الباحث القرآني

قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ إنَّهم لَمَعَكم حَبِطَتْ أعْمالُهم فَأصْبَحُوا خاسِرِينَ﴾ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكم عن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ يُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهُ ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهُ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ واللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ اِخْتَلَفَ القُرّاءُ في هَذِهِ الآيَةِ؛ فَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ وابْنُ عامِرٍ ؛ ونافِعٌ: "يَقُولُ"؛ بِغَيْرِ واوِ عَطْفٍ؛ وبِرَفْعِ اللامِ؛ وكَذَلِكَ ثَبَتَ في مَصاحِفِ المَدِينَةِ؛ ومَكَّةَ؛ وقَرَأ حَمْزَةُ ؛ والكِسائِيُّ ؛ وعاصِمٌ: "وَيَقُولُ"؛ بِإثْباتِ الواوِ؛ وكَذَلِكَ ثَبَتَ في مَصاحِفِ الكُوفِيِّينَ؛ (p-١٩٤)وَقالَ الطَبَرِيُّ: كَذَلِكَ هي في مَصاحِفِنا؛ مَصاحِفِ أهْلِ الشَرْقِ؛ وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وحْدَهُ: "وَيَقُولَ"؛ بِإثْباتِ الواوِ؛ وبِنَصْبِ اللامِ؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: ورَوى عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ عن أبِي عَمْرٍو النَصْبَ؛ والرَفْعَ في اللامِ؛ فَأمّا قِراءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ ؛ ونافِعٍ ؛ فَمُتَعاضِدَةٌ مَعَ قِراءَةِ حَمْزَةَ ؛ والكِسائِيِّ ؛ لِأنَّ الواوَ لَيْسَتْ عاطِفَةَ مُفْرَدٍ عَلى مُفْرَدٍ؛ مُشْرِكَةً في العامِلِ؛ وإنَّما هي عاطِفَةُ جُمْلَةٍ عَلى جُمْلَةٍ؛ وواصِلَةٌ بَيْنَهُما؛ والجُمْلَتانِ مُتَّصِلَتانِ بِغَيْرِ واوٍ؛ إذْ في الجُمْلَةِ الثانِيَةِ ذِكْرٌ مِنَ الجُمْلَةِ المَعْطُوفِ عَلَيْها؛ إذِ الَّذِينَ يُسارِعُونَ؛ وقالُوا: نَخْشى؛ ويُصْبِحُونَ نادِمِينَ هُمُ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ: ﴿أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ﴾ ؛ فَلَمّا كانَتِ الجُمْلَتانِ هَكَذا حَسُنَ العَطْفُ بِالواوِ؛ وبِغَيْرِ الواوِ؛ كَما أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهم كَلْبُهم ويَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهم كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢] ؛ لَمّا كانَ في كُلِّ واحِدَةٍ مِنَ الجُمْلَتَيْنِ ذِكْرٌ مِمّا تَقَدَّمَ؛ اكْتُفِيَ بِذَلِكَ عَنِ الواوِ؛ وعَلى هَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ النارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [البقرة: ٣٩] ؛ ولَوْ دَخَلَتِ الواوُ؛ فَقِيلَ: "وَهم فِيها خالِدُونَ"؛ كانَ حَسَنًا. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ولَكِنَّ بَراعَةَ الفَصاحَةِ في الإيجازِ؛ ويَدُلُّ عَلى حُسْنِ دُخُولِ الواوِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وثامِنُهم كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢] ؛ فَحَذْفُ الواوِ مِن قَوْلِهِ: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ؛ كَحَذْفِها مِن هَذِهِ الآيَةِ؛ وإلْحاقِها في قَوْلِهِ "ثامِنُهُمْ". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ إلى أنَّ هَذا القَوْلَ مِنَ المُؤْمِنِينَ إنَّما هو إذا جاءَ الفَتْحُ؛ وحَصَلَتْ نَدامَةُ المُنافِقِينَ؛ وفَضَحَهُمُ اللهُ تَعالى؛ فَحِينَئِذٍ يَقُولُ المُؤْمِنُونَ: ﴿أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمُوا﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ وتَحْتَمِلُ الآيَةُ أنْ تَكُونَ حِكايَةً لِقَوْلِ المُؤْمِنِينَ في وقْتِ قَوْلِ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: ﴿نَخْشى أنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ﴾ [المائدة: ٥٢] ؛ وعِنْدَ أفْعالِهِمْ ما فَعَلُوا في حِكايَةِ بَنِي قَيْنُقاعٍ؛ فَظَهَرَ فِيها سِرُّهُمْ؛ وفُهِمَ مِنهم أنَّ تَمَسُّكَهم بِهِمْ إنَّما هو إرْصادٌ لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ؛ فَمَقَتَهُمُ النَبِيُّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - والمُؤْمِنُونَ؛ وتَرَكَ النَبِيُّ بَنِي قَيْنُقاعٍ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ رَغْبَةً في المَصْلَحَةِ والأُلْفَةِ؛ وبِحُكْمِ إظْهارِ عَبْدِ اللهِ أنَّ ذَلِكَ هو الرَأْيُ مِن نَفْسِهِ؛ وأنَّ الدَوائِرَ الَّتِي يَخافُ (p-١٩٥)إنَّما هي ما يُخَرِّبُ المَدِينَةَ؛ وعَلِمَ المُؤْمِنُونَ؛ وكُلٌّ فَطِنَ أنَّ عَبْدَ اللهِ في ذَلِكَ بِخِلافِ ما أبْدى؛ فَصارَ ذَلِكَ مَوْطِنًا يَحْسُنُ أنْ يَقُولَ فِيهِ المُؤْمِنُونَ: ﴿أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمُوا﴾ ؛ اَلْآيَةَ. وأمّا قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو: "وَيَقُولَ" بِنَصْبِ اللامِ فَلا يُتَّجَهُ مَعَها أنْ يَكُونَ قَوْلُ المُؤْمِنِينَ إلّا عِنْدَ الفَتْحِ؛ وظُهُورِ نَدامَةِ المُنافِقِينَ؛ وفَضِيحَتِهِمْ؛ لِأنَّ الواوَ عاطِفَةُ فِعْلٍ عَلى فِعْلٍ؛ مُشْرِكَةٌ في العامِلِ؛ وتَوَجُّهُ عَطْفِ "وَيَقُولَ"؛ مُطَّرِدٌ عَلى ثَلاثَةِ أوجُهٍ؛ أحَدُها: عَلى المَعْنى؛ وذَلِكَ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَعَسى اللهُ أنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ﴾ [المائدة: ٥٢] ؛ إنَّما المَعْنى فِيهِ: "فَعَسى اللهُ أنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ"؛ بِعَطْفِ قَوْلِهِ: "وَيَقُولَ"؛ عَلى "يَأْتِيَ"؛ اِعْتِمادًا عَلى المَعْنى؛ وإلّا فَلا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: "عَسى اللهُ أنْ يَقُولَ: اَلْمُؤْمِنُونَ"؛ وهَكَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَوْلا أخَّرْتَنِي إلى أجَلٍ قَرِيبٍ فَأصَّدَّقَ وأكُنْ﴾ [المنافقون: ١٠] ؛ لَما كانَ المَعْنى: "أخِّرْنِي إلى أجَلٍ قَرِيبٍ؛ أصَّدَّقْ"؛ وحُمِلَ "وَأكُنْ"؛ عَلى الجَزْمِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ المَعْنى في قَوْلِهِ: "فَأصَّدَّقَ"؛ والوَجْهُ الثانِي: أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: "أنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ"؛ بَدَلًا مِنَ اسْمِ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ -؛ كَما أُبْدِلَ مِنَ الضَمِيرِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما أنْسانِيهُ إلا الشَيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣] ؛ ثُمَّ يُعْطَفُ "وَيَقُولَ"؛ عَلى: "أنْ يَأْتِيَ"؛ لِأنَّهُ حِينَئِذٍ كَأنَّكَ قُلْتَ: "عَسى أنْ يَأْتِيَ"؛ والوَجْهُ الثالِثُ: أنْ يُعْطَفَ قَوْلُهُ: "وَيَقُولَ"؛ عَلى "فَيُصْبِحُوا"؛ إذْ هو فِعْلٌ مَنصُوبٌ بِالفاءِ في جَوابِ التَمَنِّي؛ إذْ قَوْلُهُ: "عَسى اللهُ"؛ تَمَنٍّ وتَرَجٍّ في حَقِّ البَشَرِ؛ وفي هَذا الوَجْهِ نَظَرٌ؛ وكَذَلِكَ عِنْدِي في مَنعِهِمْ جَوازِ: "عَسى اللهُ أنْ يَقُولَ المُؤْمِنُونَ"؛ نَظَرٌ؛ إذِ اللهُ تَعالى يُصَيِّرُهم يَقُولُونَ بِنَصْرِهِ؛ وإظْهارِ دِينِهِ؛ فَيَنْبَغِي أنْ يَجُوزَ ذَلِكَ اعْتِمادًا عَلى المَعْنى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿جَهْدَ أيْمانِهِمْ﴾ ؛ نُصِبَ "جَهْدَ"؛ عَلى المَصْدَرِ المُؤَكَّدِ؛ والمَعْنى: (p-١٩٦)"أهَؤُلاءِ هُمُ المُقْسِمُونَ بِاجْتِهادٍ مِنهم في الأيْمانِ: إنَّهم لَمَعَكُمْ؟ ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ الآنَ مِنهم مِن مُوالاةِ اليَهُودِ؛ وخَذْلِ الشَرِيعَةِ ما يُكَذِّبُ إيمانَهُمْ"؛ ويَحْتَمِلُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَبِطَتْ أعْمالُهُمْ﴾ ؛ أنْ يَكُونَ إخْبارًا مِنَ اللهِ تَعالى؛ ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مِن قَوْلِ المُؤْمِنِينَ؛ عَلى جِهَةِ الإخْبارِ بِما حَصَلَ في اعْتِقادِهِمْ؛ إذْ رَأوُا المُنافِقِينَ في هَذِهِ الأحْوالِ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿حَبِطَتْ أعْمالُهُمْ﴾ ؛ عَلى جِهَةِ الدُعاءِ؛ إمّا مِنَ اللهِ تَعالى عَلَيْهِمْ؛ وإمّا مِنَ المُؤْمِنِينَ؛ وحَبِطَ العَمَلُ: إذا بَطَلَ بَعْدَ أنْ كانَ حاصِلًا؛ وقَدْ يُقالُ: "حَبِطَ"؛ في عَمَلِ الكُفّارِ؛ وإنْ كانَ لَمْ يُتَحَصَّلْ عَلى جِهَةِ التَشْبِيهِ؛ وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "حَبِطَتْ"؛ بِكَسْرِ الباءِ؛ وقَرَأ أبُو واقِدٍ؛ والجَرّاحُ: بِفَتْحِ الباءِ؛ وهي لُغَةٌ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكم عن دِينِهِ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ قالَ فِيها الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ؛ ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ ؛ والضَحّاكُ ؛ وقَتادَةُ: نَزَلَتِ الآيَةُ خِطابًا لِلْمُؤْمِنِينَ عامَّةً إلى يَوْمِ القِيامَةِ؛ والإشارَةُ بِالقَوْمِ الَّذِينَ يَأْتِي بِهِمْ إلى أبِي بَكْرٍ الصِدِّيقِ - رَضِيَ اللهُ عنهُ - وأصْحابِهِ الَّذِينَ قاتَلُوا أهْلَ الرِدَّةِ؛ وقالَ هَذا القَوْلَ ابْنُ جُرَيْجٍ وغَيْرُهُ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ومَعْنى الآيَةِ عِنْدِي أنَّ اللهَ وعَدَ هَذِهِ الأُمَّةَ: مَنِ ارْتَدَّ مِنها فَإنَّهُ يَجِيءُ بِقَوْمٍ يَنْصُرُونَ الدِينَ؛ ويُغْنُونَ عَنِ المُرْتَدِّينَ؛ فَكانَ أبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُ - وأصْحابُهُ مِمَّنْ صَدَقَ فِيهِمُ الخَبَرُ في ذَلِكَ العَصْرِ؛ وكَذَلِكَ هو عِنْدِي أمْرُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عنهُ - مَعَ الخَوارِجِ؛ ورَوى أبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ أنَّهُ «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَرَأها النَبِيُّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وقالَ: "هم قَوْمُ هَذا"؛» يَعْنِي أبا مُوسى الأشْعَرِيَّ ؛ وقالَ هَذا القَوْلَ عِياضٌ؛ وقالَ شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -: أنا وقَوْمِي هم يا رَسُولَ اللهِ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: "لا؛ ولَكِنَّهم قَوْمُ هَذا"؛ وأشارَ إلى أبِي مُوسى»؛ وقالَ مُجاهِدٌ ؛ ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ أيْضًا: اَلْإشارَةُ إلى أهْلِ اليَمَنِ؛ وقالَهُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ. (p-١٩٧)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا كُلُّهُ عِنْدِي قَوْلٌ واحِدٌ؛ لِأنَّ أهْلَ اليَمَنِ هم قَوْمُ أبِي مُوسى ؛ ومَعْنى الآيَةِ عَلى هَذا القَوْلِ مُخاطَبَةُ جَمِيعِ مَن حَضَرَ عَصْرَ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - عَلى مَعْنى التَنْبِيهِ لَهُمْ؛ والعِتابِ والتَوَعُّدِ؛ وقالَ السُدِّيُّ: اَلْإشارَةُ بِالقَوْمِ إلى الأنْصارِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا عَلى أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ؛ خِطابًا لِلْمُؤْمِنِينَ الحاضِرِينَ؛ يَعُمُّ مُؤْمِنَهم ومُنافِقَهُمْ؛ لِأنَّ المُنافِقِينَ كانُوا يُظْهِرُونَ الإيمانَ؛ والإشارَةُ بِالِارْتِدادِ إلى المُنافِقِينَ؛ والمَعْنى: أنَّ مَن نافَقَ وارْتَدَّ فَإنَّ المُحَقِّقِينَ مِنَ الأنْصارِ يَحْمُونَ الشَرِيعَةَ؛ ويَسُدُّ اللهُ بِهِمْ كُلَّ ثَلْمٍ؛ وقَرَأ أبُو عَمْرٍو ؛ وابْنُ كَثِيرٍ ؛ وحَمْزَةُ ؛ والكِسائِيُّ ؛ وعاصِمٌ: "يَرْتَدَّ"؛ بِإدْغامِ الدالِ في الدالِ؛ وقَرَأ نافِعٌ ؛ وابْنُ عامِرٍ: "يَرْتَدِدْ"؛ بِتَرْكِ الإدْغامِ؛ وهَذِهِ لُغَةُ الحِجازِ "مَكَّةَ وما جاوَرَها"؛ والإدْغامُ لُغَةُ تَمِيمٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ﴾ ؛ مَعْناهُ: مُتَذَلِّلِينَ مِن قِبَلِ أنْفُسِهِمْ؛ غَيْرِ مُتَكَبِّرِينَ؛ وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩] ؛ وكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -: "اَلْمُؤْمِنُ هَيِّنٌ لَيِّنٌ"؛ وفي قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ غُلَظاءَ عَلى الكافِرِينَ". وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ ؛ إشارَةٌ إلى الرَدِّ عَلى المُنافِقِينَ في أنَّهم كانُوا يَعْتَذِرُونَ بِمَلامَةِ الأخْلاقِ والمَعارِفِ مِنَ الكُفّارِ؛ ويُراعُونَ أمْرَهُمْ؛ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ﴾ ؛ اَلْإشارَةُ بِـ "ذَلِكَ" إلى كَوْنِ القَوْمِ يُحِبُّونَ اللهَ ويُحِبُّهُمْ؛ وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ غَيْرَ مَرَّةٍ في مَعْنى مَحَبَّةِ اللهِ لِلْعَبْدِ؛ وأنَّها إظْهارُ النِعَمِ المُنْبِئَةِ عن رِضاهُ عنهُ؛ وإلْباسُهُ إيّاها؛ و"واسِعٌ"؛ مَعْناهُ: ذُو سَعَةٍ فِيما يَمْلِكُ ويُعْطِي ويُنْعِمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب