الباحث القرآني

﴿فَإنْ طَلَّقَها﴾ فَإنَّ تَعْقِيبَهُ لِلْخُلْعِ بَعْدَ ذِكْرِ الطَّلْقَتَيْنِ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ طَلْقَةً رابِعَةً لَوْ كانَ الخُلْعُ طَلاقًا. والأظْهَرُ أنَّهُ طَلاقٌ لِأنَّهُ فُرْقَةٌ بِاخْتِيارِ الزَّوْجِ فَهو كالطَّلاقِ بِالعِوَضِ، وقَوْلُهُ ﴿فَإنْ طَلَّقَها﴾ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾ أوْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: ﴿أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسانٍ﴾ اعْتَرَضَ بَيْنَهُما ذِكْرُ الخُلْعِ دَلالَةً عَلى أنَّ الطَّلاقَ يَقَعُ مَجّانًا تارَةً وبِعِوَضٍ أُخْرى، والمَعْنى فَإنْ طَلَّقَها بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ. ﴿فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ﴾ مِن بَعْدِ ذَلِكَ الطَّلاقِ. ﴿حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ حَتّى تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ، والنِّكاحُ يَسْتَنِدُ إلى كُلٍّ مِنهُما كالتَّزَوُّجِ، وتَعَلَّقَ بِظاهِرِهِ مَنِ اقْتَصَرَ عَلى العَقْدِ كابْنِ المُسَيِّبِ واتَّفَقَ الجُمْهُورُ عَلى أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ الإصابَةِ لِما رُوِيَ: «أنَّ امْرَأةَ رِفاعَةَ قالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إنَّ (p-143)رِفاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاقِي، وإنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ تَزَوَّجَنِي وإنَّ ما مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « أتُرِيدِينَ أنْ تَرْجِعِي إلى رِفاعَةَ؟ قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: لا حَتّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ويَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» .» فالآيَةُ مُطْلَقَةٌ قَيَّدَتْها السُّنَّةُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُفَسَّرَ النِّكاحُ بِالإصابَةِ، ويَكُونُ العَقْدُ مُسْتَفادًا مِن لَفْظِ الزَّوْجِ. والحِكْمَةُ في هَذا الحُكْمِ الرَّدْعُ عَنِ التَّسَرُّعِ إلى الطَّلاقِ والعَوْدُ إلى المُطَلَّقَةِ ثَلاثًا والرَّغْبَةُ فِيها، والنِّكاحُ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ فاسِدٌ عِنْدَ الأكْثَرِ. وجَوَّزَهُ أبُو حَنِيفَةَ مَعَ الكَراهَةِ، وقَدْ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المُحَلِّلُ والمُحَلَّلُ لَهُ.» ﴿فَإنْ طَلَّقَها﴾ الزَّوْجُ الثّانِي ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أنْ يَتَراجَعا﴾ أنْ يَرْجِعَ كُلٌّ مِنَ المَرْأةِ والزَّوْجِ الأوَّلِ إلى الآخَرِ بِالزَّواجِ، ﴿إنْ ظَنّا أنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ﴾ إنْ كانَ في ظَنِّهِما أنَّهُما يُقِيمانِ ما حَدَّهُ اللَّهُ وشَرَعَهُ مِن حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، وتَفْسِيرُ الظَّنِّ بِالعِلْمِ هاهُنا غَيْرُ سَدِيدٍ لِأنَّ عَواقِبَ الأُمُورِ غَيْبٌ تُظَنُّ ولا تُعْلَمُ، ولِأنَّهُ لا يُقالُ عَلِمْتُ أنْ يَقُومَ زَيْدٌ لِأنَّ أنِ النّاصِبَةَ لِلتَّوَقُّعِ وهو يُنافِي العِلْمَ. ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ أيِ الأحْكامُ المَذْكُورَةُ. ﴿يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ يَفْهَمُونَ ويَعْلَمُونَ بِمُقْتَضى العِلْمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب