الباحث القرآني
ولَمّا نَهى عَنْ مُوالاتِهِمْ؛ وأخْبَرَ أنَّ فاعِلَها مِنهُمْ؛ نَفى المَجازَ؛ مُصَرِّحًا بِالمَقْصُودِ؛ فَقالَ - مُظْهِرًا لِنَتِيجَةِ ما سَبَقَ -: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ (p-١٩١)؛ أيْ: أقَرُّوا بِالإيمانِ؛ ”مَن يُوالِهِمْ مِنكُمْ“؛ هَكَذا كانَ الأصْلُ؛ ولَكِنَّهُ صَرَّحَ بِأنَّ ذَلِكَ تَرْكُ الدِّينَ؛ فَقالَ: ﴿مَن يَرْتَدَّ﴾؛ ولَوْ عَلى وجْهٍ خَفِيٍّ - بِما أشارَ إلَيْهِ الإدْغامُ في قِراءَةِ مَن سِوى المَدَنِيِّينَ؛ وابْنِ عامِرٍ - ﴿مِنكم عَنْ دِينِهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي مَعْناهُ مُوالاةُ أوْلِياءِ اللَّهِ؛ ومُعاداةُ أعْداءِ اللَّهِ؛ فَيُوالُونَ أعْداءَهُ؛ ويَتْرُكُونَ أوْلِياءَهُ؛ فَيُبْغِضُهُمُ اللَّهُ؛ ويُبْغِضُونَهُ؛ ويَكُونُونَ أعِزَّةً عَلى المُؤْمِنِينَ؛ أذِلَّةً عَلى الكافِرِينَ؛ فاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُمْ؛ ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الغِنى المُطْلَقُ؛ والعَظَمَةُ البالِغَةُ؛ مَكانَهُمْ؛ وإنْ طالَ المَدى؛ بِوَعْدٍ صادِقٍ لا خُلْفَ فِيهِ؛ ﴿بِقَوْمٍ﴾؛ أيْ: يَكُونُ حالُهم ضِدَّ حالِهِمْ؛ يَثْبُتُونَ عَلى دِينِهِمْ؛ وهم أبُو بَكْرٍ؛ والتّابِعُونَ لَهُ بِإحْسانٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم.
ولَمّا كانَتْ مَحَبَّتُهُ أصْلَ كُلِّ سَعادَةٍ؛ قَدَّمَها؛ فَقالَ: ﴿يُحِبُّهُمْ﴾؛ فَيُثَبِّتُهم عَلَيْهِ؛ ويُثِيبُهم بِكَرَمِهِ أحْسَنَ الثَّوابِ؛ ﴿ويُحِبُّونَهُ﴾؛ فَيَثْبُتُونَ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ وصَفَهم بِما يُبَيِّنُ ذَلِكَ؛ فَقالَ: ﴿أذِلَّةٍ﴾؛ وهو جَمْعُ ”ذَلِيلٌ“؛ ولَمّا كانَ ذُلُّهم هَذا إنَّما هو الرِّفْقُ ولِينُ الجانِبِ؛ لا الهَوانُ؛ كانَ في الحَقِيقَةِ عِزًّا؛ فَأشارَ إلَيْهِ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلاءِ؛ مُضَمِّنًا لَهُ مَعْنى الشَّفَقَةِ؛ فَقالَ - مُبَيِّنًا أنَّ تَواضُعَهم عَنْ عُلُوِّ مَنصِبٍ؛ وشَرَفٍ -: ﴿عَلى المُؤْمِنِينَ﴾؛ أيْ: لِعِلْمِهِمْ أنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُمْ؛ ﴿أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ﴾؛ أيْ: يُظْهِرُونَ الغِلْظَةَ والشِّدَّةَ عَلَيْهِمْ؛ لِعِلْمِهِمْ أنَّ اللَّهَ خاذِلُهُمْ؛ ومُهْلِكُهُمْ؛ وإنِ اشْتَدَّ أمْرُهُمْ؛ وظَهَرَ عُلُوُّهُمْ؛ وقَهْرُهُمْ؛ فالآيَةُ (p-١٩٢)مِنَ الِاحْتِباكِ: حَذَفَ أوَّلًا البُغْضَ؛ وما يُثْمِرُهُ؛ لِدَلالَةِ الحُبِّ عَلَيْهِ؛ وحَذَفَ ثانِيًا الثَّباتَ؛ لِدَلالَةِ الرِّدَّةِ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿يُجاهِدُونَ﴾؛ أيْ: يُوقِعُونَ الجِهادَ عَلى الِاسْتِمْرارِ لِمَن يَسْتَحِقُّهُ؛ مِن غَيْرِ مَلالٍ؛ ولا تَكَلُّفٍ؛ كالمُنافِقِينَ؛ وحَذَفَ المَفْعُولَ تَعْمِيمًا؛ ودَلَّ عَلَيْهِ مُؤْذِنًا بِأنَّ الطّاعَةَ مُحِيطَةٌ بِهِمْ؛ فَقالَ: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أيْ: طَرِيقِ المَلِكِ الأعْظَمِ؛ الواسِعِ المُسْتَقِيمِ؛ الواضِحِ؛ لا لِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ؛ كالمُنافِقِينَ.
ولَمّا كانَ المُنافِقُونَ يَخْرُجُونَ في الجِهادِ؛ فَصَلَهم مِنهم بِقَوْلِهِ: ﴿ولا﴾؛ أيْ: والحالُ أنَّهم لا ﴿يَخافُونَ لَوْمَةَ﴾؛ أيْ: واحِدَةً مِن لَوْمِ ﴿لائِمٍ﴾؛ وإنْ كانَتْ عَظِيمَةً؛ وكانَ هو عَظِيمًا؛ فَبِسَبَبِ ذَلِكَ هم صِلابٌ في دِينِهِمْ؛ إذا شَرَعُوا في أمْرٍ مِن أُمُورِ الدِّينِ - أمْرٍ بِالمَعْرُوفِ؛ أوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ - كانُوا كالمَسامِيرِ المُحْماةِ؛ لا يُرَوِّعُهم قَوْلُ قائِلٍ؛ ولا اعْتِراضُ مُعْتَرِضٍ؛ ويَفْعَلُونَ في الجِهادِ في ذَلِكَ جَمِيعَ ما تَصِلُ قُدْرَتُهُمْ؛ وتَبْلُغُ قُوَّتُهم إلَيْهِ؛ مِن إنْكالِ الأعْداءِ؛ وإهانَتِهِمْ؛ ومُناصَرَةِ الأوْلِياءِ؛ ومُعاضَدَتِهِمْ؛ ولَيْسُوا كالمُنافِقِينَ يَخافُونَ لَوْمَةَ أوْلِيائِهِمْ مِنَ اليَهُودِ؛ فَلا يَفْعَلُونَ؛ وإنْ كانُوا مَعَ المُؤْمِنِينَ؛ شَيْئًا يُنْكِيهِمْ.
ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الأوْصافُ مِنَ العُلُوِّ في رُتَبِ المَدْحِ بِمَكانٍ لا يُلْحَقُ؛ قالَ - مُشِيرًا إلَيْها بِأداةِ البُعْدِ؛ واسْمِ المُذَكَّرِ -: ﴿ذَلِكَ﴾؛ أيْ: الَّذِي تَقَدَّمَ مِن (p-١٩٣)أوْصافِهِمُ العالِيَةِ؛ ﴿فَضْلُ اللَّهِ﴾؛ أيْ: الحاوِي لِكُلِّ كَمالٍ؛ ﴿يُؤْتِيهِ﴾؛ أيْ: اللَّهُ؛ لِأنَّهُ خالِقٌ لِجَمِيعِ أفْعالِ العِبادِ؛ ﴿مَن يَشاءُ﴾؛ أيْ: فَلْيَبْذُلِ الإنْسانُ كُلَّ الجُهْدِ في طاعَتِهِ؛ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ هَذا النَّظَرَ بِرَحْمَتِهِ؛ ﴿واللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ الكامِلَةُ؛ ﴿واسِعٌ﴾؛ أيْ: مُحِيطٌ بِجَمِيعِ أوْصافِ الكَمالِ؛ فَهو يُعْطِي مِن سَعَةٍ لَيْسَ لَها حَدٌّ؛ ولا يَلْحَقُها أصْلًا نَقْصٌ؛ ﴿عَلِيمٌ﴾؛ أيْ: بالِغُ العِلْمِ بِمَن يَسْتَحِقُّ الخَيْرَ؛ ومَن يَسْتَوْجِبُ غَيْرَهُ؛ وبِكُلِّ ما يُمْكِنُ عِلْمُهُ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَن یَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِینِهِۦ فَسَوۡفَ یَأۡتِی ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ یُحِبُّهُمۡ وَیُحِبُّونَهُۥۤ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ یُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا یَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَاۤىِٕمࣲۚ ذَ ٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق