الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّها الذينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلوا وُجُوهَكُمْ﴾.
(هذه الآية) عند جماعة ناسخةٌ لقوله: ﴿لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وأَنتُمْ سُكَارَى﴾ [النساء:43]؛ لأن مفهومَ الخطاب جوازُ قُرْبِ الصلاةِ لغير السَّكران جوازاً عاماً بلا شرط غَسلٍ ولا وضوء، ثم منع في هذه الآية أن تُقْرَبَ الصَّلاةُ إلاّ بالغسل المذكور للأعضاء المذكورة، والمسح للرأس.
وقيل: الآيةُ ناسخةٌ لفعل النبي - عليه السلام - كان إذا أَحدَثَ لم يُكلِّم أحداً حتى يتوضأ، فنسخَ اللهُ ذلك بالأمر بالوضوء عند القيام إلى الصَّلاة.
ومعنى ﴿إذَا قُمْتُمْ﴾: إذا أردتم القيام، كما قال تعالى: ﴿فإذا قرأتَ القُرآنَ فاسْتَعِذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم﴾ [النحل: 98]، أي: إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله.
وقد قيل: إن ظاهرَ الآية إيجابُ الوضوء على كل مَن قام إلى صَلاةٍ، وإن كان على وضوء، لكنه نسخ بتواتر الأخبار أن النبي - عليه السلام - كان يُصَلِّي صلواتٍ بوضوء واحد، وبالإِجماع على جواز ذلك وفعله.
والأحسن أن يقال: خُصِّصَ وبُيِّنَ بالإِجماع على جواز صلواتٍ بوضوء واحد، وبالسُّنَّةِ المتواترة بفعل [النبي ﷺ] ذلك، فيكون مخصَّصاً ومبيَّناً أولى من أن يكون منسوخاً، هذا على قول من لم يُجِزْ النسخ بالإِجماع ولا بالسنّة المتواترة؛ إذ لا اختلاف في جواز تخصيص القرآن وتبيينه (بالإِجماع وبالسُّنَّةِ المتواترة).
ورُوِيَ عن علي أنه جعل الآيةَ للوضوء لكل صَلاةٍ على النَّدب، نَدَبَ كل من قام إلى الصلاة أن يتوضأ لها، وإن كان على وضوء، وكان علي - رضي الله عنه - يتوضأ لكل صلاة للفضل لا لأَنه واجب.
وقد ذهب قوم إلى وجوبه بظاهر الآية، وهو مروي عن عكرمة وابن سيرين. والجماعة على خلافهما، لِلإِْجماع السابق قبلَهما. والأخبار المتواترة على غير ذلك.
وقد قال زيدُ بنُ أسلم: الآية مخصوصةٌ يراد بها مَن كان على غير طهارة، والمعنى: إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، وعليه جماعة الفقهاء، وهو الصواب، إن شاء الله. فيدخل تحت الحدث النوم وغيره؛ فالآية محكمة في هذه الأقوال.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: فَرْضُ غَسْلِ الرِّجْلَين ناسخٌ للمسح على الخفين. وعن عائشة وأبي هريرة أنهما منعا المسح على الخفين وهي رواية ضعيفة.
وأكثر الفقهاء وأهل السنّة وأهل الحديث، وأكثر الرواة عن الصحابة والتابعين على جواز المسح على الخفين في (السفر والحضر). فهو غير منسوخ بل هو توسعة وتخفيف على المسلمين. وهو بدل من الغسل.
فأمّا من قرأ: "وأرجُلِكُم" - بالخفض - فهي قراءة مُجْمَعٌ عليه لا اختلاف في جوازها والقراءة بها. وهي توجب جواز المسح على (الأرجل) وليس على ذلك عمل. وقد قيل فيه أقوال:
وقيل: هو (محكم) منسوخ بفعل النبي - عليه السلام - وغسله لرجليه دون أن يمسح، نقل ذلك نقلاً متواتراً، وقد أمر النبيّ ﷺ بتخليل الأصابع، وذلك لا يصح إلا مع الغسل، وقد قال ﷺ: "ويلٌ للأعقاب من النار"، لما رأى قوماً توضؤوا وأعقابُهم تلوح لم يصل إليها الماء، وهذا لا يكون إلا بالغسل، وقد قال ﷺ: "أسبغوا الوضوء" وذلك لا يكون إلا مع الغسل.
وقد قيل: إن القراءة - بالخفض - غيرُ منسوخة لكنّها تَدُلُّ على (ما تَدُلُّ عليه، القراءة) - بالنصب - من الغَسْل وذلك أن معنى التمسح: التطهر، يقال: تمسحتُ لِلصَّلاة، أي، تطهَّرت لها: فيكون معنى: وأرجلكم - بالخفض -: أي: طهروها بالماء، فلما كان المسحُ يجوزُ أن يقع على الطهارة بيَّن النبي بفعله أن المراد بالمسح - في قراءة مَن خفض الأرجل -: الغسل.
وقد روي عن الشعبي أنه قال: نزل القرآنُ بالمسح - يعني على الأرجل - قال: وجاءت السُّنَّةُ بالغسل، فجعل المسحَ هو الفرض، والغسل بالسنّة، كأنه جعل السنّة ناسخةً للفرض؛ إذ قد أجمع على أنه لا يجوز مسح الرجلين في الوضوء دون الغسل، وإنما المسح الجائز على الخفين.
وقد قال بعض أهل العربية واللغة: إن معنى القراءة - بالخفض -: وامسحوا برؤوسكم وأَرجُلِكُم غَسْلاً، ودلَّ على هذا الغَسْلِ المحذوفِ قولُه: ﴿فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيديَكُمْ إِلَى المَرَافِق﴾، ودَلَّ على أن المرادَ الغسلُ، وأكَّده التحديدُ في قوله: ﴿إلى الكَعْبَيْن﴾، كما قال في الأيدي: ﴿إلى المَرَافِق﴾.
وقد قال الأخفش وأبو عبيدة: إنما خُفِضَت الأرجلُ - في قراءة مَن خفضها - على الجوار للرؤوس، لا على العطف عليها. والخفضُ على الجوار لا يوجِبُ حُكْمَ الذي جاورَه وَحُمِلَ على إعرابه للمجاورة، إنما يوجِبُ الْحُكْمَ الخَفْضُ على العطف.
ومن قال: إنه خفضٌ - على العطف - احتجَّ بأنَّ حمل الكلام على أقرب العاملين أحسن، فلما كان قبل الأرجل عاملان: الغسل والباء، والباء أقرب، حمل الكلام على الباء لقربها منه، وهو الأكثر في كلام العرب، وحَسُنَ ذلك لما في الكلام من الدليل على أن المراد به الغسل. وقد روى أبو زيد اللغوي: أن المسحَ: خفيفُ الغَسْل. وقال أبو عبيدة في قوله: ﴿فَطَفِقَ مَسْحاً بالسُّوقِ والأعْنَاقِ﴾ [ص: 33]: أن المسح هنا: الضرب، فكذلك المسح في الأرجل: الغَسْلُ الخفيف.
فأما المسح على الخفين:
فإن ابن عباس يقول: "مسح رسول الله ﷺ على الخفين قبل نزول المائدة"، فلما نزلت المائدة بالغَسْل نسخَ ذلك المسحَ، وقال: "والله ما مسح رسول الله ﷺ بعد المائدة".
وقال جريرُ بن عبد الله: مسح النبي - عليه السلام - على الخفين بعد نزول المائدة - وكان إسلامُ جرير بعد نزول المائدة في (شهر) رمضان سنة عشر - وعلى هذا أكثر الناس لأن من أثبت أولى بالقبول ممّن نفى. هذا أصل مجمع عليه.
وقد اختلف قولُ مالك في جواز المسح (على الخفين) للمقيم. وعلى جوازه أكثر أهل السنّة.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُوا۟ وُجُوهَكُمۡ وَأَیۡدِیَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُوا۟ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَیۡنِۚ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبࣰا فَٱطَّهَّرُوا۟ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَاۤءَ أَحَدࣱ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَاۤىِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَلَمۡ تَجِدُوا۟ مَاۤءࣰ فَتَیَمَّمُوا۟ صَعِیدࣰا طَیِّبࣰا فَٱمۡسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَیۡدِیكُم مِّنۡهُۚ مَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیَجۡعَلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ حَرَجࣲ وَلَـٰكِن یُرِیدُ لِیُطَهِّرَكُمۡ وَلِیُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق