الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٨٥] ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرْقانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ومَن كانَ مَرِيضًا أوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ولِتُكْمِلُوا العِدَّةَ ولِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكم ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ .
﴿شَهْرُ رَمَضانَ﴾ لِأنَّ ذَلِكَ أفْخَمُ وآكَدُ مِن تَعْيِينِهِ مِن أوَّلِ الأمْرِ.
وقالَ الرّاغِبُ: جُعِلَ مَعالِمُ فَرْضِهِ عَلى الأهِلَّةِ لِيُبادِرَ الإنْسانُ بِهِ في كُلِّ وقْتٍ مِن أوْقاتِ السَّنَةِ، كَما يَدُورُ الشَّهْرُ فِيهِ مِنَ الصَّيْفِ والشِّتاءِ والرَّبِيعَيْنِ.
وفِي رَفْعِ: ﴿شَهْرُ﴾ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هي شَهْرٌ، يَعْنِي الأيّامَ المَعْدُوداتِ. فَعَلى هَذا يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِي أُنْـزِلَ﴾ نَعْتًا لِلشَّهْرِ أوْ لِرَمَضانَ.
والثّانِي: (p-٤٢٥)هُوَ مُبْتَدَأٌ.
ثُمَّ في الخَبَرِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: ﴿الَّذِي أُنْـزِلَ﴾
والثّانِي: إنَّ: ﴿الَّذِي أُنْـزِلَ﴾ صِفَةٌ، والخَبَرَ هو الجُمْلَةُ الَّتِي هي قَوْلُهُ: ﴿فَمَن شَهِدَ﴾
فَإنْ قِيلَ: لَوْ كانَ خَبَرًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ الفاءُ لَأنَّ شَهْرَ رَمَضانَ لا يُشْبِهُ الشَّرْطَ؟!.
قِيلَ: الفاءُ - عَلى قَوْلِ الأخْفَشِ - زائِدَةٌ. وعَلى قَوْلِ غَيْرِهِ: لَيْسَتْ زائِدَةً، وإنَّما دَخَلَتْ لِأنَّكَ وصَفْتَ الشَّهْرَ بِـ: (الَّذِي)، فَدَخَلَتِ الفاءُ كَما تَدْخُلُ في خَبَرِ نَفْسِ الَّذِي. ومِثْلُهُ: ﴿قُلْ إنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنهُ فَإنَّهُ مُلاقِيكُمْ﴾ [الجمعة: ٨] فَإنْ قِيلَ: فَأيْنَ الضَّمِيرُ العائِدُ عَلى المُبْتَدَأِ مِنَ الجُمْلَةِ؟ قِيلَ: وُضِعَ الظّاهِرُ مَوْضِعَهُ تَفْخِيمًا، أيْ: فَمِن شَهِدَهُ مِنكم. كَذا في العُكْبُرِيِّ.
﴿الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ القُرْآنُ﴾ أيِ: ابْتَدَأ فِيهِ إنْزالُهُ، وكانَ ذَلِكَ في لَيْلَةِ القَدْرِ.
قالَ الرّازِيُّ: لِأنَّ مَبادِي المِلَلِ والدُّوَلِ هي الَّتِي يُؤَرَّخُ بِها، لِكَوْنِها أشْرَفَ الأوْقاتِ، ولِأنَّها أيْضًا أوْقاتٌ مَضْبُوطَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وقالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَعْناهُ: أُنْزِلَ في فَضْلِهِ القُرْآنُ. وهَذا اخْتِيارُ الحُسَيْنِ بْنِ الفَضْلِ. قالَ: ومِثْلُهُ أنْ يُقالَ: أنْزَلَ اللَّهُ في الصِّدِّيقِ كَذا آيَةٍ، يُرِيدُونَ: في فَضْلِهِ.
وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: أُنْزِلَ - في إيجابِ صَوْمِهِ عَلى الخَلْقِ - القُرْآنُ، كَما يُقالُ: أنْزَلَ اللَّهُ في الزَّكاةِ كَذا وكَذا، يُرِيدُ في إيجابِها، وأنْزَلَ في الخَمْرِ كَذا يُرِيدُ في تَحْرِيمِها. واللَّهُ أعْلَمُ.
قالَ الحَرالِيُّ: أشْعَرَتِ الآيَةُ أنَّ في الصَّوْمِ حُسْنَ تَلَقٍّ لِمَعْناهُ، ويُسْرًا لِتِلاوَتِهِ، ولِذَلِكَ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ صَوْمِ النَّهارِ وتَهَجُّدِ اللَّيْلِ، وهو صِيغَةُ مُبالَغَةٍ مِنَ القُرْءِ وهو ما جَمَعَ الكُتُبَ والصُّحُفَ والألْواحَ. انْتَهى.
(p-٤٢٦)وفِي مَدْحِهِ - بِإنْزالِهِ فِيهِ - مَدْحٌ لِلْقُرْآنِ بِهِ، مِن حَيْثُ أشْعَرَ أنَّ مِن أعْظَمِ المَقاصِدِ بِمَشْرُوعِيَّتِهِ تَصْفِيَةَ الفِكْرِ لِأجْلِ فَهْمِ القُرْآنِ، لِيُوقَفَ عَلى حَقِيقَةِ ما اتَّبَعَ هَذا بِهِ مِن أوْصافِهِ الَّتِي قَرَّرَتْ ما افْتَتَحَتْ بِهِ السُّورَةُ، مِن أنَّهُ لا رَيْبَ فِيهِ، وأنَّهُ هُدًى عَلى وجْهٍ أعَمَّ مِن ذَلِكَ الأوَّلِ. فَقالَ تَعالى: ﴿هُدًى لِلنّاسِ﴾ نُصِبَ عَلى الحالِ ﴿وبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرْقانِ﴾ عُطِفَ عَلى الحالِ قَبْلَهُ. فَهي حالٌ أيْضًا. والظَّرْفُ صِفَةٌ. أيْ: أُنْزِلَ حالَ كَوْنِهِ هِدايَةً لِلنّاسِ، وآياتٍ واضِحَةً مُرْشِدَةً إلى الحَقِّ، فارِقَةً بَيْنَهُ وبَيْنَ الباطِلِ. ولِدَفْعِ سُؤالِ التَّكْرارِ في قَوْلِهِ: ﴿وبَيِّناتٍ﴾ إلخ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿هُدًى لِلنّاسِ﴾ حَمَلَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: ﴿الهُدى﴾ الأوَّلَ بِواسِطَةِ النَّكِرَةِ عَلى الهُدى الَّذِي لا يُقَدَّرُ قَدْرُهُ المُخْتَصُّ بِالقُرْآنِ، أعَنِي هِدايَتَهُ بِإعْجازِهِ. والثّانِي عَلى الهُدى الحاصِلِ بِاشْتِمالِهِ عَلى الواضِحاتِ مِن أمْرِ الدِّينِ، والفَرْقانِ بَيْنَ الحَلالِ والحَرامِ والأحْكامِ والحُدُودِ والخُرُوجِ مِنَ الشُّبَهاتِ.
وثَمَّتَ وجْهٍ آخَرَ نَقَلَهُ الرّازِيُّ: وهو أنَّ: ﴿الهُدى﴾ الثّانِي المُرادُ بِهِ التَّوْراةُ والإنْجِيلُ، قالَ تَعالى: ﴿نَـزَّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وأنْـزَلَ التَّوْراةَ والإنْجِيلَ﴾ [آل عمران: ٣] ﴿مِن قَبْلُ هُدًى لِلنّاسِ وأنْـزَلَ الفُرْقانَ﴾ [آل عمران: ٤] فَبَيَّنَ تَعالى أنَّ القُرْآنَ - مَعَ كَوْنِهِ هُدًى في نَفْسِهِ - فَفِيهِ أيْضًا هُدًى مِنَ الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ الَّتِي هي هُدًى وفُرْقانٌ، واللَّهُ أعْلَمُ.
﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ هَذا إيجابٌ حَتْمٌ عَلى مَن شَهِدَ اسْتِهْلالَ الشَّهْرِ - أيْ: حَضَرَ فِيهِ بِأنْ كانَ مُقِيمًا في البَلَدِ حِينَ دَخَلَ شَهْرُ رَمَضانَ، وهو صَحِيحٌ في بَدَنِهِ - أنْ يَصُومَ لا مَحالَةَ. ووُضِعَ الظّاهِرُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِلتَّعْظِيمِ والمُبالَغَةِ في البَيانِ. ثُمَّ أُعِيدَ ذِكْرُ الرُّخْصَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومَن كانَ مَرِيضًا أوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أيّامٍ أُخَرَ﴾ لِئَلّا يُتَوَهَّمَ مِن تَعْظِيمِ أمْرِ الصَّوْمِ في نَفْسِهِ وأنَّهُ خَيْرٌ، أنَّ الصَّوْمَ حَتْمٌ لا تَتَناوَلُهُ الرُّخْصَةُ بِوَجْهٍ، أوْ (p-٤٢٧)تَتَناوَلُهُ ولَكِنَّها مَفْضُولَةٌ. وفِيهِ عِنايَةٌ بِأمْرِ الرُّخْصَةِ، وأنَّها مَحْبُوبَةٌ لَهُ تَعالى كَما ورَدَ. وفي إطْلاقِهِ، إشْعارٌ بِصِحَّةِ وُقُوعِ القَضاءِ مُتَتابِعًا وغَيْرَ مُتَتابِعٍ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ﴾ أيْ: تَشْرِيعَ السُّهُولَةِ بِالتَّرْخِيصِ لِلْمَرِيضِ والمُسافِرِ، وبِقَصْرِ الصَّوْمِ عَلى شَهْرٍ: ﴿ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ في جَعْلِهِ عَزِيمَةً عَلى الكُلِّ وزِيادَتِهِ عَلى شَهْرٍ.
قالَ الحَرالِيُّ: اليُسْرُ: عَمَلٌ لا يُجْهِدُ النَّفْسَ ولا يُثْقِلُ الجِسْمَ. والعُسْرُ: ما يُجْهِدُ النَّفْسَ ويَضُرُّ الجِسْمَ.
قالَ الشَّعْبِيُّ: إذا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ أمْرانِ، فَإنَّ أيْسَرَهُما أقْرَبُهُما إلى الحَقِّ، لِهَذِهِ الآيَةِ.
ورَوى الإمامُ أحْمَدُ مَرْفُوعًا: ««إنَّ خَيْرَ دِينِكم أيْسَرُهُ، إنَّ خَيْرَ دِينِكم أيْسَرُهُ»» .
ورَوى أيْضًا: ««إنَّ دِينَ اللَّهِ في يُسْرٍ. ثَلاثًا»» .
وفِي الصَّحِيحَيْنِ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ قالَ لِمُعاذٍ وأبِي مُوسى، حِينَ بَعَثَهُما إلى اليَمَنِ: «يَسِّرا ولا تُعَسِّرا، وبَشِّرا ولا تُنَفِّرا، وتَطاوَعا ولا تَخْتَلِفا»» .
وفِي السُّنَنِ والمَسانِيدِ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»» .
أيِ الَّتِي (p-٤٢٨)لا إصْرَ فِيها ولا حَرَجَ كَما قالَ تَعالى: ﴿وما جَعَلَ عَلَيْكم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]
﴿ولِتُكْمِلُوا العِدَّةَ ولِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكم ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ عَلَّلَ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِما سَبَقَ تَقْدِيرُهُ. ولِهَذِهِ الأُمُورِ شَرَعَ ذَلِكَ. يَعْنِي جُمْلَةَ ما ذَكَرَ مِن أمْرِ الشّاهِدِ بِصَوْمِ الشَّهْرِ، وأمْرِ المُرَخَّصِ لَهُ بِمُراعاةِ عِدَّةِ ما أفْطَرَ فِيهِ، ومِنَ التَّرْخِيصِ في إباحَةِ الفِطْرِ. فَقَوْلُهُ: {لِتُكْمِلُوا } عِلَّةُ الأمْرِ بِمُراعاةِ العِدَّةِ: ﴿ولِتُكَبِّرُوا﴾ عِلَّةُ ما عَلَّمَ مِن كَيْفِيَّةِ القَضاءِ، والخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الفِطْرِ: ﴿ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ عِلَّةُ التَّرْخِيصِ والتَّيْسِيرِ. وهَذا نَوْعٌ مِنَ اللَّفِّ لَطِيفُ المَسْلَكِ، لا يَكادُ يَهْتَدِي إلى تَبَيُّنِهِ إلّا النَّقّابُ المُحْدَثُ مِن عُلَماءِ البَيانِ!. وإنَّما عُدِّيَ فِعْلُ التَّكْبِيرِ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلاءِ لِكَوْنِهِ مُضَمَّنًا مَعْنى الحَمْدِ. كَأنَّهُ قِيلَ: (p-٤٢٩)ولِتُكَبِّرُوا اللَّهَ حامِدِينَ عَلى ما هَداكم. ومَعْنى: ﴿ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ وإرادَةُ أنْ تَشْكُرُوا. ويَجُوزُ عَطْفُها عَلى اليُسْرِ، أيْ: يُرِيدُ بِكم لِتُكْمِلُوا... إلخ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا﴾ [الصف: ٨] إلخ. والمُرادُ بِالتَّكْبِيرِ: تَعْظِيمُهُ تَعالى والثَّناءُ عَلَيْهِ. كَذا أفادَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
قالَ الحَرالِيُّ: وفي لَفْظِ: ﴿ولِتُكَبِّرُوا اللَّهَ﴾ إشْعارٌ لِما أظْهَرَتْهُ السُّنَّةُ مِن صَلاةِ العِيدِ، وأُعْلِنَ فِيها بِالتَّكْبِيرِ. وكُرِّرَ مَعَ الجَهْرِ فِيها لِمَقْصِدِ مُوافَقَةِ مَعْنى التَّكْبِيرِ الَّذِي إنَّما يَكُونُ عَلَنًا. وجُعِلَتْ في بَراحٍ مِن مُتَّسَعِ الأرْضِ لِمَقْصِدِ التَّكْبِيرِ، لِأنَّ تَكْبِيرَ اللَّهِ إنَّما هو بِما جَلَّ مِن مَخْلُوقاتِهِ. انْتَهى مُلَخَّصًا.
وقالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولِتُكَبِّرُوا اللَّهَ﴾ أيْ: ولِتَذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ انْقِضاءِ عِبادَتِكُمْ، كَما قالَ: ﴿فَإذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكم فاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكم آباءَكم أوْ أشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] وقالَ: ﴿فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: ١٠] وقالَ: ﴿وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ الغُرُوبِ﴾ [ق: ٣٩] ﴿ومِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وأدْبارَ السُّجُودِ﴾ [ق: ٤٠] ولِهَذا جاءَتِ السُّنَّةُ بِاسْتِحْبابِ التَّسْبِيحِ والتَّحْمِيدِ والتَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَواتِ المَكْتُوباتِ.
(p-٤٣٠)وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: «ما كُنّا نَعْرِفُ انْقِضاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلّا بِالتَّكْبِيرِ».
ولِهَذا أخَذَ كَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ مَشْرُوعِيَّةَ التَّكْبِيرِ في عِيدِ الفِطْرِ مِن هَذِهِ الآيَةِ. حَتّى ذَهَبَ داوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الأصْبَهانِيُّ الظّاهِرِيُّ إلى وُجُوبِهِ في عِيدِ الفِطْرِ، لِظاهِرِ الأمْرِ في قَوْلِهِ: ﴿ولِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ﴾ وفي مُقابَلَتِهِ مَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أنَّهُ لا يَشْرَعُ التَّكْبِيرُ في عِيدِ الفِطْرِ. والباقُونَ عَلى اسْتِحْبابِهِ. انْتَهى.
وفِي " زَوائِدِ المِشْكاةِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أنَّهُ كانَ إذا غَدا يَوْمَ الأضْحى ويَوْمَ الفِطْرُ يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حَتّى يَأْتِيَ المُصَلّى. ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتّى يَأْتِيَ الإمامُ. وفي رِوايَةٍ: رَفَعَهُ إلى النَّبِيِّ ﷺ، رَواهُ الدّارَقُطْنِيُّ. وعَنْ نافِعٍ أنَّ ابْنَ عُمَرَ كانَ يَغْدُو إلى المُصَلّى يَوْمَ الفِطْرِ إذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَيُكَبِّرُ حَتّى يَأْتِيَ المُصَلّى، ثُمَّ يَكْبُرُ بِالمُصَلّى حَتّى إذا جَلَسَ الإمامُ تَرَكَ التَّكْبِيرَ. رَواهُ الشّافِعِيُّ.
قالَ الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ في تَخْرِيجِ أحادِيثِ الرّافِعِيِّ: حَدِيثُ «أنَّهُ ﷺ كانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطَرِ والأضْحى رافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّهْلِيلِ والتَّكْبِيرِ حَتّى يَأْتِيَ المُصَلّى،» رَواهُ الحاكِمُ والبَيْهَقِيُّ مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِن طُرُقٍ مَرْفُوعًا ومَوْقُوفًا، وصَحَّحَ وقْفَهُ. ورَواهُ الشّافِعِيُّ مَوْقُوفًا أيْضًا.
وفِي الأوْسَطِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «زَيِّنُوا أعْيادَكم بِالتَّكْبِيرِ». إسْنادُهُ غَرِيبٌ. انْتَهى.
وفائِدَةُ طَلَبِ الشُّكْرِ في هَذا المَوْضِعِ، هو أنَّهُ تَعالى، لَمّا أمَرَ بِالتَّكْبِيرِ، وهو لا يَتِمُّ إلّا بِأنْ يَعْلَمَ العَبْدُ جَلالَ اللَّهِ وكِبْرِياءَهُ وعِزَّتَهُ وعَظَمَتَهُ، وكَوْنَهُ أكْبَرَ مِن أنْ تَصِلَ إلَيْهِ عُقُولُ العُقَلاءِ، وأوْصافُ الواصِفِينَ، وذِكْرُ الذّاكِرِينَ. ثُمَّ يَعْلَمُ أنَّهُ سُبْحانَهُ - مَعَ جَلالِهِ وعِزَّتِهِ واسْتِغْنائِهِ عَنْ جَمِيعِ المَخْلُوقاتِ، فَضْلًا عَنْ هَذا المِسْكِينِ - خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذِهِ الهِدايَةِ العَظِيمَةِ - لا بُدَّ وأنْ يَصْبِرَ ذَلِكَ داعِيًا لِلْعَبْدِ إلى الِاشْتِغالِ بِشُكْرِهِ، والمُواظَبَةِ عَلى الثَّناءِ عَلَيْهِ بِمِقْدارِ قُدْرَتِهِ وطاقَتِهِ، فَلِهَذا قالَ: ﴿ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ أفادَهُ الرّازِيُّ.
{"ayah":"شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ فِیهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدࣰى لِّلنَّاسِ وَبَیِّنَـٰتࣲ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡیَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِیضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرࣲ فَعِدَّةࣱ مِّنۡ أَیَّامٍ أُخَرَۗ یُرِیدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡیُسۡرَ وَلَا یُرِیدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُوا۟ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق