الباحث القرآني
النَّوْعُ السّادِسُ: مِنَ التَّكالِيفِ المُتَعَلِّقَةِ بِالنِّساءِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ الآياتِ:
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكم وأخَواتُكم وعَمّاتُكم وخالاتُكم وبَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ﴾ .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكم وأخَواتُكم وعَمّاتُكم وخالاتُكم وبَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى نَصَّ عَلى تَحْرِيمِ أرْبَعَةَ عَشَرَ صِنْفًا مِنَ النِّسْوانِ: سَبْعَةٌ مِنهُنَّ مِن جِهَةِ النَّسَبِ، وهُنَّ الأُمَّهاتُ والبَناتُ والأخَواتُ والعَمّاتُ والخالاتُ وبَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ، وسَبْعَةٌ أُخْرى لا مِن جِهَةِ النَّسَبِ وهُنَّ: الأُمَّهاتُ مِنَ الرَّضاعَةِ والأخَواتُ مِنَ الرَّضاعَةِ وأُمَّهاتُ النِّساءِ وبَناتُ النِّساءِ بِشَرْطِ أنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِالنِّساءِ، وأزْواجُ الأبْناءِ والآباءِ، إلّا أنَّ أزْواجَ الأبْناءِ مَذْكُورَةٌ هَهُنا، وأزْواجُ الآباءِ مَذْكُورَةٌ في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ، والجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ. وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: ذَهَبَ الكَرْخِيُّ إلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مُجْمَلَةٌ قالَ: لِأنَّهُ أُضِيفَ التَّحْرِيمُ فِيها إلى الأُمَّهاتِ والبَناتِ، والتَّحْرِيمُ لا يُمْكِنُ إضافَتُهُ إلى الأعْيانِ، وإنَّما يُمْكِنُ إضافَتُهُ إلى الأفْعالِ، وذَلِكَ الفِعْلُ غَيْرُ مَذْكُورٍ في الآيَةِ، فَلَيْسَتْ إضافَةُ هَذا التَّحْرِيمِ إلى بَعْضِ الأفْعالِ الَّتِي لا يُمْكِنُ إيقاعُها في ذَواتِ الأُمَّهاتِ والبَناتِ، أوْلى مِن بَعْضٍ، فَصارَتِ الآيَةُ مُجْمَلَةً مِن هَذا الوَجْهِ.
والجَوابُ عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ تَقْدِيمَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ تَحْرِيمُ نِكاحِهِنَّ.
الثّانِي: أنَّ مِنَ المَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ مِن دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ أنَّ المُرادَ مِنهُ تَحْرِيمُ نِكاحِهِنَّ، والأصْلُ فِيهِ أنَّ الحُرْمَةَ والإباحَةَ إذا أُضِيفَتا إلى الأعْيانِ، فالمُرادُ (p-٢٢)تَحْرِيمُ الفِعْلِ المَطْلُوبِ مِنها في العُرْفِ، فَإذا قِيلَ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ والدَّمُ، فَهِمَ كُلُّ أحَدٍ أنَّ المُرادَ تَحْرِيمُ أكْلِهِما، وإذا قِيلَ: حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكم وأخَواتُكم، فَهِمَ كُلُّ أحَدٍ أنَّ المُرادَ تَحْرِيمُ نِكاحِهِنَّ، ولَمّا قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلّا لِإحْدى مَعانٍ ثَلاثٍ» “ فَهِمَ كُلُّ أحَدٍ أنَّ المُرادَ لا يَحِلُّ إراقَةُ دَمِهِ، وإذا كانَتْ هَذِهِ الأُمُورُ مَعْلُومَةً بِالضَّرُورَةِ كانَ إلْقاءُ الشُّبُهاتِ فِيها جارِيًا مَجْرى القَدْحِ في البَدِيهِيّاتِ وشِبْهِ السُّوفِسْطائِيَّةِ، فَكانَتْ في غايَةِ الرَّكاكَةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
بَلى عِنْدِي فِيهِ بَحْثٌ مِن وُجُوهٍ أُخْرى:
أحَدُها: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ﴾ مَذْكُورٌ عَلى ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأنَّ فاعِلَ التَّحْرِيمِ هو اللَّهُ تَعالى، وما لَمْ يُثْبَتْ ذَلِكَ لَمْ تُفِدِ الآيَةُ شَيْئًا آخَرَ، ولا سَبِيلَ إلَيْهِ إلّا بِالإجْماعِ، فَهَذِهِ الآيَةُ وحْدَها لا تُفِيدُ شَيْئًا، بَلْ لا بُدَّ مَعَها مِنَ الإجْماعِ عَلى هَذِهِ المُقَدِّمَةِ.
وثانِيها: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ﴾ لَيْسَ نَصًّا في ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ عَلى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ، فَإنَّ القَدْرَ المَذْكُورَ في الآيَةِ يُمْكِنُ تَقْسِيمُهُ إلى المُؤَبَّدِ، وإلى المُؤَقَّتِ، كَأنَّهُ تَعالى تارَةً قالَ: حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكم إلى الوَقْتِ الفُلانِيِّ فَقَطْ، وأُخْرى: حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكم مُؤَبَّدًا مُخَلَّدًا، وإذا كانَ القَدْرُ المَذْكُورُ في الآيَةِ صالِحًا لِأنْ يُجْعَلَ مَوْرِدًا لِلتَّقْسِيمِ بِهَذَيْنِ القِسْمَيْنِ، لَمْ يَكُنْ نَصًّا في التَّأْبِيدِ، فَإذَنْ هَذا التَّأْبِيدَ لا يُسْتَفادُ مِن ظاهِرِ الآيَةِ، بَلْ مِن دَلالَةٍ مُنْفَصِلَةٍ.
وثالِثُها: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ خِطابُ مُشافَهَةٍ فَيُخَصَّصُ بِأُولَئِكَ الحاضِرِينَ، فَإثْباتُ هَذا التَّحْرِيمِ في حَقِّ الكُلِّ إنَّما يُسْتَفادُ مِن دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، ورابِعُها: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ إخْبارٌ عَنْ ثُبُوتِ هَذا التَّحْرِيمِ في الماضِي، وظاهِرُ اللَّفْظِ غَيْرُ مُتَناوِلٍ لِلْحاضِرِ والمُسْتَقْبَلِ فَلا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ.
وخامِسُها: أنَّ ظاهِرَ قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ يَقْتَضِي أنَّهُ قَدْ حَرَّمَ عَلى كُلِّ أحَدٍ جَمِيعَ أُمَّهاتِهِمْ وجَمِيعَ بَناتِهِمْ، ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ المَقْصُودُ أنَّهُ تَعالى قابَلَ الجَمْعَ بِالجَمْعِ، فَيَقْتَضِي مُقابَلَةَ الفَرْدِ بِالفَرْدِ، فَهَذا يَقْتَضِي أنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ حَرَّمَ عَلى كُلِّ أحَدٍ أُمَّهُ خاصَّةً، وبِنْتَهُ خاصَّةً، وهَذا فِيهِ نَوْعُ عُدُولٍ عَنِ الظّاهِرِ، وسادِسُها: أنَّ قَوْلَهُ: (حُرِّمَتْ) يُشْعِرُ ظاهِرُهُ بِسَبْقِ الحِلِّ، إذْ لَوْ كانَ أبَدًا مَوْصُوفًا بِالحُرْمَةِ لَكانَ قَوْلُهُ: (حُرِّمَتْ) تَحْرِيمًا لِما هو في نَفْسِهِ حَرامٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ إيجادَ المَوْجُودِ وهو مُحالٌ، فَثَبَتَ أنَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ﴾ لَيْسَ تَجْدِيدَ التَّحْرِيمِ حَتّى يَلْزَمَ الإشْكالُ المَذْكُورُ، بَلِ المُرادُ الإخْبارُ عَنْ حُصُولِ التَّحْرِيمِ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الوُجُوهِ أنَّ ظاهِرَ الآيَةِ وحْدَهُ غَيْرُ كافٍ في إثْباتِ المَطْلُوبِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اعْلَمْ أنَّ حُرْمَةَ الأُمَّهاتِ والبَناتِ كانَتْ ثابِتَةً مِن زَمَنِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى هَذا الزَّمانِ، ولَمْ يَثْبُتْ حِلُّ نِكاحِهِنَّ في شَيْءٍ مِنَ الأدْيانِ الإلَهِيَّةِ، بَلْ إنَّ زِرادِشْتَ رَسُولَ المَجُوسِ قالَ بِحِلِّهِ، إلّا أنَّ أكْثَرَ المُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلى أنَّهُ كانَ كَذّابًا، أمّا نِكاحُ الأخَواتِ فَقَدْ نُقِلَ أنَّ ذَلِكَ كانَ مُباحًا في زَمَنِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وإنَّما حَكَمَ اللَّهُ بِإباحَةِ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الضَّرُورَةِ، ورَأيْتُ بَعْضَ المَشايِخِ أنْكَرَ ذَلِكَ، وقالَ: إنَّهُ تَعالى كانَ يَبْعَثُ الحَوارِيَ مِنَ الجَنَّةِ لِيُزَوَّجَ بِهِنَّ أبْناءُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وهَذا بَعِيدٌ؛ لِأنَّهُ إذا كانَ زَوْجاتُ أبْنائِهِ وأزْواجُ بَناتِهِ مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فَحِينَئِذٍ لا يَكُونُ هَذا النَّسْلُ مِن أوْلادِ آدَمَ فَقَطْ، وذَلِكَ بِالإجْماعِ باطِلٌ.
وذَكَرَ العُلَماءُ أنَّ السَّبَبَ لِهَذا التَّحْرِيمِ: أنَّ الوَطْءَ إذْلالٌ وإهانَةٌ، فَإنَّ الإنْسانَ يَسْتَحِي مِن ذِكْرِهِ ولا يُقْدِمُ عَلَيْهِ إلّا في المَوْضِعِ الخالِي، وأكْثَرُ أنْواعِ الشَّتْمِ لا يَكُونُ إلّا بِذِكْرِهِ، وإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ وجَبَ صَوْنُ الأُمَّهاتِ عَنْهُ لِأنَّ إنْعامَ الأُمِّ (p-٢٣)عَلى الوَلَدِ أعْظَمُ وُجُوهِ الإنْعامِ، فَوَجَبَ صَوْنُها عَنْ هَذا الإذْلالِ، والبِنْتُ بِمَنزِلَةِ جُزْءٍ مِنَ الإنْسانِ وبَعْضٍ مِنهُ، قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي» “ فَيَجِبُ صَوْنُها عَنْ هَذا الإذْلالِ؛ لِأنَّ المُباشَرَةَ مَعَها تَجْرِي مَجْرى الإذْلالِ، وكَذا القَوْلُ في البَقِيَّةِ، واللَّهُ أعْلَمُ. ولْنَشْرَعِ الآنَ في التَّفاصِيلِ فَنَقُولُ:
* * *
النَّوْعُ الأوَّلُ مِنَ المُحَرَّماتِ: الأُمَّهاتُ، وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ الواحِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الأُمَّهاتُ جَمْعُ الأُمِّ والأُمُّ في الأصْلِ أُمَّهَةٌ فَأُسْقِطَ الهاءُ في التَّوْحِيدِ قالَ الشّاعِرُ:
؎أُمَّهَتِى خِنْدِفُ والياسُ أبِي
وقَدْ تُجْمَعُ الأُمُّ عَلى أُمّاتٍ بِغَيْرِ هاءٍ، وأكْثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ في الحَيَوانِ غَيْرِ الآدَمِيِّ قالَ الرّاعِي:
؎كانَتْ نَجائِبُ مُنْذِرٍ ومُحَرِّقٍ ∗∗∗ أُمّاتُهُنَّ وطَرْقُهُنَّ فَحِيَلا
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: كُلُّ امْرَأةٍ رَجَعَ نَسَبُكَ إلَيْها بِالوِلادَةِ مِن جِهَةِ أبِيكَ أوْ مِن جِهَةِ أُمِّكَ بِدَرَجَةٍ أوْ بِدَرَجاتٍ، بِإناثٍ رَجَعْتَ إلَيْها أوْ بِذُكُورٍ فَهي أُمُّكَ. ثُمَّ هَهُنا بَحْثٌ وهو أنَّ لَفْظَ الأُمِّ لا شَكَّ أنَّهُ حَقِيقَةٌ في الأُمِّ الأصْلِيَّةِ، فَأمّا في الجَدّاتِ فَإمّا أنْ يَكُونَ حَقِيقَةً أوْ مَجازًا، فَإنْ كانَ لَفْظُ الأُمِّ حَقِيقَةً في الأُمِّ الأصْلِيَّةِ وفي الجَدّاتِ، فَإمّا أنْ يَكُونَ لَفْظًا مُتَواطِئًا أوْ مُشْتَرَكًا، فَإنْ كانَ لَفْظًا مُتَواطِئًا أعْنِي أنْ يَكُونَ لَفْظُ الأُمِّ مَوْضُوعًا بِإزاءِ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الأُمِّ الأصْلِيَّةِ وبَيْنَ سائِرِ الجَدّاتِ فَعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ نَصًّا في تَحْرِيمِ الأُمِّ الأصْلِيَّةِ وفي تَحْرِيمِ جَمِيعِ الجَدّاتِ، وأمّا إنْ كانَ لَفْظُ الأُمِّ مُشْتَرَكًا في الأُمِّ الأصْلِيَّةِ وفي الجَدّاتِ؛ فَهَذا يَتَفَرَّعُ عَلى أنَّ اللَّفْظَ المُشْتَرَكَ بَيْنَ أمْرَيْنِ هَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمالُهُ فِيهِما مَعًا أمْ لا ؟ فَمَن جَوَّزَهُ حَمَلَ اللَّفْظَ هَهُنا عَلى الكُلِّ، وحِينَئِذٍ يَكُونُ تَحْرِيمُ الجَدّاتِ مَنصُوصًا عَلَيْهِ، ومَن قالَ: لا يَجُوزُ، فالقائِلُونَ بِذَلِكَ لَهم طَرِيقانِ في هَذا المَوْضِعِ: أحَدُهُما: أنَّ لَفْظَ الأُمِّ لا شَكَّ أنَّهُ أُرِيدَ بِهِ هَهُنا الأُمُّ الأصْلِيَّةُ، فَتَحْرِيمُ نِكاحِها مُسْتَفادٌ مِن هَذا الوَجْهِ، وأمّا تَحْرِيمُ نِكاحِ الجَدّاتِ فَغَيْرُ مُسْتَفادٍ مِن هَذا النَّصِّ، بَلْ مِنَ الإجْماعِ، والثّانِي: أنَّهُ تَعالى تَكَلَّمَ بِهَذِهِ الآيَةِ مَرَّتَيْنِ، يُرِيدُ في كُلِّ مَرَّةٍ مَفْهُومًا آخَرَ، أمّا إذا قُلْنا: لَفْظُ الأُمِّ حَقِيقَةٌ في الأُمِّ الأصْلِيَّةِ مَجازٌ في الجَدّاتِ، فَقَدْ ثَبَتَ أنَّهُ لا يَجُوزُ اسْتِعْمالُ اللَّفْظِ الواحِدِ دَفْعَةً واحِدَةً في حَقِيقَتِهِ ومَجازِهِ مَعًا، وحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الطَّرِيقانِ اللَّذانِ ذَكَرْناهُما فِيما إذا كانَ لَفْظُ الأُمِّ حَقِيقَةً في الأُمِّ الأصْلِيَّةِ، وفي الجَدّاتِ.
* * *
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ الشّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِأُمِّهِ ودَخَلَ بِها يَلْزَمُهُ الحَدُّ، وقالَ أبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يَلْزَمُهُ. حُجَّةُ الشّافِعِيِّ أنَّ وُجُودَ هَذا النِّكاحِ وعَدَمَهُ بِمَثابَةٍ واحِدَةٍ، فَكانَ هَذا الوَطْءُ زِنًا مَحْضًا فَيَلْزَمُهُ الحَدُّ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الزّانِيَةُ والزّانِي فاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢] إنَّما قُلْنا: إنَّ وُجُودَ هَذا النِّكاحِ وعَدَمَهُ بِمَثابَةٍ واحِدَةٍ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ وقَدْ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِن دِينِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّ مُرادَ اللَّهِ تَعالى مِن هَذِهِ الآيَةِ: تَحْرِيمُ نِكاحِها، وإذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: المَوْجُودُ لَيْسَ إلّا صِيغَةَ الإيجابِ والقَبُولِ، فَلَوْ حَصَلَ هَذا الِانْعِقادُ، فَإمّا أنْ يُقالَ: إنَّهُ حَصَلَ في الحَقِيقَةِ أوْ في حُكْمِ الشَّرْعِ، والأوَّلُ باطِلٌ؛ لِأنَّ صِيغَةَ الإيجابِ والقَبُولِ كَلامٌ وهو عَرَضٌ لا يَبْقى، والقَبُولُ لا يُوجَدُ إلّا بَعْدَ الإيجابِ، وحُصُولُ الِانْعِقادِ بَيْنَ المَوْجُودِ والمَعْدُومِ مُحالٌ. والثّانِي: باطِلٌ؛ لِأنَّ الشَّرْعَ بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ بُطْلانَ هَذا (p-٢٤)العَقْدِ قَطْعًا، ومَعَ كَوْنِ هَذا العَقْدِ باطِلًا قَطْعًا في حُكْمِ الشَّرْعِ، كَيْفَ يُمْكِنُ القَوْلُ بِأنَّهُ مُنْعَقِدٌ شَرْعًا ؟ فَثَبَتَ أنَّ وُجُودَ هَذا العَقْدِ وعَدَمَهُ بِمَثابَةٍ واحِدَةٍ، وإذا ثَبَتَ ذَلِكَ فَباقِي التَّفْرِيعِ والتَّقْرِيرِ ما تَقَدَّمَ.
* * *
النَّوْعُ الثّانِي مِنَ المُحَرَّماتِ: البَناتُ، وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: كُلُّ أُنْثى يَرْجِعُ نَسَبُها إلَيْكَ بِالوِلادَةِ بِدَرَجَةٍ أوْ بِدَرَجاتٍ، بِإناثٍ أوْ بِذُكُورٍ فَهي بِنْتُكَ، وأمّا بِنْتُ الِابْنِ وبِنْتُ البِنْتِ فَهَلْ تُسَمّى بِنْتًا حَقِيقَةً أوْ مَجازًا ؟ فالبَحْثُ فِيهِ عَيْنُ ما ذَكَرْناهُ في الأُمَّهاتِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ الشّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: البِنْتُ المَخْلُوقَةُ مِن ماءِ الزِّنا لا تَحْرُمُ عَلى الزّانِي. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: تَحْرُمُ. حُجَّةُ الشّافِعِيِّ أنَّها لَيْسَتْ بِنْتًا لَهُ فَوَجَبَ أنْ لا تَحْرُمَ، إنَّما قُلْنا: إنَّها لَيْسَتْ بِنْتًا لِوُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ أبا حَنِيفَةَ إمّا أنْ يُثْبِتَ كَوْنَها بِنْتًا لَهُ بِناءً عَلى الحَقِيقَةِ، وهي كَوْنُها مَخْلُوقَةً مِن مائِهِ، أوْ بِناءً عَلى حُكْمِ الشَّرْعِ بِثُبُوتِ هَذا النَّسَبِ، والأوَّلُ باطِلٌ عَلى مَذْهَبِهِ طَرْدًا وعَكْسًا، أمّا الطَّرْدُ فَهو أنَّهُ إذا اشْتَرى جارِيَةً بِكْرًا وافْتَضَّها وحَبَسَها في دارِهِ فَأتَتْ بِوَلَدٍ، فَهَذا الوَلَدُ مَعْلُومٌ أنَّهُ مَخْلُوقٌ مِن مائِهِ مَعَ أنَّ أبا حَنِيفَةَ قالَ: لا يَثْبُتُ نَسَبُها إلّا عَنِ الِاسْتِلْحاقِ، ولَوْ كانَ السَّبَبُ هو كَوْنَ الوَلَدِ مُتَخَلِّقًا مِن مائِهِ لَما تَوَقَّفَ في ثُبُوتِ هَذا النَّسَبِ بِغَيْرِ الِاسْتِلْحاقِ، وأمّا العَكْسُ فَهو أنَّ المَشْرِقِيَّ إذا تَزَوَّجَ بِالمَغْرِبِيَّةِ وحَصَلَ هُناكَ ولَدٌ، فَأبُو حَنِيفَةَ أثْبَتَ النَّسَبَ هُنا مَعَ القَطْعِ بِأنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِن مائِهِ، فَثَبَتَ أنَّ القَوْلَ بِجَعْلِ التَّخْلِيقِ مِن مائِهِ سَبَبًا لِلنَّسَبِ باطِلٌ طَرْدًا وعَكْسًا عَلى قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ، وأمّا إذا قُلْنا: النَّسَبُ إنَّما يَثْبُتُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، فَهَهُنا أجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلى أنَّهُ لا نَسَبَ لِوَلَدِ الزِّنا مِنَ الزّانِي، ولَوِ انْتَسَبَ إلى الزّانِي لَوَجَبَ عَلى القاضِي مَنعُهُ مِن ذَلِكَ الِانْتِسابِ، فَثَبَتَ أنَّ انْتِسابَها إلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، لا بِناءً عَلى الحَقِيقَةِ، ولا بِناءً عَلى حُكْمِ الشَّرْعِ.
الوَجْهُ الثّانِي: التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«الوَلَدُ لِلْفِراشِ ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ» “ فَقَوْلُهُ: الوَلَدُ لِلْفِراشِ يَقْتَضِي حَصْرَ النَّسَبِ في الفِراشِ.
الوَجْهُ الثّالِثُ: لَوْ كانَتْ بِنْتًا لَهُ لَأخَذَتِ المِيراثَ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] ولَثَبَتَتْ لَهُ وِلايَةُ الإجْبارِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«زَوِّجُوا بَناتِكُمُ الأكْفاءَ» “ ولَوَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُها وحَضانَتُها، ولَحَلَّتِ الخَلْوَةُ بِها، فَلَمّا لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ عَلِمْنا انْتِفاءَ البِنْتِيَّةِ، وإذا ثَبَتَ أنَّها لَيْسَتْ بِنْتًا لَهُ وجَبَ أنْ يَحِلَّ التَّزَوُّجُ بِها؛ لِأنَّ حُرْمَةَ التَّزَوُّجِ بِها إمّا لِلْبِنْتِيَّةِ، أوْ لِأجْلِ أنَّ الزِّنا يُوجِبُ حُرْمَةَ المُصاهَرَةِ، وهَذا الحَصْرُ ثابِتٌ بِالإجْماعِ، والبِنْتِيَّةُ باطِلَةٌ كَما ذَكَرْنا، وحُرْمَةُ المُصاهَرَةِ بِسَبَبِ الزِّنا أيْضًا باطِلَةٌ كَما تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ المَسْألَةِ، فَثَبَتَ أنَّها غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ عَلى الزّانِي، واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
النَّوْعُ الثّالِثُ مِنَ المُحَرَّماتِ: الأخَواتُ: ويَدْخُلُ فِيهِ الأخَواتُ مِنَ الأبِ والأُمِّ مَعًا، والأخَواتُ مِنَ الأبِ فَقَطْ، والأخَواتُ مِنَ الأُمِّ فَقَطْ.
النَّوْعُ الرّابِعُ والخامِسُ: العَمّاتُ والخالاتُ. قالَ الواحِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ ذَكَرٍ رَجَعَ نَسَبُكَ إلَيْهِ فَأُخْتُهُ عَمَّتُكَ، وقَدْ تَكُونُ العَمَّةُ مِن جِهَةِ الأُمِّ وهي أُخْتُ أبِي أُمِّكَ، وكُلُّ أُنْثى رَجَعَ نَسَبُكَ إلَيْها بِالوِلادَةِ فَأُخْتُها خالَتُكَ، وقَدْ تَكُونُ الخالَةُ مِن جِهَةِ الأبِ وهي أُخْتُ أُمِّ أبِيكَ.
النَّوْعُ السّادِسُ والسّابِعُ: بَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ: والقَوْلُ في بَناتِ الأخِ وبَناتِ الأُخْتِ كالقَوْلِ في (p-٢٥)بَناتِ الصُّلْبِ. فَهَذِهِ الأقْسامُ السَّبْعَةُ مُحَرَّمَةٌ في نَصِّ الكِتابِ بِالأنْسابِ والأرْحامِ.
قالَ المُفَسِّرُونَ: كُلُّ امْرَأةٍ حَرَّمَ اللَّهُ نِكاحَها لِلنَّسَبِ والرَّحِمِ، فَتَحْرِيمُها مُؤَبَّدٌ لا يَحِلُّ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، وأمّا اللَّواتِي يَحِلُّ نِكاحُهُنَّ ثُمَّ يَصِرْنَ مُحَرَّماتٍ بِسَبَبٍ طارِئٍ، فَهُنَّ اللّاتِي ذُكِرْنَ في باقِي الآيَةِ.
* * *
النَّوْعُ الثّامِنُ والتّاسِعُ:
﴿وأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أرْضَعْنَكم وأخَواتُكم مِنَ الرَّضاعَةِ﴾ .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أرْضَعْنَكم وأخَواتُكم مِنَ الرَّضاعَةِ﴾ .
وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ الواحِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المُرْضِعاتُ سَمّاهُنَّ أُمَّهاتٍ لِأجْلِ الحُرْمَةِ، كَما أنَّهُ تَعالى سَمّى أزْواجَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ في قَوْلِهِ: ﴿وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: ٦] لِأجْلِ الحُرْمَةِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: أنَّهُ تَعالى نَصَّ في هَذِهِ الآيَةِ عَلى حُرْمَةِ الأُمَّهاتِ والأخَواتِ مِن جِهَةِ الرَّضاعَةِ إلّا أنَّ الحُرْمَةَ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلَيْهِنَّ؛ لِأنَّهُ ﷺ قالَ: ”«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» “ وإنَّما عَرَفْنا أنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ بِدَلالَةِ هَذِهِ الآياتِ، وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى لَمّا سَمّى المُرْضِعَةَ أُمًّا، والمُرْضِعَةَ أُخْتًا، فَقَدْ نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلى أنَّهُ تَعالى أجْرى الرَّضاعَ مَجْرى النَّسَبِ، وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى حَرَّمَ بِسَبَبِ النَّسَبِ سَبْعًا: اثْنَتانِ مِنها هُما المُنْتَسِبَتانِ بِطَرِيقِ الوِلادَةِ، وهَمّا الأُمَّهاتُ والبَناتُ، وخَمْسٌ مِنها بِطَرِيقِ الأُخُوَّةِ، وهُنَّ الأخَواتُ والعَمّاتُ والخالاتُ وبَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا شَرَعَ بَعْدَ ذَلِكَ في أحْوالِ الرَّضاعِ ذَكَرَ مِن هَذَيْنِ القِسْمَيْنِ صُورَةً واحِدَةً تَنْبِيهًا بِها عَلى الباقِي، فَذَكَرَ مِن قِسْمِ قَرابَةِ الوِلادَةِ الأُمَّهاتِ، ومِن قِسْمِ قَرابَةِ الأُخُوَّةِ الأخَواتِ، ونَبَّهَ بِذِكْرِ هَذَيْنِ المِثالَيْنِ مِن هَذَيْنِ القِسْمَيْنِ عَلى أنَّ الحالَ في بابِ الرَّضاعِ كالحالِ في النَّسَبِ، ثُمَّ إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أكَّدَ هَذا البَيانَ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ: ”«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» “ فَصارَ صَرِيحُ الحَدِيثِ مُطابِقًا لِمَفْهُومِ الآيَةِ، وهَذا بَيانٌ لَطِيفٌ.
* * *
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: أُمُّ الإنْسانِ مِنَ الرَّضاعِ هي الَّتِي أرْضَعَتْهُ، وكَذَلِكَ كُلُّ امْرَأةٍ انْتَسَبَتْ إلى تِلْكَ المُرْضِعَةِ بِالأُمُومَةِ، إمّا مِن جِهَةِ النَّسَبِ أوْ مِن جِهَةِ الرَّضاعِ، والحالُ في الأبِ كَما في الأُمِّ، وإذا عَرَفْتَ الأُمَّ والأبَ فَقَدْ عَرَفْتَ البِنْتَ أيْضًا بِذَلِكَ الطَّرِيقِ، وأمّا الأخَواتُ فَثَلاثَةٌ: الأُولى أُخْتُكَ لِأبِيكَ وأُمِّكَ، وهي الصَّغِيرَةُ الأجْنَبِيَّةُ الَّتِي أرْضَعَتْها أُمُّكَ بِلَبَنِ أبِيكَ، سَواءٌ أرْضَعَتْها مَعَكَ أوْ مَعَ ولَدٍ قَبْلَكَ أوْ بَعْدَكَ، والثّانِيَةُ أُخْتُكَ لِأبِيكَ دُونَ أُمِّكَ، وهي الَّتِي أرْضَعَتْها زَوْجَةُ أبِيكَ بِلَبَنِ أبِيكَ، والثّالِثَةُ أُخْتُكَ لِأُمِّكَ دُونَ أبِيكَ، وهي الَّتِي أرْضَعَتْها أُمُّكَ بِلَبَنٍ آخَرَ، وإذا عَرَفْتَ ذَلِكَ سَهُلَ عَلَيْكَ مَعْرِفَةُ العَمّاتِ والخالاتِ وبَناتِ الأخِ وبَناتِ الأُخْتِ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَ الشّافِعِيُّ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: الرَّضاعُ يَحْرُمُ بِشَرْطِ أنْ يَكُونَ خَمْسَ رَضَعاتٍ، وقالَ أبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الرَّضْعَةُ الواحِدَةُ كافِيَةٌ، وقَدْ مَرَّتْ هَذِهِ المَسْألَةُ في سُورَةِ البَقَرَةِ، واحْتَجَّ أبُو بَكْرٍ الرّازِيُّ بِهَذِهِ الآيَةِ فَقالَ: إنَّهُ تَعالى عَلَّقَ هَذا الِاسْمَ يَعْنِي الأُمُومَةَ والأُخُوَّةَ بِفِعْلِ الرَّضاعِ، فَحَيْثُ حَصَلَ هَذا الفِعْلُ وجَبَ أنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الحُكْمُ، ثُمَّ سَألَ نَفْسَهُ فَقالَ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أرْضَعْنَكُمْ﴾ (p-٢٦)بِمَنزِلَةِ قَوْلِ القائِلِ: وأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أعْطَيْنَكم، وأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي كَسَوْنَكم، وهَذا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ حُصُولِ صِفَةِ الأُمُومَةِ والأُخْتِيَّةِ عَلى فِعْلِ الرَّضاعِ، بَلْ لَوْ أنَّهُ تَعالى قالَ: اللّاتِي أرْضَعْنَكم هُنَّ أُمَّهاتُكم لَكانَ مَقْصُودُكم حاصِلًا.
وأجابَ عَنْهُ بِأنْ قالَ: الرَّضاعُ هو الَّذِي يَكْسُوها سِمَةَ الأُمُومَةِ، فَلَمّا كانَ الِاسْمُ مُسْتَحَقًّا بِوُجُودِ الرَّضاعِ كانَ الحُكْمُ مُعَلَّقًا بِهِ، بِخِلافِ قَوْلِهِ وأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي كَسَوْنَكم؛ لِأنَّ اسْمَ الأُمُومَةِ غَيْرُ مُسْتَفادٍ مِنَ الكِسْوَةِ، قالَ: ويَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ مِن هَذِهِ الآيَةِ ما رُوِيَ أنَّهُ جاءَ رَجُلٌ إلى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما فَقالَ: قالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لا بَأْسَ بِالرَّضْعَةِ ولا بِالرَّضْعَتَيْنِ، فَقالَ ابْنُ عُمَرَ: قَضاءُ اللَّهِ خَيْرٌ مِن قَضاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وأخَواتُكم مِنَ الرَّضاعَةِ﴾ قالَ: فَعَقَلَ ابْنُ عُمَرَ مِن ظاهِرِ اللَّفْظِ التَّحْرِيمَ بِالرَّضاعِ القَلِيلِ.
واعْلَمْ أنَّ هَذا الجَوابَ رَكِيكٌ جِدًّا، أمّا قَوْلُهُ: إنَّ اسْمَ الأُمُومَةِ إنَّما جاءَ مِن فِعْلِ الرَّضاعِ فَنَقُولُ: وهَلِ النِّزاعُ إلّا فِيهِ ؟ فَإنَّ عِنْدِي أنَّ اسْمَ الأُمُومَةِ إنَّما جاءَ مِنَ الرَّضاعِ خَمْسَ مَرّاتٍ، وعِنْدَكَ إنَّما جاءَ مِن أصْلِ الرَّضاعِ، وأنْتَ إنَّما تَمَسَّكْتَ بِهَذِهِ الآيَةِ لِإثْباتِ هَذا الأصْلِ، فَإذا أثْبَتَّ التَّمَسُّكَ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى هَذا الأصْلِ كُنْتَ قَدْ أثْبَتَّ الدَّلِيلَ بِالمَدْلُولِ وإنَّهُ دَوْرٌ وساقِطٌ، وأمّا التَّمَسُّكُ بِأنَّ ابْنَ عُمَرَ فَهِمَ مِنَ الآيَةِ حُصُولَ التَّحْرِيمِ بِمُجَرَّدِ فِعْلِ الرَّضاعِ، فَهو مُعارَضٌ بِما أنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ ما فَهِمَهُ مِنهُ، وكانَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما مِن فُقَهاءِ الصَّحابَةِ ومِنَ العُلَماءِ بِلِسانِ العَرَبِ، فَكَيْفَ جُعِلَ فَهْمُ أحَدِهِما حُجَّةً ولَمْ يُجْعَلْ فَهْمُ الآخَرِ حُجَّةً عَلى قَوْلِ خَصْمِهِ ؟ ولَوْلا التَّعَصُّبُ الشَّدِيدُ المُعْمِي لِلْقَلْبِ لَما خَفِيَ ضَعْفُ هَذِهِ الكَلِماتِ، ثُمَّ إنَّ أبا بَكْرٍ الرّازِيَّ أخَذَ يَتَمَسَّكُ في إثْباتِ مَذْهَبِهِ بِالأحادِيثِ والأقْيِسَةِ، ومَن تَكَلَّمَ في أحْكامِ القُرْآنِ وجَبَ أنْ لا يَذْكُرَ إلّا ما يَسْتَنْبِطُهُ مِنَ الآيَةِ، فَأمّا ما سِوى ذَلِكَ فَإنَّما يَلِيقُ بِكُتُبِ الفِقْهِ.
* * *
النَّوْعُ العاشِرُ: مِنَ المُحَرَّماتِ:
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: يَدْخُلُ في هَذِهِ الآيَةِ الأُمَّهاتُ الأصْلِيَّةُ وجَمِيعُ جَدّاتِها مِن قِبَلِ الأبِ والأُمِّ كَما بَيَّنّا مِثْلَهُ في النَّسَبِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: مَذْهَبُ الأكْثَرِينَ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ أنَّ مَن تَزَوَّجَ بِامْرَأةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّها سَواءٌ دَخَلَ بِها أوْ لَمْ يَدْخُلْ، وزَعَمَ جَمْعٌ مِنَ الصَّحابَةِ أنَّ أُمَّ المَرْأةِ إنَّما تَحْرُمُ بِالدُّخُولِ بِالبِنْتِ كَما أنَّ الرَّبِيبَةَ إنَّما تَحْرُمُ بِالدُّخُولِ بِأُمِّها، وهو قَوْلُ عَلِيٍّ وزَيْدٍ وابْنِ عُمَرَ وابْنِ الزُّبَيْرِ وجابِرٍ، وأظْهَرِ الرِّواياتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وحُجَّتُهم أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ حُكْمَيْنِ وهو قَوْلُهُ: ﴿وأُمَّهاتُ نِسائِكم ورَبائِبُكُمُ اللّاتِي في حُجُورِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] ثُمَّ ذَكَرَ شَرْطًا وهو قَوْلُهُ: ﴿مِن نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٣] فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّرْطُ مُعْتَبَرًا في الجُمْلَتَيْنِ مَعًا، وحُجَّةُ القَوْلِ الأوَّلِ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِها ولَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلى عَوْدِ ذَلِكَ الشَّرْطِ إلَيْهِ، فَوَجَبَ القَوْلُ بِبَقائِهِ عَلى عُمُومِهِ، وإنَّما قُلْنا إنَّ هَذا الشَّرْطَ غَيْرُ عائِدٍ لِوُجُوهٍ:
الأوَّلُ: وهو أنَّ (p-٢٧)الشَّرْطَ لا بُدَّ مِن تَعْلِيقِهِ بِشَيْءٍ سَبَقَ ذِكْرُهُ فَإذا عَلَّقْناهُ بِإحْدى الجُمْلَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ بِنا حاجَةٌ إلى تَعْلِيقِهِ بِالجُمْلَةِ الثّانِيَةِ، فَكانَ تَعْلِيقُهُ بِالجُمْلَةِ الثّانِيَةِ تَرْكًا لِلظّاهِرِ مِن غَيْرِ دَلِيلٍ، وأنَّهُ لا يَجُوزُ.
الثّانِي: وهو أنَّ عُمُومَ هَذِهِ الجُمْلَةِ مَعْلُومٌ، وعَوْدُ الشَّرْطِ إلَيْهِ مُحْتَمَلٌ؛ لِأنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مُخْتَصًّا بِالجُمْلَةِ الأخِيرَةِ فَقَطْ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عائِدًا إلى الجُمْلَتَيْنِ مَعًا، والقَوْلُ بِعَوْدِ هَذا الشَّرْطِ إلى الجُمْلَتَيْنِ تَرْكٌ لِظاهِرِ العُمُومِ بِمُخَصَّصٍ مَشْكُوكٍ، وأنَّهُ لا يَجُوزُ.
الثّالِثُ: وهو أنَّ هَذا الشَّرْطَ لَوْ عادَ إلى الجُمْلَةِ الأُولى، فَإمّا أنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَيْها، وإمّا أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِها وبِالجُمْلَةِ الثّانِيَةِ أيْضًا، والأوَّلُ باطِلٌ؛ لِأنَّ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَلْزَمُ القَوْلُ بِتَحْرِيمِ الرَّبائِبِ مُطْلَقًا، وذَلِكَ باطِلٌ بِالإجْماعِ، والثّانِي باطِلٌ أيْضًا؛ لِأنَّ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَصِيرُ نَظْمُ الآيَةِ هَكَذا: وأُمَّهاتُ نِسائِكم مِن نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فَيَكُونُ المُرادُ بِكَلِمَةِ ”مِن“ هَهُنا التَّمْيِيزَ ثُمَّ يَقُولُ: ﴿ورَبائِبُكُمُ اللّاتِي في حُجُورِكم مِن نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾، فَيَكُونُ المُرادُ بِكَلِمَةِ ”مِن“ هَهُنا ابْتِداءَ الغايَةِ كَما يَقُولُ: بَناتُ الرَّسُولِ مِن خَدِيجَةَ، فَيَلْزَمُ اسْتِعْمالُ اللَّفْظِ الواحِدِ المُشْتَرَكِ في كِلا مَفْهُومَيْهِ وأنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ، ويُمْكِنُ أنْ يُجابَ عَنْهُ فَيُقالَ: إنَّ كَلِمَةَ ”مِن“ لِلِاتِّصالِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿المُنافِقُونَ والمُنافِقاتُ بَعْضُهم مِن بَعْضٍ﴾، وقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«ما أنا مِن دَدٍ ولا الدَّدُ مِنِّي» “ ومَعْنى مُطْلَقِ الِاتِّصالِ حاصِلٌ في النِّساءِ والرَّبائِبِ مَعًا.
الوَجْهُ الرّابِعُ في الدَّلالَةِ عَلى ما قُلْناهُ: ما رَوى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «إذا نَكَحَ الرَّجُلُ المَرْأةَ فَلا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّها، دَخَلَ بِالبِنْتِ أوْ لَمْ يَدْخُلْ، وإذا تَزَوَّجَ الأُمَّ فَلَمْ يَدْخُلْ بِها ثُمَّ طَلَّقَها فَإنْ شاءَ تَزَوَّجَ البِنْتَ»، وطَعَنَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ في صِحَّةِ هَذا الحَدِيثِ، وكانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُفْتِي بِنِكاحِ أُمِّ المَرْأةِ إذا طَلَّقَ بِنْتَها قَبْلَ المَسِيسِ وهو يَوْمَئِذٍ بِالكُوفَةِ، فاتَّفَقَ أنْ ذَهَبَ إلى المَدِينَةِ فَصادَفَهم مُجْمِعِينَ عَلى خِلافِ فَتْواهُ، فَلَمّا رَجَعَ إلى الكُوفَةِ لَمْ يَدْخُلْ دارَهُ حَتّى ذَهَبَ إلى ذَلِكَ الرَّجُلِ وقَرَعَ عَلَيْهِ البابَ وأمَرَهُ بِالنُّزُولِ عَنْ تِلْكَ المَرْأةِ.
ورَوى قَتادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ أنَّ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ قالَ: الرَّجُلُ إذا طَلَّقَ امْرَأتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وأرادَ أنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّها فَإنْ طَلَّقَها قَبْلَ الدُّخُولِ تَزَوَّجَ أُمَّها، وإنْ ماتَتْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُمَّها، واعْلَمْ أنَّهُ إنَّما فَرَّقَ بَيْنَ المَوْتِ والطَّلاقِ في التَّحْرِيمِ؛ لِأنَّ الطَّلاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِن أحْكامِ الدُّخُولِ، ألا تَرى أنَّهُ لا يَجِبُ عَلَيْها عِدَّةٌ ؟ وأمّا المَوْتُ فَلَمّا كانَ في حُكْمِ الدُّخُولِ في بابِ وُجُوبِ العِدَّةِ، لا جَرَمَ جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَبًا لِهَذا التَّحْرِيمِ.
* * *
النَّوْعُ الحادِيَ عَشَرَ مِنَ المُحَرَّماتِ:
﴿ورَبائِبُكُمُ اللّاتِي في حُجُورِكم مِن نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ورَبائِبُكُمُ اللّاتِي في حُجُورِكم مِن نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ .
وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: الرَّبائِبُ: جَمْعُ رَبِيبَةٍ، وهي بِنْتُ امْرَأةِ الرَّجُلِ مِن غَيْرِهِ، ومَعْناها مَرْبُوبَةٌ؛ لِأنَّ الرَّجُلَ (p-٢٨)هُوَ يَرِبُّها، يُقالُ: رَبَبْتُ فُلانًا أرُبُّهُ، ورَبَبْتُهُ أُرَبِّيهِ بِمَعْنًى واحِدٍ، والحُجُورُ جَمْعُ حِجْرٍ، وفِيهِ لُغَتانِ، قالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: حَجْرُ الإنْسانِ وحِجْرُهُ بِالفَتْحِ والكَسْرِ، والمُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿فِي حُجُورِكُمْ﴾ أيْ في تَرْبِيَتِكم، يُقالُ: فُلانٌ في حِجْرِ فُلانٍ إذا كانَ في تَرْبِيَتِهِ، والسَّبَبُ في هَذِهِ الِاسْتِعارَةِ أنَّ كُلَّ مَن رَبّى طِفْلًا أجْلَسَهُ في حِجْرِهِ، فَصارَ الحِجَرُ عِبارَةً عَنِ التَّرْبِيَةِ، كَما يُقالُ: فُلانٌ في حَضانَةِ فُلانٍ، وأصْلُهُ مِنَ الحِضْنِ الَّذِي هو الإبْطُ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: في حُجُورِكم أيْ: في بُيُوتِكم.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: رَوى مالِكُ بْنُ أوْسِ بْنِ الحَدَثانِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّهُ قالَ: الرَّبِيبَةُ إذا لَمْ تَكُنْ في حِجْرِ الزَّوْجِ وكانَتْ في بَلَدٍ آخَرَ، ثُمَّ فارَقَ الأُمَّ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَ الرَّبِيبَةَ، ونُقِلَ أنَّهُ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِ احْتَجَّ عَلى ذَلِكَ بِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿ورَبائِبُكُمُ اللّاتِي في حُجُورِكُمْ﴾ شَرَطَ في كَوْنِها رَبِيبَةً لَهُ كَوْنَها في حِجْرِهِ، فَإذا لَمْ تَكُنْ في تَرْبِيَتِهِ ولا في حِجْرِهِ فَقَدْ فاتَ الشَّرْطُ، فَوَجَبَ أنْ لا تَثْبُتَ الحُرْمَةُ، وهَذا اسْتِدْلالٌ حَسَنٌ، وأمّا سائِرُ العُلَماءِ فَإنَّهم قالُوا: إذا دَخَلَ بِالمَرْأةِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ ابْنَتُها سَواءٌ كانَتْ في تَرْبِيَتِهِ أوْ لَمْ تَكُنْ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ عَلَّقَ رَفْعَ الجُناحِ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الدُّخُولِ، وهَذا يَقْتَضِي أنَّ المُقْتَضِيَ لِحُصُولِ الجُناحِ هو مُجَرَّدُ الدُّخُولِ، وأمّا الجَوابُ عَنْ حُجَّةِ القَوْلِ الأوَّلِ فَهو أنَّ الأعَمَّ الأغْلَبَ أنَّ بِنْتَ زَوْجَةِ الإنْسانِ تَكُونُ في تَرْبِيَتِهِ، فَهَذا الكَلامُ عَلى الأعَمِّ، لا أنَّ هَذا القَيْدَ شَرْطٌ في حُصُولِ هَذا التَّحْرِيمِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: تَمَسَّكَ أبُو بَكْرٍ الرّازِيُّ في إثْباتِ أنَّ الزِّنا يُوجِبُ حُرْمَةَ المُصاهَرَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ورَبائِبُكُمُ اللّاتِي في حُجُورِكم مِن نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ قالَ: لِأنَّ الدُّخُولَ بِها اسْمٌ لِمُطْلَقِ الوَطْءِ سَواءٌ كانَ الوَطْءُ نِكاحًا أوْ سِفاحًا، فَدَلَّ هَذا عَلى أنَّ الزِّنا بِالأُمِّ يُوجِبُ تَحْرِيمَ البِنْتِ، وهَذا الِاسْتِدْلالُ في نِهايَةِ الضَّعْفِ، وذَلِكَ لِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالمَنكُوحَةِ لِدَلِيلَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ إنَّما تَناوَلَتِ امْرَأةً كانَتْ مِن نِسائِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ بِها والمَزْنِيُّ بِها لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَيَمْتَنِعُ دُخُولُها في الآيَةِ. بَيانُ الأوَّلِ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿مِن نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ يَقْتَضِي أنَّ كَوْنَها مِن نِسائِهِ يَكُونُ مُتَقَدِّمًا عَلى دُخُولِهِ بِها.
والثّانِي: أنَّهُ تَعالى قَسَمَ نِساءَهم إلى مَن تَكُونُ مَدْخُولًا بِها، وإلى مَن لا تَكُونُ كَذَلِكَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ وإذا كانَ نِساؤُهم مُنْقَسِمَةً إلى هَذَيْنِ القِسْمَيْنِ عَلِمْنا أنَّ كَوْنَ المَرْأةِ مِن نِسائِهِ أمْرٌ مُغايِرٌ لِلدُّخُولِ بِها، وأمّا بَيانُ أنَّ المَزْنِيَّةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَذَلِكَ لِأنَّ في النِّكاحِ صارَتِ المَرْأةُ بِحُكْمِ العَقْدِ مِن نِسائِهِ سَواءٌ دَخَلَ بِها أوْ لَمْ يَدْخُلْ بِها، أمّا في الزِّنا فَإنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِها حالَةٌ أُخْرى تَقْتَضِي صَيْرُورَتَها مِن نِسائِهِ، فَثَبَتَ بِهَذا أنَّ المَزْنِيَّةَ غَيْرُ داخِلَةٍ في هَذِهِ الآيَةِ. الثّانِي: لَوْ أوْصى لِنِساءِ فُلانٍ، لا تَدْخُلُ هَذِهِ الزّانِيَةُ فِيهِنَّ، وكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ عَلى نِساءِ بَنِي فُلانٍ، لا يَحْصُلُ الحِنْثُ والبِرُّ بِهَذِهِ الزّانِيَةِ، فَثَبَتَ ضَعْفُ هَذا الِاسْتِدْلالِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
النَّوْعُ الثّانِيَ عَشَرَ: مِنَ المُحَرَّماتِ:
﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِن أصْلابِكُمْ﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِن أصْلابِكُمْ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: (p-٢٩)
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ الشّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يَجُوزُ لِلْأبِ أنْ يَتَزَوَّجَ بِجارِيَةِ ابْنِهِ، وقالَ أبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّهُ يَجُوزُ، احْتَجَّ الشّافِعِيُّ فَقالَ: جارِيَةُ الِابْنِ حَلِيلَةٌ، وحَلِيلَةُ الِابْنِ مُحَرَّمَةٌ عَلى الأبِ، أمّا المُقَدِّمَةُ الأُولى فَبَيانُها بِالبَحْثِ عَنِ الحَلِيلَةِ فَنَقُولُ: الحَلِيلَةُ فَعِيلَةٌ فَتَكُونُ بِمَعْنى الفاعِلِ أوْ بِمَعْنى المَفْعُولِ، فَفِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنَ الحِلِّ الَّذِي هو الإباحَةُ، فالحَلِيلَةُ تَكُونُ بِمَعْنى المُحَلَّةِ أيِ المُحَلَّلَةِ، ولا شَكَّ أنَّ الجارِيَةَ كَذَلِكَ فَوَجَبَ كَوْنُها حَلِيلَةً لَهُ.
الثّانِي: أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنَ الحُلُولِ، فالحَلِيلَةُ عِبارَةٌ عَنْ شَيْءٍ يَكُونُ مَحَلَّ الحُلُولِ، ولا شَكَّ أنَّ الجارِيَةَ مَوْضِعُ حُلُولِ السَّيِّدِ، فَكانَتْ حَلِيلَةً لَهُ، أمّا إذا قُلْنا: الحَلِيلَةُ بِمَعْنى الفاعِلِ فَفِيهِ وجْهانِ أيْضًا:
الأوَّلُ: أنَّها لِشِدَّةِ اتِّصالِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما بِالآخَرِ كَأنَّهُما يَحِلّانِ في ثَوْبٍ واحِدٍ وفي لِحافٍ واحِدٍ وفي مَنزِلٍ واحِدٍ ولا شَكَّ أنَّ الجارِيَةَ كَذَلِكَ.
الثّانِي: أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما كَأنَّهُ حالٌّ في قَلْبِ صاحِبِهِ وفي رُوحِهِ لِشِدَّةِ ما بَيْنَهُما مِنَ المَحَبَّةِ والأُلْفَةِ، فَثَبَتَ بِمَجْمُوعِ ما ذَكَرْناهُ أنَّ جارِيَةَ الِابْنِ حَلِيلَةٌ، وأمّا المُقَدِّمَةُ الثّانِيَةُ وهي أنَّ حَلِيلَةَ الِابْنِ مُحَرَّمَةٌ عَلى الأبِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ الَّذِينَ﴾ لا يُقالُ: إنَّ أهْلَ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: حَلِيلَةُ الرَّجُلِ زَوْجَتُهُ لِأنّا نَقُولُ: إنّا قَدْ بَيَّنّا بِهَذِهِ الوُجُوهِ الأرْبَعَةِ مِنَ الِاشْتِقاقاتِ الظّاهِرَةِ أنَّ لَفْظَ الحَلِيلَةِ يَتَناوَلُ الجارِيَةَ، فالنَّقْلُ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، فَكَيْفَ وهو شَهادَةٌ عَلى النَّفْيِ ؟ فَإنّا لا نُنْكِرُ أنَّ لَفْظَ الحَلِيلَةِ يَتَناوَلُ الزَّوْجَةَ، ولَكِنّا نُفَسِّرُهُ بِمَعْنًى يَتَناوَلُ الزَّوْجَةَ والجارِيَةَ، فَقَوْلُ مَن يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ شَهادَةٌ عَلى النَّفْيِ ولا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.
* * *
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ مِن أصْلابِكُمْ﴾ احْتِرازًا عَنِ المُتَبَنّى، وكانَ المُتَبَنّى في صَدْرِ الإسْلامِ بِمَنزِلَةِ الِابْنِ، ولا يَحْرُمُ عَلى الإنْسانِ حَلِيلَةُ مَنِ ادَّعاهُ ابْنًا إذا لَمْ يَكُنْ مِن صُلْبِهِ، «نَكَحَ الرَّسُولُ ﷺ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الأسَدِيَّةَ وهي بِنْتُ أُمَيْمَةَ بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وكانَتْ زَيْنَبُ ابْنَةَ عَمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ، بَعْدَ أنْ كانَتْ زَوْجَةَ زَيْدِ بْنِ حارِثَةَ، فَقالَ المُشْرِكُونَ: إنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأةَ ابْنِهِ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وما جَعَلَ أدْعِياءَكم أبْناءَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤]، وقالَ: ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ عَلى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أزْواجِ أدْعِيائِهِمْ»﴾ ) [الأحزاب: ٣٧] .
* * *
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: ظاهِرُ قَوْلِهِ: ﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِن أصْلابِكُمْ﴾ لا يَتَناوَلُ حَلائِلَ الأبْناءِ مِنَ الرَّضاعَةِ، فَلَمّا قالَ في آخِرِ الآيَةِ: ﴿وأُحِلَّ لَكم ما وراءَ ذَلِكُمْ﴾ لَزِمَ مِن ظاهِرِ الآيَتَيْنِ حِلُّ التَّزَوُّجِ بِأزْواجِ الأبْناءِ مِنَ الرَّضاعِ، إلّا أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: ”«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» “ فاقْتَضى هَذا تَحْرِيمَ التَّزَوُّجِ بِحَلِيلَةِ الِابْنِ مِنَ الرَّضاعِ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿وأُحِلَّ لَكم ما وراءَ ذَلِكُمْ﴾ يَتَناوَلُ الرَّضاعَ وغَيْرَ الرَّضاعِ، فَكانَ قَوْلُهُ: ”«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» “ أخَصَّ مِنهُ، فَخَصَّصُوا عُمُومَ القُرْآنِ بِخَبَرِ الواحِدِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: اتَّفَقُوا عَلى أنَّ حُرْمَةَ التَّزَوُّجِ بِحَلِيلَةِ الِابْنِ تَحْصُلُ بِنَفْسِ العَقْدِ كَما أنَّ حُرْمَةَ التَّزَوُّجِ بِحَلِيلَةِ الأبِ تَحْصُلُ بِنَفْسِ العَقْدِ، وذَلِكَ لِأنَّ عُمُومَ الآيَةِ يَتَناوَلُ حَلِيلَةَ الِابْنِ، سَواءٌ كانَتْ مَدْخُولًا بِها أوْ لَمْ تَكُنْ، أمّا ما رُوِيَ أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِن أصْلابِكُمْ﴾ أنَّهُ تَعالى لَمْ يُبَيِّنْ أنَّ هَذا الحُكْمَ مَخْصُوصٌ بِما إذا دَخَلَ الِابْنُ بِها أوْ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِذَلِكَ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أبْهِمُوا ما أبْهَمَهُ اللَّهُ، فَلَيْسَ مُرادُهُ مِن هَذا الإبْهامِ كَوْنَها مُجْمَلَةً مُشْتَبِهَةً، بَلِ المُرادُ مِن هَذا الإبْهامِ التَّأْبِيدُ، ألا تَرى أنَّهُ قالَ في السَّبْعَةِ المُحَرَّمَةِ مِن جِهَةِ النَّسَبِ إنَّها مِنَ المُبْهَماتِ، أيْ: مِنَ اللَّواتِي تَثْبُتُ حُرْمَتُهُنَّ عَلى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ، (p-٣٠)فَكَذا هَهُنا واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: اتَّفَقُوا عَلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَقْتَضِي تَحْرِيمَ حَلِيلَةِ ولَدِ الوَلَدِ عَلى الجَدِّ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ ولَدَ الوَلَدِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أنَّهُ مِن صُلْبِ الجَدِّ، وفِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ ولَدَ الوَلَدِ مَنسُوبٌ إلى الجَدِّ بِالوِلادَةِ.
* * *
النَّوْعُ الثّالِثَ عَشَرَ مِنَ المُحَرَّماتِ:
﴿وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إلّا ما قَدْ سَلَفَ إنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إلّا ما قَدْ سَلَفَ إنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ في الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ: ﴿وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ في مَحَلِّ الرَّفْعِ؛ لِأنَّ التَّقْدِيرَ: حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكم والجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ يَقَعُ عَلى ثَلاثَةِ أوْجُهٍ: إمّا أنْ يَنْكِحَهُما مَعًا، أوْ يَمْلِكَهُما مَعًا، أوْ يَنْكِحَ إحْداهُما ويَمْلِكَ الأُخْرى، أمّا الجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ في النِّكاحِ، فَذَلِكَ يَقَعُ عَلى وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِما جَمِيعًا، فالحُكْمُ هَهُنا: إمّا الجَمْعُ، أوِ التَّعْيِينُ، أوِ التَّخْيِيرُ، أوِ الإبْطالُ، أمّا الجَمْعُ فَباطِلٌ بِحُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ - هَكَذا قالُوا - إلّا أنَّهُ مُشْكِلٌ عَلى أصْلِ أبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأنَّ الحُرْمَةَ لا تَقْتَضِي الإبْطالَ عَلى قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ، ألا تَرى أنَّ الجَمْعَ بَيْنَ الطَّلَقاتِ حَرامٌ عَلى قَوْلِهِ، ثُمَّ إنَّهُ يَقَعُ، وكَذا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لَمْ يَمْنَعْ مِنِ انْعِقادِ هَذا العَقْدِ، وكَذا القَوْلُ في جَمِيعِ المُبايَعاتِ الفاسِدَةِ، فَثَبَتَ أنَّ الِاسْتِدْلالَ بِالنَّهْيِ عَلى الفَسادِ لا يَسْتَقِيمُ عَلى قَوْلِهِ.
فَإنْ قالُوا: وهَذا يَلْزَمُكم أيْضًا؛ لِأنَّ الطَّلاقَ في زَمانِ الحَيْضِ وفي طُهْرٍ جامَعَها فِيهِ مَنهِيٌّ عَنْهُ، ثُمَّ إنَّهُ يَقَعُ.
قُلْنا: بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَرْقٌ دَقِيقٌ لَطِيفٌ ذَكَرْناهُ في الخِلافِيّاتِ، فَمَن أرادَهُ فَلْيَطْلُبْ ذَلِكَ الكِتابَ، فَثَبَتَ أنَّ الجَمْعَ باطِلٌ، وأمّا أنَّ التَّعْيِينَ أيْضًا باطِلٌ؛ فَلِأنَّ التَّرْجِيحَ مِن غَيْرِ مُرَجِّحٍ باطِلٌ، وأمّا أنَّ التَّخْيِيرَ أيْضًا باطِلٌ؛ فَلِأنَّ القَوْلَ بِالتَّخْيِيرِ يَقْتَضِي حُصُولَ العَقْدِ وبَقاءَهُ إلى أوانِ التَّعْيِينِ، وقَدْ بَيَّنّا بُطْلانَهُ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا القَوْلُ بِفَسادِ العَقْدَيْنِ جَمِيعًا.
الصُّورَةُ الثّانِيَةُ مِن صُوَرِ الجَمْعِ: وهي أنْ يَتَزَوَّجَ إحْداهُما، ثُمَّ يَتَزَوَّجَ الأُخْرى بَعْدَها، فَهَهُنا يُحْكَمُ بِبُطْلانِ نِكاحِ الثّانِيَةِ؛ لِأنَّ الدَّفْعَ أسْهَلُ مِنَ الرَّفْعِ، وأمّا الجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ اليَمِينِ، أوْ بِأنْ يَنْكِحَ إحْداهُما ويَشْتَرِيَ الأُخْرى، فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الصَّحابَةُ فِيهِ، فَقالَ عَلِيٌّ وعُمَرُ وابْنُ مَسْعُودٍ وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ وابْنُ عُمَرَ: لا يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَهُما، والباقُونَ جَوَّزُوا ذَلِكَ، أمّا الأوَّلُونَ فَقَدِ احْتَجُّوا عَلى قَوْلِهِمْ بِأنَّ ظاهِرَ الآيَةِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ مُطْلَقًا، فَوَجَبَ أنْ يَحْرُمَ الجَمْعُ بَيْنَهُما عَلى جَمِيعِ الوُجُوهِ، وعَنْ عُثْمانَ أنَّهُ قالَ: أحَلَّتْهُما آيَةٌ وحَرَّمَتْهُما آيَةٌ، والتَّحْلِيلُ أوْلى، فالآيَةُ المُوجِبَةُ لِلتَّحْلِيلِ هي قَوْلُهُ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلّا ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، وقَوْلُهُ: ﴿إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦] .
والجَوابُ عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ هَذِهِ الآياتِ دالَّةٌ عَلى تَحْرِيمِ الجَمْعِ أيْضًا؛ لِأنَّ المُسْلِمِينَ (p-٣١)أجْمَعُوا عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ في حِلِّ الوَطْءِ، فَنَقُولُ: لَوْ جازَ الجَمْعُ بَيْنَهُما في المِلْكِ لَجازَ الجَمْعُ بَيْنَهُما في الوَطْءِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ ﴿إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٥، ٦] لَكِنَّهُ لا يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَهُما في المِلْكِ، فَثَبَتَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ بِأنْ تَكُونَ دالَّةً عَلى تَحْرِيمِ الجَمْعِ بَيْنَهُما في المِلْكِ أوْلى مِن أنْ تَكُونَ دالَّةً عَلى الجَوازِ.
الوَجْهُ الثّانِي: إنْ سَلَّمْنا دَلالَتَها عَلى جَوازِ الجَمْعِ، لَكِنْ نَقُولُ: التَّرْجِيحُ لِجانِبِ الحُرْمَةِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«ما اجْتَمَعَ الحَرامُ والحَلالُ إلّا وغَلَبَ الحَرامُ الحَلالَ» “ .
الثّانِي: أنَّهُ لا شَكَّ أنَّ الِاحْتِياطَ في جانِبِ التَّرْكِ فَيَجِبُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ» “ .
الثّالِثُ: أنَّ مَبْنى الأبْضاعِ في الأصْلِ عَلى الحُرْمَةِ، بِدَلِيلِ أنَّهُ إذا اسْتَوَتِ الأماراتُ في حُصُولِ العَقْدِ مَعَ شَرائِطِهِ وفي عَدَمِهِ وجَبَ القَوْلُ بِالحُرْمَةِ، ولِأنَّ النِّكاحَ مُشْتَمِلٌ عَلى المَنافِعِ العَظِيمَةِ، فَلَوْ كانَ خالِيًا عَنْ جِهَةِ الإذْلالِ والضَّرَرِ لَوَجَبَ أنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا في حَقِّ الأُمَّهاتِ؛ لِأنَّ إيصالَ النَّفْعِ إلَيْهِنَّ مَندُوبٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ [البقرة: ٨٣] ولَمّا كانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا عَلِمْنا اشْتِمالَهُ عَلى وجْهِ الإذْلالِ والمُضارَّةِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ كانَ الأصْلُ فِيهِ هو الحُرْمَةَ، والحِلُّ إنَّما ثَبَتَ بِالعارِضِ، وإذا ثَبَتَ هَذا ظَهَرَ أنَّ الرُّجْحانَ لِجانِبِ الحُرْمَةِ، فَهَذا هو تَقْرِيرُ مَذْهَبِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في هَذا البابِ، أمّا إذا أخَذْنا بِالمَذْهَبِ المَشْهُورِ بَيْنَ الفُقَهاءِ، وهو أنَّهُ يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ أمَتَيْنِ أُخْتَيْنِ في مِلْكِ اليَمِينِ، فَإذا وطِئَ إحْداهُما حُرِّمَتِ الثّانِيَةُ، ولا تَزُولُ هَذِهِ الحُرْمَةُ ما لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنِ الأُولى بِبَيْعٍ أوْ هِبَةٍ أوْ عِتْقٍ أوْ كِتابَةٍ أوْ تَزْوِيجٍ.
* * *
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ الشّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نِكاحُ الأُخْتِ في عِدَّةِ الأُخْتِ البائِنِ جائِزٌ، وقالَ أبُو حَنِيفَةَ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: لا يَجُوزُ. حُجَّةُ الشّافِعِيِّ: أنَّهُ لَمْ يُوجَدِ الجَمْعُ فَوَجَبَ أنْ لا يَحْصُلَ المَنعُ، إنَّما قُلْنا: إنَّهُ لَمْ يُوجَدِ الجَمْعُ لِأنَّ نِكاحَ المُطَلَّقَةِ زائِلٌ، بِدَلِيلِ أنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ وطْؤُها، ولَوْ وطِئَها يَلْزَمُهُ الحَدُّ، وإنَّما قُلْنا: إنَّهُ لَمّا لَمْ يُوجَدِ الجَمْعُ وجَبَ أنْ لا يَحْصُلَ المَنعُ، لِقَوْلِهِ تَعالى بَعْدَ تَقْرِيرِ المُحَرَّماتِ: ﴿وأُحِلَّ لَكم ما وراءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] ولا شُبْهَةَ في انْتِفاءِ جَمِيعِ تِلْكَ المَوانِعِ، إلّا كَوْنُهُ جَمْعًا بَيْنَ أُخْتَيْنِ، فَإذا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أنَّ الجَمْعَ مُنْتَفٍ وجَبَ القَوْلُ بِالجَوازِ.
فَإنْ قِيلَ: النِّكاحُ باقٍ مِن بَعْضِ الوُجُوهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ العِدَّةِ ولُزُومِ النَّفَقَةِ عَلَيْها.
قُلْنا: النِّكاحُ لَهُ حَقِيقَةٌ واحِدَةٌ، والحَقِيقَةُ الواحِدَةُ يَمْتَنِعُ كَوْنُها مَوْجُودَةً مَعْدُومَةً مَعًا، بَلْ لَوِ انْقَسَمَتْ هَذِهِ الحَقِيقَةُ إلى نِصْفَيْنِ حَتّى يَكُونَ أحَدُهُما مَوْجُودًا والآخَرُ مَعْدُومًا صَحَّ ذَلِكَ، أمّا إذا كانَتِ الحَقِيقَةُ الواحِدَةُ غَيْرَ قابِلَةٍ لِلتَّنْصِيفِ كانَ هَذا القَوْلُ فاسِدًا، وأمّا وُجُوبُ العِدَّةِ ولُزُومُ النَّفَقَةِ، فاعْلَمْ أنَّهُ إنْ حَصَلَ النِّكاحُ حَصَلَتِ القُدْرَةُ عَلى حَبْسِها، وهَذا لا يُنْتِجُ أنَّهُ حَصَلَتِ القُدْرَةُ عَلى حَبْسِها لِلنِّكاحِ؛ لِأنَّ اسْتِثْناءَ عَيْنِ التّالِي لا يُنْتِجُ، فَبِالجُمْلَةِ: فَإثْباتُ حَقِّ الحَبْسِ بَعْدَ زَوالِ النِّكاحِ بِطَرِيقٍ آخَرَ مَعْقُولٌ في الجُمْلَةِ، فَأمّا القَوْلُ بِبَقاءِ النِّكاحِ حالَ القَوْلِ بِعَدَمِهِ، فَذَلِكَ مِمّا لا يَقْبَلُهُ العَقْلُ، وتَخْرِيجُ أحْكامِ الشَّرْعِ عَلى وفْقِ العُقُولِ، أوْلى مِن حَمْلِها عَلى ما يُعْرَفُ بُطْلانُها في بَداهَةِ العُقُولِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَ الشّافِعِيُّ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: إذا أسْلَمَ الكافِرُ وتَحْتَهُ أُخْتانِ اخْتارَ أيَّتَهُما شاءَ وفارَقَ الأُخْرى، وقالَ أبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنْ كانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِهِما دَفْعَةً واحِدَةً فُرِّقَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُما، وإنْ كانَ قَدْ (p-٣٢)تَزَوَّجَ بِإحْداهُما أوَّلًا وبِالأُخْرى ثانِيًا، اخْتارَ الأُولى وفارَقَ الثّانِيَةَ، واحْتَجَّ أبُو بَكْرٍ الرّازِيُّ لِأبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ قالَ: هَذا خِطابٌ عامٌّ فَيَتَناوَلُ المُؤْمِنَ والكافِرَ، وإذا ثَبَتَ أنَّهُ تَناوَلَ الكافِرَ وجَبَ أنْ يَكُونَ النِّكاحُ فاسِدًا؛ لِأنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلى الفَسادِ، فَيُقالُ لَهُ: إنَّكَ بَنَيْتَ هَذا الِاسْتِدْلالَ عَلى أنَّ الكُفّارَ مُخاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرائِعِ وعَلى أنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلى الفَسادِ، وأبُو حَنِيفَةَ لا يَقُولُ بِواحِدٍ مِن هَذَيْنِ الأصْلَيْنِ، فَإنْ قالَ: فَهُما صَحِيحانِ عَلى قَوْلِكم؛ فَكانَ هَذا الِاسْتِدْلالُ لازِمًا عَلَيْكم، فَنَقُولُ: قَوْلُنا: الكُفّارُ مُخاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرائِعِ، لا نَعْنِي بِهِ في أحْكامِ الدُّنْيا، فَإنَّهُ ما دامَ كافِرًا لا يُمْكِنُ تَكْلِيفُهُ بِفُرُوعِ الإسْلامِ، وإذا أسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ كُلُّ ما مَضى بِالإجْماعِ، بَلِ المُرادُ مِنهُ أحْكامُ الآخِرَةِ، وهو أنَّ الكافِرَ يُعاقَبُ بِتَرْكِ فُرُوعِ الإسْلامِ كَما يُعاقَبُ عَلى تَرْكِ الإسْلامِ، إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: أجْمَعْنا عَلى أنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ الكافِرُ بِغَيْرِ ولِيٍّ ولا شُهُودٍ، أوْ تَزَوَّجَ بِها عَلى سَبِيلِ القَهْرِ، فَبَعْدَ الإسْلامِ يُقَرُّ ذَلِكَ النِّكاحُ في حَقِّهِ، فَثَبَتَ أنَّ الخِطابَ بِفُرُوعِ الشَّرائِعِ لا يَظْهَرُ أثَرُهُ في الأحْكامِ الدُّنْيَوِيَّةِ في حَقِّ الكافِرِ، وحُجَّةُ الشّافِعِيِّ: «أنَّ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيَّ أسْلَمَ عَلى ثَمانِ نِسْوَةٍ، فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”اخْتَرْ أرْبَعًا وفارِقْ سائِرَهُنَّ» “ خَيَّرَهُ بَيْنَهُنَّ، وذَلِكَ يُنافِي ما ذَكَرْتُمْ مِنَ التَّرْتِيبِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلّا ما قَدْ سَلَفَ﴾ فِيهِ الإشْكالُ المَشْهُورُ: وهو أنَّ تَقْدِيرَ الآيَةِ حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وكَذا وكَذا إلّا ما قَدْ سَلَفَ، وهَذا يَقْتَضِي اسْتِثْناءَ الماضِي مِنَ المُسْتَقْبَلِ، وإنَّهُ لا يَجُوزُ، وجَوابُهُ بِالوُجُوهِ المَذْكُورَةِ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكم مِنَ النِّساءِ إلّا ما قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] والمَعْنى أنَّ ما مَضى مَغْفُورٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ .
{"ayah":"حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمۡ أُمَّهَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَ ٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَـٰلَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَـٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِیۤ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَ ٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ وَأُمَّهَـٰتُ نِسَاۤىِٕكُمۡ وَرَبَـٰۤىِٕبُكُمُ ٱلَّـٰتِی فِی حُجُورِكُم مِّن نِّسَاۤىِٕكُمُ ٱلَّـٰتِی دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُوا۟ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ وَحَلَـٰۤىِٕلُ أَبۡنَاۤىِٕكُمُ ٱلَّذِینَ مِنۡ أَصۡلَـٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُوا۟ بَیۡنَ ٱلۡأُخۡتَیۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق