الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى ﴿وإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنهم مَعَكَ ولْيَأْخُذُوا أسْلِحَتَهم فَإذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن ورائِكم ولْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ولْيَأْخُذُوا حِذْرَهم وأسْلِحَتَهم ودَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أسْلِحَتِكم وأمْتِعَتِكم فَيَمِيلُونَ عَلَيْكم مَيْلَةً واحِدَةً ولا جُناحَ عَلَيْكم إنْ كانَ بِكم أذًى مِن مَطَرٍ أوْ كُنْتُمْ مَرْضى أنْ تَضَعُوا أسْلِحَتَكم وخُذُوا حِذْرَكم إنَّ اللَّهَ أعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا﴾ ﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِكم فَإذا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأقِيمُوا الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلى المُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ حالَ قَصْرِ الصَّلاةِ بِحَسَبِ الكَمِّيَّةِ في العَدَدِ، بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ حالَها في الكَيْفِيَّةِ، وفِيهِ مَسائِلُ:
(p-٢٠)المَسْألَةُ الأُولى: قالَ أبُو يُوسُفَ، والحَسَنُ بْنُ زِيادٍ: صَلاةُ الخَوْفِ كانَتْ خاصَّةً لِلرَّسُولِ ﷺ ولا تَجُوزُ لِغَيْرِهِ، وقالَ المُزَنِيُّ: كانَتْ ثابِتَةً ثُمَّ نُسِخَتْ. واحْتَجَّ أبُو يُوسُفَ عَلى قَوْلِهِ بِوَجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾ ظاهِرُهُ يَقْتَضِي أنَّ إقامَةَ هَذِهِ الصَّلاةِ مَشْرُوطَةٌ بِكَوْنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيهِمْ؛ لِأنَّ كَلِمَةَ ”إذا“ تُفِيدُ الِاشْتِراطَ.
الثّانِي: أنَّ تَغْيِيرَ هَيْئَةِ الصَّلاةِ أمْرٌ عَلى خِلافِ الدَّلِيلِ، إلّا أنّا جَوَّزْنا ذَلِكَ في حَقِّ الرَّسُولِ ﷺ؛ لِتَحْصُلَ لِلنّاسِ فَضِيلَةُ الصَّلاةِ خَلْفَهُ، وأمّا في حَقِّ غَيْرِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَهَذا المَعْنى غَيْرُ حاصِلٍ؛ لِأنَّ فَضِيلَةَ الصَّلاةِ خَلْفَ الثّانِي كَهي خَلْفَ الأوَّلِ، فَلا يَحْتاجُ هُناكَ إلى تَغْيِيرِ هَيْئَةِ الصَّلاةِ، وأمّا سائِرُ الفُقَهاءِ فَقالُوا: لَمّا ثَبَتَ هَذا الحُكْمُ في حَقِّ النَّبِيِّ ﷺ بِحُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ وجَبَ أنْ يَثْبُتَ في حَقِّ غَيْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: (واتَّبَعُوهُ) [الأعْرافِ: ١٥٨] . ألا تَرى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٠٣] لَمْ يُوجِبْ كَوْنَ الرَّسُولِ ﷺ مَخْصُوصًا بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الأُمَّةِ بَعْدَهُ، وأمّا التَّمَسُّكُ بِلَفْظِ ”إذا“ فالجَوابُ: أنَّ مُقْتَضاهُ هو الثُّبُوتُ عِنْدَ الثُّبُوتِ، أمّا العَدَمُ عِنْدَ العَدَمِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، وأمّا التَّمَسُّكُ بِإدْراكِ فَضِيلَةِ الصَّلاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَيْسَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عِلَّةً لِإباحَةِ تَغْيِيرِ الصَّلاةِ؛ لِأنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ طَلَبُ الفَضِيلَةِ يُوجِبُ تَرْكَ الفَرْضِ، فانْدَفَعَ هَذا الكَلامُ واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: شَرْحُ صَلاةِ الخَوْفِ هو أنَّ الإمامَ يَجْعَلُ القَوْمَ طائِفَتَيْنِ ويُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً واحِدَةً، ثُمَّ إذا فَرَغُوا مِنَ الرَّكْعَةِ فَكَيْفَ يَصْنَعُونَ ؟ فِيهِ أقْوالٌ:
الأوَّلُ: أنَّ تِلْكَ الطّائِفَةَ يُسَلِّمُونَ مِنَ الرَّكْعَةِ الواحِدَةِ، ويَذْهَبُونَ إلى وجْهِ العَدُوِّ، وتَأْتِي الطّائِفَةُ الأُخْرى، ويُصَلِّي بِهِمُ الإمامُ رَكْعَةً أُخْرى ويُسَلِّمُ، وهَذا مَذْهَبُ مَن يَرى أنَّ صَلاةَ الخَوْفِ لِلْإمامِ رَكْعَتانِ، ولِلْقَوْمِ رَكْعَةٌ، وهَذا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وجابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ومُجاهِدٍ.
الثّانِي: أنَّ الإمامَ يُصَلِّي بِتِلْكَ الطّائِفَةِ رَكْعَتَيْنِ ويُسَلِّمُ، ثُمَّ تَذْهَبُ تِلْكَ الطّائِفَةُ إلى وجْهِ العَدُوِّ، وتَأْتِي الطّائِفَةُ الأُخْرى فَيُصَلِّي الإمامُ بِهِمْ مَرَّةً أُخْرى رَكْعَتَيْنِ، وهَذا قَوْلُ الحَسَنِ البَصْرِيِّ.
الثّالِثُ: أنْ يُصَلِّيَ الإمامُ مَعَ الطّائِفَةِ الأُولى رَكْعَةً تامَّةً، ثُمَّ يَبْقى الإمامُ قائِمًا في الرَّكْعَةِ الثّانِيَةِ إلى أنْ تُصَلِّيَ هَذِهِ الطّائِفَةُ رَكْعَةً أُخْرى، ويَتَشَهَّدُونَ ويُسَلِّمُونَ ويَذْهَبُونَ إلى وجْهِ العَدُوِّ، ثُمَّ تَأْتِي الطّائِفَةُ الثّانِيَةُ ويُصَلُّونَ مَعَ الإمامِ قائِمًا في الرَّكْعَةِ الثّانِيَةِ رَكْعَةً، ثُمَّ يَجْلِسُ الإمامُ في التَّشَهُّدِ إلى أنْ تُصَلِّيَ الطّائِفَةُ الثّانِيَةُ الرَّكْعَةَ الثّانِيَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ الإمامُ بِهِمْ، وهَذا قَوْلُ سَهْلِ بْنِ أبِي حَثْمَةَ، ومَذْهَبُ الشّافِعِيِّ.
الرّابِعُ: أنَّ الطّائِفَةَ الأُولى يُصَلِّي الإمامُ بِهِمْ رَكْعَةً، ويَعُودُونَ إلى وجْهِ العَدُوِّ، وتَأْتِي الطّائِفَةُ الثّانِيَةُ فَيُصَلِّي بِهِمْ بَقِيَّةَ الصَّلاةِ، ويَنْصَرِفُونَ إلى وجْهِ العَدُوِّ، ثُمَّ تَعُودُ الطّائِفَةُ الأُولى فَيَقْضُونَ بَقِيَّةَ صَلاتِهِمْ بِقِراءَةٍ، ويَنْصَرِفُونَ إلى وجْهِ العَدُوِّ، ثُمَّ تَعُودُ الطّائِفَةُ الثّانِيَةُ فَيَقْضُونَ بَقِيَّةَ صَلاتِهِمْ بِقِراءَةٍ، والفَرْقُ أنَّ الطّائِفَةَ الأُولى أدْرَكَتْ أوَّلَ الصَّلاةِ، وهم في حُكْمِ مَن خَلْفَ الإمامِ، وأمّا الثّانِيَةُ فَلَمْ تُدْرِكْ أوَّلَ الصَّلاةِ، والمَسْبُوقُ فِيما يَقْضِي كالمُنْفَرِدِ في صَلاتِهِ، وهَذا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، ومَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ.
واعْلَمْ أنَّهُ ورَدَتِ الرِّواياتُ المُخْتَلِفَةُ بِهَذِهِ الصَّلاةِ، فَلَعَلَّهُ ﷺ صَلّى بِهِمْ هَذِهِ الصَّلاةَ في أوْقاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، بِحَسَبِ المَصْلَحَةِ، وإنَّما وقَعَ الِاخْتِلافُ بَيْنَ الفُقَهاءِ في أنَّ الأفْضَلَ والأشَدَّ مُوافَقَةً لِظاهِرِ الآيَةِ أيُّ هَذِهِ الأقْسامِ ؟ أمّا الواحِدِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فَقالَ: الآيَةُ مُخالِفَةٌ لِلرِّواياتِ الَّتِي أخَذَ بِها أبُو حَنِيفَةَ، وبَيَّنَ ذَلِكَ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿ولْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا﴾ . وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الطّائِفَةَ الأُولى قَدْ صَلَّتْ عِنْدَ إتْيانِ الثّانِيَةِ، وعِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأنَّ الطّائِفَةَ الثّانِيَةَ عِنْدَهُ تَأْتِي والأُولى بَعْدُ في الصَّلاةِ وما (p-٢١)فَرَغُوا مِنها.
الثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ: (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) ظاهِرُهُ يَدُلُّ عَلى أنَّ جَمِيعَ صَلاةِ الطّائِفَةِ الثّانِيَةِ مَعَ الإمامِ؛ لِأنَّ مُطْلَقَ قَوْلِكَ: صَلَّيْتُ مَعَ الإمامِ يَدُلُّ عَلى أنَّكَ أدْرَكْتَ جَمِيعَ الصَّلاةِ مَعَهُ، وعَلى قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ.
وأمّا أصْحابُ أبِي حَنِيفَةَ فَقالُوا: الآيَةُ مُطابِقَةٌ لِقَوْلِنا؛ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿فَإذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن ورائِكُمْ﴾ . وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الطّائِفَةَ الأُولى لَمْ يَفْرَغُوا مِنَ الصَّلاةِ، ولَكِنَّهم يُصَلُّونَ رَكْعَةً، ثُمَّ يَكُونُونَ مِن وراءِ الطّائِفَةِ الثّانِيَةِ لِلْحِراسَةِ، وأجابَ الواحِدِيُّ عَنْهُ فَقالَ: هَذا إنَّما يَلْزَمُ إذا جَعَلْنا السُّجُودَ والكَوْنَ مِن ورائِكم لِطائِفَةٍ واحِدَةٍ، ولَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ هو لِطائِفَتَيْنِ، السُّجُودُ لِلْأُولى، والكَوْنُ مِن ورائِكُمُ الَّذِي بِمَعْنى الحِراسَةِ لِلطّائِفَةِ الثّانِيَةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
ولَنَرْجِعْ إلى تَفْسِيرِ الآيَةِ فَنَقُولُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا كُنْتَ فِيهِمْ﴾ . أيْ: وإذا كُنْتَ أيُّها النَّبِيُّ مَعَ المُؤْمِنِينَ في غَزَواتِهِمْ وخَوْفِهِمْ: ﴿فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنهم مَعَكَ﴾ . والمَعْنى: فاجْعَلْهم طائِفَتَيْنِ، فَلْتَقُمْ مِنهم طائِفَةٌ مَعَكَ فَصَلِّ بِهِمْ، ولْيَأْخُذُوا أسْلِحَتَهم. والضَّمِيرُ إمّا لِلْمُصَلِّينَ وإمّا لِغَيْرِهِمْ، فَإنْ كانَ لِلْمُصَلِّينَ فَقالُوا: يَأْخُذُونَ مِنَ السِّلاحِ ما لا يَشْغَلُهم عَنِ الصَّلاةِ؛ كالسَّيْفِ والخِنْجَرِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ ذَلِكَ أقْرَبُ إلى الِاحْتِياطِ، وأمْنَعُ لِلْعَدُوِّ مِنَ الإقْدامِ عَلَيْهِمْ، وإنْ كانَ لِغَيْرِ المُصَلِّينَ فَلا كَلامَ فِيهِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ أمْرًا لِلْفَرِيقَيْنِ بِحَمْلِ السِّلاحِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ أقْرَبُ إلى الِاحْتِياطِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿فَإذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا﴾ .
يَعْنِي: غَيْرَ المُصَلِّينَ: (مِن ورائِكم) يَحْرُسُونَكم، وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ أداءَ الرَّكْعَةِ الأُولى مَعَ الإمامِ في صَلاةِ الخَوْفِ كَهو في صَلاةِ الأمْنِ، إنَّما التَّفاوُتُ يَقَعُ في أداءِ الرَّكْعَةِ الثّانِيَةِ فِيهِ، وقَدْ ذَكَرْنا مَذاهِبَ النّاسِ فِيها.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿ولْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ﴾ . وقَدْ بَيَّنّا أنَّ هَذِهِ الآيَةَ دالَّةٌ عَلى صِحَّةِ قَوْلِ الشّافِعِيِّ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿ولْيَأْخُذُوا حِذْرَهم وأسْلِحَتَهُمْ﴾ . والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى جَعَلَ الحِذْرَ -وهُوَ التَّحَذُّرُ والتَّيَقُّظُ - آلَةً يَسْتَعْمِلُها الغازِي، فَلِذَلِكَ جُمِعَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الأسْلِحَةِ في الأخْذِ، وجُعِلا مَأْخُوذَيْنِ. قالَ الواحِدِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفِيهِ رُخْصَةٌ لِلْخائِفِ في الصَّلاةِ بِأنْ يَجْعَلَ بَعْضَ فِكْرِهِ في غَيْرِ الصَّلاةِ.
فَإنْ قِيلَ: لِمَ ذَكَرَ في الآيَةِ الأُولى”أسْلِحَتَهم“ فَقَطْ، وذَكَرَ في هَذِهِ الآيَةِ حِذْرَهم وأسْلِحَتَهم ؟ .
قُلْنا: لِأنَّ في أوَّلِ الصَّلاةِ قَلَّما يَتَنَبَّهُ العَدُوُّ لِكَوْنِ المُسْلِمِينَ في الصَّلاةِ، بَلْ يَظُنُّونَ كَوْنَهم قائِمِينَ لِأجْلِ المُحارَبَةِ. أمّا في الرَّكْعَةِ الثّانِيَةِ فَقَدْ ظَهَرَ لِلْكُفّارِ كَوْنُهم في الصَّلاةِ، فَهَهُنا يَنْتَهِزُونَ الفُرْصَةَ في الهُجُومِ عَلَيْهِمْ، فَلا جَرَمَ خَصَّ اللَّهُ تَعالى هَذا المَوْضِعَ بِزِيادَةِ تَحْذِيرٍ، فَقالَ: ﴿ولْيَأْخُذُوا حِذْرَهم وأسْلِحَتَهُمْ﴾ .
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ودَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أسْلِحَتِكم وأمْتِعَتِكم فَيَمِيلُونَ عَلَيْكم مَيْلَةً واحِدَةً﴾ . أيْ: بِالقِتالِ. عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وجابِرٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلّى بِأصْحابِهِ الظُّهْرَ، ورَأى المُشْرِكُونَ ذَلِكَ، فَقالُوا بَعْدَ ذَلِكَ: بِئْسَما صَنَعْنا حَيْثُ لَمْ نُقْدِمْ عَلَيْهِمْ، وعَزَمُوا عَلى ذَلِكَ عِنْدَ الصَّلاةِ الأُخْرى، فَأطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ عَلى أسْرارِهِمْ بِهَذِهِ الآيَةِ» .
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولا جُناحَ عَلَيْكم إنْ كانَ بِكم أذًى مِن مَطَرٍ أوْ كُنْتُمْ مَرْضى أنْ تَضَعُوا أسْلِحَتَكُمْ﴾ (p-٢٢)والمَعْنى أنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ حَمْلُ السِّلاحِ؛ إمّا لِأنَّهُ يُصِيبُهُ بَلَلُ المَطَرِ فَيَسْوَدُّ وتَفْسُدُ حِدَّتُهُ، أوْ لِأنَّ مِنَ الأسْلِحَةِ ما يَكُونُ مُبَطَّنًا فَيَثْقُلُ عَلى لابِسِهِ إذا ابْتَلَّ بِالماءِ، أوْ لِأجْلِ أنَّ الرَّجُلَ كانَ مَرِيضًا فَيَشُقُّ عَلَيْهِ حَمْلُ السَّلاحِ، فَهَهُنا لَهُ أنْ يَضَعَ حَمْلَ السِّلاحِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: (وخُذُوا حِذْرَكم) . والمَعْنى: أنَّهُ لَمّا رَخَّصَ لَهم في وضْعِ السِّلاحِ حالَ المَطَرِ وحالَ المَرَضِ أمَرَهم مَرَّةً أُخْرى بِالتَّيَقُّظِ والتَّحَفُّظِ والمُبالَغَةِ في الحِذْرِ؛ لِئَلّا يَجْتَرِئَ العَدُوُّ عَلَيْهِمُ احْتِيالًا في المَيْلِ عَلَيْهِمْ، واسْتِغْنامًا مِنهم لِوَضْعِ المُسْلِمِينَ أسْلِحَتَهم، وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: أنَّ قَوْلَهُ في أوَّلِ الآيَةِ: ﴿ولْيَأْخُذُوا أسْلِحَتَهُمْ﴾ أمْرٌ، وظاهِرُ الأمْرِ لِلْوُجُوبِ، فَيَقْتَضِي أنْ يَكُونَ أخْذُ السِّلاحِ واجِبًا، ثُمَّ تَأكَّدَ هَذا بِدَلِيلٍ آخَرَ، وهو أنَّهُ قالَ: ﴿ولا جُناحَ عَلَيْكم إنْ كانَ بِكم أذًى مِن مَطَرٍ أوْ كُنْتُمْ مَرْضى أنْ تَضَعُوا أسْلِحَتَكُمْ﴾ فَخَصَّ رَفْعَ الجُناحِ في وضْعِ السِّلاحِ بِهاتَيْنِ الحالَتَيْنِ، وذَلِكَ يُوجِبُ أنَّ فِيما وراءَ هاتَيْنِ الحالَتَيْنِ يَكُونُ الإثْمُ والجُناحُ حاصِلًا بِسَبَبِ وضْعِ السِّلاحِ.
ومِنهم مَن قالَ: إنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، والأصَحُّ ما بَيَّنّاهُ، ثُمَّ الشَّرْطُ أنْ لا يَحْمِلَ سِلاحًا نَجِسًا إنْ أمْكَنَهُ، ولا يَحْمِلَ الرُّمْحَ إلّا في طَرَفِ الصَّفِّ، وبِالجُمْلَةِ بِحَيْثُ لا يَتَأذّى بِهِ أحَدٌ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ أبُو عَلِيٍّ الجُرْجانِيُّ -صاحِبُ النَّظْمِ-: قَوْلُهُ تَعالى: (وخُذُوا حِذْرَكم) يَدُلُّ عَلى أنَّهُ كانَ يَجُوزُ لِلنَّبِيِّ ﷺ أنْ يَأْتِيَ بِصَلاةِ الخَوْفِ عَلى جِهَةٍ يَكُونُ بِها حاذِرًا غَيْرَ غافِلٍ عَنْ كَيْدِ العَدُوِّ. والَّذِي نَزَلَ بِهِ القُرْآنُ في هَذا المَوْضِعِ هو وجْهُ الحِذْرِ؛ لِأنَّ العَدُوَّ يَوْمَئِذٍ بِذاتِ الرِّقاعِ كانَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، فالمُسْلِمُونَ كانُوا مُسْتَدْبِرِينَ القِبْلَةَ، ومَتى اسْتَقْبَلُوا القِبْلَةَ صارُوا مُسْتَدْبِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، فَلا جَرَمَ أُمِرُوا بِأنْ يَصِيرُوا طائِفَتَيْنِ: طائِفَةً في وجْهِ العَدُوِّ، وطائِفَةً مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، وأمّا حِينَ كانَ النَّبِيُّ ﷺ بِعُسْفانَ وبِبَطْنِ نَخْلٍ فَإنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ أصْحابَهُ طائِفَتَيْنِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ العَدُوَّ كانَ مُسْتَدْبِرَ القِبْلَةِ، والمُسْلِمُونَ كانُوا مُسْتَقْبِلِينَ لَها، فَكانُوا يَرَوْنَ العَدُوَّ حالَ كَوْنِهِمْ في الصَّلاةِ فَلَمْ يَحْتاجُوا إلى الِاحْتِراسِ إلّا عِنْدَ السُّجُودِ، فَلا جَرَمَ لَمّا سَجَدَ الصَّفُّ الأوَّلُ بَقِيَ الصَّفُّ الثّانِي يَحْرُسُونَهم، فَلَمّا فَرَغُوا مِنَ السُّجُودِ وقامُوا تَأخَّرُوا وتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثّانِي وسَجَدُوا، وكانَ الصَّفُّ الأوَّلُ حالَ قِيامِهِمْ يَحْرُسُونَ الصَّفَّ الثّانِيَ، فَثَبَتَ بِما ذَكَرْنا أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: (خُذُوا حِذْرَكم) يَدُلُّ عَلى جَوازِ هَذِهِ الوُجُوهِ؛ والَّذِي يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ مِن هَذِهِ الآيَةِ ما ذَكَرْناهُ أنّا لَوْ لَمْ نَحْمِلْها عَلى هَذا الوَجْهِ لَصارَ تَكْرارًا مَحْضًا مِن غَيْرِ فائِدَةٍ، ولَوَقَعَ فِعْلُ الرَّسُولِ بِعُسْفانَ وبِبَطْنِ نَخْلٍ عَلى خِلافِ نَصِّ القُرْآنِ، وإنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: إنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَ بِالحِذْرِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى كَوْنِ العَبْدِ قادِرًا عَلى الفِعْلِ وعَلى التَّرْكِ، وعَلى جَمِيعِ وُجُوهِ الحِذْرِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ أفْعالَ العِبادِ لَيْسَتْ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ تَعالى، وجَوابُهُ: ما تَقَدَّمَ مِنَ المُعارَضَةِ بِالعِلْمِ والدّاعِي، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى وُجُوبِ الحِذْرِ عَنِ العَدُوِّ، فَيَدُلُّ عَلى وُجُوبِ الحِذْرِ عَنْ جَمِيعِ المَضارِّ المَظْنُونَةِ، وبِهَذا الطَّرِيقِ كانَ الإقْدامُ عَلى العِلاجِ بِالدَّواءِ والعِلاجِ بِاليَدِ والِاحْتِرازِ عَنِ الوَباءِ، وعَنِ الجُلُوسِ تَحْتَ الجِدارِ المائِلِ واجِبًا، واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ أعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا﴾ وفِيهِ سُؤالٌ، أنَّهُ كَيْفَ طابَقَ الأمْرُ بِالحِذْرِ قَوْلَهُ: (إنَّ) (p-٢٣)﴿اللَّهَ أعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا﴾ وجَوابُهُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا أمَرَ بِالحِذْرِ عَنِ العَدُوِّ أوْهَمَ ذَلِكَ قُوَّةَ العَدُوِّ وشِدَّتَهم، فَأزالَ اللَّهُ تَعالى هَذا الوَهْمَ، بِأنْ أخْبَرَ أنَّهُ يُهِينُهم ويَخْذُلُهم ولا يَنْصُرُهُمُ البَتَّةَ؛ حَتّى يُقَوِّيَ قُلُوبَ المُسْلِمِينَ، ويَعْلَمُوا أنَّ الأمْرَ بِالحِذْرِ لَيْسَ لِما لَهم مِنَ القُوَّةِ والهَيْبَةِ، وإنَّما هو لِأجْلِ أنْ يَحْصُلَ الخَوْفُ في قَلْبِ المُؤْمِنِينَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُونَ مُتَضَرِّعِينَ إلى اللَّهِ تَعالى في أنْ يَمُدَّهم بِالنَّصْرِ والتَّوْفِيقِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [الأنْفالِ: ٤٥] .
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِكُمْ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: فَإذا قَضَيْتُمْ صَلاةَ الخَوْفِ فَواظِبُوا عَلى ذِكْرِ اللَّهِ في جَمِيعِ الأحْوالِ، فَإنَّ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الخَوْفِ والحِذْرِ مَعَ العَدُوِّ جَدِيرٌ بِالمُواظَبَةِ عَلى ذِكْرِ اللَّهِ والتَّضَرُّعِ إلَيْهِ.
الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِالذِّكْرِ الصَّلاةُ، يَعْنِي: صَلُّوا قِيامًا حالَ اشْتِغالِكم بِالمُسابَقَةِ والمُقارَعَةِ، وقُعُودًا حالَ اشْتِغالِكم بِالرَّمْيِ، وعَلى جُنُوبِكم حالَ ما تَكْثُرُ الجِراحاتُ فِيكم فَتَسْقُطُونَ عَلى الأرْضِ، فَإذا اطْمَأْنَنْتُمْ حِينَ تَضَعُ الحَرْبُ أوْزارَها فَأقِيمُوا الصَّلاةَ، فاقْضُوا ما صَلَّيْتُمْ في حالِ المُسابَقَةِ.
هَذا ظاهِرٌ عَلى مَذْهَبِ الشّافِعِيِّ في إيجابِ الصَّلاةِ عَلى المُحارِبِ في حالِ المُسابَقَةِ إذا حَضَرَ وقْتُها، وإذا اطْمَأنُّوا فَعَلَيْهِمُ القَضاءُ إلّا أنَّ عَلى هَذا القَوْلِ إشْكالًا، وهو أنْ يَصِيرَ تَقْدِيرُ الآيَةِ: فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَصَلُّوا، وذَلِكَ بَعِيدٌ؛ لِأنَّ حَمْلَ لَفْظِ الذِّكْرِ عَلى الصَّلاةِ مَجازٌ فَلا يُصارُ إلَيْهِ إلّا لِضَرُورَةٍ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فاذْكُرُوا﴾ واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَسْبُوقَةٌ بِحُكْمَيْنِ:
أوَّلُهُما: بَيانُ القَصْرِ وهو صَلاةُ السَّفَرِ.
والثّانِي: صَلاةُ الخَوْفِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: (فَإذا اطْمَأْنَنْتُمْ) يَحْتَمِلُ نَقِيضَ الأمْرَيْنِ، فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الِاطْمِئْنانِ أنْ لا يَبْقى الإنْسانُ مُسافِرًا، بَلْ يَصِيرُ مُقِيمًا، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ المُرادُ: فَإذا صِرْتُمْ مُقِيمِينَ فَأقِيمُوا الصَّلاةَ تامَّةً مِن غَيْرِ قَصْرٍ البَتَّةَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الِاطْمِئْنانِ أنْ لا يَبْقى الإنْسانُ مُضْطَرِبَ القَلْبِ، بَلْ يَصِيرُ ساكِنَ القَلْبِ ساكِنَ النَّفْسِ بِسَبَبِ أنَّهُ زالَ الخَوْفُ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ المُرادُ: فَإذا زالَ الخَوْفُ عَنْكم فَأقِيمُوا الصَّلاةَ عَلى الحالَةِ الَّتِي كُنْتُمْ تَعْرِفُونَها، ولا تُغَيِّرُوا شَيْئًا مِن أحْوالِها وهَيْآتِها.
ثُمَّ لَمّا بالَغَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى في شَرْحِ أقْسامِ الصَّلاةِ فَذَكَرَ صَلاةَ السَّفَرِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ صَلاةَ الخَوْفِ خَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلى المُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا﴾ . أيْ: فَرْضًا مُوَقَّتًا، والمُرادُ بِالكِتابِ هَهُنا: المَكْتُوبُ، كَأنَّهُ قِيلَ: مَكْتُوبَةٌ مَوْقُوتَةٌ، ثُمَّ حَذَفَ الهاءَ مِنَ المَوْقُوتِ كَما جَعَلَ المَصْدَرَ مَوْضِعَ المَفْعُولِ، والمَصْدَرُ مُذَكَّرٌ، ومَعْنى المَوْقُوتِ: أنَّها كُتِبَتْ عَلَيْهِمْ في أوْقاتٍ مُوَقَّتَةٍ، يُقالُ: وقَّتَهُ ووَقَتَهُ مُخَفَّفًا، وقُرِئَ: (وإذا الرُّسُلُ وُقِتَتْ) [المُرْسَلاتِ: ١١] بِالتَّخْفِيفِ.
* * *
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّ وُجُوبَ الصَّلاةِ مُقَدَّرٌ بِأوْقاتٍ مَخْصُوصَةٍ، إلّا أنَّهُ تَعالى أجْمَلَ ذِكْرَ الأوْقاتِ هَهُنا وبَيَّنَها في سائِرِ الآياتِ، وهي خَمْسَةٌ:
أحَدُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الوُسْطى﴾ [البَقَرَةِ: ٢٣٨] . فَقَوْلُهُ: (الصَّلَواتِ) يَدُلُّ عَلى وُجُوبِ صَلَواتٍ ثَلاثَةٍ، وقَوْلُهُ ﴿والصَّلاةِ الوُسْطى﴾ يَمْنَعُ أنْ يَكُونَ أحَدَ تِلْكَ الثَّلاثَةِ وإلّا لَزِمَ التَّكْرارُ، فَلا بُدَّ وأنْ تَكُونَ زائِدَةً عَلى الثَّلاثَةِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الواجِبُ أرْبَعَةً، وإلّا لَمْ يَحْصُلْ فِيها وُسْطى، فَلا بُدَّ مِن جَعْلِها خَمْسَةً لِتَحْصُلَ الوُسْطى، وكَما دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى وُجُوبِ خَمْسِ صَلَواتٍ دَلَّتْ عَلى عَدَمِ وُجُوبِ الوَتْرِ، وإلّا لَصارَتِ الصَّلَواتُ الواجِبَةُ سِتَّةً، فَحِينَئِذٍ لا تَحْصُلُ الوُسْطى، فَهَذِهِ الآيَةُ دَلَّتْ عَلى أنَّ الواجِبَ خَمْسُ صَلَواتٍ، إلّا أنَّها غَيْرُ دالَّةٍ عَلى بَيانِ أوْقاتِها.
وثانِيها: قَوْلُهُ (p-٢٤)تَعالى: ﴿أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وقُرْآنَ الفَجْرِ﴾ [الإسْراءِ: ٧٨] . فالواجِبُ مِنَ الدُّلُوكِ إلى الغَسَقِ هو الظُّهْرُ والعَصْرُ، والواجِبُ مِنَ الغَسَقِ إلى الفَجْرِ هو المَغْرِبُ والعِشاءُ والواجِبُ في الفَجْرِ هو صَلاةُ الصُّبْحِ، وهَذِهِ الآيَةُ تُوهِمُ أنَّ لِلظُّهْرِ والعَصْرِ وقْتًا واحِدًا، ولِلْمَغْرِبِ والعِشاءِ وقْتًا واحِدًا.
وثالِثُها: قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الرُّومِ: ١٧] . والمُرادُ مِنهُ الصَّلاتانِ الواقِعَتانِ في طَرَفَيِ النَّهارِ، وهُما المَغْرِبُ والصُّبْحُ، ثُمَّ قالَ: ﴿ولَهُ الحَمْدُ في السَّماواتِ والأرْضِ وعَشِيًّا وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الرُّومِ: ١٨] . فَقَوْلُهُ: (وعَشِيًّا) المُرادُ مِنهُ الصَّلاةُ الواقِعَةُ في مَحْضِ اللَّيْلِ وهي صَلاةُ العِشاءِ، وقَوْلُهُ: ﴿وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ المُرادُ الصَّلاةُ الواقِعَةُ في مَحْضِ النَّهارِ، وهي صَلاةُ الظُّهْرِ، كَما قَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿حِينَ تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الرُّومِ: ١٧] صَلاةَ اللَّيْلِ عَلى صَلاةِ النَّهارِ في الذِّكْرِ، فَكَذَلِكَ قَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿وعَشِيًّا وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ صَلاةَ اللَّيْلِ عَلى صَلاةِ النَّهارِ في الذِّكْرِ، فَصارَتِ الصَّلَواتُ الأرْبَعَةُ مَذْكُورَةً في هَذِهِ الآيَةِ، وأمّا صَلاةُ العَصْرِ فَقَدْ أفْرَدَها اللَّهُ تَعالى بِالذِّكْرِ في قَوْلِهِ: (والعَصْرِ) [العصر: ١] . تَشْرِيفًا لَها بِالإفْرادِ بِالذِّكْرِ.
ورابِعُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هُودٍ: ١١٤] . فَقَوْلُهُ: ﴿طَرَفَيِ النَّهارِ﴾ يُفِيدُ وُجُوبَ صَلاةِ الصُّبْحِ، ووُجُوبَ صَلاةِ العَصْرِ؛ لِأنَّهُما كالواقِعَتَيْنِ عَلى الطَّرَفَيْنِ، وإنْ كانَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ واقِعَةً قَبْلَ حُدُوثِ الطَّرَفِ الأوَّلِ، وصَلاةُ العَصْرِ واقِعَةً قَبْلَ حُدُوثِ الطَّرَفِ الثّانِي.
وقَوْلُهُ: ﴿وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ يُفِيدُ وُجُوبَ المَغْرِبِ والعِشاءِ، وكانَ بَعْضُهم يَسْتَدِلُّ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى وُجُوبِ الوَتْرِ قالَ: لِأنَّ الزُّلَفَ جَمْعٌ، وأقَلُّهُ ثَلاثَةٌ، فَلا بُدَّ وأنْ يَجِبَ ثَلاثُ صَلَواتٍ في اللَّيْلِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ: ﴿وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ .
وخامِسُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِها ومِن آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ﴾ [طـه: ١٣٠ ] . فَقَوْلُهُ: ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِها﴾ [طه: ١٣٠] إشارَةٌ إلى الصُّبْحِ والعَصْرِ، وهو كَقَوْلِهِ: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾، وقَوْلُهُ: ﴿ومِن آناءِ اللَّيْلِ﴾ إشارَةٌ إلى المَغْرِبِ والعِشاءِ، وهو كَقَوْلِهِ: ﴿وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾، وكَما احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: ﴿وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ فَكَذَلِكَ احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿ومِن آناءِ اللَّيْلِ﴾؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: (آناءِ اللَّيْلِ) جَمْعٌ وأقَلُّهُ ثَلاثَةٌ، فَهَذا مَجْمُوعُ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى الأوْقاتِ الخَمْسَةِ لِلصَّلَواتِ الخَمْسِ.
واعْلَمْ أنَّ تَقْدِيرَ الصَّلَواتِ بِهَذِهِ الأوْقاتِ الخَمْسَةِ في نِهايَةِ الحُسْنِ والجَمالِ نَظَرًا إلى المَعْقُولِ، وبَيانُهُ أنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ مِن أحْوالِ هَذا العالَمِ مَراتِبَ خَمْسَةً:
أوَّلُها: مَرْتَبَةُ الحُدُوثِ والدُّخُولِ في الوُجُودِ، وهو كَما يُولَدُ الإنْسانُ، ويَبْقى في النُّشُوءِ والنَّماءِ إلى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وهَذِهِ المُدَّةُ تُسَمّى سِنَّ النُّشُوءِ والنَّماءِ.
والمَرْتَبَةُ الثّانِيَةُ: مُدَّةُ الوُقُوفِ، وهو أنْ يَبْقى ذَلِكَ الشَّيْءُ عَلى صِفَةِ كَمالِهِ مِن غَيْرِ زِيادَةٍ ولا نُقْصانٍ، وهَذِهِ المُدَّةُ تُسَمّى سِنَّ الشَّبابِ.
والمَرْتَبَةُ الثّالِثَةُ: مُدَّةُ الكُهُولَةِ، وهو أنْ يَظْهَرَ في الإنْسانِ نُقْصانٌ خَفِيٌّ، وهَذِهِ المُدَّةُ تُسَمّى سِنَّ الكُهُولَةِ.
والمَرْتَبَةُ الرّابِعَةُ: مُدَّةُ الشَّيْخُوخَةِ، وهو أنْ يَظْهَرَ في الإنْسانِ نُقْصاناتٌ ظاهِرَةٌ جَلِيَّةٌ إلى أنْ يَمُوتَ ويَهْلِكَ، وتُسَمّى هَذِهِ المُدَّةُ سِنَّ الشَّيْخُوخَةِ.
المَرْتَبَةُ الخامِسَةُ: أنْ تَبْقى آثارُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُدَّةً، ثُمَّ بِالآخِرَةِ تَنْمَحِي تِلْكَ الآثارُ وتَبْطُلُ وتَزُولُ، ولا يَبْقى مِنهُ في الدُّنْيا خَبَرٌ ولا أثَرٌ، فَهَذِهِ المَراتِبُ الخَمْسَةُ حاصِلَةٌ لِجَمِيعِ حَوادِثِ هَذا العالَمِ سَواءٌ كانَ إنْسانًا أوْ غَيْرَهُ مِنَ الحَيَواناتِ أوِ النَّباتاتِ، والشَّمْسُ حَصَلَ لَها بِحَسَبِ طُلُوعِها وغُرُوبِها هَذِهِ الأحْوالُ الخَمْسُ؛ وذَلِكَ لِأنَّها (p-٢٥)حِينَ تَطْلُعُ مِن مَشْرِقِها يُشْبِهُ حالُها حالَ المَوْلُودِ عِنْدَما يُولَدُ، ثُمَّ لا يَزالُ يَزْدادُ ارْتِفاعُها، ويَقْوى نُورُها، ويَشْتَدُّ حَرُّها إلى أنْ تَبْلُغَ إلى وسَطِ السَّماءِ، فَتَقِفَ هُناكَ ساعَةً، ثُمَّ تَنْحَدِرُ ويَظْهَرُ فِيها نُقْصاناتٌ خَفِيَّةٌ إلى وقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ مِن وقْتِ العَصْرِ يَظْهَرُ فِيها نُقْصاناتٌ ظاهِرَةٌ فَيَضْعُفُ ضَوْؤُها ويَضْعُفُ حَرُّها، ويَزْدادُ انْحِطاطُها وقُوَّتُها إلى الغُرُوبِ، ثُمَّ إذا غَرَبَتْ يَبْقى بَعْضُ آثارِها في أُفُقِ المَغْرِبِ وهو الشَّفَقُ، ثُمَّ تَنْمَحِي تِلْكَ الآثارُ، وتَصِيرُ الشَّمْسُ كَأنَّها ما كانَتْ مَوْجُودَةً في العالَمِ، فَلَمّا حَصَلَتْ هَذِهِ الأحْوالُ الخَمْسَةُ لَها وهي أُمُورٌ عَجِيبَةٌ لا يَقْدِرُ عَلَيْها إلّا اللَّهُ تَعالى، لا جَرَمَ أوَجَبَ اللَّهُ تَعالى عِنْدَ كُلِّ واحِدٍ مِن هَذِهِ الأحْوالِ الخَمْسَةِ لَها صَلاةً، فَأوْجَبَ عِنْدَ قُرْبِ الشَّمْسِ مِنَ الطُّلُوعِ صَلاةَ الفَجْرِ؛ شُكْرًا لِلنِّعْمَةِ العَظِيمَةِ الحاصِلَةِ بِسَبَبِ زَوالِ تِلْكَ الظُّلْمَةِ، وحُصُولِ النُّورِ، وبِسَبَبِ زَوالِ النَّوْمِ الَّذِي هو كالمَوْتِ، وحُصُولِ اليَقَظَةِ الَّتِي هي كالحَياةِ، ولَمّا وصَلَتِ الشَّمْسُ إلى غايَةِ الِارْتِفاعِ، ثُمَّ ظَهَرَ فِيها أثَرُ الِانْحِطاطِ أوْجَبَ صَلاةَ الظُّهْرِ؛ تَعْظِيمًا لِلْخالِقِ القادِرِ عَلى قَلْبِ أحْوالِ الأجْرامِ العُلْوِيَّةِ والسُّفْلِيَّةِ مِنَ الضِّدِّ إلى الضِّدِّ، فَجَعَلَ الشَّمْسَ بَعْدَ غايَةِ ارْتِفاعِها واسْتِعْلائِها مُنْحَطَّةً عَنْ ذَلِكَ العُلُوِّ، وآخِذَةً في سِنِّ الكُهُولَةِ، وهو النُّقْصانُ الخَفِيُّ، ثُمَّ لَمّا انْقَضَتْ مُدَّةُ الكُهُولَةِ، ودَخَلَتْ في أوَّلِ زَمانِ الشَّيْخُوخَةِ أوْجَبَ تَعالى صَلاةَ العَصْرِ.
ونِعْمَ ما قالَ الشّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنَّ أوَّلَ العَصْرِ هو أنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ مِن هَذا الوَقْتِ تَظْهَرُ النُّقْصاناتُ الظّاهِرَةُ، ألا تَرى أنَّ مِن أوَّلِ وقْتِ الظُّهْرِ إلى وقْتِ العَصْرِ عَلى قَوْلِ الشّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما ازْدادَ الظِّلُّ إلّا مِثْلُ الشَّيْءِ، ثُمَّ إنَّهُ في زَمانٍ لَطِيفٍ يَصِيرُ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ مِنَ الوَقْتِ الَّذِي يَصِيرُ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلًا لَهُ تَأْخُذُ الشَّمْسُ في النُّقْصاناتِ الظّاهِرَةِ، ثُمَّ إذا غَرَبَتِ الشَّمْسُ أشْبَهَتْ هَذِهِ الحالَةُ ما إذا ماتَ الإنْسانُ، فَلا جَرَمَ أوْجَبَ اللَّهُ تَعالى عِنْدَ هَذِهِ الحالَةِ صَلاةَ المَغْرِبِ، ثُمَّ لَمّا غَرَبَ الشَّفَقُ فَكَأنَّهُ انْمَحَتْ آثارُ الشَّمْسِ ولَمْ يَبْقَ مِنها في الدُّنْيا خَبَرٌ ولا أثَرٌ، فَلا جَرَمَ أوْجَبَ اللَّهُ تَعالى صَلاةَ العِشاءِ، فَثَبَتَ أنَّ إيجابَ الصَّلَواتِ الخَمْسِ في هَذِهِ الأوْقاتِ الخَمْسَةِ مُطابِقٌ لِلْقَوانِينِ العَقْلِيَّةِ والأُصُولِ الحِكْمِيَّةِ، واللَّهُ أعْلَمُ بِأسْرارِ أفْعالِهِ.
{"ayahs_start":102,"ayahs":["وَإِذَا كُنتَ فِیهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوۤا۟ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلۡیَكُونُوا۟ مِن وَرَاۤىِٕكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَاۤىِٕفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ یُصَلُّوا۟ فَلۡیُصَلُّوا۟ مَعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوا۟ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَیَمِیلُونَ عَلَیۡكُم مَّیۡلَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذࣰى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَن تَضَعُوۤا۟ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣰا مُّهِینࣰا","فَإِذَا قَضَیۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ كِتَـٰبࣰا مَّوۡقُوتࣰا"],"ayah":"وَإِذَا كُنتَ فِیهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوۤا۟ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلۡیَكُونُوا۟ مِن وَرَاۤىِٕكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَاۤىِٕفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ یُصَلُّوا۟ فَلۡیُصَلُّوا۟ مَعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوا۟ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَیَمِیلُونَ عَلَیۡكُم مَّیۡلَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذࣰى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَن تَضَعُوۤا۟ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣰا مُّهِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق