الباحث القرآني
ولَمّا أبْهَمَ الأمْرَ أوَّلًا في الأيّامِ وجَعَلَهُ واجِبًا مُخَيِّرًا عَلى المُطِيقِ عَيَّنَ هُنا وبَتَّ الأمْرَ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعالى:﴿شَهْرُ رَمَضانَ﴾ (p-٥٤)لِأنَّ ذَلِكَ أضْخَمُ وآكَدُ مِن تَعْيِينِهِ مِن أوَّلِ الأمْرِ.
قالَ الحَرالِيُّ: والشَّهْرُ هو الهِلالُ الَّذِي شَأْنُهُ أنْ يَدُورَ دَوْرَةً مِن حِينِ أنْ يُهِلَّ إلى أنْ يُهِلَّ ثانِيًا سَواءٌ كانَتْ عِدَّةُ أيّامِهِ تِسْعًا وعِشْرِينَ أوْ ثَلاثِينَ، كِلا العَدَدَيْنِ في صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ بِالشَّهْرِ واحِدٌ، فَهو شائِعٌ في فَرْدَيْنِ مُتَزايَدَيِ العَدَدِ بِكَمالِ العِدَّةِ كَما يَأْتِي أحَدُ الفَرْدَيْنِ لِمُسَمّاهُ رَمَضانَ، يُقالُ: هو اسْمٌ مِن أسْماءِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، واشْتِقاقُهُ مِنَ الرَّمْضاءِ وهو اشْتِدادٌ حَرِّ الحِجارَةِ مِنَ الهاجِرَةِ، كَأنَّ هَذا الشَّهْرَ سُمِّيَ بِوُقُوعِهِ زَمَنَ اشْتِدادِ الحَرِّ بِتَرْتِيبِ أنْ يُحْسَبَ المُحَرَّمُ مِن أوَّلِ (p-٥٥)فَصْلِ الشِّتاءِ أيْ لِيَكُونَ ابْتِداءُ العامِ أوَّلَ ابْتِداءِ خَلْقٍ بِإحْياءِ الأرْضِ بَعْدَ مَوْتِها، قالَ: وبِذَلِكَ يَقَعُ الرَّبِيعانِ في الرَّبِيعِ الأرْضِيِّ السّابِقِ حِينَ تَنْزِلُ الشَّمْسُ الحُوتَ والسَّماوِيِّ اللّاحِقِ حِينَ تَنْزِلُ الشَّمْسُ الحَمَلَ، وقالَ: إنَّهُ لَمّا وقَعَ لِسابِقَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ صَوْمٌ كَصَوْمِ أهْلِ الكِتابِ كَما وُجِّهُوا إلى القِبْلَةِ أوَّلًا بِوَجْهِ أهْلِ الكِتابِ تَدارَكَهُ الإرْفاعُ إلى حُكْمِ الفُرْقانِ المُخْتَصِّ بِهِمْ، فَجَعَلَ صَوْمَهُمُ القارَّ لَهم بِالشَّهْرِ لِأنَّهم أهْلُ شُهُورٍ ناظِرُونَ إلى الأهِلَّةِ لَيْسُوا بِالمُسْتَغْرِقِينَ في حِسابِ الشَّمْسِ، فَجَعَلَ صَوْمَهم لِرُؤْيَةِ الشَّهْرِ وجَعَلَ لَهُمُ الشَّهْرَ يَوْمًا واحِدًا فَكَأنَّهم نُقِلُوا مِن صَوْمِ أيّامٍ مَعْدُوداتٍ إلى صَوْمِ يَوْمٍ واحِدٍ غَيْرِ مَعْدُودٍ لِوَحْدَتِهِ، لِأنَّهم أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ ﴿وواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: ١٤٢] هي مِيقاتُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿وأتْمَمْناها بِعَشْرٍ﴾ [الأعراف: ١٤٢] هي مِيقاتُ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وأُمَّتِهِ ومَن بَعْدَهُ مِنَ الأُمَمِ إلى هَذِهِ الأُمَّةِ - انْتَهى.
ولَمّا كانَ هَذا خِطابَ إرْقاءٍ مَدَحَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى بِإنْزالِ الذِّكْرِ فِيهِ (p-٥٦)جُمْلَةً إلى بَيْتِ العِزَّةِ وابْتُدِئَ مِن إنْزالِهِ إلى الأرْضِ.
قالَ الحَرالِيُّ: وأظْهَرَ فِيهِ وجْهَ القَصْدِ في الصَّوْمِ وحِكْمَتَهُ الغَيْبِيَّةَ الَّتِي لَمْ تَجْرِ في الكُتُبِ الأُوَلِ الكِتابِيِّ فَقالَ: ﴿الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ القُرْآنُ﴾ فَأشْعَرَ أنَّ في الصَّوْمِ حُسْنَ تَلَقٍّ لِمَعْناهُ ويُسْرًا لِتِلاوَتِهِ، ولِذَلِكَ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ صَوْمِ النَّهارِ وتَهَجُّدِ اللَّيْلِ، وهو صِيغَةُ مُبالَغَةٍ مِنَ القُرْءِ وهو ما جَمَعَ الكُتُبَ والصُّحُفَ والألْواحَ - انْتَهى.
وفِي مَدْحِهِ بِإنْزالِهِ فِيهِ مَدْحٌ لِلْقُرْآنِ بِهِ مِن حَيْثُ أشْعَرَ أنَّ مِن أعْظَمِ المَقاصِدِ بِمَشْرُوعِيَّتِهِ (p-٥٧)تَصْفِيَةَ الفِكْرِ لِأجْلِ فَهْمِ القُرْآنِ لِيُوقَفَ عَلى حَقِيقَةِ ما أتْبَعَ هَذا بِهِ مِن أوْصافِهِ الَّتِي قَرَّرَتْ ما افْتَتَحَتْ بِهِ السُّورَةُ مِن أنَّهُ ”لا رَيْبَ فِيهِ“ وأنَّهُ ”هُدى“ عَلى وجْهٍ أعَمَّ مِن ذَلِكَ الأوَّلِ فَقالَ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿هُدًى لِلنّاسِ﴾
قالَ الحَرالِيُّ: فِيهِ إشْعارٌ بِأنَّ طائِفَةَ النّاسِ يُعْلِيهِمُ الصَّوْمُ أيْ بِالتَّهْيِئَةِ لِلتَّدَبُّرِ والفَهْمِ وانْكِسارِ النَّفْسِ إلى رُتْبَةِ الَّذِينَ آمَنُوا والمُؤْمِنِينَ ويُرَقِّيهِمْ إلى رُتْبَةِ المُحْسِنِينَ، فَهو هُدًى يَغْذُو فِيهِ فَقْدُ الغِذاءِ القَلْبَ كَما يَغْذُو وُجُودُهُ الجِسْمَ ولِذَلِكَ أجْمَعَ مُجَرِّبَةُ أعْمالِ الدِّيانَةِ مِنَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهم بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ أنَّ مِفْتاحَ الهُدى إنَّما هو الجُوعُ وأنَّ المَعِدَةَ والأعْضاءَ مَتى أُوهِنَتْ لِلَّهِ نَوَّرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى القَلْبَ وصَفّى النَّفْسَ وقَوّى الجِسْمَ لِيَظْهَرَ مَن أمْرِ الإيمانِ بِقَلْبِ العادَةِ جَدِيدُ عادَةٍ هي لِأوْلِيائِهِ أجَلُّ في القُوَّةِ والمِنَّةِ مِن عادَتِهِ في الدُّنْيا لِعامَّةِ خَلْقِهِ؛ وفي إشارَتِهِ لُمَحٌ لِما يُعانُ بِهِ الصّائِمُ مِن سَدِّ أبْوابِ النّارِ (p-٥٨)وفَتْحِ أبْوابِ الجَنَّةِ وتَصْفِيدِ الشَّياطِينِ، كُلُّ ذَلِكَ بِما يَضِيقُ مِن مَجارِي الشَّيْطانِ مِنَ الدَّمِ الَّذِي يَنْقُصُهُ الصَّوْمُ، فَكانَ فِيهِ مِفْتاحُ الخَيْرِ كُلِّهِ؛ وإذا هَدى النّاسَ كانَ لِلَّذِينِ آمَنُوا أهْدى وكانَ نُورًا لَهم ولِلْمُؤْمِنِينَ أنْوَرُ، كَذَلِكَ إلى أعْلى رُتَبِ الصّائِمِينَ العاكِفِينَ الذّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا الَّذِينَ تَماسَكُوا بِالصَّوْمِ عَنْ كُلِّ ما سِوى مُجالَسَةِ الحَقِّ بِذِكْرِهِ.
وفِي قَوْلِهِ: ﴿وبَيِّناتٍ﴾ إعْلانٌ بِذِكْرِ ما يَجِدُهُ الصّائِمُ مِن نُورِ قَلْبِهِ وانْكِسارِ نَفْسِهِ وتَهْيِئَةِ فِكْرِهِ لِفَهْمِهِ لِيَشْهَدَ تِلْكَ البَيِّناتِ في نَفْسِهِ وكَوْنِها ﴿مِنَ الهُدى﴾ الأعَمِّ الأتَمِّ الأكْمَلِ الشّامِلِ لِكافَّةِ الخَلْقِ ﴿والفُرْقانِ﴾ الأكْمَلِ، وفي حُصُولِ الفُرْقانِ عَنْ بَرَكَةِ الصَّوْمِ والَّذِي هو بَيانُ رُتَبِ ما أظْهَرَ الحَقُّ رُتَبَهُ عَلى وجْهِهِ إشْعارٌ بِما يُؤْتاهُ الصّائِمُ مِنَ الجَمْعِ الَّذِي هو مِنِ اسْمِهِ الجامِعِ الَّذِي لا يَحْصُلُ إلّا بَعْدَ تَحَقُّقِ الفُرْقانِ، فَإنَّ المَبْنِيَّ عَلى التَّقْوى المُنَوَّلَةِ لِلصّائِمِ في قَوْلِهِ في الكُتُبِ الأُوَلِ ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣] فَهو صَوْمٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ تَقْوى يَنْبَنِي عَلَيْها فُرْقانٌ كَما قالَ تَعالى ﴿إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكم فُرْقانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] يَنْتَهِي إلى جَمْعٍ يُشْعِرُ بِهِ نَقْلُ الصَّوْمِ مِن عَدَدِ الأيّامِ إلى وحْدَةِ الشَّهْرِ - انْتَهى.
فَعَلى (p-٥٩)ما قُلْتُهُ المُرادُ بِالهُدى الحَقِيقَةُ، وعَلى ما قالَهُ الحَرالِيُّ هو مَجازٌ عَلاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ لِأنَّ الصَّوْمَ مُهَيِّئٌ لِلْفَهْمِ ومُوجِبٌ لِلنُّورِ،
﴿الهُدى﴾ المُعَرَّفُ الوَحْيِ أعَمُّ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ أوْ أُمِّ الكِتابِ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وعَلى ما قالَ الحَرالِيُّ يَصِحُّ أنْ يُرادَ بِهِ القُرْآنُ الجامِعُ لِلْكُتُبِ كُلِّها فَيَعُمُّ الكُتُبَ الأُوَلَ لِلْأيّامِ، والفُرْقانُ هو الخاصُّ بِالعَرَبِ الَّذِي أعْرَبَ عَنْ وحْدَةِ الشَّهْرِ.
ولَمّا أتَمَّ ما في ذِكْرِ الشَّهْرِ مِنَ التَّرْغِيبِ إثْرَ التَّعْيِينِ ذَكَرَ ما فِيهِ مِن عَزِيمَةٍ ورُخْصَةٍ فَقالَ: ﴿فَمَن شَهِدَ﴾ أيْ حَضَرَ حُضُورًا تامًّا بِرُؤْيَةٍ بَيِّنَةٍ لِوُجُودِ الصَّحْوِ مِن غَيْرِ غَمامٍ أوْ بِإكْمالِ عِدَّةِ شَعْبانَ إنْ كانَ غَيْمٌ ولَمْ يَكُنْ مَرِيضًا ولا مُسافِرًا.
قالَ الحَرالِيُّ: وفي (p-٦٠)شِياعِهِ إلْزامٌ لِمَن رَأى الهِلالَ وحْدَهُ بِالصَّوْمِ.
وقَوْلُهُ: ﴿مِنكُمُ﴾ خِطابُ النّاسِ ومَن فَوْقَهم حِينَ كانَ الصِّيامُ مُعْلِيًا لَهم ﴿الشَّهْرَ﴾ هو المَشْهُودُ عَلى حَدِّ ما تَقُولُ النُّحاةُ مَفْعُولٌ عَلى السِّعَةِ، لِما فِيهِ مِن حُسْنِ الإنْباءِ وإبْلاغِ المَعْنى، ويُظْهِرُ مَعْناهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلْيَصُمْهُ﴾ فَجَعَلَهُ واقِعًا عَلى الشَّهْرِ لا واقِعًا عَلى مَعْنًى: فِيهِ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ: فَلْيَصُمْ فِيهِ؛ وفي إعْلامِهِ صِحَّةُ صَوْمِ لَيْلَةٍ لِيَصِيرَ ما كانَ في الصَّوْمِ الأوَّلِ مِنَ السِّعَةِ بَيْنَ الصَّوْمِ والفِطْرِ لِلْمُطِيقِ واقِعًا هُنا بَيْنَ صَوْمِ اللَّيْلِ وفِطْرِهِ لِمَن رُزِقَ القُوَّةَ بِرُوحٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى - انْتَهى.
ولَمّا نُسِخَ بِهَذا ما مَرَّ مِنَ التَّخْيِيرِ أعادَ ما لِلْمَرِيضِ والمُسافِرِ (p-٦١)لِئَلّا يُظَنَّ نَسْخُهُ فَقالَ: ﴿ومَن كانَ مَرِيضًا﴾ أيْ سَواءٌ شَهِدَهُ أوَّلًا ﴿أوْ عَلى سَفَرٍ﴾ أيْ سَواءٌ كانَ مَرِيضًا أوْ صَحِيحًا وهو بَيِّنٌ بِأنَّ المُرادَ شُهُودُهُ في بَلَدِ الإقامَةِ ﴿فَعِدَّةٌ﴾
قالَ الحَرالِيُّ: فَمَرَدُّ هَذا الخِطابِ مِن مَضْمُونِ أوَّلِهِ فَمَعْناهُ: فَصَوْمُهُ عِدَّةٌ، مِن حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ في هَذا الخِطابِ الكُتُبَ، لِيَجْرِيَ مَرَدُّ كُلِّ خِطابٍ عَلى حَدِّ مَبْدَئِهِ.
وفِي قَوْلِهِ: ﴿مِن أيّامٍ أُخَرَ﴾ إعْلامٌ بِأنَّ القَضاءَ لَمْ يَجْرِ عَلى وحْدَةِ شَهْرٍ لِاخْتِصاصِ الوَحْدَةِ بِشَهْرِ رَمَضانَ ونُزُولِ قَضائِهِ مَنزِلَةَ الصَّوْمِ الأوَّلِ، وفي عَدَدِهِ وفي إطْلاقِهِ إشْعارٌ بِصِحَّةِ وُقُوعِهِ مُتَتابِعًا وغَيْرَ مُتَتابِعٍ - انْتَهى.
ولَمّا رَخَّصَ ذَلِكَ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ أنْ يُقَدِّرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ (p-٦٢)﴿بِكُمُ اليُسْرَ﴾ أيْ شَرَعَ السُّهُولَةَ بِالتَّرْخِيصِ لِلْمَرِيضِ والمُسافِرِ وبِقَصْرِ الصَّوْمِ عَلى شَهْرٍ ﴿ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ في جَعْلِهِ عَزِيمَةً عَلى الكُلِّ وزِيادَتُهُ عَلى شَهْرٍ.
قالَ الحَرالِيُّ: اليُسْرُ عَمَلٌ لا يُجْهِدُ النَّفْسَ ولا يُثْقِلُ الجِسْمَ، والعُسْرُ ما يُجْهِدُ النَّفْسَ ويَضُرُّ الجِسْمَ. وقالَ: فِيهِ إعْلامٌ بِرِفْقِ اللَّهِ بِالأجْسامِ الَّتِي يَسَّرَ عَلَيْها بِالفِطْرِ، وفي باطِنِ هَذا الظّاهِرِ إشْعارٌ لِأهْلِ القُوَّةِ بِأنَّ اليُسْرَ في صَوْمِهِمْ وأنَّ العُسْرَ في فِطْرِ المُفْطِرِ، لِيَجْرِيَ الظّاهِرُ عَلى حِكْمَتِهِ في الظُّهُورِ ويَجْرِيَ الباطِنُ عَلى حِكْمَتِهِ في البُطُونِ، إذْ لِكُلِّ آيَةٍ مِنهُ ظَهْرٌ وبَطْنٌ، فَلِذَلِكَ واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أعْلَمُ «كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصُومُ في رَمَضانَ في السَّفَرِ ويَأْمُرُ بِالفِطْرِ» وكانَ أهْلُ القُوَّةِ مِنَ العُلَماءِ يَصُومُونَ ولا يُنْكِرُونَ الفِطْرَ - انْتَهى.
قالَ الشَّعْبِيُّ: إذا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ أمْرانِ فَإنَّ أيْسَرَهُما أقْرَبُهُما (p-٦٣)إلى الحَقِّ لِهَذِهِ الآيَةِ.
ولَمّا كانَتْ عِلَّةُ التَّيْسِيرِ المُؤَكَّدِ بِنَفْيِ التَّعْسِيرِ الإطاقَةَ فَكانَ التَّقْدِيرُ: لِتُطِيقُوا ما أمَرَكم بِهِ ويَخِفَّ عَلَيْكم أمْرُهُ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ولِتُكْمِلُوا﴾ مِنَ الإكْمالِ وهو بُلُوغُ الشَّيْءِ إلى غايَةِ حُدُودِهِ في قَدْرٍ أوْ عَدٍّ حِسًّا أوْ مَعْنًى ﴿العِدَّةَ﴾ أيْ عِدَّةَ أيّامِ رَمَضانَ إلى رُؤْيَةِ الهِلالِ إنْ رَأيْتُمُوهُ وإلى انْتِهاءِ ثَلاثِينَ الَّتِي لا يُمْكِنُ زِيادَةُ الشَّهْرِ عَلَيْها إنْ غَمَّ عَلَيْكم بِوُجُودِ الغَمامِ فَلَمْ تَشْهَدُوهُ، فَإنَّهُ لَوْ كَلَّفَكم أكْثَرَ مِنهُ أوْ كانَ إيجابُهُ عَلى كُلِّ حالٍ كانَ جَدِيرًا بِأنْ تَنْقُصُوا مِن أيّامِهِ إمّا بِالذّاتِ بِأنْ تَنْقُصُوا مِن عِدَّتِها أوْ بِالوَصْفِ بِأنْ تَأْكُلُوا في أثْنائِها كَما تَفْعَلُ النَّصارى، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلى إعْدامِها أصْلًا ورَأْسًا.
وقالَ الحَرالِيُّ: التَّقْدِيرُ: لِتُوفُوا الصَّوْمَ بِالرُّؤْيَةِ ولِتُكْمِلُوا إنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ، (p-٦٤)فَفِي هَذا الخِطابِ تَعادُلُ ذِكْرِ الصَّحْوِ في الِابْتِداءِ بِقَوْلِهِ: ﴿شَهِدَ﴾ وذِكْرُ الغَيْمِ في الِانْتِهاءِ بِالإكْمالِ - انْتَهى.
وفِيهِ إشارَةٌ إلى احْتِباكٍ، فَإنَّ ذِكْرَ الشُّهُودِ أوَّلًا يَدُلُّ عَلى عَدَمِهِ ثانِيًا وذِكْرَ الإكْمالِ لِأجْلِ الغَمامِ ثانِيًا يَدُلُّ عَلى الصَّحْوِ أوَّلًا.
ولَمّا كانَ العَظِيمُ إذا يَسُرَ أمْرُهُ كانَ ذَلِكَ أجْدَرَ بِتَعْظِيمِهِ قالَ: ﴿ولِتُكَبِّرُوا﴾ والتَّكْبِيرُ إشْرافُ القَدْرِ أوِ المِقْدارِ حِسًّا أوْ مَعْنًى - قالَهُ الحَرالِيُّ. وقَرَنَ بِهِ الِاسْمَ الأكْبَرَ لِاقْتِضاءِ المَقامِ لَهُ فَقالَ: ﴿اللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي تَقِفُ الأفْهامُ خاسِئَةً دُونَ جَلالِهِ وتَخْضَعُ الأعْناقُ لِسُبُوغِ جَمالِهِ لِتَعْتَقِدُوا عَظَمَتَهُ بِقُلُوبِكم وتَذْكُرُوها بِألْسِنَتِكم في العِيدِ وغَيْرِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أحْرى بِدَوامِ الخُضُوعِ مِنَ القُلُوبِ.
قالَ الحَرالِيُّ: وفِيهِ إشارَةٌ إلى ما يَحْصُلُ لِلصّائِمِ بِصَفاءِ باطِنِهِ مِن شُهُودِ ما يُلِيحُ لَهُ أثَرَ صَوْمِهِ مِن هِلالِ نُورِهِ العَلِيِّ، فَكَما كَبَّرَ في ابْتِداءِ الشَّهْرِ لِرُؤْيَةِ الهِلالِ يُكَبِّرُ في انْتِهائِهِ لِرُؤْيَةِ باطِنِهِ مَرْأًى مِن هِلالِ نُورِ رَبِّهِ، فَكانَ عَمَلُ ذَلِكَ هو صَلاةَ ضَحْوَةِ يَوْمِ العِيدِ، وأُعْلِنَ فِيها بِالتَّكْبِيرِ وكُرِّرَ (p-٦٥)لِذَلِكَ، وجُعِلَ في بَراحٍ مِن مُتَّسَعِ الأرْضِ لِمَقْصِدِ التَّكْبِيرِ لِأنَّ تَكْبِيرَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى إنَّما هو بِما جَلَّ مِن مَخْلُوقاتِهِ، فَكانَ في لَفْظِهِ إشْعارٌ لِما أظْهَرَتْهُ السُّنَّةُ مِن صَلاةِ العِيدِ عَلى اخْتِصاصِها بِتَكْبِيرِ الرَّكْعَتَيْنِ والجَهْرِ لِمَقْصِدِ مُوافَقَةِ مَعْنى التَّكْبِيرِ الَّذِي إنَّما يَكُونُ عَلَنًا - انْتَهى.
ومِن أعْظَمِ أسْرارِهِ أنَّهُ لَمّا كانَ العِيدُ مَحَلَّ فَرَحٍ وسُرُورٍ وكانَ مِن طَبْعِ النَّفْسِ تَجاوُزُ الحُدُودِ لِما جُبِلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرَهِ تارَةً غَفْلَةً وتارَةً بَغْيًا أمَرَ فِيهِ بِهِ لِيُذْهِبَ مِن غَفْلَتِها ويَكْسِرَ مِن سَوْرَتِها، ولَمّا كانَ لِلْوَتْرِيَّةِ أثَرٌ عَظِيمٌ في التَّذْكِيرِ بِالوَتْرِ الصَّمَدِ الواحِدِ الأحَدِ وكانَ لِلسَّبْعَةِ مِنها مَدْخَلٌ عَظِيمٌ في الشَّرْعِ جَعَلَ تَكْبِيرَ صَلاتِهِ وِتْرًا وجَعَلَ سَبْعًا في الأُولى لِذَلِكَ وتَذْكِيرًا بِأعْمالِ الحَجِّ السَّبْعَةِ مِنَ الطَّوافِ والسَّعْيِ والجِمارِ (p-٦٦)تَشْوِيقًا إلَيْها لِأنَّ النَّظَرَ إلى العِيدِ الأكْبَرِ أكْثَرَ وتَذْكِيرًا بِخالِقِ هَذا الوُجُودِ بِالتَّفَكُّرِ في أفْعالِهِ المَعْرُوفَةِ مِن خَلْقِ السَّماواتِ السَّبْعِ والأرْضِينَ السَّبْعِ وما فِيهِما في الأيّامِ السَّبْعِ لِأنَّهُ خَلَقَهُما في سِتَّةٍ وخَلَقَ آدَمَ في اليَوْمِ السّابِعِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، ولَمّا جَرَتْ عادَةُ الشّارِعِ بِالرِّفْقِ بِهَذِهِ الأُمَّةِ ومِنهُ تَخْفِيفُ الثّانِيَةِ عَلى الأُولى وكانَتِ الخَمْسَةُ أقْرَبَ وِتْرًا إلى السَّبْعَةِ مِن دُونِها جَعَلَ تَكْبِيرَ الثّانِيَةِ خَمْسًا لِذَلِكَ، ولِأنَّهُ لَمّا اسْتُحْضِرَتْ عَظَمَةُ الخالِقِ بِإشارَةِ الأُولى لِلْعِلْمِ بِأنَّهُ المُتَفَرِّدُ بِالعَظَمَةِ والقَهْرِ والمُلْكِ بِجَمِيعِ الأمْرِ فَأقْبَلَتِ القُلُوبُ إلَيْهِ وقَصَرَتِ الهِمَمُ عَلَيْهِ أُشِيرَ بِتَكْبِيرِ الثّانِيَةِ إلى عِبادَتِهِ بِالإسْلامِ المَبْنِيِّ عَلى الدَّعائِمِ الخَمْسِ وخُصُوصًا بِأعْظَمِ دَعائِمِهِ الصَّلَواتِ الخَمْسِ - واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى المُوَفِّقُ.
ولَمّا كانَتِ الهِدايَةُ تُطْلَقُ تارَةً عَلى مُجَرَّدِ البَيانِ وتارَةً عَلَيْهِ مَعَ الحَمْلِ عَلى لُزُومِ المُبَيَّنِ وكانَ تَخْفِيفُ المَأْمُورِ بِهِ وتَسْهِيلُهُ أعْوَنَ عَلى لُزُومِهِ قالَ: ﴿عَلى﴾ أيْ حامِدِينَ لَهُ عَلى ﴿ما هَداكُمْ﴾ أيْ يَسَّرَ لَكم مِن شَرائِعِ (p-٦٧)هَذا الدِّينِ فَهَيَّأكم لِلُزُومِها ودَوامِ التَّمَسُّكِ بِعُراها، ولَعَلَّ هَذا سِرُّ الِاهْتِمامِ بِالصِّيامِ مِنَ الخاصِّ والعامِّ حَتّى لا يَكادَ أحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يُخِلُّ بِهِ إلّا نادِرًا - واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى المُوَفِّقُ.
وقالَ الحَرالِيُّ: إنَّ الهِدايَةَ إشارَةٌ إلى تِلْكَ المَوْجِدَةِ الَّتِي يَجِدُها الصّائِمُ وما يَشْهَدُهُ اللَّهُ مِن بَرَكاتِهِ مِن رُؤْيَةِ لَيْلَةِ القَدْرِ بِكَشْفٍ خاصٍّ لِأهْلِ الخَلْوَةِ أوْ آياتٍ بَيِّنَةٍ لِأهْلِ التَّبْصِرَةِ أوْ بِآيَةٍ بادِيَةٍ لِأهْلِ المُراقَبَةِ كُلًّا عَلى حُكْمٍ وجَدَهُ مِنِ اسْتِغْراقِ تَماسُكِهِ وخَلْوَتِهِ واسْتِغْراقِ ذِكْرِهِ في صَوْمِهِ، فَأعْظَمُ الهُدى هُدى المَرْءِ لِأنْ يَذْبُلَ جِسْمُهُ ونَفْسُهُ وتَفْنى ذاتُهُ في حَقِّ رَبِّهِ، كَما يَقُولُ: «يَدَعُ طَعامَهُ وشَرابَهُ مِن أجْلِي» فَكُلُّ عَمَلٍ فِعْلٌ وثَبْتٌ إلّا الصَّوْمَ فَإنَّهُ مَحْوٌ وفَقْدٌ، فَناسَبَ تَحْقِيقَ ما هو الإسْلامُ والتَّقْوى مِن إلْقاءِ مِنَّةِ الظّاهِرِ وقُوَّةِ الباطِنِ - انْتَهى.
ولَمّا كانَ الشُّكْرُ صَرْفَ ما أنْعَمَهُ المُنْعِمُ في طاعَتِهِ وكانَ العَمَلُ إذا خَفَّ أقْرَبَ إلى لُزُومِ الطّاعَةِ بِلُزُومِهِ ولَوْ ثَقُلَ لَأوْشَكَ أنْ يَعْصِيَ بِتَرْكِهِ قالَ: ﴿ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ أيْ ولِتَكُونُوا في حالَةٍ يُرْجى (p-٦٨)مَعَها لُزُومُ الطّاعَةِ واجْتِنابُ المَعْصِيَةِ.
وقالَ الحَرالِيُّ: فِيهِ تَصْنِيفٌ في الشُّكْرِ نِهايَةً كَما كانَ فِيهِ تَصْنِيفٌ لِلتَّقْوى بِدايَةً، كَما قالَ: ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣] فَمَن صَحَّ لَهُ التَّقْوى ابْتِداءً صَحَّ مِنهُ الشُّكْرُ انْتِهاءً؛ وفي إشْعارِهِ إعْلامٌ بِإظْهارِ نِعْمَةِ اللَّهِ وشُكْرِ الإحْسانِ الَّذِي هو مَضْمُونُ فَرْضِ زَكاةِ الفِطْرِ عَنْ كُلِّ صائِمٍ وعَمَّنْ يُطْعِمُهُ الصّائِمُ، فَكانَ في الشُّكْرِ إخْراجَهُ فِطْرَهُ بِخَتْمِ صَوْمِهِ واسْتِقْبالِ فِطْرِهِ بِأمْرِ رَبِّهِ وإظْهارِ شُكْرِهِ بِما خَوَّلَهُ مِن إطْعامِ عَيْلَتِهِ، فَلِذَلِكَ جَرَتْ فِيمَن يَصُومُ وفِيمَن يَعُولُهُ الصّائِمُ - انْتَهى.
{"ayah":"شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ فِیهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدࣰى لِّلنَّاسِ وَبَیِّنَـٰتࣲ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡیَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِیضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرࣲ فَعِدَّةࣱ مِّنۡ أَیَّامٍ أُخَرَۗ یُرِیدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡیُسۡرَ وَلَا یُرِیدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُوا۟ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق