الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيما دل عليه هذا القول من الله تعالى ذكره. فقال بعضهم: دل على أنه إن طلق الرجل امرأته التطليقة الثالثة= بعد التطليقتين اللتين قال الله تعالى ذكره فيهما:" الطلاق مرتان"= فإن امرأته تلك لا تحل له بعد التطليقة الثالثة حتى تنكح زوجا غيره- يعني به غير المطلق. * ذكر من قال ذلك: ٤٨٨١ - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: جعل الله الطلاق ثلاثا، فإذا طلقها واحدة فهو أحق بها ما لم تنقض العدة، وعدتها ثلاث حيض، فإن انقضت العدة قبل أن يكون راجعها، فقد بانت منه بواحدة، وصارت أحق بنفسها، وصار خاطبا من الخطاب، فكان الرجل إذا أراد طلاق أهله نظر حيضتها، حتى إذا طهرت طلقها تطليقة في قبل عدتها عند شاهدي عدل، [["قبل عدتها" (بضم فسكون) أي: في إقبال عدتها وأولها وعند الشروع فيها.]] فإن بدا له مراجعتها راجعها ما كانت في عدتها، وإن تركها حتى تنقضي عدتها فقد بانت منه بواحدة، وإن بدا له طلاقها بعد الواحدة وهي في عدتها نظر حيضتها، حتى إذا طهرت طلقها تطليقة أخرى في قبل عدتها، فإن بدا له مراجعتها راجعها، فكانت عنده على واحدة، وإن بدا له طلاقها طلقها الثالثة عند طهرها، فهذه الثالثة التي قال الله تعالى ذكره:" فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" [[هكذا في المخطوطة معنى الآية لا نصها ولكنه في المطبوعة: "فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" أثبت نص الآية. تصرف لغير حكمة بينة.]] ٤٨٨٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" يقول: إن طلقها ثلاثا، فلا تحل حتى تنكح زوجا غيره. ٤٨٨٣ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قال: إذا طلق واحدة أو ثنتين فله الرجعة ما لم تنقض العدة، قال: والثالثة قوله:" فإن طلقها" -يعني بالثالثة- فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره. ٤٨٨٤ - حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، بنحوه. ٤٨٨٥ - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي:" فإن طلقها" - بعد التطليقتين-"فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره"، وهذه الثالثة * * * وقال آخرون: بل دل هذا القول على ما يلزم مسرح امرأته بإحسان بعد التطليقتين اللتين قال الله تعالى ذكره فيهما:" الطلاق مرتان" قالوا: وإنما بين الله تعالى ذكره بهذا القول عن حكم قوله:" أو تسريح بإحسان" وأعلم أنه إن سرح الرجل امرأته بعد التطليقتين، فلا تحل له المسرحة كذلك إلا بعد زوج. * ذكر من قال ذلك: ٤٨٨٦ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" قال: عاد إلى قوله:" فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". ٤٨٨٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * * * قال أبو جعفر: والذي قاله مجاهد في ذلك عندنا أولى بالصواب، للذي ذكرنا عن رسول الله ﷺ في الخبر الذي رويناه عنه أنه قال- أو سئل فقيل: هذا قول الله تعالى ذكره:" الطلاق مرتان" فأين الثالثة؟ قال:"فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". [[يعني الأخبار السالفة: ٤٧٩١- ٤٧٩٣.]] فأخبر ﷺ، أن الثالثة إنما هي قوله:" أو تسريح بإحسان" فإذ كان التسريح بالإحسان هو الثالثة، فمعلوم أن قوله:" فإن طلقها فلا تحل لا من بعد حتى تنكح زوجا غيره" من الدلالة على التطليقة الثالثة بمعزل، وأنه إنما هو بيان عن الذي يحل للمسرح بالإحسان إن سرح زوجته بعد التطليقتين، والذي يحرم عليه منها، والحال التي يجوز له نكاحها فيها= [[قوله: "وإعلام" معطوف على قوله: "إنما هو بيان. . . وإعلام" وقوله: "عباده" منصوب بالمصدر"إعلام" مفعول به.]] وإعلام عباده أن بعد التسريح على ما وصفت لا رجعة للرجل على امرأته. [[إلى هنا انتهى التقسيم القديم الذي نسخت منه نسختنا، وبعده ما نصه: "وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وصحبه وسلم كثيرا" ومن عجلة الناسخ أغفل أن ينقل ما كان ينقله في المواضع السالفة من سماع النسخة.]] * * * [[يبدأ صدر التقسيم بقوله: "بسم الله الرحمن الرحيم"]] قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فأي النكاحين عنى الله بقوله:" فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" النكاح الذي هو جماع أم النكاح الذي هو عقد تزويج؟ قيل: كلاهما، وذلك أن المرأة إن نكحت رجلا نكاح تزويج، ثم لم يطأها في ذلك النكاح ناكحها [[في المطبوعة: "وذلك أن المرأة إذا نكحت زوجا" لا أدري لم وضع الطابع"إذا" مكان"وإن" و"زوجا" مكان"رجلا"!!]] ولم يجامعها حتى يطلقها لم تحل للأول، وكذلك إن وطئها واطئ بغير نكاح، لم تحل للأول بإجماع الأمة جميعا. [[في المطبوعة: "لإجماع الأمة" وهو ضعيف لا خير فيه.]] فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن تأويل قوله:" فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" نكاحا صحيحا، ثم يجامعها فيه، ثم يطلقها. فإن قال: فإن ذكر الجماع غير موجود في كتاب الله تعالى ذكره، فما الدلالة على أن معناه ما قلت؟ قيل: الدلالة على ذلك إجماع الأمة جميعا على أن ذلك معناه. وبعد، فإن الله تعالى ذكره قال:" فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره"، فلو نكحت زوجا غيره بعقب الطلاق قبل انقضاء عدتها، كان لا شك أنها ناكحة نكاحا بغير المعنى الذي أباح الله تعالى ذكره لها ذلك به، وإن لم يكن ذكر العدة مقرونا بقوله:" فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره"، لدلالته على أن ذلك كذلك بقوله:" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء". وكذلك قوله:" فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره"، وإن لم يكن مقرونا به ذكر الجماع والمباشرة والإفضاء فقد دل على أن ذلك كذلك بوحيه إلى رسول الله ﷺ وبيانه ذلك على لسانه لعباده. * * * * ذكر الأخبار المروية بذلك عن رسول الله ﷺ. ٤٨٨٨ - حدثني عبيد الله بن إسماعيل الهباري، وسفيان بن وكيع، وأبو هشام الرفاعي، قالوا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: سئل رسول الله ﷺ عن رجل طلق امرأته فتزوجت رجلا غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها، أتحل لزوجها الأول؟ فقال رسول الله ﷺ:"لا تحل لزجها الأول حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته". [[الحديث: ٤٨٨٨- هذا الحديث والاحاديث بعده إلى: ٤٨٩٧ هي عشرة أسانيد لحديث عائشة في وجوب الدخول بالمطلقة ثلاثا حتى تحل لزوجها الأول، وهذا أمر مجمع عليه ثبت بالدلائل المتواترة. ويجب أن يكون الزوج الثاني راغبا في المرأة قاصدا لدوام عشرتها، مما هو القصد الصحيح للزواج. أما إذا تزوجها ودخل بها قاصدا تحليلها للزوج الأول أو كان ذلك مفهوما من واقع الحال- فإن هذا هو المحلل الذي لعنه رسول الله ﷺ ولعن المحلل له. وكان نكاح هذا الثاني باطلا لا تحل به المعاشرة. ثم روى أبو جعفر -بعد هذه العشرة- حديثين لأبي هريرة وحديثا لأنس وحديثا لعبيد الله ابن عباس، وثلاثة أحاديث لابن عمر. فهي سبعة عشر حديثا. سنوجز ما استطعنا في تخريجها إن شاء الله. عبيد الله بن إسماعيل الهباري- شيخ الطبري: مضت ترجمته في: ٢٨٩٠ باسم"عبيد" دون إضافة. وكذلك مضى باسم"عبيد" في: ٣١٨٥، ٣٣٢٥. وهو هو ففي التهذيب ٧: ٥٩"ويقال أن اسمه عبيد الله وعبيد: لقب". أبو هاشم الرفاعي- شيخ الطبري: هو محمد بن يزيد بن محمد بن كثير قاضي بغداد تكلم فيه بعضهم، والراجح توثيقه وقد روى عنه مسلم في صحيحه. مضى له ذكر في: ٣٢٨٦. إبراهيم: هو ابن يزيد بن الأسود النخعي. والأسود: هو ابن يزيد بن قيس النخعي خال إبراهيم. والحديث رواه أحمد في المسند ٦: ٤٢ (حلبي) عن أبي معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد. ونقله ابن كثير ١: ٥٤٩ عن رواية الطبري ثم قال: "وكذا رواه أبو داود عن مسدد والنسائي عن أبي كريب كلاهما عن أبي معاوية". وذكره السيوطي ١: ٢٨٤ وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن ماجه. قوله: "حتى يذوق الآخر عسيلتها. . . " قال ابن الأثير: "شبه لذة الجماع بذوق العسل، فاستعار لها ذوقا. وإنما أنث لأنه أراد قطعة من العسل. وقيل: على إعطائها معنى النطفة. وقيل: العسل في الأصل يذكر ويؤنث فمن صغره مؤنثا قال: عسيلة. . . وإنما صغره إشارة إلى القدر القليل الذي يحصل به الحل".]] ٤٨٨٩ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي ﷺ، نحوه. [[الحديث: ٤٨٨٩- رواه مسلم ١: ٤٠٧ بنحوه من طريق أبي أسامة عن هشام ابن عروة عن أبيه. ورواه أحمد في المسند ٦: ٢٢٩ (حلبي) عن أبي معاوية عن هشام. ورواه مسلم أيضًا من طريق ابن فضيل ومن طريق أبي معاوية كلاهما عن هشام. * ونقله ابن كثير ١: ٥٤٩ عن صحيح مسلم، وذكر أن البخاري رواه من طريق أبي معاوية. * ثم قال: وهكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا بنحوه أو مثله. وهذا إسناد جيد".]] ٤٨٩٠ - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قال: سمعتها تقول: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله ﷺ، فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني، فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال لها: تريدين أن ترجعي إلى رفاعة! لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك". [[الحديث: ٤٨٩٠- رواه أحمد في المسند ٦: ٣٧- ٣٨ (حلبي) عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد. وزاد في آخره كلام خالد بن سعيد بن العاص بنحو ما سيأتي في: ٤٨٩٣. "عبد الرحمن بن الزبير"-بفتح الزاي وكسر الباء- هو القرظي المدني، صحابي معروف. وقد ذكره السيوطي ١: ٢٨٣: ٢٨٤ ونسبه أيضًا للشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والصحيحين والترمذي زوالنسائي. وابن ماجه والبيهقي. وقوله: "وإنما معه مثل هدبة الثوب" -"كلمة"وإنما" رسمت في المطبوعة حرفين"وإن ما" والصواب الموافق لسائر الروايات هو ما أثبتنا.]] ٤٨٩١ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، نحوه. ٤٨٩٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: ثنى عروة بن الزبير، أن عائشة زوج النبي ﷺ أخبرته أن امرأة رفاعة القرظي جاءت رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، فذكر مثله. [[الحديثان: ٤٨٩١، ٤٨٩٢- هما تكرار للحديث قبلهما بإسنادين آخرين عن الزهري. * ولم يذكر الطبري هنا لفظ هاتين الروايتين. وقد رواه مسلم ١: ٤٠٧ من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري. وساق لفظه كاملا.]] ٤٨٩٣ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن رفاعة القرظي طلق امرأته، فبت طلاقها، فتزوجها بعد عبد الرحمن بن الزبير، فجاءت النبي ﷺ فقالت: يا نبي الله - إنها كانت عند رفاعة، فطلقها آخر ثلاث تطليقات- فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل الهدبة!! فتبسم رسول الله ﷺ، ثم قال لها: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة! لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك. قالت: وأبو بكر جالس عند النبي ﷺ وخالد بن سعيد بن العاص بباب الحجرة لم يؤذن له، فطفق خالد ينادي يا أبا بكر يقول: يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله ﷺ!. [[الحديث: ٤٨٩٣- هو في كتاب (المصنف) لعبد الرزاق (مخطوط مصور عندنا) ٣: ٣٠٥ عن معمر وابن جريج -معا عن ابن شهاب. ورواه أحمد في المسند ٦: ٢٢٦ (حلبي) عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. ورواه أحمد أيضًا ٦: ٣٤ عن عبد الأعلى عن معمر. ورواه مسلم: ١: ٤٠٧ عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق عن معمر. ولم يذكر لفظه كاملا إحالة على روايته قبلها. ونقله ابن كثير ١: ٥٤٩- ٥٥٠ من رواية أحمد عن عبد الأعلى. ثم نسبه لأصحاب الكتب الستة إلا أبا داود. وانظر تخريج: ٤٨٩٠ فهو في معنى هذا.]] ٤٨٩٤ - حدثنا محمد بن يزيد الأدمي، قال: حدثنا يحيى بن سليم، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال:"لا حتى يذوق من عسيلتها ما ذاق الأول". [[الحديث: ٤٨٩٤- محمد بن يزيد الأدمي الخراز البغدادي المقابري. المعروف بالأحمر: ثقة وثقه الدارقطني وغيره. وقال السراج: "كان زاهدا من خيار المسلمين". وفي المطبوعة"الأودي" بدل"الأدمي" وهو تحريف صححناه من المخطوطة ومراجع الترجمة. مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم ٤/١١٢٩- ١٣٠ وفي التهذيب: "ويقال إنهما اثنان" يعني أن"الأحمر" غير"الأدمي" وعلى ذلك جرى الخطيب في تاريخ بغداد جعلهما ترجمتين ٣: ٣٧٤ برقم: ١٤٨٨، و ٣٧٧ برقم: ١٤٩١ والراجح أنهما ترجمتان لشخص واحد. يحيى بن سليم -بضم السين- القرشي الطائفي: ثقة وثقه ابن معين وغيره. وقال الشافعي: "كنا نعده من الأبدال". أخرج له أصحاب الكتب الستة. عبيد الله: هو ابن عمر بن حفص العمري. القاسم: هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق. عائشة عمته.]] ٤٨٩٦ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت عبيد الله، قال: سمعت القاسم يحدث عن عائشة، قال: قالت: قال رسول الله ﷺ:"لا حتى يذوق من عسيلتها ما ذاق صاحبه". [[الحديث: ٤٨٩٥- هذا والذي قبله مختصران من الحديث الذي بعدهما.]] ٤٨٩٦ - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله، قال: حدثنا القاسم، عن عائشة، أن رجلا طلق امرأته ثلاثا، فتزوجت زوجا، فطلقها قبل أن يمسها، فسئل رسول الله ﷺ: أتحل للأول؟ قال: لا حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول". [[الحديث: ٤٨٩٦ -يحيى- في هذا الإسناد-: هو ابن سعيد القطان الإمام. * وهذا الحديث مطول الحديثين قبله. * وقد رواه أحمد في المسند ٦: ١٩٣ (حلبي) عن يحيى -وهو القطان- بهذا الإسناد. * ونقله ابن كثير ١: ٥٤٨- ٥٤٩ عن هذا الموضع من الطبري. ثم قال: "أخرجه البخاري ومسلم والنسائي من طرق عن عبيد الله بن عمر العمري عن القاسم بن أبي بكر عن عمته عائشة- به". * ونقله السيوطي ١: ٢٨٤ وزاد نسبته للبيهقي.]] ٤٨٩٧ - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا موسى بن عيسى الليثي، عن زائدة، عن علي بن زيد، عن أم محمد، عن عائشة، عن النبي ﷺ، قال: "إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فيذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه". [[الحديث: ٤٨٩٧- موسى بن عيسى الليثي القارئ الكوفي ثقة أخرج له مسلم في الصحيح. زائدة: هو ابن قدامة الثقفي، وهو ثقة حافظ مأمون صاحب سنة. علي بن زيد: هو ابن جدعان وهو ثقة رجحنا توثيقه في شرح المسند: ٧٨٣. أم محمد: اسمها"أمية بنت عبد الله" وقيل"أمينة". وهي امرأة والد علي بن زيد بن جدعان. قال الحافظ في التهذيب ١٢: ٤٠٢"ووقع في بعض النسخ من الترمذي: عن علي بن زيد بن جدعان عن أمه. وهو غلط فقد روى علي بن زيد عن امرأة أبيه أم محمد- عدة أحاديث". أقول: هو ربيبها فلا بأس أن يطلق عليها أنها أمه توسعا. وهي تابعية عرف اسمها وكنيتها فهذا كاف في الحكم بتوثيقها. خصوصا مع قول الذهبي في الميزان ٣: ٣٩٥. عند ذكره النسوة المجهولات قال: "وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها". والحديث رواه أحمد في المسند ٦: ٩٦ (حلبي) عن عفان عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد به. نحوه. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وهو أصح من إسناد الطبري. ورواه أبو داود والطيالسي في مسنده: ١٥٦٠ مختصرا عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمته عن عائشة ولعل قوله"عن عمته" تساهل أيضًا إن لم يكن تحريفا من ناسخ أو طابع. ومعناه ثابت عن عائشة بالروايات الصحاح السابقة وغيرها. وأشار إليه ابن كثير ١: ٥٤٩ من رواية الطبري هذه. وكان أجدر به -كعادته- أن يذكره من رواية أحمد وإسنادها أصح.]] ٤٨٩٨ - حدثني العباس بن أبي طالب، قال: أخبرنا سعيد بن حفص الطلحي، قال: أخبرنا شيبان، عن يحيى، عن أبي الحارث الغفاري، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ، قال:" حتى يذوق عسيلتها". [[الحديث: ٤٨٩٨- العباس بن أبي طالب شيخ الطبري مضت ترجمته في: ٨٨٠ سعد بن حفص الطلي المعروف بالضخم مولى آل طلحة: ثقة من شيوخ البخاري ووقع في المطبوعة"سعيد" وهو خطأ. شيبان: هو ابن عبد الرحمن أبو معاوية النحوي. مضت ترجمته في: ٢٣٤٠. والحديث مختصر من الذي بعده. وسيأتي تمام الكلام فيه.]] ٤٨٩٩ - حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا شيبان، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي الحارث الغفاري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا، فتتزوج زوجا غيره، فيطلقها قبل أن يدخل بها، فيريد الأول أن يراجعها، قال:"لا حتى يذوق عسيلتها". [[الحديث: ٤٨٩٩٠ أبو الحارث الغفاري: ترجمه البخاري في الكنى برقم: ١٧٧ قال: "أبو الحارث سمع أبا هريرة. قال سعيد بن حفص [كذا وصوابه: سعد] : حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي الحارث عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: لا حتى تذوق العسيلة. وقال وكيع: عن علي بن المبارك عن يحيى عن أبي يحيى [كذا وصوابه: عن أبي الحارث] . الغفاري عن أبي هريرة قوله" يريد أنه في رواية شيبان مرفوع وفي رواية علي ابن المبارك موقوف. وترجمه ابن أبي حاتم ٤/٢/٣٥٨ قال: "أبو الحارث الغفاري سمع أبا هريرة عن النبي ﷺ: لا حتى تذوق العسيلة. روى علي بن المبارك. عن يحيى بن أبي كثير عنه سمعت أبي يقول ذلك". فرواية ابن المبارك عند أبي حاتم مرفوعة. ولا ينافي ذلك رواية البخاري وقفها. فإن الرفع زيادة ثقةن والراوي قد ينشط فيرفع الحديث وقد يقتصر فيرويه موقوفا. وترجمه الحافظ في لسان الميزان وزاد أن الطحاوي روى له حديثا آخر موقوفا على أبي هريرة من رواية حرب بن شداد عن يحيى ثم قال: "وذكره الحاكم أبو أحمد في الكنى فيمن لا يعرف اسمه وساق حديث العسيلة من طريق البخاري في التاريخ عن سعيد بن حفص عن شيبان به ولم يذكر فيه جرحا". وهذا الحديث ذكره ابن كثير ١: ٥٤٨ من روايتي الطبري هاتين. ثم قال: "وأبو الحارث غير معروف". والتعقيب عليه: أن البخاري وأبا حاتم عرفاه، ولم يذكرا فيه جرحا فهو ثقة فضلا عن انه تابعي، وهم على الثقة حتى يستبين جرح واضح. وذكره السيوطي ١: ٢٨٤ ونسبه لابن أبي شيبة وابن جرير فقط. وأشار إليه الترمذي ٢: ١٨٥ في قوله"وفي الباب". فقال شارحه المباركفوري: "وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الطبراني وابن أبي شيبة". وانا أرجح أن قوله"الطبراني" لأنه لو كان عند الطبراني لذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ولم يفعل. وكذلك السيوطي لم ينسبه للطبراني بل نسبه للطبري. وقوله: "يطلقها زوجها ثلاثا": كلمة"ثلاثا" ليست في المخطوطة. وهي ثابتة في ابن كثير والسيوطي فإثباتها أجود وأوثق.]] ٤٩٠٠ - حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي، قال: حدثنا هشام بن عبد الملك، قال: حدثنا محمد بن دينار، قال: حدثنا يحيى بن يزيد الهنائي، عن أنس بن مالك، عن النبي ﷺ في رجل طلق امرأته ثلاثا، فتزوجها آخر فطلقها قبل أن يدخل بها، أترجع إلى زوجها الأول؟ قال:"لا حتى يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته". [[الحديث: ٤٩٠٠- محمد بن إبراهيم الأنماطي شيخ الطبري: هو الملقب بمربع صاحب يحيى بن معين، وتلميذ الإمام أحمد بن حنبل. ترجمه ابن أبي حاتم ٣/٢/١٨٧ وقال: "بغدادي من الحفاظ" وترجمه الخطيب في تاريخ بغداد ١: ٣٨٨- ٣٨٩ ترجمه جيدة وقال: "كان أحد الحفاظ الفهماء" وذكر أن يحيى بن معين هو الذي لقبه"بمربع"- في نفر من أصحابه: "وهلاء كبار أصحابه وحفاظ الحديث". وترجمه القاضي ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة ١: ٢٦٦- ٢٦٧ ترجمة مختصرة من تاريخ شيخه الخطيب. وفي التهذيب ٩: ١١ ترجمة شيخ من هذه الطبقة قد يشتبه بهذا وهو"محمد بن إبراهيم الأسباطي" فهذا كوفي نزل مصر، وهو غير ذاك. وترجمه ابن أبي حاتم أيضًا ٣/٢/١٨٦. هشام بن عبد الملك: هو أبو الوليد الطيالسي الحافظ مضى في: ٢٨. محمد بن دينار الطاحي أبو بكر بن أبي الفرات: تكلم فيه بعضهم والحق أنه ثقة قال ابن معين: "ليس به بأس" وقال أبو زرعة: "صدوق". وترجمه البخاري في الكبير ١١/٧٧ فلم يذكر فيه جرحا. يحيى بن يزيد الهنائي البصري: تابعي ثقة ذكره ابن حبان في الثقات وترجمه البخاري في الكبير ٤/٢/٣١٠ فلم يذكر فيه جرحا. وروى عنه شعبة وهو لا يروي إلا عن ثقة. وأخرج له مسلم في صحيحه. و"الهنائي" بضم الهاء وتخفيف النون، نسبة إلى هناءة بن مالك بن فهم من الأزد قاله ابن الأثير في اللباب. والحديث رواه أحمد في المسند: ١٤٠٦٩ (٣: ٢٨٤ حلبي) عن عفان عن محمد بن دينار بهذا الإسناد، نحوه مطولا قليلا. ورواه البيهقي ٧: ٣٧٥- ٣٧٦ من طريق يحيى بن حماد عن محمد بن دينار به. ونقله ابن كثير ١: ٥٤٨ عن رواية المسند ثم أشار إلى هذه الرواية عند الطبري. وذكره السيوطي ١: ٢٨٤ منسوبا لهؤلاء. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٤: ٣٤٠ ونسبه لأحمد والبزار وأبي يعلى والطبراني في الأوسط. وقال: "ورجاله رجال الصحيح. خلا محمد بن دينار الطاحي وقد وثقه أبو حاتم وأبو زرعة وابن حبان. وفيه كلام لا يضر".]] ٤٩٠١ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، ويعقوب بن ماهان، قالا حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار، عن عبيد الله بن العباس: أن الغميصاء- أو: الرميصاء- جاءت إلى رسول الله ﷺ تشكو زوجها، وتزعم أنه لا يصل إليها، قال: فما كان إلا يسيرا حتى جاء زوجها، فزعم أنها كاذبة، ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال رسول الله ﷺ: ليس لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره". [[الحديث: ٤٩٠١- يعقوب بن إبراهيم شيخ الطبري: هو الدورقي الحافظ مضى مرارا ويعقوب بن ماهان شيخه أيضًا: هو البغدادي البناء وهو ثقة، قال حجاج بن الشاعر: "ليس ببغداد مثل يعقوب بن ماهان". والحديث رواه أحمد في المسند: ١٨٣٧. وهو حديث صحيح، فصلنا القول فيه هناك، وفي الاستدراك في المسند، رقم: ١٤٤٨. (ج٨ ص٣١٢- ٣١٣ بشرحنا) . وذكره السيوطي ١: ٢٨٤ منسوبا لأحمد والنسائي فقط. ولكنه فيه"عن عبد الله بن عباس". وهو عندي- خطأ ناسخ أو طابع كما وقع في مطبوعة النسائي.]] ٤٩٠٢ - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سالم بن رزين الأحمري، عن سالم بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ في رجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها ألبتة، فتتزوج زوجا آخر، فيطلقها قبل أن يدخل بها، أترجع إلى الأول؟ قال:"لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها". ٤٩٠٣ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن رزين الأحمري، عن ابن عمر، عن النبي أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا، فيتزوجها رجل، فأغلق الباب، فطلقها قبل أن يدخل بها، أترجع إلى زوجها الآخر؟ قال:"لا حتى يذوق عسيلتها". ٤٩٠٤ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن رزين، عن ابن عمر أنه سأل النبي ﷺ وهو يخطب عن رجل طلق امرأته، فتزوجت بعده، ثم طلقها أو مات عنها، أيتزوجها الأول؟ قال: لا حتى تذوق عسيلته. [[الأحاديث: ٤٩٠٢- ٤٩٠٤ هي حديث واحد بثلاثة أسانيد واسانيده كلها ضعاف. وقد فصلت القول فيه في شرح المسند: ٤٧٧٦، ٤٧٧٧، ٥٢٧٧، ٥٢٧٨، ٥٥٧١. * وقد ذكر البخاري الخلاف فيه، في الكبير ٢/٢١٤ في ترجمة"سليمان بن رزين". ثم قال: قال إبراهيم بن المنذر: حدثنا أنس بن عياض سمع موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: لو فعله أحد وعمر حي، لرجمهما. قال أبو عبد الله [هو البخاري نفسه] : وهذا أشهر ولا تقوم الحجة بسالم بن رزين ولا برزين لأنه لا يدري سماعه من سالم ولا من ابن عمر". * وخبر ابن عمر هذا -الموقوف- رواه أيضًا عبد الرزاق في المصنف (٣: ٣٠٥ مخطوط مصور) : "عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: لو أن رجلا طلق امرأته ثلاثا ثم نكحها رجل بعده، ثم طلقها قبل أن يجامعها ثم نكحها زوجها الأول- فيفعل ذلك وعمر حي إذن لرجمهما".]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:" فإن طلقها" فإن طلق المرأة- التي بانت من زوجها بآخر التطليقات الثلاث بعد ما نكحها مطلقها الثاني-، [[قوله: "زوجها" فاعل قوله في صدر الكلام: "فإن طلق المرأة. . " وسياق جملته: "فإن طلق المرأة. . . زوجها الذي نكحها. . . " وما بينهما فصل طويل في صفة"المرأة".]] زوجها الذي نكحها بعد بينونتها من الأول=" فلا جناح عليهما" يقول تعالى ذكره: فلا حرج على المرأة التي طلقها هذا الثاني من بعد بينونتها من الأول، وبعد نكاحه إياها-، [[قوله"على الزوج. . . " معطوف على قوله: "على المرأة" وسياق جملته: "فلا حرج على المرأة. . . وعلى الزوج. . . أن يتراجعا". وهكذا اضطررت للمخالفة بين أنواع الفواصل حتى يتيسر للقارئ وصل الكلام بعضه ببعض.]] وعلى الزوج الأول الذي كانت حرمت عليه ببينونتها منه بآخر التطليقات= أن يتراجعا بنكاح جديد. كما: ٤٩٠٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:" فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله" [[في المخطوطة قطع الآية عند قوله: "أن يتراجعا" ومضى في الكلام.]] يقول: إذا تزوجت بعد الأول، فدخل الآخر بها، فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلق الآخر أو مات عنها، فقد حلت له. ٤٩٠٦ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشام، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قال: إذا طلق واحدة أو ثنتين، فله الرجعة ما لم تنقض العدة. قال: والثالثة قوله:" فإن طلقها" يعني الثالثة فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره، فيدخل بها،"فإن طلقها"= هذا الأخير بعد ما يدخل بها،"فلا جناح عليهما أن يتراجعا" = يعنى الأول ="إن ظنا أن يقيما حدود الله". * * * قال أبو جعفر: وأما قوله:" إن ظنا أن يقيما حدود الله" فإن معناه: إن رجوا مطمعا أن يقيما حدود الله. وإقامتهما حدود الله: العمل بها، وحدود الله: ما أمرهما به، وأوجب بكل واحد منهما على صاحبه، وألزم كل واحد منهما بسبب النكاح الذي يكون بينهما. وقد بينا معنى"الحدود"، ومعنى"إقامة" ذلك، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. [[انظر تفسير"الحدود" فيما سلف من هذا الجزء ٤: ٥٨٤ ومعنى"إقامة الحدود والصلاة" فيما سلف ١: ٢٤١ وهذا الجزء ٤: ٥٦٤، ٥٦٥.]] * * * وكان مجاهد يقول في تأويل قوله:" إن ظنا أن يقيما حدود الله" ما:- ٤٩٠٧ - حدثني به محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:" إن ظنا أن يقيما حدود الله" إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة. [[الدلسة: (بضم فسكون) الظلام ومثله"الدلس" (بفتحتين) ومن مجازها: دالس يدالس مدالسة: أي خادع وغدر لأنه يخفي عليك الشيء، كأنه يأتيك به في الظلام ولم أجد من استعمل"الدلسة" مجازا في المخادعة والغش إلا في هذا الأثر. وهو عربي عتيق فصيح.]] ٤٩٠٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * * * قال أبو جعفر: وقد وجه بعض أهل التأويل قوله" إن ظنا" إلى أنه بمعنى: إن أيقنا. [[هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ١: ٧٤.]] وذلك ما لا وجه له، لأن أحدا لا يعلم ما هو كائن إلا الله تعالى ذكره. فإذ كان ذلك كذلك، فما المعنى الذي به يوقن الرجل والمرأة أنهما إذا تراجعا أقاما حدود الله؟ ولكن معنى ذلك كما قال تعالى ذكره:" إن ظنا" بمعنى طمعا بذلك ورجوا * * * "وأن" التي في قوله:" أن يقيما"، في موضع نصب بـ "ظنا"، و"أن" التي في" أن يتراجعا" جعلها بعض أهل العربية في موضع نصب بفقد الخافض، [[يعني بهذا الفراء في معاني القرآن ١: ١٤٨.]] لأن معنى الكلام: فلا جناح عليهما في أن يتراجعا- فلما حذفت"في" التي كانت تخفضها نصبها، فكأنه قال: فلا جناح عليهما تراجعهما. وكان بعضهم يقول: [[هو الكسائي فيما نقله الفراء في كتابه ١: ١٤٨ أيضًا.]] موضعه خفض، وإن لم يكن معها خافضها، وإن كان محذوفا فمعروف موضعه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠) ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:" وتلك حدود الله" هذه الأمور التي بينها لعباده في الطلاق والرجعة والفدية والعدة والإيلاء وغير ذلك مما يبينه لهم في هذه الآيات="حدود الله"- معالم فصول حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته=" يبينها"= يفصلها، فيميز بينها، ويعرفهم أحكامها لقوم يعلمونها إذا بينها الله لهم، فيعرفون أنها من عند الله، فيصدقون بها، ويعملون بما أودعهم الله من علمه، دون الذين قد طبع الله على قلوبهم، وقضى عليهم أنهم لا يؤمنون بها، ولا يصدقون بأنها من عند الله، فهم يجهلون أنها من الله، وأنها تنزيل من حكيم حميد. ولذلك خص القوم الذي يعلمون بالبيان دون الذين يجهلون، إذ كان الذين يجهلون أنها من عنده قد آيس نبيه محمدا ﷺ من تصديق كثير منهم بها، وإن كان بينها لهم من وجه الحجة عليهم ولزوم العمل لهم بها، وإنما أخرجها من أن تكون بيانا لهم من وجه تركهم الإقرار والتصديق به.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب