الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنهم مَعَكَ﴾ وهَذا خِطابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ أنْ يُصَلِّيَ في الخَوْفِ بِأصْحابِهِ. واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ فِيهِ هَلْ خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ؟ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ خاصٌّ لَهُ ولَيْسَ لِغَيْرِهِ مِن أُمَّتِهِ أنْ يُصَلِّيَ في الخَوْفِ كَصَلاتِهِ، لِأنَّ المُشْرِكِينَ عَزَمُوا عَلى الإيقاعِ بِالمُسْلِمِينَ إذا اشْتَغَلُوا بِصَلاتِهِمْ، فَأطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلى سَرائِرِهِمْ وأمَرَهُ بِالتَّحَرُّزِ مِنهم، فَكانَ ذَلِكَ سَبَبَ إسْلامِ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ، فَلِذَلِكَ صارَ هَذا خاصًّا لِلنَّبِيِّ ﷺ، وهَذا القَوْلُ مَحْكِيٌّ عَنْ أبِي يُوسُفَ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ ذَلِكَ عامٌّ لِلنَّبِيِّ ﷺ ولِغَيْرِهِ مِن أُمَّتِهِ إذا كانَ عَلى مِثْلِ حالِهِ في خَوْفِهِ، لِأنَّ ذِكْرَ السَّبَبِ الَّذِي هو الخَوْفُ يُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَيْهِ مَتى وُجِدَ كَما فَعَلَ الصَّحابَةُ بَعْدَهُ حِينَ خافُوا وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنهم مَعَكَ﴾ يَعْنِي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ في الصَّلاةِ، وطائِفَةٌ بِإزاءِ العَدُوِّ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَلْيَأْخُذُوا أسْلِحَتَهُمْ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ المَأْمُورِينَ بِأخْذِ السِّلاحِ هُمُ الَّذِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وهَذا قَوْلُ الشّافِعِيِّ. والثّانِي: هُمُ الَّذِينَ بِإزاءِ العَدُوِّ يَحْرُسُونَ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ. (p-٥٢٥) ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَإذا سَجَدُوا﴾ يَعْنِي فَإذا سَجَدَتِ الطّائِفَةُ الَّتِي مَعَكَ في الصَّلاةِ. ﴿فَلْيَكُونُوا مِن ورائِكُمْ﴾ يَعْنِي بِإزاءِ العَدُوِّ. واخْتَلَفُوا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن ورائِكُمْ﴾ هَلْ ذَلِكَ بَعْدَ فَراغِهِمْ مِنَ الصَّلاةِ وتَمامِها بِالرَّكْعَةِ الَّتِي أدْرَكُوها مَعَهُ؟ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: قَدْ تَمَّتْ بِالرَّكْعَةِ حَتّى يُصَلُّوا مَعَها بَعْدَ فَراغِ الإمامِ رَكْعَةً أُخْرى، وهَذا قَوْلُ مَن أوْجَبَ عَلَيْهِ الخَوْفَ رَكْعَتَيْنِ. وَمَن قالَ بِهَذا اخْتَلَفُوا هَلْ يُتِمُّونَ الرَّكْعَةَ الباقِيَةَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ وُقُوفِهِمْ بِإزاءِ العَدُوِّ أوْ بَعْدَهُ؟ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: قَبْلَ وُقُوفِهِمْ بِإزاءِ العَدُوِّ، وهو قَوْلُ الشّافِعِيِّ. والثّانِي: بَعْدَهُ وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ﴾ يُرِيدُ الطّائِفَةَ الَّتِي بِإزاءِ العَدُوِّ تَأْتِي فَتُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ، وتَمْضِي الطّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ فَتَقِفُ مَوْضِعَها بِإزاءِ العَدُوِّ. وَإذا صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الرَّكْعَةَ الباقِيَةَ عَلَيْهِ فَفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ ذَلِكَ فَرْضُها وتُسَلِّمُ بِسَلامِهِ، وهَذا قَوْلُ مَن جَعَلَ فَرْضَهُ في الخَوْفِ رَكْعَةً. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ عَلَيْها رَكْعَةً أُخْرى، وهَذا قَوْلُ مَن جَعَلَ فَرْضَهُ في الخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ كالأمْنِ، فَعَلى هَذا مَتى تُفارِقُهُ؟ فَعَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: قَبْلَ تَشَهُّدِهِ. والثّانِي: بَعْدَهُ، وقَدْ رَوى القَوْلَيْنِ مَعًا سَهْلُ بْنُ أبِي حَثْمَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. (p-٥٢٦) وَهَلْ تُتِمُّ رَكْعَتَها الباقِيَةَ قَبْلَ وُقُوفِها بِإزاءِ العَدُوِّ؟ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: تُتِمُّها قَبْلَ الوُقُوفِ بِإزائِهِ، وهو قَوْلُ الشّافِعِيِّ. والثّانِي: تَقِفُ بِإزائِهِ قَبْلَ إتْمامِها حَتّى إذا أتَمَّتِ الطّائِفَةُ الأُولى رَكْعَتَها عادَتْ فَوَقَفَتْ بِإزاءِ العَدُوِّ، ثُمَّ خَرَجَتْ هَذِهِ فَأتَمَّتْ رَكْعَتَها، وهَذا قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ. وَهَذِهِ الصَّلاةُ هي نَحْوُ صَلاةِ النَّبِيِّ ﷺ بِذاتِ الرِّقاعِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب