الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ الآية. الأُمَّهات جمع أمّ، وأم في الأصل أُمَّهَة، مثل: قُبَّرة وحُمَّرة، وأسقطت الهاء في التوحيد [[انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 202 (أم).]]، قال الشاعر في اللغة الأصلية:
أُمَّهَتي خِنْدِفُ (وإِليَاسُ [[في (أ)، (د): والدَّوس، والتصويب من مصادر عدة ستأتي في عزو البيت وإيضاحه.]]) أَبِي [[البيت لقُصَيّ بن كِلاب جد النبي ﷺ كما في "جمهرة اللغة" 3/ 1308 (له)، وصدر هذا الرجز عنده:
عِنَد تَنَاديهم بِهالٍ وهَبِيج
وهال كلمة زجر للخيل. وإلياس هو ابن مضر أحد أجداد قُصَيّ، وخِنْدِفُ زوجته أم مُدركة، وهذا لقب لها من الخندفة، وهو المشي بسرعة، واسمها ليلى بنت حلوان ابن عمران ابن الحاف من قضاعة انظر "الاشتقاق" لابن دريد ص 30، 42.
وقد استُشهِد بالبيِت دون نسبة في "الأمالي" للقالي 2/ 301، "تهذيب اللغة" 1/ 202 (أم)، "المحتسب" 2/ 224.]]
وقد يُجمع الأم: أمات [[في (د): (أمهات).]]، بغير هاء، وأكثر ما يُستعمل في الحيوان غير الآدمي [[انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 202 (أم)، "الصحاح" 5/ 1863 (أمم).]]، قال الراعي [[هو أبو جَندل عُبيد بن حُصين النميري، والراعي لقبه.]]:
كانَتْ نَجَائِبَ مُنذِرٍ ومُحَرِّقٍ ... أُمَّاتُهُنّ وطَرْقُهُنّ فَحِيلا [[البيت في "جمهرة اللغة" 2/ 176 (حفل). قال ابن دريد: أي الذي طرق أمهاتهن كان فحلًا نجيبًا، والطرق الفحل، وكذلك في "تهذيب اللغة" 3/ 2747 (فحل)، "سر صناعة الإعراب" 2/ 565.]]
وقولهم أمهات، بالجمع، الهاء فيها زيادة، ووزنها فعلهات، وقول الشاعر: أُمّهَتيِ خِندِفُ وإِليَاسُ أَبِي [[تقدم قريبًا.]]
أي: أمي، والهاء زائدة [[من "سر صناعة الإعراب" 2/ 563، 564 بتصرف.]].
وأجاز أبو بكر أن تكون الهاء أصلية، وتكون أمَّهة وزنها فُعَّلَة، وهو في هذا القول بمنزلة: تُرهَة، وأُبَّهَة، وعُلّفة، وقُبَّرة.
ويقول [[هكذا في (أ)، (د)، ولعل الصواب: وُيقوّي كما في "سر صناعة الإعراب" 2/ 564.]] هذا القول ما رواه صاحب العين من قولهم: تأمّهت [[في (د) (أمهت) وما أثبته هو الموافق لـ"سر صناعة الإعراب"، ومعنى تأمهت: اتّخذت.]] أمّا، فتأمهَت يبين أنه تفعّلت، بمنزلة: تفّوهت وتنبّهت، إلا أن قولهم في المصدر -الذي هو الأصل- أمومة يقوي زيادة الهاء؛ لأن العرب تقول: أمّ بينة الأمومة، فهذا يقوي أن وزنها فُعْلَهَة.
ويزيد في قوة ذلك قول الشاعر:
إذا الأُمَّهاتُ قَبَحْنَ الوُجوهَ ... فَرجْتَ الظَّلامَ [[في (أ)، (د) الكلام، والتصويب من "العين" 8/ 434، "التهذيب" 1/ 202 (أم)، "سر صناعة الإعراب" 2/ 564 وهو الأصل.]] بِأُمَّاتِكَا [[البيت منسوب لمروان بن الحكم كما ذكر في "معجم شواهد العربية"، "شرح شواهد الشافعية" ص 308، وهو من "شواهد العين" 8/ 434، "تهذيب اللغة" 1/ 202، "اللسان" 1/ 136 (أمم). معنى البيت: إذا قَبَحت الأمهات بفجورهن وجوه أولادهن عند الناس كشفت الظلام بضياء أفعال أمهاتك وطهارتهن.]] [[الكلام من قوله: وأجاز أبو بكر إلى هنا من "سر صناعة الإعراب" 2/ 564 بتصرف يسير، ولم أجد ما ذكره في "العين" سوى البيت كما مر في عزوه.]] إلا أن غالب الأمر يقال فيمن يَعقل بالهاء، وفيمن لا يعقل بغير هاء، أرادوا الفرق بينهما [["سر صناعة الإعراب" 2/ 565، وانظر: "تهذيب اللغة" 1/ 202، "الصحاح"
5/ 1863 (أم).]]، والقول بزيادة الهاء أولى من اعتقاد حذفها؛ لأن الهاء أحد الحروف العشرة التي تُسمى حروف الزيادة، لا حروف النقص، فلا ينبغي أن يعتقد أن الهاء هي الأصل، وأن أُمًّا محذوف من أُمَّهَة.
فأما قول من قال: تأمّهت أمًّا، فيظهره مما يعارضه قولهم: أمّ بيّنة الأُمومة، بحذف الهاء، فرواية برواية، وبقي النظرة [[قد يكون الصواب: النظر بدون هاء كما في "سر صناعة الإعراب"2/ 568.]] الذي قدمناه وهو أن الهاء كثيرًا ما تُزاد في الكلام، وقلّ ما يوجد حذفها، على أن قولهم: تأمّهت، إنما حكاها صاحب العين، وفي ذلك الكتاب من الخَطَل والاضطراب مالا يدفعه نظَّار [[في "سر صناعة الإعراب" نظار جلد.]]، وذاكرت بكتاب العين يومًا شيخَنا أبا علي، فأعفى [[هكذا في (أ)، (د)، ولعل الصواب: فأعرض كما في "سر صناعة الإعراب" 2/ 568.]] عنه ولم يرضه، لما فيه من القول المرذول والتصرف الفاسد [[انتهى من "سر صناعة الإعراب" 2/ 566 - 568 بتصرف بالحذف لا باللفظ، وهذا من العجيب حيث أتى المؤلف بكلام أبي الفتح ابن جني الذي لقي أبا علي الفارسي وذاكره، وكأنه هو المذاكر حيث لم يعز الكلام لقائله!]].
وذهب ابن الأنباري إلى أن الأصل: أُمّ، ثم يقال في النداء: يا أُمّاه، فيدخلون هاء السكت. ثم إن بعض العرب يُسقط الألف وُيَشبَّه هاء السكتة بتاء التأنيث وتقدير بالإضافة بعدها، فيقول: يا أمّت كما قالوا: يا أَبَت، ثم قد تُستعمل التاء في أمّ في غير النداء، ولم يُستعمل ذلك في الأب، وهو قوله: تَقَبّلتَها من أُمَّةٍ لك طَالَمَا ... (بت [[هكذا في (أ)، (د)، ولعلها: تُنوزع، كما في "التهذيب" 1/ 202، "اللسان" 1/ 136 (أم).]]) في الأسْواق عَنها خِمَارُها [[لم أعرف قائله وهو من شواهد الأزهري في "التهذيب" 1/ 202.]]
وقالت العرب: هؤلاء أُمَّات زيد، وأُمّهات زيد، فأَجْرَوا الهاء الأصلية، وأصل زيادتها في باب النداء، وقد قال بعضهم: هذه أمّهتك، قال:
أُمَّهَتِي خِنْدَفُ وإلياسُ أَبِي
فزيدت ههنا دخولها للسكت، ثم شُبَّهت بالأصلية، وزيدت بعدها؛ لأنها شبهت بتاء التأنيث.
وكل امرأة رجع نسبُك إليها بالولادة من جهة أبيك أو من جهة أمك بدرجة أو بدرجات، وبإناث رَجَعتَ إليها أو ذكور، فهن أمك [[لى أجد من ذكر هذه القاعدة من المفسرين أو اللغويين، ولعل هذا من براعة المؤلف في التقصيد والتعبير، فإن هذه قاعدة تبين وتحدد الأمهات.]].
وقوله تعالى: ﴿وَبَنَاتُكُمْ﴾. قد ذكرنا الكلام في أصل البنت والأخت عند قوله: ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [البقرة: 49] [[ذكر المؤلف فيما أشار إليه أصل اشتتاق لفظ بنت وأخت، ووزنهما وجمعهما، وعلامة التأنيث في كلام طويل.]]. وُكلّ أنثى رجع نسبُها إليك بالولادة بدرجة أو درجات بإناث أو ذكور فهن بنتك.
وتحريم هاتين مؤبد لم تَزالا، ولم تَحِلا قط لأحد.
وقوله تعالى: ﴿وَأَخَوَاتُكُمْ﴾. كل أنثى وَلَدَها شخصٌ وَلَدَك في الدرجة الأولى فهي أُختُك.
وقوله تعالى: ﴿وَعَمَّاتُكُمْ﴾. هي جمع العمَّة، وكل ذَكَرٍ رجع نسبُك إليه فأخته عمّتك، وقد تكون العمة من جهة الأم، وهي أخت أبي أمك.
وقوله تعالى: ﴿وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ﴾. مضى الكلام في الأخ والأخت عند قوله: ﴿.يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [البقرة: 49]. والتحديد في بنات الأخ وبنات الأخت كالتحديد في بنت الصلب، وهؤلاء محرمات بالأنساب والأرحام.
قال المفسرون وأهل العلم: كل امرأة حرّم الله نِكاحها للنسب والرحم فتحريمها مُبهم، والمُبهمة لا تحلّ بوجهٍ من الوجوه. والتي كانت تحلّ ثُمّ حُرمت بسبب حَدَث، وهن اللواتي ذكرن في باقي الآية، فليست مُبهمة [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 33، "معاني النحاس" 2/ 52، ولعل الإبهام هنا بمعنى: التأبيد، فالمُبهمة المحرمة على الأبد، وعكسها غير المبهمة.]].
وقوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾. هؤلاء سمين أمهات للحُرمة، كأزواج النبي ﷺ سماهن الله تعالى أمهات المؤمنين في قوله: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6].
وكل أنثى انتسبتَ باللبن إليها فهي أمك، فالتي أرضَعَتْكَ أو رجلًا [[أي: أو أرضعت رجلًا.]] أُرضِعت بِلبانه من زوجته أو أمّ ولده فهي أمك، وكذلك كل امرأة ولدت امرأة أرضعتك أو رجلًا أرضعك فهي أمك.
وإنما يحرم الرضاع بشرطين: أحدهما: أن يكون خمس رضعات [[هذا مذهب الشافعي -رحمه الله- وأصحابه، والصحيح في مذهب أحمد؛ يدل عليه ما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان فيما أنُزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن. ثم نُسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي ﷺ وهن فيما يقرأ من القرآن. أخرجه مسلم (1452) كتاب الرضاع، باب: التحريم بخمس == رضعات وغيره انظر: "المغني" 310، 311، "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" 34/ 33، 34، "تفسير ابن كثير" 511 - 512.]].
والثاني: أن يكون في الحولين [[هذا الشرط عند جمهور العلماء. انظر: "مجموع الفتاوى" 34/ 35، "تفسير ابن كثير" 511 - 512.]]، وما بعد الحولين من الرضاع لا يُحَرِّم [[أفاد المؤلف هذين الشرطين من الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 34 ب.]]، لقوله ﷺ: "لا رضاع بعد الحولين" [[لم أجده مرفوعًا، وإنما جاء نحوه موقوفًا على ابن عباس وابن مسعود - رضي الله عنه - كما في "موطأ مالك" ص 373 (4) كتاب الرضاع، باب: رضاعة الصغير، وباب: الرضاعة عند الكبر ص 375 (ح 14)، وقد جاء في معناه حديث مرفوع، فعن أم سلمة - رضي الله عنه - قالت: قال رسول الله ﷺ: "لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام". أخرجه الترمذي (1152) كتاب الرضاع، باب: ما جاء ما ذكر أن الرضاعة لا يحرم إلا في الصغَر دون الحولين، وقال الترمذي. هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم. أن الرضاعة لا تُحَرِّم إلا ما كان دون الحولين وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يُحَرِّم شيئًا.]].
وقوله تعالى: ﴿وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾. وأخوات الرضاعة ثلاث الأولى: أختك لأبيك وأمك وهي الصغيرة الأجنبية التي أرضعتها أمك بلِبان أبيك، سواءٌ أرضعَتها معك أو مع ولدٍ قبلك أو بعدك. والثانية: أختك لأبيك دون أمك، وهي التي أرضعَتها زوجةُ أبيك بلِبان أبيك. والثالثة: أختك لأمك دون أبيك، وهي التي أرضَعَتها أمك بلبان رجل آخر.
وهاتان المرأتان -أعني: أمَّ الرضاعة وأخت الرضاعة- لولا الرضاعة لم يَحرُما، وكان الرضاع تحريمها [[هكذا في (أ)، (د)، ولعل الصواب: يحرمهما.]] فصارتا في حكم المبهمات؛ إذ تأبّد تحريمها [[هكذا في (أ)، (د)، ولعل الصواب: يحرمهما.]] بعد الرضع.
وروت عائشة رضي الله عنها، عن النبي ﷺ قال: "يحرمُ من الرضاعةِ ما يحرمُ من النسبِ" [[متفق عليه، أخرجه البخاري رقم (2644) كتاب الشهادات، باب: الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض، ومسلم بنحو رقم (1444) كتاب الرضاع، باب: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة وغيرهما.]].
فعلمنا من هذا أن السبع المحرمات بالنسب على التفصيل والبيان الذي ذكرنا محرمات باللبن، وقال أولو التحقيق من ذوي العلم: إن الحد الذي ذكره رسول الله ﷺ في حديث عائشة معلوم من الآية ومستنبط عنها؛ وذلك أن الله تعالى لما ذكر حُرمة الرَّضاع ذكر طريقة الوِلادة بذكر الأمهات، وطريقة الأخُوّة بذكر الأخوات، وكل امرأة حُرمَت بالنَسَب حُرمَت بإحدى هاتين؛ لأن الأم والبنت حرمتا بالولادة، والخمس الباقيات من المحرمات بالنسب حَرُمْنَ بطريق الأخُوّة.
وقوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾. حد أم امرأتك كحد أمك، سواءٌ كانت من اللبن أو من النسب، فهي حرام عليك بنفس العقد على ابنتها؛ لأن الله تعالى أطلقَ التحريم ولم يُقيِّده بالدخول. هذا إجماع الأمة اليوم [[انظر: "الطبري" 4/ 320 - 321.]].
وكان جماعة من الصحابة يذهبون إلى أن المرأة إنما تحرم بالدخول بالبنت، كالربيبة إنما تحرم بالدخول بأمها، وهو قول علي وزيد [[هو أبو سعيد أو أبو ثابت، زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد، استُصغر يوم بدر وشهد أحدًا، وكان رأسًا في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض. توفي -رضي الله عنه- سنة 45هـ وقيل قبلها. انظر "الاستيعاب" 2/ 111، "أسد الغابة" 2/ 278، "الإصابة" 1/ 561.]] [[انظِر: "الطبري" 8/ 145، "الكشف والبيان" 4/ 35 ب، "زاد المسير" 2/ 47.]] وابن عمر وابن الزُّبَير [[هو أبو بكر أو أبو خبيب عبد الله بن الزُّبيرُ بن العوام القرشي الأسدي، أحد العبادلة، ومن كبار فقهاء الصحابة، ولي الخلافة تسع سنين إلى أن قتل -رضي الله عنه- سنة 73 هـ. انظر: "الاستيعاب" 3/ 39، "أسد الغابة" 3/ 242، "الإصابة" 2/ 308، "التقريب" ص303 رقم (3320).]]، وجابر [["الكشف والبيان" 4/ 35 ب.]] -رضي الله عنه-، ورُوي ذلك عن ابن عباس [[انظر المرجع السابق.]]، وقال علي -رضي الله عنه-: الأمّ والابنة بمنزلة، إن لم يدخل بهذه تزوج هذه، وإن لم يدخل بهذه تزوج هذه [[عند ابن جرير من طريق قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي - رضي الله عنه - في رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها، أيتزوج أمها؟ قال: هي بمنزلة الربيبة. "جامع البيان" 4/ 321. لكن تكلم في ثبوت هذا القول عن علي، انظر تعليق أحمد شاكر على "جامع البيان"، "تفسير القرطبي" 5/ 112.]].
وهؤلاء يجعلون قول: ﴿مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ منتظمًا للربائب وأمهات النساء، ويقول: أمهات النساء اللاتي لم يُدخَل بهن غيره [[هكذا في (أ)، (د)، ولعل الصواب: غير بدون الضمير.]] محرمة.
والصحيح ما عليه الجماعة، روى عَمرو بن شُعَيب [[هو أبو إبراهيم عَمرو بن شُعَيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، تقدمت ترجمته.]]، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ، قال: "إذا نكح الرجلُ المرأةَ فلا يَحلّ له أن يتزوج أمها، دخل بالبنت أو لم يدخل، وإذا تزوج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج البنت" [[أخرجه الطبري 8/ 146، وقال عَقِبه: وهذا خبر وإن كان في إسناده ما فيه، فإن إجماع الحجة على صحة القول به، مُستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره، وحسن الحديث أحمد شاكر في تحقيقه للطبري. == وقد أورد الحديث الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 35، وابن كثير 1/ 513، والسيوطي في "الدر المنثور" 2/ 242، وعزاه أيضًا إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في "سننه".]] ففصل بين الربيبة وأم المرأة.
وقال ابن جريج: قلت لعطاء: الرجل ينكح المرأة ثم [[في (د): بدون (ثم).]] لا يراها ولا يجامعها حتى يطلقها، أتحل له أمها؟ قال: لا هي مُرسلة، دخل بها أو لم يدخل [[أخرجه ابن جرير 4/ 322 إلى قوله: مرسلة، وذكره الثعلبي كاملًا في "تفسيره" 4/ 35، وانظر: "الدر المنثور" 2/ 242.]].
وكان عبد الله بن مسعود أفتى بنكاح أم المرأة إذا طلّق بنتها قبل المسيس، وهو يومئذ بالكوفة، فاتفق له دخول المدينة فصادفهم مجتمعين على خلاف فتواه، فلما رجع إلى الكوفة لم يدخُل داره حتى حضر ذلك الرجل وقرع عليه الباب، وأمره بالنزول عن تلك المرأة [[أخرجه بنحوه مالك في كتاب النكاح، باب: مالا يجوز من نكاح الرجل امرأته ص 330 (ح 23)، وانظر: "الدر المنثور" 242.]].
وقال صاحب النظم: في نظم هذه الآية دليل على أن الشرط بالدخول مختص به الربائب دون أمهات النساء؛ لأن قوله: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ لفظ قائم بنفسه في المعنى المعقود في ظاهره، وليس من نظم العرب في كلامها الجاري المستعمل بينهم أن يقال: أمهات نسائي من نسائي اللاتي دخلت بهن، كما لا يقال في واحدتها: أمّ امرأتي من امرأتي التي دخلت بها، وعادتهم الجارية بينهم في هذا أن يقولوا: أم امرأتي التي دخلت بها، وأمهات نسائي اللاتي دخلت بهن.
فقولك في هذا: من نسائي ومن امرأتي زيادة لا حاجة بقيام المعنى إليها، فلما لم يَجُز أن يكون قوله: ﴿مِنْ نِسَائِكُمُ﴾ طِبقًا لقوله: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ لم يَجُز أن يكون شرطًا مُرصَدًا، ولا معطوفًا عليه، وصار هذا الشرط مخصوصًا بذكر الربائب ومقصورًا عليه، دون ذكر أمهات النساء.
وقال محمد بن يزيد بن عبد الأكبر [[هو المبرَّد تقدمت ترجمته رحمه الله، وكلامه هذا في "معاني الزجاج" 2/ 34.]]: قوله: ﴿اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ نعت للنساء اللواتي من أمهات الربائب لا غير، والدليل على ذلك إجماع الناس أن الربيبة تحلّ إذا لم يدخل بأمها، فمن أجاز أن يكون قوله تعالى: ﴿مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ نعتًا لقوله: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُم﴾ بقيت الربائب مطلقة، وخرج أن يكون ﴿اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِن﴾ لأمهات الربائب، وحينئذٍ لا يجوز تَزوُّج الربيبة إذا لم يدخل بأمها.
قال الزجاج: والدليل على أن ما قال أبو العباس هو الصحيح أن الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدًا. لا يجيز النحويون: مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات. على أن يكون الظريفات نعتًا (للفريقين من النساء) [[انتهى من "معاني الزجاج" 2/ 34، وما بين القوسين عند الزجاج: لهؤلاء النساء وهؤلاء النساء.]].
وقوله تعالى: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾. الربائب جمع الربيبة، وهي بنت امرأة الرجل من غيره، ومعناها: مربوبة؛ لأن الرجل هو يربّيها. يقال: رَبَبْتُ فلانًا أربُّه، وربّبته أُرَبِّبُه، وربّيته أُربِّيه، وربته فأنا أربته. كله معنى واحد، قاله الأصمعي [[لم أقف على قول الأصمعي بنصه كاملًا، وانظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1338، "الصحاح" 1/ 131 ، 132، "اللسان" 3/ 1549 (ربب).]]. قال الشاعر: وذاكَ لَه إذا العنقَاءُ صارت ... مُربَّبَة وشبّ ابن الخَصِيّ [[البيت لأبي تمام: في "ديوانه" ص405، و"ثمار القلوب" ص 267، و"دلائل الإعجاز" ص 309، و"محاضرات الراغب" 2/ 709 بلفظ "مرتعة".]]
وقال الراجز:
والقبُر صهر ضَامنٌ زِمَّيتُ ... ليس لمنَ ضُمَّنَه تَربيتُ [[من "شواهد الصحاح" 1/ 249 (ربت)، "اللسان" 3/ 1552 (ربت، زمت) ، وزميت -في "اللسان"- بمعنى: الساكن، وتربيت من التربية.]]
وقوله تعالى: ﴿اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾. قال المفسرون: يقول: اللاتي ربيتموهن في حجوركم. وهي جمع حِجر، وفيه لغتان، قال ابن السكيت: حَجْرُ الإنسان وحِجْرُه بالفتح والكسر [["تهذيب اللغة" 1/ 747 (حجر).]].
قال أهل المعاني: المراد بقوله: ﴿فِي حُجُورِكُمْ﴾ أي في ضمانكم وتربيتكم، ويقال: فلان في حِجر فلان، إذا كان يلي تربيته [[من الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 35ب.]]، وذلك أن كل من ربّى صبيًّا أجلسه في حِجره، فصار الحِجر عبارةً عن التربية، كما يقال: فلان في حضانة فلان، وأصله من الحِضن الذي هو الإبط [[انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 850 (حضن).]].
وقال أبو عبيدة: ﴿فِي حُجُورِكُمْ﴾ أي: في بيوتكم [["مجاز القرآن" 1/ 121.]]. قال الأزهري: ويقال: فلان في حجر فلان، أي: في كنفه ومنعه [["تهذيب اللغة" 1/ 747 (حجر).]].
وحد الربيبة في رجوعها إلى زوجتك مثل حد بنتك في رجوعها إليك، وهي لا تَحرُم بمجرد العقد على الأم، وإنما تحرم بالدخول، والدخول هو الجماع ههنا بالإجماع [[دعوى الإجماع هنا لا تتم، فقد قيل: إن المراد بالدخول التجريد. انظر "جامع البيان" 4/ 322 - 323.]].
وقوله تعالى: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ﴾. قال الليث: الحليل والحليلة الزوج والمرأة، سميا به [[في (د): (بها).]] لأنهما يحلان في موضع واحد، والجميع [[في (د): (والجمع)، وما أثبته هو الموافق لما في "العين".]] الحلائل [["العين" 3/ 27 (حل).]].
وقال أبو عبيدة [[في (أ): هكذا، والصواب: أبو عبيد. انظر: "غريب الحديث" 1/ 343، "اللسان" 2/ 973 (حلل).]]: سميا بذلك؛ لأن كل واحد منهما يُحالّ صاحبه، قال: وكل من نَازَلك أو جاورك [[في (د): (جاز لك).]] فهو حليلك، وأنشد:
ولستُ بأطلس الثوبين يُصبِي ... حليلتَه إذا هَدَأ النِّيَامُ [[البيت لأوس بن حجر في "ديوانه" ص 75، وبغير عزو في "الزاهر" 1/ 185، و"غريب الحديث" لأبي عبيد 2/ 247، و"أمالي القالي" 1/ 20، و"مقاييس اللغة" (حل)، وهو من شواهد "اللسان" 5/ 2689 (طلس). ومعنى أطلس الثوبين أي: وسخهما وهو كناية عن الفاحشة والقبح، ويُصبي حليلته أي: يريد جارته التي تُحالّه في حِلته بسوء.]]
قال: لم يُرِد بالحليلة ههنا امرأته، إنما أراد جارته؛ لأنها تُحالّه في المنزل. قال: ويقال: إنما سميت الزوجة حليلة؛ لأن كل واحد منهما يحل إزار صاحبه، على معنى أنه يَحِلُّ له [[الظاهر أن هذا نهاية كلام أبي عبيد. انظر "غريب الحديث" 1/ 344.]]. يقال: حلّ فهو حليل، مثل: صح فهو صحيح. وقال الزجاج: حليلة: يعني [[عند الزجاج: بمعنى.]]: محلة، من الحلال [["معاني الزجاج" 2/ 35.]].
وقيل: لأن كل واحد منهما يحل إزاره صاحبه [["الكشف والبيان" 4/ 36 أ.]].
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾. فيه احتراز عن المُتبنَّى، وكان المتَبنّى في صدر الإسلام بمنزلة الابن.
قال عطاء: وليس يحرم عليك حليلة ابن ادعيته وليس هو من صُلبِك، ونكح رسول الله ﷺ امرأة زيد بن حارثة [[هو زيد بن حارثة بن شَراحيل الكَعْبي، كان مولى وَهَبته خديجة للنبي ﷺ وُيدعى زيد بن محمد حتى نزلت: ﴿ادعُوُهمْ لَأِبَائِهِمْ﴾ وكان حبّ رسول الله هو وابنه أسامة، وقد روى عنه الحديث جماعة من الصحابة. توفي - رضي الله عنه - سنة 8 هـ. انظر: "أسد الغابة" 2/ 281، "الإصابة" 1/ 563، "الأعلام" 3/ 57.]]، فقال في ذلك المشركون: إنه تزوج امرأة ابنه، فأنزل الله: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [الأحزاب: 4]، وقال: ﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ﴾ [الأحزاب: 37] [[عند الطبري من طريق حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: قوله: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ قال: كنا نحدث والله أعلم أنه نزلت في محمد ﷺ حين نكح امرأة زيد بن حارثة قال المشركون في ذلك، فنزلت ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ ونزلت: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [الأحزاب: 4]، ونزلت: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: 40]، "جامع البيان" 4/ 323.
وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 36 أ.]].
قال أهل العلم: وحليلة الابن من الرضاع ملحقةٌ في التحريم بحليلة ابن الصلب بالسنة [[انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 379، والقرطبي 5/ 116، وقد حكى القرطبي الإجماع في هذه المسألة.]]، وهي قول رسول الله ﷺ: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" [[تقدم تخريجه، وهو صحيح.]].
وهذا التحريم يحصل بنفس العقد، كحليلة الأب لا خلاف في هذا [[انظر: "الطبري" 4/ 323، و"البغوي" 2/ 191، و"القرطبي" 5/ 113.]].
فأما ما رُوي أن ابن عباس سئل عن قوله: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ ولم يبين أدخل بها الابن أم لا؟ فقال ابن عباس: أبهموا ما أبهم الله [[لم أقف على شيء من ذلك عن ابن عباس، لكن قال السيوطي: وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم، عن الحسن ومحمد قالا: إن هؤلاء الآيات مبهمات ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ﴾، ﴿مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾، ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾. "الدر المنثور" 2/ 243.]]، فإن هذا ليس من إبهام الأمر، ولكن قوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَبَنَاتُ الْأُخْتِ﴾ [[في (د): ﴿وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ﴾.]] هذا كله يسمى التحريم المُبْهم؛ لأنه لا يحل بوجه ولا سبب، ولما سئل ابن عباس عن قوله: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ وعن قوله: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ﴾ ولم يبين أنهن مدخول بهن أم لا، أجاب فقال: هذا من المبهم، أي: مما لا وجه فيه غير التحريم، سواء دخل بهن أو لم يدخل بهن.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾. أن في محل الرفع؛ لأنه بمعنى: والجمع بين الأختين، عطف على ما قبله [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 260، والطبري 4/ 323، "معاني الزجاج" 2/ 35 ، "إعراب النحاس" 1/ 405.]].
ويحرم على الرجل أن يجمع في النكاح أختين بالنسب أو باللبن. ويجوز الجمع بين أختين أمتين بملك اليمين، فإذا وطئ إحداهما حَرُمَت الثانية عليه، ولا يحل له ما لم يزل ملكه عن الأولى ببيع أو هبة أو عتق أو كتابة [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 36 أ، "أحكام القرآن" للهراسي 2/ 250، و"البغوي" 2/ 191.]].
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾. فيه قولان: قال عطاء: يريد إلا ما قد مضى في الأمم ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا﴾ لما مضى، ﴿رَحِيمًا﴾ بمن أطاعه. قال: ويذكرون أن يعقوب عليه السلام جمع بين ليا أم يهوذا [[في (د): (يهود).]] وراحيل أم يوسف [[في "الكشف والبيان" 4/ 36 أ: وكانتا أختين.]]، وكان فيما مضى حلالًا لجميع الأمم فحرمه [[في (أ): (فحرم).]] الله على هذه الأمة رحمة منه عليهم لما علم من شدة غَيرةِ النَّساء، بعضهن على بعض [[ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 36 أمختصرًا، وكذلك البغوي 2/ 192.]].
وهذا قول السدي في رواية أسباط [[هو أبو يوسف أو أبو نصر أسباط بن نصر الهمذاني، مفسر، واختلفوا في توثيقه،
قال ابن حجر: صدوق، كثير الخطأ يغرب، من الثامنة، وحديثه عند مسلم والأربعة. انظر: "ميزان الاعتدال" 1/ 157، "التقريب" ص 98 رقم (321) "الأعلام" 1/ 292.]] عنه [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 36 أ، "معالم التنزيل" 2/ 192.]].
وقال الكلبي: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَف﴾ مضى منكم في الجاهلية فلا، تؤاخذون به بعد الإسلام [[لم أقف عليه.]].
وهو قول مقاتل [[هو مقاتل بن سليمان، ويأتي تخريج قوله بعد الحاشية التالية.]]، واختيار أبي إسحاق [[الزجاج كما سيأتي.]]. قال مقاتل في قوله: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ قال: لأنهم كانوا يجمعون بينهما [[ذكره السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 245، مطولًا، وانظر: "تفسير مقاتل" 1/ 366.]].
قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين [[انظر: "تفسير ابن كثير" 1/ 515، وذكر السمرقندي والقرطبي نحوه عن محمد بن الحسن. انظر: "بحر العلوم" 1/ 344، "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 119.]].
وقال أبو إسحاق: المعنى: سِوى ما سلف فإنه مغفور لكم [["معاني الزجاج" 2/ 35.]].
قال أبو بكر: وهذا من الاستثناء المنقطع ﴿إِلَّا﴾ بمعنى: لكن، كأنه قيل: لكن ما قد سلف فأنتم غير مؤاخذين به [[الظاهر أنه يقصد أبا بكر بن الأنباري، ولم أقف على كلامه، وقد أشار غير واحد من الأئمة أنه من الاستثناء المنقطع. انظر: الطبري 4/ 323، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 405.]]. وقد ذكرنا هذا عند قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [البقرة: 150].
واعلم أن المحرمات بالنسب سبعة أصناف، ذُكِرت نسقًا في أول الآية. والمحرمات بالسبب صنفان: صنف يحرم بالرضاع، وهو الأمهات والأخوات، على ما ذكرنا من التفصيل، وصنف يحرم بسبب المصاهرة، وهو أم المرأة وحليلة الأب وحليلة الابن والربائب، على التفصيل الذي ذكرنا، وحليلة الأب لم تُذكر في هذه الآية، إنما ذكرت في قوله: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾ [النساء: 22].
فأما الجمع بين الأختين فإنه تحريم الجمع [[انظر: الطبري 4/ 323.]]، لأنه يجوز نكاح الثانية بعد طلاق الأولى، ويُلحق بهذا الصنف عمة المرأة وخالتها، فكما لا يجوز الجمع بين المرأة وأختها لا يجوز الجمع بين المرأة على عمتها، وخالتها [[لفظ (د): (لا تنكح المرأة على خالتها أو عمتها ولا على خالتها لا) وفيه اضطراب.]]؛ لما رُوى أن النبي ﷺ قال: "لا تُنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها لا [[أخرجه البخاري (5108) كتاب النكاح، باب: لا تنكح المرأة على عمتها؛ ومسلم (1408) كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح.]] الصغرى على الكبرى، ولا الكبرى على الصغرى" [[هذه رواية أبي داود (2065) والترمذي (1126)، وأحمد (9500) من حديث أبي هريرة، وقد علقه البخاري في الباب نفسه (5108).]]، أراد الدرجة في النسب لا صِغَرَ السن وكِبَرَه.
وقال أهل العلم في حد ما يَحْرُم الجمع بينه: كل امرأتين بينهما قرابة أو لبن لو كان ذلك بينك وبين امرأة لم يَجُز لك نكاحُها لم يجز لك الجمع بينهما. فأما ملك اليمين فكل امرأة حَرُم عليك نكاحها بنسب أو لبن أو صهر، فإذا وجد ذلك المعنى في مملوكة حَرُم عليك وطؤها بملك اليمين، وكل امرأتين حرم عليك الجمع بينهما بقرابة موجودة بينهما أو بلبن، فإذا ملكت أمَتَين وبينهما مثل ذلك المعنى حَرُم عليك وطؤهما بملك اليمين، فإذا وَطِئت إحداهما لم يكن لك وطء الثانية ما لم تُحَرِّم الأولى على نفسك بإزالة الملك عنها بِبَيع أو عِتق أو هِبَة، أو بإزالة الملك عن بعضها [[في (أ): (بضعها).]] بكتابة أو تزويج.
واعلم أن التحريم الحاصل بالمُصاهرة يحصل بنكاح صحيح، فلو زنى بامرأة لم تحرم عليه أمها ولا بنتها، ولا تحرم المزنيّ بها على آباء الواطئ، ولا أبنائه، وإنما تتعلق هذه الحُرمة بنكاح صحيح، أو فاسد يجب به الصَّداق والعِدّة ويُلحق به الولد، ولا يتعلّق بالسفاح الصريح.
وهذا قول عُروة، وسعيد، ومجاهد، والزهري، ومذهب مالك، والشافعي وفقهاء الحجاز [[انظر: "الأم" 5/ 25، والقرطبي 5/ 114، 115.]].
وقال أهل العراق: الزنا يتعلق به تحريم المصاهرة، حتى لو زنى الأب بامرأة ابنِه انفسخ نكاحها، وكذلك نكاح الأب إن زنى الابن بامرأته. وقالوا: لو قَبّل الأب امرأة الابن ولمسها بالشهوة انفسخ نكاح الابن، ولو قبل أجنبية أو لمسها أو وطئها فيما دون الفرج حصل تحريم المصاهرة. وهذا قول الشعبي والنخعي ومذهب أبي حنيفة [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 35 أ، والقرطبي 5/ 114، 115.]].
والآية حجة ظاهرة عليهم؛ لأن الله تعالى حرم أمهات النساء والربائب وحلائل الأبناء، وهذه الأسماء لا تثبت بوجود الزنا، فإنّ أم المزنيّ بها لا تكون أم امرأته، ولا بنتها ربيته، وإذا زنى الابن بامرأةٍ لم تَصِر حليلته حتى تحرم على الأب [[انظر: "الأم" 5/ 26، والقرطبي 5/ 115.]].
وقد قال ابن عباس: الحرام لا يحرم الحلال [[لم أجده عن ابن عباس، وانظر "الكشف والبيان" 4/ 35 أ.]].
{"ayah":"حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمۡ أُمَّهَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَ ٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَـٰلَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَـٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِیۤ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَ ٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ وَأُمَّهَـٰتُ نِسَاۤىِٕكُمۡ وَرَبَـٰۤىِٕبُكُمُ ٱلَّـٰتِی فِی حُجُورِكُم مِّن نِّسَاۤىِٕكُمُ ٱلَّـٰتِی دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُوا۟ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ وَحَلَـٰۤىِٕلُ أَبۡنَاۤىِٕكُمُ ٱلَّذِینَ مِنۡ أَصۡلَـٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُوا۟ بَیۡنَ ٱلۡأُخۡتَیۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق