الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ قال أبو جعفر:"والشهر"، فيما قيل، أصله من"الشهرة". يقال منه:"قد شَهر فلانٌ سَيْفه" -إذا أخرجه من غمده فاعترض به من أراد ضربه-"يشهرُه شهرًا". وكذلك"شَهر الشهر"، إذا طلع هلاله،"وأشهرْنا نحن"، إذا دخلنا في الشهر. * * * وأما"رمضان"، فإن بعض أهل المعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمى بذلك لشدة الحرِّ الذي كان يكون فيه، حتى تَرْمَض فيه الفِصَال، [[الفصال جمع فصيل: وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه. ورمض الفصال: أن تحترق الرمضاء -وهو الرمل- فتبرك الفصال من شدة حرها، وإحراقها أخفافها وفراسنها. ورمضت قدمه من الرمضاء: احترقت.]] كما يقال للشهر الذي يُحجّ فيه"ذو الحجة"، والذي يُرتبع فيه"ربيع الأول، وربيع الآخر". * * * وأما مجاهد فإنه كان يكره أن يقال:"رمضان"، ويقول: لعله اسمٌ من أسماء الله. ٢٨١١- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن مجاهد: أنه كره أن يقال:"رمضان"، ويقول: لعله اسم من أسماء الله لكن نقول كما قال الله:"شهر رمضان". * * * وقد بينت فيما مضى أن"شهر" مرفوع على قوله:"أيامًا معدودات"، هن شهر رمضان. [[انظر ما سلف آنفًا: ٤١٥، ٤١٧.]] وجائز أن يكون رفعه بمعنى: ذلك شهر رمضان، وبمعنى: كتب عليكم شهرُ رمضان. وقد قرأه بعض القراء"شهرَ رَمضان" نصبًا، بمعنى: كتب عليكم الصيام أن تصوموا شهرَ رمضان. وقرأه بعضهم نصبًا بمعنى: أن تصوموا شهرَ رمضان خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون وقد يجوز أيضًا نصبه على وجه الأمر بصومه، كأنه قيل: شهرَ رمضان فصومُوه. وجائز نصبه على الوقت، كأنه قيل: كتب عليكم الصيام في شهر رمضان. * * * وأما قوله:"الذي أنزل فيه القرآن"، فإنه ذكر أنه نزل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، في ليلة القدر من شهر رمضان. ثم أنزل إلى محمد ﷺ على ما أراد الله إنزاله إليه، كما:- ٢٨١٢- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن حسان بن أبي الأشرَس عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملةً من الذكر في ليلة أربع وعشرين من رمضان، فجُعل في بيت العزَّة - قال أبو كريب: حدثنا أبو بكر، وقال ذلك السدي. ٢٨١٣- حدثني عيس بن عثمان قال، حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جبير قال: نزل القرآن جملة واحدةً في ليلة القدر في شهر رمضان، فجعل في سماء الدنيا. [[الأثر: ٢٨١٣- في المطبوعة: "يحيى عن عيسى"، وهو خطأ. وانظر التعليق على الأثر رقم: ٣٠٠.]] ٢٨١٤- حدثنا أحمد بن منصور قال، حدثنا عبد الله بن رجاء قال، حدثنا عمران القطان، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة، عن النبي ﷺ قال:"نزلت صُحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراةُ لست مَضَين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاثَ عَشرة خلت، وأنزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان. [[الحديث: ٢٨١٤- عبد الله بن رجاء بن عمرو الغداني: ثقة من شيوخ البخاري. و"الغداني": بضم الغين المعجمة وتخفيف الدال المهملة. عمران القطان: هو عمران بن داور، مضى في: ١٢٦. وكنيته"أبو العوام". أبو المليح: هو ابن أسامة الهذلي، وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ووقع في المطبوعة"عن ابن أبي المليح". وزيادة"ابن" خطأ واضح. واثلة - بالثاء المثلثة: هو ابن الأسقع، صحابي معروف. والحديث رواه أحمد في المسند: ١٧٠٥١ (٤: ١٠٧ حلبي) ، عن أبي سعيد مولى بني هاشم، عن عمران أبي العوام، بهذا الإسناد، وهو إسناد صحيح. ونقله ابن كثير ١: ٤٠٦، عن المسند. وكذلك السيوطي ١: ١٨٩، وزاد نسبته إلى محمد بن نصر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والبيهقي في الشعب.]] ٢٨١٥- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"شهرُ رَمضان الذي أنزل فيه القرآن". أما"أنزل فيه القرآن"، فإن ابن عباس قال: شهر رمضان، والليلةُ المباركة ليلةُ القدر، فإن ليلة القدر هي الليلة المباركة، وهي في رمضان، نزل القرآن جملةً واحدة من الزُّبُر إلى البيت المعمور، وهو"مواقع النجوم" في السماء الدنيا حيث وقع القرآن، ثم نزل محمد ﷺ بعد ذلك في الأمر والنهي وفي الحروب رَسَلا رَسَلا. [[رسلا رسلا: أي قطعة قطعة، وفرقة فرقة.]] ٢٨١٦- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، فكان الله إذا أراد أن يُوحِيَ منه شيئًا أوحاه، فهو قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [سورة القدر: ١] . ٢٨١٧- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكر نحوه - وزاد فيه: فكان من أوله وآخره عشرون سنة. ٢٨١٨- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أنزل القرآنُ كله جملةً واحدةً في ليلة القدر في رمضان، إلى السماء الدنيا، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شَيئًا أنزله منه، حتى جمعه. ٢٨١٩- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء جملة واحدة، ثم فرَّق في السنين بعدُ. قال: وتلا ابن عباس هذه الآية: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ [سورة الواقعة:٧٥] ، قال: نزل مفرَّقًا. ٢٨٢٠- حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي قال: بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا. ٢٨٢١- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، قرأه ابن جريج في قوله: [[هكذا في المطبوعة، ولم أدر ما هو، وأخشى أن يكون صوابه"قرأ ابن جريج قوله. . ".]] "شهرُ رَمضان الذي أنزل فيه القرآن"، قال: قال ابن عباس: أنزل القرآن جملةً واحدة على جبريل في ليلة القدر، فكان لا ينزل منه إلا بأمر. قال ابن جريج: كان ينزل من القرآن في ليلة القدر كلُّ شيء ينزل من القرآن في تلك السنة. فنزل ذلك من السماء السابعة على جبريل في السماء الدنيا، فلا ينزل جبريلُ من ذلك على محمد إلا ما أمره به ربه. ومثل ذلك ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ و ﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ [سورة الدخان: ٣] . ٢٨٢٢- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن محمد بن أبي المجالد، عن مقسم، عن ابن عباس، قال له رجل: إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله:"شهرُ رَمضان الذي أنزل فيه القرآن"، وقوله: ﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ وقوله ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ ، وقد أنزل الله في شوّال وذي القعدة وغيره! قال: إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدةً، ثم أنزل على مَواقع النجوم رَسَلا في الشهور والأيام. * * * وأما قوله:"هُدى للناس"، فإنه يعني رَشادًا للناس إلى سبيل الحقّ وقَصْد المنهج. [[انظر تفسير"هدى" فيما سلف في فهرس اللغة.]] * * * وأما قوله:"وَبيِّنات"، فإنه يعني: وواضحات"من الهدى" - يعني: من البيان الدالّ على حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه. [[انظر تفسير"بينات" فيما سلف في فهرس اللغة.]] * * * وقوله:"والفرقان" يعني: والفصل بين الحق والباطل، [[انظر تفسير"فرقان" فيما سلف ١: ٩٨-٩٩.]] كما:- ٢٨٢٣- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدى: أما"وبينات من الهدى والفرقان"، فبينات من الحلال والحرام. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى"شهود الشهر". فقال بعضهم: هو مُقام المقيم في داره. قالوا: فمن دخل عليه شهرُ رمضان وهو مقيم في داره، فعليه صوم الشهر كله، غابَ بعدُ فسافر، أو أقام فلم يبرح. * ذكر من قال ذلك: ٢٨٢٤- حدثني محمد بن حميد ومحمد بن عيسى الدامغاني قالا حدثنا ابن المبارك، عن الحسن بن يحيى، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله:"فمن شَهد منكم الشهر فليصمه"، قال: هو إهلاله بالدار. يريد: إذا هلَّ وهو مُقيم. ٢٨٢٥- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عمن حدثه، عن ابن عباس أنه قال. في قوله:"فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، فإذا شهده وهو مقيم فعليه الصوم، أقام أو سافر. وإن شهده وهو في سَفر، فإن شاء صامَ وإن شَاء أفطر. ٢٨٢٦- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد، عن عبيدة -في الرجل يُدركه رمضان ثم يُسافر - قال: إذا شهدتَ أوله فصُمْ آخره، ألا تراه يقول:"فمن شَهدَ منكم الشهر فليصمه"؟ ٢٨٢٧- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن هشام القردوسي، عن محمد بن سيرين قال، سألت عَبيدة: عن رجل أدرك رمضان وهو مقيم؟ قال: من صام أول الشهر فليصم آخره، ألا تراه يقول: فَمنْ شهد منكم الشهرَ فليصمه". [[الأثر: ٢٨٢٧- في المطبوعة: "الفردوسي"، والصواب بالقاف المضمومة، هشام بن حسان الأزدي القردوسي أبو عبد الله البصري، روي عن حميد بن هلال والحسن البصري ومحمد وأنس وحفص بني سيرين وغيرهم، وروى عنه عكرمة بن عمار وسعيد بن أبي عروبة وابن علية وغيرهم. يقال هو منسوب إلى درب بالبصرة يقال له"القراديس"، وهو جمع قردوس، وهو أبو حي من اليمن، سمى الدرب بهم. ويقال: هو مولى لهذ الحي. قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله. ومات سنة ١٤٦.]] ٢٨٢٨- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما"منْ شَهد منكم الشهر فليصمه"، فمن دخل عليه رمضان وهو مقيم في أهله فليصُمه، وإن خَرج فيه فليصُمه، فإنه دَخل عليه وهو في أهله. ٢٨٢٩- حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا قتادة، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي -فيما يحسب حماد- قال: من أدرك رَمضان وهو مقيم لم يَخرج، فقد لزمه الصوم، لأن الله يقول:"فمن شَهد منكم الشهر فليصمه". ٢٨٣٠- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبد الرحمن، عن إسماعيل بن مسلم، عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن قول الله:"فمن شَهد منكم الشهر فليصمه"، قال: من كان مقيمًا فليصُمه، ومن أدركه ثم سافر فيه فليصمه. ٢٨٣١- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: من شهد أول رمضان فليصم آخرَه. ٢٨٣٢- حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أن عليًّا كان يقول: إذا أدركه رمضان وهو مقيمٌ ثم سافر، فعليه الصوم. ٢٨٣٣- حدثنا هناد قال، حدثنا عبد الرحيم، عن عُبيدة الضبي، عن إبراهيم قال: كان يقول: إذا أدركك رمضانُ فلا تسافر فيه، فإن صمت فيه يومًا أو اثنين ثم سافرت، فلا تفطر، صُمه. ٢٨٣٤- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري. قال: كنا عند عُبيدة فقرأ هذه الآية: "فَمن شَهد منكم الشهر فليصمه"، قال: من صام شيئًا منه في المصر فليصم بقيته إذا خرج. قال: وكان ابن عباس يقول: إن شاء صَام وإن شَاء أفطر. ٢٨٣٥- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب -وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية- قالا جميعًا، حدثنا أيوب، عن أبي يزيد، عن أم ذرة، قالت: أتيت عائشه في رمضان، قالت: من أين جئتِ؟ قلت: من عند أخي حنين. قالت: ما شأنه؟ قالت: ودَّعته يُريد يرتحل. قالت: فأقرئيه السلام ومُريه فليُقم، فلو أدركني رمضانُ وأنا ببعض الطريق لأقمت له. [[الخبر: ٢٨٣٥- أبو زيد: هو المدني، يعد في أهل البصرة. وهو تابعي ثقة، وثقه ابن معين. وترجمه البخاري في الكنى، رقم: ٧٨٤، وقال: "سمع ابن عمر". وابن أبي حاتم ٤/٢/٤٥٨-٤٥٩. وفي التهذيب عن الآجري، عن أبي داود: "سألت أحمد عنه، فقال: تسأل عن رجل روى عنه أيوب؟ " أم ذرة -بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء- مولاة عائشة: تابعية ثقة. مترجمة في التهذيب. وابن سعد ٨: ٣٥٧، وذكر لها روايتين أخريين عن عائشة، روى أحدهما مطولا قبل ذلك في ترجمة عائشة ٨: ٤٦. أما أخوها"حنين": فإني لم أجد له ذكرًا في غير هذا الموضع. والخبر ذكره السيوطي ١: ١٩١، بنحو معناه، ونسبه لعبد بن حميد فقط. ولم يسم فيه"حنين" أخو"أم ذرة"، بل ذكر أنه أخوها فقط.]] ٢٨٣٦- حدثنا هناد قال، حدثنا إسحاق بن عيسى، عن أفلح، عن عبد الرحمن، قال: جاء إبراهيم بن طلحة إلى عائشة يُسلّم عليها، قالت: وأين تريد؟ قال: أردتُ العمرة. قالت: فجلستَ حتى إذا دخل عليك الشهر خرجتَ فيه! قال: قد خرج ثَقَلي! قالت: اجلس، حتى إذا أفطرت فاخرج - يعني شهرَ رمضان. [[الخبر: ٢٨٣٦- إسحاق بن عيسى: هو ابن الطباع البغدادي، ثقة من الرواة عن مالك وطبقته. أفلح: هو ابن حميد بن نافع المدني، وهو ثقة معروف، روى له الشيخان. عبد الرحمن هو ابن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، ثقة إمام، من خيار المسلمين. ولد في حياة عائشة. إبراهيم بن طلحة: هو إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي، نسب هنا إلى جده. وهو تابعي ثقة رفيع الشأن. وهذا الخبر نقله السيوطي ١: ١٩١، ونسبه لعبد بن حميد فقط. وفيه أنه"عن عبد الرحمن بن القاسم: أن إبراهيم بن محمد جاء إلى عائشة. . "، فذكر نحو مما هنا، بمعناه.]] * * * وقال آخرون: معنى ذلك: فمن شهد منكم الشهر فليصُمْ ما شهد منه. * ذكر من قال ذلك: ٢٨٣٧- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق: أن أبا مَيسرة خرج في رمضان، حتى إذا بلغ القنطرة دعا ماءً فشرب. ٢٨٣٨- حدثنا هناد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة قال: خرج أبو ميسرة في رمضان مسافرًا، فمرّ بالفرات وهو صائم، فأخذ منه كفًّا فشربه وأفطر. ٢٨٣٩- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن مرثد: أن أبا مَيسرة سافرَ في رمضان، فأفطر عند باب الجسر - هكذا قال هناد، عن مرثد، وإنما هو أبو مَرثد. ٢٨٤٠- حدثني محمد بن عمارة الأسديّ قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مرثد: أنه خرج مع أبي ميسرة في رمضان، فلما انتهى إلى الجسر أفطر. [[الخبران: ٢٨٣٩، ٢٨٤٠- هما من رواية أبي إسحاق السبيعي، عن"مرثد"، عن"أبي ميسرة". وقال الطبري في أولهما: "هكذا قال هناد: عن مرثد، وإنما هو: عن أبي مرثد"! يعني أن شيخه في أولهما، وهو"هناد"، أخطأ في ذلك، ومن عجب أنه يرويه عقبه في الرواية الثانية، عن شيخ آخر، بإسناد آخر إلى أبي إسحاق -كرواية هناد، التي زعم أنه أخطأ فيها! وعندي أن أبا جعفر -رحمه الله- هو الذي وهم، أصاب الصواب فأخطأه: أما أولا: فلاتفاق روايين حافظين ثقتين، هما سفيان الثوري في الإسناد الأول، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي في الإسناد الثاني - كلاهما عن أبي إسحاق أنه"عن مرثد". وأما ثانيًا: فلأنا لا نعرف في الرواة من كنيته"أبو مرثد"، إلا"أبا مرثد الغنوي كناز بن الحصين"، وهو صحابي قديم الوفاة، مات سنة ١٢. إلا أن يكون الطبري يعرف راويًا آخر بهذه الكنية لم يصل إلينا خبره. وما أظن. وأبو ميسرة، صاحب الخبر في الروايتين: هو عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي، وهو تابعي كبير ثقة، من شيوخ أبي إسحاق السبيعي. مات سنة ٦٣، وشهد السبيعي جنازته. ولو شاء أبو إسحاق أن يروي هذا الخبر عنه دون واسطة، لما دفع عن ذلك، إذ عرف بالرواية عنه. ولكنه لم يشأ أن يدلس في خبر لم يشهده بنفسه، فرواه عمن شهده. وهو"مرثد". والراجح عندي: أنه"مرثد بن عبد الله اليزني"، وهو تابعي أقدم قليلا من السبيعي. مات مرثد سنة ٩٠. ومات السبعي -وهو تابعي أيضًا- سنة ١٢٦ أو بعدها بقليل. فعن هذا كله رجحت -بل استيقنت- أن أبا جعفر رحمه الله، هو الذي وهم.]] ٢٨٤١- حدثنا هناد وأبو هشام قالا حدثنا وكيع، عن المسعودي، عن الحسن بن سعد، عن أبيه قال: كنت مع عليّ في ضيعة له على ثلاث من المدينة، فخرجنا نريد المدينة في شهر رمضان، وعليٌّ راكبٌ وأنا ماشٍ، قال: فصام - قال هناد: وأفطرت- قال أبو هشام: وأمرني فأفطرتُ. ٢٨٤٢- حدثنا هناد قال، حدثنا عبد الرحيم، عن عبد الرحمن بن عتبة، عن الحسن بن سعد، عن أبيه قال: كنت مع عليّ بن أبي طالب وهو جَاءٍ من أرض له، فصام، وأمرني فأفطرت، فدخل المدينة ليلا وكان راكبًا وأنا ماشٍ. ٢٨٤٣- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع -وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي- قالا جميعًا، حدثنا سفيان، عن عيسى بن أبي عزة، عن الشعبي: أنه سافر في شهر رمضان فأفطر عند باب الجسر. ٢٨٤٤- حدثني ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، قال لي سفيان: أحبُّ إليّ أن تُتمه. ٢٨٤٥- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة قال: سألت الحكمَ وحمادًا، وأردت أن أسافر في رمضان فقالا لي: اخرج. وقال حماد، قال إبراهيم: أما إذا كان العَشر، فأحبُّ إليَّ أن يقيم. ٢٨٤٦- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو الوليد قال، حدثنا حماد، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيب قالا من أدركه الصومُ وهو مقيم رمضان ثم سافر، قالا إن شَاءَ أفطر. * * * وقال آخرون:"فَمن شهد منكم الشهر فليصمه"، يعني: فمن شهده عاقلا بالغًا مكلفًا فليصمه. وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه، كانوا يقولون: من دخل عليه شهرُ رمضان وهو صحيحٌ عاقلٌ بالغٌ فعليه صومه، فإن جُنّ بعد دُخوله عليه وهو بالصفة التي وصفنا، ثم أفاقَ بعد انقضائه، لزمه قضاءُ ما كان فيه من أيام الشهر مغلوبًا على عقله، لأنه كان ممن شهده وهو ممن عليه فُرض. قالوا: وكذلك لو دخل عليه شهرُ رمضان وهو مجنونٌ، إلا أنه ممن لو كان صحيحَ العقل كان عليه صَوْمه، فلن ينقضي الشهر حتى صَح وَبرأ، أو أفاق قبل انقضاء الشهر بيوم أو أكثر من ذلك، فإنّ عليه قضاءُ صوْم الشهر كله، سوى اليوم الذي صامه بَعد إفاقته، لأنه ممن قد شَهد الشهر. قالوا: ولو دَخل عليه شهرُ رمضان وهو مجنون، فلم يفق حتى انقضى الشهرُ كله، ثم أفاق، لم يلزمه قضاء شيء منه، لأنه لم يكن ممن شَهده مكلَّفًا صَوْمَه. قال أبو جعفر: وهذا تأويل لا معنى له، لأنّ الجنون إن كانَ يُسقط عمن كان به فَرْضَ الصومِ، من أجل فقد صاحبه عَقله جميع الشهر، فقد يجب أن يكونَ ذلك سبيلَ كل من فقد عقله جميع شهر الصوم. وقد أجمع الجميعُ على أن من فقد عقله جميع شَهر الصوم بإغماء أو بِرْسام، [[البرسام: علة يهذي فيها صاحبها. قالوا: هو ورم حار يعرض للحجاب الذي بين الكبد والأمعاء، ثم يتصل إلى الدماغ.]] ثم أفاق بعد انقضاء الشهر، أن عليه قضاءُ الشهر كله. ولم يخالف ذلك أحدٌ يجوزُ الاعتراضُ به على الأمة. وإذ كان إجماعًا، فالواجب أن يكون سبيلُ كل من كان زائلَ العقل جميع شهر الصوم، سبيلَ المغمى عليه. وإذ كان ذلك كذلك، كان معلومًا أن تأويل الآية غير الذي تأوَّلها قائلو هذه المقالة: من أنه شُهود الشهر أو بعضه مكلفًا صومَه. وإذا بطل ذلك، فتأويل المتأوِّل الذي زعم أن معناه: فمن شهد أوله مقيما حاضرًا فعليه صَوْم جميعه، أبطلُ وأفسدُ، لتظاهر الأخبار عن رَسول الله ﷺ أنه خرج عَام الفتح من المدينة في شهر رمضان بعد ما صَام بعضه، وأفطرَ وأمر أصحابه بالإفطار. ٢٨٤٧- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"سافرَ رسول الله ﷺ في رمضان من المدينة إلى مكة، حتى إذا أتى عُسْفان نزل به، فدعا بإناء فوضعه على يَده ليراه الناسُ، ثم شربه. ٢٨٤٨- حدثنا ابن حميد وسفيان بن وكيع قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس، عن رسول الله ﷺ بنحوه ٢٨٤٩- حدثنا هناد، حدثنا عبيدة، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس، عن رسول الله ﷺ بنحوه. [[الأحاديث: ٢٨٤٧-٢٨٤٩، هي ثلاثة أسانيد لحديث واحد. فأولها فيه"عن مجاهد، عن ابن عباس"، وفي الآخرين بينها"طاوس". والحديث رواه الإمام أحمد في المسند، بأطول مما هنا: ٢٣٥٠، عن عبيدة، عن منصور، بالإسناد الثاني هنا، ورواه أيضًا: ٢٢٥١، عن حسين، عن شيبان، عن منصور. ورواه أيضًا -مطولا- الشيخان، كما في المنتقى: ٢١٧٥. فهو حديث صحيح متفق عليه.]] ٢٨٥٠- حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: مضى رسول الله ﷺ لسفره عام الفتح لعشر مضين من رمضان، فصامَ رسول الله ﷺ وصامَ الناسُ معه، حتى إذا أتى الكُدَيْد -ما بين عُسْفان وأَمَج- أفطر. ٢٨٥١- حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال خرج رسول الله ﷺ لعشرٍ -أو لعشرين- مضت من رَمضان عام الفتح، فصام حتى إذا كان بالكديد أفطر. [[الحديثان: ٢٨٥٠، ٢٨٥١- هما إسنادان آخران صحيحان، للحديث السابق، بلفظ أطول، ومن وجه آخر، من رواية ابن إسحاق، عن الزهري. وهو في سيرة ابن هشام، (ص ٨١٠ أوربة - ٤: ٤٢ طبعة الحلبي) ، بلفظ أطول مما هنا. وكذلك رواه أحمد في المسند: ٢٣٩٢، من طريق ابن إسحاق. ورواه أحمد أيضًا: ١٨٩٢، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، مختصرًا، ورواه بأطول منه: ٣٠٨٩، عن عبد الزاق، عن معمر، عن الزهري. وانظر تاريخ ابن كثير ٤: ٢٨٥-٢٨٧.]] ٢٨٥٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سالم بن نوح قال، حدثنا عمر بن عامر، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ قال: خرجنا مع النبي ﷺ لثمان عشرَةَ مضتْ من رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يَعِب المفطرُ على الصائم، ولا الصائم على المفطر. [[الحديث: ٢٨٥٢- سالم بن نوح، أبو سعيد العطار: ثقة من شيوخ أحمد. عمر بن عامر السلمي البصري القاضي: ثقة ثبت في الحديث، كما قال أحمد. والحديث رواه مسلم في صحيحه ١: ٣٠٨، بأسانيد كثيرة، منها إسناد عن محمد بن المثنى، عن سالم بن نوح، عن عمر بن عامر، عن قتادة، بهذا الإسناد. ثم رواه بأسانيد أخر ١: ٣٠٨-٣٠٩، عن أبي نضرة عن أبي سعيد. ونسبه السيوطي ١: ١٩٠-١٩١ أيضًا للترمذي والنسائي.]] * * * فإذ كانا فاسدين هذان التأويلان، [[في المطبوعة: "فإذا كان فاسدين. . . "، والصواب ما أثبته.]] بما عليه دَللنا من فسادهما - فَبيِّنٌ أن الصحيح من التأويل هو الثالث، [[في المطبوعة: "فتبين"، وهو خطأ، والصواب ما أثبته.]] وهو قول من قال: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، جميعَ ما شهد منه مقيمًا، ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ومَنْ كان مريضًا أو عَلى سفر في الشهر فأفطر، فعليه صيامُ عدة الأيام التي أفطرها، من أيام أخرَ غير أيام شهر رمضان. * * * ثم اختلف أهل العلم في المرَض الذي أباح الله معه الإفطار، وأوجب معه عده من أيام أخر. فقال بعضهم: هو المرض الذي لا يُطيق صاحبه معه القيام لصَلاته. * ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٣- حدثنا معاذ بن شعبة البصري قال، حدثنا شريك، عن مغيره، عن إبراهيم وإسماعيل بن مسلم، عن الحسن أنه قال: إذا لم يستطع المريضُ أن يُصَلِّي قائمًا أفطر. [[الخبر: ٢٨٥٣- معاذ بن شعبة البصري، شيخ الطبري: ترجمه ابن أبي حاتم ٤/١/٢٥١، قال: "معاذ بن شعبة أبو سهل البصري، روى عن عباد بن العوام، وعثمان بن مطر. روى عنه موسى بن إسحاق الأنصاري". ولم أجد له ترجمة غير ذلك. فهو شيخ قديم من شيوخ الطبري، لأنه يروي عن"عباد بن العوام" المتوفى سنة ١٨٥، و"شريك بن عبد الله النخعي" المتوفى سنة ١٨٨. وتلميذه الذي ذكره ابن أبي حاتم، وهو"موسى بن إسحاق بن موسى الأنصاري الخطمي، قاضي الري"، من شيوخ ابن أبي حاتم، كما في ترجمته عنده ٤/١/١٣٥.]] ٢٨٥٤- حدثني يعقوب قال حدثنا هشيم، عن مغيرة -أو عبيدة- عن إبراهيم، في المريض إذا لم يستطع الصلاةَ قائمًا فليفطر. يعني: في رمضان. ٢٨٥٥- حدثنا هناد قال، حدثنا حفص بن غياث، عن إسماعيل قال: سألت الحسن: متى يُفطر الصائم؟ قال: إذا جَهده الصوم. قال: إذا لم يستطع أن يُصلي الفرائض كما أمِر. [[في المطبوعة: "كما مر"، وكأن الصواب ما أثبت.]] * * * وقال بعضهم: وهو كل مرض كان الأغلبُ من أمر صاحبه بالصوم الزيادةُ في علته زيادة غير مُحتملة. [[في المطبوعة: "زيادة غير المحتملة" وهو كلام ليس بعربي. ونص عبارة الشافعي في الأم ١: ٨٩"وإن زاد مرض المريض زيادة بينة أفطر، وإن كان زيادة محتملة لم يفطر".]] وذلك هو قول محمد بن إدريس الشافعي، حدثنا بذلك عنه الربيع. * * * وقال آخرون: وهو [كلّ] مرض يسمى مرَضًا. [[في المطبوعة: "هو مرض يسمى مرضًا"، والصواب زيادة [كل] .]] * ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٦- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا الحسن بن خالد الربعي قال، حدثنا طريف بن شهاب العُطاردي: أنه دخل على محمد بن سيرين في رَمضان وهو يأكل، فلم يسأله. فلما فرغ قال: إنه وَجعتْ إصبعي هذه. [[الخبر: ٢٨٥٦- الحسن بن خالد الربعي: ترجمه ابن أبي حاتم ١/٢/١٠ قال: "الحسن بن خالد بن باب القريعي. روي عن طريف بن شهال العطاردي. روى عنه محمد بن المثنى". فهو الشيخ الذي هنا، ولم أجد له ترجمة غيرها. وقد علق العلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني-مصحح الكتاب- عند قوله"القريعي"، بأن في بعض النسخ"القرايعي"، وأنه سيأتي في باب"خالد""خالد بن باب الربعي"، وأنه"يمكن أن يكون هو والد الحسن هذا". وهذا نظر دقيق منه -حفظه الله- يؤيده نسبته هنا في الطبري"الربعي". و"خالد بن باب الربعي": مترجم في الكبير ٢/١/١٣٠-١٣١، وابن أبي حاتم ١/٢/٣٢٢، ولسان الميزان ٢: ٣٧٤. طريف بن شهاب العطاردي: ذكر في المطبوعة اسم أبيه"تمام"، وهو خطأ. وطريف هذا: هو أبو سفيان الأشل. وهو ضعيف. وقيل في اسم أبيه"سعد". والذي جود اسمه ونسبته هو البخاري في ترجمته. وهو مترجم في التهذيب، والكبير ٢/٢/٣٥٨، وابن أبي حاتم ٢/١/٤٩٢-٤٩٣، والضعفاء للبخاري، ص: ١٨-١٩.]] * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن"المرض" الذي أذن الله تعالى ذكره بالإفطار معه في شهر رمضان، من كان الصومُ جاهدَه جَهدًا غير محتمل، فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر. وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمرَ، فإن لم يكن مأذونًا له في الإفطار فقد كلِّف عُسرًا، ومُنع يُسرًا. وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بخلقه بقوله:"يُريد اللهُ بكم اليسرَ وَلا يُريد بكم العسر". وأما من كان الصوم غيرَ جَاهدِه، فهو بمعنى الصحيح الذي يُطيق الصوم، فعليه أداءُ فرضه. * * * وأما قوله:"فعدة من أيام أخر"، فإنّ معناها: أيامًا معدودة سوى هذه الأيام. وأما"الأخَر"، فإنها جمع"أخرى" كجمعهم"الكبرى" على"الكُبَر" و"القُربى" على"القُرَب". [[في المطبوعة: "بجمعهم الكبرى"، وكأن الصواب ما أثبت.]] * * * فإن قال قائل: أوَليست"الأخر" من صفة الأيام؟ قيل: بلى. فإن قال: أوَليس واحدُ"الأيام""يوم" وهو مذكر؟ قيل: بلى. فإن قال: فكيف يكون واحدُ"الأخر""أخرى"، وهي صفة ل"اليوم"، ولم يكن"آخر"؟ قيل: إن واحد"الأيام" وإن كان إذا نُعت بواحد"الأخر" فهو"آخر"، فإن"الأيام" في الجمع تصير إلى التأنيث، فتصير نعوتها وصفاتها كهيئة صفات المؤنث، كما يقال:"مضت الأيامُ جُمعَ"، ولا يقال: أجمعون، ولا أيام آخرون. * * * فإن قال لنا قائل: فإن الله تعالى قال:"فمن كانَ منكم مريضًا أو عَلى سفر فعدةٌ من أيام أخر"، ومعنى ذلك عندك: فعليه عدةٌ من أيام أخر، كما قد وصفت فيما مضى. فإن كان ذلك تأويله، فما قولك فيمن كان مريضًا أو عَلى سَفر فَصَام الشهر، وهو ممن له الإفطار، أُيجزيه ذلك من صيام عدة من أيام أخر، أو غيرُ مُجزيه ذلك، وفَرْضُ صوم عدة من أيام أخر ثابتٌ عليه بهيئته، وإن صام الشهر كله؟ وهل لمن كان مريضًا أو على سَفر صيامُ شهر رمضان، أم ذلك محظور عليه، وغير جائز له صومه، والواجب عليه الإفطار فيه، حتى يقيم هذا ويبرأ هذا؟ قيل: قد اختلف أهل العلم في كل ذلك، ونحن ذاكرُو اختلافهم في ذلك، ومخبرون بأولاه بالصواب إن شاء الله. فقال بعضهم: الإفطارُ في المرض عَزْمة من الله واجبةٌ، وليسَ بترخيص. * ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٧- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي -وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية- جميعًا، عن سعيد، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: الإفطارُ في السفر عَزْمة. ٢٨٥٨- حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، أخبرنا شعبة، عن يعلى، عن يوسف بن الحكم قال: سألتُ ابن عمر -أو: سئل- عن الصوم في السفر فقال: أرأيت لو تصدقت على رجل بصدقة فردها عليك، ألم تغضب؟ فإنها صَدقة من الله تصدق بها عليكم. [[الخبر: ٢٨٥٨- شعبة: هو ابن الحجاج؛ إمام أهل الجرح والتعديل. وثبت في المطبوعة"سعيد". وهو خطأ ناسخ أو طابع في هذا الإسناد، كما يتبين مما سيأتي. يعلى: هو ابن عطاء العامري، ثقة معروف. يوسف بن الحكم أبو الحكم: تابعي ثقة. ذكره ابن حبان في الثقات. وترجمه ابن أبي حاتم ٤/٢/٢٢٠ قال: "روى عن ابن عمر. روى عنه يعلى بن عطاء". وترجمه البخاري في الكبير ٤/٢/٣٧٦ باسم"يوسف أبو الحكم، سمع ابن عمر. روى عنه يعلى بن عطاء". وثبت عقب ذلك في بعض نسخ الكبير: "هذا هو الأول أظنه". يريد المترجم قبله"يوسف بن مهران". وهذا الظن من البخاري ليس في موضعه، ولعله ظن ذلك إذ لم يقع له منسوبًا لأبيه، بل وقع له باسم"يوسف" وكنية"أبي الحكم". والذي يقطع في ذلك، ويرفع كل شبهة: أن الدولابي روى هذا الخبر، في الكنى والأسماء ١: ١٥٤-١٥٥"حدثنا محمد بن بشار. قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، قال، سمعت يوسف بن الحكم أبا الحكم يقول: سمعت عبد الله بن عمر يسأل عن الصوم في السفر. . . " فذكر نحوًا مما هنا. ووهب بن جرير يروي عن شعبة. ويعلى بن عطاء يروي عنه شعبة. فلا موضع في هذا الإسناد لاسم"سعيد". إلى ثبوت الخبر من رواية شعبة عند الدولابي، كما ذكرنا. وهذا الرأي لابن عمر -ثم لغيره من الصحابة- إنما هو فيمن أبى أن يقبل رخصة الله في الإفطار في السفر. قال ابن كثير ١: ٤١٠-٤١١"فأما إن رغب عن السنة، ورأى أن الفطر مكروه - فهذا يتعين عليه الإفطار، ويحرم عليه الصيام والحالة هذه. لما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره، عن ابن عمر، وجابر، وغيرهما: من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة". يشير ابن كثير في ذلك إلى حديث ابن عمر في المسند: ٥٣٩٢. وانظر حديثين آخرين لابن عمر، في المسند: ٥٧٥٠، ٥٨٦٦.]] ٢٨٥٩- حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال، حدثنا المحاربي عن عبد الملك بن حميد قال، قال أبو جعفر: كان أبي لا يَصُوم في السفر، ويَنهى عنه. [[الخبر: ٢٨٥٩- نصر بن عبد الرحمن الأزدي. مضى في: ٤٢٣، ٨٧٥. ووقع في المطبوعة هنا - كما وقع هناك: "الأودي". وهو خطأ.]] ٢٨٦٠- وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد، عن الضحاك: أنه كره الصومَ في السفر. * * * وقال أهل هذه المقالة: من صام في السفر فعليه القضاءُ إذا قام. * ذكر من قال ذلك: ٢٨٦١- حدثنا نصر بن علي الجهضميّ قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم، عن أبيه، عن رجل: أن عمرَ أمرَ الذي صام في السفر أن يُعيد. [[الخبر: ٢٨٦١- نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي: مضى في: ٢٣٧٦. ووقع في المطبوعة هنا"الخثمعي". وهو تصحيف واضح. وشيخه"مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي": مضى في: ١٢١٩. وقد ثبت في ترجمتيهما رواية نصر عن مسلم. ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري: ثقة، تكلم فيه بعضهم. مترجم في التهذيب، وابن سعد ٧/٢/٣٥، والكبير ٢/١/٢٦٦، وابن أبي حاتم ١/٢/٤٧٧-٤٧٨. أبوه"كلثوم بن جبر": ثقة من صغار التابعين، لم يدرك عمر بن الخطاب. ولذلك روى عنه هنا بواسطة رجل مبهم. فالإسناد لذلك ضعيف. وانظر الخبر الآتي: ٢٨٦٦.]] . ٢٨٦٢- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن سعيد بن عمرو بن دينار، عن رجل من بني تميم، عن أبيه قال: أمر عمر رجلا صام في السفر أن يعيدَ صَوْمه. ٢٨٦٣- حدثني ابن حميد الحمصي قال، حدثنا علي بن معبد، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم، عن عطاء، عن المحرَّر بن أبي هريرة قال: كنت مع أبي في سفر في رمضان، فكنت أصوم ويُفطر. فقال لي أبي: أما إنك إذا أقمتَ قَضيت. [[الخبر: ٢٨٦٣- المحرر- براءين مع فتح الأولى مشددة: هو ابن أبي هريرة. وهو تابعي معروف، يروي عن أبيه، وعن ابن عمر. وله في المسند أحاديث عن أبيه، منها: ٢١٢، ٩٥٦٢. وهذا الخبر ذكر السيوطي ١: ١٩١، نحو معناه. ونسبه لعبد بن حميد فقط. وثبت فيه اسم"المحرر": "محرز" بالزاي في آخره، وهو تصحيف.]] ٢٨٦٤- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا سليمان بن داود قال، حدثنا شعبة، عن عاصم مولى قريبة، قال: سمعت عروة يأمر رجلا صام في السفر أن يَقضي. ٢٨٦٥- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا شعبة، عن عاصم مولى قريبة: أن رجلا صامَ في السفر، فأمرَهُ عروة أن يَقضي. ٢٨٦٦- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن صبيح قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم، عن أبيه كلثوم: أنّ قومًا قدموا على عُمرَ بن الخطاب وقد صاموا رمضانَ في سفر، فقال لهم: والله لكأنكم كنتم تصُومون! فقالوا: والله يا أمير المؤمنين لقد صمنا! قال: فأطقتموه! قالوا: نعم. قال: فاقضوه، فاقضوه. [[الخبر: ٢٨٦٦- إسناده ضعيف، لانقطاعه، فإن كلثوم بن جبر لم يدرك عمر بن الخطاب، كما بينا ذلك في: ٢٨٦١.]] * * * وعلة مَنْ قال هذه المقالة: أن الله تعالى ذكره فرَضَ بقوله:"فمن شهد منكم الشهر فليصمه" صومَ شهر رمضان على من شهده مُقيمًا غير مسافر، وجعل على من كان مريضًا أو مسافرًا صومَ عدة من أيام أخر غير أيام شهر رمضان بقوله:"ومَنْ كان مريضًا أو على سَفر فعدة من أيام أخر". قالوا: فكما غيرُ جائز للمقيم إفطارُ أيام شهر رمضان وَصَوم عدة أيام أخر مكانها -لأن الذي فرضَه الله عليه بشهوده الشهرَ صومُ الشهر دون غيره- فكذلك غير جائز لمن لم يشهده من المسافرين مقيمًا، صوْمُه. لأن الذي فرضه الله عليه عدة من أيام أخر. واعتلوا أيضًا من الخبر بما:- ٢٨٦٧- حدثنا به محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال، حدثنا عبد الله بن موسى، عن أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عوف قال، قال رسول الله ﷺ:" الصائم في السفر كالمفطر في الحضر." [[الحديث: ٢٨٦٧- محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي - شيخ الطبري: لم أجد له ترجمة. وسيأتي بهذا الاسم أيضًا في: ٢٨٨٨. ولكن سيأتي في الإسناد الذي عقب هذا باسم"محمد بن عبيد الله بن سعيد" - بجعل أبيه"عبيد الله" بدل"عبد الله". وأنا أرجح الذي في إسنادين على الذي في إسناد واحد، ترجيحًا بدائيًا غير محقق. يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري: مختلف فيه، والظاهر أنه ثقة، وإنما أخذوا عليه الرواية عن رجال مجهولين غير معروفي العدالة - مترجم في التهذيب، والكبير ٤/٢/٣٩٨، وابن أبي حاتم ٤/٢/٢١٤-٢١٥، وتاريخ بغداد ١٤: ٢٦٩-٢٧١. عبد الله بن موسى بن إبراهيم - من ولد طلحة بن عبيد الله التيمي: مختلف فيه. وضعف أحمد جدًا. وقال ابن حبان: "يرفع الموقوف، ويسند المرسل، لا يجوز الاحتجاج به". ووقع في المطبوعة هنا"عبيد الله بن موسى". وهو خطأ، فإن الحديث معروف من رواية"عبد الله بن موسى التيمي". ثم هو الذي يروي عن أسامة بن زيد. أسامة بن زيد: هو الليثي المدني، مختلف فيه. وقد رجحنا توثيقه في شرح المسند: ١٠٩٨. وهذا الحديث رواه ابن ماجه: ١٦٦٦، عن إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن عبد الله بن موسى التيمي بهذا الإسناد. وقد أطال الحافظ الزيلعي في نصب الرواية ٢: ٤٦١-٤٦٣ في تخريج رواياته. ورجح أنه موقوف من كلام عبد الرحمن بن عوف، إلى انقطاع إسناده بين أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبيه. فقد رجح الحافظ أنه لم يسمع من أبيه شيئا. وقد رجحنا في شرح المسند: ١٦٦٠ أنه سمع ذاك الحديث من أبيه - وكان صغيرًا حين مات عبد الرحمن. وليس معنى هذا أنه سمع منه كل ما يرويه عنه. وذكر ابن أبي حاتم في كتاب العلل، رقم ٦٩٤، أنه سأل أباه عن هذا الحديث، فقال أبو زرعة: "رواه أبو أحمد الزبيري، ومعن بن عيسى، وحماد بن خالد الخياط، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه، قوله. ورواه عنبسة بن خالد، عن يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه، عن النبي ﷺ. ورواه ابن لهيهة، عن يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة، عن النبي ﷺ. ورواه بقية، عن آخر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ. وقال أبو زرعة: الصحيح عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه. موقوف". ونقل الحافظ ابن حجر في التلخيص، ص: ١٩٥ أن الدارقطني في العلل والبيهقي، صححا أيضًا أنه موقوف. وانظر السنن الكبرى للبيهقي ٤: ٢٤٤، وتعقيب ابن التركماني عليه. والرواية الموقوفة على عبد الرحمن بن عوف رواها النسائي ١: ٣١٦، بثلاثة أسانيد. هذا وسيأتي قول الطبري في ص: ٤٧٤ عن هذا الخبر والذي يليه وأشباههما، أنها: "واهية الأسانيد، لا يجوز الاحتجاج بها في الدين".]] ٢٨٦٨- حدثني محمد بن عبيد الله بن سعيد قال، حدثنا يزيد بن عياض، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ:"الصائمُ في السفر كالمفطر في الحضر. [[الحديث: ٢٨٦٨- هو إسناد آخر للحديث السابق. وهذا إسناد مشكل: فشيخ الطبري ذكر هنا باسم"محمد عبيد الله بن سعيد". وذكر في الإسناد السابق باسم"محمد بن عبد الله". وثانيًا: قوله"حدثنا يزيد بن عياض" - غير معقول. يجب أن يكون بينهما راو على الأقل. فإن يزيد بن عياض بن يزيد بن جعدبة الليثي قديم الوفاة، مات في خلافة المهدي. وذكره البخاري في التاريخ الصغير، ص: ١٧٢، في فصل (من مات بين سنتي: ١٤٠-١٥٠) . فليس من المعقول أن يسمع منه أي شيخ للطبري المتوفى سنة ٣١٠. وأنا أرجح أن يكون بينهما"يزيد بن هارون"، لما سنذكر، إن شاء الله. ويزيد بن عياض هذا: ضعيف جدًا. قال البخاري في الكبير ٤/٢/٣٥١-٣٥٢، والصغير: "منكر الحديث". ورماه مالك وابن معين والنسائي وغيرهم بالكذب. و"جعدبة" بضم الجيم والدال المهملة بينهما عين مهملة ساكنة. ونقل الزيلعي في نصب الراية ٢: ٤٦٢، أن هذا الحديث"رواه ابن عدي في الكامل، من حديث يزيد بن هارون: حدثنا يزيد بن عياض، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه، مرفوعًا. قال ابن عدي: وهذا الحديث لا يرفعه عن الزهري - غير يزيد بن عياض، وعقيل من رواية سلامة بن روح عنه، ويونس بن يزيد من رواية القاسم بن مبرور عنه، وأسامة بن زيد من رواية عبد الله بن موسى التيمي عنه. والباقون من أصحاب الزهري - رووه عنه، عن أبي سلمة، عن أبيه، من قوله".]] * * * وقال آخرون: إباحة الإفطار في السفر رخصة من الله تعالى ذكره، رخصها لعباده، والفرضُ الصوم. فمن صام فرضَه أدَّى، ومن أفطر فبرُخصة الله له أفطر. قالوا: وإن صام في سفر فلا قَضاءَ عليه إذا أقام. * ذكر من قال ذلك: ٢٨٦٩- حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب قال، حدثنا عروة وسالم: أنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز إذ هو أميرٌ على المدينة، فتذاكروا الصومَ في السفر، قال سالم: كان ابن عمر لا يصُوم في السفر. وقال عروة. وكانت عائشة تصوم. فقال سالم: إنما أخذت عن ابن عمر. وقال عروة: إنما أخذتُ عن عائشة. حتى ارتفعت أصواتهما. فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم عفوً! اإذا كان يُسرًا فصوموا، وإذا كان عُسرًا فأفطروا. ٢٨٧٠- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، قال، حدثني رجل قال: ذكر الصوم في السفر عند عمر بن عبد العزيز، ثم ذكر نحو حديث ابن بشار. ٢٨٧١- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق - وحدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس حدثنا ابن إسحاق - عن الزهري، عن سالم بن عبد الله قال: خرج عمر بن الخطاب في بعض أسفاره في ليال بقيت من رمضان، فقال: إن الشهر قد تشعشع - قال أبو كريب في حديثه: أو: تَسعسع، ولم يشك يعقوب -فلو صمنا! فصام وصام الناس مَعه. ثم أقبل مرَّة قافلا حتى إذا كان بالروحاء أهلّ هلالُ شهر رمضان، فقال: إن الله قد قَضَى السفر، فلو صمنا ولم نَثْلم شهرنا! قال: فصام وصام الناس معه. [[تسعسع الشهر: أدبر وفنى إلا أقله من قولهم: "تسعسع الرجل": إذا اضطرب من الكبر أو الهرم. وتشعشع الشهر: رق وتقضى وبقى أقله. ذهب به إلى رقة الشهر وقلة ما بقي، كما يشعشع اللبن بالماء أي يمزج ويخلط. وقوله"لم نثلم شهرنا" من ثلم الإناء أو السيف: كسر شفة الإناء أو حد السيف. أي لم ندخل الخلل على صومنا ونجرح شهرنا.]] . ٢٨٧٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير، قال، حدثني أبي - وحدثنا محمد بن بشار قال، أخبرنا عبيد الله قال، أخبرنا بشير بن سلمان -عن خيثمةَ قال: سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر، قال: قد أمرتُ غلامي أن يَصوم فأبى. قلت: فأين هذه الآية:"ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر"؟ قال: نزلت ونحن يومئذ نرتحلُ جياعًا وننزل على غير شِبَع، وإنا اليوم نرتحل شِباعًا وننزل على شِبَع [[الخبر: ٢٨٧٢- الحكم بن بشير بن سلمان: مضى في: ١٤٩٧. أبوه"بشير بن سلمان النهدي": ثقة، وثقه أحمد وابن معين وغيرهما. وأبوه: "سلمان"، بفتح السين وسكون اللام. ووقع في كثير من المراجع المطبوعة"سليمان". وهو خطأ مطبعي. وفي التهذيب وفروعه"الكندي" بدل"النهدي". وهو خطأ، صوابه في الكبير للبخاري ١/٢/٩٩، وابن أبي حاتم ١/١/٣٧٤، وابن سعد ٦: ٢٥١، ورجال الصحيحين، ص: ٥٥. خيثمة: هو ابن أبي خيثمة البصري، وهو تابعي ثقة. وقال ابن معين: "ليس بشيء". كما في ابن أبي حاتم ١/٢/٣٩٤، ولكن ذكره ابن حبان في الثقات، وترجمه البخاري في الكبير ٢/١/١٩٧، فلم يذكر فيه جرحًا، وأشار إلى هذا الحديث من روايته، كعادته في إشاراته الدقيقة -لله دره- فقال: "وقال أبو نعيم، عن بشير بن سلمان، عن خيثمة. قال: سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر". ولم يذكره هو ولا النسائي في الضعفاء. وهذا كاف في توثيقه والاحتجاج بروايته، دون الجرح المجمل من ابن معين. وهذا الخبر ذكره السيوطي ١: ١٩١، وزاد نسبته لعبد بن حميد، والنسائي. ولم أجده في النسائي، ولعله في السنن الكبرى.]] . ٢٨٧٣- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن بشير بن سلمان، عن خيثمة، عن أنس نحوه. ٢٨٧٤- حدثنا هناد وأبو السائب قالا حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن أنس: أنه سئل عن الصوم في السفر فقال: من أفطر فبرُخصة الله، ومن صام فالصومُ أفضل. ٢٨٧٥- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة، عن أشعث بن عبد الملك، عن محمد بن عثمان بن أبي العاص قال: الفطر في السفر رخصة، والصوم أفضل. ٢٨٧٦- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا شعبة قال، حدثنا أبو الفيض، قال: كان علي علينا أميرًا بالشام، فنهانا عن الصوم في السفر، فسألت أبا قِرْصافة - رجلا من أصحاب النبي ﷺ من بني ليث، قال عبد الصمد: سمعتُ رجلا من قومه يَقول: إنه واثلة بن الأسقع - قال: لو صمتَ في السفر ما قضيت. [[الخبر: ٢٨٧٦- أبو الفيض: هو موسى بن أيوب المهري الحمصي، ويقال: ابن أبي أيوب، وهو شامي ثقة، وثقه ابن معين، والعجلي. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٤/١/١٣٤. أبو قرصافة، بكسر القاف وسكون الراء بعدها صاد مهملة: هو"واثلة بن الأسقع" الصحابي، من بني ليث بن عبد مناة. يكنى"أبا الأسقع"، ويقال"أبو قرصافة"، كما في ترجمته في الإصابة والتهذيب وغيرهما. وهذا الخبر يؤيد هذه الكنية، لأن عبد الصمد بن عبد الوارث يذكر في أثنائه، أنه سمع رجلا من قومه يقول"إنه واثلة بن الأسقع". وقد أوقعهم هذا الخبر -أو نحوه- في وهم عجيب؛ لأن هناك رجلا آخر له صحبة، يكنى"أبا قرصافة اسمه جندرة بن خيشنة" كنابي له صحبة، مترجم في التهذيب ٢: ١١٩، والكبير ١/٢/٢٤٩، وابن أبي حاتم ١/١/٥٤٥، وأسد الغابة ١: ٣٠٧. فانتقل نظر صاحب التهذيب، في ترجمة"أبي الفيض موسى بن أيوب" ١٠: ٣٣٧ فذكر أنه يروي عن"أبي قرصافة جندرة بن خيشنة". ثم ذكر صاحب أسد الغابة، في ترجمة"جندرة" هذا أنه"جعله ابن ماكولا ليثيًا، وليس بشيء!! ". ولم يذكر صاحب التهذيب في ترجمة"جندرة" أنه يروي عنه"أبو الفيض"!! فالظاهر عندي أن ابن ماكولا حين ذكر أن"أبا قرصافة" من بني ليث، أراد به"واثلة بن الأسقع"، كما تدل عليه الرواية في هذا الخبر. وأن صاحب التهذيب وهم حين ذكر أن أبا الفيض يروي عن"أبي قرصافة جندرة بن خيشنة"، لأن روايته إنما هي عن"أبي قرصافة واثلة"، وهو ليثي بلا خلاف فيه. وأما قول أبي الفيض هنا: "كان على علينا أميرا بالشأم" - فلا أدري ما هو؟ وإنما اليقين أنه لا يريه به"علي بن أبي طالب"، إذ لم يكن ذلك قط. ولعله كان لهم أمير بالشأم يدعي"عليا". ويحتمل أن يكون ما هنا فيه تحريف، وأن يكون صوابه"كان علينا أمير بالشأم، فنهانا. . " إلخ. ثم وجدت ما يؤيد ذلك: ففي مجمع الزوائد ٣: ١٦١-١٦٢"عن أبي الفيض" قال: خطبنا مسلمة بن عبد الملك، فقال: لا تصوموا رمضان في السفر، فمن صام فليقضه. قال أبو الفيض: فلقيت أبا قرصافة واثلة بن الأسقع، فسألته؟ فقال: لو ما صمت ثم صمت ما قضيته. رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات". فهذه الرواية تماثل رواية الطبري هنا، وتدل على أن الأمير الذي نهاهم هو"مسلمة بن عبد الملك". فأكبر الرأي أن يكون الصواب في رواية الطبري"كان عليا أمير بالشأم"، كما ظننا من قبل. ولفظ آخر الحديث -في رواية الزوائد- أراه محرفًا، وأوضح منه وأصوب لفظ أبي جعفر. و"جندرة" و"خيشنة" - كلاهما بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه.]] . ٢٨٧٧- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن بسطام بن مسلم، عن عطاء قال: إن صمتم أجزأ عنكم، وإن أفطرتم فرُخصة. ٢٨٧٨- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن كهمس قال: سألت سالم بن عبد الله عن الصوم في السفر، فقال: إن صمتم أجزأ عنكم، وإن أفطرتم فرخصة. ٢٨٧٩- حدثنا هناد قال، حدثنا عبد الرحيم، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء قال: من صام فحقٌّ أدَّاه، ومن أفطر فرُخصة أخذ بها. ٢٨٨٠- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير، قال: الفطر في السفر رُخصة، والصومُ أفضل. ٢٨٨١- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطاء، قال: هو تَعليم، وليس بعَزم - يعني قول الله:"ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر"، إن شاء صام وإن شاء لم يصم. ٢٨٨٢- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن الحسن: في الرجل يسافر في رمضان، قال: إن شاء صام وإن شاء أفطر. ٢٨٨٣- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا سفيان بن حبيب قال، حدثنا العوّام بن حوشب قال: قلت لمجاهد: الصوم في السفر قال: كان رسول الله ﷺ يصوم فيه ويفطر. قال: قلت: فأيهما أحب إليك؟ قال: إنما هي رُخصة، وأن تصوم رمضان أحب إليّ. ٢٨٨٤- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن حماد، عن سعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد، أنهم قالوا: الصومُ في السفر، إن شاء صَام وإن شاء أفطر، والصوم أحب إليهم. ٢٨٨٥- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال، قال لي مجاهد في الصوم في السفر -يعني صوم رمضان-: والله ما منهما إلا حلال، الصومُ والإفطار، وما أراد الله بالإفطار إلا التيسير لعباده. ٢٨٨٦- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن الأشعث بن سليم قال: صحبت أبا الأسود بن يزيد وعمرو بن ميمون وأبا وائل إلى مكة، وكانوا يصومون رمضان وغيرَه في السفر. ٢٨٨٧- حدثنا علي بن حسن الأزدي قال، حدثنا معافى بن عمران، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير: الفطرُ في السفر رُخصة، والصوم أفضل. ٢٨٨٨- حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال، حدثنا يعقوب قال، حدثنا صالح بن محمد بن صالح، عن أبيه قال: قلت للقاسم بن محمد: إنا نسافر في الشتاء في رمضان، فإن صمتُ فيه كان أهوَنَ عليَّ من أن أقضيه في الحر! فقال: قال الله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ ما كان أيسرَ عليك فافعلْ [[الخبر: ٢٨٨٨- محمد بن عبد الله بن سعيد، شيخ الطبري: مضى في: ٢٨٦٧، ٢٨٦٨. صالح بن محمد بن صالح بن دينار التمار المدني: ترجمه البخاري في الكبير ٢/٢/٢٩٢، ولم يذكر فيه جرحا، وذكر أنه يروي عن أبيه. ولم يترجم له ابن أبي حاتم، ولا التهذيب، ولا لسان الميزان ولكن ذكر في التهذيب في ترجمة أبيه، أنه يروي عنه. أبوه محمد بن صالح بن دينار التمار: ثقة. مترجم في التهذيب. والكبير ١/١/١١٧، وروى حدثنا آخر من رواية ابنه صالح، عنه، وابن أبي حاتم ٣/٢/٢٨٧.]] . * * * قال أبو جعفر: وهذا القول عندنا أولى بالصواب، لإجماع الجميع على أن مريضًا لو صام شهرَ رمضان -وهو ممن له الإفطار لمرضه- أنّ صومه ذلك مجزئ عنه، ولا قضاء عليه إذا برأ من مرضه بعدة من أيام أخر، فكان معلومًا بذلك أن حكم المسافر حكمه في أنْ لا قضاءَ عليه إن صامه في سفره. لأن الذي جعل للمسافر من الإفطار وأمرَ به من قضاء عدة من أيام أخر، مثلُ الذي جعل من ذلك للمريض وأمرَ به من القضاء. ثم في دلالة الآية كفايةٌ مغنية عن استشهاد شاهد على صحة ذلك بغيرها. وذلك قول الله تعالى ذكره: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ ، ولا عُسرَ أعظم من أن يُلزم من صامه في سفره عدةً من أيام أخر، وقد تكلف أداءَ فرضه في أثقل الحالين عليه حتى قضاه وأدَّاه. فإن ظن ذو غَباوة أنّ الذي صامه لم يكن فرضَهُ الواجبَ، فإن في قول الله تعالى ذكره:"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام""شهرُ رَمضَان الذي أنزل فيه القرآن"، ما ينبئ أن المكتوبَ صومُه من الشهور على كل مُؤمن، هو شهرُ رمضان مسافرًا كان أو مقيمًا، لعموم الله تعالى ذكره المؤمنين بذلك بقوله:"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكمُ الصيام""شهر رمضان" = وأن قوله:"ومَنْ كان مريضًا أو عَلى سفر فعدةٌ من أيام أخر" معناه: ومن كان مريضًا أو على سفر فأفطرَ برُخصة الله، فعليه صوم عدة أيام أخر مكانَ الأيام التي أفطر في سفره أو مرضه = ثم في تظاهر الأخبار عن رسول الله ﷺ بقوله - إذْ سئل عن الصوم في السفر:"إن شئتَ فصم، وإن شئت فأفطر" - الكفايةُ الكافيةُ عن الاستدلال على صحة ما قُلنا في ذلك بغيره. ٢٨٨٩- حدثنا هناد قال، حدثنا عبد الرحيم ووكيع وعبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن حَمزة سألَ رسول الله ﷺ عن الصوم في السفر -وكانَ يسرُد الصوم- فقال رسول الله ﷺ: إن شئتَ فصُمْ وإن شئت فأفطر. [[الحديث: ٢٨٨٩- هو حديث صحيح. رواه الإمام أحمد، وأصحاب الكتب الستة، كما في المنتقى: ٢١٧١. و"حمزة" هذا: هو حمزة بن عمرو الأسلمي، صحابي معروف. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ٢/١/٤٣، وابن سعد ٤/٢/٤٥، وابن أبي حاتم ١/٢/٢١٢، والاستيعاب، ص: ١٠٥، وأسد الغابة ٢: ٥٠-٥١، وتاريخ الإسلام للذهبي ٣: ١٤. ومن عجب بعد هذا كله: أن يسهو الحافظ ابن حجر عن ترجمته في الإصابة، في حين أنه أشار إليه في ترجمة"حمزة بن عمر" بضم العين وفتح الميم. وهي ترجمة أخطأ فيها بعض من سبقه، وبين هو هذا الخطأ كما بينه ابن الأثير!! وانظر الإسنادين بعد هذا. سرد الصوم يسرده سردًا: إذا والاه وتابعه بعضه في إثر بعض.]] . ٢٨٩٠- حدثنا أبو كريب وعبيد بن إسماعيل الهبّاري قالا حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه أن حمزة سأل رسول الله ﷺ فذكر نحوه. [[الحديث: ٢٩٩٠- عبيد بن إسماعيل الهباري، شيخ الطبري: ثقة من شيوخ البخاري. ترجمه في الصغير، ص: ٢٤٧، وهو مترجم أيضًا في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢/٢/٤٠٢. ابن إدريس: هو عبد الله بن إدريس الأودي، مضى في: ٤٣٨، ٢٠٣٠. ووقع في التهذيب ٧: ٥٩، في شيوخ"عبيد بن إسماعيل" -" وأبي إدريس". وهو خطأ مطبعي. وهذا الإسناد ظاهره أنه مرسل، لأن عروة بن الزبير تابعي، كما هو واضح. والظاهر أن هشام بن عروة، أو أباه عروة - كان أحدهما يصل هذا الحديث تارة ويرسله تارة. وعروة سمعه من خالته عائشة أم المؤمنين، كما في الإسناد السابق، وسمعه أيضًا من أبي مراوح عن حمزة الأسلمي نفسه، كما في الإسناد التالي لهذا. ومالك قد روى هذا الحديث في الموطأ، ص: ٢٩٥، "عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن حمزة بن عمرو الأسلمي. . " - فذكره مرسلا، كرواية ابن إدريس هنا، عن هشام. فقال ابن عبد البر في التقصي، رقم: ٦٤٣"هكذا رواه يحيى، لم يذكر عائشة. وخالفه أكثر رواة الموطأ، فذكروا فيه عائشة". وقد رواه البخاري ٤: ١٥٧، عن عبد الله بن يوسف، عن مالك - موصولا. وكذلك رواه غيره من الأئمة. والظاهر عندي أن الذي كان يرسله ويصله - هو هشام أو أبوه، وأن مالكًا رواه عن هشام على الوجهين. بدلالة رواية عبد الله بن إدريس المرسلة -هنا- عن هشام. ورواه البخاري أيضًا ٤: ١٥٦، ومسلم ١: ٣٠٩ - ٣١٠، بأسانيد، موصولا، من طريق هشام، عن أبيه، عن عائشة.]] . ٢٨٩١- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال: أخبرنا حيوة بن شريح قال: أخبرنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن أبي مراوح، عن حمزة الأسلمي صاحب رسول الله ﷺ أنه قال: يا رسول الله، إني أسرد الصوم، فأصومُ في السفر؟ فقال رسول الله ﷺ: إنما هي رُخْصة من الله لعباده، فمن فعلها فحسنٌ جميل، ومن تركها فلا جُناح عليه. فكان حمزة يصوم الدهر، فيصوم في السفر والحضر. وكان عروة بن الزبير يصوم الدهر، فيصوم في السفر والحضر، حتى إنْ كان ليمرضُ فلا يُفطر. وكان أبو مُرَاوح يصوم الدهر، فيصوم في السفر والحضر. [[الحديث: ٢٨٩١- أبو زرعة وهب الله بن راشد: مضى في: ٢٣٧٧. ووقع في المطبوعة هنا - كما كان هناك: "أبو زرعة وعبد الله بن راشد قالا. . ". وهو خطأ، كما بينا آنفًا. حيوة -بفتح الحاء المهملة والواو بينهما ياء تحتية ساكنة- بن شريح التجيبي، أبو زرعة المصري: فقيه عالم ثقة ثقة. أبو الأسود: هو"يتيم عروة"، واسمه"محمد بن عبد الرحمن بن نوفل"، وقيل له"يتيم عروة" لأن أباه كان أوصى إليه. أبو مراوج الغفاري المدني: تابعي ثقة، أخرج له الشيخان وغيرهما. والحديث رواه مسلم ١: ٣١٠، والنسائي ١: ٢٤٣ - والبيهقي ٤: ٤٣، ثلاثتهم من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي الأسود، بهذا الإسناد. وقصر السيوطي جدًا، فذكره ١: ١٩٠، ونسبه للدارقطني"وصححه"، فقط. وهو في أحد الصحيحين وأحد السنن الأربعة. فظهر من هذا الإسناد أن عروة بن الزبير له في هذا الحديث طريقان: فسمعه من خالته عائشة. وسمعه مطولا من أبي مراوح، عن حمزة الأسلمي نفسه، صاحب السؤال. فليس هذا اختلافًا على عروة، إنما هو توكيد رواية صحيحة، بأخرى مثلها.]] . * * * ففي هذا، مع نظائره من الأخبار التي يطول باستيعابها الكتاب الدلالة الدالة على صحة ما قلنا: من أن الإفطارَ رخصةٌ لا عزم، والبيانُ الواضح على صحة ما قلنا في تأويل قوله:"وَمن كانَ مريضًا أو عَلى سَفر فعدةٌ من أيام أخر". * * * قال أبو جعفر: فإن قال قائل: إن الأخبار بما قلت وإن كانت متظاهرةً، فقد تظاهرت أيضًا بقوله:"ليس من البر الصيامُ في السفر"؟ قيل: إن ذلك إذا كان الصيامُ في مثل الحال التي جَاء الأثرُ عن رسول الله ﷺ أنه قالَ في ذلك لمن قال له. ٢٨٩٢- حدثنا الحسين بن يزيد السبيعي قال، حدثنا ابن إدريس، عن محمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمرو بن الحسن، عن جابر: أن رسول الله ﷺ رأى رجُلا في سفره قد ظُلِّل عليه، وعليه جماعة، فقال:"من هذا؟ قالوا: صائم. قال: ليس من البر الصوم في السفر. * * * =قال أبو جعفر: أخشى أن يكون هذا الشيخ غلط، وبين ابن إدريس ومحمد بن عبد الرحمن، شعبة. [[الحديث: ٢٨٩٢- الحسين بن يزيد السبيعي، شيخ الطبري: هكذا ثبت هنا. وأخشى أن يكون نسبته"السبيعي" سهوا أو خطأ من الناسخين. والذي في هذه الطبقة، ويروي عن عبد الله بن إدريس - هو"الحسين بن يزيد بن يحيى الطحان الأنصاري" وهو مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ١/٢/٦٧. روى عنه أبو داود، والترمذي، وأبو زرعة، وذكر الحافظ أنه روى عنه مسلم خارج الصحيح. والذي يرجح عندي هذا: أن الطبري روى خبرًا آخر، في التاريخ ١: ١٣٥ - ١٣٦: "حدثنا الحسين بن يزيد الطحان قال: حدثنا ابن إدريس. . . ". إلا أن يكون هذا شيخًا آخر للطبري، لم تصل إلينا معرفته. وقد نبه الطبري إلى غلط هذا الشيخ، في إسقاط"شبعة" بين"ابن إديس" و"محمد بن عبد الرحمن"، وهو كما قال. فإن عبد الله بن إدريس لم يدرك أن يروي عن محمد بن عبد الرحمن. وسيأتي تخريج هذا الحديث، في الإسناد التالي له.]] . * * * ٢٨٩٢م- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري، عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي، عن جابر بن عبد الله قال: رأى رسول الله ﷺ رجلا قد اجتمع الناس عليه وقد ظُلِّل عليه، فقالوا: هذا رجل صائم! فقال رسول الله ﷺ: ليس من البر أن تَصوموا في السفر. [[الحديث: ٢٨٩٢م - محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة: ثقة معروف، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وبعضهم ينسبه لجده لأمه، فيقول: "محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة". و"سعد بن زرارة"، وأخوه"أسعد بن زرارة"- صحابيان معروفان، أنصاريان، من بني النجار. ووقع في هذا الإسناد في المطبوعة"شعبة عن عبد الرحمن بن سعد. . "، وهو خطأ واضح من الناسخين سقط منهم"محمد بن" قبل"عهد الرحمن". محمد بن عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب: تابعي ثقة، أخرج له الشيخان وغيرهما. والحديث رواه مسلم ١: ٣٠٨، بأسانيد، منها: عن محمد بن المثني، شيخ الطبري هنا، عن محمد بن جعفر، بهذا الإسناد. ورواه أحمد في المسند: ١٤٢٤٢ (٣: ٢٩٩حلبي) ، عن محمد بن جعفر، به. ورواه أبو داود الطيالسي: ١٧٢١، عن شعبة، به. ورواه البخاري ٤: ١٦١-١٦٢ (فتح) ، عن آدم، عن شعبة. ورواه أيضًا -مختصرًا- في الكبير ١/١/١٨٩-١٩٠، عن آدم. ورواه أبو نعيم في الحلية ٧: ١٥٩، بأسانيد من طريق شعبة، ثم قال: "صحيح متفق عليه. واختلف في محمد بن عبد الرحمن: فأخرجه سليمان في ترجمة: شعبة عن أبي الرجال، وغيره أخرجه في ترجمة محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة". وقد حقق الحافظ في الفتح أن الصحيح ما ذكرنا. وهو الثابت في صحيح مسلم، وسنن أبي داود: ٢٤٠٧، وغيرهما. وقصر السيوطي جدًا، إذ نسبه في الدر المنثور ١: ١٩١ لابن أبي شيبة، وأبي داود، والنسائي، فقط؛ وهو في الصحيحين كما ترى.]] . * * * فمن بلغ منه الصوم ما بَلغ من الذي قال له النبي ﷺ، ذلك، فليس من البر صومه. لأن الله تعالى ذكره قد حرّم على كل أحد تعريضَ نفسه لما فيه هلاكها، وله إلى نجاتها سبيل. وإنما يُطلب البر بما نَدب الله إليه وَحضَّ عليه من الأعمال، لا بما نهى عنه. وأما الأخبار التي رويت عنه ﷺ من قوله:"الصائم في السفر كالمفطر في الحضر" [[انظر الأثرين رقم: ٢٨٦٧، ٢٨٦٨، والتعليق عليهما.]] فقد يحتمل أن يكون قيل لمن بلغ منه الصوم ما بلغ من هذا الذي ظُلِّل عليه، إن كان قبل ذلك. وغيرُ جائز عليه أن يُضَاف إلى النبي ﷺ قيلُ ذلك، لأن الأخبار التي جاءت بذلك عن رسول الله ﷺ واهية الأسانيد، لا يجوز الاحتجاجُ بها في الدين. * * * فإن قال قائل: وكيف عطف على"المريض"، وهو اسم بقوله:"أوْ على سفر" و"على" صفة لا اسم. [[قوله: "صفة" يعني حرف جر. وحروف الصفات هي حروف الجر. وقد مضى بيان ذلك في ١: ٢٩٩ تعليق: ١.]] . قيل: جاز أن ينسق ب"على" على"المريض"، لأنها في معنى الفعل. وتأويل ذلك: أو مسافرًا، كما قال تعالى ذكره: ﴿دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا﴾ [يونس: ١٢] ، فعطف ب"القاعد، والقائم" على"اللام" التي في"لجنبه"، لأن معناها الفعل، كأنه قال: دعانا مضطجعًا أو قاعدًا أو قائمًا. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: يريد الله بكم، أيها المؤمنون -بترخيصه لكم في حال مرضكم وسَفركم في الإفطار، وقضاء عدة أيام أخر من الأيام التي أفطرتموها بعد إقامتكم وبعد بُرئكم من مرضكم- التخفيفَ عليكم، والتسهيل عليكم، لعلمه بمشقة ذلك عليكم في هذه الأحوال [[في المطبوعة: "بشقة ذلك عليكم"، والصواب ما أثبت.]] ="ولا يُريد بكم العسر"، يقول: ولا يريد بكم الشدة والمشقة عليكم، فيكلفكم صوم الشهر في هذه الأحوال، مع علمه شدة ذلك عليكم، وثقل حمله عليكم لو حمّلكم صومه، كما:- ٢٨٩٣- حدثني المثني قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"يُريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، قال: اليسر: الإفطار في السفر، والعسر الصيام في السفر. ٢٨٩٤- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي حمزة، قال: سألت ابن عباس عن الصوم في السفر، فقال: يُسرٌ وعُسرٌ. فخذ بيسر الله. ٢٨٩٥- حدثني المثني قال، حدثنا سويد بن نصر. قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"يريد الله بكم اليسر" -قال: هو الإفطار في السفر، وَجعل عدةً من أيام أخر-"ولا يريد بكم العسر". ٢٨٩٦- حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"يريد الله بكمُ اليسر ولا يُريد بكم العسر"، فأريدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم. ٢٨٩٧- حدثني المثني قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن عبد الكريم الجزري عن طاوس، عن ابن عباس قال: لا تَعِبْ على من صام ولا على من أفطر -يعنِي في السفر في رمضان-"يريد الله بكم اليسر ولا يُريد بكم العسر". ٢٨٩٨- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، حدثنا الفضيل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمانَ، قال سمعت الضحاك بن مزاحم في قوله:"يريد الله بكمُ اليسر" -الإفطار في السفر-"ولا يريد بكم العسر"، الصيام في السفر. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: [[في المطبوعة: "بذلك" مكان"بقوله"، وسياق الكلام يدل على صواب ما أثبت.]] "ولتكملوا العدة"، عدةَ ما أفطرتم، من أيام أخر، أوجبت عليكم قضاءَ عدة من أيام أخر بعد برئكم من مرضكم، أو إقامتكم من سفركم، كما: ٢٨٩٩- حدثني المثني قال، حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"ولتكملوا العدة"، قال: عدة ما أفطر المريض والمسافر. ٢٩٠٠- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ولتكملوا العدة"، قال: إكمالُ العدة: أنَ يصومَ ما أفطر من رمضان في سفر أو مرض [إلى] أنْ يُتمه، فإذا أتمه فقد أكمل العدة. [[الزيادة بين القوسين لا غنى عنها هنا.]] . * * * فإن قال قائل: ما الذي عليه = بهذه"الواو" التي في قوله:"ولتكملوا العدة" = عَطَفَتْ؟ [[السياق: وما الذي عليه عطفت.]] . قيل: اختلف أهل العربية في ذلك. فقال بعضهم: هي عاطفة على ما قبلها، كأنه قيل: ويُريد لتكملوا العدة ولتكبروا الله. وقال بعض نحويي الكوفة: وهذه"اللام" التي في قوله:"ولتكملوا" لام"كي" لو ألقيتْ كان صوابًا. قال: والعرب تُدخلها في كلامها على إضمار فعل بعدها، ولا تكون شرطًا للفعل الذي قبلها وفيها"الواو"، ألا ترى أنك تقول:"جئتك لتحسن إلي"، ولا تقول:"جئتك ولتحسن إليّ"، فإذا قلته فأنت تريد: ولتحسن جئتك. قال: وهذا في القرآن كثيرٌ، منه قوله: ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ [سورة الأنعام: ١١٣] ، وقوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [سورة الأنعام: ٧٥] ، ولو لم تكن فيه"الواو" كان شرطًا على قولك: أريْناهُ ملكوت السموات والأرض ليكون. فإذا كانت"الواو" فيها فلها فعل"مضمر" بعدها، و"ليكون من الموقنين"، أريناه. [[هذا قول الفراء، وهو نص كلامه في معاني القرآن ١: ١١٣.]] . * * * قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بالصواب في العربية. لأن قوله:"ولتكملوا العدة"، ليس قبله"لام" بمعنى"اللام" التي في قوله:"ولتكملوا العدة" فتعطف بقوله:"ولتكملوا العدة" عليها - وإن دخول"الواو" معها، يؤذن بأنها شرط لفعل بعدها، إذ كانت"الواو" لو حذفت كانت شرطًا لما قبلها من الفعل. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: ولتعظِّموا الله بالذكر له بما أنعم عليكم به، من الهداية التي خذل عنها غيركم من أهل الملل الذين كتب عليهم من صوم شهر رمضان مثلَ الذي كتب عليكم فيه، فضلُّوا عنه بإضلال الله إياهم، وخصَّكم بكرامته فهداكم له، ووفقكم لأداء ما كتبَ الله عليكم من صومه، وتشكروه على ذلك بالعبادة لهُ. * * * والذكر الذي حضهم الله على تعظيمه به،"التكبير" يوم الفطر، فيما تأوله جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٢٩٠١- حدثني المثني قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن داود بن قيس، قال: سمعت زيد بن أسلم يقول:"ولتكبروا الله على ما هداكم"، قال: إذا رأى الهلال، فالتكبيرُ من حين يَرى الهلال حتى ينصرف الإمام، في الطريق والمسجد، إلا أنه إذا حضر الإمامُ كفّ فلا يكبرِّ إلا بتكبيره. ٢٩٠٢- حدثني المثني قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت سفيان يقول:"ولتكبِّروا الله على ما هداكم"، قال: بلغنا أنه التكبير يوم الفطر. ٢٩٠٣- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان ابن عباس يقول: حقٌّ على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبرِّوا الله حتى يفرغوا من عيدهم، لأن الله تعالى ذكره يقول:"ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم". قال ابن زيد: يَنبغي لهم إذا غَدوا إلى المصلَّى كبروا، فإذا جلسوا كبروا، فإذا جاء الإمام صَمتوا، فإذا كبر الإمام كبروا، ولا يكبرون إذا جاء الإمام إلا بتكبيره، حتى إذا فرغ وانقضت الصلاة فقد انقضى العيد. قال يونس: قال ابن وهب: قال عبد الرحمن بن زيد: والجماعةُ عندنا على أن يغدوا بالتكبير إلى المصلَّى. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥) ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق، وتيسير ما لو شاء عسر عليكم. و"لعل" في هذا الموضع بمعنى"كي" [[انظر ما سلف ١: ٣٦٤، والمراجع في فهرس مباحث العربية.]] ولذلك عطف به على قوله:"ولتكملوا العدة ولتكبروا الله عَلى ما هَداكم ولَعلكم تَشكرون".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب