الباحث القرآني
فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِعُسْفَانَ، فَاسْتَقْبَلَنَا الْمُشْرِكُونَ، عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ ﷺ الظُّهْرَ، فَقَالُوا: قَدْ كَانُوا عَلَى حَالٍ لَوْ أَصَبْنَا غِرَّتَهُمْ، قَالَ: ثُمَّ قَالُوا تَأْتِي الْآنَ عَلَيْهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، قَالَ: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ). وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا كَانَ سَبَبَ إِسْلَامِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَدِ اتَّصَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِمَا سَبَقَ مِنْ ذِكْرِ الْجِهَادِ. وَبَيَّنَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَلَا بِعُذْرِ الْجِهَادِ وَقِتَالِ الْعَدُوِّ، وَلَكِنْ فِيهَا رُخَصٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ [[راجع ج ٣ ص ٢٢٣.]]) وَهَذِهِ السُّورَةُ، بَيَانُهُ مِنَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْأُمَرَاءَ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [[راجع ج ٨ ص ٢٤٤.]]) هَذَا قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَشَذَّ أَبُو يُوسُفَ وَإِسْمَاعِيلُ بن عُلَيَّةَ فَقَالَا: لَا نُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَإِنَّ الْخِطَابَ كَانَ خَاصًّا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَيْسَ كَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَكُلُّهُمْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ وَيُصَلِّيَ خَلْفَهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ بَعْدَهُ يَقُومُ فِي الْفَضْلِ مَقَامَهُ، وَالنَّاسُ بَعْدَهُ تَسْتَوِي أَحْوَالُهُمْ وَتَتَقَارَبُ، فَلِذَلِكَ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِفَرِيقٍ وَيَأْمُرُ مَنْ يُصَلِّي بِالْفَرِيقِ الْآخَرِ، وَأَمَّا أَنْ يُصَلُّوا بِإِمَامٍ وَاحِدٍ فَلَا. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّا قَدْ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِ وَالتَّأَسِّي بِهِ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ وَغَيْرِ حَدِيثٍ، فَقَالَ تَعَالَى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ [[راجع ج ١٢ ص ٣٢٢.]]) وَقَالَ ﷺ: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي). فَلَزِمَ اتِّبَاعُهُ مُطْلَقًا حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى الْخُصُوصِ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرُوهُ دَلِيلًا عَلَى الْخُصُوصِ لَلَزِمَ قَصْرُ الْخِطَابَاتِ عَلَى مَنْ تَوَجَّهَتْ لَهُ، وَحِينَئِذٍ [كَانَ [[من ج وط وز.]]] يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الشَّرِيعَةُ قَاصِرَةً عَلَى مَنْ خُوطِبَ بِهَا، ثُمَّ إِنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عليهم أجمعين اطرحوا توهم الْخُصُوصِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَعَدُّوهُ إِلَى غَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْمَقَالِ وَأَقْعَدُ بِالْحَالِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [[راجع ج ٧ ص ١٢.]]) وَهَذَا خِطَابٌ لَهُ، وَأُمَّتُهُ دَاخِلَةٌ فِيهِ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. وَقَالَ تَعَالَى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَأَنَّ مَنْ بَعْدَهُ يَقُومُ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ، فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ). أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فِي جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَاتَلُوا مَنْ تَأَوَّلَ فِي الزَّكَاةِ مِثْلَ مَا تَأَوَّلْتُمُوهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَيْسَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ الَّتِي قَدِ اسْتَوَى فِيهَا النَّبِيُّ ﷺ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ مَا يُشْبِهُ صَلَاةَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ وَصَلَّى خَلْفَ غَيْرِهِ [[كذا في ج. والذي في اوح وط وز وى: وصلى غيره خلف غيره.]]، لِأَنَّ أَخْذَ الزَّكَاةِ فَائِدَتُهَا تَوْصِيلُهَا لِلْمَسَاكِينِ، وَلَيْسَ فِيهَا فَضْلٌ لِلْمُعْطَى كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَضْلٌ لِلْمُصَلِّي خَلْفَهُ. الثَّانِيةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ﴾ يَعْنِي جماعة منهم تقف معك في الصلاة.
(لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) يَعْنِي الَّذِينَ يُصَلُّونَ مَعَكَ. وَيُقَالُ: (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) الَّذِينَ هُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ لِكُلِّ طَائِفَةٍ إِلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ رُوِيَ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهُمْ أَضَافُوا إِلَيْهَا أُخْرَى، عَلَى مَا يَأْتِي. وَحُذِفَتِ الْكَسْرَةُ مِنْ قَوْلِهِ: (فَلْتَقُمْ) و (فَلْيَكُونُوا) لثقلها. وحكى الأخفش والقراء وَالْكِسَائِيُّ أَنَّ لَامَ الْأَمْرِ وَلَامَ كَيْ وَلَامَ الْجُحُودِ يُفْتَحْنَ. وَسِيبَوَيْهِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ مُوجِبَةٍ، وَهِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ لَامِ الْجَرِّ وَلَامِ التَّأْكِيدِ. وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الِانْقِسَامُ، أَيْ وَسَائِرُهُمْ وُجَاهَ [[وجاء (مثلث الواو) أي مقابلتهم وحذاءهم.]] الْعَدُوِّ حَذَرًا مِنْ تَوَقُّعِ حَمْلَتِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي هَيْئَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ لِاخْتِلَافِهَا، فَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّهُ ﷺ صَلَّاهَا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ابن حَنْبَلٍ، وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْمُقَدَّمُ فِي مَعْرِفَةِ عِلَلِ النَّقْلِ فِيهِ: لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ رُوِيَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إِلَّا حَدِيثٌ ثَابِتٌ. وَهِيَ كُلُّهَا صِحَاحٌ ثَابِتَةٌ، فَعَلَى أَيِّ حَدِيثٍ صلى منها المصلي صلاة الحوف أَجْزَأَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ. وَأَمَّا مَالِكٌ وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ إِلَّا أَشْهَبَ فَذَهَبُوا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إِلَى حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ، فَيَرْكَعُ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِالَّذِينَ مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ، فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا ثَبَتَ، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ، فَيَكُونُونَ وُجَاهَ الْعَدُوِّ، ثُمَّ يُقْبِلُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُكَبِّرُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ بِهِمُ [الرَّكْعَةَ] وَيَسْجُدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ، فَيَقُومُونَ وَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ: وَالْعَمَلُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ كَانَ يَأْخُذُ بِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا. قَالَ أَبُو عُمَرَ: حَدِيثُ الْقَاسِمِ وَحَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ رومان كلاهما عن صالح ابن خَوَّاتٍ: إِلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَصْلًا فِي السَّلَامِ، فَفِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيةِ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ، وَفِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ وَيُسَلِّمُ بِهِمْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ هَذَا أَشْبَهُ الْأَحَادِيثِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ، وَبِهِ أَقُولُ. وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ فِي اخْتِيَارِهِ حَدِيثَ الْقَاسِمِ الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، فِي أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ أَحَدًا سَبَقَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَأَنَّ السُّنَّةَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَنْ يَقْضِيَ الْمَأْمُومُونَ مَا سُبِقُوا بِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ فِي هَذَا الْبَابِ كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُ، وَكَانَ لَا يَعِيبُ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْأَوْجُهِ الْمَرْوِيَّةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ. وَذَهَبَ أَشْهَبُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاةُ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ ﷺ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَإِذَا كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ صَلَّى رَاكِبًا أَوْ قَائِمًا [[في ى: فصل راكبا أو قائما تومئ إيماء.]] يُومِئُ إِيمَاءً، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ. وَإِلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، قَالَ: لِأَنَّهُ أَصَحُّهَا إِسْنَادًا، وَقَدْ وَرَدَ بِنَقْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبِهِمُ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، وَلِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ، لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيةَ لَمْ يَقْضُوا الرَّكْعَةَ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ سُنَّتِهِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ يَعْقُوبَ فَذَهَبُوا إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاةُ الْخَوْفِ فَقَامُوا صَفَّيْنِ، صَفًّا خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ وَصَفًّا مُسْتَقْبِلَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ ﷺ رَكْعَةً، وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَقَامُوا مَقَامَهُمْ، وَاسْتَقْبَلَ هَؤُلَاءِ الْعَدُوَّ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ هَؤُلَاءِ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا ثُمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِينَ الْعَدُوَّ، وَرَجَعَ أُولَئِكَ إِلَى مَقَامِهِمْ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا. وَهَذِهِ الصِّفَةُ وَالْهَيْئَةُ هِيَ الْهَيْئَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، وَهُوَ أَنَّ قَضَاءَ أُولَئِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ يَظْهَرُ أَنَّهُ فِي حالة واحدة ويبقى الامام كالحارس وحده، وها هنا قَضَاؤُهُمْ مُتَفَرِّقٌ عَلَى صِفَةِ صَلَاتِهِمْ. وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الثَّوْرِيُّ- فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ عَنْهُ- وَأَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا، وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ). وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ [[راجع ج ٣ ص ١٢٣.]]) الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا، وَأَنَّ الصَّلَاةَ أَوْلَى بِمَا [[من ى.]] احْتِيطَ لَهَا، وَأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِ: (وَلَمْ يَقْضُوا
) أَيْ فِي عِلْمِ مَنْ رَوَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ قَضَوْا رَكْعَةً فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا، وَشَهَادَةُ مَنْ زَادَ أَوْلَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَمْ يَقْضُوا، أَيْ لَمْ يَقْضُوا إِذَا أَمِنُوا، وَتَكُونُ فَائِدَةً أَنَّ الْخَائِفَ إِذَا أَمِنَ لَا يَقْضِي مَا صلى على تلك الهيئة مِنَ الصَّلَوَاتِ فِي الْخَوْفِ، قَالَ جَمِيعُهُ أَبُو عُمَرَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه والسلام صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَذَكَرَا فِيهِ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِالْآخَرِينَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَبِذَلِكَ كَانَ الْحَسَنُ يُفْتِي، وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَبِهِ يَحْتَجُّ كُلُّ مَنْ أَجَازَ اخْتِلَافَ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُدَ. وَعَضَّدُوا هَذَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ: أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْعِشَاءَ ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، الْحَدِيثَ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِذْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَهَذِهِ أَقَاوِيلُ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ. الثَّالِثَةُ- وَهَذِهِ الصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا وَالْمُسْلِمُونَ مُسْتَدْبِرُونَ الْقِبْلَةَ وَوَجْهُ الْعَدُوِّ الْقِبْلَةُ، وَإِنَّمَا اتَّفَقَ هَذَا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، فَأَمَّا بِعُسْفَانَ وَالْمَوْضِعِ الْآخَرِ فَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا فِي قُبَالَةِ الْقِبْلَةِ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سَبَبِ النُّزُولِ فِي قِصَّةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَا يُلَائِمُ تَفْرِيقَ الْقَوْمِ إِلَى طَائِفَتَيْنِ، فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ (فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) قَالَ: فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَأْخُذُوا السِّلَاحَ وَصَفَّنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعْنَا جَمِيعًا، قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعْنَا جَمِيعًا، قَالَ: ثُمَّ سَجَدَ النَّبِيُّ ﷺ بِالصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ قَالَ: وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا سَجَدُوا وَقَامُوا جَلَسَ الْآخَرُونَ فَسَجَدُوا فِي مَكَانِهِمْ، قَالَ: ثُمَّ تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ فِي مَصَافِّ هَؤُلَاءِ وَجَاءَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ، قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ النَّبِيُّ ﷺ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَالْأَخَرُونَ قِيَامٌ، يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا جَلَسَ الْآخَرُونَ سَجَدُوا ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَصَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِعُسْفَانَ وَمَرَّةً فِي أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ وَقَالَ: وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَهُوَ أَحْوَطُهَا. وَأَخْرَجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَزَلَ بَيْنَ ضَجْنَانَ وَعُسْفَانَ، الْحَدِيثَ. وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَدَعَهُمْ صَدْعَيْنِ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، فَكَانَتْ لِلْقَوْمِ رَكْعَةً رَكْعَةً، وَلِلنَّبِيِّ ﷺ رَكْعَتَانِ، قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الله ابن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ، وَابْنِ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ. قُلْتُ: وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، فَلَعَلَّهُ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةً كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ مُجْتَمِعِينَ، وَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةً أُخْرَى مُتَفَرِّقِينَ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ صَلَاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: صَلَاةُ الْخَوْفِ أَنْوَاعٌ صَلَّاهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي أَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَشْكَالٍ مُتَبَايِنَةٍ، يُتَوَخَّى فِيهَا كُلُّهَا مَا هُوَ أَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَأَبْلَغُ فِي الْحِرَاسَةِ. الرَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِالْقَوْمِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا، وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ سِتًّا وَلِلْقَوْمِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ. وَالْجُمْهُورُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيةِ رَكْعَةً، وَتَقْضِي عَلَى اخْتِلَافِ أُصُولِهِمْ فِيهِ مَتَى يَكُونُ؟ [هَلْ [[من ج، ط، ز.]]] قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةٌ، لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَلَهَا لَيْلَةَ الْهَرِيرِ [[ليلة الهرير كأمير من ليالي (صفين).]]، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الْخَامِسَةُ- وَاخْتَلَفُوا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ وَشِدَّةِ الْقِتَالِ وَخِيفَ [[الخيف (بفتح الخاء): مصدر من مصادر (خاف) يقال: خاف يخاف خوفا وخيفة ومخافة وخيفة (بالكسر).]] خُرُوجُ الْوَقْتِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: يُصَلِّي كَيْفَمَا أَمْكَنَ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيُصَلِّي رَاكِبًا أَوْ قَائِمًا يُومِئُ إِيمَاءً. قَالَ فِي الْمُوَطَّأِ: مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (البقرة [[راجع ج ٣ ص ٢٢٣]]) قول الضحاك وإسحاق. وقال
الأوزاعي: إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْحُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ صَلَّوْا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْإِيمَاءِ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ وَيَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا يُجْزِئُهُمُ التَّكْبِيرُ وَيُؤَخِّرُوهَا حَتَّى يَأْمَنُوا، وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ. قُلْتُ: وَحَكَاهُ الْكِيَا الطَّبَرِيُّ فِي (أَحْكَامِ الْقُرْآنِ) لَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ الْكِيَا: وَإِذَا كَانَ الْخَوْفُ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ الْتِحَامُ الْقِتَالِ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ يُصَلُّونَ عَلَى مَا أَمْكَنَهُمْ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرِيهَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الثَّلَاثَةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بَلْ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ. وَإِنْ قَاتَلُوا فِي الصَّلَاةِ قَالُوا: فَسَدَتِ الصَّلَاةُ وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إِنْ تَابَعَ الطَّعْنَ وَالضَّرْبَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَنَسٍ: حَضَرْتُ مُنَاهَضَةَ حِصْنِ تُسْتَرَ [[بلد بالأهواز منها عبد الله بن سهل الزاهد.]] عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ، وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى فَفُتِحَ لَنَا. قَالَ أَنَسٌ: وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَإِلَيْهِ كَانَ يَذْهَبُ شَيْخُنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ الْقَيْسِيُّ الْقُرْطُبِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي حِجَّةَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ فِيمَا يَظْهَرُ، لِأَنَّهُ أَرْدَفَهُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (وَأَنَا وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا) قَالَ: فَنَزَلَ إِلَى بُطْحَانَ [[بطحان: واد بالمدينة.]] فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا. السَّادِسَةُ- وَاخْتَلَفُوا فِي صَلَاةِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ هُمَا سَوَاءٌ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُصَلِّي الطَّالِبُ إِلَّا بِالْأَرْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الطَّلَبَ تَطَوُّعٌ، وَالصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ فَرْضُهَا أَنْ تُصَلَّى بِالْأَرْضِ حَيْثُمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَلَا يُصَلِّيَهَا رَاكِبٌ إِلَّا خَائِفٌ شَدِيدٌ خَوْفُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّالِبُ. وَاللَّهُ أعلم.
السَّابِعَةُ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْعَسْكَرِ إِذَا رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ ثُمَّ بان لهم أنه غير شي، فَلِعُلَمَائِنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا يُعِيدُونَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالثَّانِيةُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُمْ تَبَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَأُ فَعَادُوا إِلَى الصَّوَابِ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ. وَوَجْهُ الثَّانِيةِ أَنَّهُمْ عَمِلُوا عَلَى اجْتِهَادِهِمْ فَجَازَ لَهُمْ كَمَا لَوْ أَخْطَئُوا الْقِبْلَةَ، وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ، فَأَمَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ فَلَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ﴾ وَقَالَ: (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) هَذَا وَصَاةٌ بِالْحَذَرِ وَأَخْذِ السِّلَاحِ لِئَلَّا يَنَالَ الْعَدُوُّ أَمَلَهُ وَيُدْرِكَ فُرْصَتَهُ. وَالسِّلَاحُ مَا يَدْفَعُ بِهِ الْمَرْءُ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْحَرْبِ، قَالَ عَنْتَرَةُ:
كَسَوْتُ الْجَعْدَ جعد بَنِي أَبَانٍ ... سِلَاحِي بَعْدَ عُرْيٍ وَافْتِضَاحِ
يَقُولُ: أَعَرْتُهُ سِلَاحِي لِيَمْتَنِعَ بِهَا بَعْدَ عُرْيِهِ مِنَ السِّلَاحِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) يَعْنِي الطَّائِفَةَ الَّتِي وُجَاهَ الْعَدُوِّ، لِأَنَّ الْمُصَلِّيَةَ لَا تُحَارِبُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ الْمُصَلِّيَةُ، أَيْ وَلْيَأْخُذِ الَّذِينَ صَلَّوْا أَوَّلًا أَسْلِحَتَهُمْ، ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ الَّذِينَ هُمْ فِي الصَّلَاةِ أُمِرُوا بِحَمْلِ السِّلَاحِ، أَيْ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِنَّهُ أَرْهَبُ لِلْعَدُوِّ. النَّحَّاسُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ أَهْيَبُ لِلْعَدُوِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلَّتِي وُجَاهَ الْعَدُوِّ خَاصَّةً. قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ لِلْمُصَلِّي أَخْذَ سِلَاحِهِ إِذَا صَلَّى فِي الْخَوْفِ، وَيَحْمِلُونَ قَوْلَهُ (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) عَلَى النَّدْبِ، لأنه شي لَوْلَا الْخَوْفُ لَمْ يَجِبْ أَخْذُهُ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ نَدْبًا. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: أَخْذُ السِّلَاحِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَاجِبٌ لِأَمْرِ اللَّهِ بِهِ، إِلَّا لِمَنْ كَانَ بِهِ أَذًى مِنْ مَطَرٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ وَضْعُ سِلَاحِهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِذَا صَلَّوْا أَخَذُوا سِلَاحَهُمْ عِنْدَ الْخَوْفِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْمِلُونَهَا، لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ حَمْلُهَا لَبَطَلَتِ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا. قُلْنَا: لَمْ يَجِبْ حَمْلُهَا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ قُوَّةً لَهُمْ وَنَظَرًا.
التَّاسِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذا سَجَدُوا﴾ الضَّمِيرُ فِي (سَجَدُوا) لِلطَّائِفَةِ الْمُصَلِّيَةِ فَلْيَنْصَرِفُوا، هَذَا عَلَى بَعْضِ الْهَيْئَاتِ الْمَرْوِيَّةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَإِذَا سَجَدُوا رَكْعَةَ الْقَضَاءِ، وَهَذَا عَلَى هَيْئَةِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ. وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ قَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فليسجد سجدتين). أي فليل رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ فِي السُّنَّةِ. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (فَلْيَكُونُوا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلَّذِينَ سَجَدُوا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلطَّائِفَةِ الْقَائِمَةِ أَوَّلًا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. الْعَاشِرَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أَيْ تَمَنَّى وَأَحَبَّ الْكَافِرُونَ غَفْلَتَكُمْ عَنْ أَخْذِ السِّلَاحِ لِيَصِلُوا إِلَى مَقْصُودِهِمْ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِي الْأَمْرِ بِأَخْذِ السِّلَاحِ، وَذَكَرَ الْحَذَرَ فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيةِ دُونَ الْأُولَى، لِأَنَّهَا أَوْلَى بِأَخْذِ الْحَذَرِ، لِأَنَّ الْعَدُوَّ لَا يُؤَخِّرُ قَصْدَهُ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ لِأَنَّهُ آخِرُ الصَّلَاةِ، وَأَيْضًا يَقُولُ الْعَدُوُّ قَدْ أَثْقَلَهُمُ السِّلَاحُ وَكَلُّوا. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى تَعَاطِي الْأَسْبَابِ، وَاتِّخَاذِ كُلِّ مَا يُنْجِي ذَوِي الْأَلْبَابِ، وَيُوصِلُ إِلَى السَّلَامَةِ، وَيُبَلِّغُ دَارَ الْكَرَامَةِ. وَمَعْنَى (مَيْلَةً واحِدَةً) مُبَالَغَةً، أَيْ مُسْتَأْصِلَةً لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى ثَانِيَةٍ. الْحَادِيَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ﴾ الْآيَةَ. لِلْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ حَمْلِ السِّلَاحِ فِي الصَّلَاةِ كَلَامٌ قَدْ أَشَرْنَا إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِبْ فَيُسْتَحَبُّ لِلِاحْتِيَاطِ. ثُمَّ رُخِّصَ فِي الْمَطَرِ وَضْعُهُ، لِأَنَّهُ تَبْتَلُّ الْمُبَطَّنَاتُ وَتَثْقُلُ وَيَصْدَأُ الْحَدِيدُ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ بَطْنِ نَخْلَةَ [[قرية قريبة من المدينة.]] لَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا مَطِيرًا وَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَاضِعًا سِلَاحَهُ، فَرَآهُ الْكُفَّارُ مُنْقَطِعًا عَنْ أَصْحَابِهِ فَقَصَدَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ فَانْحَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْجَبَلِ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: (اللَّهُ) ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ اكْفِنِي الْغَوْرَثَ بِمَا شِئْتَ). فَأَهْوَى بِالسَّيْفِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ لِيَضْرِبَهُ، فَانْكَبَّ لِوَجْهِهِ [[في ز: على وجهه.]] لِزَلَقَةٍ زَلِقَهَا. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ جبريل عليه السَّلَامُ دَفَعَهُ فِي صَدْرِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْمَائِدَةِ [[راجع ج ٢ ص ٤٣١.]]، وَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ النبي ﷺ وقال: (من يَمْنَعُكَ مِنِّي يَا غَوْرَثُ)؟ فَقَالَ: لَا أَحَدَ. فَقَالَ (تَشْهَدُ لِي بِالْحَقِّ وَأُعْطِيكَ سَيْفَكَ)؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَشْهَدُ أَلَّا أُقَاتِلَكَ بَعْدَ هَذَا وَلَا أُعِينَ عَلَيْكَ عَدُوًّا، فَدَفَعَ إِلَيْهِ السَّيْفَ وَنَزَلَتِ الْآيَةُ رُخْصَةً فِي وَضْعِ السِّلَاحِ فِي الْمَطَرِ. وَمَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ جُرْحٍ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، فَرَخَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ فِي تَرْكِ السِّلَاحِ وَالتَّأَهُّبِ لِلْعَدُوِّ بِعُذْرِ الْمَطَرِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَقَالَ: (خُذُوا حِذْرَكُمْ) أَيْ كُونُوا مُتَيَقِّظِينَ، وَضَعْتُمُ السِّلَاحَ أَوْ لَمْ تَضَعُوهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ التَّأَهُّبِ وَالْحَذَرِ مِنَ الْعَدُوِّ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَتَرْكِ الِاسْتِسْلَامِ، فَإِنَّ الْجَيْشَ مَا جَاءَهُ مُصَابٌ قَطُّ إِلَّا مِنْ تَفْرِيطٍ فِي حَذَرٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) يَعْنِي تَقَلَّدُوا سُيُوفَكُمْ فإن ذلك هيئة الغزاة.
{"ayah":"وَإِذَا كُنتَ فِیهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوۤا۟ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلۡیَكُونُوا۟ مِن وَرَاۤىِٕكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَاۤىِٕفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ یُصَلُّوا۟ فَلۡیُصَلُّوا۟ مَعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوا۟ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَیَمِیلُونَ عَلَیۡكُم مَّیۡلَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذࣰى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَن تَضَعُوۤا۟ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣰا مُّهِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق