الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾ سَبَبُ نُزُولِها: «أنَّ المُشْرِكِينَ لَمّا رَأوُا النَّبِيَّ ﷺ، وأصْحابَهُ قَدْ صَلُّوُا الظُّهْرَ، نَدِمُوا إذْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ، فَقالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: دَعُوهم فَإنَّ لَهم صَلاةً هي أحَبُّ إلَيْهِمْ مِن آَبائِهِمْ وأبْنائِهِمْ، يَعْنُونَ العَصْرَ، فَإذا قامُوا فَشَدُّوا عَلَيْهِمْ، فَلَمّا قامُوا إلى صَلاةِ العَصْرِ، نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الآَيَةِ.» رَواهُ أبُو صالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا كُنْتَ فِيهِمْ﴾ خِطابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، ولا يَدُلُّ عَلى أنَّ الحُكْمَ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ، فَهو كَقَوْلِهِ: ﴿خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً﴾ [التَّوْبَةِ: ١٠٣] وقالَ أبُو يُوسُفَ: لا تَجُوزُ صَلاةُ الخَوْفِ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ، والهاءُ والمِيمُ مِن "فِيهِمْ" تَعُودُ عَلى الضّارِبِينَ في الأرْضِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾ أيِ: ابْتَدَأْتُها، ﴿فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنهم مَعَكَ﴾ أيْ: لِتَقِفَ. ومِثْلُهُ ﴿وَإذا أظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا﴾ [البَقَرَةِ: ٢٠] . ﴿وَلْيَأْخُذُوا أسْلِحَتَهُمْ﴾ فِيهِمْ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُمُ الباقُونَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُمُ المُصَلُّونَ مَعَهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. قالَ: وهَذا السِّلاحُ كالسَّيْفِ، يَتَقَلَّدُهُ الإنْسانُ، والخِنْجَرُ يَشُدُّهُ إلى ذِراعِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا سَجَدُوا﴾ يَعْنِي: المُصَلِّينَ مَعَهُ (فَلْيَكُونُوا) في المُشارِ إلَيْها قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهم طائِفَةُ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، أمَرَتْ أنْ تَحْرُسَ الطّائِفَةَ المُصَلِّيَةَ، (p-١٨٦)وَهَذا مَعْنى قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُمُ المُصَلُّونَ مَعَهُ أمَرُوا إذا سَجَدُوا أنْ يَنْصَرِفُوا إلى الحَرَسِ. واخْتَلَفَ العُلَماءُ كَيْفَ يَنْصَرِفُونَ بَعْدَ السُّجُودِ، فَقالَ قَوْمٌ: إذا أتَمُّوا مَعَ الإمامِ رَكْعَةً أتَمُّوا لِأنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا، وانْصَرَفُوا، وقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهم. وَقالَ آَخَرُونَ: يَنْصَرِفُونَ عَنْ رَكْعَةٍ، واخْتَلَفَ هَؤُلاءِ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: إذا صَلَّوْا مَعَ الإمامِ رَكْعَةً وسَلَّمُوا، فَهي تُجْزِئُهم. وقالَ آَخَرُونَ مِنهم أبُو حَنِيفَةَ: بَلْ يَنْصَرِفُونَ عَنْ تِلْكَ الرَّكْعَةِ إلى الحَرَسِ وهم عَلى صَلاتِهِمْ، فَيَكُونُونَ في وجْهِ العَدُوِّ مَكانَ الطّائِفَةِ الأُخْرى الَّتِي لَمْ تُصَلِّ وتَأْتِي تِلْكَ الطّائِفَةُ. واخْتَلَفُوا في الطّائِفَةِ الأُخْرى، فَقالَ قَوْمٌ: إذا صَلّى بِهِمُ الإمامُ أطالَ التَّشَهُّدَ حَتّى يَقْضُوا الرَّكْعَةَ الفائِتَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِها، وقالَ آَخَرُونَ: بَلْ يُسَلِّمُ هو عِنْدَ فَراغِهِ مِنَ الصَّلاةِ بِهِمْ، فَإذا سَلَّمَ قَضَوْا ما فاتَهم. وقالَ آَخَرُونَ: بَلْ يُصَلِّي بِالطّائِفَةِ الثّانِيَةِ رَكْعَةً، ويُسَلِّمُ هو، ولا تُسَلِّمُ هي، بَلْ تَرْجِعُ إلى وجْهِ العَدُوِّ، ثُمَّ تَجِيءُ الأُولى، فَتَقْضِي ما بَقِيَ مِن صَلاتِها وتُسَلِّمُ، وتَمْضِي وتَجِيءُ الأُخْرى، فَتُتِمُّ صَلاتُها، وهَذا مَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ. (p-١٨٧)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهم وأسْلِحَتَهُمْ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُرِيدُ الَّذِينَ صَلَّوْا أوَّلًا. وقالَ الزَّجّاجُ: يَجُوزُ أنْ يُرِيدَ بِهِ الَّذِينَ وِجاهَ العَدُوِّ، لِأنَّ المُصَلِّيَ غَيْرُ مُقاتِلٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الجَماعَةُ أمَرُوا بِحَمْلِ السِّلاحِ، لِأنَّهُ أرْهِبُ لِلْعَدُوِّ، وأحْرى أنْ لا يُقْدِمُوا عَلَيْهِمْ. و "الجُناحُ" الإثْمُ، وهو مِن: جَنَحْتُ: إذا عَدَلْتُ عَنِ المَكانِ، وأخَذَتُ جانِبًا عَنِ القَصْدِ. والمَعْنى: أنَّكم إذا وضَعْتُمْ أسْلِحَتَكم، لَمْ تَعْدِلُوا عَنِ الحَقِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ كانَ بِكم أذًى مِن مَطَرٍ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: رُخِّصَ لَهم في وضْعِ الأسْلِحَةِ لِثِقَلِها عَلى المَرِيضِ وفي المَطَرِ، وقالَ: خُذُوا حِذْرَكم كَيْ لا يَتَغَفَّلُوكم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب