الباحث القرآني
هَذا شُرُوعٌ في بَيانِ ما أحَلَّهُ اللَّهُ لَهم بَعْدَ بَيانِ ما حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وسَيَأْتِي ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ، قَوْلُهُ: ( ماذا أُحِلَّ لَهم ) أيُّ شَيْءٍ أُحِلَّ لَهم، أوْ ما الَّذِي أُحِلَّ لَهم مِنَ المَطاعِمِ إجْمالًا ومِنَ الصَّيْدِ ومِن طَعامِ أهْلِ الكِتابِ ومِن نِسائِهِمْ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾ هي ما يَسْتَلِذُّهُ آكِلُهُ ويَسْتَطِيبُهُ مِمّا أحَلَّهُ اللَّهُ لِعِبادِهِ، وقِيلَ: هي الحَلالُ، وقَدْ سَبَقَ الكَلامُ في هَذا، وقِيلَ: الطَّيِّباتُ: الذَّبائِحُ؛ لِأنَّها طابَتْ بِالتَّذْكِيَةِ، وهو تَخْصِيصٌ لِلْعامِّ بِغَيْرِ مُخَصِّصٍ، والسَّبَبُ والسِّياقُ لا يَصْلُحانِ لِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: ﴿وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ﴾ وهو مَعْطُوفٌ عَلى الطَّيِّباتِ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ لِتَصْحِيحِ المَعْنى؛ أيْ: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وأُحِلَّ لَكم صَيْدُ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ الحَنَفِيَّةِ ( عُلِّمْتُمْ ) بِضَمِّ العَيْنِ وكَسْرِ اللّامِ؛ أيْ: عُلِّمْتُمْ مِن أمْرِ الجَوارِحِ والصَّيْدِ بِها.
قالَ القُرْطُبِيُّ: وقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ مَن صَنَّفَ في أحْكامِ القُرْآنِ أنَّ الآيَةَ تَدُلُّ عَلى أنَّ الإباحَةَ تَناوَلَتْ ما عَلَّمْنا مِنَ الجَوارِحِ، وهو يَتَضَمَّنُ الكَلْبَ وسائِرَ جَوارِحِ الطَّيْرِ، وذَلِكَ يُوجِبُ إباحَةَ سائِرِ وُجُوهِ الِانْتِفاعِ، فَدَلَّ عَلى جَوازِ بَيْعِ الكَلْبِ والجَوارِحِ والِانْتِفاعِ بِها بِسائِرِ وُجُوهِ المَنافِعِ إلّا ما خَصَّهُ الدَّلِيلُ: وهو (p-٣٥٥)الأكْلُ مِنَ الجَوارِحِ؛ أيِ: الكَواسِبُ مِنَ الكِلابِ وسِباعُ الطَّيْرِ، قالَ: أجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلى أنَّ الكَلْبَ إذا لَمْ يَكُنْ أسْوَدَ، وعَلَّمَهُ مُسْلِمٌ، ولَمْ يَأْكُلْ مِن صَيْدِهِ الَّذِي صادَهُ، وأثَّرَ فِيهِ بِجُرْحٍ أوْ تَنْيِيبٍ، وصادَ بِهِ مُسْلِمٌ، وذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ إرْسالِهِ أنَّ صَيْدَهُ صَحِيحٌ يُؤْكَلُ بِلا خِلافٍ.
فَإنِ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِن هَذِهِ الشُّرُوطِ دَخَلَ الخِلافُ، فَإنْ كانَ الَّذِي يُصادُ بِهِ غَيْرُ كَلْبٍ كالفَهْدِ وما أشْبَهَهُ، وكالبازِي والصَّقْرِ ونَحْوِهِما مِنَ الطَّيْرِ فَجُمْهُورُ الأُمَّةِ عَلى أنَّ كُلَّ ما صادَ بَعْدَ التَّعْلِيمِ فَهو جارِحٌ كاسِبٌ، يُقالُ: جُرِحَ فُلانٌ واجْتَرَحَ: إذا اكْتَسَبَ، ومِنهُ الجارِحَةُ؛ لِأنَّهُ يُكْتَسَبُ بِها، ومِنهُ اجْتِراحُ السَّيِّئاتِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ﴾ وقَوْلُهُ: ﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ﴾ .
قَوْلُهُ: ( مُكَلِّبِينَ ) حالٌ، والمُكَلِّبُ: مُعَلِّمُ الكِلابِ لِكَيْفِيَّةِ الِاصْطِيادِ، والأخَصُّ مُعَلِّمُ الكِلابِ وإنْ كانَ مُعَلِّمَ سائِرِ الجَوارِحِ مِثْلَهُ؛ لِأنَّ الِاصْطِيادَ بِالكِلابِ هو الغالِبُ، ولَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ: ﴿وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ﴾ مَعَ أنَّ التَّكْلِيبَ هو التَّعْلِيمُ، لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ لِما لا بُدَّ مِنهُ مِنَ التَّعْلِيمِ، وقِيلَ: إنَّ السَّبُعَ يُسَمّى كَلْبًا فَيَدْخُلُ كُلُّ سَبْعٍ يُصادُ بِهِ، وقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ خاصَّةً بِالكِلابِ، وقَدْ حَكى ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ قالَ: ما يُصادُ بِالبُزاةِ وغَيْرِها مِنَ الطَّيْرِ فَما أدْرَكْتَ ذَكاتَهُ فَهو لَكَ حَلالٌ، وإلّا فَلا تَطْعَمْهُ.
قالَ ابْنُ المُنْذِرِ: وسُئِلَ أبُو جَعْفَرٍ عَنِ البازِي: هَلْ يَحِلُّ صَيْدُهُ ؟ قالَ: لا، إلّا أنْ تُدْرِكَ ذَكاتَهُ، وقالَ الضَّحّاكُ، والسُّدِّيُّ: ﴿وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ هي الكِلابُ خاصَّةً، فَإنْ كانَ الكَلْبُ أسْوَدَ بَهِيمًا فَكَرِهَ صَيْدَهُ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، والنَّخَعِيُّ.
وقالَ أحْمَدُ: ما أعْرِفُ أحَدًا يُرَخِّصُ فِيهِ إذا كانَ بَهِيمًا، وبِهِ قالَ ابْنُ راهَوَيْهِ فَأمّا عامَّةُ أهْلِ العِلْمِ بِالمَدِينَةِ والكُوفَةِ فَيَرَوْنَ جَوازَ صَيْدِ كُلِّ كَلْبٍ مُعَلَّمٍ، واحْتَجَّ مَن مَنَعَ مِن صَيْدِ الكَلْبِ الأسْوَدِ بِقَوْلِهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «الكَلْبُ الأسْوَدُ شَيْطانٌ» .
أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وغَيْرُهُ، والحَقُّ أنْ يَحِلَّ صَيْدُ كُلِّ ما يَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِ الجَوارِحِ مِن غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الكَلْبِ وغَيْرِهِ وبَيْنَ الأسْوَدِ مِنَ الكِلابِ وغَيْرِهِ وبَيْنَ الطَّيْرِ وغَيْرِهِ، ويُؤَيِّدُ هَذا أنَّ سَبَبَ نُزُولِ الآيَةِ سُؤالُ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ عَنْ صَيْدِ البازِي كَما سَيَأْتِي قَوْلُهُ: ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ الجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ؛ أيْ: مِمّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ مِمّا أدْرَكْتُمُوهُ بِما خَلَقَهُ فِيكم مِنَ العَقْلِ الَّذِي تَهْتَدُونَ بِهِ إلى تَعْلِيمِها وتَدْرِيبِها حَتّى تَصِيرَ قابِلَةً لِإمْساكِ الصَّيْدِ عِنْدَ إرْسالِكم لَها، قَوْلُهُ: ﴿فَكُلُوا مِمّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ الفاءُ لِلتَّفْرِيعِ، والجُمْلَةُ مُتَفَرِّعَةٌ عَلى ما تَقَدَّمَ مِن تَحْلِيلِ صَيْدِ ما عَلَّمُوهُ مِنَ الجَوارِحِ، ومِن في قَوْلِهِ: ﴿مِمّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ لِلتَّبْعِيضِ؛ لِأنَّ بَعْضَ الصَّيْدِ لا يُؤْكَلُ كالجِلْدِ والعَظْمِ وما أكَلَهُ الكَلْبُ ونَحْوُهُ، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ لا بُدَّ أنْ يُمْسِكَهُ عَلى صاحِبِهِ فَإنْ أكَلَ مِنهُ فَإنَّما أمْسَكَهُ عَلى نَفْسِهِ كَما في الحَدِيثِ الثّابِتِ في الصَّحِيحِ.
وقَدْ ذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّهُ لا يَحِلُّ أكْلُ الصَّيْدِ الَّذِي يَقْصِدُهُ الجارِحُ مِن تِلْقاءِ نَفْسِهِ مِن غَيْرِ إرْسالٍ، وقالَ عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ، والأوْزاعِيُّ: وهو مَرْوِيٌّ عَنْ سَلْمانَ الفارِسِيِّ، وسَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ، وأبِي هُرَيْرَةَ، وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، ورُوِيَ، عَنْ عَلِيٍّ، وابْنِ عَبّاسٍ، والحَسَنِ، البَصْرِيِّ، والزُّهْرِيِّ، ورَبِيعَةَ، ومالِكٍ، والشّافِعِيِّ في القَدِيمِ أنَّهُ يُؤْكَلُ صَيْدُهُ، ويَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِمّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾، وقَوْلُهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ لِعَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ: «إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ وذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ ما أمْسَكَ عَلَيْكَ» وهو في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما، وفي لَفْظٍ لَهُما: «فَإنْ أكَلَ فَلا تَأْكُلْ فَإنِّي أخافُ أنْ يَكُونَ أمْسَكَ عَلى نَفْسِهِ» وأمّا ما أخْرَجَهُ أبُو داوُدَ بِإسْنادٍ جَيِّدٍ مِن حَدِيثِ أبِي ثَعْلَبَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «إذا أرْسَلَتْ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ وذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وإنْ أكَلَ مِنهُ» وقَدْ أخْرَجَهُ أيْضًا بِإسْنادٍ جَيِّدٍ مِن حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
وأخْرَجَهُ أيْضًا النَّسائِيُّ فَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الشّافِعِيَّةِ بَيْنَ هَذِهِ الأحادِيثِ بِأنَّهُ إنْ أكَلَ عَقِبَ ما أمْسَكَهُ فَإنَّهُ يَحْرُمُ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ، وإنْ أمْسَكَهُ ثُمَّ انْتَظَرَ صاحِبَهُ فَطالَ عَلَيْهِ الِانْتِظارُ وجاعَ فَأكَلَ مِنَ الصَّيْدِ لِجُوعِهِ لا لِكَوْنِهِ أمْسَكَهُ عَلى نَفْسِهِ فَإنَّهُ لا يُؤْثَرُ ذَلِكَ ولا يَحْرُمُ بِهِ الصَّيْدُ، وحَمَلُوا عَلى ذَلِكَ حَدِيثَ أبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ، وحَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وهَذا جَمْعٌ حَسَنٌ، وقالَ آخَرُونَ: إنَّهُ إذا أكَلَ الكَلْبُ مِنهُ حُرِّمَ لِحَدِيثِ عَدِيٍّ، وإنْ أكَلَ غَيْرَهُ لَمْ يَحْرُمْ لِلْحَدِيثَيْنِ الآخَرَيْنِ، وقِيلَ: يُحْمَلُ حَدِيثُ أبِي ثَعْلَبَةَ عَلى ما إذا أمْسَكَهُ وخَلّاهُ، ثُمَّ عادَ فَأكَلَ مِنهُ.
وقَدْ سَلَكَ كَثِيرٌ مِن أهْلِ العِلْمِ طَرِيقَ التَّرْجِيحِ ولَمْ يَسْلُكُوا طَرِيقَ الجَمْعِ لِما فِيها مِنَ البُعْدِ، قالُوا: وحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ أرْجَحُ لِكَوْنِهِ في الصَّحِيحَيْنِ، وقَدْ قَرَّرْتُ هَذا المَسْلَكَ في شَرْحِي لِلْمُنْتَقى بِما يَزِيدُ النّاظِرَ فِيهِ بَصِيرَةً.
قَوْلُهُ: ﴿واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ الضَّمِيرُ في ( عَلَيْهِ ) يَعُودُ إلى ( ما عَلَّمْتُمْ ) أيْ: سَمُّوا عَلَيْهِ عِنْدَ إرْسالِهِ، أوْ لِما أمْسَكْنَ عَلَيْكم؛ أيْ: سَمُّوا عَلَيْهِ إذا أرَدْتُمْ ذَكاتَهُ، وقَدْ ذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ إرْسالِ الجارِحِ، واسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الآيَةِ، ويُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ الثّابِتُ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما بِلَفْظِ: «إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ فاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وإذا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ» .
وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: إنَّ المُرادَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الأكْلِ، قالَ القُرْطُبِيُّ: وهو الأظْهَرُ، واسْتَدَلُّوا بِالأحادِيثِ الَّتِي فِيها الإرْشادُ إلى التَّسْمِيَةِ وهَذا خَطَأٌ، فَإنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قَدْ وقَّتَ التَّسْمِيَةَ بِإرْسالِ الكَلْبِ وإرْسالِ السَّهْمِ، ومَشْرُوعِيَّةُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الأكْلِ حُكْمٌ آخَرُ، ومَسْألَةٌ غَيْرُ هَذِهِ المَسْألَةِ فَلا وجْهَ لِحَمْلِ ما ورَدَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ هُنا عَلى ما ورَدَ في التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الأكْلِ، ولا مُلْجِئَ إلى ذَلِكَ، وفي لَفْظٍ في الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ عَدِيٍّ: «إنْ أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وسَمَّيْتَ فَأخَذَ فَكُلْ» وقَدْ ذَهَبَ جَماعَةٌ إلى أنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ وذَهَبَ آخَرُونَ إلى أنَّها سُنَّةٌ فَقَطْ، وذَهَبَ جَماعَةٌ إلى أنَّها شَرْطٌ عَلى الذّاكِرِ لا النّاسِي، وهَذا أقْوى الأقْوالِ وأرْجَحُها
قَوْلُهُ: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ أيْ: حِسابُهُ سُبْحانَهُ سَرِيعٌ إتْيانُهُ وكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ، قَوْلُهُ: ﴿اليَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ مُؤَكِّدَةٌ لِلْجُمْلَةِ الأُولى، وهي قَوْلُهُ: ﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾ وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ الطَّيِّباتِ.
(p-٣٥٦)قَوْلُهُ: ﴿وطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَكم﴾ الطَّعامُ: اسْمٌ لِما يُؤْكَلُ، ومِنهُ الذَّبائِحُ، وذَهَبَ أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ إلى تَخْصِيصِهِ هُنا بِالذَّبائِحِ، وفي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ جَمِيعَ طَعامِ أهْلِ الكُتُبِ مِن غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ اللَّحْمِ وغَيْرِهِ حَلالٌ لِلْمُسْلِمِينَ وإنْ كانُوا لا يَذْكُرُونَ عَلى ذَبائِحِهِمُ اسْمَ اللَّهِ، وتَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ قَوْلِهِ: ﴿ولا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] وظاهِرُ هَذا أنَّ ذَبائِحَ أهْلِ الكِتابِ حَلالٌ، وإنْ ذَكَرَ اليَهُودِيُّ عَلى ذَبِيحَتِهِ اسْمَ عُزَيْرٍ، وذَكَرَ النَّصْرانِيُّ عَلى ذَبِيحَتِهِ اسْمَ المَسِيحِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ أبُو الدَّرْداءِ، وعِبادَةُ بْنُ الصّامِتِ، وابْنُ عَبّاسٍ، والزُّهْرِيُّ، ورَبِيعَةُ، والشَّعْبِيُّ، ومَكْحُولٌ.
وقالَ عَلِيٌّ وعائِشَةُ وابْنُ عُمَرَ: إذا سَمِعْتَ الكِتابِيَّ يُسَمِّي غَيْرَ اللَّهِ فَلا تَأْكُلْ، وهو قَوْلُ طاوُسٍ، والحَسَنُ وتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعالى: ولا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ٣٠ [الأنعام: ١٢١] ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا قَوْلُهُ: وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [المائدة: ٣] وقالَ مالِكٌ: إنَّهُ يُكْرَهُ ولا يَحْرُمُ، فَهَذا الخِلافُ إذا عَلِمْنا أنَّ أهْلَ الكِتابِ ذَكَرُوا عَلى ذَبائِحِهِمُ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ، وأمّا مَعَ عَدَمِ العِلْمِ فَقَدْ حَكى الكِيا الطَّبَرِيُّ، وابْنُ كَثِيرٍ الإجْماعَ عَلى حِلِّها لِهَذِهِ الآيَةِ، ولِما ورَدَ في السُّنَّةِ مِن أكْلِهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مِنَ الشّاةِ المَصْلِيَّةِ الَّتِي أهْدَتْها إلَيْهِ اليَهُودِيَّةُ، وهو في الصَّحِيحِ، وكَذَلِكَ الجِرابُ الشَّحْمُ الَّذِي أخَذَهُ بَعْضُ الصَّحابَةِ مِن خَيْبَرَ وعَلِمَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وهو في الصَّحِيحِ أيْضًا وغَيْرُ ذَلِكَ، والمُرادُ بِأهْلِ الكِتابِ هُنا اليَهُودُ والنَّصارى.
وأمّا المَجُوسُ، فَذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّها لا تُؤْكَلْ ذَبائِحُهم ولا تُنْكَحُ نِساؤُهم؛ لِأنَّهم لَيْسُوا بِأهْلِ كِتابٍ عَلى المَشْهُورِ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ، وخالَفَ في ذَلِكَ أبُو ثَوْرٍ، وأنْكَرَ عَلَيْهِ الفُقَهاءُ ذَلِكَ حَتّى قالَ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أبُو ثَوْرٍ كاسْمِهِ، يَعْنِي في هَذِهِ المَسْألَةِ، وكَأنَّهُ تَمَسَّكَ بِما يُرْوى عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مُرْسَلًا أنَّهُ قالَ في المَجُوسِ: سَنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أهْلِ الكِتابِ، ولَمْ يَثْبُتْ بِهَذا اللَّفْظِ، وعَلى فَرْضِ أنَّ لَهُ أصْلًا فَفِيهِ زِيادَةٌ تَدْفَعُ ما قالَهُ، وهي قَوْلُهُ: غَيْرَ آكِلِي ذَبائِحِهِمْ ولا ناكِحِي نِسائِهِمْ، وقَدْ رَواهُ بِهَذِهِ الزِّيادَةِ جَماعَةٌ مِمَّنْ لا خِبْرَةَ لَهُ بِفَنِّ الحَدِيثِ مِنَ المُفَسِّرِينَ والفُقَهاءِ، ولَمْ يَثْبُتِ الأصْلُ ولا الزِّيادَةُ، بَلِ الَّذِي ثَبَتَ في الصَّحِيحِ أنَّ «النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أخَذَ الجِزْيَةَ مِن مَجُوسِ هَجَرَ»، وأمّا بَنُو تَغْلَبَ فَكانَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ يَنْهى عَنْ ذَبائِحِهِمْ؛ لِأنَّهم عَرَبٌ، وكانَ يَقُولُ: إنَّهم لَمْ يَتَمَسَّكُوا بِشَيْءٍ مِنَ النَّصْرانِيَّةِ إلّا بِشُرْبِ الخَمْرِ، وهَكَذا سائِرُ العَرَبِ المُتَنَصِّرَةِ كَتَنُوخَ وجُذامٍ ولَخْمٍ وعامِلَةَ ومَن أشْبَهَهم.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وهو قَوْلُ غَيْرِ واحِدٍ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ، ورُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، والحَسَنِ، البَصْرِيِّ أنَّهُما كانا لا يَرَيانِ بَأْسًا بِذَبِيحَةِ نَصارى بَنِي تَغْلَبَ، وقالَ القُرْطُبِيُّ: وقالَ جُمْهُورُ الأُمَّةِ: إنَّ ذَبِيحَةَ كُلِّ نَصْرانِيٍّ حَلالٌ سَواءٌ كانَ مِن بَنِي تَغْلَبَ أوْ مِن غَيْرِهِمْ، وكَذَلِكَ اليَهُودُ، قالَ: ولا خِلافَ بَيْنِ العُلَماءِ أنَّ ما لا يَحْتاجُ إلى ذَكاةٍ كالطَّعامِ يَجُوزُ أكْلُهُ.
قَوْلُهُ: وطَعامُكم حِلٌّ لَهم أيْ: وطَعامُ المُسْلِمِينَ حَلالٌ لِأهْلِ الكِتابِ، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أنْ يُطْعِمُوا أهْلَ الكِتابِ مِن ذَبائِحِهِمْ، وهَذا مِن بابِ المُكافَأةِ والمُجازاةِ وإخْبارِ المُسْلِمِينَ بِأنَّ ما يَأْخُذُونَهُ مِنهم مِن أعْراضِ الطَّعامِ حَلالٌ لَهم بِطَرِيقِ الدَّلالَةِ الِالتِزامِيَّةِ، قَوْلُهُ: والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤْمِناتِ اخْتُلِفَ في تَفْسِيرِ المُحْصَناتِ هُنا، فَقِيلَ: العَفائِفُ، وقِيلَ: الحَرائِرُ، وقَرَأ الشَّعْبِيُّ بِكَسْرِ الصّادِ، وبِهِ قَرَأ الكِسائِيُّ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في هَذا مُسْتَوْفًى في البَقَرَةِ والنِّساءِ، والمُحْصَناتُ مُبْتَدَأٌ، ومِنَ المُؤْمِناتِ وصْفٌ لَهُ والخَبَرُ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: حِلٌّ لَكم، وذَكَرَهُنَّ هُنا تَوْطِئَةً وتَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكم﴾ والمُرادُ بِهِنَّ الحَرائِرُ دُونَ الإماءِ، هَكَذا قالَ الجُمْهُورُ، وحَكى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ طائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَعُمُّ كُلَّ كِتابِيَّةٍ حُرَّةٍ أوْ أمَةٍ، وقِيلَ: المُرادُ بِأهْلِ الكِتابِ هُنا الإسْرائِيلِيّاتِ، وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ، وهو تَخْصِيصٌ بِغَيْرِ مُخَصِّصٍ.
وقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لا تَحِلُّ النَّصْرانِيَّةُ، قالَ: ولا أعْلَمُ شِرْكًا أكْبَرَ مِن أنْ تَقُولَ رَبُّها عِيسى، وقَدْ قالَ اللَّهُ: ﴿ولا تَنْكِحُوا المُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] الآيَةَ، ويُجابُ عَنْهُ بِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ مُخَصِّصَةٌ لِلْكِتابِيّاتِ مِن عُمُومِ المُشْرِكاتِ فَيُبْنى العامُّ عَلى الخاصِّ، وقَدِ اسْتَدَلَّ مَن حَرَّمَ نِكاحَ الإماءِ الكِتابِيّاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ لِأنَّهُ حَمَلَها عَلى الحَرائِرِ، وبِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمِن ما مَلَكَتْ أيْمانُكم مِن فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ﴾ [النساء: ٢٥] وقَدْ ذَهَبَ إلى هَذا كَثِيرٌ مِن أهْلِ العِلْمِ وخالَفَهم مَن قالَ: إنَّ الآيَةَ تَعُمُّ أوْ تَخُصُّ العَفائِفَ كَما تَقَدَّمَ.
والحاصِلُ أنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ الآيَةِ الحُرَّةُ العَفِيفَةُ مِنَ الكِتابِيّاتِ عَلى جَمِيعِ الأقْوالِ إلّا عَلى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ في النَّصْرانِيَّةِ، ويَدْخُلُ تَحْتَها الحُرَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِعَفِيفَةٍ والأمَةُ العَفِيفَةُ، عَلى قَوْلِ مَن يَقُولُ: إنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمالُ المُشْرِكِ في كِلا مَعْنَيَيْهِ، وأمّا مَن لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ فَإنْ حَمَلَ المُحْصَناتِ هُنا عَلى الحَرائِرِ لَمْ يَقُلْ بِجَوازِ نِكاحِ الأمَةِ عَفِيفَةً كانَتْ أوْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ إلّا بِدَلِيلٍ آخَرَ، ويَقُولُ بِجَوازِ نِكاحِ الحُرَّةِ العَفِيفَةِ كانَتْ أوْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ، وإنْ حَمَلَ المُحْصَناتُ هُنا عَلى العَفائِفِ قالَ بِجَوازِ نِكاحِ الحُرَّةِ العَفِيفَةِ والأمَةِ العَفِيفَةِ دُونَ غَيْرِ العَفِيفَةِ مِنهُما، قَوْلُهُ: إذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أيْ: مُهُورَهُنَّ، وجَوابُ ( إذا ) مَحْذُوفٌ؛ أيْ: فَهُنَّ حَلالٌ، أوْ هي ظَرْفٌ لِخَبَرِ المُحْصَناتِ المُقَدَّرِ؛ أيْ: حِلٌّ لَكم قَوْلُهُ: ( مُحْصِنِينَ ) مَنصُوبٌ عَلى الحالِ؛ أيْ: حالَ كَوْنِكم أعِفّاءَ بِالنِّكاحِ، وكَذا قَوْلُهُ: ( غَيْرَ مُسافِحِينَ ) مَنصُوبٌ عَلى الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ في مُحْصِنِينَ أوْ صِفَةٌ لِمُحْصِنِينَ، والمَعْنى: غَيْرُ مُجاهِرِينَ بِالزِّنا.
قَوْلُهُ: ولا مُتَّخِذِي أخْدانٍ مَعْطُوفٌ عَلى ( غَيْرَ مُسافِحِينَ ) أوْ عَلى ( مُسافِحِينَ )، ( ولا ) مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، والخِدْنُ يَقَعُ عَلى الذَّكَرِ والأُنْثى؛ أيْ: لَمْ يَتَّخِذُوا مَعْشُوقاتٍ، فَقَدْ شَرَطَ اللَّهُ في الرِّجالِ العِفَّةَ وعَدَمَ المُجاهَرَةِ بِالزِّنا وعَدَمَ اتِّخاذِ أخْدانٍ، كَما شَرَطَ في النِّساءِ أنْ يَكُنَّ مُحْصَناتٍ ومَن يَكْفُرْ بِالإيمانِ أيْ بِشَرائِعِ الإسْلامِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ أيْ: بَطَلَ وهو في الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْفَعِ ( فَقَدْ حَبَطَ ) بِفَتْحِ الباءِ. اهـ.
(p-٣٥٧)وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ «عَنْ أبِي رافِعٍ: أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أمَرَهُ بِقَتْلِ الكِلابِ في النّاسِ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ماذا يَحِلُّ لَنا مِن هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي أمَرْتَ بِقَتْلِها ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: يَسْألُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهم الآيَةَ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ أيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّ عَدِيَّ بْنَ حاتِمٍ، وزَيْدَ بْنَ المُهَلْهِلِ الطّائِيَّيْنِ سَألا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ فَقالا: يا رَسُولَ اللَّهِ إنّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِالكِلابِ والبُزاةِ؛ فَنَزَلَتْ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أنَّ عَدِيَّ بْنَ حاتِمٍ الطّائِيَّ أتى رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ فَسَألَهُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ قالَ: هي الكِلابُ المُعَلَّمَةُ، والبازِي والجَوارِحُ يَعْنِي الكِلابَ والفُهُودَ والصُّقُورَ وأشْباهَها، أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قالَ: آيَةُ المُعَلَّمِ أنْ يُمْسِكَ صَيْدَهُ فَلا يَأْكُلْ مِنهُ حَتّى يَأْتِيَ صاحِبُهُ.
وأخْرَجَ عَنْهُ أيْضًا قالَ: إذا أكَلَ الكَلْبُ فَلا تَأْكُلْ، فَإنَّما أمْسَكَ عَلى نَفْسِهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ نَحْوَهُ، وزادَ: وإذا أكَلَ الصَّقْرُ فَلا تَأْكُلْ؛ لِأنَّ الكَلْبَ تَسْتَطِيعُ أنْ تَضْرِبَهُ والصَّقْرَ لا تَسْتَطِيعُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْهُ في قَوْلِهِ: وطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قالَ: ذَبائِحُهم، وفي قَوْلِهِ: والمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكم قالَ: حِلٌّ لَكم إذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يَعْنِي: مُهُورَهُنَّ ( مُحْصِنِينَ ) يَعْنِي تَنْكِحُونَهُنَّ بِالمَهْرِ والبَيِّنَةِ ( غَيْرَ مُسافِحِينَ ) غَيْرَ مُتَغالِينَ بِالزِّنا ولا مُتَّخِذِي أخْدانٍ يَعْنِي يُسِرُّونَ بِالزِّنا. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤْمِناتِ والمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قالَ: أحَلَّ اللَّهُ لَنا مُحْصَنَتَيْنِ مُحْصَنَةٌ مُؤْمِنَةٌ ومُحْصَنَةٌ مِن أهْلِ الكِتابِ، نِساؤُنا عَلَيْهِمْ حَرامٌ، ونِساؤُهم لَنا حَلالٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «فَنَتَزَوَّجُ نِساءَ أهْلِ الكِتابِ ولا يَتَزَوَّجُونَ نِساءَنا» . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: المُسْلِمُ يَتَزَوَّجُ النَّصْرانِيَّةَ ولا يَتَزَوَّجُ النَّصْرانِيُّ المُسْلِمَةَ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إنَّما أُحِلَّتْ ذَبائِحُ اليَهُودِ والنَّصارى مِن أجْلِ أنَّهم آمَنُوا بِالتَّوْراةِ والإنْجِيلِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: والمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قالَ: الحَرائِرُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الضَّحّاكِ قالَ: العَفائِفُ.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["یَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَاۤ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِینَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُوا۟ مِمَّاۤ أَمۡسَكۡنَ عَلَیۡكُمۡ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَیۡهِۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ","ٱلۡیَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ حِلࣱّ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلࣱّ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَاۤ ءَاتَیۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَ وَلَا مُتَّخِذِیۤ أَخۡدَانࣲۗ وَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلۡإِیمَـٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ وَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ"],"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَاۤ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِینَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُوا۟ مِمَّاۤ أَمۡسَكۡنَ عَلَیۡكُمۡ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَیۡهِۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق