الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكم عَنْ دِينِهِ﴾ شُرُوعٌ في بَيانِ حالِ المُرْتَدِّينَ عَلى الإطْلاقِ بَعْدَ أنْ نَهى سُبْحانَهُ - فِيما سَلَفَ - عَنْ مُوالاةِ اليَهُودِ والنَّصارى، وبَيَّنَ أنَّ مُوالاتَهم مُسْتَدْعِيَةٌ لِلِارْتِدادِ عَنِ الدِّينِ، وفَصَّلَ مَصِيرَ مَن يُوالِيهِمْ مِنَ المُنافِقِينَ، قِيلَ: وهَذا مِنَ الكائِناتِ الَّتِي أخْبَرَ عَنْها القُرْآنُ قَبْلَ وُقُوعِها.
فَقَدْ رُوِيَ «أنَّهُ ارْتَدَّ عَنِ الإسْلامِ إحْدى عَشْرَةَ فِرْقَةً، ثَلاثٌ في عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -:
بَنُو مُدْلَجٍ، ورَئِيسُهم ذُو الحِمارِ، وهو الأسْوَدُ العَنْسِيُّ، كانَ كاهِنًا، تَنَبَّأ بِاليَمَنِ، واسْتَوْلى عَلى بِلادِهِ، فَأخْرَجَ مِنها عُمّالَ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فَكَتَبَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ، وإلى ساداتِ اليَمَنِ، فَأهْلَكَهُ اللَّهُ تَعالى عَلى يَدَيْ فَيْرُوزٍ الدَّيْلَمِيِّ، (p-161)بَيَّتَهُ فَقَتَلَهُ، وأُخْبِرَ الرَّسُولُ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بِقَتْلِهِ لَيْلَةَ قُتِلَ، فَسُرَّ بِهِ المُسْلِمُونَ، وقُبِضَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ الغَدِ، وأتى خَبَرُهُ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأوَّلِ.
وبَنُو حَنِيفَةَ قَوْمُ مُسَيْلِمَةَ الكَذّابِ بْنِ حَبِيبٍ، تَنَبَّأ، وكَتَبَ إلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: مِن مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ إلى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - سَلامٌ عَلَيْكَ أمّا بَعْدُ:
فَإنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ الأمْرَ مَعَكَ، وأنَّ لَنا نِصْفَ الأرْضِ ولِقُرَيْشٍ نِصْفَ الأرْضِ، ولَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - رَسُولانِ لَهُ بِذَلِكَ، فَحِينَ قَرَأ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - كِتابَهُ قالَ لَهُما: «فَما تَقُولانِ أنْتُما؟» قالا: نَقُولُ كَما قالَ، فَقالَ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: «أما واللَّهِ لَوْلا أنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أعْناقَكُما» ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مِن مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلى مُسَيْلِمَةَ الكَذّابِ: السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى، أمّا بَعْدُ:
فَإنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ، والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»».
وكانَ ذَلِكَ في سَنَةِ عَشْرٍ، فَحارَبَهُ أبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - بِجُنُودِ المُسْلِمِينَ، وقُتِلَ عَلى يَدَيْ وحْشِيٍّ قاتِلِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - وكانَ يَقُولُ: قَتَلْتُ في جاهِلِيَّتِي خَيْرَ النّاسِ وفي إسْلامِي شَرَّ النّاسِ، وقِيلَ: اشْتَرَكَ في قَتْلِهِ هو وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الأنْصارِيُّ طَعَنَهُ وحْشِيٌّ، وضَرَبَهُ عَبْدُ اللَّهِ بَسَيْفِهِ، وهو القائِلُ:
؎يُسائِلُنِي النّاسُ عَنْ قَتْلِهِ فَقُلْتُ: ضَرَبْتُ وهَذا طَعَنْ
فِي أبْياتٍ.
وبَنُو أسَدٍ قَوْمُ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ، تَنَبَّأ، فَبَعَثَ إلَيْهِ أبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ فانْهَزَمَ بَعْدَ القِتالِ إلى الشّامِ، فَأسْلَمَ وحَسُنَ إسْلامُهُ.
وارْتَدَّتْ سَبْعٌ في عَهْدِ أبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - فَزارَةُ قَوْمُ عُيَيْنَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، وغَطَفانُ قَوْمُ قُرَّةَ بْنِ سَلَمَةَ القُشَيْرِيِّ، وبَنُو سُلَيْمٍ قَوْمُ الفُجاءَةِ بْنِ عَبْدِ يالِيلَ، وبَنُو يَرْبُوعَ قَوْمُ مالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، وبَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ قَوْمُ سَجاحَ بِنْتِ المُنْذِرِ الكاهِنَةِ، تَنَبَّأتْ، وزَوَّجَتْ نَفْسَها مِن مُسَيْلِمَةَ في قِصَّةٍ شَهِيرَةٍ، وصَحَّ أنَّها أسْلَمَتْ بَعْدُ، وحَسُنَ إسْلامُها، وكِنْدَةُ قَوْمُ الأشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، وبَنُو بَكْرِ بْنِ وائِلٍ بِالبَحْرَيْنِ قَوْمُ الحَطْمِ بْنِ زَيْدٍ، وكَفى اللَّهُ تَعالى أمْرَهم عَلى يَدَيْ أبِي بَكْرٍ - رَضِي اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - وفِرْقَةٌ واحِدَةٌ في عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - وهم غَسّانُ قَوْمُ جَبَلَةَ بْنِ الأيْهَمِ، تَنَصَّرَ، ولَحِقَ بِالشّامِ، وماتَ عَلى رِدَّتِهِ، وقِيلَ: إنَّهُ أسْلَمَ.
ويُرْوى أنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - كَتَبَ إلى أحْبارِ الشّامِ لَمّا لَحِقَ بِهِمْ كِتابًا فِيهِ: إنَّ جَبَلَةَ ورَدَ إلَيَّ في سَراةِ قَوْمِهِ فَأسْلَمَ، فَأكْرَمْتُهُ، ثُمَّ سارَ إلى مَكَّةَ فَطافَ فَوَطِئَ إزارَهُ رَجُلٌ مَن بَنِي فَزارَةَ فَلَطَمَهُ جَبَلَةُ فَهَشَمَ أنْفَهُ، وكَسَرَ ثَناياهُ - وفي رِوايَةٍ: قَلَعَ عَيْنَهُ - فاسْتَعْدى الفَزارِيُّ عَلى جَبَلَةَ إلَيَّ، فَحَكَمْتُ إمّا بِالعَفْوِ وإمّا بِالقِصاصِ، فَقالَ: أتَقْتَصُّ مِنِّي وأنا مَلِكٌ وهو سُوقَةٌ؟! فَقُلْتُ: شَمَلَكَ وإيّاهُ الإسْلامُ، فَما تَفْضُلُهُ إلّا بِالعافِيَةِ، فَسَألَ جَبَلَةُ التَّأْخِيرَ إلى الغَدِ، فَلَمّا كانَ مِنَ اللَّيْلِ رَكِبَ مَعَ بَنِي عَمِّهِ ولَحِقَ بِالشّامِ مُرْتَدًّا.
ورُوِيَ أنَّهُ نَدِمَ عَلى ما فَعَلَهُ وأنْشَدَ:
؎تَنَصَّرْتُ بَعْدَ الحَقِّ عارًا لِلَطْمَةٍ ∗∗∗ ولَمْ يَكْ فِيها لَوْ صَبَرْتُ لَها ضَرَرُ
؎فَأدْرَكَنِي مِنها لَجاجُ حِمْيَةٍ ∗∗∗ فَبِعْتُ لَها العَيْنَ الصَّحِيحَةَ بِالعَوَرِ
؎فَيا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي ولَيْتَنِي ∗∗∗ صَبَرْتُ عَلى القَوْلِ الَّذِي قالَهُ عُمَرُ
هَذا، واعْتُرِضَ القَوْلُ بِأنَّ هَذا مِنَ الكائِناتِ الَّتِي أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى عَنْها قَبْلَ وُقُوعِها بِأنَّ ( مَن ) شَرْطِيَّةِ، والشَّرْطُ لا يَقْتَضِي الوُقُوعَ، إذْ أصْلُهُ أنْ يُسْتَعْمَلَ في الأُمُورِ المَفْرُوضَةِ، وأُجِيبَ بِأنَّ الشَّرْطَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ في الأُمُورِ المُحَقَّقَةِ؛ تَنْبِيهًا عَلى أنَّها لا يَلِيقُ وُقُوعُها، بَلْ كانَ يَنْبَغِي أنْ تُدْرَجَ في الفَرْضِيّاتِ وهو كَثِيرٌ، وقَدْ عُلِمَ مِن وُقُوعِ ذَلِكَ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ المُرادَ هَذا.
وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ: ( ومَن يَرْتَدِدْ ) بِفَكِّ الِادِّغامِ، وهو الأصْلُ لِسُكُونِ (p-162)ثانِي المِثْلَيْنِ، وهو كَذَلِكَ في بَعْضِ مَصاحِفِ الإمامِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ﴾ جَوابٌ ( مَنِ ) الشَّرْطِيَّةِ الواقِعَةُ مُبْتَدَأً، واخْتُلِفَ في خَبَرِها، فَقِيلَ: مَجْمُوعُ الشَّرْطِ والجَزاءِ، وقِيلَ: الجَزاءُ فَقَطْ، فَعَلى الأوَّلِ لا يَحْتاجُ الجَزاءُ وحْدَهُ إلى ضَمِيرٍ يَرْبُطُهُ، وعَلى الثّانِي يَحْتاجُ إلَيْهِ، وهو هُنا مُقَدَّرٌ، أيْ: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ تَعالى مَكانَهَمْ - بَعْدَ إهْلاكِهِمْ - بِقَوْمٍ يُحِبُّهم مَحَبَّةً تَلِيقُ بِشَأْنِهِ تَعالى، عَلى المَعْنى الَّذِي أرادَهُ ﴿ويُحِبُّونَهُ﴾ أيْ يَمِيلُونَ إلَيْهِ - جَلَّ شَأْنُهُ - مَيْلًا صادِقًا، فَيُطِيعُونَهُ في امْتِثالِ أوامِرِهِ، واجْتِنابِ مَناهِيهِ، وهو مَعْطُوفٌ عَلى ( يُحِبُّونَهُ ) وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ المَنصُوبِ فِيهِ، أيْ وهم ( يُحِبُّونَهُ ).
وفِي الكَشّافِ: مَحَبَّةُ العِبادِ لِرَبِّهِمْ طاعَتُهُ وابْتِغاءُ مَرْضاتِهِ، وأنْ لا يَفْعَلُوا ما يُوجِبُ سَخَطَهُ وعِقابَهُ، ومَحَبَّةُ اللَّهِ تَعالى لِعِبادِهِ أنْ يُثِيبَهم أحْسَنَ الثَّوابِ عَلى طاعَتِهِمْ، ويُعَظِّمَهُمْ، ويُثْنِيَ عَلَيْهِمْ، ويَرْضى عَنْهم.
وأمّا ما يَعْتَقِدُهُ أجْهَلُ النّاسِ - وأعْداهم لِلْعِلْمِ وأهْلِهِ، وأمْقَتُهم لِلشَّرْعِ، وأسْوَأُهم طَرِيقَةً، وإنْ كانَتْ طَرِيقَتُهم عِنْدَ أمْثالِهِمْ مِنَ الجَهَلَةِ والسُّفَهاءِ – شَيْئًا، وهُمُ الفِرْقَةُ المُفْتَعَلَةُ المُنْفَعِلَةُ مِنَ الصُّوفِ، وما يَدِينُونَ بِهِ مِنَ المَحَبَّةِ والعِشْقِ، والتَّغَنِّي عَلى كَراسِيِّهِمْ - خَرَّبَها اللَّهُ تَعالى - وفي مَراقِصِهِمْ - عَطَّلَها اللَّهُ تَعالى - بِأبْياتِ الغَزَلِ المَقُولَةِ في المُرْدِ، إنَّ الَّذِينَ يُسَمُّونَهم شُهَداءَ، وصَعَقاتُهُمُ الَّتِي أيْنَ مِنها صَعْقَةُ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ثُمَّ دَكُّ الطُّورِ، فَتَعالى اللَّهُ عَنْهُ عُلُوًّا كَبِيرًا، ومِن كَلِماتِهِمْ: كَما أنَّهُ بِذاتِهِ يُحِبُّهم كَذَلِكَ يُحِبُّونَ ذاتَهُ، فَإنَّ الهاءَ راجِعَةٌ إلى الذّاتِ دُونَ النُّعُوتِ والصِّفاتِ، ومِنها: الحُبُّ شَرْطُهُ أنْ تَلْحَقَهُ سَكَراتُ المَحَبَّةِ، فَإذا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقِيقَةٌ، انْتَهى كَلامُهُ.
وقَدْ خَلَّطَ فِيهِ الغَثَّ بِالسَّمِينِ، فَأطْلَقَ القَوْلَ بِالقَدَحِ الفاحِشِ في المُتَصَوِّفَةِ، ونَسَبَ إلَيْهِمْ ما لا يُعْبَأُ بِمُرْتَكِبِهِ، ولا يُعَدُّ في البَهائِمِ فَضْلًا عَنْ خَواصِّ البَشَرِ، ولا يَلْزَمُ مِن تَسَمِّي طائِفَةٍ بِهَذا الِاسْمِ - غاصِبِينَ لَهُ مِن أهْلِهِ ثُمَّ ارْتِكابِهِمْ ما نُقِلَ عَنْهُمْ، بَلْ وزِيادَةُ أضْعافِ أضْعافِهِ مِمّا نَعْلَمُهُ مِن هَذِهِ الطّائِفَةِ في زَمانِنا مِمّا يُنافِي حالَ المُسَمَّيْنَ بِهِ حَقِيقَةً - أنْ نُؤاخِذَ الصّالِحَ بِالطّالِحِ، ونَضْرِبَ رَأْسَ البَعْضِ بِالبَعْضِ، فَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.
وتَحْقِيقُ هَذا المَقامِ - عَلى ما ذَكَرَهُ ابْنُ المُنِيرِ في الِاتِّصافِ - أنْ لا شَكَّ أنَّ تَفْسِيرَ مَحَبَّةِ العَبْدِ لِلَّهِ تَعالى بِطاعَتِهِ لَهُ سُبْحانَهُ عَلى خِلافِ الظّاهِرِ، وهو مِنَ المَجازِ الَّذِي يُسَمّى فِيهِ المُسَبَّبُ بِاسْمِ السَّبَبِ، والمَجازُ لا يُعْدَلُ إلَيْهِ عَنِ الحَقِيقَةِ إلّا بَعْدَ تَعَذُّرِها، فَلْيُمْتَحَنْ حَقِيقَةُ المَحَبَّةِ لُغَةً بِالقَواعِدِ؛ لِنَنْظُرَ أهِيَ ثابِتَةٌ لِلْعَبْدِ، مُتَعَلِّقَةٌ بِاللَّهِ تَعالى أمْ لا؟ فالمَحَبَّةُ لُغَةً: مَيْلُ المُتَّصِفِ بِها إلى أمْرٍ مَلَذٍّ، واللَّذّاتُ الباعِثَةُ عَلى المَحَبَّةِ مُنْقَسِمَةٌ إلى مُدْرَكٍ بِالحِسِّ كَلَذَّةِ الذَّوْقِ في المَطْعُومِ، ولَذَّةِ النَّظَرِ في الصُّوَرِ المُسْتَحْسَنَةِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ، وإلى لَذَّةٍ مُدْرَكَةٍ بِالعَقْلِ، كَلَذَّةِ الجاهِ والرِّياسَةِ والعُلُومِ، وما يَجْرِي مَجْراها، فَقَدْ ثَبَتَ أنَّ في اللَّذّاتِ الباعِثَةِ عَلى المَحَبَّةِ ما لا يُدْرِكُهُ إلّا العَقْلُ دُونَ الحِسِّ، ثُمَّ تَتَفاوَتُ المَحَبَّةُ ضَرُورَةً بِحَسَبِ تَفاوُتِ البَواعِثِ عَلَيْها، فَلَيْسَ اللَّذَّةُ بِرِياسَةِ الإنْسانِ عَلى أهْلِ قَرْيَةٍ كَلَذَّتِهِ بِالرِّياسَةِ عَلى أقالِيمَ مُعْتَبَرَةٍ، وإذا تَفاوَتَتِ المَحَبَّةُ بِحَسَبِ تَفاوُتِ البَواعِثِ فَلَذّاتُ العُلُومِ أيْضًا مُتَفاوِتَةٌ بِحَسَبِ تَفاوُتِ المَعْلُوماتِ، ولَيْسَ مَعْلُومٌ أكْمَلَ ولا أجَلَّ مِنَ المَعْبُودِ الحَقِّ، فاللَّذَّةُ الحاصِلَةُ مِن مَعْرِفَتِهِ ومَعْرِفَةِ جَلالِهِ وكَمالِهِ تَكُونُ أعْظَمَ، والمَحَبَّةُ المُنْبَعِثَةُ عَنْها تَكُونُ أمْكَنَ، وإذا حَصَلَتْ هَذِهِ المَحَبَّةُ بَعَثَتْ عَلى الطّاعاتِ والمُوافَقاتِ.
فَقَدْ تَحَصَّلَ مِن ذَلِكَ أنَّ مَحَبَّةَ العَبْدِ لِرَبِّهِ سُبْحانَهُ مُمْكِنَةٌ، بَلْ واقِعَةٌ مِن كُلِّ مُؤْمِنٍ، فَهي مِن لَوازِمِ الإيمانِ وشُرُوطِهِ، النّاسُ فِيها مُتَفاوِتُونَ بِحَسَبِ تَفاوُتِ إيمانِهِمْ، وإذا كانَ كَذَلِكَ وجَبَ تَفْسِيرُ مَحَبَّةِ العَبْدِ لِلَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -بِمَعْناها الحَقِيقِيِّ لُغَةً، وكانَتِ الطّاعاتُ والمُوافَقاتُ كالمُسَبَّبِ عَنْها، والمُغايِرِ لَها، ألا تَرى إلى «الأعْرابِيِّ الَّذِي سَألَ عَنِ السّاعَةِ فَقالَ النَّبِيُّ (p-163)صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «ما أعْدَدْتَ لَها»؟ قالَ: ما أعْدَدْتُ لَها كَبِيرَ عَمَلٍ، ولَكِنْ حَبَّ اللَّهِ تَعالى ورَسُولَهُ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «المَرْءُ مَعَ مَن أحَبَّ»» فَهَذا ناطِقٌ بِأنَّ المَفْهُومَ مِنَ المَحَبَّةِ لِلَّهِ تَعالى غَيْرُ الأعْمالِ والنِزامِ الطّاعاتِ؛ لِأنَّ الأعْرابِيَّ نَفاها وأثْبَتَ الحُبَّ، وأقَرَّهُ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - عَلى ذَلِكَ، ثُمَّ أثْبَتَ إجْراءَ مَحَبَّةِ العَبْدِ لِلَّهِ تَعالى عَلى حَقِيقَتِها لُغَةً، والمَحَبَّةُ إذا تَأكَّدَتْ سُمِّيَتْ عِشْقًا، فَهو المَحَبَّةُ البالِغَةُ المُتَأكِّدَةُ، والقَوْلُ بِأنَّهُ عِبارَةٌ عَنِ المَحَبَّةِ فَوْقَ قَدْرِ المَحْبُوبِ، فَيَكْفُرُ مَن قالَ: أنا عاشِقٌ لِلَّهِ تَعالى أوْ لِرَسُولِهِ، صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - كَما قالَهُ بَعْضُ ساداتِنا الحَنَفِيَّةِ - في حَيِّزِ المَنعِ عِنْدِي.
والمُعْتَرِفُونَ بِتَصَوُّرِ مَحَبَّةِ العَبْدِ لِلَّهِ - عَزَّ شَأْنُهُ - بِالمَعْنى الحَقِيقِيِّ يَنْسُبُونَ المُنْكِرِينَ إلى أنَّهم جَهِلُوا فَأنْكَرُوا، كَما أنَّ الصَّبِيَّ يُنْكِرُ عَلى مَن يَعْتَقِدُ أنَّ وراءَ اللَّعِبِ لَذَّةً مِن جِماعٍ أوْ غَيْرِهِ، والمُنْهَمِكُ في الشَّهَواتِ والغَرامِ بِالنِّساءِ يَظُنُّ أنْ لَيْسَ وراءَ ذَلِكَ لَذَّةٌ مِن رِياسَةٍ أوْ جاهٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وكُلُّ طائِفَةٍ تَسْخَرُ مِمّا فَوْقَها، وتَعْتَقِدُ أنَّهم مَشْغُولُونَ في غَيْرِ شَيْءٍ.
قالَ حُجَّةُ الإسْلامِ الغَزالِيُّ - رَوَّحَ اللَّهُ تَعالى رُوحَهُ-: والمُحِبُّونَ اللَّهَ تَعالى يَقُولُونَ لِمَن أنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ: ﴿إنْ تَسْخَرُوا مِنّا فَإنّا نَسْخَرُ مِنكم كَما تَسْخَرُونَ﴾ انْتَهى، مَعَ أدْنى زِيادَةٍ، ولَمْ يَتَكَلَّمْ عَلى مَعْنى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعالى لِلْعَبْدِ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ ذَلِكَ مِنَ المُتَشابَهِ، والمَذاهِبُ فِيهِ مَشْهُورَةٌ، وقَدْ قَدَّمْنا طَرَفًا مِنَ الكَلامِ في هَذا المَقامِ، فَتَذَكَّرْ.
والمُرادُ بِهَؤُلاءِ القَوْمِ في المَشْهُورِ أهْلُ اليَمَنِ، فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في مُسْنَدِهِ، والطَّبَرانِيُّ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، مِن حَدِيثِ عِياضِ بْنِ عُمَرَ الأشْعَرِيَّ، «أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لِما نَزَلَتْ أشارَ إلى أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ، وهو مِن صَمِيمِ اليَمَنِ، وقالَ: «هم قَوْمُ هَذا»».
وعَنِ الحَسَنِ، وقَتادَةَ، والضِّحاكِ، أنَّهم أبُو بَكْرٍ وأصْحابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُمُ - الَّذِينَ قاتَلُوا أهْلَ الرِّدَّةِ.
وعَنِ السُّدِّيِّ: أنَّهُمُ الأنْصارُ، وقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ جاهَدُوا يَوْمَ القادِسِيَّةِ، ألْفانِ مِنَ النَّخَعِ، وخَمْسَةُ آلافٍ مِن كِنْدَةَ وبَجِيلَةَ، وثَلاثَةُ آلافٍ مِن أفْناءِ النّاسِ، وقَدْ حارَبَ هُناكَ سَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ رُسْتُمَ الشَّقِيَّ صاحِبَ جَيْشِ يَزْدَجَرَ.
وقالَ الإمامِيَّةُ: هم عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ - وشِيعَتُهُ يَوْمَ وقْعَةِ الجَمَلِ وصِفِّينَ، وعَنْهم أنَّهُمُ المَهْدِيُّ ومَن يَتْبَعُهُ، ولا سَنَدَ لَهم في ذَلِكَ إلّا مَرْوِيّاتُهُمُ الكاذِبَةُ، وقِيلَ: هُمُ الفُرْسُ؛ «لِأنَّهُ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْهم فَضَرَبَ يَدَهُ عَلى عاتِقِ سَلْمانَ الفارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ – وقالَ: «هَذا وذَوُوهُ»» وتَعَقَّبَهُ العِراقِيُّ قائِلًا: لَمْ أقِفْ عَلى خَبَرٍ فِيهِ، وهو هُنا وهِمَ، وإنَّما ورَدَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ كَما أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - فَمَن ذَكَرَهُ هُنا فَقَدْ وهِمَ.
﴿أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ﴾ عاطِفِينَ عَلَيْهِمْ، مُتَذَلِّلِينَ لَهُمْ، جَمْعُ ذَلِيلٍ لا ذَلُولٍ، فَإنَّ جَمْعَهُ ذُلَلٌ، وكانَ الظّاهِرُ أنْ يُقالَ: ( أذِلَّةٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ) كَما يُقالُ: تَذَلَّلَ لَهُ، ولا يُقالُ: تَذَلَّلَ عَلَيْهِ، لِلْمُنافاةِ بَيْنَ التَّذَلُّلِ والعُلُوِّ، لَكِنَّهُ عُدِّيَ بِـ( عَلى ) لِتَضْمِينِهِ مَعْنى العَطْفِ والحُنُوِّ المُتَعَدّى بِها، وقِيلَ: لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهم مَعَ عُلُوِّ طَبَقَتِهِمْ وفَضْلِهِمْ عَلى المُؤْمِنِينَ خافِضُونَ لَهم أجْنِحَتَهم.
ولَعَلَّ المُرادَ بِذَلِكَ أنَّهُ اسْتُعِيرَتْ ( عَلى ) لِمَعْنى اللّامِ؛ لِيُؤْذِنَ بِأنَّهم غَلَبُوا غَيْرَهم مِنَ المُؤْمِنِينَ في التَّواضُعِ حَتّى عَلَوْهم بِهَذِهِ الصِّفَةِ، لَكِنْ في اسْتِفادَةِ هَذا مِن ذاكَ خَفاءٌ، وكَوْنُ المُرادِ بِهِ أنَّهُ ضُمِّنَ الوَصْفُ مَعْنى الفَضْلِ والعُلُوِّ - يَعْنِي أنَّ كَوْنَهم أذِلَّةً لَيْسَ لِأجْلِ كَوْنِهِمْ أذِلّاءَ في أنْفُسِهِمْ بَلْ لِإرادَةِ أنْ يَضُمُّوا إلى عُلُوِّ مَنصِبِهِمْ وشَرَفِهِمْ فَضِيلَةَ التَّواضُعِ - لا يَخْفى ما فِيهِ؛ لِأنَّ قائِلَ ذَلِكَ قابَلَهُ بِالتَّضْمِينِ، فَيَقْتَضِي أنْ يَكُونَ وجْهًا آخَرَ لا تَضْمِينَ فِيهِ.
وكَوْنُ الجارِّ عَلى ذَلِكَ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً أُخْرى لِـ( قَوْمٍ ) ومَعَ عُلُوِّ طَبَقَتِهِمْ - إلَخْ - تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ( عَلى المُؤْمِنِينَ ) وخافِضُونَ – إلَخْ - تَفْسِيرٌ لِـ( أذِلَّةٍ ) مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يُلْتَفَتَ إلَيْهِ.
وقِيلَ: عُدِّيَتِ الذِّلَّةُ بِـ( عَلى ) لِأنَّ (p-164)العِزَّةَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ﴾ عُدِّيَتْ بِها كَما يَقْتَضِيهِ اسْتِعْمالُها، وقَدْ قارَنَتْها فاعْتُبِرَتِ المُشاكَلَةُ، وقَدْ صَرَّحُوا أنَّهُ يَجُوزُ فِيها التَّقْدِيمُ والتَّأْخِيرُ، وقِيلَ: لِأنَّ العِزَّةَ تَتَعَدّى بِـ( عَلى ) والذِّلَّةَ ضِدُّها فَعُومِلَتْ مُعامَلَتَها؛ لِأنَّ النَّظِيرَ كَما يُحْمَلُ عَلى النَّظِيرِ يُحْمَلُ الضِّدُّ عَلى الضِّدِّ، كَما صَرَّحَ بِهِ ابْنُ جِنِّيٍّ وغَيْرُهُ.
وجَرُّ ( أذِلَّةٍ ) و( أعِزَّةٍ ) عَلى أنَّهُما صِفَتانِ لِـ( قَوْمٍ ) كالجُمْلَةِ السّابِقَةِ، وتُرِكَ العَطْفُ بَيْنَهُما لِلدَّلالَةِ عَلى اسْتِقْلالِهِمْ بِالِاتِّصافِ بِكُلٍّ مِنهُما، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى صِحَّةِ تَأْخِيرِ الصِّفَةِ الصَّرِيحَةِ عَنْ غَيْرِ الصَّرِيحَةِ، وقَدْ جاءَ ذَلِكَ في غَيْرِما آيَةٍ، ومَن لَمْ يُجَوِّزْهُ جَعَلَ الجُمْلَةَ هُنا مُعْتَرِضَةً، ولا يَخْفى أنَّهُ تَكَلُّفٌ.
ومَعْنى كَوْنِهِمْ ( أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ ) أنَّهم أشِدّاءُ مُتَغَلِّبُونَ عَلَيْهِمْ، مِن عَزَّهُ إذا غَلَبَهُ، ونَصَّ العَلّامَةُ الطِّيبِيُّ أنَّ هَذا الوَصْفَ جِيءَ بِهِ لِلتَّكْمِيلِ؛ لِأنَّ الوَصْفَ قَبْلَهُ يُوهِمُ أنَّهم أذِلّاءُ مُحَقَّرُونَ في أنْفُسِهِمْ، فَدُفِعَ ذَلِكَ الوَهْمُ بِالإتْيانِ بِهِ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ:
؎جُلُوسٌ في مَجالِسِهِمْ رَزانٌ ∗∗∗ وإنَّ ضَيْفٌ ألَمَّ فَهم خُفُوفُ
وقُرِئَ ( أذِلَّةً ) و( أعِزَّةً ) بِالنَّصْبِ عَلى الحالِيَّةِ مِن ( قَوْمٍ ) لِتَخْصِيصِهِ بِالصِّفَةِ ﴿يُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ بِالقِتالِ لِإعْلاءِ كَلِمَتِهِ سُبْحانَهُ، وإعْزازِ دِينِهِ - جَلَّ شَأْنُهُ - وهو صِفَةٌ أُخْرى لِـ( قَوْمٍ ) مُتَرَتِّبَةٌ عَلى ما قَبْلَها، مُبَيِّنَةٌ مَعَ ما بَعْدَها لِكَيْفِيَّةِ عِزَّتِهِمْ، وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ في ( أعِزَّةٍ ) أيْ: يُعَزُّونَ مُجاهِدِينَ، وأنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
﴿ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ فِيما يَأْتُونَ مِنَ الجِهادِ، أوْ في كُلِّ ما يَأْتُونَ ويَذَرُونَ، وهو عَطْفٌ عَلى ( يُجاهِدُونَ ) بِمَعْنى أنَّهم جامِعُونَ بَيْنَ المُجاهَدَةِ والتَّصَلُّبِ في الدِّينِ، وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالمُنافِقِينَ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ حالًا مِن فاعِلِ ( يُجاهِدُونَ ) أيْ يُجاهِدُونَ وحالُهم غَيْرُ حالِ المُنافِقِينَ، والتَّعْرِيضُ فِيهِ حِينَئِذٍ أظْهَرُ، وقِيلَ: إنَّهُ عَلى الأوَّلِ لا تَعْرِيضَ فِيهِ، بَلْ هو تَتْمِيمٌ لِمَعْنى ( يُجاهِدُونَ ) مُفِيدٌ لِلْمُبالَغَةِ والِاسْتِيعابِ، ولَيْسَ بِشَيْءٍ.
واعْتُرِضَ القَوْلُ بِالحالِيَّةِ بِأنَّهم نَصُّوا عَلى أنَّ المُضارِعَ المَنفِيَّ بِـ( لا ) أوْ ( ما ) كالمُثْبَتِ في عَدَمِ جَوازِ دُخُولِ الواوِ عَلَيْهِ، وأُجِيبَ بِأنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلى مَذْهَبِ الزَّمَخْشَرِيِّ القائِلِ بِجَوازِ اقْتِرانِ المُضارِعِ المَنفِيِّ بِـ( لا ) و( ما ) بِالواوِ، فَإنَّ النُّحاةَ جَوَّزُوهُ في المَنفِيِّ بِـ( لَمْ ) و( لَمّا ) ولا فَرْقَ بَيْنَهُما.
و( اللَّوْمَةُ ) المَرَّةُ مِنَ اللَّوْمِ أيِ الِاعْتِراضِ، وهو مُضافٌ لِفاعِلِهِ، وأصْلُ ( لائِمٍ ) ( لاوِمٌ ) فاعِلٌ كَقائِمٍ، وفي اللَّوْمَةِ مَعَ تَنْكِيرِ ( لائِمٍ ) مُبالَغَتانِ - عَلى ما قِيلَ - ووَجَّهَ ذَلِكَ العَلّامَةُ الطِّيبِيُّ بِأنَّهُ لا يَنْتَفِي بِانْتِفاءِ الخَوْفِ مِنَ اللَّوْمَةِ الواحِدَةِ خَوْفُ جَمِيعِ اللُّوماتِ؛ لِأنَّ النَّكِرَةَ في سِياقِ النَّفْيِ تَعُمُّ، ثُمَّ إذا انْضَمَّ إلَيْها تَنْكِيرُ فاعِلِها يَسْتَوْعِبُ انْتِفاءَ خَوْفِ جَمِيعِ اللُّوّامِ، فَيَكُونُ هَذا تَتْمِيمًا في تَتْمِيمٍ، أيْ لا يَخافُونَ شَيْئًا مِنَ اللَّوْمِ مِن أحَدٍ مِنَ اللُّوّامِ.
وقِيلَ عَلَيْهِ: بِأنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ ( لَوْمَةُ ) أبْلَغَ مِن ( لَوْمٍ ) مَعَ ما فِيها مِن مَعْنى الوَحْدَةِ؟ فَلَوْ قِيلَ: ( لَوْمُ لائِمٍ ) كانَ أبْلَغَ! وأُجِيبَ بِأنَّها في الأصْلِ لِلْمَرَّةِ، لَكِنِ المُرادُ بِها هُنا الجِنْسُ، وأُتِيَ بِالتّاءِ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ جِنْسَ اللَّوْمِ عِنْدَهم بِمَنزِلَةٍ لَوْمَةٍ واحِدَةٍ، وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا يَدْفَعُ السُّؤالَ؛ لِأنَّهُ لا قَرِينَةَ عَلى هَذا التَّجَوُّزِ مَعَ بَقاءِ الإبْهامِ فِيهِ، وقَدْ يُقالُ: إنَّ مَقامَ المَدْحِ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلى ذَلِكَ.
﴿ذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى ما تَقَدَّمَ مِنَ الأوْصافِ لا بَعْضِها - كَما قِيلَ - والإفْرادُ لِما تَقَدَّمَ، وكَذَلِكَ ما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ ﴿فَضْلُ اللَّهِ﴾ أيْ لُطْفُهُ وإحْسانُهُ ﴿يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ﴾ إيتاءَهُ إيّاهُ لا أنَّهم مُسْتَقِلُّونَ في الِاتِّصافِ بِهِ ﴿واللَّهُ واسِعٌ﴾ كَثِيرُ الفَضْلِ، أوْ جَوادٌ لا يُخافُ نَفادُ ما عِنْدَهُ سُبْحانَهُ ﴿عَلِيمٌ﴾ (p-165)مُبالِغٌ في تَعَلُّقِ العِلْمِ في جَمِيعِ الأشْياءِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها مَن هو أهْلُ الفَضْلِ ومَحَلُّهُ، والجُمْلَةُ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَهُ، وإظْهارُ الِاسْمِ الجَلِيلِ لِلْإشْعارِ بِالعِلَّةِ وتَأْكِيدِ اسْتِقْلالِ الجُمْلَةِ الِاعْتِراضِيَّةِ، كَما مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ.
* * *
هَذا، ومِن بابِ الإشارَةِ في الآياتِ عَلى ما قالَهُ بَعْضُ العارِفِينَ:
﴿وأنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الكِتابُ الأوَّلُ إشارَةً إلى عِلْمِ الفُرْقانِ، والثّانِي إشارَةً إلى عِلْمِ القُرْآنِ، والأوَّلِ هو ظُهُورُ تَفاصِيلِ الكَمالِ، والثّانِي هو العِلْمُ الإجْمالِيُّ الثّابِتُ في الِاسْتِعْدادِ، ومَعْنى كَوْنِهِ ( مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) حافِظًا عَلَيْهِ بِالإظْهارِ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الأوَّلُ إشارَةً إلى ما بَيْنَ أيْدِينا مِنَ المُصْحَفِ، والثّانِي إشارَةً إلى الجِنْسِ الشّامِلِ لِلتَّوْراةِ الَّتِي دَعْوَتُها لِلظّاهِرِ، والإنْجِيلِ الَّذِي هو دَعْوَتُهُ لِلْباطِنِ، وكِتابُنا مُشْتَمِلٌ عَلى الأمْرَيْنِ، حافِظٌ لِكُلٍّ مِنَ الكِتابَيْنِ.
( ﴿فاحْكم بَيْنَهم بِما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ ) مِنَ العَدْلِ الَّذِي هو ظِلُّ المَحَبَّةِ، الَّتِي هي ظِلُّ الوَحْدَةِ، الَّتِي انْكَشَفَتْ عَلَيْكَ ( ﴿ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ﴾ ) في تَغْلِيبِ أحَدِ الجانِبَيْنِ، إمّا الظّاهِرُ وإمّا الباطِنُ ( ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً﴾ ) مَوْرِدًا كَمَوْرِدِ النَّفْسِ، ومَوْرِدِ القَلْبِ، ومَوْرِدِ الرُّوحِ، ( ﴿ومِنهاجًا﴾ ) طَرِيقًا كَعِلْمِ الأحْكامِ والمَعارِفِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ، وسُلُوكِ طَرِيقِ الباطِنِ المُوصِلِ إلى جَنَّةِ الصِّفاتِ، وعِلْمِ التَّوْحِيدِ والمُشاهَدَةِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالرُّوحِ، وسُلُوكِ طَرِيقِ الفَناءِ المُوصِلِ إلى جَنَّةِ الذّاتِ، وقالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ لِلَّهِ سُبْحانَهُ بِحارًا لِلْأرْواحِ، وأنْهارًا لِلْقُلُوبِ، وسَواقِيَ لِلْعُقُولِ، ولِكُلِّ واحِدٍ مِنها شِرْعَةٌ في ذَلِكَ تَرِدُ مِنها؛ كَشِرْعَةِ العِلْمِ، وشِرْعَةِ القُدْرَةِ، وشِرْعَةِ الصَّمَدِيَّةِ، وشِرْعَةِ المَحَبَّةِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ، ولَهُ عَزَّ وجَلَّ طُرُقٌ بِعَدَدِ أنْفاسِ الخَلائِقِ، كَما قالَ أبُو يَزِيدَ - قُدِّسَ سِرُّهُ - والمُرادُ بِها الطُّرُقُ الشَّخْصِيَّةُ لا مُطْلَقًا، وكُلُّها تُوصِلُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ، وهَذا إشارَةٌ إلى اخْتِلافِ مَشارِبِ القَوْمِ، وعَدَمِ اتِّحادِ مَسالِكِهِمْ، وقَدْ قالَ جَلَّ وعَلا: ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ وفَرَّقَ سُبْحانَهُ بَيْنَ الأبْرارِ والمُقَرَّبِينَ في ذَلِكَ، وقَلَّما يَتَّفِقُ اثْنانِ في مَشْرَبٍ ومَنهَجٍ، ومِن هُنا يَنْحَلُّ الإشْكالُ فِيما حُكِيَ عَنْ حَضْرَةِ البازِ الأشْهَبِ مَوْلانا الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ عَبْدِ القادِرِ الكِيلانِيِّ - قُدِّسَ سِرُّهُ - أنَّهُ قالَ: لا زِلْتُ أسِيرُ في مَهامِهِ القُدْسِ حَتّى قَطَعْتُ الآثارَ، فَلاحَ لِي أثَرُ قَدَمٍ مِن بَعِيدٍ، فَكادَتْ رُوحِي تَزْهَقُ، فَإذا النِّداءُ: هَذا أثَرُ قَدَمِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فَإنَّ ظاهِرَهُ يَقْتَضِي سَبْقَهُ لِلْأنْبِياءِ والرُّسُلِ أرْبابِ التَّشْرِيعِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ - ونَحْوِهِمْ مِنَ الكامِلِينَ، وهو كَما تَرى.
ووَجْهُهُ أنَّهُ - قُدِّسَ سِرُّهُ - قَطَعَ الآثارَ في الطَّرِيقِ الَّذِي هو فِيهِ، وذَلِكَ يَقْتَضِي السَّبْقَ عَلى سالِكِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ لا غَيْرُ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِمَن ذَكَرْنا مِنَ السّالِكِينَ طَرِيقًا آخَرَ غَيْرَ ذَلِكَ الطَّرِيقِ، وهَذا أحْسَنُ ما يَخْطُرُ لِي في الجَوابِ عَنْ ذَلِكَ الإشْكالِ؛ نَظَرًا إلى مَشْرَبِي، ومَشارِبُ القَوْمِ شَتّى.
( ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكم أُمَّةً واحِدَةً﴾ ) مُتَّفِقِينَ في المَشْرَبِ والطَّرِيقِ ( ﴿ولَكِنْ لِيَبْلُوَكم في ما آتاكُمْ﴾ ) أيْ لِيُظْهِرَ عَلَيْكم ما آتاكم بِحَسَبِ اسْتِعْداداتِكم عَلى قَدْرِ قَبُولِ كُلِّ واحِدٍ مِنكم ( ﴿فاسْتَبِقُوا الخَيْراتِ﴾ ) أيِ الأُمُورَ المُوصِلَةَ لَكم إلى كَمالِكُمُ الَّذِي قُدِّرَ لَكم بِحَسَبِ الِاسْتِعْداداتِ المُقَرِّبَةِ إيّاكم إلَيْهِ بِإخْراجِهِ إلى الفِعْلِ.
( ﴿إلى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ ) في عَيْنِ جَمْعِ الوُجُودِ عَلى حَسَبِ المَراتِبِ ( ﴿فَيُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ ) وذَلِكَ بِإظْهارِ آثارِ ما يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الِاخْتِلافُ ( ﴿وأنِ احْكم بَيْنَهُمْ﴾ ) حَسَبَ ما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ، ويَقْبَلُهُ الِاسْتِعْدادُ ( ﴿بِما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ ) إلَيْكَ مِنَ القُرْآنِ الجامِعِ لِلظّاهِرِ والباطِنِ ( ﴿ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهم واحْذَرْهم أنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ ) فَتُقْصَرُ عَلى الظّاهِرِ البَحْتِ، أوِ الباطِنِ المَحْضِ، وتَنْفِي الآخَرَ ( ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا فاعْلَمْ أنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُصِيبَهم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ ) كَذَنْبِ حَجْبِ الأفْعالِ لِلْيَهُودِ، وذَنْبِ حَجْبِ الصِّفاتِ لِلنَّصارى ( وإنَّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ لَفاسِقُونَ ) وأنْواعُ الفِسْقِ مُخْتَلِفَةٌ، فَفِسْقُ اليَهُودِ خُرُوجُهم عَنْ حُكْمِ تَجَلِّياتِ الأفْعالِ الإلَهِيَّةِ، بِرُؤْيَةِ (p-166)النَّفْسِ أفْعالَها، وفِسْقُ النَّصارى خُرُوجُهم عَنْ حُكْمِ تَجَلِّياتِ الصِّفاتِ الحَقّانِيَّةِ، بِرُؤْيَةِ النَّفْسِ صِفاتِها، والفِسْقُ الَّذِي يَعْتَرِي بَعْضَ هَذِهِ الأُمَّةِ الِالتِفاتُ إلى ذَواتِهِمْ، والخُرُوجُ عَنْ حُكْمِ الوَحْدَةِ الذّاتِيَّةِ ( ﴿أفَحُكْمَ الجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ ) وهو الحُكْمُ الصّادِرُ عَنْ مَقامِ النَّفْسِ بِالجَهْلِ، لا عَنْ عِلْمٍ إلَهِيٍّ ( ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكم عَنْ دِينِهِ﴾ ) الحَقِّ، فَيَحْتَجِبُ بِبَعْضِ الحُجُبِ ( ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ﴾ ) في الأزَلِ لا لِعِلَّةٍ ( ﴿ويُحِبُّونَهُ﴾ ) كَذَلِكَ، ومَرْجِعُ المَحَبَّةِ الَّتِي لا تَتَغَيَّرُ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ الذّاتُ دُونَ الصِّفاتِ، كَما قالَهُ الواسِطِيُّ، وطَعَنَ فِيهِ - كَما قَدَّمْنا – الزَّمَخْشَرِيُّ، وحَيْثُ أحَبَّهم - ولَمْ يَكُونُوا إلّا في العِلْمِ - كانَ المُحِبُّ والمَحْبُوبُ واحِدًا في عَيْنِ الجَمْعِ.
وقالَ السُّلَمِيُّ: إنَّهم بِفَضْلِ حُبِّهِ لَهُمُ أحَبُّوهُ، وإلّا فَمِن أيْنَ لَهُمُ المَحَبَّةُ لِلَّهِ تَعالى، وما لِلتُّرابِ ورَبِّ الأرْبابِ! وشَرْطُ الحُبِّ - كَما قالَ - أنْ يَلْحَقَهُ سَكَراتُ المَحَبَّةِ، وإلّا فَلَيْسَ بِحُبٍّ حَقِيقَةً، وقالَتْ أعْرابِيَّةٌ في صِفَةِ الحُبِّ: خَفِيَ أنْ يُرى، وجَلَّ أنْ يَخْفى، فَهو كامِنٌ كَكُمُونِ النّارِ في الحَجَرِ، إنْ قَدَحْتَهُ أوْرى وإنْ تَرَكْتَهُ تَوارى، وإنْ لَمْ يَكُنْ شُعْبَةً مِنَ الجُنُونِ فَهو عُصارَةُ السِّحْرِ، وهَذا شَأْنُ حُبِّ الحادِثِ، فَكَيْفَ شَأْنُ حُبِّ القَدِيمِ - جَلَّ شَأْنُهُ - والكَلامُ في ذَلِكَ طَوِيلٌ.
( ﴿أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ﴾ ) لِمَكانِ الجِنْسِيَّةِ الذّاتِيَّةِ، ورابِطَةِ المَحَبَّةِ الأزَلِيَّةِ، والمُناسَبَةِ الفِطْرِيَّةِ بَيْنَهم ( ﴿أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ﴾ ) المَحْجُوبِينَ لِضِدِّ ما ذُكِرَ ( ﴿يُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ) بِمَحْوِ صِفاتِهِمْ، وإفْناءِ ذَواتِهِمُ الَّتِي هي حُجُبُ المُشاهَدَةِ ( ﴿ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ ) لِفَرْطِ حُبِّهِمُ الَّذِي هو الرَّشادُ الأعْظَمُ لِلْمُتَّصَفِ بِهِ:
؎وإذا الفَتى عَرَفَ الرَّشادَ لِنَفْسِهِ هانَتْ عَلَيْهِ مَلامَةُ العُزّالِ
بَلْ إذا صَدَقَتِ المَحَبَّةُ التَذَّ المُحِبُّ بِالمَلامَةِ، كَما قِيلَ:
؎أجِدُ المَلامَةَ في هَواكَ لَذِيذَةً ∗∗∗ حُبًّا لِذِكْرِكَ فَلْيَلُمْنِي اللُّوَّمُ
( ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ﴾ ) الَّذِي لا يُدْرَكُ شَأْوُهُ ( ﴿يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ﴾ ) مِن عِبادِهِ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمُ العِنايَةُ الإلَهِيَّةِ ( ﴿واللَّهُ واسِعٌ﴾ ) الفَضْلِ ( ﴿عَلِيمٌ﴾ ) حَيْثُ يَجْعَلُ فَضْلَهُ، نَسْألُ اللَّهَ تَعالى أنْ يَمُنَّ عَلَيْنا بِفَضْلِهِ الواسِعِ، وجُودِهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مانِعٌ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَن یَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِینِهِۦ فَسَوۡفَ یَأۡتِی ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ یُحِبُّهُمۡ وَیُحِبُّونَهُۥۤ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ یُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا یَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَاۤىِٕمࣲۚ ذَ ٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق