الباحث القرآني

(p-٨٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ . اسْتَدَلَّ قَوْمٌ بِهِ عَلى قَتْلِ المُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ والحُرِّ بِالعَبْدِ، وهَذا لَوْ ثَبَتَ لَهم أنَّ شَرِيعَةَ مَن قَبْلْنا تَلْزَمُنا. وبَعْدُ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها﴾ لَيْسَ فِيهِ عُمُومٌ، ولَمْ يَثْبُتْ أنَّ كَلامَ اللَّهِ تَعالى في حَقِّ الواحِدِ مِن شَرِيعَةِ مَن مَضى حُكْمٌ في حَقِّ أهْلِ شَرِيعَتِنا كَما ثَبَتَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ قاطِعٍ في شَرِيعَتِنا. ومِن وجْهٍ ثالِثٍ: وهو أنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عُمُومُ شَرِيعَةِ التَّوْراةِ لِأصْنافِ الخَلْقِ، كَما ثَبَتَ أنَّ نَبِيَّنا ﷺ بُعِثَ إلى الخَلْقِ كُلِّهِمْ. الرّابِعُ: أنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ فَكانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عَلى أهْلِ التَّوْراةِ، وهم أهْلُ مِلَّةٍ واحِدَةٍ، ولَمْ يَكُنْ لَهم أهْلُ ذِمَّةٍ، كَما لِلْمُسْلِمِينَ أهْلُ ذِمَّةٍ، لِأنَّ الجِزْيَةَ فَيْءٌ وغَنِيمَةٌ أفاءَها اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ، ولَمْ يَحِلَّ الفَيْءُ لِأحَدٍ قَبْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ، ولَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ فِيما مَضى مُبْعَثًا إلى قَوْمِهِ، فَأوْجَبَتِ الآيَةُ الحُكْمَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، إذْ كانَتْ دِماؤُهم تَتَكافَأُ، فَهو مِثْلُ قَوْلِ الواحِدِ مِنّا: وما في الدُّنْيا سِوى المُسْلِمِينَ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ. وتُشِيرُ إلى قَوْمِ تَعْيِينٍ فَتَقُولُ: الحُكْمُ في هَؤُلاءِ، أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ. فالَّذِي يَجِبُ بِحُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ عَلى أهْلِ القُرْآنِ أنْ يُقالَ: إنَّهم فِيما بَيْنَهم عَلى هَذا الوَجْهِ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، ولَيْسَ في كِتابِ اللَّهِ تَعالى ما يَدُلُّ عَلى أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ مَعَ خِلافِ المِلَّةِ. * * * (p-٨١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والعَيْنَ بِالعَيْنِ﴾ يَدُلُّ عَلى جَرَيانِ القَصاصِ في العَيْنِ وضَوْئِها، وتَعَلَّقَ ابْنُ شُبْرُمَةَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والعَيْنَ بِالعَيْنِ﴾ عَلى أنَّ اليُمْنى تُفْقَأُ بِاليُسْرى، وكَذَلِكَ بِالعَكْسِ، وأجْرى ذَلِكَ في اليَدِ اليُمْنى واليُسْرى، وقالُوا: تُؤْخَذُ الثَّنْيَّةُ بِالضِّرْسِ، والضِّرْسُ بِالثَّنْيَّةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: السِّنُّ بِالسِّنِّ. والَّذِينَ خالَفُوهُ وهم عُلَماءُ الأُمَّةِ قالُوا: العَيْنُ اليُمْنى هي المَأْخُوذَةُ بِاليُمْنى عِنْدَ وُجُودِها، ولا يَتَجاوَزُ ذَلِكَ إلى اليُسْرى مَعَ الرِّضا، وذَلِكَ بَيَّنَ لَنا أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ( العَيْنَ بِالعَيْنِ ) اسْتِيفاءُ ما يُماثِلُهُ مِمّا يُقابِلُهُ مِنَ الجانِي، فَلا يَجُوزُ أنْ يَتَعَدّى إلى غَيْرِهِ، كَما لا يَجُوزُ أنْ يَتَعَدّى مِنَ الرِّجْلِ إلى اليَدِ في الأحْوالِ كُلِّها، وهَذا لا رَيْبَ فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب