الباحث القرآني

(p-٣١)سُورَةُ البَقَرَةِ جَمِيعُها مَدَنِيٌّ بِلا خِلافٍ. وآيَها مِائَتانِ وسِتٌّ وثَمانُونَ. وقَدْ صَحَّ في فَضْلِها عِدَّةُ أخْبارٍ: مِنها ما في مُسْنَدِ أحْمَدَ وصَحِيحِ مُسْلِمٍ والتِّرْمِذِيِّ والنَّسائِيِّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكم قُبُورًا، فَإنَّ البَيْتَ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ لا يَدْخُلُهُ الشَّيْطانُ»» . وقالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. ورَوى ابْنُ حِبّانَ في صَحِيحِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. ««إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنامًا، وإنَّ سَنامَ القُرْآنِ البَقَرَةُ، وإنَّ مَن قَرَأها في بَيْتِهِ لَيْلَةً لَمْ يَدْخُلْهُ الشَّيْطانُ ثَلاثَ لَيالٍ، ومَن قَرَأها في بَيْتِهِ نَهارًا لَمْ يَدْخُلْهُ الشَّيْطانُ ثَلاثَةَ أيّامٍ»» . ورَوى مُسْلِمٌ عَنْ أبِي أُمامَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ««اقْرَأُوا القُرْآنَ فَإنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ القِيامَةِ شَفِيعًا لِأصْحابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْراوَيْنِ: البَقَرَةَ وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ فَإنَّهُما يَأْتِيانِ يَوْمَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ أوْ غَيايَتانِ أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافٍّ تُحاجّانِ عَنْ أصْحابِهِما، اقْرَءُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فَإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ»» . (وقَوْلُهُ الزَّهْراوَيْنِ: أيِ المُنِيرَتَيْنِ- في الإعْجازِ أوْ في وفْرَةِ الأحْكامِ- والغَيايَةُ: ما أظَلَّكَ مِن فَوْقِكَ. والفِرْقُ: القِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ. والصَّوافُّ: المُصْطَفَّةُ. والبَطَلَةُ: السَّحَرَةُ. ومَعْنى لا تَسْتَطِيعُها: لا تَسْتَطِيعُ النُّفُوذَ في قارِئِها، أوْ لا يُمْكِنُهم حِفْظُها. واللَّهُ أعْلَمُ) . (p-٣٢)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [١ ] ﴿الم﴾ اعْلَمْ أنَّ لِلنّاسِ في هَذا وما يَجْرِي مَجْراهُ مِنَ الفَواتِحِ مَذْهَبَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ هَذا عِلْمٌ مَسْتُورٌ، وسِرٌّ مَحْجُوبٌ، اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى بِهِ؛ فَهو مِنَ المُتَشابِهِ. ولَمْ يَرْتَضِ هَذا كَثِيرٌ مِنَ المُحَقِّقِينَ وقالُوا: لا يَجُوزُ أنْ يَرِدَ في كِتابِ اللَّهِ تَعالى ما لا يَكُونُ مَفْهُومًا لِلْخَلْقِ، واحْتَجُّوا بِأدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ ونَقْلِيَّةٍ، بَسَطَها العَلّامَةُ الفَخْرُ. (المَذْهَبُ الثّانِي) مَذْهَبُ مَن فَسَّرَها، وتَكَلَّمَ فِيما يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مُرادًا مِنها، وهو ما لِلْجُمْهُورِ. وفِيهِ وجْهانِ: (الأوَّلُ): وعَلَيْهِ الأكْثَرُ: أنَّها أسْماءٌ لِلسُّوَرِ. (الثّانِي): أنْ يَكُونَ وُرُودُ الأسْماءِ هَكَذا مَسْرُودَةً عَلى نَمَطِ التَّعْدِيدِ: كالإيقاظِ وقَرْعِ العَصا لِمَن تُحُدِّيَ بِالقُرْآنِ وبِغَرابَةِ نَظْمِهِ، وكالتَّحْرِيكِ لِلْنَظَرِ في أنَّ هَذا المَتْلُوَّ عَلَيْهِمْ - وقَدْ عَجَزُوا عَنْهُ عَنْ آخِرِهِمْ - كَلامٌ مَنظُومٌ مِن عَيْنِ ما يَنْظِمُونَ مِنهُ كَلامَهم، لِيُؤَدِّيَهُمُ النَّظَرُ إلى أنْ يَسْتَيْقِنُوا أنْ لَمْ تَتَساقَطْ مَقْدِرَتُهم دُونَهُ، ولَمْ تَظْهَرْ مُعْجِزَتُهم عَنْ أنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ - بَعْدَ المُراجَعاتِ المُتَطاوِلَةِ - وهم أُمَراءُ الكَلامِ، وزُعَماءُ الحِوارِ، وهُمُ الحُرّاصُ عَلى التَّساجُلِ في اقْتِضابِ الخُطَبِ، والمُتَهالِكُونَ عَلى الِاقْتِنانِ في القَصِيدِ والرَّجْزِ، ولَمْ يَبْلُغْ مِنَ الجَزالَةِ وحُسْنِ النَّظْمِ المَبالِغَ الَّتِي بَزَّتْ بَلاغَةَ كُلِّ ناطِقٍ، وشَقَّتْ غُبارَ كُلِّ سابِقٍ، ولَمْ يَتَجاوَزِ الحَدَّ الخارِجَ مِن قُوى الفُصَحاءِ، ولَمْ يَقَعْ وراءَ مَطامِحِ أعْيُنِ البُصَراءِ إلّا لِأنَّهُ لَيْسَ بِكَلامِ البَشَرِ، وإنَّهُ كَلامُ خالِقِ القُوى والقُدَرِ. قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب