الباحث القرآني
* [فصل هل تصح صلاة من صلى وحده وهو يقدر على الصلاة جماعة أم لا؟]
فهذه المسألة مبينة على أصلين: أحدهما أن صلاة الجماعة فرض أم سنة؟ وإذا قلنا هي فرض فهل هي شرط لصحة الصلاة أم تصح بدونها مع عصيان تاركها؟ فهاتان مسألتان:
أما المسألة الأولى: فاختلف الفقهاء فيها فقال بوجوبها عطاء بن أبي رباح والحسن البصري وأبو عمر الأوزاعي وأبو ثور والإمام أحمد في ظاهر مذهبه ونص عليه الشافعي في مختصر المزني، فقال: وأما الجماعة فلا أرخص في تركها إلا من عذر، وقال ابن المنذر في كتاب الأوسط: ذكر حضور الجماعة على العميان، وإن بعدت منازلهم عن المسجد. ويدل على ذلك أن شهود الجماعة فرض لا ندب، ثم ذكر حديث ابن أم مكتوم أنه قال: يا رسول الله إن بيني وبين المسجد نخلا وشجرا فهل يسعني أن أصلي في بيتي قال: "تسمع الإقامة". قال: نعم. قال: "فأتها".
قال ابن المنذر: ذكر تخويف النفاق على تارك شهود العشاء والصبح في جماعة، ثم قال في أثناء الباب: فدلت الأخبار التي ذكرت على وجوب فرض الجماعة على من لا عذر له، فمما دل عليه قوله لابن أم مكتوم وهو ضرير: "لا أجد لك رخصة".
فإذا كان الأعمى لا رخصة له فالبصير أولى أن لا تكون له رخصة.
قال: وفي اهتمامه ﷺ بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة، إذ غير جائز أن يتهدد رسول الله ﷺ من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض.
قال: ويؤيده حديث أبي هريرة أن رجلا خرج من المسجد بعدما أذن المؤذن فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم ﷺ، ولو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة وإتيانها لم يجز أن يعصي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره، وإنما لما أمر الله جل ذكره بالجماعة في حال الخوف دل على أن ذلك في حال الأمن أوجب، والأخبار المذكورة في أبواب الرخصة في التخلف عن الجماعة لأصحاب الأعذار تدل على فرض الجماعة على من لا عذر له، ولو كان حال العذر وغير حال العذر سواء لم يكن للترخيص في التخلف عنها في أبواب العذر معنى، ودل على تأكيد فرض الجماعة قوله ﷺ: "من يسمع النداء فلم يجب فلا صلاة له".
ثم ساق الحديث في ذلك ثم قال: وقال الشافعي ذكر الله الأذان بالصلاة، فقال: ﴿وَإذا نادَيْتُمْ إلى الصَّلاةِ﴾. وقال تعالى: ﴿إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسَعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾.
وسن رسول الله ﷺ الأذان للصلوات المكتوبات فأشبه ما وصفت أن لا يحل أن تصلي كل مكتوبة إلا في جماعة حتى لا يخلو جماعة مقيمون أو مسافرون من أن يصلي بهم صلاة جماعة فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر وإن تخلف أحد فصلاها منفردا لم تكن عليه إعادتها صلاها قبل الإمام أو بعده إلا صلاة الجمعة فإن من صلاها ظهرا قبل صلاة الإمام كان عليه إعادتها لأن إتيانها فرض هذا كله لفظ ابن المنذر، وقالت الحنفية والمالكية: هي سنة مؤكدة ولكنهم يؤثمون تارك السنن المؤكدة ويصححون الصلاة بدونه، والخلاف بينهم وبين من قال أنها واجبة لفظي. وكذلك صرح بعضهم بالوجوب، قال الموجبون: قال الله تعالى: ﴿وَإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنهم مَعَكَ ولْيَأْخُذُوا أسْلِحَتَهم فَإذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن ورائِكم ولْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ﴾.
ووجه الاستدلال بالآية من وجوه:
أحدها أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة، ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقوله: ﴿وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ﴾.
وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، ولو كانت الجماعة سنة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى، ففي الآية دليل على وجوبها على الأعيان، فهذه على ثلاثة أوجه أمره بها أولا ثم أمره بها ثانيا وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف.
* (فائدة)
استُدِل على وجوب الجماعة بأن الجمع بين الصلاتين شرع في المطر لأجل تحصيل الجماعة مع أن إحدى الصلاتين قد وقعت خارج الوقت، والوقت واجب فلم لم تكن الجماعة واجبة لما ترك لها الوقت الواجب.
اعترض على ذلك بأن الواجب قد يسقط لغير الواجب بك لغير المستحب فإن شطر الصلاة يسقط لسفر الفرجة والتجارة ويسقط غسل الرجلين لأجل لبس الخف وغايته أن يكون مباحا.
وهذا الاعتراض فاسد فإن فرض المسافر ركعتين قلم يسقط الواجب لغير الواجب وأيضا فإنه لا محذور في سقوط الواجب لأجل المباح وليس الكلام في ذلك، وإنما المستحيل أن يراعى في العبادة أمر مستحب يتضمن فوات الواجب فهذا هو الذي لا عهد لنا في الشريعة بمثله ألبتة، وبذلك خرج الجواب عن سقوط غسل الرجلين لأجل الخف.
واستدل على وجوبها بأن الله تعالى أمر بها في صلاة الخوف التي هي محل التخفيف وسقوط ما لا يسقط في غيرها واحتمال ما لا يحتمل في غيرها فما الظن بصلاة الآمن المقيم.
فاعترض على ذلك بأن المقصود الاجتماع في صلاة الخوف فقصد اجتماع المسلمين وإظهار طاعتهم وتعظيم شعار دينهم ولا سيما حيث كانوا مع النبي ﷺ فكان المقصود أن يظهروا للعدو طاعة المسلمين له وتعظيمهم لشأنه حتى أنهم في حال الخوف الذي لا يبقى أحد مع أحد يتبعونه ولا يتفرقون عنه ولا يفارقونه بحال وهذا كما جرى لهم في عمرة القضاء معه حتى قال عروة بن مسعود:
"لقد وفدت على الملوك كسرى وقيصر فلم أر ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم محمدا أصحابه"
والذي يدل على هذا أنا رأينا الجماعة تسقط عند المطر الذي يبل النعال فكان منادي رسول الله ﷺ ينادي
"ألا صلوا في رحالكم "
والجمعة تسقط بخشية فوات الخبز الذي في التنور مع كون الجماعة شرطا فيها وتسقط خشية مصادفة غريم يؤذيه ومعلوم أن عذر الحرب ومواقفة الكفار أعظم من هذا كله ومع هذا فأقيم شعارها في تلك الحال فدل على أن المقصود ما ذكرنا.
قلت ونحن لا ننكر أن هذا مقصود أيضا مضموم إلى مقصود الجماعة فلا منافاة بينه وبين وجوب الجماعة بل إذا كان هذا أمرا مطلوبا فهو من أدل الدلائل على وجوب الجماعة في تلك الحال ومع أن هذا مقصود أيضا في اجتماع المسلمين في الصلاة وراء إمامهم وأسباب العبادات التي شرعت تلك العبادات بل تلك العبادات تستقر وتدوم وإن زالت أسباب مشروعيتها وهذا كالرمل في الطواف والسعي بين الصفا والمروة.
{"ayah":"وَإِذَا كُنتَ فِیهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوۤا۟ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلۡیَكُونُوا۟ مِن وَرَاۤىِٕكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَاۤىِٕفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ یُصَلُّوا۟ فَلۡیُصَلُّوا۟ مَعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوا۟ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَیَمِیلُونَ عَلَیۡكُم مَّیۡلَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذࣰى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَن تَضَعُوۤا۟ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣰا مُّهِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق