الباحث القرآني

* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): (p-١٩٩)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ البَقَرَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الم ذَلِكَ الكِتابُ﴾ . أشارَ اللَّهُ تَعالى إلى القُرْءانِ في هَذِهِ الآيَةِ إشارَةَ البَعِيدِ، وقَدْ أشارَ لَهُ في آياتٍ أُخَرَ إشارَةَ القَرِيبِ كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ﴾ [نوح: ٩]، وكَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ﴾ الآيَةَ [النمل: ٧٦] . وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَهَذا كِتابٌ أنْزَلْناهُ مُبارَكٌ﴾ [الأنعام: ٩٢] . وَكَقَوْلِهِ: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ بِما أوْحَيْنا إلَيْكَ هَذا القُرْآنَ﴾ [يوسف: ٣] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وَلِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الآياتِ أوْجُهٌ: الوَجْهُ الأوَّلُ: ما حَرَّرَهُ بَعْضُ عُلَماءِ البَلاغَةِ مِن أنَّ وجْهَ الإشارَةِ إلَيْهِ بِإشارَةِ الحاضِرِ القَرِيبِ، أنَّ هَذا القُرْءانِ قَرِيبٌ حاضِرٌ في الأسْماعِ والألْسِنَةِ والقُلُوبِ، ووَجْهُ الإشارَةِ إلَيْهِ بِإشارَةِ البَعِيدِ هو بُعْدُ مَكانَتِهِ ومَنزِلَتِهِ مِن مُشابَهَةِ كَلامِ الخَلْقِ، وعَمّا يَزْعُمُهُ الكُفّارُ مِن أنَّهُ سِحْرٌ أوْ شِعْرٌ أوْ كِهانَةٌ أوْ أساطِيرُ الأوَّلِينَ. الوَجْهُ الثّانِي: هو ما اخْتارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ في تَفْسِيرِهِ مِن أنَّ ذَلِكَ إشارَةٌ إلى ما تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: ﴿الم﴾، وأنَّهُ أشارَ إلَيْهِ إشارَةَ البَعِيدِ لِأنَّ الكَلامَ المُشارَ إلَيْهِ مُنْقَضٍ، ومَعْناهُ في الحَقِيقَةِ القَرِيبُ لِقُرْبِ انْقِضائِهِ، وضَرَبَ لَهُ مَثَلًا بِالرَّجُلِ يُحَدِّثُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ لَهُ مَرَّةً: واللَّهِ إنَّ ذَلِكَ لَكَما قُلْتُ، ومَرَّةً يَقُولُ: واللَّهِ إنَّ هَذا لَكَما قُلْتُ، فَإشارَةُ البَعِيدِ نَظَرًا إلى أنَّ الكَلامَ مَضى وانْقَضى، وإشارَةُ القَرِيبِ نَظَرًا إلى قُرْبِ انْقِضائِهِ. الوَجْهُ الثّالِثُ: أنَّ العَرَبَ رُبَّما أشارَتْ إلى القَرِيبِ إشارَةَ البَعِيدِ، فَتَكُونُ الآيَةُ عَلى (p-٢٠٠)أُسْلُوبٍ مِن أسالِيبِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُ خُفافِ بْنِ نُدْبَةَ السُّلَمِيِّ، لَمّا قُتِلَ مالِكُ بْنُ حَرْمَلَةَ الفَزارِيُّ: ؎فَإنْ تَكُ خَيْلِي قَدْ أُصِيبَ صَمِيمُها فَعَمْدًا عَلى عَيْنِي تَيَمَّمْتُ مالِكًا ؎أقُولُ لَهُ والرُّمْحُ يَأْطُرُ مَتْنُهُ ∗∗∗ تَأمَّلْ خِفافًا إنَّنِي أنا ذَلِكا يَعْنِي أنا هَذا، وهَذا القَوْلُ الأخِيرُ حَكاهُ البُخارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ المُثَنّى أبِي عُبَيْدَةَ، قالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وعَلى كُلِّ حالٍ فَعامَّةُ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّ ذَلِكَ الكِتابُ بِمَعْنى هَذا الكِتابُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب