الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وإذا كنت في الضاربين في الأرض من أصحابك، يا محمد، الخائفين عدوهم أن يفتنهم="فأقمت لهم الصلاة"، يقول: فأقمت لهم الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها، ولم تقصرها القصر الذي أبحت لهم أن يقصروها في حال تلاقيهم وعدوَّهم وتزاحف بعضهم على بعض، من ترك إقامة حدودها وركوعها وسجودها وسائر فروضها="فلتقم طائفة منهم معك"، يعني: فلتقم فرقة من أصحابك الذين تكون أنت فيهم معك في صلاتك [[انظر تفسير"طائفة" فيما سلف ٦: ٥٠٠، ٥٠٦.]] = وليكن سائرهم في وجوه العدو.
= وترك ذِكر ما ينبغي لسائر الطوائف غير المصلِّية مع النبي ﷺ أن يفعله، لدلالة الكلام المذكور على المراد به، والاستغناءِ بما ذكر عما ترك ذكره="وليأخذوا أسلحتهم".
واختلف أهل التأويل في الطائفة المأمورة بأخذ السلاح.
فقال بعضهم: هي الطائفة التي كانت تصلي مع النبي ﷺ. [[في المطبوعة: "مع رسول الله" وأثبت ما في المخطوطة.]] قال: ومعنى الكلام:"وليأخذوا"، يقول: ولتأخذ الطائفة المصلَية معك من طوائفهم="أسلحتهم"، والسلاح الذي أمروا بأخذه عندهم في صلاتهم، كالسيف يتقلَّده أحدهم، والسكين، والخنجر يشدُّه إلى درعه وثيابه التي هي عليه، ونحو ذلك من سلاحه.
* * *
وقال آخرون: بل الطائفة المأمورة بأخذ السلاح منهم: الطائفةُ التي كانت بإزاء العدوِّ، دون المصلية مع رسول الله ﷺ. وذلك قول ابن عباس.
١٠٣٤٤- حدثني بذلك المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"فإذا سجدوا"، يقول: فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك في صلاتك تصلِّي بصلاتك ففرغت من سجودها="فليكونوا من ورائكم"، يقول: فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم خلفكم مُصَافيِّ العدوِّ في المكان الذي فيه سائر الطوائف التي لم تصلِّ معك، ولم تدخل معك في صلاتك.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم".
فقال بعضهم: تأويله: فإذا صلَّوْا ففرغوا من صلاتهم، فليكونوا من ورائكم.
* * *
ثم اختلف أهل هذه المقالة.
فقال بعضهم: إذا صلت هذه الطائفة مع الإمام ركعة، سلمت وانصرفت من صلاتها، حتى تأتي مقامَ أصحابها بإزاء العدوّ، ولا قضاء عليها. وقالوا: هم الذين عنى الله بقوله: [[في المطبوعة والمخطوطة: "وهم الذين قالوا عنى الله بقوله"، أخر"قالوا" عن مكانها، وكأنه من فعل الناسخ، فرددتها إلى سياق الكلام، في أوله.]] "فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة"، أن تجعلوها -إذا خفتم الذين كفروا أن يفتنوكم- ركعة [[السياق: "أن تجعلوها ... ركعة"، تفسيرًا لقوله"أن تقصروا من الصلاة".]] ورووا عن النبيّ ﷺ أنه صلى بطائفةٍ صلاة الخوف ركعة، ولم يقضوا، وبطائفة أخرى ركعة ولم يقضوا.
وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى، وفيما ذكرنا كفاية عن استيعاب ذكر جميع ما فيه.
* * *
وقال آخرون منهم: بل الواجب كان على هذه الطائفة= التي أمرَها الله بالقيام مع نبيِّها إذا أراد إقامة الصلاة بهم في حال خوف العدو، وإذا فرغت من ركعتها التي أمرها الله أن تصلي مع النبي ﷺ على ما أمرها به في كتابه= [[السياق"بل الواجب كان على هذه الطائفة ... أن تقوم في مقامها".]] أن تقوم في مقامها الذي صلّت فيه مع رسول الله ﷺ، فتصلي لأنفسها بقية صلاتها وتسلّم، وتأتي مصافّ أصحابها، وكان على النبي ﷺ أن يثبُت قائمًا في مقامه حتى تفرغ الطائفة التي صلّت معه الركعة الأولى من بقية صلاتها، إذا كانت صلاتها التي صلّت معه مما يجوز قصرُ عددها عن الواجب الذي على المقيمين في أمن، وتذهب إلى مصاف أصحابها، وتأتي الطائفة الأخرى التي كانت مصافَّةً عدوَّها، فيصلي بها ركعة أخرى من صلاتها.
* * *
ثم هم في حكم هذه الطائفة الثانية مختلفون.
فقالت فرقة من أهل هذه المقالة: كان على النبي ﷺ إذا فرغ من ركعتيه ورَفع رأسه من سجوده من ركعته الثانية، أن يقعد للتشهد، وعلى الطائفة التي صلت معه الركعة الثانية ولم تدرك معه الركعة الأولى لاشتغالها بعدوّها، أن تقوم فتقضي ركعتها الفائتة مع النبي ﷺ. وعلى النبي ﷺ انتظارها قاعدًا في تشهُّده حتى تفرغ هذه الطائفة من ركعتها الفائتة وتتشهد، ثم يسلم بهم.
* * *
وقالت فرقة أخرى منهم: بل كان الواجب على الطائفة التي لم تدرك معه الركعة الأولى إذا قعدَ النبي ﷺ للتشهد، أن تقعد معه للتشهد فتتشهد بتشهده. فإذا فرغ النبي ﷺ من تشهده سلم. [[في المخطوطة: "بل كان الواجب على الطائفة التي لم تدرك معه الركعة الأولى إذا قعد النبي ﷺ من تشهده سلم، ثم قامت الطائفة التي صلت معه الركعة الثانية ... "، سقط من الناسخ ما هو ثابت في المطبوعة، وهو الصواب إن شاء الله.]] ثم قامت الطائفة التي صلت معه الركعة الثانية حينئذ فقضت ركعتها الفائتة. وكل قائلٍ من الذين ذكرنا قولهم، روَى عن رسول الله ﷺ أخبارًا بأنه كما قال فَعَل.
* * *
ذكر من قال: انتظر النبي ﷺ الطائفتين حتى قضت [كل طائفة] صلاتها، ولم يخرج من صلاته إلا بعد فراغ الطائفتين من صلاتهما. [[في المخطوطة: "حتى قضت صلاتها"، وفي المطبوعة: "حتى قضت صلاتهما" بالتثنية، أراد أن يصحح سياق المخطوطة فأساء، ووضعت ما بين القوسين اجتهادًا حتى يستقيم الكلام.]]
١٠٣٤٥- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوّات، عمن صلى مع النبي ﷺ صلاة الخوف يوم ذاتِ الرِّقاع: أن طائفة صفّت معه، [[في المطبوعة: "أن طائفة صفت مع رسول الله ﷺ"، وأثبت ما في المخطوطة.]] وطائفة وجاه العدو. [["وجاه" (بكسر الواو وضمها) و"تجاه" (بكسر التاء وضمها) : أي حذاء العدو من تلقاء وجهه. وبجميع هذه الوجوه، روي هذا الخبر.]] فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائمًا فأتموا لأنفسهم. ثم جاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم، ثم ثبت جالسًا فأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم. [[الأثر: ١٠٣٤٥ -"يزيد بن رومان الأسدي" أبو روح المدني، من شيوخ مالك، كان عالمًا كثير الحديث ثقة.
و"صالح بن خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري"، روى عن أبيه وخاله سهل بن أبي حثمة، وهو تابعي ثقة قليل الحديث. روى له الجماعة حديث صلاة الخوف. مترجم في الكبير ٢ / ٢ / ٢٧٧.
و"سهل بن أبي حثمة الأنصاري"، له صحبة، مات رسول الله وهو ابن ثمان سنين، وقد حفظ عنه. قال الحافظ في التهذيب: "قال ابن أبي حاتم. عن أبيه، بايع تحت الشجرة، وشهد المشاهد كلها إلا بدرًا، وكان دليل النبي ﷺ ليلة أحد. قال ابن أبي حاتم: سمعت رجلا من ولده سأله أبي عن ذلك وأخبره به".
قلت: ولم أجد في الجرح والتعديل ترجمة"سهل"، ولا قول ابن أبي حاتم.
ثم قال الحافظ: "وقال ابن القطان: قول أبي حاتم لا يصح عندهم البتة، والغلط الذي فيه من هذا الرجل الذي لا يدرى من هو. وإنما الذي بعثه النبي ﷺ خارصًا، أبوه أبو حثمة، وهو الذي كان دليل النبي ﷺ إلى أحد، كذا ذكره ابن جرير وغيره".
و"سهل بن أبي حثمة"، مترجم في التهذيب، وفي الكبير ٢ / ٢ / ٩٨، وقد مضى ذكره برقم: ٩١٧٩.
وهذا حديث صحيح، رواه مالك في الموطأ: ١٨٣، والشافعي في الرسالة رقم: ٥٠٩، ٦٧٧، وفي الأم ١: ١٨٦، والبخاري (الفتح ٧: ٣٢٥) ، والبخاري في التاريخ الكبير ٢ / ٢ / ٢٧٧، ومسلم ٦: ١٢٨، وأبو داود في سننه ٢: ١٨، رقم: ١٢٣٨، والنسائي ٣: ١٧١، والترمذي ٢: ٤٥٦ (شرح أخي السيد أحمد) ، والطحاوي في معاني الآثار ١: ١٨٤، والبيهقي في سننه ٣: ٢٥٢، وانظر ما كتبه أخي السيد أحمد في شرح الترمذي، وشرح رسالة الشافعي. والجصاص في أحكام القرآن ٢: ٢٥٩، ٢٦٠.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ٧: ٣٢٦: "قوله: عمن شهد مع رسول الله ﷺ يوم ذات الرقاع صلاة الخوف= قيل: إن اسم هذا المبهم، سهل بن أبي حثمة، لأن القاسم بن محمد، روى حديث صلاة الخوف عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة. وهذا هو الظاهر من رواية البخاري، ولكن الراجح أنه أبوه"خوات بن جبير"، لأن أبا أويس روى هذا الحديث عن يزيد بن رومان شيخ مالك فيه، فقال: عن صالح بن خوات، عن أبيه أخرجه ابن مندة في معرفة الصحابة من طريقه. وكذلك أخرجه البيهقي (٣: ٢٥٣) من طريق عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن أبيه. وجزم النووي في تهذيبه بأنه خوات بن جبير، وقال: إنه محقق من رواية مسلم وغيره".
وقد أجاد الحافظ في بيان هذا بعد ذلك في الفتح (٧: ٣٢٩) ، ودل على أن سهل بن أبي حثمة كان صغيرًا في زمن رسول الله ﷺ، وأن رسول الله قبض وهو ابن ثمان سنين، فأيد بذلك أن المراد بقوله: "عمن صلى مع النبي ﷺ" هو خوات بن جبير، لا سهل بن أبي حثمة.]]
١٠٣٤٦- حدثني محمد بن المثنى قال، حدثني عبيد الله بن معاذ قال، حدثنا أبي قال، حدثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة قال: صلى النبي ﷺ بأصحابه في خوف، فجعلهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة ثم قام، فلم يزل قائمًا حتى صلى الذين خلفه ركعة، ثم تقدموا وتخلّف الذين كانوا قُدَّامهم، فصلى بهم ركعة، ثم جلس حتى صلى الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم. [[الأثر: ١٠٣٤٦ - حديث سهل بن أبي حثمة، من طريق شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم، هذا والذي يليه، رواه أحمد في المسند ٤: ٤٤٨، والبخاري في الفتح (٧: ٣٢٩) ومسلم ٦: ١٢٨، والبيهقي في السنن ٣: ٢٥٣، ٢٥٤. وانظر التعليق على الأثر السالف، والأثر التالي رقم: ١٠٣٥١.]]
١٠٣٤٧- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا روح قال، حدثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خوّات، عن سهل بن أبي حثمة، عن رسول الله ﷺ أنه قال في صلاة الخوف: تقوم طائفة بين يدي الإمام وطائفة خلفه، فيصلي بالذين خلفه ركعة وسجدتين، ثم يقعد مكانه حتى يقضوا ركعة وسجدتين، ثم يتحولون إلى مكان أصحابهم. ثم يتحول أولئك إلى مكان هؤلاء، فيصلي بهم ركعة وسجدتين، ثم يقعد مكانه حتى يصلوا ركعة وسجدتين، ثم يسلم. [[الأثر: ١٠٣٤٧ - مكرر الذي قبله. رواه أحمد في المسند ٤: ٤٤٨، والبخاري في التاريخ الكبير ٢ / ٢ / ٢٧٧. وهذا هو الحديث المرفوع الذي سيشير إليه في رقم: ١٠٣٥١.]]
* * *
ذكر من قال:"كانت الطائفة الثانية تقعد مع النبي ﷺ حتى يفرغ النبي ﷺ من صلاته، ثم تقضي ما بقي عليه وسلم عليها بعدُ".
١٠٣٤٨- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم قال: حدثني صالح بن خوّات بن جبير: أن سهل بن أبي حثمة حدّثه: أن صلاة الخوف: أن يقوم الإمام إلى القبلة يصلّي ومعه طائفة من أصحابه، وطائفة أخرى مواجهة العدو، فيصلي. فيركع الإمام بالذين معه ويسجد، ثم يقوم، فإذا استوى قائمًا ركع الذين وراءه لأنفسهم ركعة وسجدتين، ثم سلموا فانصرفوا، والإمام قائم، فقاموا إزاء العدوّ، وأقبل الآخرون فكبروا مكان الإمام، فركع بهم الإمام وسجد ثم سلم، فقاموا فركعوا لأنفسهم ركعة وسجدتين، ثم سلموا. [[الأثران: ١٠٣٤٨، ١٠٣٤٩ - رواه مالك في الموطأ: ١٨٣، والبخاري (الفتح ٧: ٣٢٨) ، وأبو داود في سننه ٢: ١٨ رقم: ١٢٣٩.]]
١٠٣٤٩- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد: أن صالح بن خوّات أخبره، عن سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف، ثم ذكر نحوه. [[الأثران: ١٠٣٤٨، ١٠٣٤٩ - رواه مالك في الموطأ: ١٨٣، والبخاري (الفتح ٧: ٣٢٨) ، وأبو داود في سننه ٢: ١٨ رقم: ١٢٣٩.]]
١٠٣٥٠- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد وسأله قال، حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن صالح، عن سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف قال: يقوم الإمام مستقبل القبلة، وتقوم طائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو وجوههم إلى العدو، فيركع بهم ركعة، ثم يركعون لأنفسهم ويسجدون سجدتين في مكانهم، ويذهبون إلى مقام أولئك، ويجيء أولئك فيركع بهم ركعة ويسجد سجدتين، فهي له ركعتان ولهم واحدة. ثم يركعون ركعة ويسجدون سجدتين. [[الأثر: ١٠٣٥٠ -"يحيى بن سعيد" هو القطان.
وهذا الأثر رواه البخاري (الفتح ٧: ٣٢٨) ، والترمذي ٢: ٤٥٥ (شرح أخي السيد أحمد) ، والبيهقي في سننه ٣: ٢٥٣، والنسائي في سننه ٣: ١٧٨.]]
١٠٣٥١- قال بندار: سألت يحيى بن سعيد عن هذا الحديث، فحدثني عن شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خوّات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي ﷺ بمثل حديث يحيى بن سعيد، وقال لي: اكتبه إلى جنبه، فلست أحفظه، ولكنه مثل حديث يحيى بن سعيد. [[الأثر: ١٠٣٥١ - هذا الأثر إشارة، إلى الأثر السالف رقم: ١٠٣٤٧، مرفوعًا. ورواه الترمذي ٢: ٤٥٦، والبيهقي في السنن ٣: ٢٥٣. وقال الترمذي: "لم يرفعه يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد، وهكذا روى أصحاب يحيى بن سعيد الأنصاري موقوفًا. ورفعه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد".]]
١٠٣٥٢- حدثنا نصر بن علي قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا عبيد الله، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن صالح بن خوات: أن الإمام يقوم فيصفّ صفين، طائفة مواجهة العدو، وطائفة خلف الإمام. فيصلي الإمام بالذين خلفه ركعة، ثم يقومون فيصلون لأنفسهم ركعة، ثم يسلمون، ثم ينطلقون فيصفُّون. ويجيء الآخرون فيصلي بهم ركعة ثم يسلم، فيقومون فيصلون لأنفسهم ركعة. [[الأثر: ١٠٣٥٢، ١٠٣٥٣ - لم أجد لهذين الخبرين مرجعًا. وحديث عبيد الله، (وهو عبيد الله بن عمر) عن القاسم، رواه البيهقي في السنن ٣: ٢٥٣ من حديث عبد الله بن عمر، عن أخيه عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن أبيه قال: صلى النبي ﷺ صلاة الخوف ... "، فصرح فيه بأنه رواه عن أبيه، ولم يقل"عن رجل من أصحاب النبي"، وهو مخالف له في لفظه كل المخالفة. وانظر التعليق على الأثر رقم: ١٠٣٤٦.
وكان في المطبوعة هنا: "فما سمعت فيما نذكره في صلاة الخوف شيئًا هو أحسن عندي من هذا" بنصب"شيئًا" وفي المخطوطة"شيء"، فرأيت أن أقرأها"بشيء".]]
١٠٣٥٣- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر بن سليمان قال، سمعت عبيد الله، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوّات، عن رجل من أصحاب النبي ﷺ أنه قال: صلاة الخوف: أن تقوم طائفة من خلف الإمام وطائفة يلون العدو، فيصلّي الإمام بالذين خلفه ركعة ويقوم قائمًا، فيصلي القوم إليها ركعة أخرى، ثم يسلمون فينطلقون إلى أصحابهم، ويجيء أصحابهم والإمام قائم، فيصلي بهم ركعة، فيسلم. ثم يقومون فيصلون إليها ركعة أخرى، ثم ينصرفون= قال عبيد الله: فما سمعت فيما نذكره في صلاة الخوف بشيء هو أحسن عندي من هذا. [[الأثر: ١٠٣٥٢، ١٠٣٥٣ - لم أجد لهذين الخبرين مرجعًا. وحديث عبيد الله، (وهو عبيد الله بن عمر) عن القاسم، رواه البيهقي في السنن ٣: ٢٥٣ من حديث عبد الله بن عمر، عن أخيه عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن أبيه قال: صلى النبي ﷺ صلاة الخوف ... "، فصرح فيه بأنه رواه عن أبيه، ولم يقل"عن رجل من أصحاب النبي"، وهو مخالف له في لفظه كل المخالفة. وانظر التعليق على الأثر رقم: ١٠٣٤٦.
وكان في المطبوعة هنا: "فما سمعت فيما نذكره في صلاة الخوف شيئًا هو أحسن عندي من هذا" بنصب"شيئًا" وفي المخطوطة"شيء"، فرأيت أن أقرأها"بشيء".]]
١٠٣٥٤- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك"، فهذا عند الصلاة في الخوف، يقوم الإمام وتقوم معه طائفة منهم، وطائفة يأخذون أسلحتهم ويقفون بإزاء العدو. فيصلي الإمام بمن معه ركعة، ثم يجلس على هيئته، فيقوم القوم فيصلون لأنفسهم الركعة الثانيةَ والإمام جالس، ثم ينصرفون حتى يأتوا أصحابهم، فيقفون موقفهم. ثم يقبل الآخرون فيصلي بهم الإمام الركعة الثانية، ثم يسلم، فيقوم القوم فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية. فهكذا صلى رسول الله ﷺ يوم بطن نخلة.
* * *
وقال آخرون: بل تأويل قوله:"فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم"، فإذا سجدت الطائفة التي قامت مع النبي ﷺ حين دخل في صلاته فدخلت معه في صلاته، السجدةَ الثانية من ركعتها الأولى [[السياق: "فإذا سجدت الطائفة ... السجدة الثانية".]] ="فليكونوا من ورائكم"، يعني: من ورائك، يا محمد، ووراء أصحابك الذين لم يصلوا بإزاء العدو. قالوا: وكانت هذه الطائفة لا تسلِّم من ركعتها إذا هي فرغت من سجدتي ركعتها التي صلت مع النبي ﷺ، ولكنها تمضي إلى موقف أصحابها بإزاء العدوّ، عليها بقية صلاتها. [[في المطبوعة: "وعليها بقية صلاتها" بزيادة واو.]] قالوا: وكانت تأتي الطائفة الأخرى التي كانت بإزاء العدوّ حتى تدخل مع النبي ﷺ في بقية صلاته، فيصلي بهم النبي ﷺ الركعة التي كانت قد بقيت عليه. قالوا: وذلك معنى قول الله عز ذكره:"ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم".
* * *
ثم اختلف أهل هذه المقالة في صفة قضاء ما كان تبقَّى على كل طائفة من هاتين الطائفتين من صلاتها، بعد فراغ النبي ﷺ من صلاته وسلامه من صلاته، على قول قائلي هذه المقالة ومتأوِّلي هذا التأويل.
فقال بعضهم: كانت الطائفة الثانية التي صلت مع النبي ﷺ الركعة الثانية من صلاتها، إذا سلم النبي ﷺ من صلاته قامت فقضت ما فاتها من صلاتها مع النبي ﷺ في مقامها، بعد فراغ النبي ﷺ من صلاته، والطائفة التي صلت مع النبي ﷺ الركعة الأولى بإزاء العدو بعدُ لم تتم. [[في المطبوعة: "لم تتم صلاتها"، زاد"صلاتها"، وأثبت ما في المخطوطة فهو صواب جيد.]] فإذا هي فرغت من بقية صلاتها التي فاتتها مع النبي ﷺ، مضت إلى مصاف أصحابها بإزاء العدو، وجاءت الطائفة الأولى التي صلت مع رسول الله ﷺ الركعة الأولى إلى مقامها التي كانت صلت فيه خلف رسول الله ﷺ، فقضت بقية صلاتها.
ذكر الرواية بذلك:
١٠٣٥٥- حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال، حدثنا خصيف قال، حدثنا أبو عبيدة بن عبد الله قال، قال عبد الله: صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الخوف، فقامت طائفة منا خلفه، وطائفة بإزاء= أو مستقبلي= العدو، فصلى النبي ﷺ بالذين خلفه ركعة، ثم نكصوا فذهبوا إلى مقام أصحابهم. وجاء الآخرون فقاموا خلف النبي ﷺ، فصلى بهم رسول الله ﷺ ركعة، ثم سلم رسول الله، ثم قام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم ذهبوا فقاموا مقامَ أصحابهم مستقبلي العدوّ، ورجع الآخرون إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة. [[الأثر: ١٠٣٥٥ -"عبد الواحد بن زياد العبدي"، أحد الأعلام الثقات، مضى برقم: ٢٦١٦.
و"خصيف" هو: خصيف بن عبد الرحمن الجزري مضى برقم: ٨١٣٦، تكلموا فيه، قال ابن حبان: "تركه جماعة من أئمتنا، واحتج به آخرون وكان شيخًا صالحًا فقيهًا عابدًا، إلا أنه كان يخطئ كثيرًا فيما يروي، ويتفرد عن المشاهير بما لا يتابع عليه، وهو صدوق في روايته، إلا أن الإنصاف فيه، قبول ما وافق الثقات في الروايات، وترك ما لم يتابع عليه، وهو من أستخير الله تعالى فيه".
و"أبو عبيدة"، هو: أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، مضى برقم: ٤٥٧٠، ٤٦٩٤. و"عبد الله" هو عبد الله بن مسعود.
وهذا الأثر رواه أبو داود ٢: ٢٢ رقم: ١٢٢٤. والبيهقي في السنن ٣: ٢٦١، من طريق عبد السلام بن حرب عن خصيف، ومن طريق الثوري عن خصيف، ومن طريق شريك عن خصيف. وهذا الأخير هو رقم: ١٠٣٥٧. ولفظه مخالف للفظ حديث عبد الواحد بن زياد عن خصيف، قال البيهقي: "وهذا الحديث مرسل، أبو عبيدة لم يدرك أباه، وخصيف الجزري ليس بالقوي".]]
١٠٣٥٦- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن فضيل قال، حدثنا خصيف، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الخوف، فذكر نحوه. [[الأثران: ١٠٣٥٦، ١٠٣٥٧ - مكرر الذي قبله. وانظر رواية أبي داود في السنن ٢: ٢٢، رقم ١٢٢٤.]]
١٠٣٥٧- حدثنا تميم بن المنتصر قال، أخبرنا إسحاق قال، أخبرنا شريك، عن خصيف، عن أبي عبيدة، عن أبيه، عن النبي ﷺ نحوه. [[الأثران: ١٠٣٥٦، ١٠٣٥٧ - مكرر الذي قبله. وانظر رواية أبي داود في السنن ٢: ٢٢، رقم ١٢٢٤.]]
وقال آخرون: بل كانت الطائفة الثانية التي صلَّت مع رسول الله ﷺ الركعة الثانية لا تقضي بقية صلاتها بعد ما يُسلم رسول الله ﷺ من صلاته، ولكنها كانت تمضي قبل أن تقضي بقية صلاتها، فتقف موقفَ أصحابها الذين صلوا مع رسول الله ﷺ الركعة الأولى، وتجيء الطائفة الأولى إلى موقفها الذي صلت فيه ركعتها الأولى مع رسول الله ﷺ، فتقضي ركعتها التي كانت بقيت عليها من صلاتها= فقال بعضهم: كانت تقضي تلك الركعة بغير قراءة. وقال آخرون: بل كانت تقضي بقراءة= فإذا قضت ركعتها الباقية عليها هناك وسلمت، مضت إلى مصاف أصحابها بإزاء العدو، وأقبلت الطائفة التي صلَّت مع رسول الله ﷺ الركعة الثانية إلى مقامها الذي صلَّت فيه مع رسول الله ﷺ الركعة الثانية من صلاة رسول الله ﷺ، فقضت الركعة الثانية صلاتها بقراءة، فإذا فرغت وسلمت، انصرفت إلى أصحابها.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٣٥٨- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم في صلاة الخوف، قال: يصف صفًّا خلفه، وصفًّا بإزاء العدو في غير مصلاه، فيصلي بالصف الذي خلفه ركعة، ثم يذهبون إلى مصاف أولئك، وجاء أولئك الذين بإزاء العدو، فصلى بهم ركعة، ثم سلم عليهم، [[في المطبوعة: "وجاء أولئك الذين بإزاء العدو، فيصلي بهم ركعة ثم يسلم عليهم""يصلي" و"يسلم" مضارعًا، والصواب الجيد ما أثبته من المخطوطة.]] وقد صلى هو ركعتين، وصلى كلّ صف ركعة. ثم قام هؤلاء الذين سلم عليهم إلى مصاف أولئك الذين بإزاء العدو، فقاموا مقامهم، وجاؤوا فقضوا الركعة، ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك الذين بإزاء العدو، وجاء أولئك فصلوا ركعة [[الأثر: ١٠٣٥٨ -"الحارث"، هو: "الحارث بن محمد بن أبي سامة" و"عبد العزيز" هو: "عبد العزيز بن أبان الأموي"، مضيا برقم: ١٠٢٩٥، ١٠٣١٥، وغيرهما، وسيأتي برقم: ١٠٣٦٠.]] = قال سفيان: فتكون لكل إنسان ركعتين ركعتين. [[في المطبوعة: "فيكون لكل إنسان ركعتان ركعتان"، والذي أثبته من المخطوطة، وهو صواب حسن جدًا.]]
١٠٣٥٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران= وحدثني علي قال، حدثنا زيد= جميعًا، عن سفيان قال: كان إبراهيم يقول في صلاة الخوف، فذكر نحوه.
١٠٣٦٠- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه مثل ذلك. [[الأثر: ١٠٣٦٠ -"الحارث بن محمد بن أبي أسامة"، و"عبد العزيز بن أبان الأموي"، انظر التعليق على الأثر: ١٠٣٥٨. وزدت: "رحمة الله عليه" من المخطوطة.]]
* * *
وقال آخرون: بل كل طائفة من الطائفتين تقضي صلاتها على ما أمكنها، من غير تضييع منهم بعضها.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٣٦١- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن يونس بن عبيد، عن الحسن: أن أبا موسى الأشعري صلى بأصحابه صلاة الخوف بأصبهان إذ غزاها. قال: فصلى بطائفة من القوم ركعة، وطائفة تحرس. فنكص هؤلاء الذين صلى بهم ركعة، وخَلَفهم الآخرون فقاموا مقامهم، فصلى بهم ركعة ثم سلم، فقامت كل طائفة فصلت ركعًة.
١٠٣٦٢- حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا يونس، عن الحسن، عن أبي موسى، بنحوه.
١٠٣٦٣- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا أبي، عن قتادة، عن أبي العالية ويونس بن جبير قالا صلى أبو موسى الأشعري بأصحابه بالدير من أصبهان، [[في المطبوعة: "صلى أبو موسى بأصحابه بأصبهان"، غير ما في المخطوطة، وفي الدر المنثور"بالدار من أصبهان"، ولم أهتد إلى موضع يقال له"الدير" أو "الدار" من بلاد أصبهان. ومع ذلك فكثير من بلدان هذه الجهات، قد أغفلت معاجم البلدان ذكرها، وقلما تظفر بها إلا في ثنايا الأخبار المنثورة في كتب التاريخ والفتوح.]] وما بهم يومئذ خوف، [[في الدر المنثور: "وما بهم يومئذ كبير خوف".]] ولكنه أحب أن يعلمهم صلاتهم. فصفَّهم بصفَّين: [[في المطبوعة"فصفهم صفين"، وهو صواب في المعنى، ولكني أثبت ما في المخطوطة.]] صفًّا خلفه، وصفًّا مواجهة العدوّ مقبلين على عدوهم. فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم ذهبوا إلى مصافّ أصحابهم. وجاء أولئك، فصفّهم خلفه، فصلى بهم ركعة ثم سلم. فقضى هؤلاء ركعة، وهؤلاء ركعة، ثم سلم بعضهم على بعض. فكانت للإمام ركعتان في جماعة، [[في المطبوعة: "ركعتين"، وأثبت ما في المخطوطة.]] ولهم ركعة ركعة. [[الأثر: ١٠٣٦٣، ١٠٣٦٤ - خرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢١٣، ونسبه لابن أبي شيبة وجده، بغير هذا اللفظ. وأشار إليه البيهقي في السنن ٣: ٢٥٢.]]
١٠٣٦٤- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية، عن أبي موسى، بمثله.
١٠٣٦٥- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أنه قال في صلاة الخوف: يصلي بطائفة من القوم ركعة، [[في المطبوعة: "يصلي طائفة"، والصواب من المخطوطة.]] وطائفة تحرس. ثم ينطلق هؤلاء الذين صلى بهم ركعة حتى يقوموا مقام أصحابهم، ثم يجيء أولئك فيصلي بهم ركعة، ثم يسلم. فتقوم كل طائفة فتصلي ركعة. [[الأثر: ١٠٣٦٥ - والآثار التي تليه: ١٠٣٦٦، ١٠٣٦٧، ثم ١٠٣٧٠، ١٠٣٧١، خمسة أسانيد لحديث نافع، عن ابن عمر. حديث صحيح رواه أحمد في مسنده برقم: ٦١٥٩، وهو إسناد الطبري رقم: ١٠٣٧١، ثم رواه برقم: ٦٤٣١، من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر. وانظر شرح أخي السيد أحمد في المسند على الأثر: ٦١٥٩.]]
١٠٣٦٦- حدثنا نصر بن علي قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، بنحوه.
١٠٣٦٧- حدثني عمران بن بكَّار الكلاعي قال، حدثنا يحيى بن صالح قال، حدثنا ابن عياش قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله ﷺ: أنه صلى صلاة الخوف، فذكر نحوه. [[الأثر: ١٠٣٦٧ -"عمران بن بكار الكلاعي" مضى برقم: ٢٠٧١.]]
١٠٣٦٨- حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثني أبي قال، حدثنا ابن جريج قال، أخبرني الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: أنه كان يحدِّث أنه صلى مع رسول الله ﷺ، ثم ذكر نحوه. [[الأثران: ١٠٣٦٨، ١٠٣٦٩ - خبر سالم عن ابن عمر حديث صحيح، رواه أحمد في مسنده: ٦٣٥١، وانظر شرح أخي السيد أحمد هناك.]]
١٠٣٦٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ، بنحوه. [[الأثران: ١٠٣٦٨، ١٠٣٦٩ - خبر سالم عن ابن عمر حديث صحيح، رواه أحمد في مسنده: ٦٣٥١، وانظر شرح أخي السيد أحمد هناك.]]
١٠٣٧٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عبد الله بن نافع، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال النبي ﷺ في صلاة الخوف: يقوم الأمير وطائفة من الناس فيسجدون سجدة واحدة، وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو، ثم ذكر نحوه. [[الأثران: ١٠٣٧٠، ١٠٣٧١ - انظر التعليق على رقم: ١٠٣٦٥.
"محمد بن هارون الحربي"، المعروف بأبي نشيط، بغدادي، ونسبته في التهذيب"الربعي"، وهي نسبة إلى القبيلة، أما "الحربي" فنسبة إلى"الحربية"، وهي محلة كبيرة ببغداد عند"باب حرب" مقبرة بشر الحافي وأحمد بن حنبل، تنسب إلى أحد قواد أبي جعفر المنصور، وكان يتولى شرطة بغداد، وهو"حرب بن عبد الله البلخي"، نسب إليها طائفة كبيرة من أهل العلم ببغداد. ولم أجد هذه النسبة - نسبة محمد بن هارون - إلا في التفسير.
و"أبو المغيرة الحمصي" هو: "عبد القدوس بن الحجاج الخولاني"، ثقة، من شيوخ أحمد، روى عنه البخاري، وروى له هو والباقون بواسطة إسحاق بن الكوسج وأحمد بن حنبل وغيرهم. مات سنة ٢١٢، وصلى عليه أحمد بن حنبل.]]
١٠٣٧١- حدثنا محمد بن هارون الحربي قال، حدثنا أبو المغيرة الحمصي قال، حدثنا الأوزاعي، عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي ﷺ صلى صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة، ثم ذكر نحوه. [[الأثران: ١٠٣٧٠، ١٠٣٧١ - انظر التعليق على رقم: ١٠٣٦٥.
"محمد بن هارون الحربي"، المعروف بأبي نشيط، بغدادي، ونسبته في التهذيب"الربعي"، وهي نسبة إلى القبيلة، أما "الحربي" فنسبة إلى"الحربية"، وهي محلة كبيرة ببغداد عند"باب حرب" مقبرة بشر الحافي وأحمد بن حنبل، تنسب إلى أحد قواد أبي جعفر المنصور، وكان يتولى شرطة بغداد، وهو"حرب بن عبد الله البلخي"، نسب إليها طائفة كبيرة من أهل العلم ببغداد. ولم أجد هذه النسبة - نسبة محمد بن هارون - إلا في التفسير.
و"أبو المغيرة الحمصي" هو: "عبد القدوس بن الحجاج الخولاني"، ثقة، من شيوخ أحمد، روى عنه البخاري، وروى له هو والباقون بواسطة إسحاق بن الكوسج وأحمد بن حنبل وغيرهم. مات سنة ٢١٢، وصلى عليه أحمد بن حنبل.]]
١٠٣٧٢- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة" إلى قوله:"فليصلوا معك"، فإنه كانت تأخذ طائفة منهم السلاح، فيقبلون على العدو، والطائفة الأخرى يصلون مع الإمام ركعة، ثم يأخذون أسلحتهم فيستقبلون العدو، ويرجع أصحابهم فيصلون مع الإمام ركعة، فيكون للإمام ركعتان، ولسائر الناس ركعة واحدة، ثم يقضون ركعة أخرى. وهذا تمام الصلاة.
* * *
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في صلاة الخوف والعدو يومئذ في ظهر القبلة بين المسلمين وبين القبلة، فكانت الصلاة التي صلى بهم يومئذ النبي ﷺ صلاة الخوف، إذ كان العدو بين الإمام والقبلة.
ذكر الأخبار المنقولة بذلك:
١٠٣٧٣- حدثنا أبو كريب قال، حدثني يونس بن بكير، عن النضر أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله ﷺ في غزاةٍ، فلقي المشركين بعسفان، فلما صلى الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه، قال بعضهم لبعض يومئذ: كان فرصة لكم، لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم! قال قائل منهم: فإنّ لهم صلاة أخرى هي أحبَّ إليهم من أهلهم وأموالهم، فاستعدوا حتى تغيروا عليهم فيها. فأنزل الله عز وجل على نبيه ﷺ:"وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة" إلى آخر الآية، وأعلمه ما ائتمر به المشركون. فلما صلى رسول الله ﷺ العصر وكانوا قبالته في القبلة، فجعل المسلمين خلفه صفين، فكبر رسول الله ﷺ فكبروا جميعًا، ثم ركع وركعوا معه جميعًا. فلما سجد سجد معه الصف الذين يلونه، وقام الصف الذين خلفهم مقبلين على العدو، فلما فرغ رسول الله ﷺ من سجوده وقام، سجد الصف الثاني ثم قاموا، وتأخر الذين يلون رسول الله ﷺ وتقدم الآخرون، فكانوا يلون رسول الله ﷺ، فلما ركع ركعوا معه جميعًا، ثم رفع فرفعوا معه، ثم سجد فسجد معه الذين يلونه، وقام الصف الثاني مقبلين على العدو، فلما فرغ رسول الله ﷺ من سجوده وقعد الذين يلونه، سجد الصفّ المؤخر، ثم قعدوا فتشهدوا مع رسول الله ﷺ جميعًا، فلما سلم رسول الله ﷺ سلّم عليهم جميعًا. فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعض ينظر إليهم، قالوا: لقد أخبروا بما أردنا! [[الأثر: ١٠٣٧٣ -"النضر أبو عمر" هو: "نضر بن عبد الرحمن الخزاز"، مضى برقم: ٧١٨، وهو ضعيف الحديث، سئل عنه أبو نعيم فقال: "لا يسوى هذا= ورفع شيئًا من الأرض= كان يجيء فيجلس عند الحماني، وكل شيء يسأل عنه يقول: عكرمة عن ابن عباس".
وهذا الأثر رواه الحاكم في المستدرك ٣: ٣٠، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. وهذا عجب، فإن البخاري قال في ترجمة"النضر": "منكر الحديث"!! فكيف يكون هذا الخبر على شرطه!! ومن أجل مثل هذا لم يبال العلماء بتصحيح الحاكم غفر الله له. وخرجه السيوطي في الدر المنثور ١: ٢١٣، وزاد نسبته للبزار.]]
١٠٣٧٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير قال، حدثنا عمر بن ذر قال، حدثني مجاهد قال: كان النبي ﷺ بعسفان والمشركون بضجنان بالماء الذي يلي مكة، فلما صلى النبيّ ﷺ الظهرَ فرأوه سجدَ وسجد الناس، قالوا: إذا صلى صلاة بعد هذه أغرنا عليه! فحذره الله ذلك. فقام النبي ﷺ في الصلاة فكبّر وكبر الناس معه، فذكر نحوه.
١٠٣٧٥- حدثني عمران بن بكار قال، حدثنا يحيى بن صالح قال، حدثنا ابن عياش قال، أخبرني عبيد الله بن عمرو، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: كنت مع النبّي ﷺ، فلقينا المشركين بنخل، فكانوا بيننا وبين القبلة. فلما حضرت صلاة الظهر، [[في المطبوعة: "فلما حضرت الظهر"، وأثبت ما في المخطوطة.]] صلى بنا رسول الله ﷺ ونحن جميع. فلما فرغنا، تذَامر المشركون، [[قوله: "تذامر المشركون" أي: تلاوموا على ترك الفرصة، وقال بعضهم: "قد تكون بمعنى تحاضوا على القتال". ولكن الأجود، هو المعنى الأول، فإن"التذامر" - فيما أرى - يحمل معنى التلاوم والحض على انتهاز الفرصة من العدو. وفي الدر المنثور: "تآمر المشركون"، والصواب ما في المخطوطة والمطبوعة. وقد ذكره ابن الأثير بهذا اللفظ، ونقله صاحب اللسان"تذامر المشركون" في حديث صلاة الخوف، يعني هذا الحديث بلا شك.]] فقالوا: لو كنا حملنا عليهم وهم يصلون! فقال بعضهم: فإن لهم صلاة ينتظرونها تأتي الآن، هي أحبّ إليهم من أبنائهم، فإذا صلوا فميلوا عليهم. قال: فجاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليهما بالخبر، [[في المطبوعة: " ... إلى رسول الله ﷺ"، وأثبت ما في المخطوطة."عليهما"، يعني رسول الله وجبريل.]] وعلّمه كيف يصلي. فلما حضرت العصر، قام نبي الله ﷺ مما يلي العدوّ، وقمنا خلفه صفين، فكبر نبي الله وكبرنا معه جميعًا، ثم ذكر نحوه. [[الأثر: ١٠٣٧٥ -"عمران بن بكار الكلاعي"، مضى قريبًا رقم: ١٠٣٦٧.
" يحيى بن صالح الوحاظي" ثقة من أهل الشام. مات سنة ٢٢٢، روى عن عبيد الله بن عمرو الرقي، وإسماعيل بن عياش وغيرهما.
و"ابن عياش" هو: إسماعيل بن عياش بن سلم العنسي. ثقة حافظ، وقد تكلموا فيه. مترجم في التهذيب.
و"عبيد الله بن عمرو الرقي الجزري" أبو وهب. مضى برقم: ١٥٦٦، ٤٩٦٤، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا"عبيد الله بن عمر"، وهو خطأ لا شك فيه، فإنه هو الذي يروي عن أبي الزبير.
و"أبو الزبير" هو: محمد بن مسلم بن تدرس. مضى برقم: ٢٠٢٩، ٨٠٢٥.
وهذا الأثر رواه ابن جرير بثلاثة أسانيد، هذا والإسنادان التاليان. وحديث أبي الزبير عن جابر، رواه مسلم ٥: ١٢٧ من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس، عن زهير، عن أبي الزبير. ورواه النسائي في السنن ٣: ١٧٦ من طريق عمرو بن علي، عن عبد الرحمن، عن سفيان، عن أبي الزبير. وأشار إليه البخاري (الفتح ٧: ٣٢٦) . وأفاض الحافظ ابن حجر في مواضع في بيان حديث أبي الزبير عن جابر، ورواه البخاري من طريق هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهما إسنادا أبي جعفر رقم: ١٠٣٧٧، ١٠٣٧٨، وأبو داود الطيالسي في مسنده: ٢٤٠، من طريق هشام أيضًا. وأخرجه البيهقي في السنن ٣: ٢٥٨، وكلهم اختصره.
وقصر السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢١٤، فاقتصر على نسبته لابن أبي شيبة وابن جرير. ورواية ابن جرير مطولة.]]
١٠٣٧٦- حدثني محمد بن معمر قال، حدثنا حماد بن مسعدة، عن هشام بن أبي عبد الله، عن أبي الزبير، عن جابر، عن رسول الله ﷺ، بنحوه.
١٠٣٧٧- حدثنا مؤمل بن هشام قال، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كنا مع رسول الله ﷺ، فذكر نحوه.
١٠٣٧٨- حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله ﷺ بعسفان، فصلى بنا رسول الله ﷺ صلاةَ الظهر، وعلى المشركين خالد بن الوليد. فقال المشركون: لقد أصبنا منهم غرة، ولقد أصبنا منهم غفلة!! فأنزل الله صلاة الخوف بين الظهر والعصر، فصلى بنا رسول الله ﷺ صلاة العصر، [ففرّقنا] = يعني فرقتين= [[في المطبوعة: "صلاة العصر يعني فرقتين"، وهو لا يكاد يستقيم، فزدت ما بين القوسين من النسائي، ونصه هناك"ففرقنا فرقتين" ليس فيه (يعني) .]] فرقة تصلي مع النبي ﷺ، وفرقة تصلي خلفهم يحرسونهم. ثم كبر فكبروا جميعًا، وركعوا جميعًا، ثم سجد الذين يلون رسول الله ﷺ، ثم قام فتقدم الآخرون فسجدوا، ثم قام فركع بهم جميعًا، ثم سجد بالذين يلونه، حتى تأخر هؤلاء فقاموا في مصافِّ أصحابهم، ثم تقدم الآخرون فسجدوا، ثم سلم عليهم. فكانت لكلهم ركعتين مع إمامهم. وصلى مرة أخرى في أرض بني سليم. [[الأثر: ١٠٣٧٨ -"عمرو بن عبد الحميد الآملي" شيخ الطبري، مضى برقم: ٣٧٥٩، وقد قال أخي هناك: "لم أعرف من هو؟ ولم أجد له ترجمة، ولعله محرف عن شيء لا أعرفه". والذي قاله لا يصح، فقد جاء هنا أيضًا"عمرو بن عبد الحميد"، وروى عنه أبو جعفر في التاريخ في موضع واحد ١: ١٨٤، قال: "حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي قال، حدثنا أبو أسامة"، فثبت أنه غير محرف.
وخبر"أبي عياش الزرقي"، مضى من طريق منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش بثلاثة أسانيد، ١٠٣٢٣، ١٠٣٢٤، وطريق عبد العزيز بن عبد الصمد، هو الذي رواه النسائي في السنن ٣: ١٧٧ وهذا الأثر غير موجود في المخطوطة.]]
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية، على قول هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة ورووا هذه الرواية=: وإذا كنت يا محمد، فيهم= يعني: في أصحابك خائفا="فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك"، يعني: ممن دخل معك في صلاتك="فإذا سجدوا" يقول: فإذا سجدت هذه الطائفة بسجودك، ورفعت رءوسها من سجودها="فليكونوا من ورائكم"، يقول: فليَصِرْ مَنْ خلفك خلف الطائفة التي حرستك وإياهم إذا سجدت بهم وسجدوا معك [[في المخطوطة: "وليصر من خلفك وخلف الطائفة ... " بالواو في"ليصر"، وبالواو قبل"خلف الطائفة"، وصححها في المطبوعة: "فليصر من خلفك خلف" فجعل الأول فاء، وحذف الثانية، وهو الصواب إن شاء الله.]] ="ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا"، يعني الطائفةَ الحارسة التي صلت معه، غير أنها لم تسجد بسجوده. فمعنى قوله:"لم يصلوا"- على مذهب هؤلاء-: لم يسجدوا بسجودك="فليصلوا معك"، يقول: فليسجدوا بسجودك إذا سجدت، ويحرُسك وإياهم الذين سجدوا بسجودك في الركعة الأولى= وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم"، يعني الحارسة.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية، قول من قال: معنى ذلك: فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك في صلاتها="فليكونوا من ورائكم"، يعني: من خلفك وخلف من يدخل في صلاتك ممن لم يصلِّ معك الركعة الأولى بإزاء العدو، وبعد فراغها من بقية صلاتها [[في المطبوعة: " ... بإزاء العدو بعد فراغها ... " بحذف الواو من"وبعد"، والصواب ما في المخطوطة.]] ="ولتأت طائفة أخرى"، وهي الطائفة التي كانت بإزاء العدو="لم يصلوا"، يقول: لم يصلوا معك الركعة الأولى="فليصلوا معك"، يقول: فليصلوا معك الركعة التي بقيت عليك="وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم"، لقتال عدوهم، بعد ما يفرغون من صلاتهم.
وذلك نظير الخبر الذي روي عن رسول الله ﷺ، أنه فعله يوم ذات الرقاع، والخبر الذي روى سهل بن أبي حثمة. [[يعني الخبر رقم: ١٠٣٤٥، ثم خبر سهل بن أبي حثمة من: ١٠٣٤٦ - ١٠٣٥٣.]]
وإنما قلنا: ذلك أولى بتأويل الآية، لأن الله عز ذكره قال:"وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة"، وقد دللنا على أن"إقامتها"، إتمامها بركوعها وسجودها، ودَللنا مع ذلك على أن قوله:"فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا"، إنما هو إذنٌ بالقصر من ركوعها وسجودها في حال شدة الخوف.
فإذْ صح ذلك، كان بيِّنًا أنْ لا وجه لتأويل من تأول ذلك: أن الطائفة الأولى إذا سجدت مع الإمام فقد انقضت صلاتها، لقوله:"فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم"، لاحتمال ذلك من المعاني ما ذكرتُ قبل= ولأنه لا دلالة في الآية على أن القصر الذي ذكر في الآية قبلَها، عُنِي به القصر من عدد الركعات.
وإذ كان لا وجه لذلك، فقول من قال:"أريد بذلك التقدم والتأخر في الصلاة، على نحو صلاة النبي ﷺ بعسفان"، أبعد. [[قوله: "أبعد" خبر قوله: "فقول من قال"، والسياق: فقول من قال ... أبعد.]] وذلك أنّ الله جل ثناؤه يقول:"ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك"، وكلتا الطائفتين قد كانت صلَّت مع النبي ﷺ ركعته الأولى في صلاته بعسفان. ومحالٌ أن تكون التي صلَّت مع النبي ﷺ هي التي لم تصلِّ معه.
فإن ظن ظان أنه أريد بقوله:"لم يصلوا"، لم يسجدوا= فإن ذلك غير الظاهر المفهوم من معاني"الصلاة"، وإنما توجه معاني كلام الله جل ثناؤه إلى الأظهر والأشهر من وجوهها، ما لم يمنع من ذلك ما يجب التسليم له.
وإذْ كان ذلك كذلك= ولم يكن في الآية أمر من الله تعالى ذكرهُ للطائفة الأولى بتأخير قضاء ما بقي عليها من صلاتها إلى فراغ الإمام من بقية صلاته، [[في المطبوعة: " ولم يكن في الآية أمر من الله عز ذكره للطائفة الأولى"، وأثبت ما في المخطوطة.]] ولا على المسلمين الذين بإزاء العدوّ في اشتغالها بقضاء ذلك ضرر [[قوله: "ولا على المسلمين ... " معطوف على قوله: "ولم يكن في الآية أمر ... " والمعنى: ولم يكن على المسلمين الذين بإزاء العدو ... ضرر ... في اشتغالها بقضاء ذلك.
وسياق الجملة التالية: "وإذ كان ذلك كذلك ... لم يكن لأمرها بتأخير ذلك ... معنى".]] = لم يكن لأمرها بتأخير ذلك، وانصرافها قبل قضاء باقي صلاتها عن موضعها، معنًى.
غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإنا نرى أن من صلاها من الأئمة فوافقت صلاته بعض الوجوه التي ذكرناها عن رسول الله ﷺ أنه صلاها، فصلاته مجزئة عنه تامة، لصحّة الأخبار بكل ذلك عن رسول الله ﷺ، وأنه من الأمور التي علَّم رسول الله ﷺ أمته، ثم أباح لهم العمل بأيِّ ذلك شاءوا.
* * *
قال أبو جعفر: وأما قوله:"ودَّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم"، فإنه يعني: تمنى الذين كفروا بالله [[انظر تفسير"ود" فيما سلف ص: ١٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] ="لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم": يقول: لو تشتغلون بصلاتكم عن أسلحتكم التي تقاتلونهم بها، وعن أمتعتكم التي بها بلاغكم في أسفاركم فتسهون عنها. [[انظر تفسير"غفل" فيما سلف ٢: ٢٤٤، ٣١٦ / ٣: ١٢٧، ١٨٤.]] ="فيميلون عليكم ميلة واحدة"، يقول: فيحملون عليكم وأنتم مشاغيل بصلاتكم عن أسلحتكم وأمتعتكم حملة واحدة، فيصيبون منكم غِرَّة بذلك، فيقتلونكم ويستبيحون عسكركم.
يقول جل ذكره: فلا تفعلوا ذلك بعد هذا، فتشتغلوا جميعكم بصلاتكم إذا حضرتكم صلاتكم وأنتم مواقفو العدو، [[في المطبوعة هنا أيضًا: "موافقو العدو" بتقديم الفاء على القاف، وهو خطأ، صوابه ما أثبت، وقد سلف شرح ذلك في ص: ١٣٠، تعليق: ١.]] فتمكنوا عدوّكم من أنفسكم وأسلحتكم وأمتعتكم، ولكن أقيموا الصلاة على ما بيّنت لكم، وخذوا من عدوكم حِذْركم وأسلحتكم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٠٢) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"ولا جناح عليكم"، ولا حرج عليكم ولا إثم [[انظر تفسير"جناح" فيما سلف ص: ١٢٣، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] ="إن كان بكم أذى من مطر"، يقول: إن نالكم [أذى] من مطر تمطرونه وأنتم مواقفو عدوِّكم [[ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق، وكان في المطبوعة: "موافقو عدوكم"، وانظر التعليق السالف ص: ١٦٢ تعليق: ٣.]] ="أو كنتم مرضى"، يقول: أو كنتم جرحى أو أعِلاء [["أعلاء" جمع"عليل". وكان في المطبوعة: "يقول: جرحى"، وأثبت الزيادة من المخطوطة.]] ="أن تضعوا أسلحتكم"، إن ضعفتم عن حملها، ولكن إن وضعتم أسلحتكم من أذى مطر أو مرض، فخذوا من عدوكم="حذركم"، يقول: احترسوا منهم أن يميلوا عليكم وأنتم عنهم غافلون غارّون="إن الله أعد للكافرين عذابًا مهينًا"، يعني بذلك: أعدّ لهم عذابًا مُذِلا يبقون فيه أبدًا، لا يخرجون منه. وذلك هو عذاب جهنم. [[انظر تفسير"مهين" فيما سلف ٨: ٣٥٥ تعليق: ٣، والمراجع هناك.]]
* * *
وقد ذكر أن قوله:"أو كنتم مرضى" نزل في عبد الرحمن بن عوف، وكان جريحًا.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٣٧٩- حدثنا عباس بن محمد قال، حدثنا حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"إن كان بكم أذًى من مطر أو كنتم مرضى"، عبد الرحمن بن عوف، كان جريحًا.
{"ayah":"وَإِذَا كُنتَ فِیهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوۤا۟ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلۡیَكُونُوا۟ مِن وَرَاۤىِٕكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَاۤىِٕفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ یُصَلُّوا۟ فَلۡیُصَلُّوا۟ مَعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوا۟ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَیَمِیلُونَ عَلَیۡكُم مَّیۡلَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذࣰى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَن تَضَعُوۤا۟ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣰا مُّهِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق