الباحث القرآني
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكم وأخَواتُكم وعَمّاتُكم وخالاتُكم وبَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ وأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أرْضَعْنَكم وأخَواتُكم مِنَ الرَّضاعَةِ وأُمَّهاتُ نِسائِكم ورَبائِبُكُمُ اللّاتِي في حُجُورِكم مِن نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكم وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِن أصْلابِكم وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إلّا ما قَدْ سَلَفَ إنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ تَخَلُّصٌ إلى ذِكْرِ المُحَرَّماتِ بِمُناسَبَةِ ذِكْرِ تَحْرِيمِ نِكاحِ ما نَكَحَ الآباءُ وغُيِّرَ (p-٢٩٤)أُسْلُوبُ النَّهْيِ فِيهِ لِأنَّ (لا تَفْعَلْ) نَهْيٌ عَنِ المُضارِعِ الدّالِّ عَلى زَمَنِ الحالِ فَيُؤْذِنُ بِالتَّلَبُّسُ بِالمَنهِيِّ أوْ إمْكانِ التَّلَبُّسِ بِهِ، بِخِلافِ (حُرِّمَتْ) فَيَدُلُّ عَلى أنَّ تَحْرِيمَهُ أمْرٌ مُقَرَّرٌ، ولِذَلِكَ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ ما يُحَرِّمُ الإسْلامُ إلّا امْرَأةَ الأبِ والجَمْعَ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ فَمِن أجْلِ هَذا أيْضًا نَجِدُ حُكْمَ الجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ عُبِّرَ فِيهِ بِلَفْظِ الفِعْلِ المُضارِعِ فَقِيلَ: وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ.
وتَعَلُّقُ التَّحْرِيمِ بِأسْماءِ الذَّواتِ يُحْمَلُ عَلى تَحْرِيمِ ما يُقْصَدُ مِن تِلْكَ الذّاتِ غالِبًا فَنَحْوُ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ إلَخْ مَعْناهُ: حُرِّمَ أكْلُها، ونَحْوُ: حَرَّمَ اللَّهُ الخَمْرَ، أيْ شُرْبَها، وفي: حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم مَعْناهُ تَزَوُّجُهُنَّ.
والأُمَّهاتُ جَمْعُ أُمَّةٍ أوْ أُمَّهَةٍ، والعَرَبُ أماتُوا أُمَّهَةً وأُمَّةً وأبْقَوْا جَمْعَهُ، كَما أبْقَوْا أُمَّ وأماتُوا جَمْعَهُ، فَلَمْ يُسْمَعْ مِنهُمُ الأُمّاتُ، ووَرَدَ أُمَّةٌ نادِرًا في قَوْلِ شاعِرٍ أنْشَدَهُ ابْنُ كَيْسانَ:
؎تَقَبَّلْتَها عَنْ أُمَّةٍ لَكَ طالَما تُنُوزِعَ في الأسْواقِ مِنها خِمارُها
ووَرَدَ أُمَّهَةٌ نادِرًا في بَيْتٍ يُعْزى إلى قُصَيِّ بْنِ كِلابٍ:
؎عِنْدَ تَنادِيهِمْ بِهالٍ وهَبِـي ∗∗∗ أُمَّهَتِي خِنْدَفُ وإلْياسُ أبِي
وجاءَ في الجَمْعِ أُمَّهاتٌ بِكَثْرَةٍ، وجاءَ أُمّاتٌ قَلِيلًا في قَوْلِ جَرِيرٍ:
؎لَقَدْ ولَدَ الأُخَيْطِلَ أُمُّ سَوْءٍ ∗∗∗ مُقَلَّدَةٌ مِنَ الأُمّاتِ عارًا
وقِيلَ: إنْ أُمّاتَ خاصٌّ بِما لا يَعْقِلُ، قالَ الرّاعِي:
؎كانَتْ نَجائِبُ مُنْذِرٍ ومُحَرِّقٍ ∗∗∗ أُمّاتُهُنَّ وطَرَقُهُنَّ فَحِيلا
فَيُحْتَمَلُ أنَّ أصْلَ أُمِّ أُمّا أوْ أُمَّها فَوَقَعَ فِيهِ الحَذْفُ ثُمَّ أرْجَعُوها في الجَمْعِ.
(p-٢٩٥)ومِن غَرِيبِ الِاتِّفاقِ أنَّ أسْماءَ أعْضاءِ العائِلَةِ لَمْ تَجْرِ عَلى قِياسٍ مِثْلَ أبٍ، إذْ كانَ عَلى حَرْفَيْنِ، وأخٍ، وابْنٍ، وابْنَةٍ،، وأحْسَبُ أنَّ ذَلِكَ مِن أثَرِ أنَّها مِنَ اللُّغَةِ القَدِيمَةِ الَّتِي نَطَقَ بِها البَشَرُ قَبْلَ تَهْذِيبِ اللُّغَةِ، ثُمَّ تَطَوَّرَتِ اللُّغَةُ عَلَيْها وهي هي. والمُرادُ مِنَ الأُمَّهاتِ وما عُطِفَ عَلَيْها الدُّنْيا وما فَوْقَها، وهَؤُلاءِ المُحَرَّماتُ مِنَ النَّسَبِ، وقَدْ أثْبَتَ اللَّهُ تَعالى تَحْرِيمَ مَن ذَكَرَهُنَّ، وقَدْ كُنَّ مُحَرَّماتٍ عِنْدَ العَرَبِ في جاهِلِيَّتِها، تَأْكِيدًا لِذَلِكَ التَّحْرِيمِ وتَغْلِيظًا لَهُ، إذْ قَدِ اسْتَقَرَّ ذَلِكَ في النّاسِ مِن قَبْلُ، فَقَدْ قالُوا: ما كانَتِ الأُمُّ حَلالًا لِابْنِها قَطُّ مِن عَهْدِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وكانَتِ الأُخْتُ التَّوْأمَةُ حَرامًا وغَيْرُ التَّوْأمَةِ حَلالًا، ثُمَّ حَرَّمَ اللَّهُ الأخَواتِ مُطْلَقًا مِن عَهْدِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ثُمَّ حُرِّمَتْ بَناتُ الأخِ، ويُوجَدُ تَحْرِيمُهُنَّ في شَرِيعَةِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وبَقِيَ بَناتُ الأُخْتِ حَلالًا في شَرِيعَةِ مُوسى، وثَبَتَ تَحْرِيمُهُنَّ عِنْدَ العَرَبِ في جاهِلِيَّتِها فِيما رَوى ابْنُ عَطِيَّةَ في تَفْسِيرِهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ المُحَرَّماتِ المَذْكُوراتِ هُنا كانَتْ مُحَرَّمَةً في الجاهِلِيَّةِ، إلّا امْرَأةَ الأبِ، والجَمْعَ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ. ومِثْلُهُ نَقَلَهُ القُرْطُبِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ صاحِبِ أبِي حَنِيفَةَ مَعَ زِيادَةِ تَوْجِيهِ ذِكْرِ الِاسْتِثْناءِ بِقَوْلِهِ: إلّا ما قَدْ سَلَفَ في هَذَيْنِ خاصَّةً، وأحْسَبُ أنَّ هَذا كُلَّهُ تَوْطِئَةٌ لِتَأْوِيلِ الِاسْتِثْناءِ في قَوْلِهِ: إلّا ما قَدْ سَلَفَ بِأنَّ مَعْناهُ: إلّا ما سَلَفَ مِنكم في الجاهِلِيَّةِ فَلا إثْمَ عَلَيْكم فِيهِ، كَما سَيَأْتِي. وكَيْفَ يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ فَقَدْ ذُكِرَ فِيهِنَّ تَحْرِيمُ الرَّبائِبِ والأخَواتِ مِنَ الرَّضاعَةِ، ولا أحْسَبُهُنَّ كُنَّ مُحَرَّماتٍ في الجاهِلِيَّةِ.
واعْلَمْ أنَّ شَرِيعَةَ الإسْلامِ قَدْ نَوَّهَتْ بِبَيانِ القَرابَةِ القَرِيبَةِ، فَغَرَسَتْ لَها في النُّفُوسِ وقارًا يُنَزَّهُ عَنْ شَوائِبِ الِاسْتِعْمالِ في اللَّهْوِ والرَّفَثِ، إذِ الزَّواجُ، وإنْ كانَ غَرَضًا صالِحًا بِاعْتِبارِ غايَتِهِ، إلّا أنَّهُ لا يُفارِقُ الخاطِرَ الأوَّلَ الباعِثَ عَلَيْهِ، وهو خاطِرُ اللَّهْوِ والتَّلَذُّذِ.
فَوَقارُ الوِلادَةِ، أصْلًا وفَرْعًا، مانِعٌ مِن مُحاوَلَةِ اللَّهْوِ بِالوالِدَةِ أوِ المَوْلُودَةِ، ولِذَلِكَ اتَّفَقَتِ الشَّرائِعُ عَلى تَحْرِيمِهِ، ثُمَّ تَلاحَقَ ذَلِكَ في بَناتِ الإخْوَةِ وبَناتِ الأخَواتِ، وكَيْفَ يَسْرِي الوَقارُ إلى فَرْعِ الأخَواتِ ولا يَثْبُتُ لِلْأصْلِ، وكَذَلِكَ (p-٢٩٦)سَرى وقارُ الآباءِ إلى أخَواتِ الآباءِ، وهُنَّ العَمّاتُ، ووَقارُ الأُمَّهاتِ إلى أخَواتِهِنَّ وهُنَّ الخالاتُ، فَمَرْجِعُ تَحْرِيمِ هَؤُلاءِ المُحَرَّماتِ إلى قاعِدَةِ المُرُوءَةِ التّابِعَةِ لِكُلِّيَّةِ حِفْظِ العِرْضِ، مِن قِسْمِ المُناسِبِ الضَّرُورِيِّ، وذَلِكَ مِن أوائِلِ مَظاهِرِ الرُّقِيِّ البَشَرِيِّ. و(ال) في قَوْلِهِ: وبَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ أيْ بَناتُ أخِيكم وبَناتُ أُخْتِكم.
وقَوْلُهُ: ﴿وأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أرْضَعْنَكُمْ﴾ سَمّى المَراضِعَ أُمَّهاتٍ جَرْيًا عَلى لُغَةِ العَرَبِ، وما هُنَّ بِأُمَّهاتٍ حَقِيقَةً، ولَكِنَّهُنَّ تَنَزَّلْنَ مَنزِلَةَ الأُمَّهاتِ لِأنَّ بِلِبانِهِنَّ تَغَذَّتِ الأطْفالُ، ولِما في فِطْرَةِ الأطْفالِ مِن مَحَبَّةٍ لِمُرْضِعاتِهِمْ مَحَبَّةَ أُمَّهاتِهِمُ الوالِداتِ، ولِزِيادَةِ تَقْرِيرِ هَذا الإطْلاقِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ العَرَبُ. ثُمَّ أُلْحِقَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: اللّاتِي أرْضَعْنَكم؛ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أنَّ المُرادَ الأُمَّهاتُ إذْ لَوْ لا قَصْدُ إرادَةِ المُرْضِعاتِ لَما كانَ لِهَذا الوَصْفِ جَدْوى.
وقَدْ أُجْمِلَتْ هُنا صِفَةُ الإرْضاعِ ومُدَّتُهُ وعَدَدُهُ إيكالًا لِلنّاسِ إلى مُتَعارَفِهِمْ. ومِلاكُ القَوْلِ في ذَلِكَ: أنَّ الرَّضاعَ إنَّما اعْتُبِرَتْ لَهُ هَذِهِ الحُرْمَةُ لِمَعْنًى فِيهِ وهو أنَّهُ الغِذاءُ الَّذِي لا غِذاءَ غَيْرَهُ لِلطِّفْلِ يَعِيشُ بِهِ. فَكانَ لَهُ مِنَ الأثَرِ في دَوامِ حَياةِ الطِّفْلِ ما يُماثِلُ أثَرَ الأُمِّ في أصْلِ حَياةِ طِفْلِها. فَلا يُعْتَبَرُ الرَّضاعُ سَبَبًا في حُرْمَةِ المُرْضِعِ عَلى رَضِيعِها إلّا ما اسْتَوْفى هَذا المَعْنى مِن حُصُولِ تَغْذِيَةِ الطِّفْلِ وهو ما كانَ في مُدَّةِ عَدَمِ اسْتِغْناءِ الطِّفْلِ عَنْهُ، ولِذَلِكَ قالَ النَّبِيءُ ﷺ إنَّما الرَّضاعَةُ مِنَ المَجاعَةِ.
قَدْ حُدِّدَتْ مُدَّةُ الحاجَّةِ إلى الرَّضاعِ بِالحَوْلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ البَقَرَةِ. ولا اعْتِدادَ بِالرَّضاعِ الحاصِلِ بَعْدَ مُضِيِّ تَجاوُزِ الطِّفْلِ حَوْلَيْنِ مِن عُمْرِهِ، بِذَلِكَ قالَعُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، والزُّهْرِيُّ، ومالِكٌ، والشّافِعِيُّ، وأحْمَدُ، والأوْزاعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، وأبُو يُوسُفَ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: المُدَّةُ حَوْلانِ وسِتَّةُ أشْهُرٍ. ورَوى ابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ عَنْ مالِكٍ: حَوْلانِ وأيّامٌ يَسِيرَةٌ. ورَوى ابْنُ القاسِمِ عَنْهُ: حَوْلانِ وشَهْرانِ. ورَوى عَنْهُ الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: والشَّهْرانِ والثَّلاثَةُ. والأصَحُّ هو القَوْلُ الأوَّلُ؛ ولا (p-٢٩٧)اعْتِدادَ بِرَضاعٍ فِيما فَوْقَ ذَلِكَ، وما رُوِيَ «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ أمَرَ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ زَوْجَةَ أبِي حُذَيْفَةَ» أنْ تُرْضِعَ سالِمًا مَوْلى أبِي حُذَيْفَةَ لَمّا نَزَلَتْ آيَةُ: وما جَعَلَ أدْعِياءَ كَمْ أبْناءَكم. إذْ كانَ يَدْخُلُ عَلَيْها كَما يَدْخُلُ الأبْناءُ عَلى أُمَّهاتِهِمْ، فَتِلْكَ خُصُوصِيَّةٌ لَها. وكانَتْ عائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ إذا أرادَتْ أنْ يَدْخُلَ عَلَيْها أحَدٌ الحِجابَ أرْضَعَتْهُ، تَأوَّلَتْ ذَلِكَ مِن إذْنِ النَّبِيءِ ﷺ لِسَهْلَةَ زَوْجِ أبِي حُذَيْفَةَ، وهو رَأْيٌ لَمْ يُوافِقْها عَلَيْهِ أُمَّهاتُ المُؤْمِنِينَ، وأبَيْنَ أنْ يَدْخُلَ أحَدٌ عَلَيْهِنَّ بِذَلِكَ، وقالَ بِهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، بِإعْمالِ رَضاعِ الكَبِيرِ. وقَدْ رَجَعَ عَنْهُ أبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ بَعْدَ أنْ أفْتى بِهِ.
أمّا مِقْدارُ الرَّضاعِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّحْرِيمُ، فَهو ما يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّضاعِ وهو ما وصَلَ إلى جَوْفِ الرَّضِيعِ في الحَوْلَيْنِ ولَوْ مَصَّةٌ واحِدَةٌ عِنْدَ أغْلَبِ الفُقَهاءِ، وقَدْ كانَ الحُكْمُ في أوَّلِ أمْرِ التَّحْرِيمِ أنْ لا تَقَعَ الحُرْمَةُ إلّا بِعَشْرِ رَضَعاتٍ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ، «لِحَدِيثِ عائِشَةَ كانَ فِيما أنْزَلَ اللَّهُ (عَشْرُ رَضَعاتٍ مَعْلُوماتٍ يُحَرِّمْنَ) ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُوماتٍ. فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ وهي فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ» وبِهِ أخَذَ الشّافِعِيُّ. وقالَ الجُمْهُورُ: هو مَنسُوخٌ، ورَدُّوا قَوْلَها (فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ وهي فِيما يُقْرَأُ) بِنِسْبَةِ الرّاوِي إلى قِلَّةِ الضَّبْطِ لِأنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ مُسْتَرابَةٌ إذْ أجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلى أنَّها لا تُقْرَأُ ولا نَسْخَ بَعْدَ وفاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ .
وإذا فُطِمَ الرَّضِيعُ قَبْلَ الحَوْلَيْنِ فِطامًا اسْتَغْنى بَعْدَهُ عَنْ لَبَنِ المُرْضِعِ بِالطَّعامِ والشَّرابِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ مَن أرْضَعَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وأخَواتُكم مِنَ الرَّضاعَةِ﴾ إطْلاقُ اسْمِ الأُخْتِ عَلى الَّتِي رَضَعَتْ مِن ثَدْيِ مُرْضِعَةِ مَن أُضِيفَتْ (أُخْتٌ) إلَيْهِ جَرى عَلى لُغَةِ العَرَبِ، كَما تَقَدَّمَ في إطْلاقِ الأُمِّ عَلى المُرْضِعِ. والرَّضاعَةُ بِفَتْحِ الرّاءِ اسْمُ مَصْدَرِ رَضَعَ، ويَجُوزُ كَسْرُ الرّاءِ ولَمْ يُقْرَأْ بِهِ ومَحَلُّ (﴿مِنَ الرَّضاعَةِ﴾) حالٌ مِن (﴿أخَواتِكُمْ﴾ [النور: ٦١]) و(مِن) فِيهِ لِلتَّعْلِيلِ والسَّبَبِيَّةِ، فَلا تُعْتَبَرُ أُخُوَّةُ الرَّضاعَةِ إلّا بِرَضاعَةِ البِنْتِ مِنَ المَرْأةِ الَّتِي أرْضَعَتِ الوَلَدَ.
وقَوْلُهُ: ﴿وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾ هَؤُلاءِ المَذْكُوراتُ إلى قَوْلِهِ: ﴿وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ هُنَّ المُحَرَّماتُ بِسَبَبِ الصِّهْرِ، ولا أحْسَبُ أنَّ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ كانُوا يُحَرِّمُونَ شَيْئًا مِنها، كَيْفَ وقَدْ أباحُوا أزْواجَ الآباءِ وهُنَّ أعْظَمُ حُرْمَةً مِن جَمِيعِ نِساءِ الصِّهْرِ، فَكَيْفَ (p-٢٩٨)يُظَنُّ أنَّهم يُحَرِّمُونَ أُمَّهاتِ النِّساءِ والرَّبائِبَ وقَدْ أُشِيعَ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ يُرِيدُ أنْ يَتَزَوَّجَ دُرَّةَ بِنْتَ أبِي سَلَمَةَ وهي رَبِيبَتُهُ إذْ هي بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَسَألَتْهُ إحْدى أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ فَقالَ: «لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي لَما حَلَّتْ لِي إنَّها ابْنَةُ أخِي مِنَ الرَّضاعَةِ أرْضَعَتْنِي وأبا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ»، وكَذَلِكَ حَلائِلُ الأبْناءِ إذْ هُنَّ أبْعَدُ مِن حَلائِلِ الآباءِ، فَأرى أنَّ هَذا مِن تَحْرِيمِ الإسْلامِ وأنَّ ما حَكى ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ لَيْسَ عَلى إطْلاقِهِ.
وتَحْرِيمُ هَؤُلاءِ حِكْمَتُهُ تَسْهِيلُ الخُلْطَةِ، وقَطْعُ الغَيْرَةِ، بَيْنَ قَرِيبِ القَرابَةِ حَتّى لا تُفْضِي إلى حَزازاتٍ وعَداواتٍ، قالَ الفَخْرُ: لَوْ لَمْ يَدْخُلْ عَلى المَرْأةِ أبُو الرَّجُلِ وابْنُهُ، ولَمْ تَدْخُلْ عَلى الرَّجُلِ امْرَأتُهُ وابْنَتُها، لَبَقِيَتِ المَرْأةُ كالمَحْبُوسَةِ. ولَتَعَطَّلَ عَلى الزَّوْجِ والزَّوْجَةِ أكْثَرُ المَصالِحِ، ولَوْ كانَ الإذْنُ في دُخُولِ هَؤُلاءِ دُونَ حُكْمِ المَحْرَمِيَّةِ فَقَدْ تَمْتَدُّ عَيْنُ البَعْضِ إلى البَعْضِ وتَشْتَدُّ الرَّغْبَةُ فَتَحْصُلُ النُّفْرَةُ الشَّدِيدَةُ بَيْنَهُنَّ، والإيذاءُ مِنَ الأقارِبِ أشَدُّ إيلامًا، ويَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّطْلِيقُ، أمّا إذا حَصَلَتِ المَحْرَمِيَّةُ انْقَطَعَتِ الأطْماعُ، وانْحَبَسَتِ الشَّهْوَةُ، فَلا يَحْصُلُ ذَلِكَ الضَّرَرُ، فَيَبْقى النِّكاحُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ سَلِيمًا عَنْ هَذِهِ المَفْسَدَةِ. قُلْتُ: وعَلَيْهِ فَتَحْرِيمُ هَؤُلاءِ مِن قِسْمِ الحاجِيِّ مِنَ المُناسِبِ.
والرَّبائِبُ جَمْعُ رَبِيبَةٍ، وهي فَعِيلَةٌ بِمَعْنى مَفْعُولَةٍ، مِن رَبَّهُ: إذا كَفَلَهُ ودَبَّرَ شُؤُونَهُ، فَزَوْجُ الأُمِّ رابٌّ وابْنَتُها مَرْبُوبَةٌ لَهُ، لِذَلِكَ قِيلَ لَها رَبِيبَةٌ.
والحُجُورُ جَمْعُ حِجْرٍ بِفَتْحِ الحاءِ وكَسْرِها مَعَ سُكُونِ الجِيمِ وهو ما يَحْوِيهِ مُجْتَمَعُ الرِّجْلَيْنِ لِلْجالِسِ المُتَرَبِّعِ. والمُرادُ بِهِ هُنا مَعْنًى مَجازِيٌّ وهو الحَضانَةُ والكَفالَةُ، لِأنَّ أوَّلَ كَفالَةِ الطِّفْلِ تَكُونُ بِوَضْعِهِ في الحِجْرِ، كَما سُمِّيَتْ حَضانَةً، لِأنَّ أوَّلَها وضْعُ الطِّفْلِ في الحِضْنِ.
وظاهِرُ الآيَةِ أنَّ الرَّبِيبَةَ لا تَحْرُمُ عَلى زَوْجِ أُمِّها إلّا إذا كانَتْ في كَفالَتِهِ، (p-٢٩٩)لِأنَّ قَوْلَهُ: اللّاتِي في جُحُورِكم وصْفٌ والأصْلُ فِيهِ إرادَةُ التَّقْيِيدِ كَما أُرِيدَ مِن قَوْلِهِ: وأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أرْضَعْنَكم فَظاهِرُ هَذا أنَّها لَوْ كانَتْ بَعِيدَةً عَنْ حَضانَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ. ونُسِبَ الأخْذُ بِهَذا الظّاهِرِ إلى عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ، رَواهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وأنْكَرَ ابْنُ المُنْذِرِ والطَّحاوِيُّ صِحَّةَ سَنَدِ النَّقْلِ عَنْ عَلِيٍّ، وقالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: إنَّهُ نَقْلٌ باطِلٌ. وجَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ في المُحَلّى بِصِحَّةِ نِسْبَةِ ذَلِكَ إلى عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ وعُمَرِ بْنِ الخَطّابِ. وقالَ بِذَلِكَ الظّاهِرِيَّةُ، وكَأنَّهم نَظَرُوا إلى أنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِها مُرَكَّبَةٌ مِن كَوْنِها رَبِيبَةً وما حَدَثَ مِنَ الوَقارِ بَيْنَها وبَيْنَ حاجِرِها إذا كانَتْ في حِجْرِهِ. وأمّا جُمْهُورُ أهْلِ العِلْمِ فَجَعَلُوا هَذا الوَصْفَ بَيانًا لِلْواقِعِ خارِجًا مَخْرَجَ الغالِبِ، وجَعَلُوا الرَّبِيبَةَ حَرامًا عَلى زَوْجِ أُمِّها، ولَوْ لَمْ تَكُنْ هي في حِجْرِهِ. وكَأنَّ الَّذِي دَعاهم إلى ذَلِكَ هو النَّظَرُ إلى عِلَّةِ تَحْرِيمِ المُحَرَّماتِ بِالصِّهْرِ، وهي الَّتِي أشارَ إلَيْها كَلامُ الفَخْرِ المُتَقَدِّمُ. وعِنْدِي أنَّ الأظْهَرَ أنْ يَكُونَ الوَصْفُ هُنا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ: أيْ لِأنَّهُنَّ في حُجُورِكم، وهو تَعْلِيلٌ بِالمَظِنَّةِ فَلا يَقْتَضِي اطِّرادَ العِلَّةِ في جَمِيعِ مَواقِعِ الحُكْمِ.
وقَوْلُهُ مِن ﴿نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ ذُكِرَ قَوْلُهُ (مِن نِسائِكم) لِيُبْنى عَلَيْهِ: اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وهو قَيْدٌ في تَحْرِيمِ الرَّبائِبِ بِحَيْثُ لا تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ إلّا إذا وقَعَ البِناءُ بِأُمِّها، ولا يُحَرِّمُها مُجَرَّدُ العَقْدِ عَلى أُمِّها، وهَذا القَيْدُ جَرى هُنا ولَمْ يَجْرِ عَلى قَوْلِهِ (﴿وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾) بَلْ أُطْلِقَ الحُكْمُ هُناكَ، فَقالَ الجُمْهُورُ هُناكَ: أُمَّهاتُ نِسائِكم مَعْناهُ أُمَّهاتُ أزْواجِكم، فَأُمُّ الزَّوْجَةِ تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الرَّجُلِ عَلى ابْنَتِها لِأنَّ العَقْدَ يُصَيِّرُها امْرَأتَهُ، ولا يَلْزَمُ الدُّخُولُ ولَمْ يَحْمِلُوا المُطْلَقَ مِنهُ عَلى المُقَيَّدِ بَعْدَهُ، ولا جَعَلُوا الصِّفَةَ راجِعَةً لِلْمُتَعاطِفاتِ لِأنَّها جَرَتْ عَلى مَوْصُوفٍ مُتَعَيِّنٍ تَعَلُّقُهُ بِأحَدِ المُتَعاطِفاتِ، وهو قَوْلُهُ (مِن نِسائِكُمُ) المُتَعَلِّقُ بِقَوْلِهِ (﴿ورَبائِبُكُمُ﴾) ولا يَصْلُحُ تَعَلُّقُهُ بِـ (أُمَّهاتُ نِسائِكم) .
وقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، وابْنُ عُمَرَ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ وجابِرٌ، وابْنُ الزُّبَيْرِ: لا تَحْرُمُ أُمُّ المَرْأةِ عَلى زَوْجِ ابْنَتِها حَتّى يَدْخُلَ بِابْنَتِها حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلى المُقَيَّدِ، وهو الأصَحُّ مَحْمَلًا، ولَمْ يَسْتَطِعِ الجُمْهُورُ أنْ (p-٣٠٠)يُوَجِّهُوا مَذْهَبَهم بِعِلَّةٍ بَيِّنَةٍ، ولا أنْ يَسْتَظْهِرُوا عَلَيْهِ بِأثَرٍ. وعِلَّةُ تَحْرِيمِ المَرْأةِ عَلى زَوْجِ ابْنَتِها تُساوِي عِلَّةَ تَحْرِيمِ رَبِيبَةِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ، ويَظْهَرُ أنَّ اللَّهَ ذَكَرَ أُمَّهاتِ النِّساءِ قَبْلَ أنْ يَذْكُرَ الرَّبائِبَ، فَلَوْ أرادَ اشْتِراطَ الدُّخُولِ بِالأُمَّهاتِ في تَحْرِيمِهِنَّ عَلى أزْواجِ بَناتِهِنَّ لَذَكَرَهُ في أوَّلِ الكَلامِ قَبْلَ أنْ يَذْكُرَهُ مَعَ الرَّبائِبِ.
وهُنالِكَ رِوايَةٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ أنَّهُ قالَ: إذا طَلَّقَ الأُمَّ قَبْلَ البِناءِ فَلَهُ التَّزَوُّجُ بِابْنَتِها، وإذا ماتَتْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ ابْنَتُها، وكَأنَّهُ نَظَرَ إلى أنَّ الطَّلاقَ عُدُولٌ عَنِ العَقْدِ، والمَوْتَ أمْرٌ قاهِرٌ، فَكَأنَّهُ كانَ ناوِيًا الدُّخُولَ بِها، ولا حَظَّ لِهَذا القَوْلِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ﴾ الحَلائِلُ جَمْعُ الحَلِيلَةِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنى فاعِلَةٍ، وهي الزَّوْجَةُ، لِأنَّها تَحِلُّ مَعَهُ، وقالَ الزَّجّاجُ: هي فَعِيلَةٌ بِمَعْنى مَفْعُولَةٍ، أيْ مُحَلَّلَةٍ إذْ أباحَها أهْلُها لَهُ، فَيَكُونُ مِن مَجِيءِ فَعِيلٍ لِلْمَفْعُولِ مِنَ الرُّباعِيِّ في قَوْلِهِمْ حَكِيمٍ، والعُدُولُ عَنْ أنْ يُقالَ: وما نَكَحَ أبْناؤُكم أوْ: ونِساءُ أبْنائِكم، إلى قَوْلِهِ (﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ﴾) تَفَنُّنٌ لِتَجَنُّبِ تَكْرِيرِ أحَدِ اللَّفْظَيْنِ السّابِقَيْنِ وإلّا فَلا فَرْقَ في الإطْلاقِ بَيْنَ الألْفاظِ الثَّلاثَةِ.
وقَدْ سُمِّيَ الزَّوْجُ أيْضًا بِالخَلِيلِ وهو يَحْتَمِلُ الوَجْهَيْنِ كَذَلِكَ، وتَحْرِيمُ حَلِيلَةِ الِابْنِ واضِحُ العِلَّةِ، كَتَحْرِيمِ حَلِيلَةِ الأبِ.
وقَوْلُهُ: الَّذِينَ مِن أصْلابِكم. تَأْكِيدٌ لِمَعْنى الأبْناءِ لِدَفْعِ احْتِمالِ المَجازِ، إذْ كانَتِ العَرَبُ تُسَمِّي المُتَبَنّى ابْنًا، وتَجْعَلُ لَهُ ما لِلِابْنِ، حَتّى أبْطَلَ الإسْلامُ ذَلِكَ وقالَ تَعالى: (﴿ادْعُوهم لِآبائِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٥]) فَما دُعِيَ أحَدٌ لِمُتَبَنِّيهِ بَعْدُ، إلّا المِقْدادُ بْنُ الأسْوَدِ وعُدَّتْ خُصُوصِيَّةً. وأكَّدَ اللَّهُ ذَلِكَ بِالتَّشْرِيعِ الفِعْلِيِّ بِالإذْنِ لِرَسُولِهِ ﷺ بِتَزَوُّجِ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، بَعْدَ أنْ طَلَّقَها زَيْدُ بْنُ حارِثَةَ الَّذِي كانَ تَبَنّاهُ، وكانَ يُدْعى زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ. وابْنُ الِابْنِ وابْنُ البِنْتِ، وإنْ سَفَلا، أبْناءٌ مِنَ الأصْلابِ لِأنَّ لِلْجِدِّ عَلَيْهِمْ وِلادَةً لا مَحالَةَ.
وقَوْلُهُ: ﴿وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ هَذا تَحْرِيمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ فَحِكْمَتُهُ دَفْعُ الغَيْرَةِ عَمَّنْ يُرِيدُ الشَّرْعُ بَقاءَ تَمامِ المَوَدَّةِ بَيْنَهُما، وقَدْ عُلِمَ أنَّ (p-٣٠١)المُرادَ الجَمْعُ بَيْنَهُما فِيما فِيهِ غَيْرَةٌ، وهو النِّكاحُ أصالَةً، ويُلْحَقُ بِهِ الجَمْعُ بَيْنَهُما في التَّسَرِّي بِمِلْكِ اليَمِينِ، إذِ العِلَّةُ واحِدَةٌ فَقَوْلُهُ تَعالى: وأُحِلَّ لَكم ما وراءَ ذَلِكم أنْ تَبْتَغُوا بِأمْوالِكم. وقَوْلُهُ: ﴿إلّا ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] يُخَصُّ بِغَيْرِ المَذْكُوراتِ. ورُوِيَ عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ: أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ في التَّسَرِّي فَقالَ أحَلَّتْهُما آيَةٌ يَعْنِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وأحَلَّ لَكم ما وراءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] وحَرَّمَتْهُما آيَةٌ، يَعْنِي هَذِهِ الآيَةَ، أيْ فَهو مُتَوَقِّفٌ. ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ، وعَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحابَةِ، أنَّ الجَمْعَ بَيْنَهُما في التَّسَرِّي حَرامٌ، وهو قَوْلُ مالِكٍ. قالَ مالِكٌ فَإنْ تَسَرّى بِإحْدى الأُخْتَيْنِ ثُمَّ أرادَ التَّسَرِّي بِالأُخْرى وقَفَ حَتّى يُحَرِّمَ الأُولى بِما تَحْرُمُ بِهِ مِن بَيْعٍ أوْ كِتابَةٍ أوْ عِتْقٍ ولا يُحَدُّ إذا جَمَعَ بَيْنَهُما. وقالَ الظّاهِرِيَّةُ: يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ في التَّسَرِّي لِأنَّ الآيَةَ وارِدَةٌ في أحْكامِ النِّكاحِ، أمّا الجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ في مُجَرَّدِ المِلْكِ فَلا حَظْرَ فِيهِ.
وقَوْلُهُ: إلّا ما قَدْ سَلَفَ هو كَنَظِيرِهِ السّابِقِ، والبَيانُ فِيهِ كالبَيانِ هُناكَ، بَيْدَ أنَّ القُرْطُبِيَّ قالَ هُنا: ويَحْتَمِلُ مَعْنًى زائِدًا وهو جَوازُ ما سَلَفَ وأنَّهُ إذا جَرى الجَمْعُ في الجاهِلِيَّةِ كانَ النِّكاحُ صَحِيحًا وإذا جَرى الجَمْعُ في الإسْلامِ خُيِّرَ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ مِن غَيْرِ إجْراءِ عُقُودِ الكُفّارِ عَلى مُقْتَضى الإسْلامِ، ولَمْ يَعْزُ القَوْلَ بِذَلِكَ لِأحَدٍ مِنَ الفُقَهاءِ.
وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ يُناسِبُ أنْ يَكُونَ مَعْنى إلّا ما قَدْ سَلَفَ تَقْرِيرَ ما عَقَدُوهُ مِن ذَلِكَ في عَهْدِ الجاهِلِيَّةِ، فالمَغْفِرَةُ لِلتَّجاوُزِ عَنِ الِاسْتِمْرارِ عَلَيْهِ، والرَّحْمَةُ لِبَيانِ سَبَبِ ذَلِكَ التَّجاوُزِ.
{"ayah":"حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمۡ أُمَّهَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَ ٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَـٰلَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَـٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِیۤ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَ ٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ وَأُمَّهَـٰتُ نِسَاۤىِٕكُمۡ وَرَبَـٰۤىِٕبُكُمُ ٱلَّـٰتِی فِی حُجُورِكُم مِّن نِّسَاۤىِٕكُمُ ٱلَّـٰتِی دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُوا۟ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ وَحَلَـٰۤىِٕلُ أَبۡنَاۤىِٕكُمُ ٱلَّذِینَ مِنۡ أَصۡلَـٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُوا۟ بَیۡنَ ٱلۡأُخۡتَیۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق