الباحث القرآني

(p-94)﴿وَإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾ تَعَلَّقَ بِمَفْهُومِهِ مَن خَصَّ صَلاةَ الخَوْفِ بِحَضْرَةِ الرَّسُولِ ﷺ لِفَضْلِ الجَماعَةِ، وعامَّةُ الفُقَهاءِ عَلى أنَّهُ تَعالى عَلَّمَ الرَّسُولَ ﷺ كَيْفِيَّتَها لِيَأْتَمَّ بِهِ الأئِمَّةُ بَعْدَهُ فَإنَّهم نُوّابٌ عَنْهُ فَيَكُونُ حُضُورُهم كَحُضُورِهِ. ﴿فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنهم مَعَكَ﴾ فاجْعَلْهم طائِفَتَيْنِ فَلْتَقُمْ إحْداهُما مَعَكَ يُصَلُّونَ وتَقُومُ الطّائِفَةُ الأُخْرى تُجاهَ العَدُوِّ. ﴿وَلْيَأْخُذُوا أسْلِحَتَهُمْ﴾ أيِ المُصَلُّونَ حَزْمًا. وقِيلَ الضَّمِيرُ لِلطّائِفَةِ الأُخْرى، وذِكْرُ الطّائِفَةِ الأُولى يَدُلُّ عَلَيْهِمْ. ﴿فَإذا سَجَدُوا﴾ يَعْنِي المُصَلِّينَ. ﴿فَلْيَكُونُوا﴾ أيْ غَيْرُ المُصَلِّينَ. ﴿مِن ورائِكُمْ﴾ يَحْرُسُونَكم يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ ومَن يُصَلِّي مَعَهُ، فَغَلَبَ المُخاطَبُ عَلى الغالِبِ. ﴿وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا﴾ لِاشْتِغالِهِمْ بِالحِراسَةِ. ﴿فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ﴾ ظاهِرُهُ يَدُلُّ عَلى أنَّ الإمامَ يُصَلِّي مَرَّتَيْنِ بِكُلِّ طائِفَةٍ مَرَّةً كَما فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَطْنِ نَخْلٍ، وإنْ أُرِيدَ بِهِ أنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ رَكْعَةٍ إنْ كانَتِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ فَكَيْفِيَّتُهُ أنْ يُصَلِّيَ بِالأُولى رَكْعَةً ويَنْتَظِرَ قائِمًا حَتّى يُتِمُّوا صَلاتَهم مُنْفَرِدِينَ ويَذْهَبُوا إلى وجْهِ العَدُوِّ، وتَأْتِيَ الأُخْرى فَيُتِمُّ بِهِمُ الرَّكْعَةَ الثّانِيَةَ. ثُمَّ يَنْتَظِرُ قاعِدًا حَتّى يُتِمُّوا صَلاتَهم ويُسَلِّمُوا بِهِمْ كَما فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذاتِ الرِّقاعِ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: يُصَلِّي بِالأُولى رَكْعَةً ثُمَّ تَذْهَبُ هَذِهِ وتَقِفُ بِإزاءِ العَدُوِّ وتَأْتِي الأُخْرى فَتُصَلِّي مَعَهُ رَكْعَةً، ويُتِمُّ صَلاتَهُ ثُمَّ تَعُودُ إلى وجْهِ العَدُوِّ، وتَأْتِي الأُولى فَتُؤَدِّي الرَّكْعَةَ الثّانِيَةَ بِغَيْرِ قِراءَةٍ وتُتِمُّ صَلاتَها ثُمَّ تَعُودُ وتَأْتِي الأُخْرى فَتُؤَدِّي الرَّكْعَةَ بِقِراءَةٍ وتُتِمُّ صَلاتَها. ﴿وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهم وأسْلِحَتَهُمْ﴾ جُعِلَ الحَذَرُ آلَةً يَتَحَصَّنُ بِها في المَغازِي فَجَمَعَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الأسْلِحَةِ في وُجُوبِ الأخْذِ ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ﴾، ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أسْلِحَتِكم وأمْتِعَتِكم فَيَمِيلُونَ عَلَيْكم مَيْلَةً واحِدَةً﴾ تَمَنَّوْا أنْ يَنالُوا مِنكم غِرَّةً في صَلاتِكم فَيَشُدُّونَ عَلَيْكم شَدَّةً واحِدَةً، وهو بَيانُ ما لِأجْلِهِ أُمِرُوا بِأخْذِ الحَذَرِ والسِّلاحِ. ﴿وَلا جُناحَ عَلَيْكم إنْ كانَ بِكم أذًى مِن مَطَرٍ أوْ كُنْتُمْ مَرْضى أنْ تَضَعُوا أسْلِحَتَكُمْ﴾ رُخْصَةً لَهم في وضْعِها إذا ثَقُلَ عَلَيْهِمْ أخْذُها بِسَبَبِ مَطَرٍ أوْ مَرَضٍ، وهَذا مِمّا يُؤَيِّدُ أنَّ الأمْرَ بِالأخْذِ لِلْوُجُوبِ دُونَ الِاسْتِحْبابِ. ﴿وَخُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ أمَرَهم مَعَ ذَلِكَ بِأخْذِ الحَذَرِ كَيْ لا يَهْجُمَ عَلَيْهِمُ العَدُوُّ. ﴿إنَّ اللَّهَ أعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا﴾ وعْدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ عَلى الكُفّارِ بَعْدَ الأمْرِ بِالحَزْمِ لِتَقْوى قُلُوبُهم ولِيَعْلَمُوا أنَّ الأمْرَ بِالحَزْمِ لَيْسَ لِضَعْفِهِمْ وغَلَبَةِ عَدُوِّهِمْ، بَلْ لِأنَّ الواجِبَ أنْ يُحافِظُوا في الأُمُورِ عَلى مَراسِمِ التَّيَقُّظِ والتَّدَبُّرِ فَيَتَوَكَّلُوا عَلى اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب