الباحث القرآني

القول في تأويل قول الله جل ثناؤه: ﴿الم﴾ . قال أبو جعفر: اختلفت تراجمة القرآن في تأويل قول الله تعالى ذكره [[تراجمة القرآن: مفسروه، كما مر آنفًا: ١٧٠، تعليق: ٤ وما قبلها ٧٠، تعليق: ١٠]] "ألم" فقالَ بعضُهم: هو اسم من أسماء القرآن. * ذكرُ من قال ذلك: ٢٢٥- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"ألم"، قال: اسم من أسماء القرآن. ٢٢٦- حدثني المثنى بن إبراهيم الآملي، قال: حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال:"ألم"، اسم من أسماء القرآن. ٢٢٧- حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثني حجاج، عن ابن جُريج، قال:"ألم"، اسم من أسماء القرآن. وقال بعضُهم: هو فَواتحُ يفتح الله بها القرآن. * ذكر من قال ذلك: ١٨٧ - حدثني هارون بن إدريس الأصم الكوفي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال:"ألم"، فواتح يفتح الله بها القرآن. ٢٢٩- حدثنا أحمد بن حازم الغِفَاري، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد، قال:"ألم"، فواتح. ٢٣٠- حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، عن يحيى بن آدم، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال:"ألم"، و"حم"، و"ألمص"، و"ص"، فواتحُ افتتح الله بها [[الأثر ٢٣٠ - إسحاق بن الحجاج: هو الطاحوني المقرئ، ترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ١/١/ ٢١٧، وقال: "سمعت أبا زرعة يقول: كتب عبد الرحمن الدشتكي تفسير عبد الرزاق عن إسحاق بن الحجاج".]] . ٢٣١- حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثلَ حديث هارون بن إدريس. وقال آخرون: هو اسم للسورة. * ذكرُ من قال ذلك: ٢٣٢- حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا عبد الله بن وهب، قال: سألت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن قول الله:"ألم ذلك الكتاب" و"ألم تَنزيل"، و"ألمر تلك"، فقال: قال أبي: إنما هي أسماء السُّوَر. وقال بعضهم: هو اسم الله الأعظم. * ذكر من قال ذلك: ٢٣٣- حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا شعبة، قال: سألت السُّدِّي عن"حم" و"طسم" و"ألم"، فقال: قال ابن عباس: هو اسْم الله الأعظم. ٢٣٤- حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثني أبو النعمان، قال: حدثنا شعبة، عن إسماعيل السُّدِّي، عن مُرّة الهمداني، قال: قال عبدُ الله فذكر نحوه. ٢٣٥- حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، عن عُبيد الله بن موسى، عن إسماعيل، عن الشعبي قال: فواتح السور من أسماء الله. وقال بعضهم: هو قسمٌ أقسمَ الله به، وهو من أسمائه. * ذكر من قال ذلك: ٢٣٦ - حدثني يحيى بن عثمان بن صالح السهمي، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: هو قَسَم أقسمَ الله به، وهو من أسماء الله. ٢٣٧- حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن عُلَّية، قال: حدثنا خالد الحذّاء، عن عكرمة، قال:"ألم"، قسم [[الأثر ٢٣٧ - يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح: هو الدورقي الحافظ البغدادي.]] . وقال بعضهم: هو حُرُوف مقطَّعةٌ من أسماء وأفعالٍ، كلُّ حرف من ذلك لمعنى غير معنى الحرف الآخر. * ذكر من قال ذلك: ٢٣٨- حدثنا أبو كريب قال حدثنا وكيع - وحدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا أبي عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضُّحَى، عن ابن عباس:"ألم" قال: أنا الله أعلم [[الخبر ٢٣٨ - رواه الطبري عن شيخين عن وكيع: عن أبي كريب، وعن سفيان بن وكيع، كلاهما عن وكيع عن شريك، وهو ابن عبد الله النخعي القاضي. وجاء الإسناد الثاني منهما في مطبوعة بولاق محرفا: "سفيان بن وكيع قال حدثنا ابن أبي شريك". وصحح من المخطوطة.]] . ٢٣٩- حُدِّثتُ عن أبي عُبيد، قال: حدثنا أبو اليقظان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال: قوله:"ألم"، قال: أنا الله أعلم. ٢٤٠- حدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد القنَّاد، قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن إسماعيل السُّدِّي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس -وعن مُرَّة الهمداني، عن ابن مسعود- وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ:"ألم" قال: أما"ألم" فهو حَرف اشتُقَّ من حروف هجاء أسماء الله جل ثناؤه. ٢٤١- حدثنا محمد بن معْمَر، قال: حدثنا عباس بن زياد الباهلي، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله:"ألم" و"حم" و"ن"، قال: اسم مُقطَّع [[الخبر ٢٤١- محمد بن معمر بن ربعي، شيخ الطبري: هو المعروف بالبحراني، وهو ثقة، روى عنه البخاري ومسلم في الصحيحين، وهو متأخر الوفاة، مات في العام الذي مات فيه البخاري سنة ٢٥٦، كما ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ ٢: ١٢٩، وأما شيخه"عباس بن زياد الباهلي" فلم أجد له ترجمة قط.]] . وقال بعضهم هي حروفُ هجاءٍ موضوعٍ. * ذكر من قال ذلك: ٢٤٢- حُدِّثتُ عن منصور بن أبي نُويرة، قال: حدثنا أبو سعيد المؤدِّب، عن خُصَيْف، عن مجاهد، قال: فواتح السور كلها"ق" و"ص" و"حم" و"طسم" و"ألر" وغير ذلك، هجاء موضوع. وقال بعضهم: هي حروف يشتمل كل حرفٍ منها على معان شتى مختلفة. * ذكر من قال ذلك: ٢٤٣- حدثني المثنى بن إبراهيم الطبري، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، عن عبد الله بن أبي جعفر الرازي، قال: حدثني أبي، عن الربيع بن أنس، في قول الله تعالى ذكره:"ألم"، قال: هذه الأحرف، من التسعة والعشرين حرفًا، دارت فيها الألسُن كلها. ليس منها حرف إلا وهو مِفتاح اسم من أسمائه، وليس منها حرف إلا وهو في آلائه وبَلائه، وليس منها حرف إلا وهو في مدّةِ قوم وآجالهم. وقال عيسى ابن مريم:"وعجيب ينطقون في أسمائه، ويعيشون في رزقه، فكيف يكفرون؟ ". قال: الألف: مفتاح اسمه:"الله"، واللام: مفتاح اسمه:"لطيف"، والميم: مفتاح اسمه:"مجيد". والألف آلاء الله، واللام لطفه، والميم: مجده. الألف سنةٌ، واللام ثلاثون سنة، والميم أربعون سنة. ٢٤٤- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حَكام، عن أبي جعفر، عن الربيع بنحوه [[الأخبار ٢٢٥ - ٢٤٤: ذكرها ابن كثير ١: ٦٥ - ٦٦، بعضها بالإسناد، وبعضها دون إسناد، وسردها السيوطي ١: ٢٢ - ٢٣ مع غيرها من الروايات. ونقل الشوكاني بعضها ١: ٢١.]] . وقال بعضُهم: هي حُروف من حساب الجُمَّل - كرهنا ذكْر الذي حُكي ذلك عنه، إذْ كان الذي رواه ممن لا يُعتمد على روايته ونقله. وقد مَضت الروايةُ بنظير ذلك من القول عن الربيع بن أنس [[يشير إلى الروايتين السابقتين: ٢٤٣، ٢٤٤.]] . وقال بعضهم: لكل كتاب سرٌّ، وسرُّ القرآن فواتحه. * * * وأمَّا أهل العربية، فإنهم اختلفوا في معنى ذلك. فقال بعضهم: هي حروف من حُرُوف المعجم، استُغْنِيَ بذكر ما ذُكر منها في أوائل السور عن ذكر بَواقيها، التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفًا؛ كما استغنى المُخبرُ - عمن أخبرَ عنه أنه في حروف المعجم الثمانية والعشرين حرفًا - بذكر"أب ت ث"، عن ذكر بواقي حروفها التي هي تتمة الثمانية والعشرين: قال. ولذلك رُفع ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ ، لأنّ معنى الكلام: الألف واللام والميم من الحروف المقطعة، ذلك الكتابُ الذي أنزلته إليك مجموعًا لا ريب فيه. فإن قال قائل: فإن"أب ت ث"، قد صارتْ كالاسم في حروف الهجاء، كما كان"الحمدُ" اسما لفاتحة الكتاب. قيل له: لما كان جائزًا أن يقول القائل: ابني في"ط ظ"، وكان معلومًا بقيله ذلك لو قاله أنَّه يريد الخبر عن ابنه أنَّه في الحروف المقطَّعة - عُلم بذلك أنّ"أب ت ث" ليس لها باسْم، وإن كان ذلك آثَرَ في الذكر من سائرها [[في المطبوعة: "يؤثر في الذكر". وآثر: يؤثره الناس ويقدمونه.]] . قال: وإنما خُولف بين ذكر حُرُوف المعجم في فواتح السور، فذُكِرت في أوائلها مختلفةً، وذِكْرِها إذا ذُكرت بأوائلها التي هي"أب ت ث"، مؤتلفةً، ليفصل بين الخبر عنها إذا أريد -بذكر ما ذكر منها مختلفًا- الدلالةُ على الكلام المتصل؛ وإذا أريد -بذكر ما ذكر منها مؤتلفًا- الدلالةُ على الحروف المقطعة بأعيانها. واستشهدوا - لإجازة قول القائل: ابني في"ط ظ" وما أشبه ذلك، من الخبر عنه أنه في حرُوف المعجم، وأن ذلك من قيله في البيان يَقوم مقام قوله: ابني في"أب ت ث" - برجز بعض الرُّجّاز من بني أسد: لَمَّا رَأيْتُ أمرَهَا في حُطِّي ... وفَنَكَتْ في كَذِب ولَطِّ ... أَخذْتُ منها بقُرُونٍ شُمْطٍ ... فلم يَزَلْ صَوْبِي بها ومَعْطِي ... حَتى علا الرأسَ دَمٌ يُغَطِّي [[أولها في اللسان (فنك) . فنك في الكذب: مضى فيه ولج ومحك. ولط الحق: جحده ومنعه وخاصم فأحمى الخصومة. والقرون، جمع قرن: وهو الضفيرة. وشمط، جمع أشمط: وهو الذي اشتعل رأسه شيبا. صاب يصوب صوبًا: انحدر من علو إلى سفل. وفي المطبوعة: "ضربى". والمعط: المد والجذب، وعنى بذلك إصعاده بها وهو يجذب ضفائرها، وذلك في انحداره بها وصعوده.]] فزعم أنه أراد بذلك الخبر عن المرأة أنها في"أبي جاد"، فأقام قوله:"لما رأيت أمرها في حُطِّي" مقامَ خبرِه عنها أنها في"أبي جاد"، إذْ كان ذاك من قوله، يدلّ سامعَه على ما يدلُّه عليه قوله: لما رأيت أمرَها في"أبي جاد". وقال آخرون: بل ابتدئت بذلك أوائل السُّور ليفتح لاستماعه أسماعَ المشركين - إذ تواصَوْا بالإعراض عن القرآن- حتى إذا استمعوا له، تُلي عليهم المؤلَّفُ منه. وقال بعضهم: الحروفُ التي هي فواتح السُّور حروفٌ يستفتحُ الله بها كلامه. فإن قيل: هل يكون من القرآن ما ليس له معنى؟ قيل [[في المطبوعة والمخطوطة: "فإن قيل: هل يكون من القرآن ما ليس له معنى؟ فإن معنى هذا. . . "، وهو كلام مضطرب، والصواب ما أثبتناه.]] : معنى هذا أنه افتتح بها ليُعْلم أن السورة التي قبلها قد انقضت، وأنه قد أخذ في أخرى، فجعل هذا علامةَ انقطاعِ ما بينهما، وذلك في كلام العرب، ينشد الرجل منهم الشعر فيقول: بل * وبلدةٍ مَا الإنسُ من آهَالِها [[اللسان (أهل) غير منسوب، وكأنه لأبي النجم فيما أذكر.]] ويقول: لا بَل * مَا هاج أحزانًا وشَجْوًا قد شَجَا [[هو للعجاج، ديوانه: ٧، ويأتي بعد قليل في: ٢١٢ أيضًا و: ٢٢٣.]] و"بل" ليست من البيت ولا تعد في وزنه، ولكن يقطع بها كلامًا ويستأنفُ الآخر. قال أبو جعفر: ولكل قول من الأقوال التي قالها الذين وصفنا قولهم في ذلك، وجهٌ معروفٌ. فأما الذين قالوا:"ألم"، اسم من أسماء القرآن، فلقولهم ذلك وجهان: أحدهما: أن يكونوا أرادوا أن"ألم" اسم للقرآن، كما الفُرقان اسم له. وإذا كان معنى قائل ذلك كذلك، كان تأويل قوله ﴿ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ ، على معنى القسم. كأنه قال: والقرآن، هذا الكتابُ لا ريب فيه. والآخر منهما: أن يكونوا أرادوا أنه اسمٌ من أسماء السورة التي تُعرف به، كما تُعرَف سائر الأشياء بأسمائها التي هي لها أمارات تعرف بها، فيَفهم السامع من القائل يقول:- قرأت اليوم"ألمص" و"ن"-، أيُّ السُّوَر التي قرأها من سُوَر القرآن [[في المطبوعة والمخطوطة: "أي السورة التي قرأها. . ".]] ، كما يفهم عنه - إذا قال: لقيتُ اليوم عمرًا وزيدًا، وهما بزيد وعمرو عارفان - مَن الذي لقي من الناس. وإن أشكل معنى ذلك على امرئ فقال: وكيف يجوز أن يكون ذلك كذلك، وَنظائر"ألم""ألر" في القرآن جماعةٌ من السُّور؟ وإنما تكون الأسماء أماراتٍ إذا كانت مميِّزة بين الأشخاص، فأما إذا كانت غير مميزة فليست أمارات. قيل: إن الأسماء - وإن كانت قد صارت، لاشتراك كثير من الناس في الواحد منها، غيرَ مميِّزة إلا بمعانٍ أخرَ معها من ضَمِّ نسبة المسمَّى بها إليها أو نعته أو صفته، بما يفرِّق بينه وبين غيره من أشكالها - فإنها وُضعت ابتداءً للتمييز لا شَكَّ. ثم احتيج، عند الاشتراك، إلى المعاني المفرِّقة بين المسمَّيْن بها [[في المطبوعة والمخطوطة: "بين المسمى بها".]] . فكذلك ذلك في أسماء السور. جُعل كلّ اسم - في قول قائل هذه المقالة - أمارةً للمسمى به من السُّور. فلما شارك المسمَّى به فيه غيرَه من سور القرآن، احتاج المخبر عن سورةٍ منها أن يضمّ إلى اسمها المسمَّى به من ذلك، ما يفرِّق به السامع بين الخبر عنها وعن غيرها، من نعتٍ وصفةٍ أو غير ذلك. فيقول المخبر عن نفسه إنه تلا سورة البقرة، إذا سماها باسمها الذي هو"ألم": قرأتُ"ألم البقرة"، وفي آل عمران: قرأت"ألم آل عمران"، و"ألم ذلك الكتاب"، و"ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم". كما لو أراد الخبر عن رَجلين، اسم كل واحد منهما"عمرو"، غير أنّ أحدهما تميمي والآخر أزديَّ، للزمه أن يقول لمن أراد إخباره عنهما: لقيت عمرًا التميمي وعمرًا الأزديَّ، إذْ كان لا يفرُقُ بينهما وبين غيرهما ممن يُشاركهما في أسمائهما، إلا بنسبتهما كذلك. فكذلك ذلك في قول من تأوَّل في الحروف المقطعة أنها أسماءٌ للسُّور. وأما الذين قالوا: ذلك فواتحُ يفتتح الله عز وجل بها كلامه، فإنهم وجهوا ذلك إلى نحو المعنى الذي حكيناه عمَّن حكينا عنهُ من أهل العربية، أنه قال: ذلك أدِلَّةٌ على انقضاء سُورة وابتداءٍ في أخرى، وعلامةٌ لانقطاع ما بينهما، كما جعلت"بل" في ابتداء قصيدةٍ دلالةً على ابتداء فيها، وانقضاءِ أخرى قَبلها كما ذكرنا عن العرب إذا أرادوا الابتداءَ في إنشاد قصيدة، قالوا: بل * ما هاجَ أحْزَانًا وشجوًا قد شَجا و"بل" ليست من البيت ولا داخلةً في وزنه، ولكن ليَدُلَّ به على قطع كلام وابتداء آخر. وأما الذين قالوا: ذلك حروف مقطَّعة بعضها من أسماء الله عز وجل، وبعضُها من صفاته، ولكل حرف من ذلك معنى غيرُ معنى الحرف الآخر، فإنهم نَحَوْا بتأويلهم ذلك نحو قول الشاعر: قُلْنَا لها: قِفِي لنا، قالت: قافْ ... لا تَحْسَبي أنَّا نَسِينا الإيجاف [[الرجز للوليد بن عقبة. الأغاني ٥: ١٣١، شرح شواهد الشافية: ٢٧١، ومشكل القرآن: ٢٣٨. الإيجاف: حيث الدابة على سرعة السير، وهو الوجيف.]] يعني بقوله:"قالت قاف"، قالت: قد وقفتُ. فدلت بإظهار القاف من"وقفت"، على مرادها من تمام الكلمة التي هي"وقفت". فصرفوا قوله:"ألم" وما أشبه ذلك، إلى نحو هذا المعنى. فقال بعضهم: الألف ألف"أنا"، واللام لام"الله"، والميم ميم"أعلم"، وكلُّ حرف منها دال على كلمة تامة. قالوا: فجملة هذه الحروف المقطَّعة إذا ظهر مع كل حرفٍ منهن تَمام حروف الكلمة،"أنا" الله أعلم". قالوا: وكذلك سائر جميع ما في أوائل سُور القرآن من ذلك، فعلى هذا المعنى وبهذا التأويل. قالوا: ومستفيضٌ ظاهرٌ في كلام العرب أن ينقُصَ المتكلم منهم من الكلمةِ الأحرفَ، إذا كان فيما بقي دلالة على ما حذف منها - ويزيدَ فيها ما ليس منها، إذا لم تكن الزيادة مُلبِّسةً معناها على سامعها - كحذفهم في النقص في الترخيم من"حارثٍ" الثاءَ، فيقولون: يا حارِ، ومن"مالك" الكافَ، فيقولون: يا مالِ، وأما أشبه ذلك، وكقول راجزهم: مَا لِلظليم عَالَ؟ كَيْفَ لا يَا ... يَنْقَذُّ عنه جِلْدُه إذا يَا [[شرح شواهد الشافية: ٢٦٧. عال: دعاء عليه، من قولهم"عال عوله" أي ثكلته أمه، فاختصر. و"يا" في البيت الأول كأنه أراد أن يقول"ينقد عنه. . . " فوقف، ثم عاد يقول: "ينقد"، و"يا" في الآخر: أي إذا يعدو هذا العدو.]] كأنه أراد أن يقول: إذا يَفعل كذا وكذا، فاكتفى بالياء من"يفعل"، وكما قال آخر منهم: بالخيرِ خيراتٍ وإنْ شرًّا فَا يريد: فشرًّا. ولا أُرِيد الشرَّ إلا أن تَا [[سيبويه ٢: ٦٢، الكامل ١: ٢٤٠، والموشح: ١٢٠، وشرح شواهد الشافية: ٢٦٢، ونسبه في ٢٦٤ للقيم بن أوس.]] . يريد: إلا أن تَشاء، فاكتفى بالتاء والفاء في الكلمتين جَميعًا، من سائر حروفهما، وما أشبهَ ذلك من الشواهد التي يَطول الكتاب باستيعابه. ٢٤٥- وكما حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن عُليَّة، عن أيوب، وابن عون، عن محمد، قال: لما مات يزيدُ بن معاوية قال لي عَبْدَة: إني لا أراها إلا كائنةً فتنةً، فافزع منْ ضَيْعَتِكَ والحقْ بأهلك. قلت: فما تأمرني؟ قال: أحَبُّ إليّ لك أنْ تا - قال أيوبُ وابن عون بَيده تحت خدِّه الأيمن، يصف الاضطجاع - حتى ترى أمرا تَعرفه [[الأثر ٢٤٥- محمد: هو ابن سيرين. وعبدة: لم أوقن من هو ولم أرجح. بل أكاد أوقن أن هذا تحريف، صوابه"عبيدة" بفتح العين وكسر الباء الموحدة وآخرها هاء. وهو عبيدة بن عمرو -أو ابن قيس- السلماني، من كبار التابعين، من طبقة الصحابة، أسلم قبل وفاة النبي ﷺ، ولم يلقه. وكان ابن سيرين من أروى الناس عنه. وهو مترجم في التهذيب، وفي ابن سعد ٦: ٦٢ - ٦٤، وعند ابن أبي حاتم ٣/١/ ٩١. وأما يزيد: فهو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، مات سنة ٦٤. وقوله: "قال أيوب. . . "، أي أشار.]] . قال أبو جعفر: يعني بـ "تا" تضطجع، فَاجتزأ بالتاء من تضطجع. وكما قال الآخر في الزيادة في الكلام [[في المطبوعة: "في الكلام".]] على النحو الذي وصفت: أقُول إِذْ خَرَّتْ على الكَلكالِ ... يَا ناقَتِي ما جُلْتِ من مَجَالِ [[اللسان (كلل) ، ومشكل القرآن: ٢٣٥. والكلكل: الصدر من البعير وغيره.]] يريد: الكَلْكل، وكما قال الآخر: إنّ شَكْلِي وَإن شَكْلَك شَتَّى ... فَالزْمي الخُصَّ واخْفِضِي تَبْيضِضِّي [[اللسان (بيض) (خفض) ، ومشكل القرآن: ٢٣٤. يقوله لامرأته. والخص: البيت من قصب. وقوله"اخفضى" من الخفض: وهو الدعة ولين العيش. يقول لها: نحن مختلفان، فالزمى بيتك وعيشي في دعة وخفض، يزدك لين العيش بياضًا ونعمة. أما أنا فالرحلة دأبى، تشقيني وتلوحني.]] . فزاد ضادًا، وليست في الكلمة. قالوا: فكذلك ما نقصَ من تمام حُروف كل كلمة من هذه الكلمات التي ذَكرنا أنها تتمة حروف"ألم" ونظائرها - نظيرُ ما نقص من الكلام الذي حكيناهُ عن العرب في أشعارها وكلامها. وأما الذين قالوا: كل حرف من"ألم" ونظائرها، دالُّ على معان شتى - نحو الذي ذكرنا عن الربيع بن أنس - فإنهم وَجَّهوا ذلك إلى مثل الذي وَجَّهه إليه من قال: هو بتأويل"أنا الله أعلم"، في أنّ كلَّ حرف منه بعضُ حروفِ كلمةٍ تامة، استُغْنِيَ بدلالته عَلى تَمامه عن ذكر تمامه - وإن كانوا له مُخالفين في كلِّ حرف من ذلك: أهو من الكلمة التي ادَّعى أنه منها قائلو القول الأول، أم من غيرها؟ فقالوا: بل الألف من"ألم" من كلمات شتى، هي دالةٌ على معاني جميع ذلك وعلى تمامه. قالوا: وإنما أفرِد كلُّ حرف من ذلك، وقصَّر به عن تمام حروف الكلمة، أن جميعَ حُروف الكلمة لو أظهِرت، لم تدلَّ الكلمة التي تُظهر - التي بعضُ هذه الحروف المقطعة بعضٌ لها - إلا على معنى واحد لا على معنيين وأكثر منهما. قالوا: وإذْ كان لا دلالة في ذلك، لو أظهر جميعها، إلا على معناها الذي هو معنى واحدٌ، وكان الله جل ثناؤه قد أراد الدلالة بكلّ حرف منها على معان كثيرة لشيء واحد - لم يَجُز إلا أن يُفرَد الحرفُ الدالُّ على تلك المعاني، ليعلمَ المخاطبون به أنّ الله عز وجل لم يقصد قصد مَعنًى واحدٍ ودلالةٍ على شيء واحد بما خاطبهم به، وأنه إنما قصد الدلالةَ به على أشياء كثيرة. قالوا: فالألف من"ألم" مقتضيةٌ معانيَ كثيرةً، منها تمامُ اسم الربّ الذي هو"الله"، وتمامُ اسم نعماء الله التي هي آلاء الله، والدلالةَ على أجَلِ قومٍ أنه سنة، إذا كانت الألف في حساب الجُمَّل واحدًا. واللام مقتضيةٌ تمامَ اسم الله الذي هو لطيف، وتمامَ اسم فَضْله الذي هو لُطفٌ، والدلالةَ على أجَلِ قوم أنه ثلاثون سنة. والميم مقتضيةٌ تمامَ اسم الله الذي هوَ مجيد، وتمامَ اسم عظمته التي هي مَجْد، والدلالةَ على أجَلِ قوم أنه أربعون سنة. فكان معنى الكلام -في تأويل قائل القول الأول- أن الله جل ثناؤه افتتح كلامه بوَصْف نفسه بأنه العالِمُ الذي لا يخفى عليه شيء، وَجعل ذلك لعباده مَنهجًا يسلكونه في مُفتتح خطبهم ورسائلهم ومُهِمِّ أمورهم، وابتلاءً منه لهم ليستوجبوا به عظيمَ الثواب في دار الجزاء، كما افتتح ب ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ، و ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ﴾ ، [سورة الأنعام: ١] وما أشبه ذلك من السُّور التي جعل مَفاتحها الحمدَ لنفسه، وكما جعل مفاتحَ بَعضها تعظيم نَفسه وإجلالها بالتسبيح، كما قال جل ثناؤه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا﴾ [سورة الإسراء: ١] ، وما أشبه ذلك من سائر سور القرآن، التي جعل مفاتحَ بعضها تحميدَ نفسه، ومفاتحَ بعضها تمجيدَها، ومفاتح بعضها تعظيمَها وتنزيهها. فكذلك جَعل مفاتحَ السور الأخَر التي أوائلها بعضُ حروف المعجم، مدائحَ نفسه، أحيانًا بالعلم، وأحيانًا بالعدل والإنصاف، وأحيانًا بالإفضال والإحسان، بإيجاز واختصار، ثم اقتصاصَ الأمور بعدَ ذلك. وعلى هذا التأويل يجبُ أن يكون الألف واللام والميم في أماكن الرفع، مرفوعًا بعضُها ببعض، دون قوله ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ ، ويكون"ذلك الكتاب" خبرا مبتدأ مُنقطِعًا عن مَعنى"ألم". وكذلك"ذلك" في تأويل قول قائل هذا القول الثاني، مرفوعٌ بعضه ببعض، وإن كان مخالفًا معناهُ معنى قول قائل القول الأول. وأما الذين قالوا: هنّ حروف من حروف حساب الجُمَّل دون ما خالف ذلك من المعاني، فإنهم قالوا: لا نعرف للحروف المقطَّعة معنًى يُفهم سوى حساب الجُمَّل، وسوى تَهَجِّي قول القائل:"ألم". وقالوا: غيرُ جائز أن يخاطبَ الله جلّ ثناؤه عبادَه إلا بما يفهمونه ويعقلونه عنه. فلما كان ذلك كذلك - وكان قوله"ألم" لا يُعقَل لها وجهٌ تُوجَّه إليه، إلا أحد الوجهين اللذين ذكرنا، فبطل أحدُ وَجهيه، وهو أن يكون مُرادًا بها تهجِّي"ألم" - صحَّ وثبت أنه مرادٌ به الوجه الثاني، وهو حساب الجُمَّل؛ لأن قول القائل:"ألم" لا يجوز أن يليَه من الكلام"ذلك الكتاب"، لاستحالة معنى الكلام وخرُوجه عن المعقول، إنْ وَلي"ألم""ذلك الكتاب". واحتجوا لقولهم ذلك أيضا بما:- ٢٤٦- حدثنا به محمد بن حُميد الرازي، قال: حدثنا سَلَمة بن الفضل، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رئاب، قال: مرَّ أبو ياسر بن أخْطب برسول الله ﷺ وهو يتلو فاتحة سورة البقرة ﴿ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ ، فأتى أخَاه حُيَيّ بنَ أخطب من يَهودَ فقال: تعلمون والله [[هكذا في المطبوعة والمخطوطة: "تعلمون"، ونص محمد بن إسحاق، سيرة ابن هشام ٢: ١٩٤. "تعلموا" بتشديد اللام، أي اعلموا. وهي كثيرة الورود في سيرة ابن هشام وغيره.]] ، لقد سمعتُ محمدًا يتلو فيما أنزل الله عز وجل عليه ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ فقالوا: أنت سمعته؟ قال: نعم! قال: فمشى حُيَيُّ بن أخطب في أولئك النَّفر من يهودَ إلى رسول الله ﷺ، فقالوا: يا محمد، ألمْ يذكُرْ لنا أنك تتلو فيما أنزل عليك"ألم ذلك الكتاب"؟ فقال رسول الله ﷺ: بلى! فقالوا: أجاءك بهذا جبريلُ من عند الله؟ [[الذي في سيرة ابن هشام: "أجاءك بها جبريل من عند الله".]] قال: نعم! قالوا: لقد بعث الله جل ثناؤه قبلك أنبياء، ما نعلمه بيَّن لنبيّ منهم، ما مدَّة ملكه وما أكْل أمَّته غيرَك! [[في المطبوعة، وفي سائر الكتب التي خرجت الخبر عن الطبري: "ما أجل".]] فقال: حُييّ بن أخطب، وأقبلَ على من كان معه فقال لهم: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدَى وسبعون سنة. أفتدخلون في دين نَبيّ إنما مدّة مُلكه وأكْل أمّته إحدى وسبعون سنة [[في المطبوعة"قال، فقال لهم: أتدخلون. . . " و"أجل أمته" والتصحيح من المخطوطة وابن هشام. والأكل (بضم فسكون) : الرزق. يقال: هو عظيم الأكل في الدنيا، أي واسع الرزق، وهو الحظ من الدنيا، كأنه يؤكل. ويراد به: مدة العمر التي يعيشها الناس في الدنيا يأكلون مما رزقهم الله. فيقال للميت: انقطع أكله، بمعنى: انقضى عمره.]] ؟ قال: ثم أقبلَ على رسول الله ﷺ، فقال: يا محمد، هل مع هذا غيرُه؟ قال: نعم! قال: ماذا؟ قال: ﴿ألمص﴾ . قال: هذه أثقلُ وأطولُ، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه مائة وإحدى وستون سنة. هل مَع هذا يا محمَّد غيره؟ قال: نعم! قال: ماذا؟ قال: ﴿ألر﴾ . قال: هذه والله أثقلُ وأطولُ. الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان، فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة، فقال: هل مع هذا غيرُه يا محمد؟ قال: نعم، ﴿ألمر﴾ ، قال: فهذه والله أثقل وأطولُ، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتا سنة. ثم قال: لقد لُبِّس علينا أمرك يا محمَّد، حتى ما ندري أقليلا أعطيتَ أم كثيرًا؟ ثم قاموا عنه. فقال أبو ياسر لأخيه حُيي بن أخطب، ولمن معه من الأحبار: ما يُدْريكم لعلَّه قد جُمع هذا كله لمحمد، إحدى وسبعون، وإحدى وستون ومائة، ومائتان وإحدى وثلاثون، ومائتان وإحدى وسبعون، فذلك سبعمائة سنة وأربع وثلاثون! فقالوا: لقد تشابه علينا أمره! ويزعمون أنّ هؤلاء الآيات نزلت فيهم: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [[الحديث ٢٤٦- هذا حديث ضعيف الإسناد، رواه محمد بن إسحاق بهذا الإسناد الضعيف، وبأسانيد أخر ضعاف: فرواه في السيرة، التي هذبها عبد الملك بن هشام النحوي البصري، ورواها عن زياد بن عبد الله البكائي عن ابن إسحاق، وعرفت واشتهرت بأنها"سيرة ابن هشام". وابن هشام هذا: ثقة، وثقه ابن يونس وغيره، مات سنة ٢١٨. وشيخه زياد البكائي: ثقة، من شيوخ أحمد. و"البكائي"، بفتح الباء وتشديد الكاف: نسبة إلى"البكاء"، وهو: ربيعة بن عامر بن صعصعة. فقال ابن هشام ٢: ١٩٤ - ١٩٥ (٢: ٣٥ - ٣٧ من الروض الأنف شرح السيرة) : قال ابن إسحاق: وكان ممن نزل فيه القرآن بخاصة من الأحبار وكفار يهود، الذين كانوا يسألونه ويتعنتونه، ليلبسوا الحق بالباطل، فيما ذكر لي عن عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله بن رئاب: أن أبا ياسر بن أخطب مر برسول الله ﷺ. . . ". فهذا إسناد ضعيف، جهله ابن إسحاق، فجاء به معلقًا بصيغة التمريض. وفيه أن الرواية عن ابن عباس وجابر، معًا. ورواه البخاري في التاريخ الكبير، في ترجمة"جابر بن عبد الله بن رئاب" ١/٢/ ٢٠٧ - ٢٠٨ بثلاثة أسانيد، بعادته الدقيقة المتقنة، في الإيجاز والإشارة إلى الأسانيد وعللها: وأولها: "حدثني عمرو بن زرارة، قال: حدثنا زياد: قال ابن إسحاق: حدثني مولى لزيد بن ثابت عن سعيد بن جبير وعكرمة، عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله: أن أبا ياسر بن أخطب مر بالنبي ﷺ وهو يتلو (ألم. ذلك الكتاب) ". فهذه هي إشارة البخاري إلى الإسناد الأول من الثلاثة الأسانيد. و"زياد" في هذا الإسناد: هو البكائي. فهذا إسناد صحيح إلى ابن إسحاق. ولكن فيه الضعف بجهالة أحد رواته"مولى لزيد بن ثابت". وهو كإسناد السيرة: عن ابن عباس وجابر معًا. ولعل عمرو ابن زرارة -شيخ البخاري- روى السيرة عن البكائي، كما رواها عنه ابن هشام. وثانيها: "وقال سلمة: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد، عن ابن عباس: (ألم. ذلك الكتاب) - بطوله". وهذه إشارة البخاري إلى الإسناد الثاني. يريد أنه رواه سلمة -وهو ابن الفضل الذي في إسناد الطبري هنا- عن ابن إسحاق. ولم يذكر لفظ الحديث، اكتفاء بهذه الإشارة إليه. وابن إسحاق -في هذا الإسناد- يرويه عن"محمد بن أبي محمد"، وهو الأنصاري المدني، مولى زيد بن ثابت. زعم الذهبي في الميزان أنه"لا يعرف"! وهو معروف، ترجمه البخاري في الكبير ١/١/٢٢٥ فلم يذكر فيه جرحًا، وذكره ابن حبان في الثقات. وكفى بذلك معرفة وتوثيقًا. ولعله هو"مولى زيد بن ثابت" الذي أبهم في الإسناد الأول. ولكن اضطرب هذا الإسناد على ابن إسحاق، أو على سلمة بن الفضل - فكانت الرواية فيه: عن عكرمة، أو سعيد، يعني ابن جبير، على الشك. ثم كانت عن ابن عباس، دون ذكر"جابر بن عبد الله بن رئاب". ثالثها: "وعن ابن إسحاق: كان مما نزل فيه القرآن من الأحبار، فيما حدثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رئاب: مر أبو ياسر بن أخطب بالنبي ﷺ وهو يتلو (ألم) ، بطوله - في الحساب". وهذه الرواية الثالثة، بالإسناد الذي عند الطبري هنا. تابعة للرواية الثانية، عن سلمة بن الفضل، عطفها عليها بقوله"وعن ابن إسحاق"، ليست تعليقًا جديدًا. وأشار البخاري -بصنيعه هذا- إلى اضطراب الرواية على سلمة بن الفضل، بين هذا وذاك. ولذلك ذهب إلى جرح"سلمة" بهذا الاضطراب، فقال عقب ذلك: "قال علي [يريد به شيخه علي بن المديني، إمام الجرح والتعديل] : ما خرجنا من الري حتى رمينا بحديث سلمة". وقال في ترجمة سلمة ٢/٢/٨٥: "سلمة بن الفضل أبو عبد الله الأبرش الرازي الأنصاري، سمع محمد بن إسحاق، روى عنه عبد الله بن محمد الجعفي. عنده مناكير. يقال: مولاهم. مات بعد التسعين. وهنه علي"، يعني شيخه ابن المديني. ويعني أن سلمة مات بعد سنة ١٩٠. وقال في التاريخ الصغير ص ٢١٧: "مات سلمة بن الفضل أبو عبد الله الأبرش الرازي الأنصاري بعد تسعين ومائة. قال علي [يعني ابن المديني] : رمينا بحديثه قبل أن نخرج من الري. وضعفه إسحاق بن إبراهيم". وقال في ترجمته أيضًا، في كتاب الضعفاء (ص ١٦) : "سمع محمد بن إسحاق، روى عنه عبد الله بن عمر بن أبان ومحمد بن حميد. ولكن عنده مناكير. وفيه نظر". وأنا أذهب إلى توثيق سلمة بن الفضل، فقد وثقه ابن معين، فيما رواه ابن أبي حاتم في كتابه، وله عنده ترجمة جيدة وافية ٢/١/١٦٨ - ١٦٩. وروى أيضًا عن جرير، قال: "ليس من لدن بغداد إلى أن تبلغ خراسان أثبت في ابن إسحاق - من سلمة بن الفضل". وقد رجحت توثيقه أيضًا في شرح المسند: ٨٨٦. وعندي أن هذا الاضطراب إنما هو من ابن إسحاق، أو لعله رواه بهذه الأسانيد كما سمعه. وكلها ضعيف مضطرب. وأشدها ضعفًا الرواية التي هنا، والتي أشار إليها البخاري: من رواية الكلبي عن أبي صالح. ولله در الحافظ ابن كثير، فقد وضع الحق موضعه، حين قال في التفسير ١: ٦٩ - ٧٠: "وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفن والملاحم - فقد ادعى ما ليس له، وطار في غير مطارد! وقد ورد في ذلك حديث ضعيف، وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته". ثم نقل هذا الحديث من هذا الموضع من الطبري -ثم قال: "فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي، وهو ممن لا يحتج بما انفرد به، ثم كان مقتضى هذا المسلك- إن كان صحيحًا: أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها. وذلك يبلغ منه جملة كثيرة. وإن حسبت مع التكرار، فأطم وأعظم!! ". ومحمد بن السائب الكلبي: ضعيف جدا، رمى بالكذب، بل روى ابن أبي حاتم في الجرح ٣/١/٢٧٠ - ٢٧١ في ترجمته، عن أبي عاصم النبيل، قال: "زعم لي سفيان الثوري قال: قال لنا الكلبي: ما حدثت عنى عن أبي صالح عن ابن عباس، فهو كذب، فلا تروه". وقال أبو حاتم: "الناس مجتمعون على ترك حديثه، لا يشتغل به، هو ذاهب الحديث". والطبري نفسه قد ضعفه جدا، فيما مضى: ٦٦ إذ أشار إلى رواية عن ابن عباس: "روى جميع ذلك عن ابن عباس، وليست الرواية عنه من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله"، ثم ذكر أن الذي روى ذلك"الكلبي عن أبي صالح". ووصف الحديث: ٧٢ الذي رواه من طريقه، بأنه"خبر في إسناده نظر". فكان عجبًا منه بعد هذا، أن يحتج بهذه الروايات المتهافتة، ويرضى هذا التأويل المستنكر، بحساب الجمل! إذ يختار فيما سيأتي (هذه الصفحة سطر: ٨ وما بعدها) ، أن هذه الأحرف تحوي سائر المعاني التي حكاها إلا قولا واحدًا غير هذا المعنى المنكر. بل هو يصرح بعد ذلك ص: ٢٢٢ سطر: ٨ أن من المعاني التي ارتضاها: أنهن"من حروف حساب الجمل"!! وقد نقل السيوطي هذا الحديث في الدر المنثور ١: ٢٢، و ٢: ٤ - ٥، ووصفه في الموضع الأول بالضعف. وكذلك نقله الشوكاني ١: ٢٠، وضعفه. وقوله في آخره: "ويزعمون أن هؤلاء الآيات. . " - هو من تتمة الرواية. وهو من كلام ابن إسحاق حكاية عمن روى عنهم.]] . قالوا: فقد صرّح هذا الخبر بصحة ما قلنا في ذلك من التأويل، وفساد ما قاله مخالفونا فيه. والصواب من القول عندي في تأويل مفاتِح السور، التي هي حروف المعجم: أنّ الله جلّ ثناؤه جعلَها حروفًا مقطَّعة ولم يصِل بعضَها ببعض -فيجعلها كسائر الكلام المتّصِل الحروف - لأنه عز ذكره أراد بلفظِه الدلالةَ بكل حرف منه على معان كثيرة، لا على معنى واحد، كما قال الربيعُ بن أنس. وإن كان الربيع قد اقتصَر به على معانٍ ثلاثةٍ، دون ما زاد عليها. والصوابُ في تأويل ذلك عندي: أنّ كلّ حرف منه يحوي ما قاله الربيع، وما قاله سائر المفسرين غيرُه فيه - سوى ما ذكرتُ من القول عَمَّن ذكرت عنه من أهل العربية: أنهّ كان يوجِّه تأويلَ ذلك إلى أنّه حروف هجاء، استُغني بذكر ما ذُكر منه في مفاتيح السور، عن ذكر تتمة الثمانية والعشرين حرفًا من حروف المعجم، بتأويل: أن هذه الحروف، ذلك الكتاب، مجموعة، لا ريب فيه - فإنه قول خطأ فاسدٌ، لخروجه عن أقوال جميع الصحابة والتابعين وَمن بَعدَهم من الخالفين منْ أهل التفسير والتأويل [[الخالفين جمع خالف. خلف قوم بعد قوم يخلفون خلفًا فهم خالفون: جاءوا بعدهم وتبعوهم على آثارهم. تقول: أنا خاِلفه وخاِلفته: أي جئت بعده.]] . فكفى دلالة على خَطئة، شهادةُ الحجة عليه بالخطأ، مع إبطال قائل ذلك قولَه الذي حكيناه عنه - إذ صار إلى البيان عن رفع"ذلك الكتاب" - بقوله مرّة إنه مرفوعٌ كلّ واحد منهما بصاحبه، ومرة أخرى أنه مرفوعٌ بالرّاجع من ذكره في قوله"لا ريب فيه" ومرة بقوله"هدى للمتقين". وذلك تركٌ منه لقوله: إن"ألم" رافعةٌ"ذلك الكتاب"، وخروجٌ من القول الذي ادّعاه في تأويل"ألم ذلك الكتاب"، وأنّ تأويل ذلك: هذه الحروف ذلك الكتاب. فإن قال لنا قائل: وكيفَ يجوز أن يكون حرفٌ واحدٌ شاملا الدلالةَ على معانٍ كثيرة مختلفة؟ قيل: كما جاز أن تكون كلمة واحدةٌ تشتمل على معانٍ كثيرة مختلفةٍ، كقولهم للجماعة من الناس: أمَّة، وللحين من الزمان: أمَّة، وللرجل المتعبِّد المطيع لله: أمّة، وللدين والملة: أمّة. وكقولهم للجزاء والقصاص: دين، وللسلطان والطاعة: دين، وللتذلل: دين، وللحساب: دِينٌ، في أشباه لذلك كثيرةٍ يطول الكتاب بإحصائها - مما يكون من الكلام بلفظ واحد، وهو مشتمل على معان كثيرة. وكذلك قول الله جل ثناؤه:"ألم" و"ألر"، و"ألمص" وما أشبه ذلك من حروف المعجم التي هي فواتح أوائل السور، كل حرف منها دالّ على معانٍ شتى، شاملٌ جميعُها من أسماء الله عز وجل وصفاته ما قاله المفسِّرُون من الأقوال التي ذكرناها عنهم. وهنّ، مع ذلك، فواتح السور، كما قاله من قال ذلك. وليسَ كونُ ذلك من حُروف أسماء الله جل ثناؤه وصفاته، بمانعها أنْ تكون للسُّور فواتح. لأن الله جلّ ثناؤه قد افتتح كثيرًا من سوَر القرآن بالحمد لنفسه والثناء عليها، وكثيرًا منها بتمجيدها وتعظيمها، فغيرُ مستحيل أن يبتدئ بعض ذلك بالقسم بها. فالتي ابتُدِئ أوائلُها بحُروف المعجم، أحدُ مَعاني أوائلها: أنهنّ فواتحُ ما افتتَح بهنّ من سُور القرآن. وهنّ مما أقسم بهن، لأن أحدَ معانيهن أنّهنّ من حروف أسماء الله تعالى ذكُره وصفاتِه، على ما قدَّمنا البيان عنها، ولا شك في صحة معنى القسَم بالله وأسمائه وصفاته. وهنّ من حروف حساب الجُمَّل. وهنّ للسُّور التي افتتحت بهنّ شعارٌ وأسماء. فذلك يحوى مَعانِيَ جميع ما وصفنا، مما بيَّنا، من وجوهه. لأن الله جلّ ثناؤه لو أراد بذلك، أو بشيء منه، الدلالةَ على معنًى واحد مما يحتمله ذلك [[في المخطوطة والمطبوعة: "مما لا يحتمله ذلك"، وهو محيل لمعناه.]] ، دون سائر المعاني غيره، لأبان ذلك لهم رسول الله ﷺ إبانةً غيرَ مشكلةٍ. إذْ كان جلّ ثناؤه إنما أنزل كتابه على رسوله ﷺ ليُبيِّن لهم ما اختلفوا فيه. وفي تركه ﷺ إبانةَ ذلك -أنه مرادٌ به من وُجوه تأويله البعضُ دون البعض- أوضحُ الدليل على أنه مُرادٌ به جميعُ وجوهه التي هو لها محتمل. إذ لم يكن مستحيلا في العقل وجهٌ منها أن يكون من تأويله ومعناه، كما كان غير مستحيل اجتماعُ المعاني الكثيرة للكلمة الواحدة، باللفظ الواحد، في كلام واحد. ومن أبىَ ما قلناه في ذلك، سُئِل الفرقَ بين ذلك، وبين سائر الحروف التي تأتي بلفظ واحد، مع اشتمالها على المعاني الكثيرة المختلفة، كالأمّة والدين وما أشبه ذلك من الأسماء والأفعال. فلن يقول في أحدٍ منْ ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله. وكذلك يُسأل كلّ من تأوّل شيئًا من ذلك -على وجهٍ دُون الأوجه الأخَر التي وصفنا- عن البرهان على دَعْواه، من الوَجه الذي يجبُ التسليم له. ثم يُعارَض بقول مُخالفه في ذلك، ويسأل الفرقَ بينه وبينه: من أصْل، أو مما يدل عليه أصْل. فلن يقولَ في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله. وأما الذي زعم من النحويين: أنّ ذلك نظيرُ"بل" في قول المنشد شعرًا: بل * ما هَاج أحزانًا وشجوًا قد شَجَا وأنه لا معنى له، وإنما هو زيادة في الكلام معناه الطَّرْح - فإنه أخطأ من وُجُوه شَتَّى [[انظر ما مضى: ٢١٠.]] أحدها: أنه وَصفَ الله تعالى ذكره بأنه خاطب العرب بغير ما هوَ من لغتها، وغير ما هو في لغة أحد من الآدميين. إذْ كانت العرُب - وإن كانت قد كانتْ تفتتح أوائل إنشادها ما أنشدت من الشعر بـ "بل" - فإنه معلوم منها أنها لم تكن تبتدئُ شيئًا من الكلام بـ "ألم" و"ألر" و"ألمص"، بمعنى ابتدائها ذلك بـ "بل". وإذْ كان ذلك ليس من ابتدائها - وكان الله جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم من القرآن، بما يعرفون من لغاتهم، ويستعملون بينهم من منطقهم، في جميع آيه - فلا شك أن سبيل ما وصفنا من حروف المعجم، التي افتُتِحت بها أوائل السور، التي هن لها فواتح، سَبيلُ سائر القرآن، في أنه لم يعدلْ بها عن لغاتِهم التي كانوا بها عارفين، ولها بينهم في منطقهم مستعملين. لأن ذلك لو كان معدولا به عن سبيل لغاتِهم ومنطقهم، كان خارجًا عن معنى الإبانة التي وصف الله عزّ وجل بها القرآن، فقال تعالى ذكره: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ . وأنَّى يكون مُبينًا ما لا يعقله ولا يفقهه أحد من العالمين [[في المطبوعة: "ما لا يعقله ولا يفقهه".]] ، في قول قائل هذه المقالة، ولا يُعْرَف في منطق أحد من المخلوقين، في قوله؟ وفي إخبار الله جَلّ ثناؤه عنه أنه عربي مبين، ما يُكذِّب هذه المقالة، وينبئ عنه أنّ العربَ كانوا به عالمين، وهو لها مُستبينٌ. فذلك أحدُ أوجه خطئه. والوجه الثاني من خطئه في ذلك: إضافته إلى الله جلّ ثناؤه أنه خاطب عباده بما لا فائدة لهم فيه ولا معنى له، من الكلام الذي سواءٌ الخطابُ فيه به وترك الخطاب به. وذلك إضافة العبث الذي هو منفيٌّ في قول جميع الموحِّدين عن الله - إلى الله تعالى ذكره. والوجهُ الثالث من خطئه: أن"بل" في كلام العرب مفهومٌ تأويلها ومعناها، وأنها تُدْخلها في كلامها رجوعًا عن كلامٍ لها قد تَقضَّى كقولهم: ما جاءني أخوك بل أبوك ؛ وما رأيتُ عمرًا بل عبد الله، وما أشبه ذلك من الكلام، كما قال أعشى بني ثعلبة: وَلأشْرَبَنَّ ثَمَانِيًا وثَمَانِيًا ... وثَلاثَ عَشْرَةَ واثْنَتَينِ وأَرْبَعَا [[ديوان الأعشى، زيادات: ٢٤٨، باختلاف في الرواية. وانظر مراجعه هناك.]] ومضى في كلمته حتى بلغ قوله: بالجُلَّسَانِ، وطَيِّبٌ أرْدَانُهُ ... بِالوَنِّ يَضْرِبُ لِي يَكُرُّ الإصْبَعَا [[الجلسان: قبة أو بيت ينثر فيه الورد والريحان للشرب. وقوله: "وطيب أردانه" يعني قينة تغنيهم وتعزف لهم، طيبة الريح، تضمخت وتزينت. والأردان جمع ردن (بضم فسكون) : وهو مقدم كم القميص. والون: صنج يضرب بالأصابع. وقوله"يكر" أي يرد إصبعه مرة بعد مرة في ضربه بالصنج، وأراد به سرعة حركة أصابعها بالصنج. وفي المطبوعة"يكد" بالدال، وهو خطأ.]] ثم قال: بَلْ عَدِّ هذا، فِي قَريضٍ غَيْرِهِ ... وَاذكُرْ فَتًى سَمْحَ الخَلِيقةِ أَرْوَعَا فكأنه قال: دَعْ هذا وخذ في قريض غيره. فـ "بل" إنما يأتي في كلام العرب على هذا النحو من الكلام، فأما افتتاحًا لكلامها مُبتدأ بمعنى التطوّل والحذف [[انظر ما مضى: ١٨ تعليق: ٢، وعنى بالتطول: الزيادة.]] ، من غير أن يدلّ على معنى، فذلك مما لا نعلم أحدًا ادعاه من أهل المعرفة بلسان العرب ومنطقها، سوى الذي ذكرتُ قوله، فيكون ذلك أصلا يشبَّه به حُرُوف المعجم التي هي فواتح سور القرآن التي افتتحت بها -لو كانت له مُشبهةً- فكيف وهي من الشبه به بعيدة؟
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب