الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ قال صاحب النظم: قوله: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ فصل مضمن فصلًا آخر، قد اعترض بينهما فصل سواهما، وهو قوله: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا﴾ إلى آخرها. فلما فرغ من الفصل المعترض عاد إلى الفصل الأول الذي ضمنه الفصل الثالث، فقال: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ يعنى: الزوج المطلق اثنتين المضمر في اللفظ الذي أخرجه مخرج الخبر بقوله: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ ففي هذا دليل على أن تأويل قوله: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ [[من قوله: ففي هذا. ساقط من (ي).]] من طلق امرأته تطليقتين فليمسكها بمعروف أو ليسرحها ﴿بِإِحْسَانٍ﴾ [[ساقطة من (ي).]]؛ لأن هذا الثاني منسوق على الأول مثل معناه، فكأنَّ الثاني مفسِّرٌ للأول. وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ﴾ أي: من بعد التطليقة الثالثة. وهو رفع على الغاية؛ لأنه لما حذف من الكلام ما أضيف إليه (بعدُ) رفع على الغاية [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1096، "البحر المحيط" 2/ 200.]]. ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ أي: غير المُطَلِّقِ، والنكاح لفظ يتناول العقد والوطء جميعًا، فلا تحل للأول ما لم يصبها الثاني [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 476 - 477، "تفسير الثعلبي" 2/ 1096.]]، ولأن النبي ﷺ قال لعائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك القرظى [[هي عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضيري القرظي، زوج رفاعة بن وهب، نزلت في طلاقها هذه آيات، صحابية. ينظر "أسد الغابة" 2/ 233، 7/ 193. وقد وقع في اسم المطلقة اختلاف ينظر "فتح الباري" 9/ 464 - 465.]]. وكانت تحت رفاعة بن وهب [[هو: رفاعة بن وهب بن عتيك، صحابي طلق زوجه طلاقا بائناً فنزل بشأنه قرآن. ينظر "أسد الغابة" 2/ 233. وينظر الاختلاف فيه في "فتح الباري" 9/ 464.]] فطلقها ثلاثًا، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير [[عبد الرحمن بن الزبير بن باطيا القرظي المدني، وقال ابن منده: هو ابن الزبير بن زيد الأوسي، قال ابن الأثير: واتفقوا على أنه هو الذي تزوج المرأة التي طلقها رفاعة. ينظر "المؤتلف والمختلف" 3/ 1139، و"الإصابة" 4/ 159.]]، ثم طلقها، فأتت نبي الله ﷺ فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني، فبتَّ طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هُدْبَةِ الثوب [[أرادت أن متاعه في عدم الانتشار والاسترخاء كطرف الثوب الذي لم ينسج. ينظر "فتح الباري" 9/ 465.]]، وإنه طلقني قبل أن يمسني، أفأرجع إلى زوجي الأول؟ فتبسم رسول الله ﷺ، وقال: "أتريدين أن ترجعي إلى رِفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عُسيلتك [[رواه البخاري (2639) كتاب: الشهادات، باب: شهادة المختبئ، ومسلم (1433) كتاب: النكاح، باب: لا تحل المطلقة ثلاثا حتى تنكح زوجا ويطأها عن عائشة.]] " قال أبو إسحاق: عَلم الله تعالى صعوبة تزوج المرأة على الرجل، فحرم عليهم التزوج بعد الثلاث، لئلا يعجلوا بالطلاق [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 308 - 309.]]. وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ يعنى: الزوج الثاني الذي تزوجها بعد الطلقة الثالثة، لأنه قد ذكره بقوله: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [[ينظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 308، "تفسير الثعلبي" 2/ 1102.]]. وقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ يعنى: على المرأة المطلقة وعلى الزوج الأول، ﴿أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ بنكاح جديد، فذكر لفظ النكاح بلفظ التراجع، لما كان بينهما قبل هذا من الزوجية، فإذا تناكحا فقد تراجعا إلى ما كانا عليه من النكاح، فهذا تراجع لغوي [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1102.]]. ومحل (أن) في قوله: ﴿أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ نصب؛ لأن المعنى: لا جناح عليهما في أن يتراجعا [[من قوله: (نصب ..) ساقطة من (ش).]]، فلما سقطت (في) وصل معنى الفعل. وعند الخليل والكسائي: يجوز أن يكون محله خفضًا بالجار المقدر، وإن حذف من اللفظ؛ لأن المعنى إرادته. قال [[في (م): (وقال).]] الزجاج: والذي قالاه صواب؛ لأن أن يقع معها الحذف، لكونها موصولة، ويكون جعلها موصولة عوضًا مما حذف، ولو قلت، لا جناح عليهما الرجوع، لم يصلح حذف في [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 309.]]، وصلح مع (أن) لأن الكلام طال بالصلة فحسن الحذف، كما تقول: الذي ضربت زيد، تريد [[في (ي): (يريد).]]: ضربته، فلهذا أجاز الخليل وغيره أن يكون موضعها جرًا على إرادة في، وأبى الفراء هذا، وقال: لا أعرفه [["معاني القرآن" للفراء 1/ 148.]]. وقد استقصينا هذه المسألة عند قوله: ﴿أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا﴾ [البقرة: 224] [[ينظر في إعراب الآية: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 309، "تفسير الثعلبي" 2/ 1102، "التبيان" 135، "البحر المحيط" 2/ 202.]]. وقوله تعالى: ﴿إِنْ ظَنَّا﴾ أي: إن علما وأيقنا أنهما يقيمان حدودَ الله [[ينظر: "مجاز القرآن" 1/ 74، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة 78، وتأويل مشكل القرآن ص 187، وقيل: (إن ظنا) أي: رجوا، ولا يجوز أن يكون بمعنى العلم؛ لأن أحدا لا يعلم ما هو كائن إلا الله. ينظر "تفسير الطبري" 2/ 478 - 479، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 309، "تفسير الثعلبي" 2/ 1102.]]. وقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ خص العالمين بالذكر، وهو في المعنى عام لهم ولغيرهم؛ لأنهم الذين ينتفعون ببيان [[ساقطة من (ي).]] الآيات، فصار غيرهم بمنزلة من لا يعتد بهم، ويجوز أن يُخَصّوا بالذكر لنباهتهم [[في (ش) (لنباهيهم).]] وتشريفهم، كقوله: ﴿وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ [البقرة: 98].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب