الباحث القرآني

قَوْلُهُ: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ﴾ يَحْتَمِلُ مَعانِيَ، مِنها: مَن كانَ شاهِدًا بِمَعْنى مُقِيمًا غَيْرَ مُسافِرٍ، كَما يُقالُ الشّاهِدُ والغائِبُ، فَمُقْتَضاهُ أنْ لا يَجِبَ عَلى المُسافِرِ، لَكِنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿ومَن كانَ مَرِيضًا أوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أيّامٍ أُخَرَ﴾ بَيَّنَ حُكْمَ المَرْضى والمُسافِرِينَ في الإيجابِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ”شَهِدَ الشَّهْرَ“ أيْ: عَلِمَهُ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن أفاقَ مِنَ الجُنُونِ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرِ رَمَضانَ فَلا قَضاءَ عَلَيْهِ، خِلافًا لِمالِكٍ فَإنَّهُ قالَ فِيمَن بَلَغَ وهو مَجْنُونٌ، فَمَكَثَ سِنِينَ ثُمَّ أفاقَ، فَإنَّهُ يَقْضِي صِيامَ تِلْكَ السِّنِينَ ولا تُقْضى الصَّلاةُ، ومالِكٌ يَحْمِلُ قَوْلَهُ: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ عَلى شُهُودِهِ بِالإقامَةِ وتَرْكِ السَّفَرِ دُونَ ما ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِن شُهُودِهِ بِالتَّكْلِيفِ. (p-٦٥)ويَصْعُبُ عَلَيْهِ الفَرْقُ بَيْنَ الصِّغَرِ والجُنُونِ فَإنَّهُما يُنافِيانِ التَّكْلِيفَ ولَيْسَ اسْمُ المَرَضِ مُتَناوِلًا لَهُ.وأبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ لا يُمْكِنُ أنْ يُرادَ بِهِ شُهُودُ جَمِيعِ الشَّهْرِ لِأنَّهُ لا يَكُونُ شاهِدًا لِجَمِيعِ الشَّهْرِ إلّا بَعْدَ مُضِيِّهِ كُلِّهِ، ويَسْتَحِيلُ أنْ يَكُونَ مُضِيُّهُ شَرْطًا لِلُزُومِ صَوْمِهِ كُلِّهِ، لِأنَّ الماضِيَ مِنَ الوَقْتِ يَسْتَحِيلُ فِعْلُ الصَّوْمِ فِيهِ، فَعُلِمَ أنَّهُ لَمْ يُرِدْ شُهُودَ جَمِيعِهِ، فَتَقْدِيرُ الكَلامِ عِنْدَهُ: فَمَن شَهِدَ مِنكم بَعْضَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْ ما لَمْ يَشْهَدْهُ مِنهُ، وهَذا بَعِيدٌ جِدًّا.ومالِكٌ يَقُولُ: شَهِدَ أيْ: أدْرَكَ، كَما يُقالُ: شَهِدَ زَمانَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ أيْ: أدْرَكَ، والمَجْنُونُ قَدْ أدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمانَ فَلَزِمَهُ الصَّوْمُ لُزُومًا في الذِّمَّةِ.* * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلْيَصُمْهُ﴾: والصَّوْمُ في اللُّغَةِ: الإمْساكُ المُطْلَقُ، غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِالإمْساكِ عَنِ الأكْلِ والشُّرْبِ دُونَ غَيْرِهِما، بَلْ كُلُّ إمْساكٍ فَهو مُسَمًّى في اللُّغَةِ صَوْمًا، غَيْرَ أنَّ اللَّهَ تَعالى أحَلَّ الأكْلَ والشُّرْبَ والجِماعَ إلى أنْ يُصْبِحَ، ثُمَّ أمَرَ بِإتْمامِ الصَّوْمِ إلى اللَّيْلِ، فَفَحْوى الكَلامِ تَحْرِيمٌ أباحَهُ اللَّيْلُ وهو الأشْياءُ الثَّلاثَةُ، ولا دَلالَةَ فِيهِ عَلى غَيْرِها بَلْ هو مَوْقُوفٌ عَلى الدَّلِيلِ، ولِهَذا ساغَ الِاخْتِلافُ فِيهِ واخْتَلَفَ فِيهِ عُلَماءُ السَّلَفِ. وأمّا الحَيْضُ والِاسْتِقاءُ فَلِمُنافاتِهِما لِلصَّوْمِ، فَلا يُعَلَّلُ أصْلًا، فَقاسَ قَوْمٌ الجَنابَةَ عَلى الحَيْضِ، وقاسَ قَوْمٌ الحِجامَةَ عَلى الِاسْتِقاءِ، لِأنَّهُما اسْتِخْراجُ الفَضْلَةِ مِنَ البَدَنِ(p-٦٦)ورَوى ابْنُ عَبّاسٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ احْتَجَمَ صائِمًا» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب