الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿شهر رَمَضَان﴾ سمى الشَّهْر بذلك لشهرته. وَأما رَمَضَان كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يُسمى شهر رَمَضَان ناتقا. قَالَ أَبُو عَليّ قطرب: إِنَّمَا سمى: رَمَضَان؛ لأَنهم كَانُوا يَصُومُونَ فِي الْحر الشَّديد، وَمِنْه الرمضاء: للرمل الَّذِي حمى بالشمس. وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ اسْم من أَسمَاء الله، وَلذَلِك لَا يجمع على رمضانات، ويروى هَذَا عَن النَّبِي غَرِيبا، وَالصَّحِيح أَنه اسْم الشَّهْر. وَقد ورد فِي فضل الشَّهْر وَالصَّوْم أَخْبَار، مِنْهَا مَا روى مَرْفُوعا: " سيد الشُّهُور شهر رَمَضَان ". وَصَحَّ عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " إِذا كَانَ أول لَيْلَة من رَمَضَان فتحت أَبْوَاب الرَّحْمَة، وغلقت أَبْوَاب جَهَنَّم، وسلسلت الشَّيَاطِين " أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح. وَقَالَ: يَقُول الله تَعَالَى: كل عمل ابْن آدم لَهُ إِلَّا الصَّوْم؛ فَإِنَّهُ لي وَأَنا أجزي بِهِ. . " الْخَبَر. وَاخْتلفُوا فِي تَخْصِيص الصَّوْم، مِنْهُم من قَالَ: لِأَنَّهُ أَشد الْعِبَادَات فِي كسر الشَّهَوَات وقمع النَّفس. وَمِنْهُم من قَالَ: لِأَنَّهُ سر بَين العَبْد وَبَين ربه. وَقَوله تَعَالَى: ﴿الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: إِنَّمَا أنزل الْقُرْآن فِي ثَلَاث وَعشْرين سنة فَكيف قَالَ: أنزل فِيهِ الْقُرْآن؟ وَالْجَوَاب: قَالَ ابْن عَبَّاس: أنزل الله تَعَالَى الْقُرْآن جملَة فِي رَمَضَان إِلَى بَيت فِي السَّمَاء الدُّنْيَا يُسمى بِبَيْت الْعِزَّة، ثمَّ مِنْهُ أنزل إِلَى الأَرْض إرْسَالًا. روى وائله بن الْأَسْقَع عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أنزلت صحف إِبْرَاهِيم فِي أول لَيْلَة من رَمَضَان، وأنزلت التَّوْرَاة فِي اللَّيْلَة السَّادِسَة من رَمَضَان، وَأنزل الْإِنْجِيل فِي لَيْلَة الثَّالِث عشر من رَمَضَان، وَأنزل الْقُرْآن لأَرْبَع وَعشْرين من رَمَضَان ". وَفِيه قَول ثَالِث مَعْنَاهُ: أنزل فِيهِ الْقُرْآن بفريضة صَوْم رَمَضَان. وَإِنَّمَا سمى الْقُرْآن قُرْآنًا؛ لِأَنَّهُ يجمع السُّور والآي، والحروف، وأصل الْقُرْآن: الْجمع، وَمِنْه قَول الشَّاعِر: (ذراعي عيطل أدماء بكر ... هجان اللَّوْن لم تقْرَأ جَنِينا) وَقَوله تَعَالَى ﴿هدى للنَّاس﴾ رشاد وَبَيَان. وَقَوله تَعَالَى: ﴿وبينات من الْهدى وَالْفرْقَان﴾ أَي: دلالات واضحات من الْحَلَال وَالْحرَام، وَالْفرْقَان: المفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل. وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه﴾ قَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد: مَعْنَاهُ فَمن كَانَ مِنْكُم مُقيما فِي الْحَضَر فَأدْرك الشَّهْر فليصمه. ثمَّ اخْتلفت الصَّحَابَة فِيمَن أدْرك الشَّهْر وَهُوَ مُقيم، ثمَّ سَافر على قَوْلَيْنِ: فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: لَا يجوز لَهُ أَن يفْطر. وَأكْثر الصَّحَابَة على أَنه يجوز الْفطر، وَهُوَ الْأَصَح؛ لما صَحَّ عَن رَسُول الله بِرِوَايَة جَابر " أَنه سَافر فِي رَمَضَان فَلَمَّا بلغ كرَاع الغميم أفطر وَأفْطر النَّاس ". وَقَوله تَعَالَى: ﴿فليصمه﴾ أَي بِقدر مَا أدْرك وَهُوَ مُقيم ﴿وَمن كَانَ مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر﴾ إِنَّمَا أعَاد هَذَا ليعلم أَن هَذَا الحكم فِي النَّاسِخ مثل مَا كَانَ فِي الْمَنْسُوخ. وَقَوله تَعَالَى: ﴿يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر﴾ يَعْنِي فِي إِبَاحَة الْفطر بِالْمرضِ وَالسّفر، وَتَأْخِير الصَّوْم إِلَى أَيَّام أخر. وَحكى عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: مَا خير رجل بَين أَمريْن فَاخْتَارَ أيسرهما؛ إِلَّا كَانَ ذَلِك أحبهما إِلَى الله. وروى محجن بن أدرع: " أَن النَّبِي أخبر بِرَجُل كَانَ يُطِيل الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد طول النَّهَار فجَاء إِلَيْهِ وَأخذ بمنكبيه وهزهما هزا، ثمَّ قَالَ: إِن الله تَعَالَى رَضِي لهَذِهِ الْأمة باليسير، وَكره لَهُم الْعسر، وَإِن هَذَا الرجل رَضِي بالعسر وَيكرهُ الْيُسْر ". ومشهور عَن رَسُول الله: " أَن الله يحب أَن تُؤْتى رخصه كَمَا يحب أَن تُؤْتى عَزَائِمه ". ( ﴿وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان فليستجيبوا لي﴾ ولتكملوا الْعدة) أَي: عدَّة الشَّهْر بِقَضَاء مَا أفطر فِي الْمَرَض أَو السّفر. ﴿ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ﴾ أَي: لتعظموه على مَا أرشدكم إِلَى مَا رضى بِهِ من صَوْم رَمَضَان. قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ تَكْبِيرَات لَيْلَة الْفطر وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عمر، وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا. وَقَالَ: حق على كل مُسلم أَن يكبر لَيْلَة الْفطر إِلَى أَن يفرغ من صَلَاة الْعِيد ﴿ولعلكم تشكرون﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب