الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يسألك، يا محمد، أصحابك: ما الذي أحل لهم أكله من المطاعم والمآكل؟ فقل لهم: أحِل لكم منها ="الطيبات"، وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح [[انظر تفسير"الطيبات" فيما سلف ٣: ٣٠١/ ٥: ٥٥٥/٦: ٣٦١ / ٨: ٤٠٩ / ٩: ٣٩١.]] وأحل لكم أيضًا مع ذلك، صيدُ ما علّمتم من"الجوارح"، وهن الكَواسب من سباع البهائم.
* * *
والطير سميت"جوارح"، لجرحها لأربابها، وكسبها إيّاهم أقواتَهم من الصيد. يقال منه:"جرح فلان لأهله خيرًا"، إذا أكسبهم خيرًا، و"فلان جارِحَة أهله"، يعني بذلك: كاسبهم، و"لا جارحة لفلانة"، إذا لم يكن لها كاسب [[انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٥٤.]] ومنه قول أعشى بني ثعلبة.
ذاتَ حَدٍّ مُنْضِجٍ مِيسَمُهَا ... تُذْكِرَ الجَارِحَ مَا كَانَ اجْتَرَحْ [[ديوانه: ١٦٤، وهي من قصيدة له طويلة، مجد فيها إياس بن قبيصة الطائي، ملك الحيرة. ثم ختم القصيدة بذكر الخمر، وذكر شبابه وما كان فيه من لهو ومروءة وبأس، فقال يصف لاذع قوله فيمن يعاديه (برواية الديوان) : وَلَقَدْ أَمْنَحُ مَنْ عَادَيْتُهُ ... كَلِمًا يَحْسِمْنَ مِنْ داءِ الكَشَحْ
وقطَعْتُ نَاظِرَيْهِ ظاهِرًا ... لا يكونُ مِثْلَ لَطْمٍ وكَمَحْ
ذَا حَبَارٍ مُنْضِجٍ مِيسَمُهُ ... يُذْكِرُ الجَارِمَ مَا كَانَ اجتَرَحْ
قوله: "كلما" جمع"كلمة"، يعني به: هجاءه وشعره. وفي الديوان: "كلما" مضبوطة بضم الكاف وتشديد اللام المفتوحة، ونقل عن الديوان"كل ما"، وهو خطأ فيما أرجح. و"حسم الداء يحسمه": قطعه بالدواء. و"حسم العرق": قطعه، ثم كواه لئلا يسيل دمه. و"الكشح" (بفتح الكاف والشين) : داء يصيب الإنسان في كشحه فيكوى."الكشح" (بفتح فسكون) : ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، وهما كشحان في الإنسان. و"طوى فلان كشحه": أي أعرض وولاك كشحه، من البغض والعداوة. وأراد بقوله: "داء الكشح"، العداوة والبغضاء. يقول: أهجوه هجاء يشفيه من داء البغض!
وقوله: "وقطعت ناظريه" أي: كويته كية ظاهرة في وسط جبينه، بين عينيه إلى أنفه: وقوله: "ظاهرًا" صفة لمحذوف، أي كيا ظاهر الأثر. ليس أثره كأثر اللطم أو الكمح. و"الكمح" (بفتحتين) : هو أثر كمح الفرس باللجام، أي رده وجذبه باللجام ليقف، فيترك ذلك أثرًا حيث موقع اللجام. وهو حرف لم تذكره كتب اللغة، وشرحته من سياق معنى الشعر. يقول: أثر اللطم غير بين فهو يزول، وأثر كمح اللجام سهل يأتي متتابعًا فلا يؤذي، أما هذا الظاهر فهو مكواة من النار (كما يبينه البيت الثالث) . وأنا في شك من رواية هذا البيت.
وقوله: "ذا حبار"، أي ذا أثر، صفة ثانية لقوله: "ظاهرًا"، و"الحبار" (بفتح الحاء) الأثر في الجلد من ضرب أو كي أو غيرها. ومثله"الحبر" (بكسر فسكون) . وفي الديوان"ذا جبار" (بضم الجيم) ، وهو لا معنى له، صواب إنشاده ما أثبت. و"الميسم": الحديدة التي يكوى بها. يشبه هجاه بالمكواة الحامية تنضج الجلد، وتبقي فيه أثرًا لا يزول، ولا تزال تذكره بما اجترم.
وأما رواية أبي جعفر، فهي في المخطوطة: "ذات حد" (بالحاء المفتوحة) ، فإن صحت كذلك فهي صفة لقوله: "كلما يحسمن"، و"الحد": صلابة الشيء وشدته ونفاذه، كما يقال"حد الظهيرة"، أي: أشد حرها. وإن صحت روايته كما كان في المطبوعة: "ذات خد"، (بالخاء المعجمة) : من"الخد" و"الأخدود"، وهو الشق، و"خدت الضربة جلده" إذا شقته وتركت فيه خدًا. و"أخاديد السياط"، آثارها في الجلد. وكلتاهما جيدة المعنى.
* * *
تنبيه: ديوان الأعشى المطبوع في أوربة، ديوان كثير الخطأ والتحريف والتصحيف، فمن أجل ذلك اجتهدت في تصحيح هذا الشعر، وفي كثير غيره مما سلف من شعر الأعشى.]] يعني: اكتسب.
وترك من قوله:"وما علمتم"،"وصيد" ما علمتم من الجوارح، اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام على ما تُرِك ذكره.
* * *
وذلك أن القوم، فيما بلغنا، كانوا سألوا رسول الله ﷺ حين أمرهم بقتل الكلاب، عما يحلّ لهم اتخاذه منها وصَيْده، فأنزل الله عز ذكره فيما سألوا عنه من ذلك هذه الآية. فاستثنى مما كان حرّم اتخاذه منها، وأمر بقُنْيَة كلاب الصيد [["القنية" (بضم القاف، أو بكسرها، وسكون النون) : اقتناء الأشياء واتخاذها لما ينتفع بها فيه.]] وكلاب الماشية، وكلاب الحرث، وأذن لهم باتخاذ ذلك.
ذكر الخبر بذلك:
١١١٣٤- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا زيد بن حباب العكلي قال، حدثنا موسى بن عبيدة قال، أخبرنا أبان بن صالح، عن القعقاع بن حكيم، عن سلمى أم رافع، عن أبي رافع قال: جاء جبريل إلى النبي ﷺ يستأذن عليه، فأذن له فقال: قد أذنَّا لك يا رسول الله! [[يعني بقوله: "رسول الله"، جبريل رسول الله بوحيه إلى النبي صلى الله عليهما.]] قال: أجل، ولكنا لا ندخل بيتًا فيه كلب! قال أبو رافع: فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة، فقتلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها، فتركته رحمة لها، ثم جئت إلى رسول الله ﷺ فأخبرته، فأمرني فرجعت إلى الكلب فقتلته. فجاؤوا فقالوا: يا رسول الله، ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ قال: فسكت رسول الله ﷺ، فأنزل الله:"يسألونك ماذا أحِل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علَّمتم من الجوارح مكلبين". [[الأثر: ١١١٣٤-"زيد بن الحباب العكلي"، مضى برقم: ٢١٨٥، ٥٣٥٠، ٨١٦٥، وهو ثقة، من شيوخ أحمد.
و"موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي"، مضى برقم: ١٨٧٥، ١٨٧٦، ٣٢٩١، ٨٣٦١، وهو ضعيف جدًا. قال أحمد: "منكر الحديث، لا تحل الرواية عنه". وفي تفسير ابن كثير: "يونس بن عبيدة"، وهو خطأ يصحح.
و"أبان بن صالح بن عمير بن عبيد"، ثقة. مضى برقم: ٤٣٣٧، ٤٣٣٨، وكان في المطبوعة هنا: "حدثنا موسى بن عبيدة، قال أخبرنا صالح، وفي المخطوطة: "قال أنا صالح"، وهو خطأ في كلتيهما، والصواب ما أثبته، عن الحاكم، والبيهقي، وابن كثير.
و"القعقاع بن حكيم الكناني"، تابعي ثقة، مضى برقم: ٣٠٤.
و"سلمى أم رافع"، مولاة النبي ﷺ، وهي زوجة أبي رافع، روت عن النبي ﷺ، وعن فاطمة الزهراء.
و"أبو رافع" مولى رسول الله ﷺ.
وإسناد هذا الخبر ضعيف، لضعف موسى بن عبيدة الربذي. ورواه ابن أبي حاتم أيضًا من طريق حجاج بن حمزة، عن زيد بن حباب، عن موسى بن عبيدة، كما نقله ابن كثير في تفسيره ٣: ٧٢، ٧٣. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٤: ٤٢، ٤٣، وقال: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف".
أما البيهقي في السنن ٩: ٢٣٥، والحاكم في المستدرك ٢: ٣١١، فقد روياه مختصرًا من طريق معلى بن منصور، عن ابن أبي زائدة، عن محمد بن إسحق، عن أبان بن صالح، وهو أصح من إسناد أبي جعفر وابن أبي حاتم. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وقد روي حديث أبي رافع، بغير هذا اللفظ، من طرق. انظر الهيثمي في مجمع الزوائد ٤: ٤٢، ٤٣، ومسند أحمد ٦: ٨-١٠، ٣٩١.
وقوله: "عندها كلب ينبح عليها"، أي: يرد عنها بنباحه ما تخاف من سبع، وينذرها بمجيء ضيف إن استروح رائحته. وجاء بيانه في الأثر الذي رواه أحمد في مسنده ٦: ٣٩١: "قالت: إني امرأة مضيعة، وإن هذا الكلب يطرد عني السبع، ويؤذنني بالجائي".]]
١١١٣٥-حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: أنّ النبي ﷺ بعث أبا رافع في قتل الكلاب، فقتل حتى بلغ العَوالي [["العوالي": أماكن بأعلى أراضي المدينة، وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد ثمانية أميال]] فدخل عاصم بن عدي، وسعد بن خيثمة، وعويم بن ساعدة، فقالوا: ماذا أحلَّ لنا يا رسول الله؟ فنزلت:"يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلِّبين".
١١١٣٦- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير قال، حدثونا عن محمد بن كعب القرظي قال: لما أمر النبي ﷺ بقتل الكلاب، قالوا: يا رسول الله، فماذا يحل لنا من هذه الأمة؟ فنزلت:"يسألونك ماذا أحل لهم"، الآية.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في"الجوارح" التي عنى الله بقوله:"وما علمتم من الجوارح".
فقال بعضهم: هو كل ما عُلِّم الصيدَ فتعلّمه، من بهيمة أو طائر.
* ذكر من قال ذلك:
١١١٣٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن في قوله:"وما علمتم من الجوارح مكلبين"، قال: كل ما عُلِّم فصادَ، من كلب أو صقر أو فهدٍ أو غيره.
١١١٣٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن:"مكلبين"، قال: كل ما علم فصاد من كلب أو فهد أو غيره.
١١١٣٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في صيد الفهد قال: هو من الجوارح.
١١١٤٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله:"وما علمتم من الجوارح مكلبين"، قال: الطير والكلاب.
١١١٤١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الحجاج، عن عطاء، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، مثله.
١١١٤٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن حميد، عن مجاهد:"مكلِّبيين"، قال: من الكلاب والطير.
١١١٤٣- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"من الجوارح مكلبين"، قال: من الطير والكلاب.
١١١٤٤- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١١١٤٥- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا شعبة = ح، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شعبة =، عن الهيثم، عن طلحة بن مصرف قال، قال خيثمة بن عبد الرحمن: هذا ما قد بيَّنت لك: أن الصقر والبازي من الجوارح. [[الأثر: ١١١٤٥، ١١١٤٦-"الهيثم" هو: "الهيثم بن حبيب"، وهو"الهيثم بن أبي الهيثم" الصيرفي الكوفي. أثنى عليه أحمد وقال: "ما أحسن أحاديثه وأشد استقامتها". مترجم في التهذيب.
و"طلحة بن مصرف الإيامي"، مضى برقم: ٥٤٣١.
و"خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي" تابعي ثقة، مضى برقم: ٨٢٦٧.]]
١١١٤٦- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت الهيثم يحدث، عن طلحة الإيامي، عن خيثمة قال: بيّنت لك: [[في المطبوعة: "أنبئت أن الصقر"، وفي المخطوطة: "أتيت لك أن الصقر"، وكأن الصواب ما أثبت، استظهارًا من الأثر السالف.]] أن الصقر والباز والكلب من الجوارح. [[الأثر: ١١١٤٥، ١١١٤٦-"الهيثم" هو: "الهيثم بن حبيب"، وهو"الهيثم بن أبي الهيثم" الصيرفي الكوفي. أثنى عليه أحمد وقال: "ما أحسن أحاديثه وأشد استقامتها". مترجم في التهذيب.
و"طلحة بن مصرف الإيامي"، مضى برقم: ٥٤٣١.
و"خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي" تابعي ثقة، مضى برقم: ٨٢٦٧.]]
١١١٤٧- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن علي بن حسين قال: الباز والصقر من الجوارح.
١١١٤٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن جابر، عن أبي جعفر قال: الباز والصقر من"الجوارح المكلِّبين". [[في المطبوعة: "من الجوارح المكلبين"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب.]] .
١١١٤٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"وما علمتم من الجوارح مكلبين"، يعني بـ "الجوارح"، الكلابَ الضواريَ والفهود والصقور وأشباهها.
١١١٥٠- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه:"وما علمتم من الجوارح مكلبين"، قال: من الكلاب، وغيرها من الصقور والبِيزان [["البيزان" (بكسر الباء) جمع"باز"، بغير ياء في آخره، ويجمع أيضًا على"أبواز". وقولهم"باز" لغة في"بازي" وجمع"بازي""بزاة" و"بواز"]] وأشباهِ ذلك مما يعلّم.
١١١٥١- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وما علمتم من الجوارح مكلبين"، الجوارح: الكلاب والصقور المعلَّمة.
١١١٥٢- حدثني سعيد بن الربيع الرازيّ قال، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، سمع عبيد بن عمير يقول في قوله:"من الجوارح مكلبين"، قال: الكلاب والطير.
* * *
وقال آخرون: إنما عنى الله جل ثناؤه بقوله:"وما علمتم من الجوارح مكلبين"، الكلابَ دون غيرها من السِّباع.
* ذكر من قال ذلك:
١١١٥٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أبو تميلة قال، حدثنا عبيد، عن الضحاك:"وما علمتم من الجوار مكلبين"، قال: هي الكلاب.
١١١٥٤- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"وما علمتم من الجوارح مكلبين"، يقول: أحل لكم صيد الكلاب التي علَّمتوهن.
١١١٥٥- حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أمَّا ما صاد من الطير = والبُزاةُ من الطير = فما أدركت فهو لك، وإلا فلا تطعمه. [[في المطبوعة: "فلا تطمعه"، وهو خطأ في الطباعة]]
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين بتأويل الآية قول من قال:"كل ما صاد من الطير والسباع فمن الجوارح، وأنّ صيد جميع ذلك حلال إذا صادَ بعد التعليم"، لأن الله جل ثناؤه عم بقوله:"وما علمتم من الجوارح مكلبين"، كلَّ جارحة، ولم يخصص منها شيئًا. فكل"جارحة"، كانت بالصفة التي وصف الله من كل طائر وسبع، فحلال أكل صيدها.
* * *
وقد روي عن النبيّ ﷺ بنحو ما قلنا في ذلك خبَرٌ، مع ما في الآية من الدلالة التي ذكرنا على صحة ما قلنا في ذلك، وهو ما:-
١١١٥٦- حدثنا به هناد قال، حدثنا عيسى بن يونس، عن مجالد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله ﷺ عن صيد البازي فقال: ما أمسك عليك فَكُل. [[الأثر: ١١١٥٦-"هناد" هو"هناد بن السري بن مصعب الدارمي"، ثقة. مضى برقم: ٢٠٥٨، ٢٧٥٨، ٢٩٩٨، ٣٩٦٠.
و"عيسى بن يونس بن أبي إسحق السبيعي"، الفقيه ابن الفقيه ابن الفقيه، ثقة حافظ رضي، مات سنة ١٨٧. مترجم في التهذيب.
و"مجالد" هو: "مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني"، مضى برقم: ١٦١٤، ٢٩٨٧، ٢٩٨٨ وقد مضى أنه ثقة، ضعفه بعض الأئمة، وأن الراجح في شأنه، تصحيح حديث القدماء عنه، وأن أعدل ما قيل فيه، قول عبد الرحمن بن مهدي: "حديث مجالد عند الأحداث، يحيى بن سعيد وأبي أسامة، ليس بشيء. ولكن حديث شعبة وحماد بن زيد وهشيم، وهؤلاء القدماء"، وقول ابن أبي حاتم: "يعني أنه تغير حفظه في آخر عمره. مات سنة ١٤٤".
وخبر الشعبي عن عدي بن حاتم، رواه مسلم والبخاري عن طريق زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، أن عديا سأل رسول الله عن صيد الكلب. فقال: أمسك عليك فكل، الحديث (انظر سنن البيهقي ٩: ٢٣٥، ٢٣٦) .
ورواه الأئمة أيضًا من طريق عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي، = ومن طريق عاصم الأحول، عن الشعبي = ومن طريق بيان عن الشعبي. ورووه أيضًا من طرق عن عدي بن حاتم، وليس فيها ذكر"الباز". (انظر السنن الكبرى للبيهقي ٩: ٢٣٥-٢٣٨) ، وانظر ما سيأتي رقم: ١١٢١٠.
ثم روى البيهقي بإسناده عن عبد الله بن نمير، عن مجالد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم: أن النبي ﷺ قال: ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته، وذكرت اسم الله، فكل مما أمسك عليك، الحديث. ثم قال البيهقي: ".. إلا أن ذكر البازي في هذه الرواية، لم يأت به الحفاظ الذين قدمنا ذكرهم عن الشعبي، وإنما أتى به مجالد، والله أعلم".
ورواية عيسى بن يونس، عن مجالد، تعد من رواية القدماء عن مجالد قبل أن يتغير حفظه. وعيسى بن يونس ثقة ثبت، فكأن أبا جعفر صحح هذا الحديث واحتج به، لأنه رواية ثقة، عن ثقة قبل تغيره.]]
* * *
= فأباح ﷺ صيد البازي وجعله من الجوارح. ففي ذلك دِلالة بيِّنة على فساد قول من قال:"عنى الله بقوله:"وما علمتم من الجوارح"، ما علمنا من الكلاب خاصة، دون غيرها من سائر الجوارح".
* * *
فإن ظن ظانّ أن في قوله:"مكلبين"، دلالةً على أن الجوارح التي ذكرت في قوله:"وما علمتم من الجوارح"، هي الكلاب خاصة، فقد ظن غير الصواب.
وذلك أن معنى الآية: قل أحِلَّ لكم، أيها الناس، في حال مصيركم أصحابَ كلاب = الطيباتُ، وصيدُ ما علمتوه الصيد من كواسب السباع والطير. فقوله:"مكلبين"، صفة للقانص، وإن صاد بغير الكلاب في بعض أحيانه. وهو نظير قول القائل يخاطب قومًا:"أحلّ لكم الطيباتُ وما علمتم من الجوارح مكلبين مؤمنين". فمعلوم أنه إنما عنى قائل ذلك، إخبارَ القوم أنّ الله جل ذكره أحل لهم، في حال كونهم أهلَ إيمان، الطيبات وصيد الجوارح التي أعلَمهم أنه لا يحل لهم منه إلا ما صادوه به [[في المطبوعة: "ما صادوه بها"، وما في المخطوطة صواب أيضًا.]] فكذلك قوله:"أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين" لذلك نظيره، في أن التكليب للقانص = بالكلاب كان صيده أو بغيرها = لا أنه إعلام من الله عز ذكره أنه لا يحل من الصيد إلا ما صادته الكلاب.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"تعلمونهن"، تؤدِّبون الجوارح فتعلمونهن طلب الصيد لكم ="مما علمكم الله"، يعني بذلك: من التأديب الذي أدَّبكم الله، والعلم الذي علمكم. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٠٢.]]
* * *
وقد قال بعض أهل التأويل: معنى قوله:"مما علمكم الله"، كما علمكم الله.
* ذكر من قال ذلك:
١١١٥٧- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"تعلمونهن مما علمكم الله"، يقول: تعلمونهن من الطَّلب كما علمكم الله.
* * *
= ولسنا نعرف في كلام العرب"من" بمعنى"الكاف"، لأن"من" تدخل في كلامهم بمعنى التبعيض، و"الكاف" بمعنى التشبيه. وإنما يوضع الحرف مكان آخر غيره، إذا تقارب معنياهما. فأما إذا اختلفت معانيهما، فغير موجود في كلامهم وضع أحدهما عَقِيب الآخر. وكتاب الله وتنزيله أحرَى الكلام أن يجنَّب ما خرج عن المفهوم والغاية في الفصاحة من كلام من نزل بلسانه........... . [[أرجح أنه قد سقط قبل هذا الخبر، كلام من كلام أبي جعفر، وذلك بدلالة قوله بعد: "قيل: اختلف أهل التأويل في ذلك". والذي أستظهره من كلامه في آخر سياقه هذه الأقوال من اختلاف الأئمة (ص: ٥٦٤) ، أن أبا جعفر ساق سؤالا كعادته، عن معنى"تعليم الجوارح"، ثم أجاب عنه بذكر اختلاف أهل التأويل. ولم أستجز أن أضع شيئًا مكان النقط التي وضعتها للدلالة على هذا السقط، لأني أخشى ان أخطئ في وصل الكلام بالخبر الذي رواه بعده برقم: ١١١٥٨"انظر ص: ٥٥٣، تعليق: ٢، ٣.]]
١١١٥٨- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسماعيل بن صُبيح قال، حدثنا أبو هانئ عمر بن بشير قال، حدثنا عامر: أن عدي بن حاتم الطائي قال: أتى رجل رسول الله ﷺ يسأله عن صيد الكلاب، فلم يدر ما يقول له، حتى نزلت هذه الآية:"تعلمونهن مما علمكم الله". [[الأثر: ١١١٥٨-"إسمعيل بن صبيح اليشكري"، ثقة مضى برقم: ٢٩٩٦، ٨٦٤٠.
و"أبو هانئ""عمر بن بشير الهمداني"، قال أحمد: "صالح الحديث". وقال يحيى بن معين: "ضعيف". وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم الرازي: "ليس بقوي، يكتب حديثه، وجابر الجعفي أحب إلي منه". وذكره ابن شاهين، والعقيلي في الضعفاء. مترجم في ابن أبي حاتم ٣/١/١٠٠، ولسان الميزان ٤: ٢٨٧، ومضى أيضًا برقم: ٤٤٢٢.
وكان في المطبوعة: "حدثنا أبو هانئ عن أبي بشر"، وهو خطأ محض، وتغيير سيئ لما كان في المخطوطة: "حدثنا أبو هانئ عمر بن بشر"، والصواب ما أثبت.
و"عامر" هو الشعبي.
وهو حديث ضعيف لضعف"أبي هانئ". وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٦٠، ونسبه أيضًا لعبد بن حميد، والقصة فيه: "أن عدي بن حاتم الطائي، أتى رسول الله ﷺ".]]
* * *
قيل: اختلف أهل التأويل في ذلك. [[انظر التعليق السالف ص: ٥٥٢، تعليق: ٢، والتعليق التالي.]]
فقال بعضهم [[في المخطوطة: "فقال بعضهم هو جوارحًا صيدها، فقال لنا: وما علمتم من الجوارح مكلبين أن يستشلى ... "، ووضع الناسخ بين"هو" و"جوارحًا" من فوق حرف"لا" وبعد"مكلبين" من فوق، حرف"إلى"، وهي طريقتهم قديمًا إذا أرادوا حذف ما بين"لا" و"إلى"، والظاهر أن قوله: "جوارحا صيدها، فقال لنا: من الجوارح مكلبين" هو بعض الجملة التي سقطت في موضع النقط التي وضعتها آنفًا، وأشرت إليها في التعليق السالف، وما قبله: ص ٥٥٢، تعليق: ٢.]] : هو أن يَسْتَشْلِي لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه [[قوله: "يستشلي"، بالبناء للمعلوم، أراد به هنا: أن يغري بطلب الصيد. وقد ذكر أهل اللغة: "أشلى الكلب واستشلاه" إذا دعاه باسمه، وقد أنكر ثعلب أن"أشلى الكلب" بمعنى أغراه بالصيد، وأجازه غيره. ومن أجازه فقد أصاب، وقد قال الشافعي في الأم ٢: ١٩١:
"الكلب المعّلم: الذي إذَا أُشْلِيَ اسْتَشْلَى"
فاستعمل"استشلى" مطاوعًا لقوله: "أشلى الكلب" بمعنى: أغراه بالصيد. ثم عاد الشافعي فاستعمل"استشلى الكلب" بمعنى: "أشلى الكلب" غير مطاوع، فقال في الأم ٢: ١٩٢: "وتعليمُ الطائر كلِّه واحد، البازي والصقر والشاهين وغيرها: وهو أن يجمع أن يُدْعَى فيجيب، ويُسْتَشْلَى فيطير".
ثم عاد فاستعمل"استشلى" بالمعنيين جميعًا، مطاوعًا وغير مطاوع، في جملة طويلة في الأم ٢: ١٩٣ أثبت بعضها.:
" ... وإذا اسْتَشْلَى الرجُل كلبه على الصَّيْد -قريبًا كان منه أو بعيدًا- فانزجَرَ واسْتَشْلَى باستشلائه ... ".
فصح بذلك ما استعمله أبو جعفر، هذا بخلاف ما جاء في الشعر، مما يسقط اعتراض ثعلب على"أشلى" بمعنى: أغرى.]] ويمسك عليه إذا أخذه فلا يأكل منه، ويستجيب له إذا دعاه، ولا يفرُّ منه إذا أراده. فإذا تتابع ذلك منه مرارًا كان"معلَّمًا". وهذا قول جماعة من أهل الحجاز وبعض أهل العراق.
* ذكر من قال ذلك:
١١١٥٩- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال عطاء: كل شيء قتله صائدك قبل أن يعلَّم ويُمسك ويصيد، فهو ميتة. ولا يكون قتله إياه ذكاة، حتى يعلَّم ويُمسك ويصيد. فإن كان ذلك ثم قتل، فهو ذكاته.
١١١٦٠- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: إن المعلم من الكلاب: أن يمسك صيدَه فلا يأكل منه حتى يأتيه صاحبه. فإن أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته، فلا يأكل من صيده.
١١١٦١- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن طاوس، عن ابن عباس قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه.
١١١٦٢- حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال، حدثنا أبو المعلى، عن سعيد بن جبير قال، قال ابن عباس: إذا أرسل الرجل الكلبَ فأكل من صيده فقد أفسده، وإن كان ذكر اسم الله حين أرسله = فزعم أنه إنما أمسك على نفسه [[قوله: "فزعم أنه إنما أمسك على نفسه"، هذا من قول سعيد بن جبير، حكاية لقول ابن عباس. و"زعم" في هذا الموضع بمعنى: قال. لا بمعنى"زعم" فيما يذم من القول والظن. وهو يأتي كثيرًا في كلامهم، فاحفظه.]] = والله يقول:"من الجوارح مكلّبين تعلمونهن مما علمكم الله"، فزعم أنه إذا أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه أنه ليس بمعلَّم، وأنه ينبغي أن يُضرب ويعلَّم حتى يترك ذلك الخُلُق. [[الأثر: ١١١٦٢-"أبو المعلى" العطار، هو: "يحيى بن ميمون الضبي"، ثقة كثير الحديث مترجم في التهذيب، وقد مضى في الإسنادين رقم: ٨٣٤٦، ٨٣٤٧.]]
١١١٦٣- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معمر الرقي، عن حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: إذا أخذ الكلب فقَتل فأكل، فهو سَبُع. [[الأثر: ١١١٦٣-"معمر الرقي"، هو: "معمر بن سلمان النخعي، الرقي". وثقه أحمد. مترجم في التهذيب.]]
١١١٦٤- حدثنا ابن المثنى قال، حدثني عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر، عن ابن عباس قال: لا يأكل منه، فإنه لو كان معلَّمًا لم يأكل منه، ولم يتعلم ما علَّمتَه. إنما أمسك على نفسه، ولم يُمسك عليك.
١١١٦٥- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا داود، عن الشعبي، عن ابن عباس، بنحوه.
١١١٦٦- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، عن ابن عباس قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل. [[في المطبوعة: "إذا أكلت الكلاب" بالجمع، وأثبت ما في المخطوطة، وإن كان الناسخ كتب أولا: "أكلت" ثم عاد فمجمج الحروف حتى جعل اللام والتاء في"أكلت""أكل".]]
١١١٦٧- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن الشعبي، عن ابن عباس، بمثله.
١١١٦٨- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا ابن عون قال: قلت لعامر الشعبي: الرجل يرسل كلبَه فيأكل منه، أنأكل منه؟ قال: لا لم يتعلَّم الذي علَّمته.
١١١٦٩- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: إذا أكل الكلب من صيده فاضربه، فإنه ليس بمعلَّم.
١١١٧٠- حدثنا سوّار بن عبد الله قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: إذا أكل الكلب فهو ميتة، فلا تأكله.
١١١٧١- حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير = وسَيَّار، عن الشعبي = ومغيرة، عن إبراهيم = أنهم قالوا في الكلب إذا أكل من صيده: فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه.
١١١٧٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال عطاء: إن وجدت الكلب قد أكل من الصيد، فما وجدتَه ميتًا فدعه، فإنه مما لم يمسك عليك صيدًا. إنما هو سبع أمسك على نفسه ولم يمسك عليك، وإن كان قد عُلِّم.
١١١٧٣- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، بنحوه.
* * *
وقال آخرون نحو هذه المقالة، غير أنهم حَدُّوا لمعرفة الكلاب بأن كلبه قد قَبِل التعليم وصار من الجوارح الحلال صيدها [["الكلاب" (بتشديد اللام) : هو صاحب الكلاب. و"المكلب" (بتشديد اللام المكسورة) : هو الذي يعلم الكلاب أخذ الصيد. ولكنه وضع"الكلاب" هنا موضع"المكلب". وهو جيد صحيح.]] أن يفعل ذلك كلبه مرات ثلاثًا. وهذا قول محكيٌّ عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن.
* * *
وقال آخرون ممن قال هذه المقالة: لا حدَّ لعلم الكلاب بذلك من كلبه، أكثر من أن يفعل كلبه ما وصفنا أنه له تعليم. قالوا: فإذا فعل ذلك فقد صار معلَّمًا حلالا صيده. وهذا قول بعض المتأخرين.
وفرَّق بعض قائلي هذه المقالة بين تعليم البازي وسائر الطيور الجارحة وتعليم الكلب وضاري السبِّاع الجارحة، فقال: جائز أكل ما أكل منه البازي من الصيد. قالوا: وإنما تعليم البازي أن يطير إذا استُشْلِي، ويجيب إذا دُعِي، ولا ينفر من صاحبه إذا أراد أخذَه. قالوا: وليس من شروط تعليمه أن لا يأكل من الصيد.
* ذكر من قال ذلك:
١١١٧٤- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم وحجاج، عن عطاء قال: لا بأس بصيد البازي وإن أكل منه.
١١١٧٥- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أسباط قال، حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن حماد، عن إبراهيم، عن ابن عباس أنه قال في الطير: إذا أرسلتَه فقتل، فكُل. فإن الكلبَ إذا ضربته لم يَعُدْ. وإن تعليم الطير أن يرجع إلى صاحبه، وليس يضرب إذا أكل من الصيد ونتف من الريش. [[في المطبوعة: "فإذا أكل من الصيد ونتف من الريش فكل"، بزيادة"فكل"، عن المخطوطة، وكان فيها مثل ما في المطبوعة: "فإذا أكل ... "، ورجحت أن الصواب"إذا أكل ... ، " بحذف الفاء، ويستقيم الكلام على ما في الترجمة.]]
١١١٧٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا أبو حمزة، عن جابر، عن الشعبي قال: ليس البازي والصقر كالكلب، فإذا أرسلتهما فأمسكا فأكلا فدعوتهما فأتياك، فكل منه.
١١١٧٧- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو زُبَيْد، عن مطرف، عن حماد، قال إبراهيم: كُلْ صيد البازي وإن أكل منه.
١١١٧٨- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم = وجابر، عن الشعبي، قالا كُلْ من صيد البازِ وإن أكل. [[في المطبوعة: "صيد البازي" بالياء آخره، والذي في المخطوطة صواب. وانظر ما سلف ص: ٥٤٨، تعليق: ٤.]]
١١١٧٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم: إذا أكل البازي والصقر من الصيد، فكُل، فإنه لا يعلَّم. [[يعني: فإنه لا يعلم أن لا يأكل من الصيد كما يعلم الكلب.]]
١١١٨٠- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم قال: لا بأس بما أكل منه البازي.
١١١٨١- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن حماد: أنه قال في البازي إذا أكل منه، قال: كُلْ. [[في المطبوعة: "إذا أكل منه فكل"، وأثبت ما في المخطوطة، فهو صواب محض.]]
* * *
وقال آخرون منهم: سواء تعليم الطير والبهائم والسباع، لا يكون نوع من ذلك معلَّمًا إلا بما يكون به سائر الأنواع معلَّمًا. وقالوا: لا يحل أكل شيء من الصيد الذي صادته جارحة فأكلت منه [[في المخطوطة: "لا يجعل كل شيء من الصيد.."، والصواب ما في المطبوعة.]] كائنة ما كانت تلك الجارحة، بهيمةً، أو طائرًا. [[في المخطوطة: "بهيمة أو طائر" بالرفع، والصواب، ما في المطبوعة.]] قالوا: لأن من شروط تعليمها الذي يحل به صيدها: أن تمسك ما صادت على صاحبها، فلا تأكل منه.
* ذكر من قال ذلك:
١١١٨٢- حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا محمد بن سالم، عن عامر قال: قال علي: إذا أكل البازي من صيده فلا تأكل. [[الأثر: ١١١٨٢-"محمد بن سالم الهمداني"، أبو سهل الكوفي. ضعيف الحديث متروك. مترجم في التهذيب. ومضى في الإسناد رقم: ٤٨٢٤.]]
١١١٨٣- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن جعفر، عن شعبة، عن مجاهد بن سعيد، عن الشعبي قال: إذا أكل البازي منه فلا تأكل.
١١١٨٤- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جبير قال: إذا أكل البازي فلا تأكل.
١١١٨٥- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن عمر بن الوليد الشنيّ قال: سمعت عكرمة قال: إذا أكل البازي فلا تأكل. [[الأثر: ١١١٨٥-"عمر بن الوليد الشني"، أبو سلمة العبدي، من عبد القيس. روى عن عكرمة، وشهاب بن عباد العصري. روى عنه وكيع، وأبو نعيم. قال أبو حاتم: "ما أرى بحديثه بأسًا، وعامة حديثه عن عكرمة فقط، ما أقل ما يجاوز به إلى ابن عباس". وقال يحيى القطان: "ليس هو عندي ممن أعتمد عليه، ولكنه لا بأس به". مترجم في ابن أبي حاتم ٣/١/١٣٩، ولسان الميزان ٤: ٣٣٧.
وكان في المطبوعة: "عمرو بن الوليد السهمي"، وليس صوابًا، غير ما في المخطوطة وهو الذي أثبت.]]
١١١٨٦- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال عطاء: الكلب والبازي كلُّه واحد، لا تأكل ما أكل منه من الصيد، إلا أن تدرك ذَكاته فتذكِّيه. قال: قلت لعطاء: البازي ينتف الريش؟ قال: فما أدركته ولم يأكل فكل. قال ذلك غير مرَّة.
* * *
وقال آخرون: تعليم كل جارحة من البهائم والطير واحد. قالوا: وتعليمه الذي يحلُّ به صيده: أن يُشْلَى على الصيد فيَسْتَشلي ويأخذ الصيد [[انظر ما سلف ص: ٥٥٣، تعليق: ٤.]] ويدعوه صاحبه فيجيب، ولا يفرّ منه إذا أخذه. [[في المطبوعة والمخطوطة: "أولا يفر منه"، والصواب بالواو كما أثبته.]] قالوا: فإذا فعل الجارح ذلك كان"معلمًا" [[في المطبوعة والمخطوطة: "قال" بالإفراد، والذي قبله والذي بعده يقتضي أن تكون"قالوا".]] داخلا في المعنى الذي قال الله:"وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم". قالوا: وليس من شرط تعليم ذلك أن لا يأكل من الصيد. قالوا: وكيف يجوز أن يكون ذلك من شرطه، وهو يؤدَّب بأكله؟
* ذكر من قال ذلك:
١١١٨٧- حدثنا ابن أبي الشوارب قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد = أو سعد =، عن سلمان قال: إذا أرسلت كلبك على صيد، وذكرتَ اسم الله، فأكل ثلثيه وبقي ثلثه، فكل ما بقي. [[الأثر: ١١١٨٧-"سعيد" الأول، هو"سعيد بن أبي عروبة".
و"سعيد" الثاني، هو"سعيد بن المسيب".
و"سلمان"، هو ابن الإسلام، "سلمان الخير الفارسي"، صاحب رسول الله ﷺ. وكان في المخطوطة في هذا الأثر، والذي يليه"سليمان"، ثم استقامت المخطوطة على الصواب. وسيأتي بعد الأثر رقم ١١٢١١، في تعقيب أبي جعفر أن سعيد بن المسيب، غير معلوم له سماع من سلمان الفارسي.
أما قوله: "أو سعد"، فلم أعرف ما أراد به، ولم أعرف من يكون"سعد" الذي يروي عنه قتادة، والذي يروي عن سلمان. وسيأتي في الآثار التالية، رواية مثل ذلك عن"سعد بن أبي وقاص". فأخشى أن يكون في الإسناد تقديم وتأخير: "قتادة، عن سعيد، عن سلمان، أو سعد". وأنا في شك من ذلك أيضًا.
وهذا الأثر رواه البيهقي في السنن ٩: ٢٣٧.]]
١١١٨٨- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا حميد قال، حدثني القاسم بن ربيعة، عمن حدثه، عن سلمان = وبكر بن عبد الله، عمن حدثه، عن سلمان =: أن الكلب يأخذ الصيد فيأكل منه، قال: كل، وإن أكل ثلثيه، إذا أرسلته وذكرت اسم الله، وكان معلمًا. [[الأثر: ١١١٨٨-"بكر بن عبد الله المزني"، مضى برقم: ٤٨٧٧، ٤٨٧٨، ٨٩٣٦، ٩٧٣٢.
وكان في هذا الموضع من المخطوطة أيضًا"سليمان"، وانظر التعليق على الأثر السالف.]]
١١١٨٩- حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت قتادة يحدث، عن سعيد بن المسيب قال، قال سلمان: كل وإن أكل ثلثيه = يعني: الصيدَ إذا أكل منه الكلب.
١١١٩٠- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان، نحوه.
١١١٩١- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد العزيز بن عبد الصمد، عن شعبة = ح وحدثنا هناد قال، حدثنا عبدة = جميعًا، عن سعيد، عن قتادة: عن سعيد بن المسيب قال، قال سلمان: إذا أرسلت كلبك المعلَّم وذكرت اسمَ الله، فأكل ثلثيه وبقي ثلثه، فكل. [[في المطبوعة: "فأكل ثلثه فكل"، أسقط من الكلام ما ثبت في المخطوطة.]] .
١١١٩٢- حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد، عن سلمان، نحوه.
١١١٩٣- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد، عن بكر بن عبد الله المزني والقاسم: أن سلمان قال: إذا أكل الكلب فكل، وإن أكل ثلثيه.
١١١٩٤- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن داود بن أبي الفرات، عن محمد بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال: قال سلمان: إذا أرسلت كلبك المعلَّم أو بازَك، فسميَّت فأكل نصفه أو ثلثيه، فكل بقيَّته. [[الأثر: ١١١٩٤-"داود بن أبي الفرات" هو"داود بن عمر بن الفرات الكندي". ثقة، يروي عن"محمد بن زيد بن علي الكندي". مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ٢/١/٢١٥.
و"محمد بن زيد بن علي الكندي" ويقال"العبدي"، قاضي مرو، ثقة صالح الحديث. مترجم في التهذيب، والكبير ١/١/٨٤.]]
١١١٩٥- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن حميد بن مالك بن خثيم الدؤلي: أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب، فقال: كل، وإن لم يبق منه إلا حِذْية - يعني: بَضْعة. [[الأثر: ١١١٩٥-"مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج"، مضى برقم: ٣٣٥٩.
وأبوه"بكير بن عبد الله بن الأشج"، أو "بكير بن الأشج"، مضى برقم: ٢٧٤٧، و"حميد بن مالك بن خثيم الدؤلي" أو: "حميد بن عبد الله بن مالك" وسيأتي كذلك في الأثرين: ١١٢٠٧، ١١٢٠٨، تابعي ثقة، روى عن أبي هريرة وسعد بن أبي وقاص. مترجم في التهذيب.
و"الحذية" و"الحذوة" (بكسر الحاء) : هو ما قطع من اللحم طولا، أو القطعة الصغيرة من اللحم. وأما "البضعة" فهي بفتح الباء وسكون الضاد. وكان في المخطوطة: "يعني بعضه"، والصواب ما في المطبوعة.]]
١١١٩٦- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثني عبد الصمد قال، حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد قال: سمعت بكير بن الأشج يحدّث، عن سعد قال: كُل، وإن أكل ثلثيه. [[الأثر: ١١١٦٩-"عبد ربه بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري"، روى عن جده قيس بن عمرو. ثقة. مترجم في التهذيب.]]
١١١٩٧- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا سعيد بن الربيع قال، حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد قال: سمعت بكير بن الأشج، عن سعيد بن المسيب = قال شعبة: قلت: سمعته من سعيد؟ قال: لا = قال: كل وإن أكل ثلثيه = قال: ثم إن شعبة قال في حديثه: عن سعد. قال: كل، وإن أكل نصفه.
١١١٩٨- حدثنا ابن المثنى قال، حدثني عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر، عن أبي هريرة قال: إذا أرسلت كلبك فأكل منه، فإن أكل ثلثيه وبقي ثلثه، فكل.
١١١٩٩- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن أبي هريرة، بنحوه.
١١٢٠٠- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن أبي هريرة، نحوه.
١١٢٠١- حدثنا ابن المثنى قال، حدثني سالم بن نوح العطار، عن عمر= يعني: ابن عامر = عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان قال: إذا أرسلت كلبك المعلَّم فأخذ فقتل، فكل، وإن أكل ثلثيه. [[الأثر: ١١٢٠١-"سالم بن نوح العطار" = و"عمر بن عامر السلمي"، مضيا برقم: ٢٨٥٢.]]
١١٢٠٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت عبيد الله [[في المطبوعة: "عبد الله"، والصواب من المخطوطة، وهي غير منقوطة.]] = ح وحدثنا هناد قال، حدثنا عبدة، عن عبيد الله بن عمر= عن نافع، عن عبد الله بن عمر قال: إذا أرسلت كلبك المعلَّم وذكرت اسم الله، فكل ما أمسك عليك، أكل أو لم يأكل.
١١٢٠٣- حدثنا ابن المثنى، قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، بنحوه.
١١٢٠٤- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني ابن أبي ذئب: أن نافعًا حدَّثهم: أن عبد الله بن عمر كان لا يرى بأكل الصيد بأسًا، إذا قتله الكلب أكل منه.
١١٢٠٥- حدثني يونس به مرة أخرى فقال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني عبيد الله بن عمرو، ابن أبي ذئب، وغير واحد: أن نافعًا حدَّثهم، عن عبد الله بن عمر، فذكر نحوه.
١١٢٠٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا محمد بن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان لا يرى بأسًا بما أكل الكلبُ الضاري.
١١٢٠٧- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن حميد بن عبد الله، عن سعد قال: قلت لنا: كلاب ضوارٍ يأكلن ويبقين؟ قال: كل، وإن لم يبق إلا بَضْعة.
١١٢٠٨- حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن أبي ذئب، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن حميد قال: سألت سعدًا، فذكر نحوه. [[الأثران: ١١٢٠٧، ١١٢٠٨-"حميد بن عبد الله"، هو"حميد بن مالك بن خثيم" الذي مضى في الأثر: ١١١٩٥، وانظر التعليق عليه هناك.
و"يعقوب بن عبد الله بن الأشج" أخو"بكير بن عبد الله بن الأشج" الذي سلف برقم: ١١١٩٥ وهو ثقة. مترجم في التهذيب.]]
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا في تأويل قوله:"تعلمونهن مما علمكم الله": أن"التعليم" الذي ذكره الله في هذه الآية للجوارح، إنما هو أن يعلِّم الرجل جارحَه الاستشلاء إذا أُشلي على الصيد [[انظر القول في"الإشلاء" و"الاستشلاء" فيما سلف ص: ٥٥٣، تعليق: ٤.]] وطلبه إياه إذا أغرى، أو إمساكه عليه، إذا أخذه من غير أن يأكل منه شيئًا، وألا يفرّ منه إذا أراده، وأن يجيبه إذا دعاه. فذلك، هو تعليم جميع الجوارح، طيرها وبهائمها. فإن أكل من الصيد جارحةُ صائد [[في المطبوعة: "وإن أكل ... " بالواو، والجيد ما في المخطوطة، بالفاء.]] فجارحه حينئذ غير معلَّم. [[في المطبوعة: "فجارحه" بغير تاء التأنيث، والجيد ما في المخطوطة.]] فإن أدرك صيده صاحبُه حيًّا فذكّاه، حلَّ له أكله. وإن أدركه ميتًا، لم يحلَّ له أكله، لأنه مما أكله السَّبُع الذي حرمه الله تعالى بقوله: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ ، ولم يدرك ذكاته.
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لتظاهر الأخبار عن رسول الله ﷺ، بما:-
١١٢٠٩- حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن عاصم بن سليمان الأحول، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم: أنه سأل النبي ﷺ عن الصيد فقال: إذا أرسلتَ كلبك فاذكر اسم الله عليه، فإن أدركته وقد قتل وأكل منه فلا تأكل منه شيئًا، فإنما أمسكَ على نفسه. " [[الأثر: ١١٢٠٩- حديث صحيح. رواه البخاري (الفتح ٩: ٥٢٧) ، ومسلم ١٣: ٧٨، ٧٩، وأحمد في المسند ٤: ٢٥٧، ٣٧٩، وأبو داود في سننه ٣: ١٤٥ رقم: ٢٨٤٩، والبيهقي في السنن ٩: ٢٣٦، ٢٣٨، ٢٤٢، ٢٤٤ من طرق، مطولا.]]
١١٢١٠- حدثنا أبو كريب وأبو هشام الرفاعي قالا حدثنا محمد بن فضيل، عن بيان بن بشر، عن عامر، عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله ﷺ فقلت: إنا قوم نتصيَّد بهذه الكلاب؟ فقال: إذا أرسلت كلابَك المعلَّمة وذكرت اسم الله عليها، فكل ما أمسكن عليك وإن قتلن، إلا أن يأكل الكلبُ، فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما حَبَسه على نفسه. " [[الأثر: ١١٢١٠- حديث صحيح. رواه البخاري من طريق قتيبة بن سعيد، عن محمد بن فضيل (الفتح ٩: ٥٢٧، ٥٢٨) ، ومسلم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمد بن فضيل ١٣: ٧٥، وأحمد في مسنده ٤: ٢٥٨، والبيهقي في السنن ٩: ٢٣٦، ٢٣٧، وأبو داود في سنن ٣: ١٤٥، رقم: ٢٨٤٨ مطولا.]]
* * *
فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما حدثك به:-
١١٢١١- عمران بن بكّار الكلاعي قال، حدثنا عبد العزيز بن موسى قال، حدثنا محمد بن دينار، عن أبي إياس، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان الفارسي، عن النبي ﷺ قال: إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه، فليأكل ما بقي. [[الأثر: ١١٢١١-"عمران بن بكار الكلاعي"، شيخ الطبري. مضى برقم: ١٤٩، ٢٠٧١.
و"عبد العزيز بن موسى بن روح اللاحوني"، أبو روح، البهراني الحمصي. قال أبو حاتم: "صدوق ثقة مأمون". مترجم في التهذيب.
و"محمد بن دينار الأزدي الطاحي"، وهو"ابن أبي الفرات"، و"أبو بكر بن أبي الفرات" قال النسائي: "ليس به بأس"، وقال في موضع آخر: "ضعيف"، وقال أبو داود: "تغير قبل أن يموت"، وقال الدارقطني: "ضعيف"، وقال مرة: "متروك". مترجم في التهذيب.
و"أبو إياس"، هو"معاوية بن قرة بن إياس المزني"، تابعي ثقة. مترجم في التهذيب.
وهذا الأثر قد تكلم الطبري في إسناده فيما يلي، ونقل ابن كثير في تفسيره ٣: ٧٥، ما قاله الطبري، ثم عقب عليه بقوله: "وهذا الذي قاله ابن جرير صحيح، ولكن قد روي هذا المعنى مرفوعًا من وجوه أخر، فقال أبو داود: حدثنا محمد بن المنهال الضرير، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ... " وساق حديث أبي داود في سننه ٣: ١٤٧، رقم: ٢٨٥٧، ثم قال ابن كثير: "هكذا رواه أبو داود، وقد أخرجه النسائي. وكذا رواه أبو داود من طريق يونس بن سيف، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ثعلبة ... " ثم ساق حديث أبي داود في سننه ٣: ١٤٧، رقم: ٢٨٥٦، ثم قال: "وهذان إسنادان جيدان".]] قيل: هذا خبر في إسناده نظر، فإن"سعيدًا" غير معلوم له سماع من"سلمان"، والثقات من أهل الآثار يقفون هذا الكلام على سلمان، ويروونه عنه من قِبَله غير مرفوع إلى النبي ﷺ. والحفَّاظ الثقات إذا تتابعوا على نقل شيء بصفة، فخالفهم واحد منفردٌ ليس له حفظهم، كانت الجماعة الأثبات أحقَّ بصحة ما نقلوا من الفرد الذي ليس له حفظهم. [[انظر التعليق على الأثر السالف، رقم: ١١٢١١.]]
* * *
قال أبو جعفر: وإذا كان الأمر في الكلب على ما ذكرتُ: من أنه إذا أكل من الصيد فغيرُ معلَّم، فكذلك حكم كل جارحة: في أن ما أكل منها من الصيد فغير معلَّم، لا يحل له أكل صيده إلا أن يدرك ذكاته.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله:"فكلوا مما أمسكن عليكم"، فكلوا، أيها الناس، مما أمسكت عليكم جوارحكم.
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: ذلك على الظاهر والعموم كما عممه الله، حلال أكل كلِّ ما أمسكت علينا الكلاب والجوارح المعلَّمة من الصيد الحلال أكله، أكل منه الجارح والكلاب أو لم يأكل منه، أدركتْ ذكاته فذُكِّي أو لم تدرَك ذكاته حتى قتلته الجوارح بجرحها إياه أو بغير جَرْح.
وهذا قول الذين قالوا:"تعليم الجوارح الذي يحلّ به صيدها أن تعلَّم الاستشلاء على الصيد، وطلبه إذا أشْليت عليه، وأخذه، وترك الهرب من صاحبها، دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته". وقد ذكرنا قول قائلي هذه المقالة والرواية عنهم بأسانيدها الواردة آنفًا. [[انظر ما سلف من الآثار من رقم: ١١١٨٧، وما بعده.]]
* * *
وقال آخرون: بل ذلك على الخصوص دون العموم. قالوا: ومعناه: فكلوا مما أمسكن عليكم من الصيد جميعه دون بعضه. قالوا: فإن أكلت الجوارح منه بعضًا وأمسكت بعضًا، فالذي أمسكت منه غير جائز أكلُه وقد أكلت بعضه، لأنها إنما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصيد بعد الذي أكلت منه، على أنفسها لا علينا، والله تعالى ذكره إنما أباح لنا كلَ ما أمسكته جوارحنا المعلمة علينا بقوله:"فكلوا مما أمسكن عليكم"، دون ما أمسكته على أنفسها. وهذا قول من قال:" تعليم الجوارح الذي يحلُّ به صيدها: أن تَستشلى للصيد إذا أشليت، فتطلبه وتأخذه، فتمسكه على صاحبها فلا تأكل منه شيئًا، ولا تفر من صاحبها". وقد ذكرنا ممن قال ذلك فيما مضى منهم جماعة كثيرة [[انظر ما سلف من الآثار، من رقم: ١١١٨٢، وما بعده.]] ونذكر منهم جماعة أخَر في هذا الموضع. [[في المطبوعة: "جماعة آخرين"، وأثبت ما في المخطوطة.]]
١١٢١٢- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"فكلوا مما أمسكن عليكم"، يقول: كلوا مما قتلن = قال علي: وكان ابن عباس يقول: إن قتل وأكل فلا تأكل، وإن أمسك فأدركته حيًّا فذكِّه.
١١٢١٣- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: إن أكل المعلَّم من الكلاب من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته، فلا يأكل من صيده.
١١٢١٤- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فكلوا مما أمسكن عليكم"، إذا صادَ الكلب فأمسكه وقد قتله ولم يأكل منه، فهو حِلٌّ. فإن أكل منه، فيقال: إنما أمسك على نفسه. [[في المخطوطة: "إنما أمسك فلا تأكل......" أسقط"على نفسه"، والصواب إثباتها كما في المطبوعة.]] فلا تأكل منه شيئًا، إنه ليس بمعلَّم.
١١٢١٥- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"يسألونك ماذا أحل لهم" إلى قوله:"فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه"، قال: إذا أرسلت كلبك المعلَّم أو طيرك أو سهمك، فذكرت اسم الله، فأخذ أو قتل، فكل.
١١٢١٦- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: إذا أرسلت كلبك المعلّم فذكرت اسم الله حين ترسله، فأمسك أو قتل، فهو حلال. فإذا أكل منه فلا تأكله، فإنما أمسكه على نفسه.
١١٢١٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن الشعبي، عن عديّ قوله:"فكلوا مما أمسكن عليكم"، قال: قلت يا رسول الله، إن أرضي أرضُ صيد؟ قال:"إذا أرسلت كلبك وسميت، فكل مما أمسك عليك كلبُك وإن قتل. فإن أكل فلا تأكل، فإنه إنما أمسك على نفسه. [[الأثر: ١١٢١٧- حديث صحيح، أخرجه البخاري (الفتح ٩: ٥٢٧) ، نحوًا من لفظه. ورواه بهذا اللفظ مطولا، أحمد في مسنده ٤: ٢٥٧، وانظر التعليق على الأثر السالف رقم: ١١٢٠٩.]]
وقد بينا أولى القولين في ذلك بالصواب قبلُ، فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره. [[انظر ما سلف ص: ٥٦٤.]]
* * *
فإن قال قائل: وما وجه دخول"من"، في قوله:"فكلوا مما أمسكن عليكم"، وقد أحل الله لنا صيد جوارحنا الحلالِ، و"من" إنما تدخل في الكلام مبعِّضَة لما دخلت فيه؟
قيل: قد اختلف في معنى دخولها في هذا الموضع أهل العربية.
فقال بعض نحويي البصرة: دخلت"من" في هذا الموضع لغير معنًى، كما تدخله العرب في قولهم:"كان من مطر" و"كان من حديث". قال: ومن ذلك قوله: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [سورة البقرة: ٢٧١] ، وقوله: ﴿وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾ [سورة النور: ٤٣] ، قال: وهو فيما فسِّر: وينزل من السماء جبالا فيها برد. قال: وقال بعضهم: و"ينزل من السماء من جبال فيها من برد"، أي: من السماء من برد، بجعل"الجبال من برد" في السماء، وبجعل الإنزال منها. [[انظر ما سلف ٢: ١٢٦، ١٢٧ / ٥: ٥٨٦/٦: ٥٥١/٧: ٤٨٩.]]
* * *
وكان غيره من أهل العربية ينكر ذلك ويقول: لم تدخل"من" إلا لمعنى مفهوم، لا يجوز الكلام ولا يصلح إلا به. وذلك أنها دالة على التبعيض. وكان يقول: معنى قولهم"قد كان من مطر" و"كان من حديث"؛ هل كان من مَطَرِ مَطَرَ عندكم؟ وهل من حديث حُدِّث عندكم؟ [[في المطبوعة والمخطوطة: "حديث حديث عندكم"؛ والصواب ما أثبت. ويعني قائل ذلك أن قوله"قد كان من مطر" إلخ، إنما هو جواب لقول القائل: هل كان من مطر مطر عندكم؟]] ويقول: معنى: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ ، أي: ويكفر عنكم من سيِّئاتكم ما يشاء ويريد = وفي قوله: ﴿وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾ ، فيجيز حذف"من" من"من برد" [[في المطبوعة والمخطوطة: "حذف من من برد"، والصواب زيادة"من" الثالثة كما أثبتها.]] ولا يجيز حذفها من"الجبال"، ويتأول معنى ذلك: وينزل من السماء أمثالَ جبالٍ بردٍ، ثم أدخلت"من" في"البرد"، لأن"البرد" مفسَّر عنده من"الأمثال" [["المفسر": المميز. و"التفسير": التمييز. وانظر فهارس المصطلحات.]] أعني:"أمثال الجبال"، وقد أقيمت"الجبال" مقام"الأمثال"، و"الجبال" وهي"جبال برد" فلا يجيز حذف"من" من"الجبال"، لأنها دالة على أن الذي في السماء الذي أنزل منه البرد، أمثالُ جبال بردٍ. وأجاز حذف"من" من"البرد"، لأن"البرد" مفسَّر عن"الأمثال"، كما تقول:"عندي رطلان زيتًا" و"عندي رطلان من زيت"، وليس عندك"الرطل"، وإنما عندك المقدار. فـ"من" تدخل في المفسِّر وتخرج منه. وكذلك عند قائل هذا القول: من السماء، من أمثال جبال، وليس بجبال. وقال: وإن كان:"أنزل من جبال في السماء من برد جبالا"، ثم حذف"الجبال" الثانية، و"الجبال" الأول في السماء، جاز. تقول:"أكلت من الطعام"، تريد: أكلت من الطعام طعامًا، ثم تحذف"الطعام" ولا تسقط"من".
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك: أن"من" لا تدخل في الكلام إلا لمعنى مفهوم، وقد يجوز حذفها في بعض الكلام وبالكلام إليها حاجة، لدلالة ما يظهر من الكلام عليها. فأما أن تكون في الكلام لغير معنى أفادته بدخولها، فذلك قد بيَّنا فيما مضى أنه غير جائز أن يكون فيما صحّ من الكلام. [[انظر المواضع السالفة التي أشرنا إليها في التعليق: ٢، ص ٥٦٩.]]
ومعنى دخولها في قوله:"فكلوا مما أمسكن عليكم"، للتبعيض، إذ كانت الجوارح تمسك على أصحابها ما أحل الله لهم لحومه، وحرَّم عليهم فَرْثه ودمَه، فقال جل ثناؤه:"فكلوا" = مما أمسكتْ عليكم جوارحكم [[في المطبوعة والمخطوطة: "مما أمسكن عليكم جوارحكم"، والصواب الجيد ما أثبت، إنما خلط النساخ بين (النون) ، و"التاء".]] = الطيبات التي أحللت لكم من لحومها، دون ما حرمت عليكم من خبائثه من الفرث والدم وما أشبه ذلك، مما لم أطيبه لكم. فذلك معنى دخول"من" في ذلك.
وأما قوله: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ ، فقد بينا وجه دخولها فيه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. [[انظر ما سلف ٥: ٥٨٦، والمواضع الأخرى في التعليق السالف ص: ٥٦٩، رقم: ٢.]]
وأما دخولها في قوله: ﴿وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ﴾ ، فسنبينه إذا أتينا عليه إن شاء الله. [[انظر ج ١٨: ١١٨، ١١٩ (بولاق) من هذا التفسير، ولم يف أبو جعفر بما وعد، فلم يبينه بيانًا كافيًا حيث أشار إليه. وقد كان في المطبوعة هنا: "إن شاء الله تعالى". وأثبت ما في المخطوطة.]] .
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿واذكروا اسم الله عليه﴾ [[في المطبوعة والمخطوطة: "واذكروا اسم الله على ما أمسكت ... " والصواب إثبات"عليه" من تمام الآية، وما بعده تفسير قوله: "عليه".]] على ما أمسكت عليكم جوارحكم من الصيد. كما:-
١١٢١٨- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"واذكروا اسم الله عليه"، يقول: إذا أرسلت جوارحك فقل:"بسم الله"، وإن نسيت فلا حَرَج.
١١٢١٩- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"واذكروا اسم الله عليه"، قال: إذا أرسلته فسَمِّ عليه حين ترسله على الصيد.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: واتقوا الله، أيها الناس، فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، فاحذروه في ذلك أن تقدموا على خلافه، وأن تأكلوا من صيد الجوارح غير المعلَّمة، أو مما لم تمسك عليكم من صيدها وأمسكته على أنفسها، أو تطعَمُوا ما لم يسمَّ الله عليه من الصيد والذبائح مما صادَه أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لم يوحِّد الله من خلقه، أو ذبحوه، فإن الله قد حرَّم ذلك عليكم فاجتنبوه.
ثم خوَّفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره. فقال: اعلموا أن الله سريعٌ حسابه لمن حاسبه على نِعَمه عليه منكم [[في المطبوعة: "على نعمته ... "، وأثبت ما في المخطوطة.]] وشكرِ الشاكر منكم ربَّه على ما أنعم به عليه بطاعته إياه فيما أمر ونهى، لأنه حافظ لجميع ذلك فيكم، فيحيط به، لا يخفى عليه منه شيء، فيجازي المطيعَ منكم بطاعته، والعاصيَ بمعصيته، وقد بيَّن لكم جزاء الفريقين. [[انظر تفسير"سريع الحساب" فيما سلف ٧: ٥٠١، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"اليوم أحل لكم الطيبات"، اليوم أحل لكم، أيها المؤمنون، الحلالُ من الذبائح والمطاعم دون الخبائث منها.
وقوله:"وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم"، وذبائحُ أهل الكتاب من اليهود والنصارى = وهم الذين أوتوا التوراة والإنجيل وأنزل عليهم، فدانُوا بهما أو بأحدهما ="حل لكم" [[انظر تفسير"حل" و"حلال" فيما سلف ٣: ٣٠٠، ٤٨٧.]] يقول: حلالٌ لكم، أكله دون ذبائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام. فإن من لم يكن منهم مِمَّن أقرَّ بتوحيد الله عزَّ ذكره ودان دين أهل الكتاب، فحرام عليكم ذبائحهم.
* * *
ثم اختلف فيمن عنى الله عز ذكره بقوله:"وطعام الذين أوتوا الكتاب"، من أهل الكتاب.
فقال بعضهم: عنى الله بذلك ذبيحة كل كتابي ممن أنزل عليه التوراة والإنجيل، أو ممن دخل في مِلَّتهم فدان دينهم، وحرَّم ما حرَّموا، وحلَّل ما حللوا، منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمم.
* ذكر من قال ذلك:
١١٢٢٠- حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد قال، حدثنا خصيف قال، حدثنا عكرمة قال، سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى بني تغلب، فقرأ هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ ، الآية [سورة المائدة: ٥١] . [[الأثر: ١١٢٢٠- هذا الأثر مؤخر بعد الذي يليه في المخطوطة، فلا أدري أهو مؤخر، أم سقط قبل الأثر رقم ١١٢٢١، أثر آخر، فاجتهد ناشر الكتاب أو ناسخ سابق، فقدم وأخر.]]
١١٢٢١- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان: عن عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
١١٢٢٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن عثمة قال، حدثنا سعيد بن بشر، عن قتادة، عن الحسن وعكرمة: أنهما كانا لا يريان بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب، وبتزوُّج نسائهم، ويتلوان: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ .
١١٢٢٣- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيب: أنهما كانا لا يريان بأسًا بذبيحة نصارى بني تغلب.
١١٢٢٤- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن الشعبي: أنه كان لا يرى بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب، وقرأ: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ ، [سورة مريم: ٦٤] .
١١٢٢٥- حدثني ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، حدثني ابن شهاب عن ذبيحة نصارى العرب، قال. تؤكل من أجل أنهم في الدين أهلُ كتاب، ويذكرون اسمَ الله.
١١٢٢٦- حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا ابن جريج قال، قال عطاء: إنما يقرُّون بدين ذلك الكتاب. [[في المطبوعة: "إنما يقرأون ذلك الكتاب"، وفي المخطوطة: "إنما يقرون بين ذلك" ورأيت أن صواب قراءتها كما أثبت، أي: أنهم يدينون بدين ذلك الكتاب.]]
١١٢٢٧- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا شعبة قال: سألت الحكم وحمادًا وقتادة عن ذبائح نصارى بني تغلب، فقالوا: لا بأس بها. قال: وقرأ الحكم: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ﴾ ، [سورة البقرة: ٧٨] .
١١٢٢٨- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كلوا من ذبائح بني تغلب، وتزوَّجوا من نسائهم، فإن الله قال في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [سورة المائدة: ٥١] ، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية، لكانوا منهم.
١١٢٢٩- حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال، حدثنا ابن علية، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة: أن الحسن كان لا يرى بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب، وكان يقول: انتحلوا دينًا، فذاك دينهم.
* * *
وقال آخرون: إنما عنى بالذين أوتوا الكتاب في هذه الآية، الذين أنزل عليهم التوراة والإنجيل من بني إسرائيل وأبنائهم، فأما من كان دخيلا فيهم من سائر الأمم ممن دان بدينهم وهم من غير بني إسرائيل، فلم يعن بهذه الآية، وليس هو ممن يحل أكل ذبائحه، لأنه ليس ممن أوتي الكتاب من قَبْل المسلمين. وهذا قول كان محمد بن إدريس الشافعي يقوله = حدثنا بذلك عنه الربيع = ويتأول في ذلك قول من كره ذبائح نصارى العرب من الصحابة والتابعين. [[انظر الأم ٢: ١٩٦.]]
* * *
ذكر من حرَّم ذبائح نصارى العرب.
١١٢٣٠- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد، عن عبيدة قال، قال علي رضوان الله عليه: لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب، فإنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر. [[الأثر: ١١٢٣٠- رواه الشافعي في الأم ٢: ١٩٦، والبيهقي في السنن ٩: ٢٨٤، وأشار إليه الحافظ ابن حجر في (الفتح ٩: ٥٤٩) ، وقال: "أخرجه الشافعي وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة".]]
١١٢٣١- حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي قال: لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب، فإنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر.
١١٢٣٢- حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا عبد الله بن بكر قال، حدثنا هشام، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة قال: سألت عليًّا عن ذبائح نصارى العرب، فقال: لا تؤكل ذبائحهم، فإنهم لم يتعلَّقوا من دينهم إلا بشرب الخمر.
١١٢٣٣- حدثني علي بن سعيد الكندي قال، حدثنا علي بن عابس، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري قال: نهانا عليٌّ عن ذبائح نصارى العرب. [[الأثر: ١١٢٣٣-"علي بن سعيد بن مسروق الكندي"، مضى برقم: ١١٨٤، ٢٧٨٤.
و"علي بن عابس الأسدي"، ضعيف، يعتبر به. مترجم في التهذيب.
و"أبو البختري"، هو: "سعيد بن فيروز الطائي" مضى برقم: ١٧٥، ١٤٩٧.]]
١١٢٣٤- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي حمزة القصاب قال: سمعت محمد بن علي يحدث، عن علي: أنه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب.
١١٢٣٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال، لا تأكلوا ذبائح نصارى العرب، وذبائح نصارى أرْمينية.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه الأخبار عن عليّ رضوان الله عليه، إنما تدل على أنه كان ينهى عن ذبائح نصارى بني تغلب، من أجل أنهم ليسوا على النصرانية، لتركهم تحليل ما تحلِّل النصارى، وتحريم ما تُحَرّم، غير الخمر. ومن كان منتحلا [[في المطبوعة والمخطوطة: "من كان منتحلا ... " بغير واو في أوله الكلام، وهو فساد، والصواب إثباتها.]] ملّة هو غير متمسك منها بشيء فهو إلى البراءة منها أقرب منه إلى اللحاق بها وبأهلها. [[في المخطوطة والمطبوعة: "فهو إلى البراءة منها أقرب إلى اللحاق ... "، بإسقاط"منه"، وهو اختلال شديد، والصواب إثباتها.]] فلذلك نهى عليٌّ عن أكل ذبائح نصارى بني تغلب، لا من أجل أنهم ليسوا من بني إسرائيل.
فإذ كان ذلك كذلك، وكان إجماعًا من الحجة أن لا بأس بذبيحة كل نصرانيّ ويهوديّ دان دين النصرانيّ أو اليهودي [[في المطبوعة: "وكان إجماعًا من الحجة إحلال ذبيحة كل نصراني ويهودي انتحل دين النصارى أو اليهودي، فأحل ... "، لم يحسن قراءة المخطوطة، فوضع مكان ما حذف منها ما وضع. وكان في المخطوطة: "وكان إجماعًا من الحجة ألا بأس فذبيحة كل نصراني ويهودي دان دين النصراني أو اليهودي"، وظاهر أن صواب قراءة صدر هذه الجملة هو ما أثبته، وهو مطابق لما جاء في الآثار السالفة من ١١٢٢٢-١١٢٢٩.]] فأحل ما أحلُّوا، وحرَّم ما حرموا، من بني إسرائيل كان أو من غيرهم = [[السياق: وإذ كان ذلك كذلك، وكان إجماعًا من الحجة ... فبين خطأ ما قال الشافعي ...]] فبيِّنٌ خطأ ما قال الشافعي في ذلك، وتأويله الذي تأوّله في قوله:"وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌّ لكم"، أنه ذبائح الذين أوتوا الكتابَ التوراةَ والإنجيلَ من بني إسرائيل = [[السياق: فبين خطأ ما قال الشافعي ... وصواب ما خالف تأويله ذلك.]] وصوابُ ما خالف تأويله ذلك، وقولِ من قال: إن كل يهودي ونصراني فحلال ذبيحتُه، من أيِّ أجناس بني آدم كان.
* * *
وأمَّا"الطعام" الذي قال الله:"وطعام الذين أوتوا الكتاب"، فإنه الذبائح.
* * *
وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١١٢٣٦- حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد:"وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم"، قال: الذبائح.
١١٢٣٧- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله:"وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، قال: ذبائحهم.
١١٢٣٨- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
١١٢٣٩- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
١١٢٤٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي، عن أبي سنان، عن ليث، عن مجاهد، مثله. [[الأثر: ١١٢٤٠-"إسحق بن سليمان الرازي العبدي، سلف برقم: ٦٤٥٦.
و"أبو سنان" هو: "سعيد بن سنان الشيباني"، مضى برقم: ١٧٥.]]
١١٢٤١- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١١٢٤٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، قال: ذبيحة أهل الكتاب.
١١٢٤٣- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله:"وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، قال: ذبائحهم.
١١٢٤٤- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، بمثله.
١١٢٤٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله.
١١٢٤٦- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله.
١١٢٤٧- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله.
١١٢٤٨- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، قال: ذبائحهم.
١١٢٤٩- حدثني المثنى قال، حدثنا المعلى بن أسد قال، حدثنا خالد، عن يونس، عن الحسن، مثله. [[الأثر: ١١٢٤٩-"المعلى بن أسد العمي" الحافظ الثقة، روى عنه البخاري، والباقون بالواسطة. مترجم في التهذيب، ومضى غير مترجم برقم: ٧٢٣٢.]]
١١٢٥٠- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، أي: ذبائحهم.
١١٢٥١- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، أما طعامهم، فهو الذبائح.
١١٢٥٢- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، قال: أحل الله لنا طعامهم ونساءَهم.
١١٢٥٣- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: أما قوله:"وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، فإنه أحلَّ لنا طعامهم ونساءهم.
١١٢٥٤- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سألته = يعني ابن زيد = [[في المطبوعة: "يعني ابن يزيد"، وهو خطأ، محض، وهو إسناد دائر في التفسير.]] عما ذبح للكنائس وسُمِّي عليها، فقال: أحل الله لنا طعام أهل الكتاب، ولم يستثن منه شيئًا.
١١٢٥٥- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني معاوية، عن أبي الزاهرية حدير بن كريب، = عن أبي الأسود، عن عُمَير بن الأسود: أنه سأل أبا الدرداء عن كبش ذُبح لكنيسة يقال لها"جرجس"، أهدوه لها، أنأكل منه؟ فقال أبو الدرداء: اللهم عفوًا! إنما هم أهل كتاب، طعامهم حلٌّ لنا، وطعامنا حل لهم! وأمره بأكله. [[الأثر: ١١٢٥٥-"معاوية"، هو"معاوية بن صالح بن حدير الحمصي الحضرمي"، مضى برقم: ١٨٦، ١٨٧، ٢٠٧٢، ٨٤٧٢.
و"أبو الزاهرية"، وهو"حدير بن كريب الحضرمي = أو الحميري". روى عن حذيفة، وأبي الدرداء، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وغيرهم من الصحابة. روى عنه معاوية بن صالح، وغيره. قال ابن سعد: "وكان ثقة إن شاء الله، كثير الحديث". مترجم في التهذيب، والكبير ٢/١/٩١.
وفي هذا الإسناد إشكال. فإن ظاهره أن أبا الزاهرية حدير بن كريب، روى الأثر عن"أبي الأسود، عن عمير بن الأسود"، وهذا محال. فإن أبا الزاهرية يروي مباشرة عن أبي الدرداء. فأكبر ظني أن في أصول التفسير سقطًا أو خرمًا في هذا الموضع، وأن الإسناد انتهى عند قوله"حدير بن كريب" وسقط أثر حدير بن كريب عن أبي الدرداء، وبدأ إسناد آخر -لا ندري ما هو- ينتهي إلى أبي الأسود عن عمير بن الأسود، أنه سأل أبا الدرداء ... إلخ. وسيظهر صواب ذلك فيما يأتي.
و"أبو الأسود" في هذا الإسناد التالي، لم أعرف من يكون فيمن يكنى بأبي الأسود.
وأما "عمير بن الأسود العنسي"، فزعم ابن حجر، أنه هو"عمرو بن الأسود" وبذلك ترجم له في التهذيب (٨: ٤) وأنهما رجل واحد، وقال: روى عن عمر، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وغيرهم من الصحابة. وقال ابن أبي حاتم ٣/١/٣٧٥: "عمير بن الأسود العنسي الشامي"، سمع عبادة، وأبا الدرداء، وأم حرام. روى عنه خالد بن معدان، سمعت أبي يقول ذلك". وترجم أيضًا"عمرو بن الأسود القيسي"، وقال: "روى عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وعبادة بن الصامت. روى عنه مجاهد، وخالد بن معدان ... "، ففرق تفريقًا ظاهرًا بين"عمرو بن الأسود القيسي"، و"عمير بن الأسود العنسي".
وكذلك فعل ابن سعد في الطبقات ٧/٢/١٥٣، ففرق بينهما قال: "عمير بن الأسود: سأل أبا الدرداء عن طعام أهل الكتاب. وروى عن معاذ بن جبل، وكان قليل الحديث ثقة".
ثم عقد ترجمة أخرى: "وعمرو بن الأسود السكوني: روى عن عمر ومعاذ، وله أحاديث".
فلا أدري من أين جعلهما الحافظ ابن حجر، رجلا واحدًا!!
وقد ثبت بما رواه ابن سعد، أن هذا الأثر، إنما هو من حديث عمير بن الأسود، أنه سأل: أبا الدرداء، وأنه حديث آخر، غير حديث حدير بن كريب أبي الزاهرية.
هذا، ولم أجد هذا الأثر -أو هذين الأثرين- في مكان آخر، وقد أغفل ابن كثير روايته في تفسيره، وأغفله أيضًا السيوطي في الدر المنثور. وكتبه: محمود محمد شاكر.]] وأما قوله:"وطعامكم حل لهم"، فإنه يعني: ذبائحكم، أيها المؤمنون، حِلٌّ لأهل الكتاب.
{"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَاۤ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِینَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُوا۟ مِمَّاۤ أَمۡسَكۡنَ عَلَیۡكُمۡ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَیۡهِۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق