الباحث القرآني
قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج وَلَا على الْأَعْرَج حرج وَلَا على الْمَرِيض حرج) اخْتلف القَوْل فِي هَذِه الْآيَة، قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: الْآيَة نزلت فِي رخصَة هَؤُلَاءِ للتخلف عَن الْجِهَاد، وَالَّذِي ذكره بعده من الْأكل عطف رخصَة على رخصَة. وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت الْآيَة فِي رخصَة الْأكل من أَولهَا إِلَى آخرهَا، وَسبب ذَلِك أَن النَّاس كَانُوا يتحرجون من الْأكل مَعَ العميان وَالْعَرج والمرضى، وَيَقُولُونَ: إِن الْأَعْمَى لَا يَسْتَوْفِي الْأكل، والأعرج من الْجُلُوس، وَالْمَرِيض يضعف عَن التَّنَاوُل، وَكَانَ هَؤُلَاءِ أَيْضا يتحرجون من الْأكل مَعَ الأصحاء، فَيَقُول الْأَعْمَى: لَا آكل مَعَ بَصِير، فَرُبمَا آكل أَكثر مِمَّا يَأْكُل، والأعرج يَقُول: رُبمَا آخذ مَكَان نفسين، وَالْمَرِيض يَقُول: يتقذرني النَّاس، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة وَرفع الْحَرج.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن النَّاس كَانُوا يخرجُون إِلَى الْغَزْو، ويخلفون هَؤُلَاءِ فِي بُيُوتهم، فَكَانُوا يتحرجون من الْأكل، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة وَرفع الْحَرج، وَهَذَا قَول عَائِشَة، وَالْقَوْل الرَّابِع: أَن هَؤُلَاءِ كَانُوا يدْخلُونَ على الرجل لطلب الطَّعَام فَلَا يَجدونَ شَيْئا، فَيذْهب ذَلِك الرجل إِلَى بَيت آخر، ويحملهم مَعَ نَفسه ليصيبوا من طَعَام ذَلِك الرجل، وَهَذَا قَول مُجَاهِد، وَعَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي قَالَ: المُرَاد من الْآيَة هُوَ الْأَعْمَى الَّذِي مَعَه قَائِد، فَيحمل مَعَه قائده ليَأْكُل مَعَه، وَكَذَلِكَ الْأَعْرَج وَالْمَرِيض يحْملَانِ إنْسَانا مَعَ أَنفسهمَا.
وَقَوله: ﴿وَلَا على أَنفسكُم أَن تَأْكُلُوا من بُيُوتكُمْ﴾ أَي: وَلَا حرج على أَنفسكُم أَن تَأْكُلُوا من بُيُوتكُمْ، وَفِي مَعْنَاهُ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه بيُوت الْأَوْلَاد، رُوِيَ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أَنْت وَمَالك لأَبِيك ".
﴿بُيُوتكُمْ أَو بيُوت آبائكم أَو بيُوت أُمَّهَاتكُم أَو بيُوت إخْوَانكُمْ أَو بيُوت أخواتكم أَو بيُوت أعمامكم أَو بيُوت عماتكم أَو بيُوت أخوالكم أَو بيُوت﴾
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المُرَاد بيُوت الْأزْوَاج، وَيُقَال: بَيت كل إِنْسَان فِي نَفسه، وَالْأَوْلَاد أظهر.
وَقَوله: ﴿أَو بيُوت آبائكم﴾ الْآيَة إِلَى آخرهَا ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿أَو مَا ملكتم مفاتحه﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: هَذَا وَكيل الرجل وقيمه فِي ضيعته وغنمه، يَأْكُل من الثَّمر، وَيشْرب من اللَّبن، وَلَا يحمل وَلَا يدّخر، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المُرَاد من الْآيَة بيُوت العبيد، والمفاتح: الخزائن، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَعِنْده مفاتح الْغَيْب﴾ أَي: خَزَائِن الْغَيْب.
وَقَوله: ﴿أَو صديقكم﴾ الصّديق هُوَ الَّذِي صدقك فِي الْمَوَدَّة، وَيُقَال: الصّديق هُوَ الَّذِي ظَاهره مثل ظاهرك، وباطنه مثل باطنك، وَالصديق هَا هُنَا وَاحِد بِمَعْنى الْجمع.
قَالَ الشَّاعِر:
( [دعون] الْهوى [ثمَّ ارتمين] قُلُوبنَا ... بأسهم أَعدَاء وَهن صديق)
وَعَن بَعضهم: أَن الله تَعَالَى رفع أَمر الصّديق على أَمر الْأَبَوَيْنِ، قَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن أَمر جَهَنَّم: ﴿فمالنا من شافعين وَلَا صديق حميم﴾ ، وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق أَنه قَالَ: مثل صديقك مثل نَفسك. وَعَن الْحسن وَقَتَادَة قَالَا: كَانُوا يستحبون أَن يدخلُوا دور إخْوَانهمْ فيتناولون من غير اسْتِئْذَان، وَكَانَ يَقع ذَلِك بِطيب من نُفُوسهم، ومودة فِي قُلُوبهم. وَعَن ابْن عمر قَالَ: وَمَا كَانَ أَحَدنَا بِأَحَق بدرهمه وديناره عَن صَاحبه. وَعَن بَعضهم: أَنه ذكر صديقا لَهُ فَقَالَ: أيأخذ من كيسك ﴿خالاتكم أَو مَا ملكتم مفاتحه أَو صديقكم لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا﴾ ودراهمك مَا تحب فَلَا تكرههُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: لَيْسَ لَك هُوَ بصديق.
وَقَوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَو أشتاتا﴾ رُوِيَ أَن الله تَعَالَى لما أنزل قَوْله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض﴾ توقى النَّاس غَايَة التوقي، وَقَالُوا: لَا نَأْكُل مَعَ أحد حَتَّى لَا نَأْكُل بَاطِلا، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَرُوِيَ أَن الْآيَة نزلت فِي مَالك بن زيد مَعَ الْحَارِث بن عَمْرو، وَكَانَ الْحَارِث خلف مَالك بن زيد فِي دَاره، وَخرج غازيا، وأباح لَهُ الْأكل، فَلم يَأْكُل شَيْئا. وَمن الْمَعْرُوف فِي التَّفْسِير: أَن الْآيَة نزلت فِي بني بكر من كنَانَة، وَكَانَ لَا يَأْكُل أحد مِنْهُم وَحده حَتَّى يجد ضيفا يَأْكُل مَعَه، وَإِذا لم يجد وأجهده الْجُوع نصب خَشَبَة ولف عَلَيْهَا ثوبا وَأكل عِنْدهَا؛ ليظن النَّاس أَنه إِنْسَان يَأْكُل مَعَه، وَرُوِيَ أَن وَاحِدًا مِنْهُم نزل بلقاحه وَاديا، فجاع فَحلبَ لقحة مِنْهَا، ونادى فِي الْوَادي: من كَانَ هَا هُنَا فليحضر ليَأْكُل، وَكَانَ فِي الْوَادي رجل فاختفى وَلم يجب، وأجهده الْجُوع، فَجَلَسَ يَأْكُل وَحده، فَخرج الرجل، وَقَالَ لَهُ: يَا رَضِيع، أتأكل وَحدك، فَأخذ الرجل سَيْفه وعدى عَلَيْهِ وَقَتله مَخَافَة أَن ينشر فِي النَّاس ذَلِك الْفِعْل مِنْهُ، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وأباح للْقَوْم أَن يَأْكُلُوا منفردين وَجَمَاعَة، فَإِن قيل: مَا قَوْلكُم فِي هَذِه الْآيَة، وَإِذا دخل بَيت وَاحِد مِمَّن سبق ذكره، هَل يجوز لَهُ أَن يَأْكُل بِغَيْر إِذْنه؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: قَالَ أَبُو بكر الْفَارِسِي: إِن كَانَ سبق مِنْهُ إِذن على الْإِجْمَال - وَإِن لم يكن على التَّعْيِين - فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يَأْكُل، وَفِي غير هَؤُلَاءِ لَا يجوز إِلَّا أَن يعين. وَقَالَ بَعضهم: إِذا كَانَ الطَّعَام مبذولا غير مُحرز، جَازَ لَهُ أَن يَأْكُل وَإِن كَانَ محرزا فِي حرز لَا يجوز لَهُ أَن يَأْكُل، وَأما حمل الزَّاد ومباذلة الْغَيْر فَهُوَ حرَام مَا لم يُؤذن على التَّعْيِين، وَقد قيل: إِذا كَانَ يَسِيرا فَلَا بَأْس بِهِ للعبيد والخدم.
وَقَوله: ﴿فَإِذا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلمُوا على أَنفسكُم﴾ أَي: ليسلم بَعْضكُم على بعض، وَهَذَا كَقَوْلِه: ﴿وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم﴾ أَي: وَلَا يقتل بَعْضكُم بَعْضًا، وَيُقَال معنى الْآيَة: إِذا دخل بَيته يسلم على أَهله، وَهِي سنة قد هجرت، قَالَ قَتَادَة " أهلك أَحَق أَن تسلم عَلَيْهِم. وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا دخل بَيته وَنسي السَّلَام خرج ثمَّ رَجَعَ وَسلم. وَأما إِذا دخل بَيْتا خَالِيا، فَيَقُول: السَّلَام علينا من رَبنَا، وَإِذا دخل مَسْجِدا لَيْسَ فِيهِ أحد يَقُول: السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين، وَقد بَينا أَن السّنة إفشاء السَّلَام على من تعرف وَمن لَا تعرف، وَكَانَ ابْن عمر يسلم على النسوان كَمَا يسلم على الرِّجَال، وَقَالُوا: إِن كَانَت عجوزا فَلَا بَأْس بِهِ، وَإِن كَانَت شَابة فَلَا يسلم.
وَقَوله: ﴿تَحِيَّة من عِنْد الله مباركة طيبَة﴾ أَي: حَسَنَة جميلَة، قَالَه ابْن عَبَّاس، وَيُقَال: ذكر الْبركَة وَالطّيب هَا هُنَا لما فِيهِ من الثَّوَاب، وَمن أهْدى سَلاما إِلَى إِنْسَان، فَهِيَ هَدِيَّة خَفِيفَة الْمحمل، طيبَة الرّيح، مباركة الْعَاقِبَة.
وَقَوله: ﴿كَذَلِك يبين الله لكم الْآيَات لَعَلَّكُمْ تعقلون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
{"ayah":"لَّیۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِیضِ حَرَجࣱ وَلَا عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ أَن تَأۡكُلُوا۟ مِنۢ بُیُوتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ ءَابَاۤىِٕكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ إِخۡوَ ٰنِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أَخَوَ ٰتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أَعۡمَـٰمِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ عَمَّـٰتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أَخۡوَ ٰلِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ خَـٰلَـٰتِكُمۡ أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥۤ أَوۡ صَدِیقِكُمۡۚ لَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُوا۟ جَمِیعًا أَوۡ أَشۡتَاتࣰاۚ فَإِذَا دَخَلۡتُم بُیُوتࣰا فَسَلِّمُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ تَحِیَّةࣰ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَـٰرَكَةࣰ طَیِّبَةࣰۚ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق