الباحث القرآني

وصفهم بست صفات: أحدها: محبتهم له. والثانية: محبته لهم. والثالثة: ذلُّهم ولينُهم على أوليائه. والرابعة: عِزّهم وشدّتهم على أعدائه. والخامسة: جهادهم في سبيله. والسادسة: احتمالهم لومَ الخلق لهم على ذلك، وأنهم ليسوا ممن يصدُّه الكلامُ والعَذْلُ عن الجهاد في سبيل الله، وأنهم ليسوا بمنزلة مَن يحتمل الملام والعذل في محبة ما لا يحبه الله، ولا بمنزلة مَن أظهر من مكروهات الرب تبارك وتعالى ما يُلامون عليه، ويُسمّون بالملامتية إظهارًا منهم لما يُلامون عليه في الظاهر، وهم مُنطَوون في الباطن على الصدق والإخلاص، سترًا لحالهم عن الناس، فهم فعلوا ذلك لعدم احتمالهم الملامَ، والأولون احتملوا الملام فيما لا يحبه الله، وأحبّاء الله فعلوا ما أحبَّه الله، ولم تأخذهم فيه لومة لائم. فالأقسام ثلاثة: أحدها: مَن يصدُّه اللوم عن مَحابِّ الله. والثاني: مَن لا تأخذه في محبة الله لومة لائم. والثالث: من يُظهِر ما يُلام عليه إخفاءً لقيامه بمحابِّ الله. فالأول مفرِّط، والثالث مؤمن ضعيف، والوسط هو الوسط الخيار، وهو المؤمن القوي، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وأعلى ما يحبه الله ورسوله الجهاد في سبيل الله، واللائمون عليه كثير، إذ أكثرُ النفوس تكرهه، واللائمون عليه ثلاثة أقسام: منافق، ومخذِّل مفتِّر للهمة، ومُرجِف مُضعِف للقوة والقدرة. * [فَصْلٌ المَحَبَّةُ المَحْمُودَةُ والمَحَبَّةُ المَذْمُومَةُ] وَلَمّا كانَتِ المَحَبَّةُ جِنْسًا تَحْتَهُ أنْواعٌ مُتَفاوِتَةٌ في القَدْرِ والوَصْفِ، كانَ أغْلَبَ ما يُذْكَرُ فِيها في حَقِّ اللَّهِ تَعالى ما يُخْتَصُّ بِهِ ويَلِيقُ بِهِ مِن أنْواعِها، وما لا تَصْلُحُ إلّا لَهُ وحْدَهُ، مِثْلَ العِبادَةِ والإنابَةِ ونَحْوِها، فَإنَّ العِبادَةَ لا تَصْلُحُ إلّا لَهُ وحْدَهُ، وكَذا الإنابَةُ، وقَدْ ذَكَرَ المَحَبَّةَ بِاسْمِها المُطْلَقِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ﴾. وَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أنْدادًا يُحِبُّونَهم كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٦٥]. وَأعْظَمُ أنْواعِ المَحَبَّةِ المَذْمُومَةِ: المَحَبَّةُ مَعَ اللَّهِ الَّتِي يُسَوِّي المُحِبُّ فِيها بَيْنَ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ ومَحَبَّتِهِ لِلنِّدِّ الَّذِي اتَّخَذَهُ مِن دُونِهِ. وَأعْظَمُ أنْواعِها المَحْمُودَةِ: مَحَبَّةُ اللَّهِ وحْدَهُ، وهَذِهِ المَحَبَّةُ هي أصْلُ السَّعادَةِ ورَأْسُها الَّتِي لا يَنْجُو أحَدٌ مِنَ العَذابِ إلّا بِها، والمَحَبَّةُ المَذْمُومَةُ الشِّرْكِيَّةُ هي أصْلُ الشَّقاوَةِ ورَأْسُها الَّتِي لا يَبْقى في العَذابِ إلّا أهْلُها، فَأهْلُ المَحَبَّةِ الَّذِينَ أحَبُّوا اللَّهَ وعَبَدُوهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لا يَدْخُلُونَ النّارَ، ومَن دَخَلَها مِنهم بِذُنُوبِهِ فَإنَّهُ لا يَبْقى فِيها مِنهم أحَدٌ. وَمَدارُ القُرْآنِ عَلى الأمْرِ بِتِلْكَ المَحَبَّةِ ولَوازِمِها، والنَّهْيِ عَنِ المَحَبَّةِ الأُخْرى ولَوازِمِها، وضَرَبَ الأمْثالَ والمَقايِيسَ لِلنَّوْعَيْنِ، وذَكَرَ قَصَصَ النَّوْعَيْنِ، وتَفْصِيلَ أعْمالِ النَّوْعَيْنِ وأوْلِيائِهِمْ ومَعْبُودَ كُلٍّ مِنهُما، وإخْبارِهِ عَنْ فِعْلِهِ بِالنَّوْعَيْنِ، وعَنْ حالِ النَّوْعَيْنِ في الدُّورِ الثَّلاثَةِ: دارِ الدُّنْيا، ودارِ البَرْزَخِ، ودارِ القَرارِ، والقُرْآنُ جاءَ في شَأْنِ النَّوْعَيْنِ. وَأصْلُ دَعْوَةِ جَمِيعِ الرُّسُلِ مِن أوَّلِهِمْ إلى آخِرِهِمْ، إنَّما هي عِبادَةُ اللَّهِ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، المُتَضَمِّنَةُ لِكَمالِ حُبِّهِ، وكَمالِ الخُضُوعِ والذُّلِّ لَهُ، والإجْلالِ والتَّعْظِيمِ، ولَوازِمِ ذَلِكَ مِنَ الطّاعَةِ والتَّقْوى. وَقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ أنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أحَدُكم حَتّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنّاسِ أجْمَعِينَ». وَفِي صَحِيحِ البُخارِيِّ أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: «يا رَسُولَ اللَّهِ واللَّهِ لَأنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شَيْءٍ إلّا مِن نَفْسِي، فَقالَ: لا يا عُمَرُ حَتّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ، قالَ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَأنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، قالَ: الآنَ يا عُمَرُ». فَإذا كانَ هَذا شَأْنَ مَحَبَّةِ عَبْدِهِ ورَسُولِهِ ﷺ ووُجُوبِ تَقْدِيمِها عَلى مَحَبَّةِ نَفْسِ الإنْسانِ ووَلَدِهِ ووالِدِهِ والنّاسِ أجْمَعِينَ، فَما الظَّنُّ بِمَحَبَّةِ مُرْسِلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، ووُجُوبِ تَقْدِيمِها عَلى مَحَبَّةِ ما سِواهُ؟ وَمَحَبَّةُ الرَّبِّ سُبْحانَهُ تَخْتَصُّ عَنْ مَحَبَّةِ غَيْرِهِ في قَدْرِها وصِفَتِها وإفْرادِهِ سُبْحانَهُ بِها: فَإنَّ الواجِبَ لَهُ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ أنْ يَكُونَ أحَبَّ إلى العَبْدِ مِن ولَدِهِ ووالِدِهِ، بَلْ مِن سَمْعِهِ وبَصَرِهِ ونَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، فَيَكُونُ إلَهُهُ الحَقُّ ومَعْبُودُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ، والشَّيْءُ قَدْ يُحَبُّ مِن وجْهٍ دُونَ وجْهٍ، وقَدْ يُحَبُّ بِغَيْرِهِ، ولَيْسَ شَيْءٌ يُحَبُّ لِذاتِهِ مِن كُلِّ وجْهٍ إلّا اللَّهَ وحْدَهُ، ولا تَصْلُحُ الأُلُوهِيَّةُ إلّا لَهُ، و﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلّا اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾ [الأنبياء: ٢٢]. والتَّألُّهُ: هو المَحَبَّةُ والطّاعَةُ والخُضُوعُ. * (فائدة) قالَ بَعْضُ السَّلَفِ: ادَّعى قَوْمٌ مَحَبَّةَ اللَّهِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ المِحْنَةِ ﴿قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١]. وَقالَ " ﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١] " إشارَةٌ إلى دَلِيلِ المَحَبَّةِ وثَمَرَتِها، وفائِدَتِها. فَدَلِيلُها وعَلامَتُها: اتِّباعُ الرَّسُولِ. وَفائِدَتُها وثَمَرَتُها: مَحَبَّةُ المُرْسَلِ لَكم. فَما لَمْ تَحْصُلِ المُتابَعَةُ. فَلَيْسَتْ مَحَبَّتُكم لَهُ حاصِلَةً. ومَحَبَّتُهُ لَكم مُنْتَفِيَةً. وَقالَ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكم عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ يُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ [المائدة: ٥٤] فَقَدْ ذَكَرَ لَهم أرْبَعَ عَلاماتٍ أحَدُها: أنَّهم أذِلَّةٌ عَلى المُؤْمِنِينَ قِيلَ: مَعْناهُ أرِقّاءُ، رُحَماءُ مُشْفِقُونَ عَلَيْهِمْ. عاطِفُونَ عَلَيْهِمْ. فَلَمّا ضَمَّنَ أذِلَّةً هَذا المَعْنى عَدّاهُ بِأداةِ " عَلى ". قالَ عَطاءٌ: لِلْمُؤْمِنِينَ كالوَلَدِ لِوالِدِهِ، والعَبْدِ لِسَيِّدِهِ. وعَلى الكافِرِينَ كالأسَدِ عَلى فَرِيسَتِهِ ﴿أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩]. العَلامَةُ الثّالِثَةُ: الجِهادُ في سَبِيلِ اللَّهِ بِالنَّفْسِ واليَدِ، واللِّسانِ والمالِ، وذَلِكَ تَحْقِيقُ دَعْوى المَحَبَّةِ. العَلامَةُ الرّابِعَةُ: أنَّهم لا تَأْخُذُهم في اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ. وهَذا عَلامَةُ صِحَّةِ المَحَبَّةِ فَكُلُّ مُحِبٍّ يَأْخُذُهُ اللَّوْمُ عَنْ مَحْبُوبِهِ فَلَيْسَ بِمُحِبٍّ عَلى الحَقِيقَةِ. كَما قِيلَ: ؎لا كانَ مَن لِسِواكَ فِيهِ بَقِيَّةٌ ∗∗∗ يَجِدُ السَّبِيلَ بِها إلَيْهِ اللُّوَمُ. * (فصل) قوله تعالى ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ﴾ لَمّا كانَ الذُّلُّ مِنهم ذُلَّ رَحْمَةٍ وعَطْفٍ وشَفَقَةٍ وإخْباتٍ عَدّاهُ بِأداةِ عَلى تَضْمِينًا لِمَعانِي هَذِهِ الأفْعالِ. فَإنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ ذُلَّ الهَوانِ الَّذِي صاحِبُهُ ذَلِيلٌ. وإنَّما هو ذُلُّ اللِّينِ والِانْقِيادِ الَّذِي صاحِبُهُ ذَلُولٌ، فالمُؤْمِنُ ذَلُولٌ. كَما في الحَدِيثِ «المُؤْمِنِ كالجَمَلِ الذَّلُولِ. والمُنافِقُ والفاسِقُ ذَلِيلٌ» وَأرْبَعَةٌ يَعْشَقُهُمُ الذُّلُّ أشَدَّ العِشْقِ: الكَذّابُ. والنَّمّامُ. والبَخِيلُ. والجَبّارُ. وَقَوْلُهُ: ﴿أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ﴾ هو مِن عِزَّةِ القُوَّةِ والمَنَعَةِ والغَلَبَةِ. قالَ عَطاءٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لِلْمُؤْمِنِينَ كالوالِدِ لِوَلَدِهِ. وعَلى الكافِرِينَ كالسَّبُعِ عَلى فَرِيسَتِهِ. كَما قالَ في الآيَةِ الأُخْرى ﴿أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩] وهَذا عَكْسُ حالِ مَن قِيلَ فِيهِمْ: ؎كِبْرًا عَلَيْنا، وجُبْنًا عَنْ عَدُوِّكُمُ ∗∗∗ لَبِئْسَتِ الخِلَّتانِ: الكِبْرُ، والجُبْنُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِن حَدِيثِ عِياضِ بْنِ حِمارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إنَّ اللَّهَ أوْحى إلَيَّ: أنْ تَواضَعُوا، حَتّى لا يَفْخَرَ أحَدٌ عَلى أحَدٍ. ولا يَبْغِيَ أحَدٌ عَلى أحَدٍ». وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا «ألا أُخْبِرُكم بِأهْلِ النّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ». وَفِي حَدِيثِ احْتِجاجِ الجَنَّةِ والنّارِ «أنَّ النّارَ قالَتْ: ما لِي لا يَدْخُلُنِي إلّا الجَبّارُونَ، والمُتَكَبِّرُونَ؟ وقالَتِ الجَنَّةُ: ما لِي لا يَدْخُلُنِي إلّا ضُعَفاءُ النّاسِ وسَقْطُهُمْ». وَهُوَ في الصَّحِيحِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أبِي سَعِيدٍ وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالا: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: العِزَّةُ إزارِي. والكِبْرِياءُ رِدائِي. فَمَن نازَعَنِي عَذَّبْتُهُ». وَفِي جامِعِ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لا يَزالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتّى يُكْتَبَ في دِيوانِ الجَبّارِينَ. فَيُصِيبُهُ ما أصابَهُمْ». «وَكانَ النَّبِيُّ ﷺ يَمُرُّ عَلى الصِّبْيانِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ». «وَكانَتِ الأمَةُ تَأْخُذُ بِيَدِهِ ﷺ. فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شاءَتْ.» «وَكانَ ﷺ إذا أكَلَ لَعِقَ أصابِعَهُ الثَّلاثَ». «وَكانَ ﷺ يَكُونُ في بَيْتِهِ في خِدْمَةِ أهْلِهِ، ولَمْ يَكُنْ يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ قَطُّ». وَكانَ ﷺ «يَخْصِفُ نَعْلَهُ، ويُرَقِّعُ ثَوْبَهُ، ويَحْلِبُ الشّاةَ لِأهْلِهِ، ويَعْلِفُ البَعِيرَ ويَأْكُلُ مَعَ الخادِمِ. ويُجالِسُ المَساكِينَ، ويَمْشِي مَعَ الأرْمَلَةِ واليَتِيمِ في حاجَتِهِما، ويَبْدَأُ مَن لَقِيَهُ بِالسَّلامِ، ويُجِيبُ دَعْوَةَ مَن دَعاهُ. ولَوْ إلى أيْسَرِ شَيْءٍ». «وَكانَ ﷺ هَيِّنَ المُؤْنَةِ، لَيِّنَ الخُلُقِ. كَرِيمَ الطَّبْعِ. جَمِيلَ المُعاشَرَةِ. طَلْقَ الوَجْهِ بَسّامًا، مُتَواضِعًا مِن غَيْرِ ذِلَّةٍ، جَوادًا مِن غَيْرِ سَرَفٍ، رَقِيقَ القَلْبِ رَحِيمًا بِكُلِّ مُسْلِمٍ خافِضَ الجَناحِ لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيِّنَ الجانِبِ لَهُمْ». وَقالَ ﷺ «ألا أُخْبِرُكم بِمَن يَحْرُمُ عَلى النّارِ - أوْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النّارُ - تَحْرُمُ عَلى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ» رَواهُ التِّرْمِذِيُّ. وقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقالَ: «لَوْ دُعِيتُ إلى ذِراعٍ - أوْ كُراعٍ - لَأجَبْتُ، ولَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِراعٌ - أوْ كُراعٌ - لَقَبِلْتُ» رَواهُ البُخارِيُّ. وَكانَ ﷺ «يَعُودُ المَرِيضَ. ويَشْهَدُ الجِنازَةَ. ويَرْكَبُ الحِمارَ، ويُجِيبُ دَعْوَةَ العَبْدِ». «وَكانَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ عَلى حِمارٍ مَخْطُومٍ بِحَبْلٍ مِن لِيفٍ عَلَيْهِ إكافٌ مِن لِيفٍ». * [فَصْلٌ: أنْواعُ المَحَبَّةِ] وَهاهُنا أرْبَعَةُ أنْواعٍ مِنَ المَحَبَّةِ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَها، وإنَّما ضَلَّ مَن ضَلَّ بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَها. أحَدُها: مَحَبَّةُ اللَّهِ، ولا تَكْفِي وحْدَها في النَّجاةِ مِن عَذابِ اللَّهِ والفَوْزِ بِثَوابِهِ، فَإنَّ المُشْرِكِينَ وعُبّادَ الصَّلِيبِ واليَهُودَ وغَيْرَهم يُحِبُّونَ اللَّهَ. الثّانِي: مَحَبَّةُ ما يُحِبُّ اللَّهُ، وهَذِهِ هي الَّتِي تُدْخِلُهُ في الإسْلامِ، وتُخْرِجُهُ مِنَ الكُفْرِ، وأحَبُّ النّاسِ إلى اللَّهِ أقْوَمُهم بِهَذِهِ المَحَبَّةِ وأشَدُّهم فِيها. الثّالِثُ: الحُبُّ لِلَّهِ وفِيهِ، وهي مِن لَوازِمِ مَحَبَّةِ ما يُحِبُّ، ولا تَسْتَقِيمُ مَحَبَّةُ ما يُحِبُّ إلّا فِيهِ ولَهُ. الرّابِعُ: المَحَبَّةُ مَعَ اللَّهِ، وهي المَحَبَّةُ الشِّرِكِيَّةُ، وكُلُّ مَن أحَبَّ شَيْئًا مَعَ اللَّهِ لا لِلَّهِ، ولا مِن أجْلِهِ، ولا فِيهِ، فَقَدِ اتَّخَذَهُ نِدًّا مِن دُونِ اللَّهِ، وهَذِهِ مَحَبَّةُ المُشْرِكِينَ. وَبَقِيَ قِسْمٌ خامِسٌ لَيْسَ مِمّا نَحْنُ فِيهِ: وهي المَحَبَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ، وهي مَيْلُ الإنْسانِ إلى ما يُلائِمُ طَبْعَهُ، كَمَحَبَّةِ العَطْشانِ لِلْماءِ، والجائِعِ لِلطَّعامِ، ومَحَبَّةِ النَّوْمِ والزَّوْجَةِ والوَلَدِ، فَتِلْكَ لا تُذَمُّ إلّا إذا ألْهَتْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وشَغَلَتْ عَنْ مَحَبَّتِهِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكم أمْوالُكم ولا أوْلادُكم عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [المنافقون: ٩]. وَقالَ تَعالى ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [النور: ٣٧].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب