الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ﴾ الآيَةَ. أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وأبُو الشَّيْخِ، والبَيْهَقِيُّ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: أنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ، وقَدْ عَلِمَ أنَّهُ سَيَرْتَدُّ مُرْتَدُّونَ مِنَ النّاسِ، فَلَمّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ارْتَدَّ عامَّةُ العَرَبِ عَنِ الإسْلامِ إلّا ثَلاثَةَ مَساجِدَ: أهْلُ المَدِينَةِ، وأهْلُ مَكَّةَ، وأهْلُ الجُواثا مِن عَبْدِ القَيْسِ، وقالَ الَّذِينَ ارْتَدُّوا: نُصَلِّي الصَّلاةَ ولا نُزَكِّي، واللَّهُ لا تُغْصَبُ أمْوالُنا، فَكُلِّمَ أبُو بَكْرٍ في ذَلِكَ (p-٣٥٣)لِيَتَجاوَزَ عَنْهُمْ، وقِيلَ لَهُ: إنَّهم لَوْ قَدْ فَقِهُوا أدَّوُا الزَّكاةَ فَقالَ: واللَّهِ لا أُفَرِّقُ بَيْنَ شَيْءٍ جَمَعَهُ اللَّهُ، ولَوْ مَنَعُونِي عِقالًا مِمّا فَرَضَ اللَّهُ ورَسُولُهُ لَقاتَلْتُهم عَلَيْهِ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَصائِبَ مَعَ أبِي بَكْرٍ فَقاتَلُوا حَتّى أقَرُّوا بِالماعُونِ، وهو الزَّكاةُ، قالَ قَتادَةُ: فَكُنّا نُحَدِّثُ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في أبِي بَكْرٍ وأصْحابِهِ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الضَّحّاكِ في قَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ﴾ قالَ: هو أبُو بَكْرٍ وأصْحابُهُ، لَمّا ارْتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ العَرَبِ عَنِ الإسْلامِ، جاهَدَهم أبُو بَكْرٍ وأصْحابُهُ حَتّى رَدَّهم إلى الإسْلامِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وخَيْثَمَةُ الأتْرابُلْسِيُّ في (فَضائِلِ الصَّحابَةِ)، والبَيْهَقِيُّ في (الدَّلائِلِ)، عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ﴾ قالَ: هُمُ الَّذِينَ قاتَلُوا أهْلَ الرِّدَّةِ مِنَ العَرَبِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أبُو بَكْرٍ وأصْحابُهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ قالَ: «لَمّا أنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكم عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ﴾ قالَ عُمَرُ: أنا وقَوْمِي هم يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: (لا، بَلْ هَذا وقَوْمُهُ) يَعْنِي أبا مُوسى الأشْعَرِيَّ» . وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ في (مُسْنَدِهِ)، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في (الدَّلائِلِ)، عَنْ عِياضٍ الأشْعَرِيِّ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ﴾ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (هم قَوْمُ هَذا)، وأشارَ إلى أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ» . وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، والحاكِمُ في (جَمْعِهِ لِحَدِيثِ شُعْبَةَ)، والبَيْهَقِيُّ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ قالَ: «تَلَيْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ﴾ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: (هم قَوْمُكَ يا أبا مُوسى، أهْلُ اليَمَنِ») . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ في (الكُنى)، والطَّبَرانِيُّ في (الأوْسَطِ)، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ (p-٣٥٥)قَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ﴾ قالَ: (هَؤُلاءِ قَوْمٌ مِن أهْلِ اليَمَنِ، ثُمَّ مِن كِنْدَةَ، ثُمَّ مِنَ السَّكُونِ، ثُمَّ مِن تُجِيبَ») . وأخْرَجَ البُخارِيُّ في (تارِيخِهِ)، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ﴾ قالَ: هم قَوْمٌ مِن أهْلِ اليَمَنِ، ثُمَّ مِن كِنْدَةَ، ثُمَّ مِنَ السَّكُونِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ﴾ قالَ: هم أهْلُ القادِسِيَّةِ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ في (تارِيخِهِ)، عَنِ القاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ قالَ: أتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ فَرَحَّبَ بِي، ثُمَّ تَلا: ﴿مَن يَرْتَدَّ مِنكم عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ﴾ ثُمَّ ضَرَبَ عَلى مَنكِبِي وقالَ: أحْلِفُ بِاللَّهِ إنَّهم لَمِنكم أهْلَ اليَمَنِ، ثَلاثًا. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ﴾ قالَ: هم قَوْمُ سَبَإٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكم عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهم ويُحِبُّونَهُ﴾ قالَ: هَذا (p-٣٥٦)وعِيدٌ مِنَ اللَّهِ أنَّهُ مَنِ ارْتَدَّ مِنهم سَيَسْتَبْدِلُ بِهِمْ خَيْرًا مِنهُمْ، وفي قَوْلِهِ: ﴿أذِلَّةٍ﴾ قالَ: رُحَماءَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عَلِيٍّ في قَوْلِهِ: ﴿أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ﴾ قالَ: أهْلِ رِقَّةٍ عَلى أهْلِ دِينِهِمْ، ﴿أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ﴾ قالَ: أهْلِ غِلْظَةٍ عَلى مَن خالَفَهم في دِينِهِمْ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ﴾ قالَ: رُحَماءَ بَيْنَهُمْ، ﴿أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ﴾ قالَ: أشِدّاءَ عَلَيْهِمْ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ﴾ قالَ: أشِدّاءَ عَلَيْهِمْ، وفي قَوْلِهِ: ﴿يُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ قالَ: يُسارِعُونَ في الحَرْبِ. (p-٣٥٧)وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ الضَّحّاكِ قالَ: لَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ارْتَدَّ طَوائِفُ مِنَ العَرَبِ، فابَتَعَثَ اللَّهُ لَهم أبا بَكْرٍ في أنْصارٍ مِن أنْصارِ اللَّهِ، فَقاتَلَهم حَتّى رَدَّهم إلى الإسْلامِ، فَهَذا تَفْسِيرُ هَذِهِ الآيَةِ. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ . أخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، والطَّبَرانِيُّ، والبَيْهَقِيُّ في (الشُّعَبِ)، عَنْ أبِي ذَرٍّ، قالَ: «أمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْعٍ: بِحُبِّ المَساكِينِ، وأنْ أدْنُوَ مِنهُمْ، وأنْ أنْظُرَ إلى مَن هو أسْفَلُ مِنِّي، ولا أنْظُرَ إلى مَن هو فَوْقِي، وأنْ أصِلَ رَحِمِي، وإنْ جَفانِي، وأنْ أُكْثِرَ مِن قَوْلِ: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ، فَإنَّها مِن كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ، وأنْ أقُولَ الحَقَّ، وإنْ كانَ مُرًّا، وألّا أخافَ في اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، وألّا أسْألَ النّاسَ شَيْئًا» . وأخْرَجَ أحْمَدُ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «(ألا لا يَمْنَعَنَّ أحَدَكم رَهْبَةُ النّاسِ أنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إذا رَآهُ أوْ شَهِدَهُ، فَإنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِن أجَلٍ، ولا يُباعِدُ مِن رِزْقٍ أنْ يَقُولَ بِحَقٍّ وأنْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ») . (p-٣٥٨)وأخْرَجَ أحْمَدُ، وابْنُ ماجَهْ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «(لا يَحْقِرَنَّ أحَدُكم نَفْسَهُ أنْ يَرى أمْرًا لِلَّهِ فِيهِ مَقالٌ فَلا يَقُولُ فِيهِ، فَيُقالُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ: ما مَنَعَكَ أنْ تَكُونَ قُلْتَ في كَذا وكَذا؟ فَيَقُولُ: مَخافَةَ النّاسِ، فَيُقالُ: إيّايَ كُنْتَ أحَقَّ أنْ تَخافَ») . وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ في (تارِيخِهِ) «عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيِّ قالَ: بايَعْتُ النَّبِيَّ ﷺ أنا، وأبُو ذَرٍّ، وعُبادَةُ بْنُ الصّامِتِ، وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وسادِسٌ، عَلى ألّا تَأْخُذَنا في اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، فَأمّا السّادِسُ فاسْتَقالَهُ فَأقالَهُ» . وأخْرَجَ البُخارِيُّ في (تارِيخِهِ)، مِن طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ قالَ: إنْ وُلِّيتَ شَيْئًا مِن أمْرِ النّاسِ فَلا تُبالِي في اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ أبِي ذَرٍّ قالَ: ما زالَ بِي الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، حَتّى ما تَرَكَ لِي الحَقُّ صَدِيقًا. (p-٣٥٩)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ قالَ: «بايَعْنا النَّبِيَّ ﷺ عَلى السَّمْعِ والطّاعَةِ في العُسْرِ واليُسْرِ، والمَنشَطِ والمَكْرَهِ، وعَلى أثَرَةٍ عَلَيْنا، وعَلى ألّا نُنازِعَ الأمْرَ أهْلَهُ، وعَلى أنْ نَقُولَ بِالحَقِّ أيْنَما كُنّا، لا نَخافُ في اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب