الباحث القرآني
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكم وأخَواتُكم وعَمّاتُكم وخالاتُكم وبَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ﴾ لَيْسَ المُرادُ تَحْرِيمَ ذَواتِهِنَّ بَلْ تَحْرِيمَ نِكاحِهِنَّ لِأنَّهُ مُعْظَمُ ما يُقْصَدُ مِنهُنَّ، ولِأنَّهُ المُتَبادَرُ إلى الفَهْمِ كَتَحْرِيمِ الأكْلِ مِن قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ﴾ ولِأنَّ ما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ في النِّكاحِ، وأُمَّهاتُكم تَعُمُّ مَن ولَدَتْكَ أوْ ولَدَتْ مَن ولَدَكَ وإنْ عَلَتْ، وبَناتِكم تَتَناوَلُ مَن ولَدْتَها أوْ ولَدْتَ مَن ولَدَها وإنْ سَفُلَتْ، وأخَواتِكُمُ الأخَواتُ مِنَ الأوْجُهِ الثَّلاثَةِ. وكَذَلِكَ الباقِياتُ والعَمَّةُ كُلُّ أُنْثى ولَدُها مَن وُلِدَ ذَكَرًا ولَدَكَ والخالَةُ كُلُّ أُنْثى ولَدُها مَن وُلِدَ أُنْثى ولَدَتْكَ قَرِيبًا أوْ بَعِيدًا، وبَناتِ الأخِ وبَناتِ الأُخْتِ تَتَناوَلُ القُرْبى والبُعْدى. ﴿وَأُمَّهاتُكُمُ اللاتِي أرْضَعْنَكم وأخَواتُكم مِنَ الرَّضاعَةِ﴾ نَزَّلَ اللَّهُ الرَّضاعَةَ مَنزِلَةَ النَّسَبِ حَتّى سَمّى المُرْضِعَةَ أُمًّا والمُرْضَّعَةَ أُخْتًا، وأمْرُها عَلى قِياسِ النِّسَبِ بِاعْتِبارِ المُرْضَعَةِ ووالِدُ الطِّفْلِ الَّذِي دَرَّ عَلَيْهِ اللَّبَنَ.
قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ».»
واسْتِثْناءُ أُخْتِ ابْنِ الرَّجُلِ وأُمِّ أخِيهِ مِنَ الرِّضاعِ مِن هَذا الأصْلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإنَّ حُرْمَتَهُما مِنَ النَّسَبِ بِالمُصاهَرَةِ دُونَ النَّسَبِ. ﴿وَأُمَّهاتُ نِسائِكم ورَبائِبُكُمُ اللاتِي في حُجُورِكم مِن نِسائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ ذَكَرَ أوَّلًا مُحَرَّماتِ النَّسَبِ ثُمَّ مُحَرَّماتِ الرَّضاعَةِ، لِأنَّ لَها لُحْمَةً كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، ثُمَّ مُحَرَّماتِ المُصاهَرَةِ فَإنَّ تَحْرِيمَهُنَّ عارِضٌ لِمَصْلَحَةِ الزَّواجِ، والرَّبائِبُ جُمَعُ رَبِيبَةٍ. والرَّبِيبُ ولَدُ المَرْأةِ مِن آخَرَ سُمِّيَ بِهِ لِأنَّهُ يُرَبِّهُ كَما يُرَبِّ ولَدَهُ في غالِبِ الأمْرِ، فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ وإنَّما لَحِقَهُ التّاءَ لِأنَّهُ صارَ اسْمًا ومِن نِسائِكم مُتَعَلِّقٌ بِرَبائِبِكُمْ، واللّاتِي بِصِلَتِها صِفَةٌ لَها مُقَيِّدَةٌ لِلَّفْظِ والحُكَمُ بِالإجْماعِ قَضِيَّةٌ لِلنُّظُمِ، ولا يَجُوزُ تَعْلِيقُها بِالأُمَّهاتِ أيْضًا لِأنَّ مَن إذا عَلَّقْتَها بِالرَّبائِبِ كانَتِ ابْتِدائِيَّةً، وإذا عَلَّقْتَها بِالأُمَّهاتِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بَلْ وجَبَ أنْ يَكُونَ بَيانًا لِنِسائِكم والكَلِمَةُ الواحِدَةُ لا تُحْمَلُ عَلى مَعْنَيَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الأُدَباءِ اللَّهُمَّ إذا جَعَلْتَها لِلِاتِّصالِ كَقَوْلِهِ: (p-68)
؎ إذا حاوَلْتَ في أسَدٍ فُجُورًا ∗∗∗ فَإنِّي لَسْتُ مِنكَ ولَسْتَ مِنِّي
عَلى مَعْنى أنَّ أُمَّهاتِ النِّساءِ وبَناتِهِنَّ مُتَّصِلاتٌ بِهِنَّ، لَكِنَّ الرَّسُولَ ﷺ فَرَّقَ بَيْنَهُما فَقالَ في رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأةً وطَلَّقَها قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِها: «إنَّهُ لا بَأْسَ أنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَها ولا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّها».»
وَإلَيْهِ ذَهَبَ عامَّةُ العُلَماءِ، غَيْرَ أنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ تَقْيِيدُ التَّحْرِيمِ فِيهِما. ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَوْصُولُ الثّانِي صِفَةً لِلنِّساءَيْنِ لِأنَّ عامِلَهُما مُخْتَلِفٌ، وفائِدَةُ قَوْلِهِ في حُجُورِكم تَقْوِيَةُ العِلَّةِ وتَكْمِيلُها، والمَعْنى أنَّ الرَّبائِبَ إذا دَخَلْتُمْ بِأُمَّهاتِهِنَّ وهُنَّ في احْتِضانِكم أوْ بِصَدَدِهِ تَقَوّى الشَّبَهُ بَيْنَها وبَيْنَ أوْلادِكم وصارَتْ أحِقّاءَ بِأنْ تُجْرُوها مَجْراهم لا تَقْيِيدَ الحُرْمَةِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ العُلَماءِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا، والأُمَّهاتُ والرَّبائِبُ يَتَناوَلانِ القَرِيبَةَ والبَعِيدَةَ، وقَوْلُهُ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ أيْ دَخَلْتُمْ مَعَهُنَّ السَّتْرَ وهي كِنايَةٌ عَنِ الجِماعِ، ويُؤَثِّرُ في حُرْمَةِ المُصاهَرَةِ ما لَيْسَ بِزِنًا كالوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، أوْ مِلْكِ يَمِينٍ. وعِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ لَمْسُ المَنكُوحَةِ ونَحْوُهُ كالدُّخُولِ. ﴿فَإنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ تَصْرِيحٌ بَعْدَ إشْعارٍ دَفْعًا لِلْقِياسِ.
﴿وَحَلائِلُ أبْنائِكُمُ﴾ زَوْجاتُهُمْ، سُمِّيَتِ الزَّوْجَةُ حَلِيلَةً لِحِلِّها أوْ لِحُلُولِها مَعَ الزَّوْجِ. ﴿الَّذِينَ مِن أصْلابِكُمْ﴾ احْتِرازٌ عَنِ المُتَبَنِّينَ لا عَنْ أبْناءِ الوَلَدِ ﴿وَأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ في مَوْضِعِ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلى المُحَرَّماتِ، والظّاهِرُ أنَّ الحُرْمَةَ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلى النِّكاحِ فَإنَّ المُحَرَّماتِ المَعْدُودَةَ كَما هي مُحَرَّمَةٌ في النِّكاحِ فَهي مُحَرَّمَةٌ في مِلْكِ اليَمِينِ، ولِذَلِكَ قالَ عُثْمانُ وعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: حَرَّمَتْهُما آيَةٌ وأحَلَّتْهُما آيَةٌ، يَعْنِيانِ هَذِهِ الآيَةَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ فَرَجَّحَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ التَّحْرِيمَ، وعُثْمانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ التَّحْلِيلَ.
وَقَوْلُ عَلِيٍّ أظْهَرُ لِأنَّ آيَةَ التَّحْلِيلِ مَخْصُوصَةٌ في غَيْرِ ذَلِكَ، ولِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «ما اجْتَمَعَ الحَلالُ والحَرامُ إلّا غَلَبَ الحَرامَ».» ﴿إلا ما قَدْ سَلَفَ﴾ اسْتِثْناءٌ مِن لازِمِ المَعْنى، أوْ مُنْقَطِعٌ مَعْناهُ لَكِنْ ما قَدْ سَلَفَ مَغْفُورٌ لِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾
{"ayah":"حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمۡ أُمَّهَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَ ٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَـٰلَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَـٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِیۤ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَ ٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ وَأُمَّهَـٰتُ نِسَاۤىِٕكُمۡ وَرَبَـٰۤىِٕبُكُمُ ٱلَّـٰتِی فِی حُجُورِكُم مِّن نِّسَاۤىِٕكُمُ ٱلَّـٰتِی دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُوا۟ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ وَحَلَـٰۤىِٕلُ أَبۡنَاۤىِٕكُمُ ٱلَّذِینَ مِنۡ أَصۡلَـٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُوا۟ بَیۡنَ ٱلۡأُخۡتَیۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق