الباحث القرآني

معنى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ تحريم نكاحهن [[قال محمود: «معناه تحريم نكاحهن ... الخ» قال أحمد: وهذا تفريع على القول بعموم المشترك في معانيه فاستقام تعليق الجار المذكور بهما، واللَّه أعلم]] لقوله: (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) ولأن تحريم نكاحهن هو الذي يفهم من تحريمهن، كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها، ومن تحريم لحم الخنزير تحريم أكله. وقرئ (وبنات الأخت) بتخفيف الهمزة. وقد نزل اللَّه الرضاعة منزلة النسب، حتى سمى المرضعة أمّا للرضيع، والمراضعة أختا، وكذلك زوج المرضعة أبوه وأبواه جداه، وأخته عمته، وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم إخوته وأخواته لأبيه، وأم المرضعة جدّته، وأختها خالته، وكل من ولد لها من هذا الزوج فهم إخوته وأخواته لأبيه وأمه، ومن ولد لها من غيره فهم إخوته وأخواته لأمه. ومنه قوله صلى اللَّه عليه وسلم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» [[متفق عليه من حديث عائشة وابن عباس.]] وقالوا: تحريم الرضاع كتحريم النسب إلا في مسألتين: إحداهما أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب ويجوز أن يتزوّج أخت ابنه من الرضاع، لأن المانع في النسب وطؤه أمها. وهذا المعنى غير موجود في الرضاع والثانية: لا يجوز أن يتزوج أم أخيه من النسب، ويجوز في الرضاع، لأن المانع في النسب وطء الأب إياها، وهذا المعنى غير موجود في الرضاع مِنْ نِسائِكُمُ متعلق بربائبكم. ومعناه أن الربيبة من المرأة المدخول بها محرمة على الرجل حلال له إذا لم يدخل بها. فإن قلت: هل يصح أن يتعلق بقوله وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ؟ قلت: لا يخلو إمّا أن يتعلق بهن وبالربائب، فتكون حرمتهن وحرمة الربائب غير مبهمتين جميعاً. وإما أن يتعلق بهن دون الربائب، فتكون حرمتهنّ غير مبهمة وحرمة الربائب مبهمة، فلا يجوز الأوّل، لأن معنى «من» مع أحد المتعلقين، خلاف معناه مع الآخر. ألا تراك أنك إذا قلت: وأمّهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ فقد جعلت «من» لبيان النساء، وتمييز المدخول بهنّ من غير المدخول بهنّ. وإذا قلت وربائبكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ فإنك جاعل «من» لابتداء الغاية، كما تقول: بنات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من خديجة، وليس بصحيح أن يعنى بالكلمة الواحدة في خطاب واحد معنيان مختلفان. ولا يجوز الثاني لأن ما يليه هو الذي يستوجب التعليق به، ما لم يعترض أمر لا يرد، إلا أن تقول: أعلقه بالنساء والربائب، وأجعل «من» للاتصال، كقوله تعالى: (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) فإنى لست منك ولست منى. ما أنا من دد ولا الدد منى: وأمهات النساء متصلات بالنساء لأنهنّ أمهاتهنّ [[عاد كلامه. قال: «ولا يجوز الثاني لأن ما يليه هو الذي يستوجب التعليق به ما لم يعترض أمر لا يرد إلا أن تقول: أعلقه بالنساء والربائب، وأجعل من للاتصال، كقوله تعالى: (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) فانى لست منك ولست منى. ما أنا من دد ولا الدد منى. وأمهات النساء متصلات بالنساء لأنهن ... الخ» قال أحمد: يعنى أن لهذا الاعراب وجها في الصحة، وتكون «من» على هذا مستعملة في معنى واحد من معانيها وهو الاتصال، فيستقيم تعلقها بهما. وقد نقل ذلك عن ابن عباس مذهبا. ونقل أيضا قراءة عن على وابن عباس وزيد وابن عمر وابن الزبير: وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن. وكان ابن عباس يقول: واللَّه ما نزل إلا هكذا انتهى نقل الزمخشري. والقول المشهور عن الجمهور إبهام تحريم المرأة، ويقيد تحريم الربيبة بدخول الأم كما هو ظاهر الآية. ولهذا الفرق سر وحكمة، وذلك لأن المتزوج بابنة المرأة لا يخلو بعد العقد وقبل الدخول من محاورة بينه وبين أمها ومخاطبات ومساورات، فكانت الحاجة داعية إلى تنجيز التحريم ليقطع شوقه من الأم فيعاملها معاملة ذوات المحارم، ولا كذلك العاقد على الأم، فانه بعيد عن مخاطبة ابنتها قبل الدخول بالأم، فلم تدع الحاجة إلى تعجيل نشر الحرمة. وأما إذا وقع الدخول بالأم فقد وجدت مظنة خلطة الربيبة، فحينئذ تدعو الحاجة إلى نشر الحرمة بينهما، واللَّه أعلم.]] كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن لأنهنّ بناتهنّ. هذا وقد اتفقوا على أن تحريم أمهات النساء مبهم دون تحريم الربائب، على ما عليه ظاهر كلام اللَّه تعالى وقد روى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها أنه قال «لا بأس أن يتزوج ابنتها، ولا يحل له أن يتزوج أمها» [[أخرجه أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي في السنن قال ذكر المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. رفعه «أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها. وان لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها. وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل فلا يحل له نكاح أمها» وأخرجه أبو يعلى والبيهقي من طريق ابن مبارك عن المثنى به. والمثنى ضعيف لكن رواه الترمذي والبيهقي أيضا من طريق ابن لهيعة عن عمرو به وقال: لا يصح، وإنما يرويه المثنى وابن لهيعة وهما ضعيفان. انتهى. ويشبه أن يكون ابن لهيعة أخذه عن المثنى لأن أبا حاتم قال لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن شعيب شيئا. فلهذا لم يرتق هذا الحديث إلى درجة الحسن.]] وعن عمر وعمران بن الحصين رضى اللَّه عنهما: أن الأم تحرم بنفس العقد. وعن مسروق: هي مرسلة فأرسلوا ما أرسل اللَّه. وعن ابن عباس: أبهموا ما أبهم اللَّه، إلا ما روى عن على وابن عباس وزيد وابن عمر وابن الزبير: أنهم قرءوا: وأمّهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن. وكان ابن عباس يقول: واللَّه ما نزل إلا هكذا. وعن جابر روايتان. وعن سعيد بن المسيب عن زيد: إذا ماتت عنده فأخذ ميراثها، كره أن يخلف على أمّها. وإذا طلقها قبل أن يدخل بها فإن شاء فعل: أقام الموت مقام الدخول في ذلك، كما قام مقامه في باب المهر. وسمى ولد المرأة من غير زوجها ربيبا وربيبة، لأنه يربهما كما يرب ولده في غالب الأمر، ثم اتسع فيه فسميا بذلك وإن لم يربهما. فإن قلت: ما فائدة قوله في حجوركم [[عاد كلامه. قال: «فان قلت ما فائدة قوله في حجوركم ... الخ» قال أحمد: وهذا مما قدمته من تخصيص أعلى صور المنهي عنه بالمنهى، فان النهى عن نكاح الربيبة المدخول بأمها عام في جميع الصور، سواء كانت في حجر الزوج أو بائنة عنه في البلاد القاصية، ولكن نكاحه لها وهي في حجره أقبح الصور والطبع عنها أنفر، فخصت بالنهى لتساعد الجبلة على الانقياد لأحكام الملة، ثم يكون ذلك تدريبا وتدريجا إلى استقباح المحرم في جمع صوره، واللَّه أعلم.]] ؟ قلت: فائدته التعليل للتحريم، وأنهن لاحتضانكم لهن أو لكونهن بصدد احتضانكم، وفي حكم التقلب في حجوركم إذا دخلتم بأمّهاتهن، وتمكن بدخولكم حكم الزواج وثبتت الخلطة والألفة، وجعل اللَّه بينكم المودة والرحمة، وكانت الحال خليقة بأن تجروا أولادهن مجرى أولادكم، كأنكم في العقد على بناتهن عاقدون على بناتكم. وعن على رضى اللَّه عنه: أنه شرط ذلك في التحريم. وبه أخذ داود. فإن قلت: ما معنى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ؟ قلت: هي كناية عن الجماع، كقولهم: بنى عليها وضرب عليها الحجاب يعنى أدخلتموهن الستر. والباء للتعدية واللمس. ونحوه يقوم مقام الدخول عند أبى حنيفة. وعن عمر رضى اللَّه عنه أنه خلا بجارية فجردها، فاستوهبها ابن له فقال: إنها لا تحلّ لك. وعن مسروق أنه أمر أن تباع جاريته بعد موته وقال: أما إنى لم أصب منها إلا ما يحرمها على ولدى من اللمس والنظر. وعن الحسن في الرجل يملك الأمة فيغمزها لشهوة أو يقبلها أو يكشفها: أنها لا تحل لولده بحال وعن عطاء وحماد بن أبى سليمان: إذا نظر إلى فرج امرأة فلا ينكح أمّها ولا ابنتها. وعن الأوزاعى: إذا دخل بالأم فعرّاها ولمسها بيده وأغلق الباب وأرخى الستر، فلا يحلّ له نكاح ابنتها. وعن ابن عباس وطاوس وعمرو بن دينار: أن التحريم لا يقع إلا بالجماع وحده الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ دون من تبنيتم. وقد تزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب حين فارقها زيد بن حارثة [[متفق عليه من حديث أنس بغير هذا اللفظ.]] ، وقال عزّ وجلّ (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) . وَأَنْ تَجْمَعُوا في موضع الرفع عطف على المحرمات، أى وحرّم عليكم الجمع بين الأختين. والمراد حرمة النكاح، لأنّ التحريم في الآية تحريم النكاح وأما الجمع بينهما في ملك اليمين، فعن عثمان وعلى رضى اللَّه عنهما أنهما قالا: أحلتهما آية وحرّمتهما آية [[أما حديث عثمان ففي الموطأ عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب «أن عثمان سئل عن الأختين مما ملكت اليمين فقال: لا آمرك ولا أنهاك، أحلتهما آية وحرمتهما أخرى» وأخرجه الشافعي عن مالك وابن أبى شيبة من طريق مالك والدارقطني من طريق معمر عن الزهري وهو أشبه بلفظ المصنف. وأما حديث على فرواه البزار وابن أبى شيبة وأبو يعلى من رواية أبى صالح الحنفي قال قال على للناس: سلوني فقال ابن الكواء حدثنا يا أمير المؤمنين عن الأختين المملوكتين. قال: أحلتهما آية وحرمتها أخرى وإنى لا أحله ولا أنهى عنه ولا أفعله أنا ولا أحد من أهل بيتي.]] يعنيان هذه الآية وقوله: (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فرجح على التحريم، وعثمانُ التحليل [[أما عثمان فلم أجد عنه التصريح بالتحليل وإنما توقف، وأما على ففي رواية الموطأ ثم خرج السائل فلقى رجلا من الصحابة قال الزهري أحسبه قال على فسأله فقال له. ولكنى أنهاك ولو كان لي سبيل على فعله لجعلته نكالا.]] . إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ [[قال أحمد: موقع هذا الاستثناء كموقع نظيره المقدم ذكره عند قوله: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء على الوجه الذي بينت، وهو أن هذا النهى لكونه جديرا بأن يمتثل أجرى مجرى الاخبار عن امتثاله، حتى كأنه قيل: لا يقع شيء من هذه المحرمات إلا السالف منها لا غير. أو على الوجه الذي بينه الزمخشري فيما تقدم، وهو أن يكون المراد إلا ما قد سلف فانه غير محرم فتعاطوه إن كان ممكنا، من باب التعليق على المحال بتا للتحريم، إلا أن الزمخشري لم يسلك هذا المسلك هاهنا لأن قوله: (إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) يرشد إلى أن المراد إلا ما قد سلف فانه مغفور لاستثنائه في الآية الأولى لأنه عقبه ثم بقوله: (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا) فقدر في كل آية ما يناسب سياقها، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.]] ولكن ما مضى مغفور بدليل قوله إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب