الباحث القرآني
* فَصْلٌ
وأمّا ما دُونَ النَّفْسِ فَإنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شِبْهُ العَمْدِ مِن جِهَةِ الآلَةِ، ويَجِبُ فِيهِ القِصاصُ بِحَجَرٍ شَجَّهُ أوْ بِحَدِيدٍ، وفِيهِ شِبْهُ العَمْدِ مِن جِهَةِ التَّغْلِيظِ إذا تَعَذَّرَ فِيهِ القِصاصُ؛ وإنَّما لَمْ يَثْبُتْ فِيما دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ العَمْدِ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ﴿والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ وقالَ: ﴿والسِّنَّ بِالسِّنِّ﴾ ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ وُقُوعِها بِحَدِيدٍ أوْ غَيْرِهِ. والأثَرُ إنَّما ورَدَ في إثْباتِ خَطَإ العَمْدِ في القَتْلِ، وذَلِكَ اسْمٌ شَرْعِيٌّ لا يَجُوزُ إثْباتُهُ إلّا مِن طَرِيقِ التَّوْقِيفِ، ولَمْ يَرِدْ فِيما دُونَ النَّفْسِ تَوْقِيفٌ في شِبْهِ العَمْدِ فِيهِ، وأثْبَتُوا فِيهِ التَّغْلِيظَ إذا لَمْ يُمْكِنْ فِيهِ القِصاصُ؛ لِأنَّهُ بِمَنزِلَةِ شِبْهِ العَمْدِ حِينَ كانَ عَمْدًا في الفِعْلِ.
وقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ نَضَّرَ اللَّهُ وجْهَهُ " أنَّهُ قَضى عَلى قَتادَةَ المُدْلِجِيِّ حِينَ حَذَفَ ابْنَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ بِمِائَةٍ مِنَ الإبِلِ مُغَلَّظَةً "؛ حِينَ كانَ عَمْدًا سَقَطَ فِيهِ القِصاصُ، (p-٢٠٥)كَذَلِكَ فِيما دُونَ النَّفْسِ إذا كانَ عَمْدًا قَدْ سَقَطَ فِيهِ القِصاصُ إيجابُ قِسْطِهِ مِنَ الدِّيَةِ مُغَلَّظًا؛ ومَعَ ذَلِكَ فَلا نَعْلَمُ خِلافًا بَيْنَ الفُقَهاءِ في إيجابِ القِصاصِ في الجِراحاتِ الَّتِي يُمْكِنُ القِصاصُ فِيها بِأيِّ شَيْءٍ جَرَحَ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدْ ذَكَرْنا الخَطَأ وشِبْهَ العَمْدِ وبَيَّنّا العَمْدَ في سُورَةِ البَقَرَةِ؛ واَللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
بابُ مَبْلَغِ الدِّيَةِ مِنَ الإبِلِ قَدْ تَواتَرَتِ الآثارُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِقْدارِ الدِّيَةِ وأنَّها مِائَةٌ مِنَ الإبِلِ، فَمِنها حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أبِي حَثْمَةَ في القَتِيلِ المَوْجُودِ بِخَيْبَرَ وأنَّ النَّبِيَّ ﷺ وداهُ بِمِائَةٍ مِنَ الإبِلِ.
ورَوى سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعانَ عَنِ القاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «خَطَبَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَكَّةَ فَقالَ: ألا إنَّ قَتِيلَ خَطَإ العَمْدِ بِالسَّوْطِ والعَصا فِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً مِائَةٌ مِنَ الإبِلِ أرْبَعُونَ خَلِفَةً في بُطُونِها أوْلادُها» .
وفِي كِتابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وفِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنَ الإبِلِ» .
ورَوى عَمْرُو بْنُ دِينارٍ عَنْ طاوُسٍ قالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ دِيَةَ الخَطَإ مِائَةً مِنَ الإبِلِ» وذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ مُوسى القُمِّيُّ قالَ: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ قالَ: حَدَّثَنا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ قالَ: حَدَّثَنا الفَضْلُ بْنُ سُلَيْمانَ النُّمَيْرِيُّ قالَ: حَدَّثَنا غالِبُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسٍ النُّمَيْرِيِّ قالَ: أخْبَرَنِي قُرَّةُ بْنُ دَعْمُوصٍ النُّمَيْرِيُّ قالَ: «أتَيْتُ أنا وعَمِّي النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي عِنْدَ هَذا دِيَةَ أبِي فَمُرْهُ أنْ يُعْطِيَنِيها قالَ: أعْطِهِ دِيَةَ أبِيهِ وكانَ قُتِلَ في الجاهِلِيَّةِ، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِأُمِّي فِيها حَقٌّ ؟ قالَ: نَعَمْ وكانَتْ دِيَتُهُ مِائَةً مِنَ الإبِلِ» فَقَدْ حَوى هَذا الخَبَرُ أحْكامًا: مِنها أنَّ المُسْلِمَ والكافِرَ في الدِّيَةِ سَواءٌ لِأنَّهُ أخْبَرَ أنَّهُ قُتِلَ في الجاهِلِيَّةِ. ومِنها أنَّ المَرْأةَ تَرِثُ مِن دِيَةِ زَوْجِها. ومِنها أنَّ الدِّيَةَ مِائَةٌ مِنَ الإبِلِ؛ ولا خِلافَ بَيْنَ السَّلَفِ وفُقَهاءِ الأمْصارِ في ذَلِكَ، واَللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
بابُ أسْنانِ الإبِلِ في دِيَةِ الخَطَإ
قالَ أبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ في ذَلِكَ، فَرَوى عَلْقَمَةُ والأسْوَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ في دِيَةِ الخَطَإ أخْماسًا: " عِشْرُونَ حِقَّةً وعِشْرُونَ جَذَعَةً وعِشْرُونَ بَناتُ مَخاضٍ وعِشْرُونَ بَنُو مَخاضٍ وعِشْرُونَ بَناتُ لَبُونٍ " . وعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أخْماسًا أيْضًا.
ورَوى عاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ وإبْراهِيمُ عَنْ عَلِيٍّ في دِيَةِ الخَطَإ أرْباعًا خَمْسٌ وعِشْرُونَ حُقَّةً وخَمْسٌ وعِشْرُونَ جَذْعَةً وخَمْسٌ وعِشْرُونَ بَناتُ مَخاضٍ وخَمْسٌ وعِشْرُونَ بَناتُ لَبُونٍ أرْبَعَةُ (p-٢٠٦)أسْنانٍ مِثْلُ أسْنانِ الزَّكاةِ " . وقالَ عُثْمانُ وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ: " في الخَطَإ ثَلاثُونَ بَناتُ لَبُونٍ وثَلاثُونَ جَذَعَةً وعِشْرُونَ بَنُو لَبُونٍ وعِشْرُونَ بَناتُ مَخاضٍ " ورُوِيَ عَنْهُما مَكانُ الجِذاعِ الحِقاقُ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: واتَّفَقَ فُقَهاءُ الأمْصارِ أصْحابُنا ومالِكٌ والشّافِعِيُّ أنَّ دِيَةَ الخَطَإ أخْماسٌ، إلّا أنَّهُمُ اخْتَلَفُوا في الأسْنانِ مِن كُلِّ صِنْفٍ، فَقالَ أصْحابُنا جَمِيعًا: عِشْرُونَ بَناتُ مَخاضٍ وعِشْرُونَ بَنُو مَخاضٍ وعِشْرُونَ بَناتُ لَبُونٍ وعِشْرُونَ حُقَّةٌ وعِشْرُونَ جَذَعَةٌ " وقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ: " عِشْرُونَ بَناتُ مَخاضٍ وعِشْرُونَ بَنُو لَبُونٍ وعِشْرُونَ بَناتُ لَبُونٍ وعِشْرُونَ حُقَّةٌ وعِشْرُونَ جَذَعَةٌ " .
وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ داوُدَ بْنِ تَوْبَةَ التَّمّارُ قالَ: حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النّاقِدُ قالَ: حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ قالَ: حَدَّثَنا حَجّاجٌ بْنُ أرْطاةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ خِشْفِ بْنِ مالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَعَلَ الدِّيَةَ في الخَطَإ أخْماسًا» . واتِّفاقُ الفُقَهاءِ عَلى اسْتِعْمالِ هَذا الخَبَرِ في الأخْماسِ يَدُلُّ عَلى صِحَّتِهِ؛ ولَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ كَيْفِيَّةَ الأسْنانِ، فَرَوى مَنصُورٌ عَنْ إبْراهِيمِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ في دِيَةِ الخَطَإ أخْماسًا وذَكَرَ الأسْنانَ مِثْلَ قَوْلِ أصْحابِنا، فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الأخْماسَ الَّتِي رَواها عَنِ النَّبِيِّ ﷺ كانَتْ عَلى هَذا الوَجْهِ؛ لِأنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ أنْ يَرْوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ شَيْئًا ثُمَّ يُخالِفَهُ إلى غَيْرِهِ. فَإنْ قِيلَ: خِشْفُ بْنُ مالِكٍ مَجْهُولٌ. قِيلَ لَهُ اسْتِعْمالُ الفُقَهاءِ لِخَبَرِهِ في إثْباتِ الأخْماسِ يَدُلُّ عَلى صِحَّتِهِ واسْتِقامَتِهِ.
وأيْضًا فَإنَّ قَوْلَ مَن جَعَلَ في الخَطَإ مَكانَ بَنِي لَبُونٍ بَنِي مَخاضٍ أوْلى؛ لِأنَّ بَنِي لَبُونٍ بِمَنزِلَةِ بَناتِ مَخاضٍ، لِقَوْلِهِ ﷺ: «فَإنْ لَمْ تُوجَدِ ابْنَةُ مَخاضٍ فابْنُ لَبُونٍ» فَيَصِيرُ بِمَنزِلَةِ مَن أوْجَبَ أرْبَعِينَ بَناتِ مَخاضٍ إذا أوْجَبَ عِشْرِينَ بَنِي لَبُونٍ وعِشْرِينَ بَناتِ مَخاضٍ. وأيْضًا فَإنَّ بَنِي لَبُونٍ فَوْقَ بَنِي مَخاضٍ، ولا يَجُوزُ إثْباتُ زِيادَةِ ما بَيْنَ بَنِي لَبُونٍ وبَناتِ مَخاضٍ إلّا بِتَوْقِيفٍ.
وأيْضًا فَإنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ: «الدِّيَةُ مِائَةٌ مِنَ الإبِلِ» يَقْتَضِي جَوازَ ما يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، فَلا تَثْبُتُ الزِّيادَةُ إلّا بِدَلالَةٍ، ومَذْهَبُ أصْحابِنا أقَلُّ ما قِيلَ فِيهِ فَهو ثابِتٌ. وما زادَ فَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ دَلالَةٌ فَلا يَثْبُتُ. وأيْضًا قَدْ ثَبَتَ مِثْلُ قَوْلِ أصْحابِنا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ في كَيْفِيَّةِ الأسْنانِ ولَمْ يَرْوِ عَنْ أحَدٍ مِنَ الصَّحابَةِ مِمَّنْ قالَ بِالأخْماسِ خِلافَهُ؛ وقَوْلُ مالِكٍ والشّافِعِيِّ لا يُرْوى عَنْ أحَدٍ مِنَ الصَّحابَةِ وإنَّما يُرْوى عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، فَكانَ قَوْلُ أصْحابِنا أوْلى لِاتِّفاقِ الجَمِيعِ مِن فُقَهاءِ الأمْصارِ عَلى إثْباتِ الأخْماسِ وثُبُوتِ كَيْفِيَّتِها عَلى الوَجْهِ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ أصْحابُنا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
فَإنْ قِيلَ إيجابُ (p-٢٠٧)بَنِي لَبُونٍ أوْلى مِن بَنِي مَخاضٍ لِأنَّها تُؤْخَذُ في الزَّكاةِ ولا تُؤْخَذُ بَنُو مَخاضٍ. قِيلَ لَهُ: ابْنُ اللَّبُونِ يُؤْخَذُ في الزَّكاةِ عَلى وجْهِ البَدَلِ، وكَذَلِكَ ابْنُ مَخاضٍ يُؤْخَذُ عِنْدَنا عَلى وجْهِ البَدَلِ، فَلا فَرْقَ بَيْنَهُما. وأيْضًا فَإنَّ الدِّياتِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِالزَّكاةِ، ألا تَرى أنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ المُخالِفِ أرْبَعُونَ خَلِفَةً في شِبْهِ العَمْدِ ولا يَجِبُ مِثْلُها في الزَّكاةِ ؟ واَللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
بابُ أسْنانِ الإبِلِ في شِبْهِ العَمْدِ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ في شِبْهِ العَمْدِ أرْباعًا خَمْسٌ وعِشْرُونَ بَناتُ مَخاضٍ وخَمْسٌ وعِشْرُونَ بَناتُ لَبُونٍ وخَمْسٌ وعِشْرُونَ حُقَّةٌ وخَمْسٌ وعِشْرُونَ جَذَعَةٌ، وهي مِثْلُ أسْنانِ الإبِلِ في الزَّكاةِ " .
ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وعُمَرَ وأبِي مُوسى والمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: " في شِبْهِ العَمْدِ ثَلاثُونَ حُقَّةً وثَلاثُونَ جَذَعَةً وأرْبَعُونَ ما بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلى بازِلٍ عامُها كُلُّها خَلِفَةٌ " . وعَنْ عُثْمانَ وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ: " ثَلاثُونَ بَناتُ لَبُونٍ وثَلاثُونَ حُقَّةً وأرْبَعُونَ جَذَعَةً خِلْفَةً " .
ورَوى أبُو إسْحاقَ عَنْ عاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ: " في شِبْهِ العَمْدِ ثَلاثٌ وثَلاثُونَ حِقَّةً وثَلاثٌ وثَلاثُونَ جَذَعَةً وأرْبَعٌ وثَلاثُونَ ثَنِيَّةٌ إلى بازِلِ عامِها، كُلُّها خَلِفَةٌ " . واخْتَلَفَ فُقَهاءُ الأمْصارِ في ذَلِكَ، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ: " دِيَةُ شِبْهِ العَمْدِ أرْباعٌ " عَلى ما رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وقالَ مُحَمَّدٌ دِيَةُ شِبْهِ العَمْدِ أثْلاثٌ: ثَلاثُونَ حُقَّةً وثَلاثُونَ جَذَعَةً وأرْبَعُونَ ما بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلى بازِلٍ عامُّها كُلُّها خَلِفَةٌ، والخَلِفَةُ هي الحَوامِلُ " وهو قَوْلُ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ. ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ ومَن قَدَّمْنا ذِكْرَهُ مِنَ السَّلَفِ.
ورَوى ابْنُ القاسِمِ عَنْ مالِكٍ: " أنَّ الدِّيَةَ المُغَلَّظَةَ في الرَّجُلِ يَحْذِفُ ابْنَهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْتُلَهُ فَتَكُونُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً ثَلاثُونَ حُقَّةً وثَلاثُونَ جَذَعَةً وأرْبَعُونَ خَلِفَةً وهي حالَّةٌ " قالَ: " والجَدُّ إذا قَتَلَ ولَدَ ولَدِهِ عَلى هَذا الوَجْهِ فَهو مِثْلُ الأبِ، فَإنْ قَطَعَ يَدَ الوَلَدِ وعاشَ فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً "؛ وقالَ مالِكٌ: " تُغَلَّظُ عَلى أهْلِ الوَرِقِ والذَّهَبِ أيْضًا، وهو أنْ يَنْظُرَ إلى قِيمَةِ الثَّلاثِينَ مِنَ الحُقَّةِ والثَّلاثِينَ مِنَ الجَذَعَةِ والأرْبَعِينَ مِنَ الخَلِفَةِ فَيَعْرِفُ كَمْ قِيمَتُهُنَّ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلى دِيَةِ الخَطَإ أخْماسًا مِنَ الأسْنانِ عِشْرِينَ بِنْتَ مَخاضٍ وعِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ وعِشْرِينَ بَناتِ لَبُونٍ وعِشْرِينَ حُقَّةً وعِشْرِينَ جَذَعَةً، ثُمَّ يَنْظُرُ كَمْ فَضَلَ ما بَيْنَ دِيَةِ الخَطَإ والدِّيَةِ المُغَلَّظَةِ فَيُزادُ في الرِّقَّةِ عَلى قَدْرِ ذَلِكَ " قالَ: " وهو عَلى قَدْرِ الزِّيادَةِ والنُّقْصانِ في سائِرِ الأزْمانِ، وإنْ صارَتْ دِيَةُ التَّغْلِيظِ ضِعْفَيْ دِيَةِ الخَطَإ زِيدَ عَلَيْهِ مِنَ الوَرِقِ بِقَدْرِ ذَلِكَ " .
وقالَ الثَّوْرِيُّ في دِيَةِ شِبْهِ العَمْدِ (p-٢٠٨)مِنَ الوَرِقِ: " يُزادُ عَلَيْها بِقَدْرِ ما بَيْنَ دِيَةِ الخَطَإ إلى دِيَةِ شِبْهِ العَمْدِ في أسْنانِ الإبِلِ " نَحْوُ ما قالَ مالِكٌ، وهو قَوْلُ الحَسَنِ بْنِ صالِحٍ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمّا ثَبَتَ أنَّ دِيَةَ الخَطَإ أخْماسٌ بِما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وبِما قَدَّمْنا مِنَ الحِجاجِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا في شِبْهِ العَمْدِ فَجَعَلَهُ بَعْضُهم أرْباعًا وبَعْضُهم أثْلاثًا، كانَ قَوْلُ مَن قالَ بِالأرْباعِ أوْلى؛ لِأنَّ في الأثْلاثِ زِيادَةَ تَغْلِيظٍ لَمْ تَقُمْ عَلَيْها دَلالَةٌ، وقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «الدِّيَةُ مِائَةٌ مِنَ الإبِلِ» يُوجِبُ جَوازَ الكُلِّ، والتَّغْلِيظُ بِالأرْباعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، والزِّيادَةُ عَلَيْها غَيْرُ ثابِتَةٍ، فَظاهِرُ الخَبَرِ يَنْفِيها فَلَمْ نُثْبِتْها.
وأيْضًا فَإنَّ في إثْباتِ الخَلِفاتِ وهي الحَوامِلُ إثْباتَ زِيادَةِ عَدَدٍ فَلا يَجُوزُ؛ لِأنَّها تَصِيرُ أكْثَرَ مِن مِائَةٍ لِأجْلِ الأوْلادِ.
فَإنْ قِيلَ: في حَدِيثِ القاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «فِي قَتِيلِ خَطَإ العَمْدِ مِائَةٌ مِنَ الإبِلِ أرْبَعُونَ مِنها خَلِفَةٌ في بُطُونِها أوْلادُها» وقَدِ احْتَجَجْتُمْ بِهِ في إثْباتِ شِبْهِ العَمْدِ، فَهَلّا أثْبَتُّمُ الأسْنانَ قِيلَ لَهُ: أثْبَتْنا بِهِ شِبْهَ العَمْدِ لِاسْتِعْمالِ الصَّحابَةِ إيّاهُ في إثْباتِ شِبْهِ العَمْدِ، ولَوْ كانَ ذَلِكَ ثابِتًا لَكانَ مَشْهُورًا، ولَوْ كانَ كَذَلِكَ لَما اخْتَلَفُوا فِيهِ كَما لَمْ يَخْتَلِفُوا في إثْباتِ شِبْهِ العَمْدِ؛ ولَيْسَ يَمْتَنِعُ أنْ يَشْتَمِلَ خَبَرٌ عَلى مَعانِيَ فَيَثْبُتُ بَعْضُها ولا يَثْبُتُ بَعْضٌ إمّا لِأنَّهُ غَيْرُ ثابِتٍ في الأصْلِ أوْ لِأنَّهُ مَنسُوخٌ، وأمّا التَّغْلِيظُ في الوَرِقِ والذَّهَبِ فَإنَّهُ لا يَخْلُو أصْلُ الدِّيَةِ مِن أنْ يَكُونَ واجِبًا مِنَ الإبِلِ وأنَّ الوَرِقَ والذَّهَبَ مَأْخُوذانِ عَنْها عَلى أنَّهُما قِيمَةٌ لَها، أوْ أنْ تَكُونَ الدِّيَةُ في الأصْلِ واجِبَةً في أحَدِ الأصْنافِ الثَّلاثَةِ مِنَ الدَّراهِمِ والدَّنانِيرِ والإبِلِ، لا عَلى أنَّ بَعْضَها بَدَلٌ مِن بَعْضٍ، فَإنْ كانَتِ الإبِلُ هي الدِّيَةَ وإنَّما تُؤْخَذُ الدَّراهِمُ والدَّنانِيرُ بَدَلًا مِنها؛ فَلا اعْتِبارَ بِما ذَكَرَهُ مالِكٌ مِن إيجابِ فَضْلِ ما بَيْنَ دِيَةِ الخَطَإ إلى الدِّيَةِ المُغَلَّظَةِ، وإنَّما الواجِبُ أنْ يُقالَ إنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الإبِلِ عَلى أسْنانِ التَّغْلِيظِ، وكَذَلِكَ دِيَةُ الخَطَإ يَنْبَغِي أنْ تُعْتَبَرَ فِيها قِيمَةُ الإبِلِ عَلى أسْنانِ الخَطَإ وأنْ لا تُعْتَبَرَ الدَّراهِمُ والدَّنانِيرُ في الدِّياتِ مِقْدارًا مَحْدُودًا، فَلا يُقالُ إنَّ الدِّيَةَ مِنَ الدَّراهِمِ عَشَرَةُ آلافٍ ولا اثْنا عَشَرَ ألْفًا ولا مِنَ الذَّهَبِ ألْفُ دِينارٍ، بَلْ يُنْظَرُ في سائِرِ الأزْمانِ إلى قِيمَةِ الإبِلِ فَإنْ كانَتْ سِتَّةَ آلافٍ أوْجَبَ ذَلِكَ مِنَ الدَّراهِمِ بِغَيْرِ زِيادَةٍ، وإنْ كانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ألْفًا أوْجَبَ ذَلِكَ، وكَذَلِكَ قِيمَتُها مِنَ الدَّنانِيرِ.
فَلَمّا قالَ السَّلَفُ في الدِّيَةِ أحَدُ قَوْلَيْنِ إمّا عَشَرَةُ آلافٍ وإمّا اثْنا عَشَرَ ألْفًا وقالُوا إنَّها مِنَ الدَّنانِيرِ ألْفُ دِينارٍ، حَصَلَ الِاتِّفاقُ مِنَ الجَمِيعِ عَلى أنَّ الزِّيادَةَ عَلى هَذِهِ المَقادِيرِ والنُّقْصانَ مِنها غَيْرُ سائِغٍ، وفي ذَلِكَ (p-٢٠٩)دَلِيلٌ عَلى أنَّ الدَّراهِمَ والدَّنانِيرَ هي دِياتٌ بِأنْفُسِها لا بَدَلًا مِن غَيْرِها؛ وإذا كانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزِ التَّغْلِيظُ فِيها مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ إثْباتَ التَّغْلِيظِ طَرِيقُهُ التَّوْقِيفِ أوِ الِاتِّفاقِ، ولا تَوْقِيفَ في إثْباتِ التَّغْلِيظِ في الدَّراهِمِ والدَّنانِيرِ ولا اتِّفاقَ.
والثّانِي: أنَّ التَّغْلِيظَ في الإبِلِ إنَّما هو مِن جِهَةِ الأسْنانِ لا مِن جِهَةِ زِيادَةِ العَدَدِ؛ وفي إثْباتِ التَّغْلِيظِ مِن جِهَةِ زِيادَةِ الوَزْنِ في الوَرِقِ والذَّهَبِ خُرُوجٌ عَنِ الأُصُولِ.
ووَجْهٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلى أنَّ الدَّراهِمَ والدَّنانِيرَ لَيْسَتْ عَلى وجْهِ القِيمَةِ عَنِ الإبِلِ، وهو أنَّهُ مَعْلُومٌ أنَّ القاضِيَ يَقْضِي عَلى العاقِلَةِ إذا كانَتْ مِن أهْلِ الوَرِقِ بِالوَرِقِ، وإذا كانَتْ مِن أهْلِ الذَّهَبِ بِالدَّنانِيرِ؛ فَلَوْ كانَتِ الإبِلُ هي الواجِبَةُ والدَّراهِمُ والدَّنانِيرُ بَدَلٌ مِنها لَما جازَ أنْ يَقْضِيَ القاضِي فِيها بِالدَّراهِمِ والدَّنانِيرِ عَلى أنْ تُؤَدِّيَها في ثَلاثِ سِنِينَ؛ لِأنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ، فَلَمّا جازَ ذَلِكَ دَلَّ عَلى أنَّها دِياتٌ بِأنْفُسِها لَيْسَتْ أبْدالًا عَنْ غَيْرِها.
ويَدُلُّ عَلى أنَّ التَّغْلِيظَ غَيْرُ جائِزٍ في الدَّراهِمِ والدَّنانِيرِ أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ الدِّيَةَ مِنَ الذَّهَبِ ألْفَ دِينارٍ مِنَ الوَرِقِ ما اخْتَلَفَ عَنْهُ فِيهِ، فَرَوى عَنْهُ أهْلُ المَدِينَةِ: " اثْنا عَشَرَ ألْفًا " ورَوى عَنْهُ أهْلُ العِراقِ " عَشَرَةُ آلافٍ " ولَمْ يُفَرِّقْ في ذَلِكَ في دِيَةِ شِبْهِ العَمْدِ والخَطَإ وذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحابَةِ مِن غَيْرِ خِلافٍ مِن أحَدٍ مِنهم عَلَيْهِ؛ فَدَلَّ عَلى أنَّ اعْتِبارَ التَّغْلِيظِ فِيها ساقِطٌ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا أنَّ الصَّحابَةَ قَدِ اخْتَلَفَتْ في كَيْفِيَّةِ التَّغْلِيظِ في أسْنانِ الإبِلِ لَمّا كانَ التَّغْلِيظُ فِيها واجِبًا، ولَوْ كانَ التَّغْلِيظُ في الوَرِقِ والذَّهَبِ واجِبًا لاخْتَلَفُوا فِيهِ حَسَبَ اخْتِلافِهِمْ في الإبِلِ؛ فَلَمّا لَمْ يُذْكَرْ عَنْهم خِلافٌ في ذَلِكَ وإنَّما رُوِيَ عَنْهم في الذَّهَبِ ألْفُ دِينارٍ وفي الدَّراهِمِ عَشَرَةُ آلافٍ أوِ اثْنا عَشَرَ ألْفًا مِن غَيْرِ زِيادَةٍ ولا نُقْصانٍ، ثَبَتَ بِإجْماعِهِمْ عَلى ذَلِكَ نَفْيُ التَّغْلِيظِ في غَيْرِ الإبِلِ.
فَإنْ قِيلَ عَلى ما ذَكَرْنا مِنَ الأُصُولِ لَوْ كانَ مِنَ الإبِلِ لَكانَ قَضاءُ القاضِي عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ مِنَ الدَّراهِمِ يُوجِبُ أنْ يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ: إنَّ هَذا كَما يَقُولُونَ فِيمَن تَزَوَّجَ امْرَأةً عَلى عَبْدٍ وسَطٍ " إنَّهُ إنْ جاءَ بِالقِيمَةِ دَراهِمَ قُبِلَتْ مِنهُ " ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. قِيلَ لَهُ: القاضِي عِنْدَنا لا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالدَّراهِمِ إذا تَزَوَّجَها عَلى عَبْدٍ ولَكِنَّهُ يَقُولُ لَهُ: " إنْ شِئْتَ فَأعْطِها عَبْدًا وسَطًا وإنْ شِئْتَ قِيمَتَهُ دَراهِمَ " فَلَيْسَ فِيما قُلْنا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، والدِّيَةُ يَقْضِي بِها القاضِي عَلى العاقِلَةِ دَراهِمَ ولا يَقْبَلُ مِنهُمُ الإبِلَ إذا قَضى بِذَلِكَ؛ وعَلى أنَّهُ إنَّما تُعْتَبَرُ قِيمَةُ العَبْدِ في وقْتِ ما يُعْطِي قِيمَتَهُ دَراهِمَ، والإبِلُ لا تُعْتَبَرُ قِيمَتُها إذا أرادَ القَضاءَ بِالدَّراهِمِ سَواءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُها أوْ زادَتْ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والعَيْنَ بِالعَيْنِ﴾ الآيَةَ فِيهِ إخْبارٌ عَمّا كَتَبَ اللَّهُ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ في التَّوْراةِ مِنَ القِصاصَ في النَّفْسِ وفي الأعْضاءِ المَذْكُورَةِ. وقَدِ اسْتَدَلَّ أبُو يُوسُفَ بِظاهِرِ هَذِهِ الآيَةِ عَلى إيجابِ القِصاصِ بَيْنَ الرَّجُلِ والمَرْأةِ في النَّفْسِ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ كانَ مِن مَذْهَبِهِ أنَّ شَرائِعَ مَن كانَ قَبْلَنا حُكْمُها ثابِتٌ إلى أنْ يَرِدَ نَسْخُها عَلى لِسانِ النَّبِيِّ ﷺ أوْ بِنَصِّ القُرْآنِ. وقَوْلُهُ في نَسَقِ الآيَةِ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ دَلِيلٌ عَلى ثُبُوتِ هَذا الحُكْمِ في وقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أنَّ ذَلِكَ مِمّا أنْزَلَ اللَّهُ ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنَ الأزْمانِ، فَهو ثابِتٌ في كُلِّ الأزْمانِ إلى أنْ يَرِدَ نَسْخُهُ.
والثّانِي: مَعْلُومٌ أنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا سِمَةَ الظُّلْمِ والفِسْقِ في وقْتِ نُزُولِ الآيَةِ لِتَرْكِهِمُ الحُكْمَ بِما أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى مِن ذَلِكَ وقْتَ نُزُولِ الآيَةِ، إمّا جُحُودًا لَهُ أوْ تَرْكًا لِفِعْلِ ما أوْجَبَ اللَّهُ مِن ذَلِكَ، وهَذا يَقْتَضِي وُجُوبَ القِصاصِ في سائِرِ النُّفُوسِ ما لَمْ تَقُمْ دَلالَةُ نَسْخِهِ أوْ تَخْصِيصِهِ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والعَيْنَ بِالعَيْنِ﴾ مَعْناهُ عِنْدَ أصْحابِنا في العَيْنِ إذا ضُرِبَتْ فَذَهَبَ ضَوْءُها، ولَيْسَ هو عَلى أنْ تُقْلَعَ عَيْنُهُ؛ هَذا عِنْدَهم لا قِصاصَ فِيهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفاءِ القِصاصِ في مِثْلِهِ، ألا تَرى أنّا لا نَقِفُ عَلى الحَدِّ الَّذِي يَجِبُ قَلْعُهُ مِنها ؟ فَهو كَمَن قَطَعَ قِطْعَةَ لَحْمٍ مِن فَخِذِ رَجُلٍ أوْ ذِراعِهِ أوْ قَطَعَ بَعْضَ فَخِذِهِ، فَلا يَجِبُ فِيهِ القِصاصُ؛ وإنَّما القِصاصُ عِنْدَهم فِيما قَدْ ذَهَبَ ضَوْءُها وهي قائِمَةٌ أنْ تُشَدَّ عَيْنُهُ الأُخْرى وتُحْمى لَهُ مِرْآةٌ فَتُقَدَّمَ إلى العَيْنِ الَّتِي فِيها القِصاصُ حَتّى يَذْهَبَ ضَوْءُها.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والأنْفَ بِالأنْفِ﴾ فَإنَّ أصْحابَنا قالُوا: إذا قَطَعَهُ مِن أصْلِهِ فَلا قِصاصَ فِيهِ؛ لِأنَّهُ عَظْمٌ لا يُمْكِنُ اسْتِيفاءُ القِصاصِ فِيهِ، كَما لَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِن نِصْفِ السّاعِدِ وكَما لَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ مِن نِصْفِ الفَخِذِ لا خِلافَ في سُقُوطِ القِصاصِ فِيهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفاءِ المِثْلِ؛ والقِصاصُ هو أخْذُ المِثْلِ، فَمَتى لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قِصاصًا. وقالُوا: إنَّما يَجِبُ القِصاصُ في الأنْفِ إذا قَطَعَ المارِنَ، وهو ما لانَ مِنهُ ونَزَلَ عَنْ قَصَبَةِ الأنْفِ. ورُوِيَ عَنْ أبِي يُوسُفَ أنَّ في الأنْفِ إذا اسْتُوعِبَ القِصاصَ، وكَذَلِكَ الذَّكَرُ واللِّسانُ. وقالَ مُحَمَّدٌ: " لا قِصاصَ في الأنْفِ واللِّسانِ والذَّكَرِ إذا اسْتُوعِبَ " .
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والأُذُنَ بِالأُذُنِ﴾ (p-٩٥)فَإنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ القِصاصِ فِيها إذا اسْتُوعِبَتْ لِإمْكانِ اسْتِيفائِهِ، وإذا قَطَعَ بَعْضَها فَإنَّ أصْحابَنا قالُوا: " فِيهِ القِصاصُ إذا كانَ يُسْتَطاعُ ويُعْرَفُ قَدْرُهُ " .
* * *
وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والسِّنَّ بِالسِّنِّ﴾ فَإنَّ أصْحابَنا قالُوا: لا قِصاصٌ في عَظْمٍ إلّا السِّنَّ، فَإنْ قُلِعَتْ أوْ كُسِرَ بَعْضُها فَفِيها القِصاصُ، لِإمْكانِ اسْتِيفائِهِ، إنْ كانَ الجَمِيعَ فَبِالقَلْعِ كَما يُقْتَصُّ مِنَ اليَدِ مِنَ المَفْصِلِ، وإنْ كانَ البَعْضَ فَإنَّهُ يُبْرَدُ بِمِقْدارِهِ بِالمِبْرَدِ، فَيُمْكِنُ اسْتِيفاءُ القِصاصِ فِيهِ. وأمّا سائِرُ العِظامِ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ اسْتِيفاءُ القِصاصِ فِيها لِأنَّهُ لا يُوقَفُ عَلى حَدِّهِ؛ وقَدِ اقْتَضى ما نَصَّ اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ الأعْضاءِ أنْ يُؤْخَذَ الكَبِيرُ مِن هَذِهِ الأعْضاءِ بِصَغِيرِها، والصَّغِيرُ بِالكَبِيرِ، بَعْدَ أنْ يَكُونَ المَأْخُوذُ مِنهُ مُقابِلًا لِما جُنِيَ عَلَيْهِ لا غَيْرِهِ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ يَعْنِي إيجابَ القِصاصِ في سائِرِ الجِراحاتِ الَّتِي يُمْكِنُ اسْتِيفاءُ المِثْلِ فِيها. ودَلَّ بِهِ عَلى نَفْيِ القِصاصِ فِيما لا يُمْكِنُ اسْتِيفاءُ المِثْلِ فِيهِ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ يَقْتَضِي أخْذَ المِثْلِ سَواءً، ومَتى لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فَلَيْسَ بِقِصاصٍ.
وقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ في أشْياءَ مِن ذَلِكَ، مِنها القِصاصُ بَيْنَ الرِّجالِ والنِّساءِ فِيما دُونَ النَّفْسِ، وقَدْ بَيَّنّاهُ في سُورَةِ البَقَرَةِ، وكَذَلِكَ بَيْنَ العَبِيدِ والأحْرارِ.
ذِكْرُ الخِلافِ في ذَلِكَ: قالَ أبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ وزُفَرُ ومُحَمَّدٌ ومالِكٌ والشّافِعِيُّ: " لا تُؤْخَذُ اليُمْنى بِاليُسْرى لا في العَيْنِ ولا في اليَدِ، ولا تُؤْخَذُ السِّنُّ إلّا بِمِثْلِها مِنَ الجانِي " .
وقالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ " تُفْقَأُ العَيْنُ اليُمْنى بِاليُسْرى واليُسْرى بِاليُمْنى وكَذَلِكَ اليَدانِ، وتُؤْخَذُ الثَّنِيَّةُ بِالضِّرْسِ والضِّرْسُ بِالثَّنِيَّةِ " . وقالَ الحَسَنُ بْنُ صالِحٍ: " إذا قَطَعَ أُصْبُعًا مِن كَفٍّ فَلَمْ يَكُنْ لِلْقاطِعِ مِن تِلْكَ الكَفِّ أُصْبُعٌ مِثْلُها قُطِعَ مِمّا يَلِي تِلْكَ الأُصْبُعَ، ولا يُقْطَعُ أُصْبُعُ كَفٍّ بِأُصْبُعِ كَفٍّ أُخْرى، وكَذَلِكَ تُقْلَعُ السِّنُّ الَّتِي تَلِيها إذا لَمْ تَكُنْ لِلْقاطِعِ سِنٌّ مِثْلُها وإنْ بَلَغَ ذَلِكَ الأضْراسَ، وتُفْقَأُ العَيْنُ اليُمْنى بِاليُسْرى إذا لَمْ تَكُنْ لَهُ يُمْنى، ولا تُقْطَعُ اليَدُ اليُمْنى بِاليُسْرى ولا اليُسْرى بِاليُمْنى " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: لا خِلافَ أنَّهُ إذا كانَ ذَلِكَ العُضْوُ مِنَ الجانِي باقِيًا، لَمْ يَكُنْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ اسْتِيفاءُ القِصاصِ مِن غَيْرِهِ ولا يَعْدُو ما قابَلَهُ مِن عُضْوِ الجانِي إلى غَيْرِهِ مِمّا بِإزائِهِ وإنْ تَراضَيا بِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والعَيْنَ بِالعَيْنِ﴾ إلى آخَرِ الآيَةِ اسْتِيفاءُ مِثْلِهِ مِمّا يُقابِلُهُ مِنَ الجانِي، فَغَيْرُ جائِزٍ إذا كانَ كَذَلِكَ أنْ يَتَعَدّى إلى غَيْرِهِ، سَواءٌ كانَ مِثْلُهُ مَوْجُودًا مِنَ الجانِي أوْ مَعْدُومًا، ألا تَرى أنَّهُ إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ أنْ يَعْدُوَ اليَدَ إلى الرِّجْلِ لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهُ أنْ تَكُونَ (p-٩٦)يَدُ الجانِي مَوْجُودَةً أوْ مَعْدُومَةً في امْتِناعِ تَعَدِّيهِ إلى الرِّجْلِ ؟ وأيْضًا فَإنَّ القِصاصَ اسْتِيفاءُ المِثْلِ، ولَيْسَتْ هَذِهِ الأعْضاءُ مُماثَلَةً، فَغَيْرُ جائِزٍ أنْ يَسْتَوْعِبَها ولَمْ يَخْتَلِفُوا أنَّ اليَدَ الصَّحِيحَةَ لا تُؤْخَذُ بِالشَّلّاءِ وأنَّ الشَّلّاءَ تُؤْخَذُ بِالصَّحِيحَةِ، وذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ وفي أخْذِ الصَّحِيحَةِ بِالشَّلّاءِ اسْتِيفاءٌ أكْثَرُ مِمّا قَطَعَ؛ وأمّا أخْذُ الشَّلّاءِ بِالصَّحِيحَةِ فَهو جائِزٌ لِأنَّهُ رَضِيَ بِدُونِ حَقِّهِ.
واخْتُلِفَ في القِصاصِ في العَظْمِ، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ وزُفَرُ وأبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ: " لا قِصاصَ في عَظْمٍ ما خَلا السِّنَّ " . وقالَ اللَّيْثُ والشّافِعِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ، ولَمْ يَسْتَثْنِيا السِّنَّ. وقالَ ابْنُ القاسِمِ عَنْ مالِكٍ: عِظامُ الجَسَدِ كُلُّها فِيها القَوَدُ إلّا ما كانَ مِنها مُجَوَّفًا مِثْلَ الفَخِذِ وما أشْبَهَهُ فَلا قَوَدَ فِيهِ، ولَيْسَ في الهاشِمَةِ قَوَدٌ وكَذَلِكَ المُنَقِّلَةُ، وفي الذِّراعَيْنِ والعَضُدِ والسّاقَيْنِ والقَدَمَيْنِ والكَعْبَيْنِ والأصابِعِ إذا كُسِرَتْ فَفِيها القِصاصُ " . وقالَ الأوْزاعِيُّ: " لَيْسَ في المَأْمُومَةِ قِصاصٌ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمّا اتَّفَقُوا عَلى نَفْيِ القِصاصِ في عَظْمِ الرَّأْسِ كَذَلِكَ سائِرُ العِظامِ، وقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ وذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ في العِظامِ. ورَوى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: أنَّهُ اقْتَصَّ مِن مَأْمُومَةٍ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ ومَعْلُومٌ أنَّ المُنْكِرِينَ كانُوا الصَّحابَةَ ولا خِلافَ أيْضًا أنَّهُ لَوْ ضَرَبَ أُذُنَهُ فَيَبِسَتْ أنَّهُ لا يَضْرِبُ أُذُنَهُ حَتّى تَيْبَسَ؛ لِأنَّهُ لا يُوقَفُ عَلى مِقْدارِ جِنايَتِهِ؛ فَكَذَلِكَ العِظامُ. وقَدْ بَيَّنّا وُجُوبَ القِصاصِ في السِّنِّ فِيما تَقَدَّمَ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهو كَفّارَةٌ لَهُ﴾ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ والحَسَنِ وقَتادَةَ وإبْراهِيمَ رِوايَةً والشَّعْبِيِّ رِوايَةً: " أنَّها كَفّارَةٌ لِوَلِيِّ القَتِيلِ ولِلْمَجْرُوحِ إذا عَفَوا " . وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وإبْراهِيمُ رِوايَةً والشَّعْبِيُّ رِوايَةً: " هو كَفّارَةٌ لِلْجانِي " كَأنَّهم جَعَلُوهُ بِمَنزِلَةِ المُسْتَوْفِي لِحَقِّهِ، ويَكُونُ الجانِي كَأنَّهُ لَمْ يَجْنِ. وهَذا مَحْمُولٌ عَلى أنَّ الجانِيَ تابَ مِن جِنايَتِهِ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ مُصِرًّا عَلَيْهِ فَعُقُوبَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ فِيما ارْتَكَبَ مِن نَهْيِهِ قائِمَةٌ. والقَوْلُ الأوَّلُ هو الصَّحِيحُ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى راجِعٌ إلى المَذْكُورِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ﴾ فالكَفّارَةُ واقِعَةٌ لِمَن تَصَدَّقَ، ومَعْناهُ كَفّارَةٌ لِذُنُوبِهِ.
{"ayah":"وَكَتَبۡنَا عَلَیۡهِمۡ فِیهَاۤ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَیۡنَ بِٱلۡعَیۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصࣱۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةࣱ لَّهُۥۚ وَمَن لَّمۡ یَحۡكُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق