الباحث القرآني
﴿يَسْألُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ﴾ شُرُوعٌ في تَفْصِيلِ المُحَلَّلاتِ الَّتِي ذُكِرَ بَعْضُها عَلى وجْهِ الإجْمالِ إثْرَ بَيانِ المُحَرَّماتِ، كَأنَّهم سَألُوا عَنْها عِنْدَ بَيانِ أضْدادِها، ولِتَضَمُّنِ السُّؤالِ مَعْنى القَوْلِ أُوقِعَ عَلى الجُمْلَةِ، فَـ " ماذا " مُبْتَدَأٌ، و" أُحِلَّ لَهم " خَبَرُهُ، وضَمِيرُ الغَيْبَةِ لِما أنَّ يَسْألُونَ بِلَفْظِ الغَيْبَةِ، فَإنَّهُ كَما يُعْتَبَرُ حالُ المَحْكِيِّ عَنْهُ، فَيُقالُ: أقْسَمَ زَيْدٌ لَأفْعَلَنَّ، يُعْتَبَرُ حالُ الحاكِي، فَيُقالُ: أقْسَمَ زَيْدٌ لَيَفْعَلَنَّ، والمَسْؤُولُ ما أُحِلَّ لَهم مِنَ المَطاعِمِ.
﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾؛ أيْ: ما لَمْ تَسْتَخْبِثْهُ الطِّباعُ السَّلِيمَةُ ولَمْ تَنْفِرْ عَنْهُ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ﴾ .
﴿وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ﴾ عَطْفٌ عَلى الطَّيِّباتِ بِتَقْدِيرِ المُضافِ عَلى أنَّ " ما " مَوْصُولَةٌ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: وصَيْدُ ما عَلَّمْتُمُوهُ، أوْ مُبْتَدَأٌ عَلى أنَّ (p-8)" ما " شَرْطِيَّةٌ، والجَوابُ: فَكُلُوا. وقَدْ جُوِّزَ كَوْنَها مُبْتَدَأً عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِها مَوْصُولَةً أيْضًا، والخَبَرُ كُلُوا، وإنَّما دَخَلَتْهُ الفاءُ تَشْبِيهًا لِلْمَوْصُولِ بِاسْمِ الشَّرْطِ. ومِنَ الجَوارِحِ حالٌ مِنَ المَوْصُولِ، أوْ ضَمِيرِهِ المَحْذُوفِ، والجَوارِحُ: الكَواسِبُ مِن سِباعِ البَهائِمِ والطَّيْرِ. وقِيلَ: سُمِّيَتْ بِها لِأنَّها تَجْرَحُ الصَّيْدَ غالِبًا.
﴿مُكَلِّبِينَ﴾؛ أيْ: مُعَلِّمِينَ لَها الصَّيْدَ، والمُكَلِّبُ: مُؤَدِّبُ الجَوارِحِ ومُضْرِيها بِالصَّيْدِ، مُشْتَقٌ مِنَ الكَلْبِ؛ لِأنَّ التَّأْدِيبَ كَثِيرًا ما يَقَعُ فِيهِ، أوْ لِأنَّ كُلَّ سَبُعٍ يُسَمّى كَلْبًا، «لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في حَقِّ عُتْبَةَ بْنِ أبِي لَهَبٍ حِينَ أرادَ سَفَرَ الشّامِ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: " اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِن كِلابِكَ "»، فَأكَلَهُ الأسَدُ. وانْتِصابُهُ عَلى الحالِيَّةِ مِن فاعِلِ عَلَّمْتُمْ، وفائِدَتُها المُبالَغَةُ في التَّعْلِيمِ لِما أنَّ الِاسْمَ المُكَلَّبَ لا يَقَعُ إلّا عَلى التَّحْرِيمِ في عِلْمِهِ. وقُرِئَ: ( مُكْلِبِينَ ) بِالتَّخْفِيفِ، والمَعْنى واحِدٌ.
﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ﴾ حالٌ ثانِيَةٌ مِنهُ، أوْ حالٌ مِن ضَمِيرِ مُكَلِّبِينَ، أوِ اسْتِئْنافٌ.
﴿مِمّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ مِنَ الحِيَلِ وطُرُقِ التَّعْلِيمِ والتَّأْدِيبِ، فَإنَّ العِلْمَ بِهِ إلْهامٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى، أوْ مُكْتَسَبٌ بِالعَقْلِ الَّذِي هو مِنحَةٌ مِنهُ، أوْ مِمّا عَرَّفَكم أنْ تُعَلِّمُوهُ مِنِ اتِّباعِ الصَّيْدِ بِإرْسالِ صاحِبِهِ، وانْزِجارِهِ بِزَجْرِهِ، وانْصِرافِهِ بِدُعائِهِ، وإمْساكِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ وعَدَمِ أكْلِهِ مِنهُ.
﴿فَكُلُوا مِمّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ قَدْ مَرَّ فِيما سَبَقَ أنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ " ما " شَرْطِيَّةً جَوابُ الشَّرْطِ، وعَلى تَقْدِيرِ كَوْنِها مَوْصُولَةً مَرْفُوعَةً عَلى الِابْتِداءِ خَبَرٌ لَها، وأمّا عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِها عَطْفًا عَلى الطَّيِّباتِ، فَهي جُمْلَةٌ مُتَفَرِّعَةٌ عَلى بَيانِ حِلِّ صَيْدِ الجَوارِحِ المُعَلَّمَةِ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُضافِ المُقَدَّرِ الَّذِي هو المَعْطُوفُ، وبِهِ يَتَعَلَّقُ الإحْلالُ حَقِيقَةً، ومُشِيرَةٌ إلى نَتِيجَةِ التَّعْلِيمِ وأثَرِهِ داخِلَةٌ تَحْتَ الأمْرِ، فالفاءُ فِيها كَما في قَوْلِهِ:
أمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ ما أُمِرْتَ بِهِ.
وَ" مِن " تَبْعِيضِيَّةٌ لِما أنَّ البَعْضَ مِمّا لا يَتَعَلَّقُ بِهِ الأكْلُ، كالجُلُودِ، والعِظامِ، والرِّيشِ، وغَيْرِ ذَلِكَ. و" مِمّا " مَوْصُولَةٌ، أوْ مَوْصُوفَةٌ حُذِفَ عائِدُها، و" عَلى " مُتَعَلِّقَةٍ بِأمْسَكْنَ؛ أيْ: فَكُلُوا بَعْضَ ما أمْسَكْنَهُ عَلَيْكم، وهو الَّذِي لَمْ يَأْكُلْنَ مِنهُ. وأمّا ما أكَلْنَ مِنهُ فَهو مِمّا أمْسَكْنَهُ عَلى أنْفُسِهِنَّ، «لِقَوْلِهِ ﷺ لِعَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ: " وإنْ أكَلَ مِنهُ فَلا تَأْكُلْ، إنَّما أمْسَكَ عَلى نَفْسِهِ "»، وإلَيْهِ ذَهَبَ أكْثَرُ الفُقَهاءِ. وقالَ بَعْضُهم: لا يُشْتَرَطُ عَدَمُ الأكْلِ في سِباعِ الطَّيْرِ، لِما أنَّ تَأْدِيبَها إلى هَذِهِ الدَّرَجَةِ مُتَعَذِّرٌ. وقالَ آخَرُونَ: لا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وقَدْ رُوِيَ عَنْ سَلْمانَ، وسَعْدِ ابْنِ أبِي وقّاصٍ، وأبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم، أنَّهُ إذا أكَلَ الكَلْبُ ثُلُثَيْهِ وبَقِيَ ثُلُثُهُ، وقَدْ ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ.
﴿واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ الضَّمِيرُ " لِما عَلَّمْتُمْ "؛ أيْ: سَمُّوا عَلَيْهِ عِنْدَ إرْسالِهِ، أوْ لِما أمْسَكْنَهُ؛ أيْ: سَمُّوا عَلَيْهِ إذا أدْرَكْتُمْ ذَكاتَهُ.
﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ في شَأْنِ مُحَرَّماتِهِ.
﴿إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾؛ أيْ: سَرِيعُ إتْيانِ حِسابِهِ، أوْ سَرِيعُ تَمامِهِ، إذا شَرَعَ فِيهِ يَتِمُّ في أقْرَبِ ما يَكُونُ مِنَ الزَّمانِ. والمَعْنى عَلى التَّقْدِيرَيْنِ: أنَّهُ يُؤاخِذُكم سَرِيعًا في كُلِّ ما جَلَّ ودَقَّ، وإظْهارُ الِاسْمِ الجَلِيلِ في مَوْقِعِ الإضْمارِ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ وتَعْلِيلِ الحُكْمِ.
{"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَاۤ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِینَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُوا۟ مِمَّاۤ أَمۡسَكۡنَ عَلَیۡكُمۡ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَیۡهِۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق