الباحث القرآني

وَلَمّا ذَكَرَ في أوَّلِ السُورَةِ نِكاحَ ﴿ما طابَ﴾ أيْ: حَلَّ ﴿مِنَ النِساءِ﴾ وذَكَرَ بَعْضَ ما حَرَّمَ قَبْلَ هَذا، وهو نِساءُ الآباءِ، ذَكَرَ المُحَرَّماتِ الباقِياتِ، وهُنَّ سَبْعٌ مِنَ النَسَبِ، وسَبْعٌ مِنَ السَبَبِ، وبَدَأ بِالنَسَبِ فَقالَ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ والمُرادُ: تَحْرِيمُ نِكاحِهِنَّ عِنْدَ البَعْضِ، وقَدْ ذَكَرْنا المُخْتارَ في "شَرْحِ المَنارِ"، والجَدَّةُ مِن قِبَلِ الأُمِّ أوِ الأبِ مُلْحَقَةٌ بِهِنَّ ﴿وَبَناتُكُمْ﴾ وبَناتُ الِابْنِ وبَناتُ البِنْتِ مُلْحَقاتٌ بِهِنَّ، والأصْلُ: أنَّ الجَمْعَ إذا قُوبِلَ بِالجَمْعِ يَنْقَسِمُ الآحادُ عَلى الآحادِ، فَتَحْرُمُ عَلى كُلِّ واحِدٍ أُمُّهُ وبِنْتُهُ. (p-٣٤٦)﴿وَأخَواتُكُمْ﴾ لِأبٍ وأُمٍّ، أوْ لِأبٍ أوْ لِأُمٍّ. ﴿وَعَمّاتُكُمْ﴾ مِنَ الأوْجُهِ الثَلاثَةِ، ﴿وَخالاتُكُمْ﴾ كَذَلِكَ، ﴿وَبَناتُ الأخِ﴾ كَذَلِكَ، ﴿وَبَناتُ الأُخْتِ﴾ كَذَلِكَ، ثُمَّ شَرَعَ في السَبَبِ فَقالَ: ﴿وَأُمَّهاتُكُمُ اللاتِي أرْضَعْنَكم وأخَواتُكم مِنَ الرَضاعَةِ﴾ اللهُ تَعالى نَزَّلَ الرَضاعَةَ مَنزِلَةَ النَسَبِ، فَسَمّى المُرْضِعَةَ أمًّا لِلرَّضِيعِ، والمُراضَعَةَ أُخْتًا، وكَذَلِكَ زَوْجُ المُرْضِعَةِ أبُوهُ، وأبَواهُ جَدّاهُ، وأُخْتُهُ عَمَّتُهُ، وكُلُّ ولَدٍ وُلِدَ لَهُ مِن غَيْرِ المُرْضِعَةِ قَبْلَ الرَضاعِ وبَعْدَهُ فَهم إخْوَتُهُ وأخَواتُهُ لِأبِيهِ، وأُمُّ المُرْضِعَةِ جَدَّتُهُ، وأُخْتُها خالَتُهُ، وكُلُّ مَن وُلِدَ لَها مِن هَذا الزَوْجِ فَهم إخْوَتُهُ وأخَواتُهُ لِأبِيهِ وأُمِّهِ. ومَن وُلِدَ لَها مِن غَيْرِهِ فَهم إخْوَتُهُ وأخَواتُهُ لِأُمٍّ، وأصْلُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « "يَحْرُمُ مِنَ الرَضاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَسَبِ". »﴿وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾ وهُنَّ مُحَرَّماتٌ بِمُجَرَّدِ العَقْدِ ﴿وَرَبائِبُكُمُ﴾ سُمِّي ولَدُ المَرْأةِ مِن غَيْرِ زَوْجِها رَبِيبًا ورَبِيبَةً، لِأنَّهُ يَرُبُّهُما كَما يَرُبُّ ولَدَهُ في غالِبِ الأمْرِ، ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ فَسُمِّيا بِذَلِكَ وإنْ لَمْ يَرُبَّهُما ﴿اللاتِي في حُجُورِكُمْ﴾ قالَ داوُدُ: إذا لَمْ تَكُنْ في حِجْرِهِ لا تَحْرُمُ، قُلْنا: ذِكْرُ الحِجْرِ عَلى غَلَبَةِ الحالِ دُونَ الشَرْطِ، وفائِدَتُهُ: التَعْلِيلُ لِلتَّحْرِيمِ، وأنَّهُنَّ لِاحْتِضانِكم لَهُنَّ، أوْ لِكَوْنِهِنَّ بِصَدَدِ احْتِضانِكُمْ، كَأنَّكم في العَقْدِ عَلى بَناتِهِنَّ عاقِدُونَ عَلى بَناتِكم. ﴿مِن نِسائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِرَبائِبِكُمْ، أيِ: الرَبِيبَةُ مِنَ المَرْأةِ المَدْخُولِ بِها حَرامٌ عَلى الرَجُلِ، حَلالٌ لَهُ إذا لَمْ يَدْخُلْ بِها، والدُخُولُ بِهِنَّ كِنايَةٌ عَنِ الجِماعِ، كَقَوْلِهِمْ: بَنى عَلَيْها، وضَرَبَ عَلَيْها الحِجابَ، أيْ: أدْخَلْتُمُوهُنَّ السِتْرَ، والباءُ لِلتَّعْدِيَةِ، واللَمْسُ ونَحْوُهُ يَقُومُ مَقامَ الدُخُولِ، وقَدْ جَعَلَ بَعْضُ العُلَماءِ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وصْفًا لِلنِّساءِ المُتَقَدِّمَةِ والمُتَأخِّرَةِ، ولَيْسَ كَذَلِكَ، لِأنَّ الوَصْفَ الواحِدَ لا يَقَعُ عَلى مَوْصُوفَيْنِ مُخْتَلِفَيِ العامِلِ، وهَذا لِأنَّ النِساءَ (p-٣٤٧)الأوْلى مَجْرُورَةٌ بِالإضافَةِ، والثانِيَةَ بِمِن. ولا يَجُوزُ أنْ تَقُولَ: مَرَرْتُ بِنِسائِكَ، وهَرَبْتُ مِن نِساءِ زَيْدٍ الظَرِيفاتِ، عَلى أنْ تَكُونَ الظَرِيفاتُ نَعْتًا لِهَؤُلاءِ النِساءِ، وهَؤُلاءِ النِساءِ كَذا قالَ الزَجّاجُ وغَيْرُهُ، وهَذا أوْلى مِمّا قالَهُ صاحِبُ "الكَشّافِ" فِيهِ ﴿فَإنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ فَلا حَرَجَ عَلَيْكم في أنْ تَتَزَوَّجُوا بَناتِهِنَّ إذا فارَقْتُمُوهُنَّ، أوْ مُتْنَ. ﴿وَحَلائِلُ أبْنائِكُمُ﴾ جَمْعُ حَلِيلَةٍ، وهي الزَوْجَةُ، لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما يَحِلُّ لِلْآخَرِ، أوْ يَحِلُّ فِراشُ الآخَرِ، مِنَ الحِلِّ، أوْ مِنَ الحُلُولِ. ﴿الَّذِينَ مِن أصْلابِكُمْ﴾ دُونَ مَن تَبَنَّيْتُمْ، فَقَدْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ زَيْنَبَ حِينَ فارَقَها زَيْدٌ، وقالَ اللهُ تَعالى: ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ عَلى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أزْواجِ أدْعِيائِهِمْ﴾ [الأحْزابُ: ٣٧]. ولَيْسَ هَذا لِنَفْيِ الحُرْمَةِ عَنْ حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنَ الرَضاعِ. ﴿وَأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ أيْ: في النِكاحِ، وهو في مَوْضِعِ الرَفْعِ عَطْفٌ عَلى المُحَرَّماتِ، أيْ: وحُرِّمَ عَلَيْكُمُ الجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ. ﴿إلا ما قَدْ سَلَفَ﴾ ولَكِنْ ما مَضى مَغْفُورٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ رَحِمَهُ اللهُ: أنَّ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ كانُوا يَعْرِفُونَ هَذِهِ المُحَرَّماتِ إلّا نِكاحَ امْرَأةِ الأبِ، ونِكاحَ الأُخْتَيْنِ، فَلِذا قالَ فِيهِما: ﴿إلا ما قَدْ سَلَفَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب