وقول تعالى: يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ: سببُ نزولها أنَّ النبيَّ ﷺ/ لمّا أمر بقتل الكلابِ. سأله عاصمُ بنُ عَدِيٍّ وغيره، مَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الكِلابِ» [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 248) برقم (11138) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (2/ 154) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 458) ، وعزاه لابن جرير عن عكرمة.]] .
قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 156) .]] : وظاهر الآية أنَّ سائلاً سأل عمَّا يحلُّ للنَّاسِ من المَطَاعِمِ لأنَّ قوله تعالى: قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ليس بجوابٍ عمَّا يحِلُّ للناسِ اتخاذه من الكلاَبِ إلاَّ أنْ يكون مِنْ باب إجَابَةِ السائلِ بأكثر ممَّا سأَلَ عنه، وهو موجود كثيرا من النبيّ ﷺ، والطَّيِّبُ:
الحَلاَل.
وقوله سبحانه: وَما عَلَّمْتُمْ: أي: وصَيْدُ ما علَّمتم، قال الضَّحَّاك وغيره: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ: هي الكلاَبُ خاصَّةٌ.
قال العِرَاقِيُّ في مُكَلِّبِينَ: أصحاب أَكْلُبٍ لها مُعَلِّمين. انتهى، وأعلى مراتِبِ التَّعْلِيمِ، أنْ يُشْلى الحَيَوانُ فَيَنْشَلِي، ويدعى فَيُجِيب، ويُزْجَر بَعْد ظَفَرِهِ بالصَّيْد، فينزجر، وجوارِحُ: جمع جَارِحٍ، أي: كاسب، يقال: جَرَحَ فلانٌ، واجترح إذا اكتسب ومنه قوله تعالى: وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ [الأنعام: 60] ، أي: ما كَسَبْتُمْ مِنْ حسنةٍ وسيئةٍ.
قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 157) .]] : وقرأ [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 157) .]] جمهورُ النَّاس: وَما عَلَّمْتُمْ- بفتح العين واللام-، وقرأ ابن عبّاس ومحمّد ابن [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 157) ، و «البحر المحيط» (3/ 445) ، و «الدر المصون» (2/ 489) .]] الحنفيَّة: «عُلِّمْتُمْ» - بضم العين وكسر اللام-: أي: من أمرِ الجوارحِ، والصَّيْدِ بِها، وقرأ جمهورُ النَّاس: «مُكَلِّبِينَ» - بفتح الكاف وشَدِّ اللام-، والمُكَلِّبُ: معلّم الكلاب، ومضرّيها، ويقال لِمَنْ يعلِّم غَيْرَ كَلْبٍ: مُكَلِّب لأنه يَرُدُّ ذلك الحيوان كالكَلْبِ.
وقوله سبحانه: تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ: أيْ: تعلمونَهُنَّ الحِيلَةَ في الاصطياد، والتأتّي لتحصيل الحيوان، وهذا جزء مما علّمه الله الإنسان، ف «مِنْ» : للتبعيض.
وقوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ: يحتملُ: ممَّا أمسكْنَ، فلم يأكلْنَ منه شيئاً، ويحتملُ: ممَّا أمسكْن، وإن أكلْنَ منه، وبحَسَبِ هذا الاحتمالِ اختلف العلماءُ في جواز أكْلِ الصيد، إذا أكل منه الجارحُ.
وقوله سبحانه: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ: أمر بالتسمية عند الإرسال، وذهب مالك وجمهورُ العلماء أنَّ التسمية واجبةٌ، مع الذِّكر، ساقطةٌ مع النِّسْيَان، فمن تركَهَا عامداً، فقد أفْسَدَ الذبيحةَ والصَّيدَ، ومن تَرَكها ناسياً، سمى عند الأكْلِ، وكانَتِ الذبيحةُ جائزةً، وفِقْهُ الصيْدِ والذبْحِ في معنى التسميةِ- واحدٌ.
ثم أمر سبحانه بالتقوى على الجُمْلة، والإشارة إلى ما تضمَّنته هذه الآياتُ مِنَ الأوامِرِ والنواهِي، وفي قوله: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ: وعيدٌ وتحذيرٌ.
{"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَاۤ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِینَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُوا۟ مِمَّاۤ أَمۡسَكۡنَ عَلَیۡكُمۡ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَیۡهِۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ"}