الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿يَسْألُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ﴾، مَوْضِعُ ”ما“: رَفْعٌ، إنْ شِئْتَ جَعَلْتَها وحْدَها اسْمًا، ويَكُونَ خَبَرُها قَوْلُهُ: ”ذا“، ويَكُونَ ”أُحِلَّ“، مِن صِلَةِ ”ما“، والتَّأْوِيلُ: ”يَسْألُونَكَ أيُّ شَيْءٍ أُحِلَّ لَهم“، وجائِزٌ أنْ تَكُونَ ”ما“، و”ذا“، اِسْمًا واحِدًا، وهي أيْضًا رَفْعٌ بِالِابْتِداءِ، والتَّأْوِيلُ عَلى هَذا: ”يَسْألُونَكَ أيُّ شَيْءٍ أُحِلَّ لَهم“، و”أُحِلَّ لَهم“، خَبَرُ الِابْتِداءِ، ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ﴾، فَـ ”اَلطَّيِّباتُ“: كُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَأْتِ تَحْرِيمُهُ في كِتابٍ ولا سُنَّةٍ، والكَلامُ يَدُلُّ عَلى أنَّهم سَألُوا عَنِ الصَّيْدِ فِيما سَألُوا عَنْهُ، ولَكِنْ حُذِفَ ذِكْرُ صَيْدِ ما عَلَّمْتُمْ، لِأنَّ في الكَلامِ دَلِيلًا عَلَيْهِ، كَما قالَ: ﴿واسْألِ القَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢]، اَلْمَعْنى: واسْألْ أهْلَ القَرْيَةِ. وَقَوْلُهُ: ﴿مُكَلِّبِينَ﴾، أيْ: في هَذِهِ الحالِ، يُقالُ: ”رَجُلٌ مُكَلِّبٌ“، و”كَلّابٌ“، أيْ: صاحِبُ صَيْدٍ بِالكِلابِ، وفي هَذا دَلِيلٌ أنَّ لَحْمَ صَيْدِ الكَلْبِ الَّذِي لَمْ يُعَلَّمْ حَرامٌ إذا لَمْ تُدْرَكْ ذَكاتُهُ، فَإذا أرْسَلَ المُرْسِلُ كَلْبَ الصَّيْدِ فَصادَ، فَقَتَلَ صَيْدَهُ، وقَدْ ذَكَرَ الصّائِدُ اسْمَ اللَّهِ عَلى الصَّيْدِ، فَهو حَلالٌ بِلا اخْتِلافٍ بَيْنَ النّاسِ في ذَلِكَ. (p-١٥٠)وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَكُلُوا مِمّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾، فاخْتَلَفَ الفُقَهاءُ فِيهِ إذا أكَلَ مِنَ الصَّيْدِ، فَقالَ بَعْضُهم: يُؤْكَلُ مِنهُ، وإنْ أكَلَ مِنهُ، وكُلُّ ذَلِكَ في اللُّغَةِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، لِأنَّهُ قَدْ يُمْسِكُ الصَّيْدَ إذا قَتَلَهُ ولَمْ يَأْكُلْ مِنهُ، وقَدْ يُمْسِكُ وقَدْ أكَلَ مِنهُ، ومَعْنى: ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾، أيْ: تُؤَدِّبُونَهُنَّ أنْ يُمْسِكْنَ الصَّيْدَ عَلَيْكُمْ، فَإنْ غابَ الصَّيْدُ فَماتَ فَإنَّهُ غَيْرُ مُمْسَكٍ، وفي الحَدِيثِ: ”كُلْ ما أصْمَيْتَ، ولا تَأْكُلْ ما أنْمَيْتَ“، ومَعْنى ”كُلْ ما أصْمَيْتَ“: أيْ: إنْ صِدْتَ صَيْدًا بِكَلْبٍ أوْ غَيْرِهِ، فَماتَ وأنْتَ تَراهُ ماتَ بِصَيْدِكَ، فَهو ما أصْمَيْتَ، وأصْلُ ”اَلصَّمَيانُ“، في اللُّغَةِ: اَلسُّرْعَةُ، والخِفَّةُ، فالمَعْنى: ”كُلْ ما أصْمَيْتَ“، أيْ: ما قَتَلْتَهُ بِصَيْدِكَ وأنْتَ تَراهُ أسْرَعَ في المَوْتِ، فَرَأيْتَهُ وعَلِمْتَ - لا مَحالَةَ - أنَّهُ ماتَ بِصَيْدِكَ، ومَعْنى ”ما أنْمَيْتَ“، أيْ: ما غابَ عَنْكَ فَماتَ ولَمْ تَرَهُ، فَلَسْتَ تَدْرِي أماتَ بِصَيْدِكَ، أمْ عَرَضَ لَهُ عارِضٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ، يُقالُ: ”نَمَتِ الرَّمْيَةُ“، إذا مَضَتْ والسَّهْمُ فِيها، و”أنْمَيْتُ الرَّمْيَةَ“، إذا رَمَيْتُها فَمَضَتْ والسَّهْمُ فِيها، قالَ امْرُؤُ القَيْسِ: ؎فَهْوَ لا تَنْمِي رَمِيَّتُهُ ∗∗∗ مالُهُ لا عُدَّ مِن نَفَرِهْ وَقالَ الحَرِثُ بْنُ وعْلَةَ الشَّيْبانِيُّ: ؎قالَتْ سُلَيْمى قَدْ غَنَيْتَ فَتًى ∗∗∗ فالآنَ لا تَصْمِي ولا تَنْمِي
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب