الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَتَبْنا﴾ أيْ: فَرَضْنا (عَلَيْهِمْ) أيْ: عَلى اليَهُودِ (فِيها) أيْ: في التَّوْراةِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، فَما بالُهم يُخالِفُونَ، فَيَقْتُلُونَ النَّفْسَيْنِ بِالنَّفْسِ، ويَفْقَؤُونَ العَيْنَيْنِ بِالعَيْنِ؟ وكانَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ القِصاصُ أوِ العَفْوُ، ولَيْسَ بَيْنَهم دِيَةً في نَفْسٍ ولا جُرْحٍ، فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ بِالدِّيَةِ. قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، والعَيْنَ بِالعَيْنِ، والأنْفَ بِالأنْفِ، والأُذُنَ بِالأُذُنِ، والسِّنَّ بِالسِّنِّ، يَنْصِبُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ ويَرْفَعُونَ "والجُرُوحَ" وكانَ نافِعٌ، وعاصِمٌ، وحَمْزَةُ يَنْصِبُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وكانَ الكِسائِيُّ يَقْرَأُ: "أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ" نَصْبًا، ويَرْفَعُ ما بَعْدَ ذَلِكَ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: وحُجَّتُهُ (p-٣٦٨)أنَّ الواوَ لِعَطْفِ الجُمَلِ، لا لِلِاشْتِراكِ في العامِلِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ حَمَلَ الكَلامِ عَلى المَعْنى، لِأنَّ مَعْنى: وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ: قُلْنا لَهُمْ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، فَحَمَلَ العَيْنَ عَلى هَذا، وهَذِهِ حُجَّةُ مَن رَفْعَ الجُرُوحَ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، لا أنَّهُ مِمّا كُتِبَ عَلى القَوْمِ، وإنَّما هو ابْتِداءُ إيجابٍ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: وقَوْلُهُ: العَيْنُ بِالعَيْنِ، لَيْسَ المَرادُ قَلْعَ العَيْنِ بِالعَيْنِ، لِتَعَذُّرِ اسْتِيفاءِ المُماثَلَةِ، لِأنّا لا نَقِفُ عَلى الحَدِّ الَّذِي يَجِبُ قَلْعُهُ، وإنَّما يَجِبُ فِيما ذَهَبَ ضَوْؤُها وهي قائِمَةٌ، وصِفَةُ ذَلِكَ أنْ تُشَدَّ عَيْنُ القالِعِ، وتُحْمى مِرْآةٌ، فَتَقَدَّمَ مِنَ العَيْنِ الَّتِي فِيها القِصِاصُ حَتّى يَذْهَبَ ضَوْؤُها. وأمّا الأنْفُ فَإذا قُطِعَ المارِنُ، وهو مالانَ مِنهُ، وتُرِكَتْ قَصَبَتُهُ، فَفِيهِ القِصاصُ، وأمّا إذا قُطِعَ مِن أصْلِهِ، فَلا قِصاصَ فِيهِ، لِأنَّهُ لا يُمْكِنُ اسْتِيفاءُ القِصاصِ، كَما لَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِن نِصْفِ السّاعِدِ. وقالَ أبُو يُوسُفَ، ومُحَمَّدٌ: فِيهِ القِصاصُ إذا اسْتُوعِبَ. وأمّا الأُذُنُ، فَيَجِبُ القِصاصُ إذا اسْتُوعِبَتْ، وعُرِفَ المِقْدارُ. ولَيْسَ في عَظْمٍ قِصاصٌ إلّا في السِّنِّ، فَإنْ قُلِعَتْ قُلِعَ مِثْلُها، وإنْ كُسِرَ بَعْضُها، بُرِدَ بِمِقْدارِ ذَلِكَ. وقَوْلُهُ: ﴿والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ يَقْتَضِي إيجابَ القِصاصِ في سائِرِ الجِراحاتِ الَّتِي يُمْكِنُ اسْتِيفاءُ المِثْلِ فِيها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ﴾ يُشِيرُ إلى القِصاصِ. ﴿فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ﴾ في هاءِ "لَهُ" قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها إشارَةٌ إلى المَجْرُوحِ، فَإذا تَصَدَّقَ بِالقِصاصِ كُفِّرَ مِن ذُنُوبِهِ، وهو قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ، والحَسَنِ، والشَّعْبِيِّ. (p-٣٦٩)والثّانِي: إشارَةٌ إلى الجارِحِ إذا عَفا عَنْهُ المَجْرُوحُ، كُفِّرَ عَنْهُ ما جَنى، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٍ، ومُقاتِلٍ، وهو مَحْمُولٌ عَلى أنَّ الجانِيَ تابَ مِن جِنايَتِهِ، لِأنَّهُ إذا كانَ مُصِرًّا فَعُقُوبَةُ الإصْرارِ باقِيَةٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب