الباحث القرآني
طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة ٤٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾ إلى آخره، وأظن لم نكمل فوائد الآية التي قبلها، أليس كذلك؟
* طالب: لا، كملناها يا شيخ.
* الشيخ: لا، ما كملناها، إذا كنا كملناها، فما الفرق بين الخشية والخوف؟
* طالب: الخشية أخص من الخوف.
* الشيخ: إي، ما الفرق؟
* الطالب: الفرق أن الخشية تكون عن علم، وأما الخوف فلا، الفرق الأول، الفرق الثاني..
* الشيخ: الفرق الأول: الخشية مع علم، والخوف؟
* الطالب: قد يكون..
* الشيخ: نعم، قد يكون لا، والثاني؟
* الطالب: الفرق الثاني: أن الخشية تكون لعظمة المَخْشِيِّ، وأما الخوف قد يكون لضعف الخائف..
* الشيخ: لضعف الخائف، وإن لم يكن المَخُوفُ قويًّا.
الثالث: أن الخشية أكمل من الخوف؛ ولهذا كانت ألفاظها الخاء والشين والياء كلها مشتقة من الشيء القوي.
قوله: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ معنى (لا تشتروا بها)؟
* طالب: المرادفة.
* الشيخ: لا لا.
* طالب: لا تستبدلوا.
* الشيخ: وما المراد بالثمن القليل؟
* الطالب: عرض الدنيا.
* الشيخ: عرض الدنيا من جاه أو رئاسة أو مال أو غير ذلك، كلها قليل كما قال تعالى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ [النساء ٧٧].
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ هذه أخذنا فوائدها؟
* الطلبة: لا يا شيخ.
* الشيخ: إذن، هذه الآية من أَشْكَلِ ما يكون على أهل العلم في قوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ فمن العلماء من قال: هذه في اليهود خاصة؛ لأن الآيات في سياق التثريب على اليهود، فكأن الله قال: إن هؤلاء اليهود كفار.
ومن العلماء من قال: إنها أصلها في اليهود لكنها عامة لأن لفظ (مَنْ) صريح في العموم ﴿مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.
والصحيح أنها عامة؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ولكن هل المعنى فأولئك هم الكافرون فيما حكموا فيه، أو الكافرون الخارجون عن الملة؟
هذه محل خلاف أيضًا؛ فمن العلماء من قال: أولئك هم الكافرون فيما حكموا به كقول النبي ﷺ: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ»[[أخرجه مسلم (٦٧ / ١٢١) من حديث أبي هريرة.]] مع أن هذا لا يخرج من الإسلام، فعليه يكون المعنى هم الكافرون بما أيش؟
* الطلبة: حكموا به.
* الشيخ: حكموا به فقط، لا الخارجون عن الملة.
وقيل: هم الكافرون أي: الموصوفون بالكفر المخرج عن الملة، ولكن الأدلة دلت على أن هذا مشروط بقيود أو أنه مُقَيَّد بشروط؛ الأول: أن يكون الحاكم عالمًا بحكم الله، والثاني: أن يكون عالمًا بمخالفة هذا الحكم لحكم الله.
الشيخ: قال: أولئك هم الكافرون فيما حكموا به، كقول النبي ﷺ: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ»[[أخرجه مسلم (٦٧ / ١٢١) من حديث أبي هريرة.]]، مع أن هذا لا يخرج من الإسلام، فعليه يكون المعنى: هم الكافرون بما، أيش؟
* طلبة: حكموا به.
* الشيخ: بما حكموا به فقط، لا الخارجون عن الملة، وقيل: ﴿هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة ٤٤]، أي: الموصوفون بالكفر الْمُخرِج عن الملَّة، ولكن الأدلة دلَّت على أن هذا مشروط بقيود، أو أنه مُقيَّد بشروط:
الأول: أن يكون الحاكم عالمًا بحكم الله.
والثاني: أن يكون عالمًا بمخالفة هذا الحكم لحكم الله.
والثالث: أن يجعله بديلًا عن حكم الله.
والرابع: أن لا يرضى بحكم الله.
فإذا تمت هذه الشروط صار حينئذٍ خارجًا عن الملَّة.
فإن قيل: أفلا يمكن أن نقول: إنه خارج عن الملة بهذا كالقول الأول؟ قلنا: حتى ولو قلنا: إنه خارج عن الملة بهذا، فإن الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه كفر بجميعه، كما أن الإيمان ببعض الرسل والكفر ببعضهم كفر بالجميع.
فإذا حكم بغير ما أنزل الله وهو لا يعلم بحكم الله فإنه لا يكفر؛ لأن من شرط الحكم بالكفر أن يكون الإنسان عالمًا به، فكيف إذا حكم بتأويل ممن حرَّف الكلم عن مواضعه من علماء السوء وعلماء الدولة، فيكون هذا أشد عذرًا له، وأبعد من تكفيره.
وإذا قال: هو يعلم عن حكم الله، وهو راضٍ بحكم الله، لكنه يرى أنه لا يصلح في هذا الوقت مثلًا، قلنا: هذا كفر؛ لأن الشريعة الإسلامية باقية إلى يوم القيامة؛ فإن الذي شرعها عَلِم -سبحانه وتعالى- بما يصلح الخلق، وعلم أن محمدًا خاتم النبيين، ولا بد أن تكون شريعته صالحة لأيش؟ لكل زمان ومكان إلى آخر الدنيا.
لكن يجب أن يُعَلَّم أولًا؛ لأنه قد يُلَبَّس على بعض الحكام -وأنا أتكلم عن حكامنا الآن- حكام الأمة الإسلامية الآن كثير منهم جاهل بأحكام الشريعة، لا يعرف عن أحكام الشريعة شيئًا، فيأتيه جلساء السوء وقرناء السوء ويقولون: هذا يحتمل التأويل، يحتمل كذا، يحتمل كذا، ثم يُورِدون العبارة المشهورة القيِّمة: الشريعة الإسلامية جاءت بجلب المصالح ودفع المفاسد، فيتراءى لهم أن هذا شيء صالح، ثم يقولون للولاة: اجعلوه سُنَّة، واجعلوه نظامًا، مع أن الإنسان قاصر النظر، قد يبدو له في هذه الحال أنه صالح، لكن عواقبه أيش؟ فاسدة.
فمتى علمنا أن الله حرَّم هذا الشيء، أو أوجب هذا الشيء، علمنا أن النتائج الْمُثمِرة في الواجب معلومة، ولكنها قد تكون مجهولة لنا، معلومة في المآل، وكذلك المفاسد التي فيما حرَّم الله قد لا تكون معلومة لنا في الحاضر، لكنها تُعلَم في المآل.
وهذه المسألة خطيرة للغاية؛ لأن من الناس من يُقدِم على التكفير مع انتفاء شروطه، ويحصل بذلك شرٌّ كثير؛ تمرد على الحكام، وتضليل للعامة، وفوضى في المجتمع، ودماء تراق بغير حق، واسأل من سلفك من الأمة ماذا حصل من الخوارج الذين كفَّروا معاوية، ثم كفَّروا عليًّا -رضي الله عنهما- وهم يقومون الليل ويتلون القرآن، وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الصحابة وهم الصحابة «يَحْقِرُ أَحَدُهُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٦١٠)، ومسلم (١٠٦٤ / ١٤٨) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بلفظ: «دَعْهُ؛ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ». ]]، ومع ذلك حصل من شرِّهم ما لا يعلمه إلا الله، ومن قرأ عنهم، وآخر الأمة كأولها.
الخروج على الأئمة لا شك أنه مفسدة عظيمة، وبقاء الحكام على غير ما أنزل الله لا شك أنه مضرة عظيمة، لكن الواجب أن يُدرَأَ أشد المفسدتين بأيش؟ بأخفهما، إذا جرت الدماء يصعب جدًّا إيقافها، لكن إصلاح الحكام ربما يكون مع الْمِران والمجالسة والمناصحة، يمكن، لكن الدماء صعب جدًّا أن تُحقَن بعد أن أُرِيقت.
فلهذا أقول لكم: إن المسألة خطيرة، وإن الواجب على الإنسان أن يدرس ما قاله أهل العلم في هذه المسألة دراسة خالية من العاطفة، كلنا نحب أن تكون كلمة الله هي العليا، والله تعالى يعلم ذلك، وكلنا يحب أن ينتشر الشرع في الأمة، لكن نعلم خطورة الوضع فيما إذا قيل: إن هذا الحاكم كافر، وهذا الحاكم كافر، وليس عندنا فيه من الله برهان.
فإذا وجدنا كفرًا بواحًا صريحًا واضحًا عندنا فيه من الله برهان حتى نطبق البرهان على الواقع، ويتبين أنه كفر، فهل يسوغ لنا أن نخرج على الإمام؟ لو قلنا: إنه يسوغ، لا بد من شروط: أهمها أن يكون لنا القدرة على إزاحته، فأما أن نخرج عليه وليس بأيدينا إلا مشاعيب الإبل وسكاكين المطابخ، وهو معه الدبابات والطائرات، هل يليق هذا؟ أجيبوا يا جماعة.
* طلبة: لا يليق.
* الشيخ: لا، وليس من الحكمة ولا من الشريعة، هل أُمِرَ المسلمون وهم مضطهدون في مكة هل أُمِرُوا أن يقاتِلوا؟ ما أُمِرُوا أن يقاتلوا؛ لأنه لا طاقة لهم بذلك، فإذا قدَّرنا أن هذا الحاكم كافر كفرًا بواحًا عندنا فيه من الله برهان كالشمس، ورأيناه يسجد للصنم، فهل نخرج عليه؟ ما نخرج ونحن ليس لنا قدرة، صحيح أن لنا طرقًا؛ نستعين بأهل الخير على إزاحته، لكن مسألة الخروج هذا لا يجوز إلا بشروط؛ أن يكون لدينا القدرة على إزاحته.
أين القدرة الآن من هؤلاء الذين يخرجون فئات وفئات، ثم يحصل من الشر العظيم ما هو معلوم، ثم هذه الفئات أيضًا لا تتسلط على الحكومة نفسها، تتسلط على من؟ على الشعب المسكين الأعزل الذي لا حول له ولا قوة، فيقتلون النساء والصبيان، ويدمِّرون البلدان بحجة أيش؟ أنهم يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وهم بهذا الفعل ما حصلوا على المقصود، ولا أثمروا ولا أنتجوا، إنما كان الضرر العظيم.
لذلك هذه المسألة من أخطر ما يكون في وقتنا الحاضر، يجب التثبت في هذا الأمر، والتأني والنظر بالحكمة، وإذا أراد الله أمرًا كان.
* * *
ثم قال عز وجل: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة ٤٥].
﴿كَتَبْنَا﴾ أي: فرضنا، والكتابة نوعان: كتابة شرعية، وكتابة قدرية كونية، فما تعلق بالأمر والنهي الذي يفعله المكلَّف فهي كتابة شرعية، وما تعلق بالخلق والتكوين فهي كتابة قدرية؛ فمن الأول هذه الآية: ﴿كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾، ومن الثاني قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ﴾ إلى آخره [الإسراء: ٤].
وقال في الكتابة: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة ٢١]، هذه كتابة قدرية، ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام ٥٤]، والأمثلة كثيرة.
﴿عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾ أي: في التوراة، والنص على التوراة يتضمن توبيخ هؤلاء اليهود الذين يقولون إنهم يعملون بالتوراة، ولكنهم لا يطبقونها، ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة ٥].
﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ يعني أن من قتل نفسًا قُتِلَ بها، كلمة (نفس) لفظ عام في الموضعين، القاتل والمقتول، فلننظر هل شريعتنا على هذا أو تختلف، الأصل أنها على هذا، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٨٧٨)، ومسلم (١٦٧٦ / ٢٥) من حديث عبد الله بن مسعود.]]، «النَّفْسِ بِالنَّفْسِ»، هذا لفظ الحديث، وهذا لفظ الآية التي حكاها الله عز وجل عن التوراة: ﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾.
إذن فالأصل أن من قتل نفسًا قُتِل بها، فلننظر: قتل شاب مسلم طفلًا مسلمًا، يُقتَل به ولَّا لا؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: يُقتَل به، نفس بنفس، رجل قتل امرأة يُقتَل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يُقتَل بها، عاقل قتل مجنونًا؟ يقتل به، كافرٌ قتل مسلمًا؟ يقتل به.
* طالب: لا يقتل به.
* الشيخ: يقتل به.
* الطالب: لا يقتل به.
* الشيخ: لا إله إلا الله، الآية التي معنا، الآية التي هنا تقتضي أن يُقتَل به، كافر قتل مسلمًا يُقتل به، مسلم قتل كافرًا؟
* طلبة: لا يقتل به.
* طلبة آخرون: يقتل به.
* الشيخ: يقتل به يا إخوان، خلينا نعرف كامل الأدلة، الآن بين أيدينا أن ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾، والحديث «النَّفْسُ بِالنَّفْسِ»، يُقتَل به؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: والد قتل ولده؟ يُقتَل به، ولد قتل والده؟ يُقتَل به، حر قتل عبدًا؟ يُقتَل به، سيد قتل مملوكًا؟ يُقتَل به، كل شيء الأصل فيه أن تُقتَل النفس بالنفس، هذا الأصل.
يبقى النظر هل هذا العموم خُصِّص؟ نقول: نعم خُصِّص، فإذا لم يثبت التخصيص في مسألة ما فالأصل العموم.
لننظر الكافر يُقتَل بالمسلم، كافر قتل مسلمًا، يُقتَل به لا شك، مسلمٌ قتل كافرًا لا يُقتَل به، ما الذي أخرجه من العموم؟ أخرجه من العموم ما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»[[أخرجه البخاري (١١١) من حديث علي أبي طالب.]]، والتعليل أن المسلم طاهر عبد لله حقيقةً، والكافر نجس متمرد مستكبِر، والمسلم من أولياء الله، والكافر من أعداء الله، واضح؟ فكيف يكون هذا ندًّا لهذا أو بدلًا عنه، فإذن عندنا منقول ومعقول في أن المسلم لا يُقتَل بالكافر، هذا واحد.
هل يُقتَل الرجل بالأنثى؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: نعم يُقتَل، الآية عامة، فيُقتَل الرجل بالأنثى، يعني رجل قتل امرأة يُقتَل، فإذا قال إنسان: الرجل أشرف من المرأة، وبه يقوم الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والولايات والأحكام، هم القضاة، هم الولاة، «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»[[أخرجه البخاري (٤٤٢٥) من حديث أبي بكرة.]]، فكيف تكون المرأة كُفئًا للرجل فيُقتَل بها؟
نقول: عندنا عموم، وعندنا أيضًا دليل خاص، وهو أن «جارية من الأنصار كان عليها أوضاح من ذهب أو فضة، فقتلها يهودي، رضَّ رأسها بين حجرين، وأُدْرِكَت قبل أن تموت، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ فلان؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا اليهودي، فأشارت أن نعم»، يعني أنه هو الذي قتلها، «فأخذوا اليهودي فاعترف، فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالعدل أن يُرَضَّ رأسه بين حجرين، فرُضَّ رأسُه بين حجرين »[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤١٣)، ومسلم (١٦٧٢/ ١٥) من حديث أنس بن مالك.]]، قصاص، فهنا قُتِل رجل بأيش؟
* الطلبة: بامرأة.
* الشيخ: بامرأة، قُتِلَ رجل بامرأة.
فإذا قال قائل: الرجل ناقص عن هذه المرأة بالدِّين، فنقصه جعله يكون مكافئًا لها؟ قلنا: هذا لا أثر له؛ لأن الدين إذا كان القاتل هو الأدنى لا يؤثر شيئًا، أصلًا لا يؤثر شيئًا؛ إذ إن المسلم إذا قتله الكافر قُتِل الكافر، طيب إذا قتل عاقلٌ مجنونًا يُقتَل به؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: إذا قتل عاقل مجنونًا أراح الناس منه ومن شره، يُقتَل؟ نعم يُقتَل؛ للعموم، قتل والد ولده؟ يُقتَل، حتى يوجَد دليل، طلبنا دليلًا ما وجدنا دليلًا صحيحًا، وحديث «لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ»[[أخرجه ابن ماجه (٢٦٦١)، والترمذي (١٤٠١) من حديث ابن عباس.]] ليس له إسناد مستقيم.
والتعليل بأن الوالد لا يُقتَل بالولد أن الوالد كان سبب وجود الولد، فلا ينبغي أن يكون الولد سببًا في إعدامه، هذا التعليل عليل، بل هو تعليل ميت ما فيه حراك؛ لأنه من كان السبب في الإعدام؟ الوالد، هو الذي قَتَل.
ولهذا لو قيل: إن قتْل الوالد بالولد أولى من قتْل الأجنبي بأجنبي؛ لأن قتل الوالد لولده ارتكاب شيء منهي عنه بخصوصه في القرآن، ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ﴾ [الأنعام ١٥١]، ثانيًا: قتْل الوالد لولده من أكبر قطيعة الرحم، وهذه جناية، فكيف يكون ارتكاب هذا الوالد هذه الجناية، ومع ذلك نقول: لا قصاص، فإذا تبين أن المخصِّص لا يصح نقلًا، ولا يصح عقلًا، وجب أن يكون الحكم أيش؟ عامًّا حتى في قتل الوالد بولده.
طيب ولد قتل والده؟
* طلبة: يُقتَل.
* الشيخ: يُقتَل؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: يُقتَل ولا إشكال؟ نعم، يُقتَل ولا إشكال؛ لأن قتله لوالده من أكبر العقوق، فلا ينبغي أن يُتَسامَح به ويُقتَل.
طيب مملوك قتل سيده؟
* طلبة: يُقتَل به.
* الشيخ: يُقتَل به؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: مملوك قتل سيده، يُقتَل به؟
* طلبة: يُقتَل.
* الشيخ: متأكدون؟
* طلبة: نعم.
* طالب: هو الأصل.
* الشيخ: طيب، مالك قتل عبده؟
* طلبة: يُقتَل، هو الأصل.
* الشيخ: يُقتَل به؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: نعم يُقتَل به، هذا الأصل والفرع، يُقتَل به؛ لعموم النفس بالنفس، ولأنه جاء في حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ»[[أخرجه أبو داود (٤٥١٥)، والترمذي (١٤١٤)، والنسائي في المجتبى (٤٧٣٧)، وابن ماجه (٢٦٦٣) من حديث سمرة بن جندب.]].
وإذا قتل الحر عبدَ غيره؟ قُتِل به؛ لأنه إذا قُتِلَ بعبده الذي هو يملكه فقَتْله بعبد غيره من باب أولى، إذن لم يصح الآن في تخصيص هذه الآية إلَّا..؟
* طالب: واحد.
* الشيخ: ما هو؟
* طالب: لا يُقتَل مسلم بكافر.
* الشيخ: أنه لا يُقتَل مسلم بالكافر، والباقي على عمومه، ومن ادعى إخراج شيء من هذا العموم قلنا: مرحبًا، هات الدليل الذي يُقنِع، وحينئذٍ نقول: آمنا بالله، والشريعة يكمِّل بعضها بعضًا، فما عُمِّمَ فيها في مكان وخُصَّ في مكان أخذنا به.
صغير وكبير، يُقتَل الصغير بالكبير والكبير بالصغير؟
* طلبة: نعم.
* طلبة آخرون: لا.
* الشيخ: انتبهوا، الصغير لا يُقتَل، يعني لو أن صغيرًا قتل كبيرًا، يعني صغيرًا دون البلوغ قتل كبيرًا، لا يُقتَل؛ لأنه مرفوع عنه القلم، ولأنه ليس له قصد صحيح، وكذلك يقال في المجنون إذا قتل العاقل: إنه لا يُقتَل.
يقول: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾، ﴿الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾ يعني أن من قلَع عين شخص قلعنا عينه، عين بعين، واضح؟
رجل قلع عين شخص ضعيف النظر، والقالع نظره قوي، تُقلَع عينه؟
* طلبة: تُقلَع عينه.
* الشيخ: سبحان الله! نعم، تُقلَع عينه، كما لو قتل الصحيح مريضًا فيُقتَل به.
رجل سليم العين قلع عين شخص العوراء؟
* طلبة: لا تُقلع.
* الشيخ: لماذا؟
* طلبة: ليست عين.
* الشيخ: لأنها لا تبصر، فاقدة المنفعة، ميتة.
رجل أعور ليس له إلا عين يُمنى قلع عين سليمٍ اليمنى؟
* طلبة: لا تقلع.
* الشيخ: يا جماعة، العين بالعين، هذا الرجل الأعور قلع عين الرجل السليم اليمنى وله -أي الأعور- عين يمنى؟
* طالب: تُقلَع.
* الشيخ: تُقلَع؟
* طلبة: لا تقلع.
* الشيخ: نشوف، العلماء مختلفون في هذا؛ منهم من قال: تُقلَع عين الأعور، وأخذ بالعموم، العين بالعين، هذا الرجل الأعور الذي ليس له إلا عين يمنى قلع عين رجل سليم العينين اليمنى عمدًا، فتُقلَع.
فإذا قال قائل: إنكم إذا قلعتم عينه الباقية صار أعمى؟ نقول: من الذي جعله يتعدى على هذا الرجل ويقلع عينه؟ هو الذي جنى على نفسه، نحن لم نَجْنِ عليه.
وقال بعض العلماء: إنه لا يُقلَع، لا تُقْلَع عينه؛ لأن ذلك يؤدي إلى فوات منفعة لا يوجد لها نظير في البدن وهو الإبصار.
لكن بعضهم قال: يُعطَى الدية كلها، أفهمتم؟ الأعور الآن لما قلع عين الصحيح اليمنى وهو له عين يمنى، نقول: لا نقلع عين الأعور، لكن تلزمه الدية كاملة عن عين أيش؟ الصحيح العينين، دية كاملة، مع أن العين نصف الدية، لكن هنا تلزمه الدية كاملة؛ لأن إبقاء عينه عِوض عن إبصار كامل بالنسبة لمن؟
* طالب: للأعور.
* الشيخ: للأعور، والإبصار الكامل فيه دية كاملة، وبعضهم يقول: لا، ليس فيها إلا نصف الدية مطلقًا، والذي يظهر أن الصواب أحد أمرين: إما أن تُقلَع عينه، ويقال: أنت الذي جنيت على نفسك، وإما أن لا تُقلَع لكن يلزمه للآخر دية كاملة، فيضاعف عليه الغُرْم، أفهمتم؟
﴿الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ﴾، تعرفون الأنف له قصبة من العظام، وله أرنبَّة من العظام الرقيقة، فهل المراد العظام الرقيقة أو كل الأنف؟
بعض العلماء يقول: كل الأنف، إذا قصَّ الأنف من عند الجبهة قصصنا أنفه من عند الجبهة، وبعضهم يقول: لا، لا يمكن أن يكون أنف بأنف إلا إذا كان القطع من الجانب اللين من الأنف؛ لأنه هو الذي يمكن الاستيفاء منه؛ لأن له حدًّا فاصلًا بَيِّنًا، ويسمى هذا المارن، مارن الأنف، وهو ما لَانَ منه.
لكن القول الراجح الأول؛ أنه يُقتَصُّ من الأنف من حيث كان موضع الجاني، لا سيما في وقتنا الحاضر، الطب الآن متقدم، ولا يمكن أن يكون فيه حيف، يعني الذين قالوا: لا يُقتَصُّ من الأنف، قالوا: يُخشى أن يكون فيه حيف، يبقى العظم متشذرمًا، ولا يكون الاقتصاص التام، نقول: الآن الحمد لله، في وقتنا الحاضر الطب متقدم يمكن أن يُقتَصّ بالشعرة، أليس كذلك؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: إذا قلنا بهذا، فهل المعتَبَر المساحة أو النسبة؟
* طلبة: النسبة.
* الشيخ: فاهمين الكلام؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: النسبة ولّا المساحة؟
* طلبة: النسبة.
* طالب: شيخ، يُحتَال على هذا.
* الشيخ: إذا قلنا: المساحة، وكان المجني عليه أنفه كبير، والجاني أنفه صغير، إذا قلنا: بالمساحة، وقطع نصف أنف الكبير، نصفه يقابل أنف الثاني بالكامل، وربما زيادة أيضًا، فهل العبرة بالمساحة أو بالنسبة؟
* طلبة: بالنسبة.
* الشيخ: نعم، إذن العبرة بالنسبة، واضح؟ انتهينا من الأنف.
الأنف نجد أن بعض الناس يكون عنده شم، يشم الروائح الطيبة والخبيثة، وآخر لا، فهل إذا قطع الرجل الذي يشم أنف مَن لا يشم، هل نقطع أنفه أو لا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: كيف نقطع؟ هذا ما يشم، لو جعلت عنده أطيب الروائح أو أخبث الروائح ما فهم، ما يدري، يُقطَع؟
* طلبة: يُقطَع.
* الشيخ: يُقطَع، تمام؛ لأن الآية عامة: ﴿الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ﴾، ولأن الشم ليس في نفس الخيشوم هذه، في أيش؟
* طالب: لا أدري.
* الشيخ: ما تدري؟ لا، كلنا يدري، أين الشم؟ بالمخ، ما هو هنا، أفهمت؟ ولهذا يوجد ناس انقطعت آنافهم بحرب، أو آفة، أو غير ذلك، وهم يشمون، وأناس آنافهم سليمة، ومع ذلك لا يشمون، إذن الأنف الأشم وغيره سواء.
﴿وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ﴾، الأذن أيضًا تُقطَع بالأذن، سواء كانت صمّاء أو غير صماء؛ لأن السمع ليس في نفس الغضاريف هذه، لكنه من داخل، فإذا قطع شخص أذن آخر فإنه يُقطَع به.
إذا كانت أذن المقطوع لا تتحرك، وأذن القاطع تتحرك، هل يُقطَع؟
* طلبة: ما يمكن أن تتحرك الأذن.
* الشيخ: لا ما تحرك، أذن القاطع تتحرك، وأذن المقطوع لا تتحرك، تُقطَع أذن القاطع وهي تتحرك؟
* طلبة: نعم.
* طالب: ما تتحرك الأذن.
* الشيخ: أنا أذكر أن الحجاج أذنه تتحرك، أليس كذلك؟! على كل حال يُقطَع، وقد ذكروا لنا أناسًا يحرِّكون آذانهم تحريكًا كبيرًا ما هو صغير، لكن أكثر الناس لا يستطيعون، أليس كذلك؟ لأن هذه الحركة غير مقصودة، والفائدة منها قليلة، وإلا لقلنا: إن هذا مثل الشلَّاء والسليمة، على أن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إن الشلَّاء، الشلل في الأذن والأنف لا يؤثر؛ لأن الأنف والأذن الصورة باقية ولو كان هناك شلل.
نسينا أن نقول: ﴿الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾، لا بد من اتفاقهما؛ اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى، وكذلك نقول بالنسبة للأذن: اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى.
﴿السِّنَّ بِالسِّنِّ﴾ الباء هنا لا شك أنها بدل، أو عِوَض، فلا بد أن يكون السنُّ المقلوع مماثلًا لسن الجاني، فمثلًا هل تُقلَع الثنية بالرباعية؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: ثنية هذه تُقلَع بالرباعية؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: ليش؟ لعدم الاتفاق، والباء كما قلت لكم الآن: إنها للعِوَض أو للبدل، لا يمكن أن تكون الرباعية بدلًا عن الثنية، أو بالعكس.
إذا قلع بعض السن، يعني كسر بعض السن، هل يُقتَصُّ منه؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، يُقتَصُّ منه، ويُقدَّر بأيش؟
* طلبة: بالنسبة.
* الشيخ: بالنسبة، إذا كان الجاني قد برد سن المجني عليه حتى ذهب نصفه نبرد سن الجاني حتى يذهب نصفه، فإذا قال الجاني: يا جماعة ارأفوا بي، قُصُّوا السن بدلًا عن البرد، تعرفون البرد والقص؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: هل نطيعه؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لا نطيعه؛ لأنه كما آلم المجني عليه فإننا نؤلمه، ولهذا لو قال لنا في مسألة العين أو مسألة الأذن: بَنِّجُونِي، قلنا: لا نبنِّجك، كما أنك فعلت بالمجني عليه نفعل بك.
بالنسبة للأذن إذا أخذ بعض الأذن؟ ما دام يمكن القصاص يا إخواني فإنه يجب القصاص، هو العدل.
قال: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾، لما ذكر الله تعالى الأعضاء ذكر الجروح، لكن بقي أعضاء ما ذُكِرَت، مثل اليدين، والرجلين، والأصابع، لكن يثبت الحكم في هذه بأيش؟ بالقياس على ما ذُكِر.
﴿الْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾، كلمة (الجروح) عامة تشمل كل جرح، لكن كلمة (قصاص) تقيد هذا العموم؛ إذ إن المفهوم منها أن الجروح قصاص فيما يمكن أيش؟ الاقتصاص منه، والفقهاء رحمهم الله يقولون: لا يمكن القصاص في جرح إلا في جرح ينتهي إلى عظم، والجرح الذي لا ينتهي إلى عظم لا يمكن القصاص منه.
فمثلًا الجرح في الرأس حتى يصل إلى عظم الرأس، يمكن أو لا؟ يمكن، الجرح في الساق حتى يصل إلى عظم؟ يمكن، في الفخذ كذلك، في الظهر كذلك، على الأضلاع كذلك، لكن في البطن؟ لا يمكن، هذا على ما سبق.
وعندي أنه في الوقت الحاضر ممكن؛ لأن الأطباء عندهم من الحذق ما يمكن أن يُقَدِّرُوا الجرح بكل دقة، وإذا كان الله عز وجل لم يبيِّن موضع الجروح، بل قال: ﴿الْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾، فنقول: متى ثبت إمكان القصاص في أي جرح في أي موضع فإنه واجب، ﴿الْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾.
وهل الجروح قصاص بالمساحة أو بالنسبة؟ انتبهوا يا جماعة!
* طلبة: بالنسبة.
* طلبة: بالمساحة.
* الشيخ: والله عندي إشكال فيها، مثل رجل بطنه كبير، وآخر بطنه صغير، هل نعتبر المساحة أو لا؟
* طالب: النسبة.
* الشيخ: النسبة؟ والله ممكن، يعني هذا أقرب للعدل، يعني مثلًا إنسان جرح بطن طفل، المساحة كم سَنْتِي؟
* طالب: نصف سَنْتِي.
* الشيخ: نصف سَنْتِي ، والسَّنْتِي أظنه الأرقام اللي على المسطر، نصف سَنْتِي أو سَنْتِي، السَّنْتِي من بطن الصبي كبير، لكن الجارح هذا بطنه ما شاء الله بطن بعير، إذا قلنا بالمساحة لم يؤثر شيئًا، فالظاهر -والله أعلم- أن الجروح بالنسبة.
نرجو تفسير هذه الآية والإشكال: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران ٩٣] الإشكال أليست التوراة منسوخة بعد نزول القرآن؟
بلى هي منسوخة، لكن من أجل أن يرد عليهم من كتابهم؛ لأنهم هم لا يؤمنون بالقرآن، يؤمنون بالتوراة.
* طالب: أهل التوراة ما آمنوا بالتوارة ولا بالقرآن، وما الفائدة ..؟
* الشيخ: هم يدَّعون أن هذا حكم التوراة.
* * *
(...) * طالب: ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة ٤٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ﴾، ما معنى ﴿كَتَبْنَا﴾؟
* طالب: فرضنا.
* الشيخ: فرضنا، هل تأتي بشاهد على أن الكَتْب بمعنى الفرض؟
* الطالب: في قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة ١٨٣].
* الشيخ: نعم، الشاهد في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾.
قوله: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ هل ورد شرعنا بموافقة هذا أو لا؟
* طالب: ورد.
* الشيخ: ورد شرعنا بموافقته في أي دليل؟
* الطالب: هذا الدليل هو فعل النبي ﷺ الذي رَضَّ رأس اليهودي الذي رَضَّ رأس الجارية.
* الشيخ: لا.
* طالب: ورد إلا بالخلاف، لا يُقتَل المسلم بالكافر، في التوراة يُقتَل المسلم بالكافر.
* الشيخ: لا، هو حديث مطابق للآية تمامًا.
* طالب: قول الرسول ﷺ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٨٧٨)، ومسلم (١٦٧٦ / ٢٥) من حديث عبد الله بن مسعود.]]، وذكر منها: (...).
* الشيخ: إي نعم، أنسيتم هذا؟
قوله: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ هل هو على عمومه؟
* طالب: لا، قد ورد ما يُخصِّصه.
* الشيخ: نعم، إذن ليس على عمومه؟ ما الذي يُسْتَثْنَى منه؟
* الطالب: قلنا: إنه لا يُستَثْنَى منه إلا المسلم إذا قتل كافرًا فإنه لا يُقْتَصّ منه.
* الشيخ: يعني لا يستثنى منه إلا قتلُ المسلم للكافر فإنه لا يُقتَصُّ منه، أعندك دليل؟
* طالب: نعم، ما ثبت في الصحيحين من قوله ﷺ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»[[أخرجه البخاري (١١١) من حديث علي أبي طالب رضي الله عنه.]].
* الشيخ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»، تمام، والتعليل ظاهر.
* الطالب: أن المسلم أعلى مرتبةً من الكافر.
* الشيخ: أعلى منزلة عند الله من الكافر، والإسلام يعلو ولا يُعْلَى.
قوله: ﴿الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾، هل تُشتَرط المماثلة أو لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: يعني اليمنى لا تُقلَع باليسرى؟ أجيبوا.
* طالب: نعم.
* الشيخ: اليمنى لا تُقْلَع باليسرى، واليسرى تُقْلَع باليمنى؟
* طالب: اليسرى باليسرى، واليمنى باليمنى.
* الشيخ: هل يمكن أن نأخذ هذا من الآية؟
* طالب: ﴿الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾.
* الشيخ: كيف نأخذ؟
* الطالب: تعريفها (...).
* الشيخ: ﴿الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾، التعريف يدل على أن الثاني هو الأول، وهذا يقتضي المماثَلة، ولأنه جاء بالباء الدالة على البدل، والبدل لا بد أن يكون مساويًا للمُبْدَل منه.
هل تؤخذ عين الأعور بعين الصحيح؟ بمعنى لو أن أعور قلع عين الصحيح المماثِلة لعين الصحيح، السؤال: هل تؤخذ أم لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: تؤخذ، أفي هذا قصاص؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لأنك إذا أخذت عين الأعور بقي أعمى، وهاذاك الأعور قلع عينه فبقي مبصرًا.
* الطالب: لكن الأعور هو الذي جنى على نفسه بقلع عين صاحبه.
* الشيخ: إذن نقول: تؤخذ عين الأعور بعين الصحيح؛ لعموم ﴿الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾، وإذا قيل: أن هذا يؤدي إلى أن يكون أعمى بعد أن كان مبصرًا، قلنا: هو الذي جنى على نفسه، وهذا أحد الأقوال في المسألة، والقول الثاني الذي هو مذهب الحنابلة..
* طالب: أن يدفع الدية كاملة.
* الشيخ: ألا تؤخذ عينه، ولكن يدفع دية كاملة.
﴿الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ﴾، هل يؤخذ الأنف بالأنف ولو كان من فوق المارن؟
* طالب: على المذهب لا.
* الشيخ: نحن بين أيدينا مذهب المسلمين كلهم.
* الطالب: ظاهر الآية نعم.
* الشيخ: ظاهر الآية نعم، كذا؟ أنه يؤخذ الأنف بالأنف ولو من فوق المارن، المارن ما لَانَ من الأنف.
لكن لو قال قائل: هذا لا يمكن القصاص به؟
* الطالب: كان هذا فيما سبق أما الآن فيمكن.
* الشيخ: إذن نقول: إذا أمكن القصاص فظاهر الآية أنه يُقْتَصّ حتى من فوق المارن، وهذا هو الصحيح، المذهب الآن ائت بالمذهب.
* الطالب: المذهب فيقتص له من المارن؛ لأن له حدًّا ينتهي إليه.
* الشيخ: أنه لا يُقْتَص إلا إذا كان القطع من المارن؛ لأن له حدًّا ينتهي إليه، ويكون ممكن فيه القصاص.
هل تؤخذ الثنية بالرباعية؟
* طالب: لا، لا تصلح.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: لأن السن بالسن.
* الشيخ: هذا سن بسن؟
* الطالب: نفس السن؛ لأن الباء لا تفيد المبادَلة.
* الشيخ: الباء للبدلية، وأيضًا السن الثاني هو السن الأول؛ لأنه جاء بالتعريف.
أتعرف الثنية من الرباعية، ما هي الثنية؟
* طالب: في الواجهة.
* الشيخ: كلها في الواجهة حتى الرباعية.
* الطالب: في النصف.
* الشيخ: في النصف؟ ما هي بالنصف، الثنية ما هي في النصف؛ لأنهما ثنيتان كل واحدة في جانب، طيب، هما السِّنَّان المتلاصقان، هذه الثنايا، السِّنَّان المتلاصقان هما الثنايا، وما وراءهما الرباعية، إذن لا تؤخذ ثنية برباعية، ولا العكس؛ لعدم التماثل.
﴿الْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ أخذناها ولَّا لا؟ ما أخذنا السِّنّ؟ أخذناها، على كل حال ما هي مشكلة السن واضح، وبيَّنَّا أنه كيف يؤخذ السن بالسن إذا كان جزءًا، وقلنا لكم يمكن يؤخذ بالبَرْد، الْمِبْرَد.
﴿الْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ ذكرنا لكم أنه لا جرح يمكن فيه قصاص إلا الجرح الذي ينتهي إلى عظم، وإلا فلا يمكن، فالجرح في البطن لا يمكن، الجرح بالرأس قبل الوصول إلى العظم لا يمكن، لا يمكن القصاص في الجروح إلا إذا انتهت إلى عظم.
بقي علينا القطع، القطع في اليد، والقطع في الرجل، وربما نأخذ إن شاء الله تعالى في الفوائد؛ لأن الآية فيها فوائد كثيرة.
* * *
ثم قال: ﴿الْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ يعني أنه يُقْتَصّ من الجاني بمثل ما جنى على المجني عليه، فإذا جرحه في جانب الرأس الأيمن يُقْتَصّ منه في جانب الرأس الأيمن، في الجانب الأيسر يُقْتَصّ منه في الجانب الأيسر، وهلم جرَّا.
قال: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوكَفَّارَةٌ لَهُ﴾، ﴿مَنْ تَصَدَّقَ بِهِ﴾ أي بالقصاص، وهذا يحتمل معنيين؛ المعنى الأول: أن يتصدق المجني عليه بالقصاص فلا يقتص من الجاني، ويكون هذا كفارة له؛ لأن الصدقة كفارة، الثاني: ﴿تَصَدَّقَ بِهِ﴾، أي: بالقصاص، بمعنى بَذَله، أي: بذل نفسه ليُقْتَصَّ منه، فيكون ذلك كفارة له؛ لأنه إذا اقتُصَّ منه في الدنيا لم يلحقه الجاني به في الآخرة، أفهمتم الآن؟
إذن ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ﴾ لها معنيان؛ المعنى الأول أيش؟ تصدق بالقصاص، أي: عفا عنه، والثاني: ﴿تَصَدَّقَ بِهِ﴾ أي: بذل نفسه ليُقْتَصَّ منه.
﴿فَهُوكَفَّارَةٌ لَهُ﴾، أما كونه كفارة للمتصدق الذي هو المجني عليه فظاهر؛ لأنه أحسن إلى أخيه، وتصدق عليه بأعز شيء عليه وهو نفسه، إذا كان ذلك بالنفس، وأما كونه كفارة للجاني فلأنه سلَّم نفسه بسهولة، فيكون تسليمه نفسه ليُقْتَصَّ منه كفارة لجريمته وجنايته، ولا يعاقَب به؛ إذ لا يجمع الله تعالى على الإنسان عقوبتين؛ عقوبة الدنيا والآخرة.
﴿فَهُو كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ لمن؟ للمتصدق؛ سواءٌ هذا أو هذا.
والكفارة مأخوذة من الكَفْر وهو الستر؛ لأن الشيء إذا غطى آثار شيء آخر صار كالساتر له، ولذلك كان لليمين كفارة، وكان للظِّهار كفارة، وكان للقتل كفارة؛ لأن هذه تستر ما يحصل من آثام الذنوب وتمحوها.
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، نقول في هذه الجملة كما قلنا في الجملة الأولى؛ هل المراد من لم يحكم بما أنزل الله من اليهود أو هو عام؟
في هذا قولان للمفسرين؛ منهم من قال: إنها في اليهود؛ لأن سياق الآيات فيهم، وعلى هذا القول يمكن أن نقول: يلحق بهم من فعل ذلك من المسلمين بطريق أيش؟ بطريق القياس.
والقول الثاني في المسألة: أن الآية عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو ظالم، سواءٌ كان من المسلمين، أو كان من اليهود، أو غيرهم، وهذا يساعده اللفظ، والأول يساعده أيش؟ السياق؛ لأن الله قال: ﴿كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾، فالكلام عن اليهود، ولكن الحكم في الحقيقة لا يختلف فيمن لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين؛ لأننا نقول: إن شمله اللفظ فقد شمله الحكم بالدليل اللفظي، وإن لم يشمله فقد شمله الحكم بالدليل المعنوي، وهو القياس.
وقوله: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (هم) ضمير فصل، وضمير الفصل حرف لا محل له من الإعراب، لكن يؤتى به للفصل بين الصفة والخبر، أي: بين النعت والخبر، فإذا قلت: زيدٌ الفاضل، تريد أن تخبر عنه بأنه فاضل، فإنه يحتمل أن تكون (الفاضل) نعتًا لـ(زيد)، والخبر لم يأتِ بعد، فإذا قلت: زيد هو الفاضل، تعيَّن أن يكون خبرًا، ولهذا سُمِّي ضمير فصل، وفائدته ما ذكرناه، وفائدة أخرى: التوكيد، وفائدة ثالثة: الحصر.
هل نقول: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ لا يوجد أحد ظالم إلا هؤلاء، بناءً على أن ضمير الفصل يفيد الحصر؟
فالجواب: لا، هذا حصر نسبي، أي: فأولئك هم الظالمون في عدم تطبيق ما ذُكِرَ في الآية، وإلا فإن الكافرين هم الظالمون، والمفترِي على الله كذبًا ظالم، وهو أظلم الناس، ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [الصف ٧].
* في هذه الآية الكريمة فوائد، منها: أن الله فرض على اليهود القصاص؛ لقوله: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾.
لكن إذا قال قائل: كيف نقول ذلك وقد فسَّرنا قوله: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُو كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ بأنه المجني يعفو عن الجاني؟
نقول: نعم، فرض الله عليهم القصاص أو العفو مجانًا، هذه الأمة رخص الله لها في القصاص والعفو مجانًا، وأخذ الدية والمصالحة، كل هذا -والحمد لله- من سعة شريعة هذه الأمة.
وقد ذكروا -أي ذكر بعض العلماء-: أن اليهود يُفر َض عليهم القصاص، القصاص فرض عليهم، والنصارى بالعكس؛ العفو فرض عليهم، حتى قيل: إن من أصول شريعتهم أن من ضربك على الخد الأيمن فأَدِرْ له الخد الأيسر، ولا شك أن هذا فيه نوع من الإذلال، لكن على كل حال لا ندري عن صحة هذه المقالة، فالله أعلم، لكن يقال: إن اليهود يُفرَض عليهم القصاص بخلاف النصارى، والعلة واضحة؛ لأن اليهود عُتَاة، طُغَاة، بُغَاة، ولا يليق بهم إلا أن يُقتَل القاتل حتى يكون ذلك نكالًا.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: قُبْح ما فعله بنو النضير مع بني قريظة، بنو النضير يرون أنهم أشراف اليهود، ولذلك إذا قَتَل النضيري قرظيًّا فإنه لا يُقتَل به، وإذا قتل القرظي نضيريًّا فإنه يُقتَل به -سبحان الله- كلهم يهود، لكن يقول: ها دول أشرف وأفضل، وإذا قتل النضيري قرظيًّا فله نصف الدية إذا لم يقتص، وإن كان العكس فله الدية الكاملة، هكذا ذكر المفسِّرون في هذا الموضع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن القصاص ثابت في النفوس، ولو اختلف الناس في السن، والطول والقصر، والعلم، والعقل، والذكاء، وغير ذلك، من أين يؤخذ؟
* طلبة: من العموم.
* الشيخ: من العموم، ولهذا لو أن رجلًا شابًّا عالمًا كريمًا حسيبًا قتل طفلًا في المهد فإنه يُقتَل به؛ لأنه لا عبرة بالاختلاف في هذه الأشياء، وذلك للعموم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جريان القصاص في الأعين؛ لقوله: ﴿الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾.
* ومن فوائدها: جريان القصاص بين الآناف؛ لقوله: ﴿الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: جريان القصاص في الآذان؛ لقوله: ﴿الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ﴾.
* ومن فوائدها: جريان القصاص بالسن، بين الأسنان، كم هذه من عضو؟
* طلبة: أربعة.
* الشيخ: أربعة، بقي أعضاء، منها: اليدان، والرجلان، واللسان، وغيرها من الأعضاء، فهل الحكم فيها كالحكم في هذه؟
الجواب: نعم، الحكم فيها كالحكم في هذه بالقياس الجلي الواضح، وإنما ذكر الله عز وجل هذه الأعضاء؛ العين، والأنف، والأذن، والسن؛ لعلهم -أعني اليهود- يخالفون في القصاص في هذه الأشياء، فنصَّ عليها لوقوع المخالفة فيها، أقول: لعل، ولا أجزم بهذا؛ لأن الله أعلم بما أراد في كتابه، لكن نعلم أن ما سواها من الأعضاء يكون مثلها، فمثلًا الإصبع بالإصبع، يؤخذ الخنصر بالخنصر، والإبهام بالإبهام، وما بينهما كذلك، القدم بالقدم، الكف بالكف، الذراع بالذراع، وهلم جرَّا.
لكن هل يُشتَرَط أن يكون القطع من مفصل أو لا يُشتَرَط؟
في هذا خلاف بين العلماء؛ منهم من قال: لا بد أن يكون القطع من مفصل، وإذا لم يكن من مفصل فلا قصاص مطلقًا، انتبه، فمثلًا الذراع مفصله أيش؟
* طالب: المرفق.
* الشيخ: المرفق من جهة العضد، والكف من جهة اليد، فإذا قطع الجاني الذراع من النصف فالقطع الآن ليس من مفصل، فعلى قول من اشترط أن يكون القطع من مفصل لا يُقْطَع، حتى لو قال المجني عليه: اقطعوا هذا الرجل من الكف، وأنا أسامح عن الزائد، لا يُقطَع؛ لعدم توفر الشرط، حتى لو قال مثلًا: اقطعوا من الكف وأعطوني أرش الزائد أرضى بهذا، يقولون: لا يُقطَع.
ولكن الصواب أن يُقال: بل يُقطع؛ لوجوب أيش؟ القصاص، لكن بشرط أن يمكن القصاص.
وهل القصاص يكون بالنسبة أو بالمساحة؟ يكون بالنسبة، قد يكون المجني عليه ذراعه طويلة، ولو أخذناها بالمساحة لزم أن نأخذ كل ذراع الجاني، ولكن إذا كان القطع من النصف قلنا: خذ النصف، وإذا كان من الثلث قلنا: خذ الثلث، هذا هو القول الراجح.
فإذا لم يمكن فالصواب أن للمجني عليه أن يطلب القصاص مما دونه من المفصل، وله أن يطلب أرش الزائد أيضًا، هذا هو القول الراجح؛ لأن الله تعالى أمر بالعدل، وهذا هو العدل، فإذا قال المجني عليه: اقطعوا من الكف، والزائد أعطوني أرشه، نقول: له الحق في ذلك، ومن باب أولى إذا قال: اقطعوه من المفصل وأنا متنازل عن الزائد، فإنه من باب أولى.
ودليلنا في هذا الذي رجَّحناه قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل ٩٠]، فمتى أمكن العدل وجب الأخذ به.
طيب، إذا قَطَع ذَكَر الإنسان يُقطَع ذَكَرُه أو لا؟ يُقْطَع ذَكَرُه.
إذا قُدِّر أن المقطوع ذَكَرُه كان عقيمًا، والقاطع سليم، هل يُقْطَع أو لا؟
* طلبة: يُقطَع.
* الشيخ: المقطوع عقيم، والقاطع سليم، يُقْطَع أو لا؟
* طلبة: يُقْطَع.
* الشيخ: يُقْطَع، نظيره أُذُن الأصم، لو أن شخصًا قطع أذن أصم، وهو يسمع –القاطع- فإنها تُقطَع أذنه؛ لأن نفس العضو هو العضو، والعقم شيء زائد، بخلاف الأشَلّ والصحيح، فالأشَلّ والصحيح مثل لو قطع يدًا شَلَّاء وهو سليم اليد فإنها لا تُقْطَع؛ لفوات المنفعة في الأول، وهي أمر مهم.
* من فوائد الآية الكريمة: أن جميع الجروح إذا أمكن الاقتصاص فيها فالحكم ثابت، القصاص؛ لعموم قوله أيش؟ ﴿الْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾، وكان السابقون من العلماء يقولون: إنه لا يمكن القصاص بالجروح إلا إذا انتهى الجرح إلى عظم، وهذا هو منتهى العلم في ذلك الوقت، لكن في وقتنا الحاضر يمكن أن يُقتَصَّ من الجرح بما دون الشعرة في أي موضع كان، فإذا أمكن القصاص وجب القصاص، هذا هو العدل، ودليلنا هذه الآية العظيمة وهي: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾.
طيب، غير الجروح هل يُقتَصّ فيها؛ كاللطمة والضربة بالعصا، وما أشبه ذلك؟ اختلف في هذا العلماء، منهم من قال: إن اللاطم لا يُلطَم، لكن يؤخذ منه الحق العام، ويكون أمره إلى من؟ إلى ولي الأمر يقدر ما يراه مانعًا من العدوان، وعَلَّلُوا ذلك بأنه لا يمكن القصاص في اللطم، ما تقول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يمكن؟ ليش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم؛ لأن ربطها بالشدة والقوة أو بالعكس صعب جدًّا، وأيضًا ربما يكون المجني عليه يده كبيرة وذاك يده صغيرة، هاذاك لما ضرب المجني عليه أصابت الضربة نصف خده، والثاني يده كبيرة إذا ضربه تحيط بكل الخد، فيختلف الحكم، يعني معناه أنه لا يمكن القصاص.
لكن بعض العلماء يقول: إن القصاص ممكن؛ لأن مسألة الضربة واللطمة وما أشبه ذلك ليس الإنسان يريد أن يتشفى بما يصيبه من الألم، وإنما يريد أن يتشفى بما يصيبه من أيش؟ الإذلال والإهانة، ولهذا لو كانت المسألة من باب المزح وضربه على وجهه بقوة يقول: يلّا القصاص؟ أجيبوا.
* طلبة: لا.
* الشيخ: لا، لكن إذا كانت المسألة من باب المغالبة فلا شك أن في اللطمة إذلالًا، فيقول: أنا ما يهمني، اللطمة ما همَّته، غاية ما هنالك أنه تفرق الدم ثم رجع، الدم من شدة الضربة يتفرق، يكون محل الضربة أبيض أحيانًا، ثم رجع، لكن يهمني أنه أذلَّني، فأنا أريد أن أُذِلَّه.
فعلى كل حال في هذه الحال ينبغي أن يقال: إنه يُنظَر إلى رأي القاضي، والقاضي إذا رأى أن في إهانة المعتدِي ولو بضربة خفيفة نوعًا من التشفي فليفعل.
كذلك أيضًا بالنسبة للعصا؛ الضربة بالعصا هل يُقتَصّ منها؟ نقول: أما بالعصا الذي ضربه به فهذا يمكن، لكن يبقى النظر في شدة الضربة، وأما أن يضربه بسوط دقيق ثم يأتي بخشبة يريد أن يقتص هذا لا يمكن.
يبقى النظر فيما إذا ضربه بمثل ما ضربه به، فهل يمكن القصاص أولا يمكن؟ ينبني هذا على أيش؟ على ما سبق؛ أنه ليس المهم أن يضربه بما يؤذيه، أو ما أشبه ذلك، المهم أن يُذِلَّه.
وممكن نتعرض أيضًا لمسألة الثوب، لو شَقَّ ثوبَ إنسان هل يقتص منه بشق ثوبه؟ هذه فيها خلاف أيضًا، من العلماء من يقول: لا، إذا شق ثوبه ضَمِنَه؛ إما بالمثل، وإما بالقيمة، إن أتلفه حتى لا يُستفاد منه فبالمثل، إلا على المذهب كما عرفتم، وإن شَقَّه شقًّا يمكن الانتفاع مع وجوده فإنه يُقَوَّم.
الذين قالوا بالقصاص في مثل الضربة واللطمة وشق الثوب استدلوا بالعموم؛ عموم الآيات، ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة ١٩٤]، ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل ١٢٦]، والذين منعوا قالوا: إن هذا لا يمكن فيه القصاص؛ لأنه صعب التقدير.
إذا قلنا بالقول الراجح: إنه يجوز أن يشق ثوبه كما شق ثوبه فهنا سؤالان؟
السؤال الأول: إذا اختلف الثوبان؛ أحدهما جديد، والثاني قديم، أو كلاهما جديد، وأحدهما من النوع الجيد، والثاني من النوع الرديء، هل يفعل؟ ترجع إلى ما ذكرنا، وهو: هل الذي طلب القصاص أراد المبادلة والمعاوضة، أو أراد إذلال الذي شق ثوبه؟ الغالب أنه الثاني، وبناء على ذلك نقول: له أن يشق ثوبه ولو كان ثوب الجاني أعلى من ثوب المجني عليه قدرًا ووصفًا.
وإذا قلنا بذلك، السؤال الثاني: فهل يقدر بالمساحة ولّا بالنسبة؟
* طلبة: بالنسبة.
* الشيخ: بالنسبة؟ ما الفرق بين النسبة والمساحة؟
* طالب: المساحة لو قدرناها يكون الجاني على الآخر الشق يكون صغيرًا، فقد فيكون الشق على الصغير كبيرًا، فيلزم منه أن يشق ثوب الآخر كله.
* الشيخ: يعني لو كان الجاني ثوبه طويل؟
* الطالب: لو كان الجاني ثوبه طويل وقدرناه بالمساحة، فيلزم منه أن يشق ثوب الثاني كله.
* الشيخ: لا، بالعكس.
* الطالب: هذا بالنسبة.
* الشيخ: الجاني ثوبه طويل، والمجني عليه ثوبه قصير، شق منه مقدار إصبع..
* الطالب: يلزم منه لو قلنا: ال..
* الشيخ: الذي ثوبه صغير الإصبع يأخذ منه مساحة، وذاك يكون قليلًا.
إذن نقول: لا بد أن تكون بأيش؟ بالنسبة؛ لأننا لو قلنا: بالمساحة، لم نتمكن من أيش؟ من المماثلة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على تسليم الجاني نفسه للمجني عليه أو أوليائه إن كان بالقتل؛ لقوله: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُو كَفَّارَةٌ لَهُ﴾.
* * *
* طالب: ﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُو كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾ [المائدة ٤٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: الحث على العفو عن الجاني؛ لقوله: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُو كَفَّارَةٌ لَهُ﴾.
* ومن فوائدها: حث الجاني على تسليم نفسه، وأن ذلك يكون كفارة له.
فإن قال قائل: هو صار كفارة له باعتبار حق أولياء المقتول، فما الحكم بالنسبة لحق المقتول الذي قطع عليه القاتل حياته؟
فالجواب: إذا علم الله من صدق توبة القاتل فإن الله سبحانه وتعالى يتحمل عنه حق المقتول فيرضيه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من لم يحكم بما أنزل الله فهو ظالم؛ لقوله: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.
* ومن فوائدها: أن من لم يعلم حُكم الله فحَكَم جهلًا منه فليس بظالم، لكن يقال: يجب عليه إذا علم أن يرجع إلى الحق ويحكم بما أنزل الله.
فإن قال قائل: هل بين هذا الوصف: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، وبين قوله في الآية السابقة: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، هل بينهما تعارض؟ بمعنى: هل هما متباينتان أو مدلولهما واحد؟
فالجواب: إن من العلماء من قال: هما متباينتان، ومنهم من قال: إن مدلولهما واحد، فمن قال: إنهما متباينتان، قال في الأولى: إذا كان الحامل للحاكم بغير ما أنزل الله العدول عما أنزل الله، وأن غيره خير منه للإنسانية، فهذا أيش؟ كافر، وسواء حكم أم لم يحكم، لكن عدم حكمه دليل على ما في قلبه.
وأما من حكم وهو يعتقد أن حكم الله هو الحق، وأنه أنسب للعباد من حكم الطاغوت، لكنه أراد أن يعتدي على المحكوم عليه لعداوة بينه وبينه فهذا ظالم.
أما من قال: إنهما متفقتان ولا تباين بينهما، فيقول: إن الكافر ظالم؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة ٢٥٤]، وعلى هذا فالوصفان أيش؟
* طالب: متفقان.
* الشيخ: متفقان على موصوف واحد، لكن الأول أظهر، وأن لكل وصف محلًّا خاصًّا.
{"ayah":"وَكَتَبۡنَا عَلَیۡهِمۡ فِیهَاۤ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَیۡنَ بِٱلۡعَیۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصࣱۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةࣱ لَّهُۥۚ وَمَن لَّمۡ یَحۡكُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق