الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكم عَنْ دِينِهِ﴾، فِيها مِنَ العَرَبِيَّةِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: ”مَن يَرْتَدِدْ“، و”مَن يَرْتَدَّ“، بِفَتْحِ الدّالِ، و”مَن يَرْتَدِّ مِنكم“، بِكَسْرِ الدّالِ، ولا يَجُوزُ في القِراءَةِ الكَسْرُ لِأنَّهُ لَمْ يُرْوَ أنَّهُ قُرِئَ بِهِ، وأمّا ”مَن يَرْتَدِدْ“، فَهو الأصْلُ، لِأنَّ التَّضْعِيفَ إذا سُكِّنَ الثّانِي مِنَ المُضَعَّفَيْنِ، ”ظَهَرَ التَّضْعِيفُ، نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿إنْ يَمْسَسْكم قَرْحٌ﴾ [آل عمران: ١٤٠]، ولَوْ قُرِئَتْ:“ إنْ يَمَسَّكم قَرْحٌ ”، كانَ صَوابًا، ولَكِنْ لا تَقْرَأنَّ بِهِ، لِمُخالَفَتِهِ المُصْحَفَ، ولِأنَّ القِراءَةَ سُنَّةٌ، وقَدْ ثَبَتَ عَنْ نافِعٍ وأهْلِ الشّامِ:“ يَرْتَدِدْ ”، بِدالَيْنِ، ومَوْضِعُ“ يَرْتَدَّ ”، جَزْمٌ، والأصْلُ كَما قُلْنا:“ يَرْتَدِدْ ”، وأُدْغِمَتِ الدّالُ الأُولى في الثّانِيَةِ، وحُرِّكَتِ الثّانِيَةُ بِالفَتْحِ، لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، قالَ أبُو عُبَيْدٍ: إنَّهم كَرِهُوا اجْتِماعَ حَرْفَيْنِ مُتَحَرِّكَيْنِ، وأحْسَبُهُ غَلِطَ، لِأنَّ اجْتِماعَ حَرْفَيْنِ مُتَحَرِّكَيْنِ مِن جِنْسٍ واحِدٍ أكْثَرُ في الكَلامِ مِن أنْ يُحْصى، نَحْوَ:“ شَرَرٌ ”، و“ مَدَدٌ ”، و“ قِدَدٌ ”، و“ خُدَدٌ ”، والكَسْرُ في قَوْلِهِ:“ مَن يَرْتَدِّ ”، يَجُوزُ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، لِأنَّهُ أصْلٌ، والفاءُ جَوابٌ لَلْجَزاءِ، أيْ:“ إنِ ارْتَدَّ أحَدٌ عَنْ دِينِهِ "، أيْ: اَلَّذِي هو الإيمانُ. (p-١٨٣)﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ﴾، أيْ: بِقَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، غَيْرِ مُنافِقِينَ، ﴿أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ﴾، أيْ: جانِبُهم لَيِّنٌ عَلى المُؤْمِنِينَ، لَيْسَ أنَّهم أذِلّاءُ مُهانُونَ، ﴿أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ﴾، أيْ: جانِبُهم غَلِيظٌ عَلى الكافِرِينَ. وَقَوْلُهُ: ﴿يُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾، لِأنَّ المُنافِقِينَ كانُوا يُراقِبُونَ الكُفّارَ، ويُظاهِرُونَهُمْ، ويَخافُونَ لَوْمَهُمْ، فَأعْلَمَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - أنَّ الصَّحِيحَ الإيمانِ لا يَخافُ في نُصْرَةِ الدِّينِ بِيَدِهِ، ولا لِسانِهِ، لَوْمَةَ لائِمٍ، ثُمَّ أعْلَمَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - أنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا بِتَسْدِيدِهِ، وتَوْفِيقِهِ، فَقالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ﴾، أيْ: مَحَبَّتُهم لِلَّهِ، ولِينُ جانِبِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وشِدَّتُهم عَلى الكافِرِينَ، فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - عَلَيْهِمْ، لا تَوْفِيقَ لَهم إلّا بِهِ - عَزَّ وجَلَّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب