* قال المؤلف في المقدمة:
نحن في شرح تأويله وبيان ما فيه من معانيه منشئون - إن شاء الله ذلك - كتابا مستوعبا لكل ما بالناس إليه الحاجة من علمه جامعا ، ومن سائر الكتب غيره في ذلك كافيا. ومخبرون في كل ذلك بما انتهى إلينا من اتفاق الحجة فيما اتفقت عليه منه واختلافها فيما اختلفت فيه منه. ومبينو علل كل مذهب من مذاهبهم ، وموضحو الصحيح لدينا من ذلك ، بأوجز ما أمكن من الإيجاز في ذلك ، وأخصر ما أمكن من الاختصار فيه .
* بعض ما قيل في هذا التفسير:
• قال شيخ الإسلام: "وأما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة ولا ينقل عن المتهمين".
• قال الحافظ ابن خزيمة : " نظرت فيه من أوَله إلى آخره فما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير "
• قال النووي: "أجمعت الأمة على أنه لم يصنف مثل تفسير الطبري"
• قال السيوطي: "وكتابه أجل التفاسير وأعظمها، فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، والإعراب، والاستنباط فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين"
• قال أبو حامد الإسفراييني : " لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محَمد بن جرير لم يكن كثيرا " .
• قال أبو محمَد الفرغاني : " تم من كتب محمد بن جرير كتاب " التفسير "، الذي لو ادَعى عالم أن يصنَف منه عشرة كتب ، كلَ كتاب منها يحتوي على علم مفرد مستقل لفعل "
* قال الشيخ مساعد الطيار ملخّصًا منهج الطبري في تفسيره:
• أملى ابن جرير كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن على تلاميذه من سنة ( ٢٨٣ ) إلى سنة ( ٢٩٠ ) ، ثمَّ قُرئ عليه سنة ( ٣٠٦ ) ، وقد أطبق العلماء على الثناء على كتابه .
• كان يُجزِّئ الآيةَ التي يُريدُ تفسيرَها إلى أجزاء ، فيفسرها جماة جملة ، ويعمدُ إلى تفسير هذه الجملة ، فيذكر المعنى الجملي لها بعدها ، أو يذكره أثناء ترجيحه عن كان هناك خلاف في تفسيرها .
• إذا لم يكن هناك خلاف بين أهل التأويل فسَّر تفسيرًا جُمْلِيًا ، ثم قال : وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
• وإذا كان بين أهل التأويل خلاف ، فقد يذكر التفسير الجملي ، ثم ينص على وجود الخلاف ، ويقول : "واختلفَ أهلُ التَّأويلِ في تأويلِ ذلكَ" ، "فقال بعضهم فيه نحوَ الذي قلنا فيه".
• وقد يذكر اختلاف أهل التأويل بعد المقطع المفسَّرِ مباشرةً ، ثمَّ يذكر التفسير الجملي أثناء ترجيحه .
• ومن عادته أن يُترجمُ لكل قولٍ بقوله : فقال بعضهم …. ، ثمَّ يقول : ذكر من قال ذلك ، ثمَّ يذكر أقوالهم مسندًا إليهم بما وصله عنهم من أسانيد . ، ثمَّ يقول : وقال غيرهم ، وقال آخرون … ، ثمَّ يذكر أقوالهم ، فإذا انتهى من عرضِ أقوالِهم ، رجَّحَ ما يراه صوابًا ، وغالبًا ما تكون عبارته : قال أبو جعفر : والقول الذي هو عندي أولى بالصواب ، قول من قال ، أو يذكر عبارة مقاربةً لها ، ثمَّ يذكر ترجيحَه ، ومستندَه في الترجيحِ ، وغالبًا ما يكون مستندُه قاعدةً علميَّة ترجيحيَّةً ، وهو مما تميَّزَ به في تفسيرِه .
• اعتمدَ أقوال ثلاث طبقات من طبقات مفسري السلف ، وهم الصحابة والتابعون وأتباع التابعين ، ولم يكن له ترتيب معيَّن يسير عليه في ذكر أقوالهم ، وإن كان يغلب عليه تأخير الرواية عن ابن زيد ( ت : ١٨٢ ) .
• ويحرص على ذكر ما ورده عنهم بالإسناد إليهم ، ولو تعدَّدت الأسانيد في القول الواحد .
• وقد يورد قول الواحد منهم ويعتمده إذا لم يكن عنده غيره .
• ولم يخرج في ترجيحاته عن قول هذه الطبقات الثلاث إلا نادرًا ، وكان شرطه في كتابه أن لا يخرج المفسر عن أقوال هذه الطبقات الثلاث ( ينظر : تفسير الطبري ، ط : الحلبي ١ : ٤١ ) .
• ولهذا ردَّ أقوال أهل العربية المخالفة لأقوال السلف أدنى مخالفةٍ ، ولم يعتمد عليها إلا إذا لم يرد عن السلف في مقطع من مقاطع الآية شيء ( ينظر تفسيره للواو في قوله ﴿والذي فطرنا﴾ فقد اعتمد ما ذكره الفراء من احتمالات ) .
• وإذا ذكر علماء العربية فإنه لا يذكر أسماءهم إلا نادرًا ، وإنما ينسبهم إلى علمهم الذي برزوا فيه ، وإلى مدينتهم التي ينتمون إليها ، كقوله : «قال بعض نحويي البصرة»، وغالب ما يروي عنهم مما يتعلق بالإعراب .
• اعتمد الطبري النظر إلى صحة المعنى المفسَّرِ به ، وإلى تلاؤمه مع السياق ، وقد كان هذا هو المنهج العامَّ في تفسيره ، وكان يعتمد على صحة المعنى في الترجيح بين الأقوال .
• وكان لا يبين درجة إسناد الآثار إلا نادرًا ، ولم يكن من منهجه نقد أسانيد التفسير ، كما أنه لم يعمد إلى ما يقال من طريقة : من أسندك فقد أحالك .
• وكان ـ في الغالب ـ لا يفرق بين طبقات السلف في الترجيح ، وقد يقدم قول أتباع التابعين أو التابعين على قول الصحابي .
• وإن كان في بعض المواطن يقدم قول الصحابة ، خصوصًا فيما يتعلق بالنُّزول.
• يقدم قول الجمهور على قول غيرهم ، وقد يعدُّه إجماعًا ، ويَعُدُّ القول المخالف لهم شاذًّا .
• يَعُدُّ عدم قول السلف بقولٍ دلالة على إجماعهم على تركه ، ويرجح بهذه الحجة عنده .
• لم يلتزم بالأخذ بقول الصحابي في الغيبيات .
• لم يُعْرِضْ عن مرويات بني إسرائيل لأنه تلقاها بالآثار التي يروي بها عن السلف ، وقد يبني المعنى على مجمل ما فيها من المعنى المبيِّن للآية.
• يؤخر أقوال أهل العربية ، ويجعلها بعد أقوال السلف ، وأحيانًا بعد ترجيحه بين أقوال السلف .
• لا يقبل أقوال اللغويين المخالفة لأقوال السلف ، ولو كان لها وجه صحيح في المعنى.
* قال الشيخ عبد الكريم الخضير:
جاء في ترجمة إمام المفسرين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري عند كثير ممن ترجم له، أنه قال لطلابه: أتصبرون على تفسيرٍ يكون في ثلاثين ألف ورقة، قالوا: لا، قال: أتصبرون على تفسير يكون في ثلاثة ألاف ورقة، قالوا: نعم، ومثل ذلك قال في التاريخ، واستقر أمره على أن يضع هذا التفسير: "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، وهو الذي عدل إليه عن التفسير المطول.
التفاسير بالأثر هي أولى ما يهتم به طالب العلم، ومن أعلاها وأغلاها وأنفسها تفسير ابن جرير الطبري فهو أصلها وهو رائد في بابه في التفسير بالأثر، فلا يستغني عنه طالب علم.
وقد كنت أظن أن تفسير الطبري تفسير أثري محض، فلما عانينا الكتاب وجدناه في كل الفنون، ففي علوم العربية يمكن أن يكون في الدرجة الأولى، ليس خاصا بعلم العربية، لكن فيه من أفانين العربية ما لا يوجد في غيره، حتى إن أعظم خصائص تفسير الكشاف للزمخشري هو ما فيه من علم البيان وعلم المعاني، ومع ذلك خرجت دراسات مقارنة بين ما في تفسير الطبري من علميْ المعاني والبيان، وبين ما في الكشاف فوُجِد ما في الطبري أكثر، هذه نتيجة مذهلة، ، وفيه أيضاً من النحو والصرف شيء يمكن أن يفرد في كتاب، فيه أيضاً الفقه المعتمد على النصوص، والطبري رحمه الله إمام فقيه كما هو معروف، وصاحب مذهب متبوع، لكنه انقرض، يعني لا يوجد من يتبع الطبري في اجتهاداته، لكنه مع ذلك فقيه، إلى غير ذلك من العلوم التي تجعل طالب العلم يعنى بهذه التفاسير.
* عقيدته:
قال ابن جرير الطبري رحمه الله في (التبصير في معالم الدين) بعد ذكره جملة من صفات الله عز وجل وأسمائه:
فإن هذه المعاني التي وصفت ونظائرها، مما وصف الله عز وجل بها نفسه، أو وصفه بها رسوله ﷺ مما لا تدرك حقيقة علمه بالفكر والرواية. ولا نكفر بالجهل بها أحداً إلا بعد انتهائها إليه.
أ- فإن كان الخبر الوارد بذلك خبراً تقوم به الحجة مقام المشاهدة والسماع، وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته في الشهادة عليه بأن ذلك جاء به الخبر، نحو شهادته على حقيقة ما عاين وسمع.
ب- وإن كان الخبر الوارد خبراً لا يقطع مجيئه العذر، ولا يزيل الشك غير أن ناقله من أهل الصدق والعدالة، وجب على سامعه تصديقه في خبره في الشهادة عليه بأن ما أخبره به كما أخبره، كقولنا في أخبار الآحاد العدول، وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته.
وقال ايضًا:
فإن قال لنا قائلٌ: فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله -عز وجل- ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله ﷺ.
قيل: الصواب من هذا القول عندنا أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفى ذلك عن نفسه -جل ثناؤه- فقال: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾