الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى:
﴿وَما ذُبِحَ عَلى النُصُبِ وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ ذَلِكم فِسْقٌ اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكم فَلا تَخْشَوْهم واخْشَوْنِ اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكم وأتْمَمْتُ عَلَيْكم نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكم الإسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ في مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لإثْمٍ فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣] ﴿يَسْألُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهم قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَيِّباتُ وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ﴾
قَوْلُهُ: ﴿ "وَما ذُبِحَ"؛﴾ [المائدة: ٣] عُطِفَ عَلى المُحَرَّماتِ المَذْكُوراتِ؛ و"اَلنُّصُبُ": جَمْعٌ؛ واحِدُهُ "نِصابٌ"؛ وقِيلَ هو اسْمٌ مُفْرَدٌ؛ وجَمْعُهُ "أنْصابٌ"؛ وهي حِجارَةٌ تُنْصَبُ؛ كانَ مِنها حَوْلَ الكَعْبَةِ ثَلاثُمِائَةٍ وسِتُّونَ؛ وكانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَها؛ ويَذْبَحُونَ عَلَيْها لِآلِهَتِهِمْ؛ ولَها أيْضًا؛ وتُلَطَّخُ بِالدِماءِ؛ وتُوضَعُ عَلَيْها اللُحُومُ قِطَعًا قِطَعًا؛ لِيَأْكُلَ الناسُ؛ قالَ مُجاهِدٌ ؛ وقَتادَةُ ؛ وغَيْرُهُما: اَلنُّصُبُ حِجارَةٌ؛ كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَذْبَحُونَ عَلَيْها؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: ويُهِلُّونَ عَلَيْها؛ قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: اَلنُّصُبُ لَيْسَتْ بِأصْنامٍ؛ الصَنَمُ يُصَوَّرُ؛ ويُنْقَشُ؛ وهَذِهِ حِجارَةٌ تُنْصَبُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقَدْ كانَتْ لِلْعَرَبِ في بِلادِها أنْصابٌ حِجارَةٌ يَعْبُدُونَها؛ ويَحْكُونَ فِيها أنْصابَ مَكَّةَ؛ ومِنها الحَجَرُ المُسَمّى بِـ " سَعْدٌ "؛ وغَيْرُهُ؛ قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كانَتِ العَرَبُ تَذْبَحُ بِمَكَّةَ؛ ويَنْضَحُونَ بِالدَمِ ما أقْبَلَ مِنَ البَيْتِ؛ ويَشْرَحُونَ اللَحْمَ؛ ويَضَعُونَهُ عَلى الحِجارَةِ؛ فَلَمّا جاءَ الإسْلامُ قالَ المُسْلِمُونَ لِرَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: نَحْنُ أحَقُّ أنْ نُعَظِّمَ هَذا البَيْتَ بِهَذِهِ (p-١٠٠)الأفْعالِ؛ فَكَأنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ؛ فَأنْزَلَ اللهُ تَعالى: ﴿لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها ولا دِماؤُها﴾ [الحج: ٣٧] ؛ ونَزَلَتْ: ﴿وَما ذُبِحَ عَلى النُصُبِ﴾ [المائدة: ٣].
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: اَلْمَعْنى والنِيَّةُ فِيها تَعْظِيمُ النُصُبِ؛ قالَ مُجاهِدٌ: وكانَ أهْلُ مَكَّةَ يُبَدِّلُونَ ما شاؤُوا مِن تِلْكَ الحِجارَةِ إذا وجَدُوا أعْجَبَ إلَيْهِمْ مِنها؛ قالَ ابْنُ زَيْدٍ: ما ذُبِحَ عَلى النُصُبِ؛ وما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ؛ شَيْءٌ واحِدٌ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ما ذُبِحَ عَلى النُصُبِ جُزْءٌ مِمّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ؛ لَكِنْ خُصَّ بِالذِكْرِ بَعْدَ جِنْسِهِ؛ لِشُهْرَةِ الأمْرِ؛ وشَرَفِ المَوْضِعِ؛ وتَعْظِيمِ النُفُوسِ لَهُ؛ وقَدْ يُقالُ لِلصَّنَمِ أيْضًا "نُصُبٌ"؛ لِأنَّهُ يُنْصَبُ؛ ورُوِيَ أنَّ الحَسَنَ بْنَ أبِي الحَسَنِ قَرَأ: "وَما ذُبِحَ عَلى النَصْبِ"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ وسُكُونِ الصادِ؛ وقالَ: عَلى الصَنَمِ؛ وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "عَلى النُصْبِ"؛ بِضَمِّ النُونِ؛ وسُكُونِ الصادِ؛ وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ: "عَلى النَصَبِ"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ والصادِ؛ ورُوِيَ عنهُ أنَّهُ قَرَأ بِضَمِّ النُونِ؛ والصادِ؛ كَقِراءَةِ الجُمْهُورِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ﴾ [المائدة: ٣] ؛ حَرَّمَ بِهِ تَعالى طَلَبَ القِسْمِ؛ وهو النَصِيبُ؛ أوِ القَسْمُ؛ بِفَتْحِ القافِ؛ وهو المَصْدَرُ؛ بِالأزْلامِ؛ وهي سِهامٌ؛ واحِدُها: "زَلَمٌ"؛ بِضَمِّ الزايِ؛ وبِفَتْحِها؛ وأزْلامُ العَرَبِ ثَلاثَةُ أنْواعٍ؛ مِنها الثَلاثَةُ الَّتِي كانَ يَتَّخِذُها كُلُّ إنْسانٍ لِنَفْسِهِ؛ عَلى أحَدِها: "اِفْعَلْ"؛ والآخَرِ: "لا تَفْعَلْ"؛ والثالِثُ مُهْمَلٌ لا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ فَيَجْعَلُها في خَرِيطَةٍ مَعَهُ؛ فَإذا أرادَ فِعْلَ شَيْءٍ أدْخَلَ يَدَهُ - وهي مُتَشابِهَةٌ - فَأخْرَجَ أحَدَها؛ وائْتَمَرَ وانْتَهى بِحَسَبِ ما يَخْرُجُ لَهُ؛ وإنْ خَرَجَ القِدْحُ الَّذِي لا شَيْءَ فِيهِ أعادَ الضَرْبَ؛ وهَذِهِ هي الَّتِي ضَرَبَ بِها سُراقَةُ بْنُ مالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ؛ حِينَ اتَّبَعَ النَبِيَّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وأبا بَكْرٍ ؛ وقْتَ الهِجْرَةِ.
والنَوْعُ الثانِي سَبْعَةُ قِداحٍ؛ كانَتْ عِنْدَ هُبَلَ؛ في جَوْفِ الكَعْبَةِ؛ فِيها أحْكامُ العَرَبِ؛ وما يَدُورُ بَيْنَ الناسِ مِنَ النَوازِلِ؛ في أحَدِها العَقْلُ في أُمُورِ الدِياتِ؛ وفي آخَرَ: (p-١٠١)"مِنكُمْ"؛ وفي آخَرَ: "مِن غَيْرِكُمْ"؛ وفي آخَرَ: "مُلْصَقٌ"؛ وفي سائِرِها: أحْكامُ المِياهِ؛ وغَيْرُ ذَلِكَ؛ وهي الَّتِي ضُرِبَ بِها عَلى بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ؛ إذْ كانَ نَذَرَ هو نَحْرُ أحَدِهِمْ إذا أكْمَلُوا عَشْرَةً؛ وهو الحَدِيثُ الطَوِيلُ الَّذِي في سِيرَةِ ابْنِ إسْحاقَ ؛ وهَذِهِ السَبْعَةُ أيْضًا مُتَّخَذَةٌ عِنْدَ كُلِّ كاهِنٍ مِن كُهّانِ العَرَبِ؛ وحُكّامِهِمْ؛ عَلى نَحْوِ ما كانَتْ في الكَعْبَةِ عِنْدَ هُبَلَ.
والنَوْعُ الثالِثُ هو قِداحُ المَيْسِرِ؛ وهي عَشْرَةٌ؛ سَبْعَةٌ مِنها فِيها خُطُوطٌ؛ لَها بِعَدَدِها حُظُوظٌ؛ وثَلاثَةٌ أغْفالٌ؛ وكانُوا يَضْرِبُونَ بِها مُقامَرَةً؛ فَفِيها لَهْوٌ لِلطّالِبِينَ؛ ولَعِبٌ؛ وكانَ عُقَلاؤُهم يَقْصِدُونَ بِها إطْعامَ المَساكِينِ؛ والمُعْدَمِ؛ في زَمَنِ الشِتاءِ؛ وكَلَبَ البَرْدُ؛ وتَعَذَّرَ التَحَرُّفُ؛ وكانَ مِنَ العَرَبِ مَن يَسْتَقْسِمُ بِها لِنَفْسِهِ طَلَبَ الكَسْبِ؛ والمُغامَرَةِ؛ وقَدْ شَرَحْتُ أمْرَها بِأوعَبَ مِن هَذا في سُورَةِ "اَلْبَقَرَةِ"؛ في تَفْسِيرِ المَيْسِرِ؛ فالِاسْتِقْسامُ بِهَذا كُلِّهِ هو طَلَبُ القِسْمِ؛ والنَصِيبِ؛ وهو مِن أكْلِ المالِ بِالباطِلِ؛ وهو حَرامٌ؛ وكُلُّ مُقامَرَةٍ بِحَمامٍ؛ أو بِنَرْدٍ؛ أو بِشِطْرَنْجٍ؛ أو بِغَيْرِ ذَلِكَ مِن هَذِهِ الألْعابِ - فَهو اسْتِقْسامٌ بِما هو في مَعْنى الأزْلامِ - حَرامٌ كُلُّهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "ذَلِكم فِسْقٌ"؛﴾ [المائدة: ٣] إشارَةٌ إلى الِاسْتِقْسامِ بِالأزْلامِ؛ والفِسْقُ: اَلْخُرُوجُ مِن مَكانٍ مُحْتَوٍ؛ جامِعٍ؛ يُقالُ: "فَسَقَتِ الرُطَبَةُ": خَرَجَتْ مِن قِشْرِها؛ و"اَلْفَأْرَةُ مِن جُحْرِها"؛ واسْتُعْمِلَتِ اللَفْظَةُ في الشَرْعِ فِيمَن يَخْرُجُ مِنَ احْتِواءِ الأمْرِ الشَرْعِيِّ؛ وإحاطَتِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ﴾ [المائدة: ٣] ؛ مَعْناهُ عِنْدَ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: مِن أنْ تَرْجِعُوا إلى دِينِهِمْ؛ وقالَهُ السُدِّيُّ ؛ وعَطاءٌ ؛ وظاهِرُ أمْرِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وأصْحابِهِ؛ وظُهُورُ دِينِهِ؛ يَقْتَضِي أنَّ يَأْسَ الكُفّارِ عَنِ الرُجُوعِ إلى دِينِهِمْ قَدْ كانَ وقَعَ مُنْذُ زَمانٍ؛ وإنَّما هَذا اليَأْسُ عِنْدِي مِنَ اضْمِحْلالِ أمْرِ الإسْلامِ؛ وفَسادِ جَمْعِهِ؛ لِأنَّ هَذا أمْرٌ كانَ يَتَرَجّاهُ مَن بَقِيَ مِنَ الكُفّارِ؛ ألا تَرى إلى قَوْلِ أخِي صَفْوانَ بْنِ أُمَيَّةَ في يَوْمِ هَوازِنَ؛ حِينَ انْكَشَفَ المُسْلِمُونَ؛ وظَنَّها هَزِيمَةً: "ألا بَطَلَ السِحْرُ اليَوْمَ"؟ إلى غَيْرِ هَذا مِنَ الأمْثِلَةِ؛ وهَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ في إثْرِ حِجَّةِ الوَداعِ؛ وقِيلَ: في يَوْمِ عَرَفَةَ؛ ولَمْ يَكُنِ (p-١٠٢)المُشْرِكُونَ حِينَئِذٍ إلّا في حَيِّزِ القِلَّةِ؛ ولَمْ يَحْضُرْ مِنهُمُ المَوْسِمَ بَشَرٌ؛ وفي ذَلِكَ اليَوْمِ انْمَحى أمْرُ الشِرْكِ مِن مَشاعِرِ الحَجِّ؛ ويَحْتَمِلُ قَوْلُهُ تَعالى: "اَلْيَوْمَ"؛ أنْ يَكُونَ إشارَةً إلى اليَوْمِ بِعَيْنِهِ؛ لا سِيَّما في قَوْلِ الجُمْهُورِ - عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ وغَيْرِهِ -: إنَّها نَزَلَتْ في عَشِيَّةِ عَرَفَةَ؛ يَوْمَ الجُمُعَةِ؛ ورَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - في المَوْقِفِ؛ عَلى ناقَتِهِ؛ ولَيْسَ في المَوْسِمِ مُشْرِكٌ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ إشارَةً إلى الزَمَنِ والوَقْتِ؛ أيْ: في هَذا الأوانِ يَئِسَ الكُفّارُ مِن دِينِكم.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [المائدة: ٣] ؛ يَعُمُّ مُشْرِكِي العَرَبِ؛ وغَيْرَهم مِنَ الرُومِ؛ والفُرْسِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ وهَذا يُقَوِّي أنَّ اليَأْسَ مِنَ انْحِلالِ أمْرِ الإسْلامِ؛ وذَهابِ شَوْكَتِهِ؛ ويُقَوِّي أنَّ الإشارَةَ بِاليَوْمِ إنَّما هي إلى الأوانِ الَّذِي فاتِحَتُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ ولا مُشْرِكَ بِالمَوْسِمِ؛ ويُعَضِّدُ هَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا تَخْشَوْهم واخْشَوْنِ﴾ [المائدة: ٣] ؛ فَإنَّما نَهى المُؤْمِنِينَ عن خَشْيَةِ جَمِيعِ أنْواعِ الكُفّارِ؛ وأمَرَ بِخَشْيَتِهِ تَعالى الَّتِي هي رَأْسُ كُلِّ عِبادَةٍ - كَما قالَ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ ومِفْتاحُ كُلِّ خَيْرٍ؛ ورُوِيَ عن أبِي عَمْرٍو أنَّهُ قَرَأ "يَيِسَ" بِغَيْرِ هَمْزَةٍ؛ وهي قِراءَةُ أبِي جَعْفَرٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] ؛ تَحْتَمِلُ الإشارَةُ بِاليَوْمِ ما قَدْ ذَكَرْناهُ؛ وهَذا الإكْمالُ عِنْدَ الجُمْهُورِ هو الإظْهارُ؛ واسْتِيعابُ عُظْمِ الفَرائِضِ؛ والتَحْلِيلِ والتَحْرِيمِ؛ قالُوا: وقَدْ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ؛ ونَزَلَتْ آيَةُ الرِبا؛ ونَزَلَتْ آيَةُ الكَلالَةِ؛ إلى غَيْرِ ذَلِكَ؛ وإنَّما كَمُلَ عُظْمُ الدِينِ؛ وأمْرُ الحَجِّ أنْ حَجُّوا ولَيْسَ مَعَهم مُشْرِكٌ؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ ؛ والسُدِّيُّ: هو إكْمالٌ تامٌّ؛ ولَمْ يَنْزِلْ عَلى النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ تَحْلِيلٌ ولا تَحْرِيمٌ؛ ولا فَرْضٌ؛ وحَكى الطَبَرِيُّ عن بَعْضِ مَن قالَ هَذا القَوْلَ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لَمْ يَعِشْ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ إلّا إحْدى وثَمانِينَ لَيْلَةً.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: والظاهِرُ أنَّهُ عاشَ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ - أكْثَرَ بِأيّامٍ يَسِيرَةٍ؛ ورُوِيَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ «لَمّا نَزَلَتْ في يَوْمِ الحَجِّ الأكْبَرِ؛ وقَرَأها رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بَكى عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: "ما يُبْكِيكَ؟"؛ فَقالَ: أبْكانِي أنّا كُنّا في زِيادَةٍ مِن دِينِنا؛ فَأما إذْ كَمُلَ فَإنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ شَيْءٌ إلّا نَقُصَ؛ فَقالَ لَهُ النَبِيُّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: "صَدَقْتَ".»
(p-١٠٣)وَرُوِيَ «أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -قالَ لَهُ يَهُودِيٌّ: آيَةٌ في كِتابِكم تَقْرَؤُونَها؛ لَوْ عَلَيْنا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا؛ فَقالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -: "أيَّةُ آيَةٍ هِيَ؟"؛ فَقالَ لَهُ: ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] ؛ فَقالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -: "قَدْ عَلِمْنا ذَلِكَ اليَوْمَ؛ نَزَلَتْ عَلى رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وهو واقِفٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَفي ذَلِكَ اليَوْمِ عِيدانِ لِأهْلِ الإسْلامِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ.
وقالَ داوُدُ بْنُ أبِي هِنْدٍ لِلشَّعْبِيِّ: إنَّ اليَهُودَ تَقُولُ: كَيْفَ لَمْ تَحْفَظِ العَرَبُ هَذا اليَوْمَ الَّذِي كَمَّلَ اللهُ لَها دِينَها فِيهِ؟ فَقالَ الشَعْبِيُّ: أوَما حَفِظْتَهُ؟ قالَ داوُدُ: فَقُلْتُ: أيُّ يَوْمٍ هُوَ؟ قالَ: يَوْمُ عَرَفَةَ.
«وَقالَ عِيسى بْنُ جارِيَةَ الأنْصارِيُّ: كُنّا جُلُوسًا في الدِيوانِ؛ فَقالَ لَنا نَصْرانِيٌّ مِثْلَ ما قالَ اليَهُودِيُّ لِعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ فَما أجابَهُ مِنّا أحَدٌ؛ فَلَقِيتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ القُرَظِيَّ فَأخْبَرْتُهُ؛ فَقالَ: هَلّا أجَبْتُمُوهُ؟ قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ: "أُنْزِلَتْ عَلى النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وهو واقِفٌ عَلى الجَبَلِ يَوْمَ عَرَفَةَ".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وذَكَرَ عِكْرِمَةُ عن عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ - رَضِيَ اللهُ عنهُ - أنَّهُ قالَ: "نَزَلَتْ سُورَةُ "اَلْمائِدَةِ" بِالمَدِينَةِ؛ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ"؛ وقالَ الرَبِيعُ بْنُ أنَسٍ: نَزَلَتْ سُورَةُ المائِدَةِ في مَسِيرِ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - إلى حِجَّةِ الوَداعِ؛ وهَذا كُلُّهُ يَقْتَضِي أنَّ السُورَةَ مَدَنِيَّةٌ بَعْدَ الهِجْرَةِ؛ وإتْمامُ النِعْمَةِ هو في ظُهُورِ الإسْلامِ؛ ونُورِ العَقائِدِ؛ وإكْمالِ الدِينِ؛ وسَعَةِ الأحْوالِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا (p-١٠٤)انْتَظَمَتْهُ هَذِهِ المِلَّةُ الحَنِيفِيَّةُ؛ إلى دُخُولِ الجَنَّةِ؛ والخُلُودِ في رَحْمَةِ اللهِ؛ هَذِهِ كُلُّها نِعَمُ اللهِ المُتَمَّمَةُ قِبَلَنا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣] ؛ يَحْتَمِلُ الرِضا في هَذا المَوْضِعِ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى الإرادَةِ؛ ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ صِفَةَ فِعْلٍ؛ عِبارَةً عن إظْهارِ اللهِ إيّاهُ؛ لِأنَّ الرِضا مِنَ الصِفاتِ المُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ صِفاتِ الذاتِ؛ وصِفاتِ الأفْعالِ؛ واللهُ تَعالى قَدْ أرادَ لَنا الإسْلامَ؛ ورَضِيَهُ لَنا؛ وثَمَّ أشْياءُ يُرِيدُ اللهُ تَعالى وُقُوعَها؛ ولا يَرْضاها؛ والإسْلامُ في هَذِهِ الآيَةِ هو الَّذِي في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الدِينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩] ؛ وهو الَّذِي تَفَسَّرَ في سُؤالِ جِبْرِيلَ النَبِيَّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وهو الإيمانُ؛ والأعْمالُ؛ والشُعَبُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ في مَخْمَصَةٍ﴾ [المائدة: ٣] ؛ يَعْنِي: "مَن دَعَتْهُ ضَرُورَةٌ إلى أكْلِ المَيْتَةِ؛ وسائِرِ تِلْكَ المُحَرَّماتِ"؛ «وَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: مَتى تَحِلُّ المَيْتَةُ؟ فَقالَ: "إذا لَمْ تَصْطَبِحُوا؛ ولَمْ تَغْتَبِقُوا؛ ولَمْ تَحْتَفِئُوا بِها بَقْلًا".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: "فَهَذا مِثالٌ في حالِ عَدَمِ المَأْكُولِ؛ حَتّى يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلى ذَهابِ القُوَّةِ؛ والحَياةِ".
وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: "فَمَنِ اطُّرَّ"؛ بِإدْغامِ الضادِ في الطاءِ؛ ولَيْسَ بِالقِياسِ؛ ولَكِنَّ العَرَبَ اسْتَعْمَلَتْهُ في ألْفاظٍ قَلِيلَةٍ اسْتِعْمالًا كَثِيرًا؛ وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في أحْكامِ الِاضْطِرارِ في نَظِيرِ هَذِهِ الآيَةِ في سُورَةِ "اَلْبَقَرَةِ"؛ و"اَلْمَخْمَصَةُ": اَلْمَجاعَةُ الَّتِي تَخْمُصُ فِيها البُطُونُ؛ أيْ: تَضْمُرُ؛ و"اَلْخَمْصُ": ضُمُورُ البَطْنِ؛ فالخِلْقَةُ مِنهُ حَسَنَةٌ في النِساءِ؛ ومِنهُ يُقالُ: "خُمْصانَةٌ"؛ و"بَطْنٌ خَمِيصٌ"؛ ومِنهُ "أخْمَصُ القَدَمِ"؛ ويُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا في الجُوعِ؛ والغَرَثِ؛ ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى:
؎ تَبِيتُونَ في المَشْتى مِلاءً بُطُونُكم ∗∗∗ وجاراتُكم غَرْثى يَبِتْنَ خَمائِصا
(p-١٠٥)أيْ: مُنْطَوِياتٍ عَلى الجُوعِ؛ قَدْ أضْمَرَ بُطُونَهُنَّ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿غَيْرَ مُتَجانِفٍ لإثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] ؛ هو بِمَعْنى: ﴿غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ﴾ [البقرة: ١٧٣] ؛ وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ؛ وفِقْهُهُ؛ في سُورَةِ "اَلْبَقَرَةِ"؛ و"اَلْجَنَفُ": اَلْمَيْلُ؛ وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ ؛ ويَحْيى بْنُ وثّابٍ ؛ وإبْراهِيمُ النَخَعِيُّ: "غَيْرَ مُتَجَنِّفٍ"؛ دُونَ ألِفٍ؛ وهي أبْلَغُ في المَعْنى مِن "مُتَجانِفٍ"؛ لِأنَّ شَدَّ العَيْنِ يَقْتَضِي مُبالَغَةً وتَوَغُّلًا في المَعْنى؛ وثُبُوتًا لِحُكْمِهِ؛ و"تَفاعَلَ"؛ إنَّما هي مُحاكاةُ الشَيْءِ والتَقَرُّبُ مِنهُ؛ ألا تَرى إذا قُلْتَ: "تَمايَلَ الغُصْنُ"؛ فَإنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَأوُّدًا؛ ومُقارَبَةَ مَيْلٍ؛ وإذا قُلْتَ: "تَمَيَّلَ"؛ فَقَدْ ثَبَّتَّ حُكْمَ المَيْلِ؟ وكَذَلِكَ: "تَصاوَنَ"؛ و"تَصَوَّنَ"؛ و"تَغافَلَ"؛ و"تَغَفَّلَ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣] ؛ نائِبٌ مَنابَ "فَلا حَرَجَ عَلَيْهِ"؛ إلى ما يَتَضَمَّنُ مِن زِيادَةِ الوَعْدِ؛ وتَرْجِيَةِ النُفُوسِ؛ وفي الكَلامِ مَحْذُوفٌ؛ يَدُلُّ عَلَيْهِ المَذْكُورُ؛ تَقْدِيرُهُ: "فَأكَلَ مِن تِلْكَ المُحَرَّماتِ المَذْكُوراتِ".
وسَبَبُ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ﴾ ؛ «أنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَلامُ - جاءَ إلى رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ فَوَجَدَ في البَيْتِ كَلْبًا؛ فَلَمْ يَدْخُلْ؛ فَقالَ لَهُ النَبِيُّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: "اُدْخُلْ"؛ فَقالَ: "أنا لا أدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ"؛ فَأمَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: بِقَتْلِ الكِلابِ؛ فَقُتِلَتْ حَتّى بَلَغَتِ العَوالِيَ؛ فَجاءَ عاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ ؛ وسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ ؛ وعُوَيْمِرُ بْنُ ساعِدَةَ؛ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ: ماذا يَحِلُّ لَنا مِن هَذِهِ الكِلابِ؟»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ورَوى هَذا السَبَبَ أبُو رافِعٍ ؛ مَوْلى النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وهو كانَ المُتَوَلِّي لِقَتْلِ الكِلابِ؛ وحَكاهُ أيْضًا عِكْرِمَةُ ؛ ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ ؛ مَوْقُوفًا عَلَيْهِما؛ وظاهِرُ الآيَةِ أنَّ سائِلًا سَألَ عَمّا أُحِلَّ لِلنّاسِ مِنَ المَطاعِمِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَيِّباتُ﴾ ؛ لَيْسَ (p-١٠٦)الجَوابَ عَلى: "ما يَحِلُّ لَنا مِنَ اتِّخاذِ الكِلابِ؟"؛ اَللَّهُمَّ إلّا أنْ يَكُونَ هَذا مِن إجابَةِ السائِلِ بِأكْثَرَ مِمّا سَألَ عنهُ؛ وهَذا مَوْجُودٌ كَثِيرًا مِنَ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ كَجَوابِهِ في لِباسِ المُحْرِمِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ وهو - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - مُبَيِّنُ الشَرْعِ؛ فَإنَّما يُجاوِبُ مادًّا إطْنابَ التَعْلِيمِ لِأُمَّتِهِ.
و"اَلطَّيِّباتُ": اَلْحَلالُ؛ هَذا هو المَعْنى عِنْدَ مالِكٍ وغَيْرِهِ؛ ولا يُراعى مُسْتَلَذًّا كانَ أمْ لا؛ وقالَ الشافِعِيُّ: اَلطَّيِّباتُ: اَلْحَلالُ المُسْتَلَذُّ؛ وكُلُّ مُسْتَقْذَرٍ - كالوَزَغِ؛ والخَنافِسِ؛ وغَيْرِها - فَهي مِنَ الخَبائِثِ؛ حَرامٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ﴾ ؛ تَقْدِيرُهُ: "وَصَيْدُ ما عَلَّمْتُمْ"؛ أو: "فاتِّخاذُ ما عَلَّمْتُمْ"؛ وأعْلى مَراتِبِ التَعْلِيمِ أنْ يُشْلى الحَيَوانُ فَيَنْشَلِيَ؛ ويُدْعى فَيُجِيبَ؛ ويُزْجَرَ بَعْدَ ظَفَرِهِ بِالصَيْدِ فَيَنْزَجِرَ؛ وأنْ يَكُونَ لا يَأْكُلُ مِن صَيْدِهِ؛ فَإذا كانَ كَلْبٌ بِهَذِهِ الصِفاتِ؛ ولَمْ يَكُنْ أسْوَدَ بَهِيمًا؛ فَأجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلى صِحَّةِ الصَيْدِ بِهِ؛ بِشَرْطِ أنْ يَكُونَ تَعْلِيمَ مُسْلِمٍ ؛ ويَصِيدَ بِهِ مُسْلِمٌ ؛ هُنا انْعَقَدَ الإجْماعُ؛ فَإذا انْخَرَمَ شَيْءٌ مِمّا ذَكَرْنا دَخَلَ الخِلافُ؛ فَإنْ كانَ الَّذِي يُصادُ بِهِ غَيْرَ كَلْبٍ - كالفَهْدِ؛ وما أشْبَهَهُ؛ وكالبازِي؛ والصَقْرِ؛ ونَحْوِهِما مِنَ الطَيْرِ؛ فَجُمْهُورُ الأُمَّةِ عَلى أنَّ كُلَّ ما صادَ بَعْدَ تَعْلِيمٍ فَهو جارِحٌ؛ أيْ: كاسِبٌ؛ يُقالُ: "جَرَحَ فُلانٌ"؛ و"اِجْتَرَحَ"؛ إذا كَسَبَ؛ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَهارِ﴾ [الأنعام: ٦٠] أيْ: "كَسَبْتُمْ مِن حَسَنَةٍ؛ وسَيِّئَةٍ"؛ وكانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إنَّما يُصادُ بِالكِلابِ؛ فَأمّا ما صِيدَ بِهِ مِنَ البُزاةِ؛ وغَيْرِها مِنَ الطَيْرِ؛ فَما أدْرَكْتَ ذَكاتَهُ فَذَكِّهِ؛ فَهو حَلالٌ لَكَ؛ وإلّا فَلا تَطْعَمْهُ؛ هَكَذا حَكى ابْنُ المُنْذِرِ ؛ قالَ: وسُئِلَ أبُو جَعْفَرٍ عَنِ البازِي؛ والصَقْرِ: أيَحِلُّ صَيْدُهُ؟ قالَ: "لا؛ إلّا أنْ تُدْرِكَ ذَكاتَهُ"؛ قالَ: "واسْتَثْنى قَوْمٌ البُزاةَ؛ فَجَوَّزُوا صَيْدَها؛ لِحَدِيثِ «عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ ؛ قالَ: سَألْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: عن صَيْدِ البازِي؛ فَقالَ: "إذا أمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ".»
وقالَ الضَحّاكُ ؛ والسُدِّيُّ: ﴿وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ ؛ هي الكِلابُ خاصَّةً؛ فَإنْ كانَ الكَلْبُ أسْوَدَ بَهِيمًا؛ فَكَرِهَ صَيْدَهُ الحَسَنُ بْنُ (p-١٠٧)أبِي الحَسَنِ؛ وقَتادَةُ ؛ وإبْراهِيمَ النَخَعِيُّ ؛ وقالَ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: "ما أعْرِفُ أحَدًا يُرَخِّصُ فِيهِ إذا كانَ بَهِيمًا"؛ وبِهِ قالَ ابْنُ راهَوَيْهِ ؛ فَأمّا عَوامُّ أهْلِ العِلْمِ بِالمَدِينَةِ؛ والكُوفَةِ؛ فَيَرَوْنَ جَوازَ صَيْدِ كُلِّ كَلْبٍ مُعَلَّمٍ.
وأمّا أكْلُ الكَلْبِ مِنَ الصَيْدِ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ ؛ وأبُو هُرَيْرَةَ ؛ والشَعْبِيُّ ؛ وإبْراهِيمُ النَخَعِيُّ ؛ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ؛ وعَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ ؛ وقَتادَةُ ؛ وعِكْرِمَةُ ؛ والشافِعِيُّ ؛ وأحْمَدُ ؛ وإسْحاقُ؛ وأبُو ثَوْرِ ؛ والنُعْمانُ؛ وأصْحابُهُ: "لا يُؤْكَلُ ما بَقِيَ؛ لِأنَّهُ إنَّما أمْسَكَ عَلى نَفْسِهِ؛ ولَمْ يُمْسِكْ عَلى رَبِّهِ"؛ ويُعَضِّدُ هَذا القَوْلَ قَوْلُ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لِعَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ - في الكَلْبِ المُعَلَّمِ -: « "وَإذا أكَلَ فَلا تَأْكُلْ؛ فَإنَّما أمْسَكَ عَلى نَفْسِهِ"؛» وتَأوَّلَ هَؤُلاءِ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَكُلُوا مِمّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ ؛ أيْ: اَلْإمْساكَ التامَّ؛ ومَتى أكَلَ فَلَمْ يُمْسِكْ عَلى الصائِدِ؛ وقالَ سَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ ؛ وعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ؛ وأبُو هُرَيْرَةَ أيْضًا؛ وسَلْمانُ الفارِسِيُّ ؛ - رَضِيَ اللهُ عنهم -: "إذا أكَلَ الجارِحُ؛ أُكِلَ ما بَقِيَ؛ وإنْ لَمْ تَبْقَ إلّا بِضْعَةٌ"؛ وهَذا قَوْلُ مالِكٍ ؛ وجَمِيعِ أصْحابِهِ؛ فِيما عَلِمْتُ؛ وتَأوَّلُوا قَوْلَهُ تَعالى: ﴿مِمّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ ؛ عَلى عُمُومِ الإمْساكِ؛ فَمَتى حَصَلَ إمْساكٌ؛ ولَوْ في بِضْعَةٍ؛ حَلَّ أكْلُها؛ ورُوِيَ عَنِ النَخَعِيِّ ؛ وأصْحابِ الرَأْيِ؛ والثَوْرِيِّ ؛ وحَمّادِ بْنِ أبِي سُلَيْمانَ: أنَّهم رَخَّصُوا فِيما أكَلَ البازِي مِنهُ؛ خاصَّةً في البازِي.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: كَأنَّهُ لا يُمْكِنُ فِيهِ أكْثَرُ مِن ذَلِكَ؛ لِأنَّ حَدَّ تَعْلِيمِهِ أنْ يُدْعى فَيُجِيبَ؛ وأنْ يُشْلى فَيَنْشَلِيَ؛ وإذا كانَ الجارِحُ يَشْرَبُ مِن دَمِ الصَيْدِ فَجُمْهُورُ الناسِ عَلى أنَّ ذَلِكَ الصَيْدَ يُؤْكَلُ؛ وقالَ عَطاءٌ: لَيْسَ شُرْبُ الدَمِ بِأكْلِ؛ وكَرِهَ أكْلَ ذَلِكَ الصَيْدِ الشَعْبِيُّ ؛ وسُفْيانُ الثَوْرِيُّ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: "وَلَيْسَ في الحَيَوانِ شَيْءٌ يَقْبَلُ التَعْلِيمَ التامَّ إلّا الكَلْبُ شاذًّا"؛ وأكْثَرُها يَأْكُلُ مِنَ الصَيْدِ؛ ولِذَلِكَ لَمْ يَرَ مالِكٌ ذَلِكَ مِن شُرُوطِ التَعْلِيمِ؛ وأمّا الطَيْرُ فَقالَ رَبِيعَةُ: ما أجابَ مِنها إذا دُعِيَ فَهو المُعَلَّمُ الضارِي.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: لِأنَّ أكْثَرَ الحَيَوانِ بِطَبْعِهِ يَنْشَلِي؛ وقالَ أصْحابُ أبِي حَنِيفَةَ: إذا صادَ الكَلْبُ (p-١٠٨)وَأمْسَكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ ولاءً؛ فَقَدْ حَصَلَ مِنهُ التَعْلِيمُ؛ قالَ ابْنُ المُنْذِرِ: وكانَ النُعْمانُ لا يَحُدُّ في ذَلِكَ عَدَدًا؛ وقالَ غَيْرُهُمْ: إذا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً واحِدَةً فَقَدْ حَصَلَ مُعَلَّمًا؛ وإذا كانَ الكَلْبُ تَعْلِيمَ يَهُودِيٍّ؛ أو نَصْرانِيٍّ؛ فَكَرِهَ الصَيْدَ بِهِ الحَسَنُ البَصْرِيُّ ؛ فَأمّا كَلْبُ المَجُوسِيِّ؛ وبازُهُ؛ وصَقْرُهُ فَكَرِهَ الصَيْدَ بِها جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ؛ والحَسَنُ ؛ وعَطاءٌ ؛ ومُجاهِدٌ ؛ وإبْراهِيمُ النَخَعِيُّ ؛ والثَوْرِيُّ ؛ وإسْحاقُ بْنُ راهَوَيْهِ ؛ ومالِكٌ - رَحِمَهُ اللهُ -؛ والشافِعِيُّ ؛ وأبُو حَنِيفَةَ ؛ وأصْحابُهم عَلى إباحَةِ الصَيْدِ بِكِلابِهِمْ؛ إذا كانَ الصائِدُ مُسْلِمًا؛ قالُوا: وذَلِكَ مِثْلُ شَفْرَتِهِ؛ وأمّا إنْ كانَ الصائِدُ مِن أهْلِ الكِتابِ؛ فَجُمْهُورُ الأُمَّةِ عَلى جَوازِ صَيْدِهِ؛ غَيْرَ مالِكٍ - رَحِمَهُ اللهُ -؛ فَإنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْ صَيْدَ اليَهُودِيِّ والنَصْرانِيِّ؛ وفَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ؛ وبَيْنَ ذَبِيحَتِهِ؛ وتَلا قَوْلَ اللهِ تَعالى: ﴿تَنالُهُ أيْدِيكم ورِماحُكُمْ﴾ [المائدة: ٩٤] ؛ قالَ: فَلَمْ يَذْكُرِ اللهُ بِهَذا اليَهُودَ؛ ولا النَصارى؛ وقالَ ابْنُ وهْبٍ ؛ وأشْهَبُ: صَيْدُ اليَهُودِيِّ والنَصْرانِيِّ حَلالٌ كَذَبِيحَتِهِ؛ وفي كِتابِ مُحَمَّدٍ: لا يَجُوزُ صَيْدُ الصابِئِ؛ ولا ذَبِيحَتُهُ؛ وهم قَوْمٌ بَيْنَ اليَهُودِ والنَصارى؛ لا دِينَ لَهُمْ؛ وأمّا إنْ كانَ الصائِدُ مَجُوسِيًّا فَمَنَعَ مِن أكْلِ صَيْدِهِ مالِكٌ ؛ والشافِعِيُّ ؛ وأبُو حَنِيفَةَ ؛ وأصْحابُهُمْ؛ وعَطاءٌ ؛ وابْنُ جُبَيْرٍ ؛ والنَخَعِيُّ ؛ واللَيْثُ بْنُ سَعْدٍ ؛ وجُمْهُورُ الناسِ؛ وقالَ أبُو ثَوْرٍ فِيها قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما كَقَوْلِ هَؤُلاءِ؛ والآخَرُ أنَّ المَجُوسَ أهْلُ كِتابٍ؛ وأنَّ صَيْدَهم جائِزٌ.
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "وَما عَلَّمْتُمْ"؛ بِفَتْحِ العَيْنِ؛ واللامِ؛ وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ ؛ ومُحَمَّدُ بْنُ الحَنَفِيَّةِ: "عُلِّمْتُمْ"؛ بِضَمِّ العَيْنِ؛ وكَسْرِ اللامِ؛ أيْ: أمْرَ الجَوارِحِ؛ والصَيْدَ بِها.
و"اَلْجَوارِحُ": اَلْكَواسِبُ؛ عَلى ما تَقَدَّمَ؛ وحَكى ابْنُ المُنْذِرِ عن قَوْمٍ أنَّهم قالُوا: "اَلْجَوارِحُ"؛ مَأْخُوذٌ مِن "اَلْجَرّاحُ"؛ أيْ: "اَلْحَيَوانُ الَّذِي لَهُ نابٌ؛ وظُفْرٌ؛ أو مِخْلَبٌ يَجْرَحُ بِهِ صَيْدَهُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: "وَهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ؛ أهْلُ اللُغَةِ عَلى خِلافِهِ"؛ وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "مُكَلِّبِينَ"؛ بِفَتْحِ الكافِ؛ وشَدِّ اللامِ؛ والمُكَلِّبُ: مُعَلِّمُ الكِلابِ؛ ومُضْرِيها؛ ويُقالُ لِمَن يُعَلِّمُ غَيْرَ كَلْبٍ: "مُكَلِّبٌ"؛ لِأنَّهُ يَرُدُّ ذَلِكَ الحَيَوانَ كالكَلْبِ؛ وقَرَأ الحَسَنُ؛ وأبُو زَيْدٍ: "مُكْلِبِينَ"؛ بِسُكُونِ الكافِ؛ وتَخْفِيفِ اللامِ؛ ومَعْناهُ: أصْحابُ كِلابٍ؛ يُقالُ: "أمْشى الرَجُلُ": كَثُرَتْ ماشِيَتُهُ؛ و"أكْلَبَ": كَثُرَتْ كِلابُهُ؛ وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: اَلْمُكَلِّبُ بِفَتْحِ الكافِ؛ وشَدِّ اللامِ: صاحِبُ الكِلابِ.
(p-١٠٩)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ولَيْسَ هَذا بِمُحَرِّرٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ﴾ ؛ أيْ: "تُعَلِّمُونَهُنَّ مِنَ الحِيلَةِ في الِاصْطِيادِ؛ والتَأنِّي لِتَحْصِيلِ الحَيَوانِ"؛ وهَذا جُزْءٌ مِمّا عَلَّمَهُ اللهُ الإنْسانَ؛ فَـ "مِن"؛ لِلتَّبْعِيضِ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ لِابْتِداءِ الغايَةِ؛ وأنَّثَ الضَمِيرَ في "تُعَلِّمُونَهُنَّ"؛ مُراعاةً لِلَفْظِ الجَوارِحِ؛ إذْ هو جَمْعُ "جارِحَةٌ".
{"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَاۤ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِینَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُوا۟ مِمَّاۤ أَمۡسَكۡنَ عَلَیۡكُمۡ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَیۡهِۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق