعمال كلها، ولكن الله اشترط لحبوط العمل بها أن يموت الإنسان على الكفر، لكن إذا قلنا بأنه يجب على من أسلم أن يغتسل، صار الوضوء واجبًا من هذه الناحية، ووجوب الاغتسال لمن أسلم فيه خلاف أيضًا، وربما يُذْكَر في مكان آخر.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن التيمم جائز في الحدث الأصغر، وفي الحدث الأكبر؛ لأن الآية واضحة: ﴿إِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾، ثم قال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾، ذكر الله التيمم بعد الوضوء، وبعد الغسل من الجنابة، فيكون في ذلك دليل على أن من عليه غُسْل الجنابة إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ويصلي، وهذه المسألة صار فيها خلاف قديم، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنكر على عمار بن ياسر الإفتاء بجواز التيمُّم للجنب، وكان يرى -أي عمر- أن من كان عليه جنابة ينتظر حتى يصل إلى الماء ثم يغتسل، ولكن عمار بن ياسر ذَكَّره، رضي الله عنه ذكَّره «أن النبي ﷺ بعثه هو وعمر في حاجة، وأن عمار بن ياسر أجنب فتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة » ظنًّا منه رضي الله عنه أن طهارة التيمم كطهارة الماء، ومعلوم أن الجنب يجب عليه في طهارة الماء أن يَعُم بدنه، فظن أن طهارة التراب كذلك، «فتمرغ في التراب، ثم لما قدم إلى النبي ﷺ أخبره، فأخبره النبي ﷺ أنه يكفيه أن يمسح وجهه ويديه، ثم قال عمار: يا أمير المؤمنين، إن شئت أن لا أُحَدِّث به لما أوجب الله عَلَيَّ من طاعتك فعلتُ، قال: لا، نُوَلِّيكَ ما تَوَلَّيْتَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٨)، ومسلم (٣٦٨ / ١١٢) من حديث عمار بن ياسر، والسياق للنسائي (٢٩٨) من حديث عمار.]]، يعني: فحدِّث به، فجعل يحدث به، ثم إن الأمة أجمعت بعد ذلك على أن التيمم يكون في الجنابة، ويكون في الحدث الأصغر.
* طالب: بارك الله فيكم، عند الذين يقولون بنقض مس الفرج مطلقًا، هل يقولون هذا في الصغير؟
* الشيخ: لا، الصغير يقيدونه بما إذا كان له سبع سنوات، وأظن بعضهم يرى الإطلاق، لكن كما رأيتم أن القول الراجح أنه لا بد من شهوة.
* طالب: المريض إذا أصابته جنابة وتيمم، ثم بعد ذلك أراد أن يصلي وكان يستطيع أن يتوضأ، هل يتوضأ أو يكفيه التيمم للصلاة؟
* الشيخ: هذا سؤال مهم، يقول: إذا كان المريض لا يستطيع أن يغتسل، فهل يلزمه الوضوء؟ وإذا كان أيضًا عادمُ الماء وهو عليه الجنابة لم يجد إلا ماء يكفي لوضوئه فهل يتوضأ؟ الظاهر: نعم؛ لأنه لا شك أن الوضوء يخفف الجنابة؛ ولهذا قال النبي ﷺ في الرجل ينام وهو جُنُب، قال: «نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ»، وكان أيضًا الجُنُب إذا أراد الجلوس في المسجد يتوضأ، فإذا كان الوضوء له تأثير في تخفيف الجنابة فليتوضأ.
* طالب: هل يجب على الراجي الماء أن يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها؟
* الشيخ: لا يجب عليه ذلك؛ لأنه توجَّه إليه الأمر من أول الصلاة، لكن التأخير أفضل.
* طالب: إذا أجنب رجل ولم يجد الماء وكان جاهلًا بحكم التيمم، ففعل مثل ما فعل عمار، فهل يجزئ هذا عنه أو يتيمم مرة أخرى؟
* الشيخ: ما ظنك بإفتاء الرسول عليه الصلاة والسلام لعمار؟ هل أمره أن يعيد؟ ما أمره.
* الطالب: لكن هذا قد نزل الحكم.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: الحكم لم يكن ثابتًا.
* الشيخ: لا، بس هو جَاهِل به، من يقول: إن الحكم لم ينزل، ثم إذا قدَّرنا أنه لم ينزل فظاهر الحديث أنه نزل قبل سؤال عمار، المهم على كل حال، نقول: إنه ليس عليه شيء، لكنه من الآن يتيمم، أما ما مضى فهو جاهل ولا شيء عليه.
* طالب: شيخ، قلنا: مس الذكر لا بد أنه يكون بشهوة، طيب تقبيل المرأة مظنة الشهوة أكثر من مس الذكر؟
* الشيخ: إي نعم، صحيح، ربما يرد علينا مُورد بهذا، فنقول: إن مس المرأة لم يرد فيه عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه أمر بالوضوء منه، بل كان يقبِّل بعض نسائه ويخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ، لو ورد حملناه على هذا.
* طالب: إنسان جاهل بالتيمم ما يدري التيمم، استعمل التيمم كما يفعل في الماء، يغسل أعضاءه؟
* الشيخ: هذا سؤال ذكي، إذا كان لا يعرف إلا هذا فلا شيء عليه.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، عادم الماء إذا كان معه أهله، فهل يقال: الأولى أن لا يقرب أهله فيقع في الجنابة والحرج، أم يقال ما دام..
* الشيخ: نقول له: أجنِب، وإن كنت جُنُبًا فلم تجد ماء فتيمم.
* طالب: الغضب الشديد (...) هل ينقض الوضوء.
* الشيخ: لا، ما ينقُض الوضوء إلا ما ذكرنا لك، أبدًا، ما ينقض الوضوء إلا ما جاءت به السنة: النوم، وأكل لحم الإبل، وما خرج من السبيلين.
* طالب: شيخ، اشتراط المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة؟
* الشيخ: ما هو الله يقول: ﴿اطَّهَّرُوا﴾؟!
* الطالب: (...) ولا تمضمض ؟
* الشيخ: ما صح غسله، والدليل على هذا أنه يجب أن يُطَهَّر الفم والأنف في الحدث الأصغر، ففي الأكبر من باب أولى.
* طالب: بارك الله فيك، إذا وجد الماء وهو أثناء الصلاة؟
* الشيخ: نعم، الصحيح أنه يقطعها؛ لأن وجود الماء يُبطل التيمم، فيكون كالذي أحدث في أثناء الصلاة، يجب عليه أن يعيد الصلاة من جديد.
* طالب: شيخ، المجنب إذا عم جسده، هل يكفيه بالوضوء؟
* الشيخ: إي نعم، يكفي عن الوضوء، إي نعم؛ لأن الله قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى أنه ينبغي لقاضي الحاجة أن يستتر حتى يتوارى عن الناس، وجهه قوله: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾، فإن هذا هو سُنَّة الصحابة رضي الله عنهم في حياة نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيكون هذا دليلًا على أن من هديهم الاستتار عن الأعين، ولا شك أنه من كمال الأدب، ولكن ليس كونُ الإنسان أمام الناس إذا كان قد ستر عورته ليس هذا من الأمور المذمومة؛ لأنه فعله من هو أشد الناس حياء محمد رسول الله ﷺ «حين أتى سُبَاطَةَ قوم فبال فيها عليه الصلاة والسلام، بال فيها قائمًا وكان حذيفة حوله»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٢٥)، ومسلم (٢٧٣ / ٧٣) من حديث حذيفة بن اليمان. ]].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: حكمة الشرع في التطهير، حيث كان الاقتصار على أربعة أعضاء في الحدث الأصغر؛ لأن هذه الأعضاء هي غالبًا أدوات العمل وآلات العمل؛ فالبطش باليد، والمشي بالرجل، والبصر والشم والكلام في الوجه، والسمع والتخيل والتفكير في الرأس، فشُرِعَ تطهير هذه الأعضاء الأربعة، أما في الجنابة فشرع أن يُطَهِّر الإنسان جميع بدنه؛ وذلك لأن الجنابة تخلخل البدن كله؛ ولهذا يضعف الإنسان إذا حصلت منه الجنابة، ويؤمر إذا أراد أن يعود أن يغتسل، فإن لم يمكن فليتوضأ، ويدل لهذا -أعني أن الجنابة تؤثر على جميع البدن- أن الرجل إذا زنى وهو محصن فإنه يُرجم بالحجارة حتى يموت، من أجل يذوق جميع بدنه ألم العقوبة كما ذاق لذة الشهوة المحرمة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: التَّكْنِيَة عما يُستقبَح ذكره؛ لقوله: ﴿مِنَ الْغَائِطِ﴾، وقوله: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن التيمم جائز لجميع ما على الأرض، سواء كان رملًا، أم ترابًا، أم حجرًا، أم غير ذلك.
فإن قال قائل: ننازع في هذه الفائدة؛ لقوله: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾، و(من) تقتضي التبعيض، ولا يمكن أن يكون شيء يعلق باليد من الأرض إلا إذا كانت تُرَابِيَّة؟
قلنا: هذا الإيراد وارد لا شك، وهو دليل من يقول: إنه لا بد أن يكون التيمم بأرض لها تراب، وأما التيمم على ما لا تراب فيه ولا غبار فيه فإنه لا يصح، لكن الجواب على هذا الإيراد هو أنه قد عُلِمَ للضرورة أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يسافر الأسفار الطويلة في أيام الشتاء وأيام الصيف، وفي أسفاره يمر بالرمال ويمر بالأرض الممطورة، ولم يُنْقَل أنه كان يحمل التراب معه، ولا أنه كان لا يتيمم على مثل هذه الأراضي، وبهذا اندفع هذا الاعتراض، وسبق لنا أن قلنا في التفسير: إن (من) هنا يحتمل أن تكون للتبعيض ويحتمل أن تكون للابتداء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا بد أن يكون الصعيد الذي يتيمم به طيِّبًا، وهو الطاهر، ضده النجس، ولكن ليس هناك صعيد يكون نجسًا، بل لا بد أن يكون متنجِّسًا، والمتنجِّس كالنجس، وعلى هذا فلا يصح التيمم على أرض مُتَنَجِّسَة؛ لقوله تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾.
* ومن فوائدها: وجوب استيعاب الوجه بالمسح في التيمم؛ لقوله: ﴿بِوُجُوهِكُمْ﴾، ومن ثَمَّ يجب أن ننبه بعض العامة الذين إذا تيمموا مسح الأنف وما حولها وترك الباقي، فيقال: هذا لا شك أنه لا يجزئ؛ لأن الآية صريحة: ﴿بِوُجُوهِكُمْ﴾ أي كلها.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن اليد عند الإطلاق لا يدخل فيها الذراع؛ لقوله: ﴿وَأَيْدِيكُمْ﴾، وجه الدلالة: أن الله لما أراد تجاوز الكف قَيَّدَه، وذلك في نفس الآية اللي معنا، وذلك في طهارة الوضوء بالماء؛ حيث قال: ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب الترتيب في التيمم بين الوجه واليدين، فيبدأ أولًا أيش؟ بالوجه ثم باليدين، وهل هذا الترتيب مطابق لترتيب الوضوء؟ بلى يا إخوان، غسل اليدين قبل غسل الوجه أو بعده؟ بعده، إذن مطابق.
فإن قال قائل: الواو لا تقتضي الترتيب، بل هي لمطلق الجمع؟
قلنا: لكن تقتضيه بالقرينة، القرينة هنا أن الله تعالى بدأ بالوجه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»[[أخرجه مسلم (١٢١٨ / ١٤٧ ) من حديث جابر بن عبد الله.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: انتفاء الحرج في هذا الدين الإسلامي؛ لقوله: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾، أي: من مشقة؛ فالدين الإسلامي -والحمد لله- كله مبني على اليسر، وليس اليسر منوطًا بهوى كل إنسان؛ لأنه لو كان منوطًا بهوى كل إنسان لكان بعض الناس يَشُقُّ عليه أن يقوم يصلي الفجر في الشتاء، ولكن المعنى أن كل ما شرعه الله فهو مُيَسَّر ليس فيه مشقة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الإرادة لله؛ لقوله: ﴿مَا يُرِيدُ﴾ ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ﴾، فأثبت الله تعالى لنفسه الإرادة بنفي إرادة الحرج وإثبات إرادة التطهير.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنّا إذا قلنا: إن الحرج منفي، فهل معنى ذلك أن المشروع يرتفع بالكلية، أو يُخفَّف فيه؛ إما بذاته، أو بالانتقال إلى بدله؟
الجواب: تارة ينتفي الحرج برفع المشروع بالكلية، وتارة بتخفيفه، وتارة بفعل بدله، فهذه ثلاثة أقسام؛ إما أن يرتفع التكليف بهذا الشيء الذي فيه الحرج بالكُلِّيَّة، وإما أن يُخفَّف، وإما أن يُجعل له بدل.
فمثلًا في كفارة القتل إذا عجز الإنسان عن صيام شهرين متتابعين ماذا يكون؟ تَسْقُط عنه، تُرْفَع بالكلية، في القيام في الصلاة إذا عجز الإنسان عنه أيش؟ يُخفف فيصلي قاعدًا إذا لم يستطع أن يصلي قائمًا.
الثالث: أن يكون إلى بدل، فالإنسان العاجز عن الصيام عجزًا مستمرًّا لا يلزمه أن يصوم، لكن عليه البدل وهو إطعام مسكين عن كل يوم، فصار الأمر -الحمد لله- واسعًا.
وبناء على هذه القاعدة التي أخذناها من كلام ربنا عز وجل نقول: إن من عجز عن الكفارات أيًّا كانت الكفارة وقت الوجوب فإنها تسقُط عنه.
وأما قول بعض العلماء: إنه لا يسقط من الكفارات عند العجز إلا كفارة الجماع في الحيض، وكفارة الجماع في نهار رمضان، فهذا الحصر لا دليل عليه، والصواب أن جميع الكفارات إذا كان حين وجوبها عاجزًا عنها فإنها تسقط، كما قلنا في الزكاة: إذا كان الإنسان فقيرًا فإنه لا زكاة عليه، ولو اغتنى هل نقول: اقض عن السنوات التي مضت بعد التكليف؟ لا نقول بهذا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: سِعَةُ رحمه الله عز وجل، حيث نفى الحرج عن عباده، ولكن لو سألنا سائل: أليس يوجد في بني إسرائيل شيء من الحرج في عباداتهم؟ قلنا: بلى، لكن ذلك بسببهم، هم الذين تَسَبَّبُوا لذلك، ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [النساء ١٦٠] إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: قوله: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ﴾، هل الإرادة هنا شرعية أو كونية؟ شرعية، الإرادة هنا شرعية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن التيمم مُطَهِّر وليس بِمُبِيح، كيف الكلام هذا؟ يرى بعض أهل العلم رحمهم الله أن التيمم يبيح ما كان محظورًا بدون الماء، يعني: يبيح الصلاة بدون ماء؛ لأن الأصل أن الصلاة بدون ماء حرام، لكن إذا عُدِم الماء أو خِيفَ الضرر باستعماله وتيمم أبيحت الصلاة.
فيرى بعض العلماء أن طهارة التيمم استباحة لما كان محظورًا، وبناء على هذا لو تيمم لقراءة القرآن لم يصلِّ نافلة؛ لأن النافلة أعلى من قراءة القرآن، وإن شئت فقل: لأن وجوب الطهارة للنافلة أقوى من وجوب الطهارة لقراءة القرآن، بل الوضوء لقراءة القرآن سنة وليس بواجب، ومس المصحف هو الذي تجب له الطهارة.
ولو نوى صلاة نافلة لم يُصَلِّ بذلك فرضًا؛ لأن الفرض أعلى من النفل، ولو خرج الوقت وهو على طهارته بطل تيممه؛ لأن الضرورة تتقدر بقدرها، وهذا الرجل لم يتيمم إلا للصلاة الحاضرة، والصلاة الحاضرة تنتهي بخروج وقتها.
ولكن هذا القول ضعيف، والصواب أن التيمم مُطَهِّر، دلالة ذلك في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أين هي في كتاب الله؟ ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ بعد أن ذكر الوضوء والغسل والتيمم قال: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾، وقال النبي ﷺ: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، والطَّهور –بالفتح- ما تحصل به الطهارة، وعلى هذا فيكون التيمم مُطَهِّرًا، رافعًا للحدث، فإذا تيمم لقراءة القرآن يصلي به النافلة؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ليش؟ تطَهَّر، وإذا تيمم للنافلة يصلي به الفريضة، وإذا تيمم للصلاة وخرج وقتها يصلي به الصلاة الأخرى ما دام لم ينتقض وضوؤه، وهلم جرَّا، وإذا تيمم عن الجنابة أول مرة كفاه، فلا يتيمم بعد ذلك إلا عن الحدث الأصغر فقط، لماذا؟ لأنه حين تيمم للجنابة تَطَهَّرَ منها وارتفعت الجنابة، فلا حاجة إلى أن نقول: أعِد التيمم للجنابة كلما دخل وقت الصلاة، نقول: لا، انتهى؛ لأن الله سمى ذلك أيش؟ تطهيرًا، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمَّى الأرض طَهُورًا.
بقي أن يقال: هل إذا قلنا: إنه مُطَهِّر؟ هل هو مُطَهِّر طهارة مقيَّدة بوجود الماء، أو طهارة مطلقة؟ بمعنى أنه لو وَجَد الماء فهو على طهارته فلا يجب عليه استعمال الماء؟ الأول، وعلى هذا فإذا تيمم لجنابة ثم وجد الماء وجب عليه الغسل، أليس قد طَهُرَ من الجنابة؟ بلى، إذن لماذا توجِبون عليه الغسل وقد طَهُر من جنابته؟
نقول: لنا دليل في هذا، الدليل« قصة الرجل الذي رآه النبي ﷺ بعد صلاة الفجر –أظن- أو إحدى الصلوات، فقال: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ»؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ؛ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» »[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٨)، ومسلم (٦٨٢ / ٣١٢) من حديث عمران بن حصين. ]]،« ثم جاء الماء بعد ذلك فأمره أن يغتسل»، مع أنه تيمم وصلى، فأمره أن يغتسل، هذه واحدة.
الدليل الثاني: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَتَقِّ اللَّهَ وَلْيُمِسَّهُ بَشْرَتَهُ»[[أخرجه أبو داود (٣٣٢)، والترمذي (١٢٤) والنسائي (٣٢٢) من حديث أبي ذر.]]، إذن عندنا دليلان من السُّنَّة.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إن الإجماع منعقد على ذلك. يعني: أن العلماء أجمعوا بأن من تيمم لعدم الماء ثم وجد الماء فلا بد أن يتطهر به، حينئذ تكون القاعدة بأنه مُطَهِّر، فيها شيء من الاستثناء، ولكن هذا الاستثناء دلَّ عليه النص والإجماع، ومعلوم أننا لا نقدِّم على النص شيئًا؛ لأننا قلنا: إنه مُطهِّر بالنص، فإذا وجد الماء وقلنا: يلزمك استعماله، فإنما قلنا ذلك بإيش؟ بالنص، ونحن لا محيد لنا عما دلَّ عليه الكتاب والسنة.
رجل تيمَّمَ؛ لعدم الماء لصلاة الفجر، وبَقِي إلى العشاء، أيعيد التيمم عند وقت كل صلاة؟ إن قلتم: لا، أخطأتم، وإن قلتم: نعم، أخطأتم، نقول: ينبني على الخلاف، إذا قلنا: إنه مُطَهِّر فلا يعيده، يصلي بتيمم الفجر صلاة العشاء، وإذا قلنا: إنه غير مُطَهِّر يعيد التيمم، كلما خرج وقت الصلاة بطل التيمم، وعليه فإذا أراد أن يصلي صلاة الضحى بتيمم صلاة الفجر؟ على القول بأنه مُبِيح لا رافع، لا بد أن يتيمم ثانيةً لذلك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإنسان لو تيمم ولبس خُفَّيْن ثم وجد الماء، فهل يمسح عليهما؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: ما أسرع إجابتكم بدون تأمل وبدون تروٍّ، أيش؟ يا إخواني، الآن قلنا: إن القول الراجح أن التيمم مُطَهِّر، توافقون على هذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: طيب، هذا لبس الخفين على الطهارة؟
* طلبة: لا بد يغسل.
* طلبة: لا بد يتوضأ.
* الشيخ: بس هو لا بد يتوضأ، ما يكفي هذا، لا بد يتوضأ، هذا حكم منكم، لكن نقول: التيمم لا يتعلق به طهارة القدم، القدم ما له دخل في التيمم، أليس كذلك؟ وقد قال النبي ﷺ للمغيرة: «دَعْهُمَا؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، فدلَّ هذا على أنه لا يُمْسَح على الخف إلا في طهارة تشمل القدمين، وهذا الجواب جوابكم صحيح، لكنه ما أدري عن علم أو عن غير علم، لكن هذا التعليل؛ أن القدم لا تتعلق به طهارة التيمم، وحديث المغيرة يقول: «أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ».
إذن، إذا كان الإنسان في البر وليس عنده ماء، ولبس الخفين على غير طهارة، وجاء وقت الصلاة وتيمم، نقول له: اخلع الخفين؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ليش؟ لأنه لا تتعلق بها طهارة التيمم، إذن يبقى لابس الخفين لو يبقى عشر سنوات وطهارته تيمم فإنه لا حرج عليه.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الحكمة في شرع الله، التعليل: ﴿وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾، وهذا الذي دلَّ عليه الكتاب والسنة من وجوه لا تُحْصَى؛ أن الله سبحانه وتعالى حكيم في كل ما يخلق، وفي كل ما يشرع.
* ويتفرع على هذه الفائدة: الاستسلام لقضاء الله الشرعي والكوني، ما دمت تعتقد أن هذا الحكم مبنيٌّ على حكمة سوف تستسلم، وتقول: ما دام لحكمة فإنّا راضون، وكذلك لحكم الله الكوني، إذا أراد الله الجدب، أراد الله الفقر، المرض، كثرة الموت، فإننا نعلم أن هذا لحكمة، ليس عبثًا ولا لمجرد مشيئة، بل هو لحكمة، وحينئذ نستسلم للقضاء الكوني والقضاء الشرعي.
من أهل البدع من نفى الحكمة، وقال: إن الله تعالى لا يفعل لحكمة، ولا يَشْرَع لحكمة، إنما هو مجرد مشيئة، ويأتي بشبهات، منها حديث عائشة: «كنا يصيبنا ذلك -يعني الحيض- فنُؤمَر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة».[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢١)، ومسلم (٣٣٥ / ٦٩) من حديث عائشة.]]، ولكن يقال: إن الأمر الشرعي عند المؤمنين أيش هو؟ حكمة، يعني مجرد أن نعرف أن الله شرعه أنا أؤمن بأنه لحكمة، فعائشة رضي الله عنها فوَّضت الحكمة إلى الله عز وجل بأن هذا هو ما يأمرنا به، وكفى بذلك حكمة.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الطهارة بأقسامها الثلاثة: الغُسل، والوضوء، والتيمم، نعمة من الله عز وجل على العباد؛ لقوله: ﴿وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾، ولا شك أنها نعمة، ومن رأى فضائل الوضوء وما يُكَفِّر من الذنوب عَرَف نعمة الله عز وجل بهذا، وكذلك الغُسل من الجنابة، ولا سيما في أيام الشتاء وأيام المشقَّة.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، الذين يقولون بعدم جواز صلاتين بتيمم واحد، احتجوا بالآية بأن الله قال: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ اشترط التيمم بعدم وجود الماء قالوا: على المرء يجب أن يبحث عند كل صلاة الماء.
* الشيخ: وهذا ما عنده ماء.
* الطالب: إن لم يجد يتيمم.
* الشيخ: لا، الله أجاز التيمم إذا لم يجد، إذا كنت تعرف أن ما حولي ماء.
* الطالب: نقول: إنه يجب عليه البحث.
* الشيخ: عبث هذا، هل يوجب الله على الإنسان، وقال: ابحث عن الماء، وأنا أعلم ما عندي ماء؟ أبدًا، هذا منافٍ للحكمة، ومنافٍ للشرع أيضًا.
* طالب: يقال: إنه يكفي مسح بعض الرأس في الوضوء هل يقولون ذلك في التيمم؟
* الشيخ: قد يلزمهم ذلك، لكن لا أدري يقولون به أم لا، لكن حقيقة يلزمهم.
* طالب: أحسن الله إليك، الحديث الصحيح أن النبي ﷺ ضرب بالحائط وتيمم حتى يرد السلام على ذلك الصحابي، كيف يوجَّه هذا الحديث؛ لأن بعضهم يقول: أنه يجوز التيمم بأي شيء، التيمم على الجدار، رغم أنه كانت فيه أشياء ما هي من الصعيد؟
* الشيخ: الجدار ما هو بصعيد؟
* طالب: استدلوا بهذا بجواز التيمم بالجدار المونة، حتى لو كان مطليًّا بدهان.
* الشيخ: وقت الرسول ما فيه طلي بدهان، لكن على كل حال نحن نقول: إذا طُلِيَ بدهان وكان فيه غبار يكفي.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، الصعيد هل يلزم أن يكون متصلًا بالأرض، بمعنى أنه لو أخذ حجرًا أو رملًا ونقله إلى مكان آخر، ومثله ما لو أحيانًا يرفع الإنسان السجادة والموكيت فيجد تحته غبار، فهل التيمم بهذا جائز؟
* الشيخ: إي، جائز، ما فيه شك، جائز.
* طالب: الترتيب (...) التيمم غير قطعي؟
* الشيخ: نعم، ما هو قطعي، لكن ظاهر السنة «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»[[أخرجه مسلم (١٢١٨ / ١٤٧ ) من حديث جابر بن عبد الله.]] أنه يرتِّب.
* الطالب: لكن، إذا خالف الترتيب.
* الشيخ: الفقهاء إذا خالف الترتيب يقولون: في الجنابة لا بأس، إذا كان التيمم عن جنابة فلا بأس أن يخالف في الترتيب؛ لأن الغسل لا يُشترط فيه الترتيب، والتيمم بدل عن الغسل، وأما في الحدث الأصغر فلا بد من الترتيب، ولكن يقال: إن طهارة التيمم لا يمكن قياسها على طهارة الماء؛ لوجود الفوارق الكثيرة بينهما، وإلحاق الفرع بالأصل لا بد أن يكون بينهما اتفاق يجمعهما.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، من تيمم فوجد الماء بعد أن لبس الخفين يجب أن يغسل؛ لأنه ما أدخلهما طاهرتين؟
* الشيخ: لا، لا، يجب أن يتوضأ وضوءًا كاملًا.
* الطالب: يا شيخ، لو احتجوا علينا قالوا: أنتم الآن تقولون أنه طاهر بهذه الآية لو أدخلهما حال كونهما طاهرتين، وإن حديث المغيرة مُطلَق، لم يقل النبي ﷺ: بعد أن غسلتهما، إنما قال: طاهرتين، فتصدُق عليه هذه الصورة.
* الشيخ: لكن كونه خَصَّ ما قال: أدخلتهما طاهرًا، حتى نقول: إنه يشمل إذا تطهر من التيمم، قال: «أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، فدل هذا على أنه إنما يمسح في طهارة تتعلق بالرجلين.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، جماعة ذهبوا في برّ، وكان معهم ماء ما يكفي لطهارتهم جميعًا (...) إنه مشاع، فماذا يفعلون إذا قصر الماء عن تطهير الجميع؟
* الشيخ: يقترعون عليه، لا بد من استعمال القُرْعَة؛ لأن فيه هنا، أنتم سمعتم سؤاله؟ يقول: جماعة مشتركين في ماء، والماء لا يكفي أن يتطهر به الجميع، فماذا يصنعون؟ إن آثر أحدهم الآخر، قلنا: الإيثار بالواجب لا يجوز، فلم يبق علينا إلا القرعة.
* طالب: والماء القليل الذي يبقى من طهارتهم بقي ماء يكفي لبعض الطهارة فهل..؟
* الشيخ: يتوضأ به.
* الطالب: (...).
* الشيخ: كيف ما (...)؟
* الطالب: يعني يبقى تقريبًا كنصف قارورة صغيرة، ما يكفي.
* الشيخ: يعني معناه ما يكفي إلا غسل وجهه ويديه مثلًا؟ يستعمله ويتمم عن الباقي.
* طالب: شيخ، قلنا: إنه ما يجمع بين طهارتين، فكيف (...)؟
* الشيخ: ما قلنا هذا، من قال هذا؟ قلنا: ما يجمع بين طهارتين كاملتين، يعني: واحد توضأ وتيمم، أما إذا لم يجد إلا البعض فقد قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦].
* طالب: إذا قلنا: إنه يتوضأ بالماء الباقي هذا، فهل هذه عبادة؟ الذي يأخذ جزءًا من الماء ويغسل بها وجهه ويديه، ولا تكفيه لبقية الجسم.
* الشيخ: يغسل.
* الطالب: يعني يغسلها، ولكن هل هذه عبادة؟ وهل فيها دليل؟
* الشيخ: إي نعم، عموم قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦]، وقول النبي ﷺ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٢٨٨)، ومسلم (١٣٣٧ / ١٣٠) من حديث أبي هريرة. ]]، وقد أمرنا بالوضوء ولم نستطع إلا بعضه.
* طالب: ينشِّف يديه قبل أن يضرب على الصعيد أم يضرب حتى لو..
* الشيخ: إذا قلنا: لا بد من الغبار، فلا بد أن ينشِّف قبل، وإذا قلنا: ليس بشرط، فلا بأس.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُوا۟ وُجُوهَكُمۡ وَأَیۡدِیَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُوا۟ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَیۡنِۚ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبࣰا فَٱطَّهَّرُوا۟ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَاۤءَ أَحَدࣱ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَاۤىِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَلَمۡ تَجِدُوا۟ مَاۤءࣰ فَتَیَمَّمُوا۟ صَعِیدࣰا طَیِّبࣰا فَٱمۡسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَیۡدِیكُم مِّنۡهُۚ مَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیَجۡعَلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ حَرَجࣲ وَلَـٰكِن یُرِیدُ لِیُطَهِّرَكُمۡ وَلِیُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق