الباحث القرآني
طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة ٤، ٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سبق الكلام على الآية التي فيها بيان المحرمات مما أحل الله وهي؟
* طالب: الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهلّ لغير الله به، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع.
* الشيخ: كم هذه؟ ثمانية، أو تسعة، أو عشرة؟
* طالب: عشرة نعم.
* الشيخ: قوله: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ الاستثناء يعود على أيش؟
* طالب: على كله؟
* الشيخ: كله ما هو؟
* طالب: على المنخنقة، والموقوذة، والمتردّية، والنطيحة، وما أكل السبع إلا ما ذكيتم.
* الشيخ: إلى المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع إلا ما ذكيتم. وبأي شيء تكون التذكية؟
* طالب: بأن ينهر دمها، ويذكر اسم الله عليها.
* الشيخ: بأن ينهر دمها، ويذكر اسم الله عليها، لكن هل يُشترط أن تتحرك بعد الذبح أو لا يشترط؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني الشرط أن يسيل منها الدم الذي يسيل من المذبوح عادة، وهو الدم الأحمر السائل الحار دون الأسود البارد، هذا ما يدل على أنها حية، وقال بعض العلماء: لا بد أن تتحرك إما بعينها أو ذنبها أو رجلها، لكن الآية تدل على أنه متى ذُكّيت حلّت.
* الشيخ: ما معنى قوله: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ويش معناها؟ ما ذبح على النصب، كيف؟
* طالب: يذبحون عند الأصنام (...).
* الشيخ: كيف؟ من الكعبة للأصنام للأوثان؟
* الطالب: شيخ، كان عند الكعبة أوثان يذبحون عندها، وهذا غير..
* الشيخ: طيب لو كانت الأنصاب في (...)؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: طيب، لكن ويش معنى ذبح عليها؟ يعني ذبح لله على رأس الصنم؟
* الطالب: لا يا شيخ، عندها.
* الشيخ: لها، ذبح عندها لها.
* الطالب: ما يلزم لله الذبح، حتى لو كان لله فبالتوسل أو (...).
* الشيخ: أيش تقولون؟
* طلبة: ذبح لها.
* الشيخ: ذبح عليها يعني لها، ما الفرق بين ما ذبح على النصب، وما أُهِلّ لغير الله به؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما أُهِلّ لغير الله به وإن لم يكن من النصب، إذن الأول فعل والثاني قول، ما ذبح على النصب هذا فعل، وإن لم يذكر اسم النصب، وأما ما أهل لغير الله به فهو القول.
يقول عز وجل: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾ كيف نجمع بين هذه الآية وبين الواقع؟ لأنه إلى الآن والكفار لم ييئسوا من ديننا، هم يقاتلوننا ويغروننا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: خطأ.
* طالب: (...) عند نزول هذه الآية لكن تغير الحال بعد ذلك.
* الشيخ: يعني كونهم ييئسون لا يعني ذلك أنه لا بد أن يكون هو الواقع، صح، كما يئس الشيطان أن يُعبد في الجزيرة وعُبد، فعلى هذا نقول: اليأس الذي وقعت في قلوب الكفار لما رأوا الفتح العظيم وانتصار الإسلام قالوا: خلاص، ما يمكن للعرب أن يرتدوا، وهذا بناء على عقيدتهم، والواقع خلاف ذلك.
قوله عز وجل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ (أل) هنا لأي العهد؟
* طالب: للعهد الحضوري.
* الشيخ: العهد الحضوري؟ أيش الحضوري؟
* الطالب: العهد الحضوري هو أن يأتي بعد كل اسم إشارة.
* الشيخ: ما عندنا اسم إشارة؟ اليوم إشارة إلى اليوم الحاضر؛ يعني اليوم الحاضر، أيّ يوم هو؟
* الطالب: يوم عرفة.
* الشيخ: أي يوم الأسبوع؟
* طالب: يوم الجمعة.
* الشيخ: يوم الجمعة، أحسنت.
يعني كونهم ييئسون لا يعني ذلك أنه لا بد أن يكون هو الواقع، صح؟ كما يئس الشيطان أن يُعبَد في الجزيرة وعُبِد، فعلى هذا نقول: اليأس الذي وقع في قلوب الكفار لما رأوا الفتح العظيم وانتصار الإسلام قالوا: خلاص ما عاد يمكن للعرب أن يرتدوا، وهذا بناء على أيش؟ على عقيدتهم وظنهم، والواقع خلاف ذلك.
قوله عز وجل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة ٣] (أل) هنا لأي العهد؟
* طالب: العهد الحضوري يا شيخ.
* الشيخ: العهد الحضوري؟ أيش الحضوري؟
* الطالب: العهد الحضوري هو الذى يأتي بعد كل اسم إشارة.
* الشيخ: ما عندنا اسم إشارة، ﴿الْيَوْمَ﴾ إشارة إلى اليوم الحاضر، يعني اليوم الحاضر، أي يوم هو؟
* طالب: يوم عرفة.
* الشيخ: يوم عرفة، أي يوم من الأسبوع؟
* الطالب: يوم الجمعة.
* الشيخ: يوم الجمعة، طيب أحسنت. قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ [البقرة ١٧٣]، ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ فيها قراءتان، الآن نقولها: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ بالكسر ﴿فَمَنُ اضْطُرَّ﴾ بالضم، يعني فيها قراءتان: ﴿فَمَنُ اضْطُرَّ﴾ ؛ لمناسبة الضمة في الفعل ﴿اضْطُرَّ﴾، القراءة الثانية: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ على الأصل؛ وهو كسر الساكن عند التقاء الساكنين، ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ هذه واحدة، ﴿فَمَنُ اضْطُرَّ﴾ .
* طالب: الهمزة.
* الشيخ: لا لا، الهمزة ما فيها شيء، الكسر في النون: ﴿فَمَنُ اضْطُرَّ﴾ و﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ النون مضمومة ومكسورة.
* طالب: (...) التقاء ساكنين؟
* الشيخ: إي نعم، التقاء الساكنين؛ لأن الهمزة ﴿اضْطُرَّ﴾ همزة وصل، الهمزة همزة وصل، وهمزة الوصل ساكنة ولا متحركة؟
* طلبة: ساكنة.
* الشيخ: ساكنة، والأصل أنه إذا التقى ساكنان يُكسر ما سبق، هذا الأصل، لكن هنا ضُمّت لمناسبة ضم الطاء؛ لأنها قد تكون أيسر في النطق ﴿فَمَنُ اضْطُرَّ﴾ قد تكون أسهل على الإنسان من ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾.
ما المراد بالمخمصة؟
* طالب: الجوع.
* الشيخ: نعم، المخمصة الجوع.
في آية أخرى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ [البقرة ١٧٣] هل بينهما تعارض؟
* طالب: لا ليس..
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: لأن من اضطر في مخمصة هو غير باغ ولا عاد.
* الشيخ: إذن ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ للميتة، ﴿وَلَا عَادٍ﴾ آكلٍ أكثر من الضرورة، عرفت؟ لكن بعض العلماء فسّر الباغي بالخارج عن الإيمان، والعادي الآثم بسفره، فهل هذا التفسير صحيح؟ ذكرنا هذا يا جماعة، لا إله إلا الله، الظاهر أنكم تنسون.
في قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ﴾ أي: في مجاعة، ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ أي: مائل إلى الإثم، وذلك بأكله بدون ضرورة، أو بالزيادة على الضرورة، لكن ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ [البقرة ١٧٣] في آية أخرى، فمنهم من قال: ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ تفسِّر آية المائدة، وآية المائدة من آخر ما نزل، فيكون ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ لأكل الميتة، ﴿وَلَا عَادٍ﴾ آكل أكثر من ضرورته، وهذا تفسير مطابق للآية الأخرى.
وبعضهم قال: ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾: البغاة هم الذين يخرجون على الإمام، ﴿وَلَا عَادٍ﴾ أي: ولا عاصٍ في سفره، ولكن يقال: أين هذا المعنى من الآية؟ بعيد جدًّا، ولهذا قالوا: من كان عاصيًا في سفره فإنه وإن اضطر وإن مات لا يأكل من الميتة؛ لأنه شرط أن يكون السفر مباحًا، والصحيح خلاف ذلك، الصحيح أن القرآن يفسر بعضه بعضًا، وأن قوله: ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ تطابق قوله: ﴿فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ تطابقها تمامًا.
في الآية الكريمة قال: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، فهل نأخذ من هذا حكمًا للمضطرّ إلى الميتة؟ ﴿مَنِ اضْطُرَّ﴾ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ويش تفهم من الآية؟
* طالب: ما عليه إثم إذا اضطر إلى الأكل.
* الشيخ: يعني من اضطر فإن الله غفور رحيم يعني فيغفر الله له؟
* الطالب: لا يؤاخذه.
* الشيخ: يعني أن الله يغفر له ويرحمه، فغفر له الذنب بتناول هذا المحرَّم، ورحمه بإباحته له. ذكرنا لكم على هذه الآية أو غيرها أن ما تُختم به الآية يؤخَذ منه الحكم، ولّا ما ذكرناه؟
* طالب: ذكرنا.
* الشيخ: ذكرنا هذا، ومن هذا من أمثلته هذه الآية، ومن أمثلته قوله تعالى في قُطَّاع الطريق: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عليهمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣٤] أي: فتسقط عنهم العقوبة، وذكرنا لكم قصة عن أعرابي سمع قارئًا يقرأ قول الله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالًا من الله والله غفور رحيم، فقال الأعرابي للقارئ: أخطأت، اقرأ. فأعادها على ما قرأها أولًا: نكالًا من الله والله غفور رحيم، فقال: أعِدها، ما هكذا؟ فقال: ﴿نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة ٣٨]، قال: الآن أصبت، وجه ذلك؟ قال: لأنه عزّ وحكم فقطع، ولو غفر ورحم ما قطع. وهذا صحيح، هذا استنباط واضح.
إذن ﴿مَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ غُفِر له ذنبه بأكله، بل وأُحِلّ له ذلك برحمة الله، أخذنا فوائدها أظن؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: زين.
قال الله عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ﴾ [المائدة ٤]، ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ الفاعل هم الصحابة، والصحابة لا يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام إلا عن شيء فيه منفعة لهم؛ إما في الدين أو في الدنيا، وأيضًا هو مُشكِل عليهم، وقد ذكر الله تعالى في القرآن حوالي اثني عشر موضعًا من سؤال الصحابة له، فهل أجابهم الرسول؟ الآية تدل على أنه لم يُجبهم، بدليل أن الله قال له: ﴿قُلْ﴾، يعني في جوابهم، ﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ إلى آخره.
واعلم أن السؤال تارة يراد به سؤال المال، وتارة يراد به الاستفهام؛ فإذا أريد به سؤال المال نصب مفعولين، وإذا أريد به استفهام نصب مفعولًا واحدًا ثم عُدِّيَ إلى الثاني بـ (عن)، انتبه، فإذا أردت أن تسأل رجلًا درهمًا تقول: أسألك درهمًا، ومنه قول الله تعالى: «مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (١١٤٥)، ومسلم (٧٥٨ / ١٦٨) من حديث أبي هريرة.]]، أي: من يسألني شيئًا، فالمفعول الثاني محذوف؛ لدلالة السياق عليه، وإذا أردت أن تسأل عن ضالة ضاعت لك تقول: أسألك عن ضالتي، وتقول: سألني فلان عن المسألة الفلانية، ويتعدى -قلت لكم- إلى المفعول الثاني بأيش؟ بـ (عن).
فإن قال قائل: ما الجواب عن قوله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ [المعارج ١]؟ قلنا: الجواب عن ذلك مختلَف فيه عند العلماء؛ فمن قال: إن الفعل إذا تعدى إلى ما لا يتعدى به فإنه يُضَمَّن معنى يناسب الحرف الذي تعدّى به، ومنهم من قال: إن الحرف يفسَّر بالحرف المناسب للفعل، أنتم فاهمين ذلك؟ إذا تعدى الفعل إلى مفعوله بحرف جرت العادة أنه يتعدى به فالأمر واضح، لم تجرِ العادة أنه يتعدى به فهنا اختلف النحويون؛ هل يفسَّر الحرف بما يناسب الفعل، أو يفسر الفعل بما يناسب الحرف، فهمتم؟ نشوف، قال الله تعالى: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان ٦] ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ ما الذي يناسب ﴿يَشْرَبُ﴾؟
* طلبة: منها.
* الشيخ: منها، كما قال تعالى: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة ٢٤٩] لكن جاءت الآية: ﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾، على القول بأن الحرف يكون بمعنى الحرف المناسب للفعل، نقول: الباء في قوله: ﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾ بمعنى (من)، وعلى القول الثاني نلتمس معنى يناسب الباء، فــ﴿يَشْرَبُ﴾ الفعل الذي يناسب الباء أن تقول: إن ﴿يَشْرَبُ﴾ تضَمَّن معنى (يَرْوَى)، وحينئذ يكون التقدير: عينًا يَرْوَى بها عباد الله، أفهمتم؟ أيهما أبلغ؟
* طلبة: الأول.
* طلبة آخرون: الثاني.
* الشيخ: الثاني أبلغ؛ لأن الرِّيّ يستلزم الشرب، ولا عكس، وحينئذ يكون التجوُّز بالفعل لا بالحرف، وهذا مذهب نحاة البصرة، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله في مقدمة التفسير.
نرجع إلى الآية: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾، من قال: إن التجوز بالحرف، يقول: الباء هنا بمعنى (عن)، ومن قال: التجوز بالفعل، قال: ﴿سَأَلَ﴾ هنا ضُمِّنت معنى الجواب، سأل سائل فأجيب بعذاب واقع، وهذا أصح كما قلنا.
الآية اللي معنا: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ﴾ سؤال أيش، مال ولّا علم؟
* الطلبة: علم.
* الشيخ: علم، ﴿مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ﴾، (ذا) هنا بمعنى (الذي)، قال ابن مالك رحمه الله:
؎وَمِثْلُ مَا ذَا بَعْدَ مَا اسْتِفْهَام ∗∗∗ .....................................
أي: مثل صيغ العموم الموصولة (ذا) بعد (ما) استفهام، أي: بعد (ما) الاستفهامية، ما الذي أُحِلّ لهم؟ ونائب الفاعل يعود على (ما)، والمحلِّل من؟ الله.
﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ أي: أُحِلّ لكم الأطعمة الطيبات، قال الله تعالى في وصف النبي ﷺ: ﴿يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف ١٥٧]، ومعنى الآيتين -والله أعلم- أن كل ما أحلّه الله فهو طيب، وكل ما حرّمه فهو خبيث، وليس كل خبيث يكون حرامًا، بدليل أن النبي ﷺ وصف الثوم بأنها شجرة خبيثة ولم يحرِّمها[[أخرجه مسلم (٥٦٥ / ٧٦) من حديث أبي سعيد الخدري.]].
﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ﴾، يعني: وأحلَّ لكم ما صاده ما علَّمتم من الجوارح، والجوارح جمع جارحة وهي الكاسبة، ﴿مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ أي: مُعلِّمين لهن، ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾، ويحتمل أن يكون ﴿مُكَلِّبِينَ﴾ أي: جارحين، يعني أن هذه الكواسب تجرح ما أمسكت، ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ﴾ أي: الجوارح، ﴿مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ أي: في كيفية الصيد.
﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ ﴿كُلُوا﴾، يعني على وجه الإباحة، والأمر هنا للإباحة، ﴿مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾، و(من) هنا بيانية وليست تبعيضية، و﴿أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: لكم، وهنا نقول فيها ما سبق، ﴿مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: مما أمسكن مضمومًا إليكم، أو مما أمسكن عليكم، يعني محملًا عليكم، أو ما أشبه ذلك -على القول بتضمين الفعل- وأما على القول بأن المجاز بالحرف تكون (على) بمعنى اللام، أي: مما أمسكن لكم.
﴿وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ اذكروا اسم الله عليه متى؟ عند الأكل أو عند إرسال الجارحة؟
* طلبة: عند إرسال..
* طالب: كلاهما.
* الشيخ: الواقع أنه كلاهما، السنة دلَّت على أنه يسمي إذا أرسل الجارحة، والقرآن دلَّ على أنه يسمي إذا أمسكه وأراد أن يأكل يسمي، فتكون التسمية على الأكل والتسمية على الإرسال.
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾، ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: اتخذوا وقاية من عذابه، وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
﴿إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ هذه الجملة خبرية مؤكَّدة بـ (إن)، والغرض منها التخويف من اجتناب التقوى، أن من لم يتق الله فسيعاقَب، والله تعالى شديد العقاب.
* طلبة: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
* الشيخ: نعم ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾، نعم أخطأت أنا، ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ أي: إن الله تعالى سيحاسبكم على أعمالكم، وهو سريع الحساب، وهذا يتضمن سرعة التنفيذ من وجه، وسرعة الوقت من وجه آخر؛ أما سرعة الوقت فما أسرع الدنيا تمضي سريعًا وإذا بالإنسان قد انتهى، وأما سرعة التنفيذ فإن الله تعالى يحاسب الخلائق يوم القيامة على كثرتهم يحاسبهم في نصف يوم؛ لقول الله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان ٢٤].
* في الآية فوائد عديدة، منها: حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم؛ لقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ﴾.
ومن هنا نعرف أن ما لم يسأل الصحابةُ عنه مما يرد السؤال عنه في عصرنا من أمور الغيب فالسؤال عنه بدعة؛ لأنّا نعلم أنه لو كان هناك خير في العلم به لألهم الله الصحابة أن يسألوا عنه حتى يتبين الأمر.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإحلال والتحريم ليس إلى العباد، بل هو إلى الله، وقد حذَّرنا الله عز وجل من أن نحلِّل أو نحرِّم لأهوائنا، فقال: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النحل ١١٦].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يستقلّ بالتحليل أو التحريم، وجهه؟
* طالب: لأنه لم يجبهم ﷺ، بل (...) الله سبحانه.
* الشيخ: أن الرسول لم يجبهم ولكن الله تعالى أجابهم، وقد صرَّح بذلك النبي ﷺ بذلك، حيث قال للصحابة: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسَاجِدَنَا»، فذهب الصحابة يقولون: حُرِّمَت، حُرِّمَت، فبلغ ذلك النبي ﷺ، فقال لهم: «إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ رِيحَهَا»[[أخرجه مسلم (٥٦٥ / ٧٦) من حديث أبي سعيد الخدري.]].
* طالب: شيخ، النُّصُب هل المراد بها الأصنام أم كل مَبْنِيّ؟
* الشيخ: المراد بها ما نُصِب.
* الطالب: شيخ، طيب الآن يذبحون عند القبور يذبحون لله ولكن يتوسلون بهم.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: هذا إذا لم يذبحه لنفس القبر فهو حلال، لكن فعلهم نوع من الشرك.
* الطالب: ما ذبحوا للأزلام؟
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: ذبحت على النصب؟
* الشيخ: لا، ما ذبحوها عليها، ذبحوها لله عز وجل لكن اعتقدوا أن هذا المكان أفضل.
* طالب: في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (...)؟
* الشيخ: ما جاء، الفوائد ما وصلنا..
* طالب: هل يقال: إنه يشرع لمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم أن يستغفر بعد أن يأكل من الميتة مثلًا؟
* الشيخ: ما يقال، بل يشرع له أن يحمد الله، «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ وَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا، وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ وَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا».[[أخرجه مسلم (٢٧٣٤ / ٨٨) من حديث أنس بن مالك.]]
* طالب: يا شيخ، فيه قاعدة في النحو (...) نحمل حرف على حرف آخر لنفس الفعل أيسر (...)؟
* الشيخ: نقول:
؎إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ ∗∗∗ وجاوزه إلى مَا تَسْتَطِيعُ
* طالب: مثلًا يعني..
* الشيخ: لا، هو التضمين لا شك أنه أقوى، أقوى لأنه يتضمن الفعل الذى يتعدى إلى هذا الحرف وزيادة، وهذه إن شئت فاجعلها مستثناة.
* طالب: الصيد لا يؤكل كله، والآية خاصة بما يوجب الصيد، ما يؤكل الجلد؟
* الشيخ: لا، إذا شئت فكل الجلد، وإن شئت كل الريش أيضًا ما فيه مانع!
* الطالب: كيف تكون (...)؟
* الشيخ: مثل أن تقول: خاتم من حديد، وما أشبه ذلك.
* طالب: عفا الله عنك، من القائل أن قوله تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهمُ الْخَبَائِثَ﴾ دليل على أن كل الخبائث محرَّمة بدليل حديث الثوم لما وصفه النبي ﷺ بالخبث، ظن الصحابة أنه محرَّم، وأنه لما لم يكن خبيثًا من كل وجه استثناه النبي ﷺ أنه ليس منطبقًا عليه..
* الشيخ: لا، هذا ما يستقيم؛ لأن الصحابة إنما قالوا: حُرِّمَت، حيث حرَم مَن أكلها أن يحضر المصلَّى، ما يتعين إنه لوصفها بالخبث.
* الطالب: استدلال كثير من أهل العلم بهذه الآية على تحريم الدخان؟
* الشيخ: ما هو مستقيم، أبدًا ما هو مستقيم، وهذا هو الذي جعلنا نقول بهذا؛ لأن كل محرَّم فهو خبيث، وليس كل خبيث محرمًا.
* طالب: أحسن الله إليك، قوله تعالى: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ (...) بهيمة أكل السبع بعض منها، ووجد البعض و(...)؟
* الشيخ: يؤكل؛ لأنه قال: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾.
نستمر في أخذ الفوائد.
* من فوائد الآية الكريمة: أن كل ما أحله الله تعالى فهو طيِّب، نافع للبدن، ونافع للقلب، ونافع للفرد، ونافع للمجتمع؛ لقوله: ﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾، نأخذ بالمفهوم أن كل ما حرَّم الله فهو خبيث.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إحلال ما اقتنصته الجوارح، فما هي الجوارح؟ هل كل جارح يمكن أن يؤكل لحمه، أي يؤكل ما صاده؟ نقول: نعم، كل جارح، لكن بشرط أن يكون مُعلَّمًا، وأكثر ما يقبل التعليم الكلاب، وهذه للزواحف، ثم الصقور، وهذه للطائر، فإذا كان من الكلاب فلا بد أن يسترسل إذا أُرْسِل وينزجر إذا زُجِر، وإذا أمسك لم يأكل، كم شرط؟ ثلاثة: يسترسل إذا أُرْسل، يعني مثلًا إذا رأيت الصيد وأرسلته استرسل، ينزجر إذا زجر، يعني إذا زجرته ليقف وقف؛ لأنه لو تجاوز وأنت أمرته أن يقف فمعناه أنه صاد لنفسه، الثالث: إذا أمسك لم يأكل، فإن أكل فهو دليل على أنه إنما أمسك على نفسه، والله أعلم.
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أظن آخر ما أخذنا الفوائد؟
* طالب: ما كملناها.
* الشيخ: ما كملنا أيش؟
* طالب: الفوائد.
* الشيخ: من أين؟
* طالب: ومنها أن كل ما قنص الجارح وكان الجارح معلَّمًا وذُكِر اسم الله عليه فهو حلال.
* الشيخ: ما ذكرنا كيفية التعليم؟
* طالب: تعليم الكلب فقط.
* الشيخ: ويش قلنا؟
* طالب: إحلال ما اقتنصته الجوارح كل جذع يمكن أن يُقتل وأصابه لكن بشرط أن يكون مُعلَّمًا، وأفضل ما يقبل التعليم الكلاب؛ وهذه للزواحف، ثم الصقور؛ وهذه للطائر، فإذا كان من الكلاب فلا بد أن يسترسل إذا أُرسل، إلى آخره، ذكرنا ثلاثة شروط.
* الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن من الحيوان ما يقبل التعليم؛ لقوله: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: فضيلة العلم؛ لأن الله تعالى فرَّق بين صيد ما ليس بمعلَّم وما كان مُعَلَّمًا، فأحلَّ الثاني ولم يُحلّ الأول، وهذا يدل على فضل التعليم حتى في الحيوانات.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب ذكر اسم الله تعالى عند إرسال الجارح؛ لقوله: ﴿وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾، وهذا على أحد الاحتمالات في الآية؛ لأن هناك احتمالًا آخر؛ وهو أن المعنى اذكروا اسم الله عليه عند أكله، ومعنى ثالث وهو: اذكروا اسم الله عليه إذا أدركتموه حيًّا قبل أن يقتله الجارح، وكل هذه محتملة في الآية فتُحمَل عليها جميعًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بركة ذكر اسم الله، وشواهد هذا كثيرة، منها: حِلّ الذبيحة، حِلّ الصيد، تمام الطهارة في الوضوء، أن البركة تنزل في الطعام، أن الحَمل يوقَى إساءة الجن والشياطين، المهم أن بركة اسم الله تعالى كثيرة، لها شواهد كثيرة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن ظاهرها إباحة ما صاده الجارح سواء جرح أم لم يجرح، وهذا مبني على أن المراد بالجوارح الكواسب، أما إذا قلنا: إن الجوارح جمع جارح وهو الذي يجرح الشيء، فحينئذ لا بد من أن ينهر الدم، ويتبين ذلك بالمثال، مثلًا لو جاء الكلب لو جاء بالصيد مخنوقًا ليس فيه أي جرح ولم يخرج منه أي دم، فهل يُباح أو لا؟
إن قلنا: إن المراد بالجوارح الكواسب، فهو مباح، وإذا قلنا: المراد بالجوارح الجارحات اللاتي يجرحن الجلد ويخرج منه الدم، فإنه لا يباح، والمسألة فيها خلاف بين العلماء؛ منهم من يقول: إنه يشترط أن يجرح الكلب، فإن لم يجرح فلا يحل، واستدل هؤلاء بعموم قوله ﷺ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٨٨)، ومسلم (١٩٦٨ / ٢٠) من حديث رافع بن خديج.]].
ومنهم من قال: إن الجوارح هن الكواسب، وإن كل ما أمسكنه على صاحبهن فإنه حلال سواء جرح أم لم يجرح، ولا شك أن الاحتياط تركه، لكن التحريم فيه نظر، يعني الاحتياط إذا جاء الكلب لك بصيد لم يُجرح أن تتركه، ولكن كوننا نجزم بالتحريم لا نجزم به؛ لعموم: ﴿كُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: قطْع ما يوجب الإعجاب بالنفس؛ لأن قوله: ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ﴾ فيه إسناد التعليم إلى البشر، فقد يزهى الإنسان بنفسه ويغتر ويعجب، فلهذا قال الله عز وجل: ﴿مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾، إشارة إلى أن عِلمك الذي تعلِّمه إياهن أين مصدره؟ من عند الله عز وجل ﴿مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن العلم لا يختص بالعلوم الشرعية، بل علم كل شيء بحسبه، فالعلم هنا ليس هو العلم بالأحكام الشرعية وهذا واجب وهذا حرام، وما أشبه ذلك، لكنه علم بتعليم الجوارح كيف يصدن، فيكون فيه دليل على أن العلم يختص بما يقتضيه السياق، وكل شيء بحسبه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: سعة رحمة الله عز وجل؛ حيث أباح لنا ما ذكَّيناه بأيدينا وما ذكَّيناه بواسطة؛ بواسطة أي واسطة الجوارح، وهذا لا شك أنه من توسيع الله لنا في الرزق.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المشقة تجلب التيسير؛ لأنه لما كان يشق على الإنسان أن يصطاد الصيد بنفسه في كل وقت وحين، ربما يكون مثلًا في جبال، في سهول، في أودية لا يستطيع أن يصيد بنفسه، رُخِّص له أن يصيد بجارحه، فهذا من توسعة الله سبحانه وتعالى على عباده في أسباب الرزق.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب ذكر اسم الله تعالى، ومنه عند إرسال الصيد، فإن نسي فإنها لا تحلّ؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام ١٢١]، ولأن النبي ﷺ جعل ذِكْر اسم الله شرطًا، والشرط لا يسقط بالسهو، وهذا هو القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهو مقتضى الأدلة.
وقال بعض العلماء: إنها -أي التسمية- تسقط بالسهو؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة ٢٨٦]، فقال الله: قد فعلت، لكننا نقول: إن هذا الذي لم يذكر اسم الله على الذبيحة أو على الصيد إذا نسي هو معذور لا شك ولا يؤاخَذ، ولو تعمد ترك التسمية وذبح أو صاد كان بذلك آثمًا؛ لأنه إضاعة مال، ونوع من الاستهزاء بآيات الله، فهو هذا الذي نسي لا يؤاخَذ.
لكن النظر الآن ليس في الذابح أو الصائد، النظر الآن في الآكل، نقول لمن أراد أن يأكل من هذا الصيد الذي لم يُذكر اسم الله عليه: هذا الصيد لم يُذكر اسم الله عليه، وقد نُهيتَ أن تأكل، فإن أكل ناسيًا فلا شيء عليه؛ لأن المسألة هنا لها جهتان: جهة الصائد والذابح، وجهة الآكل، وكلاهما لا يؤاخَذ بالنسيان، لكن إذا كان الذابح أو الصائد ناسيًا فإنه لا يؤاخَذ، ثم يتوجه المنع إلى من؟ إلى الآكل، ويقال له: لا تأكل مما لم يُذكر اسم الله عليه.
وزعْمُ من زعم أن المراد بما ﴿لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ الميتة زعمٌ خاطئ؛ لأن الله تعالى ذكر تحريم الميتة صريحًا، فقال: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة ٣]، ولو أراد الله تعالى ذلك لقال: ولا تأكلوا الميتة، وعلى هذا فما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله هو القول الحق.
لكن ذكر ابن جرير في تفسيره أن الإجماع منعقد على أن متروك التسمية نسيانًا حلال، وتعقبه ابن كثير رحمه الله وقال: إن ابن جرير ممن لا يَعْتَدّ بقول الواحد والاثنين في نقض الإجماع، وهو خلاف ما عليه العلماء، والصواب أن الإجماع لا بد أن لا يوجد مخالف، فإن وُجِد مخالف ولو واحدًا من الفقهاء المجتهدين فلا إجماع.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب تقوى الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾.
* ومن فوائدها: الإشارة إلى أن من أكل ما لم يحلله الله فهو غير مُتَّقٍ لله.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الحساب؛ لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
* ومنها أيضًا: أن الله تعالى سريع الحساب، ومن ذلك ما ذكرناه في التفسير؛ أن المراد به سرعة لقاء الله عز وجل؛ وذلك بالموت، وسرعة فصل الله بين العباد؛ وذلك يوم القيامة، فإن الله يفصل بين الناس ويحاسبهم في نصف يوم، بدليل قوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾.
فإن قال قائل: سرعة الحساب من صفات الله الذاتية أو الفعلية؟ قلنا: هي من الفعلية؛ لأن المحاسبة فعل يتعلق بمشيئته، وعلى هذا فيكون فيه إثبات الصفات الفعلية.
{"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَاۤ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِینَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُوا۟ مِمَّاۤ أَمۡسَكۡنَ عَلَیۡكُمۡ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَیۡهِۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق